إسلام ويب

حاسبوا أنفسكمللشيخ : سعود الشريم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحتاج النفس إلى ترويض وتهذيب حتى ترقى إلى مرتبة الاطمئنان، وإن من أجدى الوسائل في الترويض المحاسبة، فتحاسب النفس عما تذر وتفعل مع استشعار رقابة الله تعالى، ومن حاسب نفسه في الدنيا خف حسابه في الآخرة.

    1.   

    ضرورة المحاسبة لبناء الأمة

    الحمد لله الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، ونستعينه على نفوسنا البطاء عما أمرت به، السراع إلى ما نهيت عنه، ونستغفره مما أحاط به علمه، وأحصاه كتابه، علمٌ غير قاصر، وكتاب غير مغادر، خلق الإنسان، وبصره بما في الحياة من خير وشر إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فإن تقوى الله سبحانه دار حصن عزيز، تمنع أهلها وتحرز من لجأ إليها، وبها تقطع حمة الخطايا، فهي النجاة غداً والمنجاة أبداً.

    أيها الناس: إن للأمم مع نفوسها غفوة تعقبها غفوات، وللأفراد المنفردين كما للأمم والشعوب سواءً بسواء، وإذا كانت غفوة الفرد تُعَدُّ بالساعات؛ فإن غفوة الأمم تعد بالسنين؛ لأن السنة في حياة الأمة تقوم مقام اليوم أو بعضه في حياة فرد من الأفراد، وحينما تتعرض الأمم للنكبات تزلزلها وتبلبلها؛ يكون حتماً على أفرادها ومجتمعاتها، أن يعودوا إلى أنفسهم ليتبينوا مواضع أقدامهم، ويبصروا مواقع خطواتهم، فيصححوا ما في واقعهم من أخطاء، أو ليرقعوا الفتوق الناتجة عن الغفلة وقلة الاكتراث؛ حتى تعود نفوسهم لبنات صالحة؛ لإقامة صرح الأمة المشيد، ولذلك يقول الحق جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] ويقول جلَّ شأنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة:105] ويقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (عليك بنفسك ) رواه أبو داود والترمذي .

    استشعار رقابة الله

    عباد الله: إن الفساد في الدنيا إنما يكون ظاهراً جلياً، حينما لا يظن المجتمع أو بعض أفراده حساباً؛ لا يظنون حساباً من رب قاهر، أو من ولي حاكم، أو من مجتمع محكوم، أو من نفس لوَّامة، وحينما لا يظن المجتمع أو بعض أفراده حساباً على تصرفاتهم؛ فإنهم ينطلقون في حركاتهم كما يحبون، ويموتون كما يشتهون، وكما تهوى أنفسهم، فيتقلبون على الحياة ودروبها، بلا زمام ولا خطام، فيتشبهون بأهل النار من حيث يشعرون أو لا يشعرون إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً [النبأ:27-28] فهؤلاء لم يكونوا مؤمنين بالـمُحَاسِبْ، ولا موقنين بالـمُحَاسَبْ، لو أن الأمم والمجتمعات يخبطون في الدنيا خبط عشواء، ويتصرفون على ما يحلو لهم دون معقب أو حسيب، لجاز على تفريط وحمق أن يبعثروا حياتهم كما يبعثر السفيه ماله، فكيف ولِله حَفَظَةٌ يدونون مثقال الذرة وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49].

    والذي ينبغي على الناس بعامة أن يكونوا على وعي وبصيرة بمقدار ما يفعلون من خطأ أو صواب، والحق -عباد الله- أن هذا الانطلاق في مهامه الحياة أفراداً وجماعات دون اكتراث بما كان أو يكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم والعياذ بالله.

    وقد عده الله في كتابه الكريم من الأوصاف التي يعرف بها المنافقون الذين لا كياسة لديهم، ولا يقين لهم: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126].

    ترويض النفس على الاستقامة

    إن العقول السوية والفطرة السليمة، لن تخرج عن إطارها؛ إذا اعتبرت النفس الصالحة هي البرنامج الوحيد لكل إصلاح، وأن ترويضها للاستقامة وتذليلها للطاعة هو الضمان الحي لكل حضارة ورفعة، وإن النفس إذا اختلَّت وزلَّت أثارت الفوضى في أحكم النظم، والبلبلة في كنف الهدوء، واستطاعت النفاذ من ذلك إلى أغراضها الدنيئة، ومطامعها المريبة، والنفس الكريمة ترقع الفتوق في الأحوال المختلفة، ويشرق نُبلها من داخلها، فتحسن التصرف والمسير وسط الأنواء والأعاصير.

    إن القاضي المسلم النـزيه يكمل بعدله وتقواه نقص المتداعين الغششة، والقاضي الجائر يستطيع الميل بالنصوص المستقيمة، ولي أعناقها؛ لتحقيق رغباته، وإشباع شهواته، وقائد القاضيين كليهما هي النفس وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].

    أيها الناس: إن أصعب الأشياء مجاهدة: النفس ومحاسبتها؛ لأنها تحتاج إلى صناعة عجيبة، وقدرة رهيبة، فإن أقواماً أطلقوها فيما تحب؛ فأوقعتهم فيما كرهوا، وإن آخرين بالغوا في خلافها حتى ظلموها ومنعوها حقها، وأثر ظلمهم لها في تصرفاتهم وتعبداتهم، ومن الناس من أفرد نفسه في خلوة وعزلة؛ أثمرت الوحشة بين الناس، وآلت به إلى ترك فرائض أو فضل؛ من عيادة مريض؛ أو بر والدة.

    وإنما الحازم المحكم من تعلم منه نفسه الجد وحفظ الأصول، فالمحقق المنصف: هو من يعطيها حقها، ويستوفي منها ما عليها، وإن في الحركة بركة، ومحاسبة النفس حياة، والغفوة عنها لون من ألوان القتل صبراً.

    عاقبة محاسبة النفس

    عباد الله: لقد قال الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] إن العبد المسلم لن يبلغ درجة التقوى؛ حتى يحاسب نفسه على ما قدمت يداه، وعلى ما يعقد عليه العزم من شئونه في جميع الأمور، فينيب إلى الله مما اجترح من السيئات؛ ملتمساً عفو الله ورضاه، طامعاً في واسع رحمته وعظيم فضله.

    ومحاسبة النفس المؤمنة سمة للمؤمن الصالح {الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني } والذنوب واردة على كل مسلم ولكن لا بد لها من توبة، ولا توبة دون محاسبة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون } رواه الترمذي .

    يتوب العبد بعد أن يحاسب نفسه، ويحاسب نفسه لينجو من حساب الآخرة؛ فإن الشهود كثير، ولا يملك العبد في الاحتيال من فتيل ولا نقير ولا قطمير وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] يقول الصحابة رضي الله عنهم: {يا رسول الله! وما أخبارها؟ قال: أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا } رواه أحمد وغيره.

    وصية عمر لمحاسبة النفس

    فنظّر الله الخليفة الراشد ورضي عنه ذا الكلمة الراشدة؛ الراسمة طريقة النجاح: [[حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ]] يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

    إن ارتفاع النفس ونضوجها لا يتكون فجأة، ولا يولد قوياً ناضجاً دونما سبب، بل يتكون على مُكْثٍ، وينضج على مراحل، وإن ترويض النفس على الكمال والخير، وفطامها عن الضلال والشر يحتاج إلى طول رقابة، وكرَّات حساب.

    وإن عمارة دار جديدة على أنقاض دار خربة لا يتم طفرة بارتجال واستعجال، فكيف ببناء النفس وإنشائها المنشأ السوي! وإذا كانت النفس الرديئة دائمة الإلحاح على صاحبها تحاول العوج بسلوكه بين الحين والحين؛ فلن يخفف شرها علاج مؤقت، وإنما تحتاج إلى عامل لا يقل قوة عنها، يعيد التوازن على عجل إذا اختل ألا وهو عامل المحاسبة.

    إنه لا أشد حمقا، ولا أغرق غفلة؛ ممن يعلم أنه يحصى عليه مثاقيل الذر، وسيواجه بما عمله من خير أو شر، ويظل في سباته العميق لاهياً غير مستعتب لنفسه، ولا محاسب لها، يمسي على تقصير، ويصبح على تقصير، سوء يتلوه سوء، كذب وزور، غيبة ونميمة، حسد وتشفٍّ، دجل وفجور، فجور في السلوك، وفجور في التطاول بالسوء على من سوى نفسه وأهله، يقول أحد السلف رحمه الله: من حاسب نفسه قبل أن يُحاسب؛ خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومئابه، ومن لم يحاسب نفسه دامت خسارته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.

    1.   

    علاج غلبة النفس والهوى

    أيها المسلم: يا رعاك الله! إن قهرتك النفس بغلبتها، فصل عليها بسوق العزيمة، فإنها إن عرفت جدك، استأسرت لك، فالدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدو مباطن لك، ومن أدب الجهاد قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ [التوبة:123] إن مالت إلى الشهوات فألجمها بلجام التقوى، فإن رفعت نفسها بعين العجب؛ فذكرها حقارة أصلها ومهانته أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [المرسلات:20] فإنك والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك؛ لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك، النفس المريضة كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

    والمعلوم المشاهد أنه متى قوي عزم المجاهدة للنفس؛ لانت له بلا حرب، ولما قويت مجاهدة النبي صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم قرينه صلوات الله وسلامه عليه، والفاروق رضي الله عنه، يشيد به المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إيه يا بن الخطاب! والله ما رآك الشيطان في فج إلا سلك فجاً غير فجك ).

    مجاهدة النفس فرض عين

    فيا أيها المسلم! بدل اهتمامك لك باهتمامك بك، واسرق منك لك فالعمر قليل، تظلَّم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد وأنت على الضد! أبداً تفر من الزحف، وما ارتقيت درجة مجاهدة النفس ومحاسبتها، أتروم حينها الحصاد وأنت لم تبذر بعد؟! فإن النفس لن ترضى إذا لم تروض؛ لأنها سبع عقور، وإنما يراد الصيد لا العضود وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] إن النفس إذا كانت تهوى وتشتهي، والمرء ينهاها ويزجرها كان نهيه إياها عبادة لله تعالى يثاب عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: {المجاهد من جاهد نفسه } رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح.

    والمرء إلى جهاد نفسه أحوج منه إلى جهاد الكفار، فإن هذا فرض كفاية، وجهاد النفس فرض عين، ومن جاهد النفس لا يكون محموداً فيه إلا إذا غَلَب، بخلاف جهاد الكفار، فإنه كما قال جل وعلا: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:74] وأما المجاهد نفسه فإذا غُلِب كان مذموماً ملوما، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب } رواه البخاري ومسلم .

    الوقوف مع النفس قليلاً

    فما أحرانا -معاشر المسلمين- بالمحاسبة مع أنفسنا، وما أحرى وأحق أن يقف المسلم مع نفسه بذلك مذكراً لها، ومحاسباً إيَّاها عما أسلفته بحق وصدق معاتباً لها: وَيْحَكِ أيتها النفس! ما دورك؟! وما أشد غفلتك وسِنَتَكِ؟! ما موقفك من فرائض الإسلام، وشرائع الدين وقضاياه، وما يتطلبه من جد وتضحيات؟ قال مالك بن دينار : رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً.

    عباد الله: اتقوا الله واعلموا أن محاسبة النفس ميدان جهاد لا يحتاج إلى جيوش ولا مجنزرات، ولكنه يحتاج إلى جيش الهمة والعزيمة؛ ولا بد لنا -معشر المسلمين- من معركة مع أنفسنا؛ لنصلح بعد ذلك للمعركة مع أعدائنا، ولنتذكر قول ربنا: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].

    بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه إنه كان غفاراً.

    1.   

    النفوس ثلاثة أنواع

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فاتقوا الله أيها المسلمون! ثم اعلموا أن النفوس ثلاث:

    الأولى: نفس أمارة بالسوء.

    والثانية: نفس لوَّامة.

    والثالثة: نفس مطمئنة.

    ولا شك أن شر هذه النفوس: هي الأمارة بالسوء، الداعية إلى الضلال، المحرضة صاحبها على الانحراف والاعتساف، والإنسان الغافل الضال حينما تدركه رحمة خالقه؛ ينازع نفسه بعد طول شقاء وعناء، ويقاومها لينقلها من منبت السوء إلى منبت الخير والرفعة، ويوقظ فيها صوت الضمير؛ فإذا هي نفس لوَّامة تتفكر وتتدبر وتعتبر فتنزجر، ثم تبلغ القمة والعلو؛ فإذا هي نفس مطمئنة لا تزلزلها الأهوال ولا الشدائد الثقال.

    فليت كل واحد منا يسائل ذاته: أين نفسي بين تلك النفوس الثلاث، وفي أي طريق تسير؟

    أفي المقدم أم المؤخر؟

    أفي العلو أم في السهل؟

    هل ساءلت نفسك -أيها المرء- فحاسبتها قبل أن تحاسب؟

    هل تفكرت تفكر محقق؟

    هل نظرت إلى خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعاً، ولو كُشف للناس بعضها لاستحييت من قبحها وشناعتها؟

    أُفٍ ثم أُفٍ لنفس مريضةٍ إن نوظرت شمخت، وأن نوفحت تعجرفت، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف.

    أين أنت -أيها المسلم- من ذلك المثل الرائع الذي ضربه لمحاسبة النفس أبو الدرداء رضي الله عنه حين جلس يبكي وقد رأى دولة الأكاسرة تهوي تحت أقدام المسلمين، وأجاب من قال له: [[يا أبا الدرداء تبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! فيقول أبو الدرداء : ويحك يا هذا! ما أهون الخلق على الله؛ إنما هي أمة قاهرة ظاهرة تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى ]].

    وقد حمل ابن سيرين رحمه الله ديناً فسئل فقال: إني لأعرف الذنب الذي حمل به عليَّ الدين ما هو؟ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس!

    الله أكبر أيها المسلمون! قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون؟ وكثرت ذنوبنا فليس ندري من أين نؤتى!

    اللهم اعصمنا من شر الفتن، وعافنا من جميع البلايا والمحن، وأصلح منا ما ظهر وما بطن، ونق قلوبنا من الغل والحقد والحسد، ولا تجعل علينا تبعة لأحد من خلقك يا أرحم الراحمين!

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

    اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

    اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم! اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ما سألناك من خير فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا، وما قَصُرتْ عنه آمالنا من الخيرات فبلِّغنا، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756351575