إسلام ويب

تفسير سورة القمر (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعث الله عز وجل نبيه صالحاً إلى قوم ثمود بعد أن تركوا التوحيد والإيمان، واتخذوا عوضاً عنه الكفر والعصيان، فدعاهم إلى العودة إلى الطريق القويم، فطلبوا منه الآيات والمعجزات على أن يؤمنوا إن هم اقتنعوا، فدعا ربه أن ينزل عليهم آية، فأخرج لهم من جوف الصخرة الصماء ناقة، وجعل الماء بينهم وبينها مناصفة، فما كان منهم إلا أن بعثوا أشقاهم فقتلها، فعاقبهم الله بالصيحة التي تركتهم كالهشيم، ولهم في الآخرة عذاب أليم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود بالنذر)

    الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد.

    فها نحن مع هذه الآيات من سورة القمر، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:23-32].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر:23] هذا ثالث القصص من هذه السورة، وهي خلاصات, الأولى قصة نوح، والثانية عاد، والثالثة قصة ثمود.

    كَذَّبَتْ ثَمُودُ [القمر:23] ثمود قبيلة, هذه القبيلة نزحوا يوم دمر الله عاداً وخرج المؤمنون والمؤمنات منهم, بعضهم نزلوا بمكة مع نبي الله هود عليه السلام، وبعضهم نزحوا إلى الشمال في مدائن صالح، وتكونت منهم أمة في قرون لا أيام، وأصبحت أمة تعرف بأمة ثمود، ثمود أبوها, كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر:23] كذبوا رسول الله صالحاً، وكذبوا بما أنذرهم به وخوفهم به من عذاب الله في الدنيا والآخرة, ما صدقوا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر)

    قال تعالى: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ [القمر:24]؟ يتعجبون: كيف بواحد منا إنسان ما هو بملك من الملائكة ونتبعه؟ بأي منطق هذا؟

    أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ [القمر:24] في تيهان وضلال وجنون أيضاً، كيف نتبع رجلاً واحداً منا؟ هذا كله من تزيين الشيطان لهم ذلك، وإلا فالرسول يكون رجلاً واحداً, لا تبعث رسل مجموعة، ولكن الشياطين هي التي تزين وتحسن لأوليائها هذه الأباطيل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أؤلقي عليه الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر)

    قال تعالى عنهم: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25]؟ ألقي عليه الذكر والوحي من عند الله تعالى من بيننا، هل اختير لهذه المهمة وحده؟ هذا الاستفهام إنكاري وتكذيبي.

    بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر:25] ما هو بنبي ولا برسول, بل كذاب متكبر، أبى أن يستجيب لنا ويمشي معنا, كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر:25].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سيعلمون غداً من الكذاب الأشر)

    هنا قال تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ [القمر:26], وغداً اليوم الآتي يوم القيامة ويوم هلاكهم ودمارهم، سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ [القمر:26] هم أو صالح عليه السلام، وذلك يوم عذابهم في الدنيا ويوم دخولهم في جهنم, سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ [القمر:26].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر)

    ثم قال تعالى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ [القمر:27], الناقة من جملة ما طالبوا صالحاً به, قالوا: إن كنت تدعي أنك رسول الله فادع الله يخرج لنا ناقة من هذا الجبل، تحدياً, وإلا فما جرت سنة الله بهذا أبداً، لكنه العناد والمكابرة والتحدي، وقام عليه السلام يصلي ويدعو, وما زال يصلي ويدعو حتى انفلقت الصخرة وخرجت منها ناقة عشراء جميلة لا أحسن منها، فقال تعالى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ [القمر:27], فتنة لهم, اندهشوا وتعجبوا، لا سيما أن الماء الذي في بئر البلاد يشربون منه, فتأخذه الناقة يوماً وحدها، واليوم الثاني لأهل البلاد، والماء الذي تشربه كله يتحول إلى لبن, وتقف أمام كل بيت فيحلبون منها، فازدادوا بذلك فتنة, كيف هذا؟ ناقة تشرب الماء كله، ثم يتحول إلى لبن ونحلبه كله؟ بدل أن يؤمنوا ويصدقوا ويسلموا ازدادوا كفراناً والعياذ بالله تعالى.

    إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ [القمر:27] يا عبدنا، يا رسولنا, وَاصْطَبِرْ [القمر:27] على ما يجري ويتم بينك وبينهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر)

    قال تعالى: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر:28] أعلمهم أن الماء مقسوم: يوم للناقة ويوم لهم، وكل شرب محظور عن غير صاحبه, ويوم الحليب كذلك, كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر:28] خاص بصاحبه, فيوم يكون الماء للناقة لا يجوز أن يأخذوا الماء، وفي اليوم الثاني يكون لبن من الناقة, فما تأتي هي لتشرب الماء, كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر:28].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر)

    قال تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ [القمر:29] وهو قدار بن سالف , أخبثهم، وأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيها أيضاً عقبة بن أبي معيط كـقدار بن سالف ؛ لأنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت وحين كان يصلي جاء بسلى جزور ووضعه على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فكان أخبث هذه الأمة كـقدار بن سالف أخبث قوم ثمود والعياذ بالله تعالى.

    ومما عرفناه أن فاطمة الزهراء وهي طفلة هي التي جاءت وأخذت ذاك السلى وأبعدته عن ظهر أبيها, فكان عقبة بن أبي معيط أخبث هذه الأمة، وقدار بن سالف -والعياذ بالله تعالى- أخبث تلك الأمة.

    إذاً: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ [القمر:29] قدار بن سالف , فَتَعَاطَى [القمر:29] قال: أعطوني الحديدة أو السيف, فأعطوه فعقر الناقة، ضربها في رجليها ولما سقطت ذبحها، يريدوا أن يروا ماذا يحدث، قالوا: دعنا نقتل هذه الناقة, فما الذي سيحصل؟

    والذي حصل أنه من مساء الأربعاء مكثوا ثلاثة أيام -الأربعاء والخميس والجمعة- وهم على ركبهم جاثمون لا يستطيعون أكلاً ولا شرباً ولا حركة ولا بولاً، وفي صباح السبت صاح فيهم جبريل صيحة فخرجت أرواحهم كلها, فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65], الأربعاء والخميس والجمعة وهم جاثمون على ركبهم لا يتحركون ولا يأكلون ولا يشربون، وفي صباح السبت صاح فيهم صيحة جبريل عليه السلام فخرجت أرواحهم، ومن ثم إلى جهنم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونذر)

    قال تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:29-30], يقول الله تعالى: كيف كان عذابه الذي عذبهم؟ أمة كاملة عذبها إلا من آمن مع صالح وخرجوا معه، كلهم هلكوا في ساعة واحدة.

    فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:30], والرسول صالح نذيرٌ من نذره، وما أنذرهم به وخوفهم كيف كان؟ كان كما أراد الله، أذاقهم الله مر العذاب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر)

    ثم قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً [القمر:31] ألا وهي صيحة جبريل عليه السلام، وجبريل لما تجلى في مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سد الأفق بأجنحته، الأفق كله انسد بستمائة جناح، فصيحته تهلك من سمعها.

    إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ [القمر:31], وهو الذي يجعل المرء مكاناً لإبله، لغنمه, ويجمع فيه الأعشاب اليابسة والعيدان وما إلى ذلك، أصبحوا هم كذلك, كهشيم المحتظر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)

    ثم قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:32], فاحفظوه عباد الله وتدارسوه، واذكروا به الله وتذكروا ما ينفعكم وما يضركم؛ لأنه كتاب الله حوى العلوم والمعارف كلها.

    وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:32] اللهم اجعلنا من المدكرين المتذكرين التالين لكتابك، الدارسين له، العاملين بما فيه يا رب العالمين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: بيان سنة الله في إهلاك المكذبين ].

    فالذين يرسل الله إليهم رسوله فيكذبونه يهلكهم كما أهلك عاداً وثمود وغيرهما, سنة الله، إذا أرسل الله إلى أمة رسولاً فلم تؤمن به وكذبته وأصرت على الشرك والإلحاد والفسق والفجور فإنه تعالى يهلكها في الدنيا, وهو عذاب الدنيا, ثم تنتقل أرواحها إلى عذاب الآخرة الأبدي الذي لا ينتهي، هذه سنة الله عز وجل، فقد أهلك ثمود وأهلك عاداً.

    [ ثانياً: بيان أن الآيات لا تستلزم الإيمان، وإلا فآية صالح من أعظم الآيات, ولم يؤمن بها قوم ثمود ].

    من هداية الآيات التي تدارسناها: أن الآيات -أي: المعجزات- لا تستلزم الإيمان، فلو أن المشركين في مكة رأوا آية فلن يؤمنوا إلا من شاء الله أن يؤمن، وبالفعل لما رأوا القمر انفلق فلقتين على جبل أبي قبيس هل آمنوا؟ ما آمنوا، والشاهد من هذا: أنه الآن في أي قبيلة، في أي قرية، في أي بلاد لو تدعو إلى الله ويشاهدون آية فلن يؤمنوا، أنت في وسط باريس أو لندن تقول: آمنوا, فيقولون: هات ما عندك، فتدعو الله عز وجل أن ينزل مطراً فإنهم لا يؤمنون، يؤمن البعض والبعض لا يؤمن، هذه سنة الله عز وجل.

    [ ثالثاً: أشقى أمة الإسلام عقبة بن أبي معيط الذي وضع سلى الجزور على ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي حول الكعبة، وعاقر ناقة صالح قدار بن سالف كما جاء في الحديث ].

    من هداية الآيات: أننا علمنا أن أشقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو عقبة بن أبي معيط في مكة، لماذا؟ لأنه كان يأتي بسلى جزور من الصفا والرسول صلى الله عليه وسلم راكع, فيضعه بدمه وأوساخه على ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن يفعل هذا مع رسول الله؟ والله! إنه لأشقى هذه الأمة.

    و قدار بن سالف الذي قتل الناقة, ضربها في رجليها ولما سقطت ذبحها والعياذ بالله تعالى.

    [ رابعاً: دعوة الله إلى حفظ القرآن والتذكير به، فإنه مصدر الإلهام والكمال والإسعاد ].

    من هداية الآيات: أمر الله لنا بقراءة القرآن، بحفظه، بفهمه, بالعمل بما فيه؛ لأنه والله! للنور الإلهي, صاحبه ما يقع في الظلام ولا الهلاك أبداً، ومن أعرض عن كتاب الله فلم يقرأه، لم يحفظه، لم يدرسه، لم يعمل به؛ فهو -والله- لمن الهالكين ومن شر الخلق.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755933366