وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين- والليلة التي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة يونس بن متى المكية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات التي تدارسنا بعضها بالأمس واليوم نتدارسها جميعاً، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونتعلم ونسمع، وهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة الآيات مجودة مرتلة ثم نتدارسها إن شاء الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:15-18].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن السور المكية، أي: التي نزلت بمكة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة، هذه السور تعالج قضايا معينة: ألا وهي التوحيد والوحي والبعث الآخر، فالسور المكية التي نزلت بمكة تعالج قضايا معينة وهي:
إثبات التوحيد لله عز وجل بحيث لا يعبد إلا الله.
ثانياً: إثبات الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: تقرير مبدأ المعاد والحياة الآخرة للحساب ثم الجزاء، وهذه أصول العقائد، وهكذا كل آية ندرسها نجدها تعالج هذه القضايا، وإليكم هذه الآيات.
قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا [يونس:15] أي: المكذبون بالبعث الآخر، المكذبون بيوم القيامة والساعة الآخرة هم الذين لا يرجون لقاء الله، ماذا قالوا؟ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا [يونس:15] يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائت بقرآن غير هذا القرآن. وهذه غطرسة، جهالة، ظلم، وهل الرسول يملك أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن؟ لكنه التحدي والعناد والمكابرة، قالوا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15]، والمراد من هذا أنهم يريدون استبدال الآيات التي فيها التنديد بالشرك والمشركين والوعيد الشديد لهم، يريدون أن يستبدلها بآيات أخرى لا تذكر آلهتهم ولا تندد بها ولا تسبها وتشتمها، وحينئذ نؤمن بك، عشرة من شياطين قريش اجتمعوا على هذا المبدأ وخاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا.
قل لهم يا رسولنا: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [يونس:15] هذه هي وظيفتي ومهمتي، هذا هو موقفي ما عندي موقف آخر، وهو أنني أتبع وأمشي وراء ما يوحي الله تعالى إلي، أقول ما يقول وآمر بما يأمر وأبشر بما يبشر، ليس عندي وراء ذلك شيء.
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس:15] هو يوم القيامة، إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:1-8] هذا هو اليوم العظيم.
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي [يونس:15] فقلت ما لم يقل، أو ادعيت ما لم ينزل إلي ويوحي به إلي، أخاف من هذا عذاب يوم القيامة، وهذا تقرير لمبدأ البعث الآخر.
ثم ذكر الدليل: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ [يونس:16] أربعين سنة، فهل تكلمت بالقرآن؟ هل دعوت إلى شيء؟ هل نددت بآلهتكم؟ أربعون سنة وأنا معكم، عُمْر كامل، ثم أوحي إلي فأنا متبع ما يوحي الله تعالى إلي.
فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس:16] لو كان هناك عقول صافية واضحة لفهموا أن هذا الأمي في أربعين سنة ما تكلم بشيء والآن يتكلم بالعجب العجاب، ألا يكون هذا وحي الله وكتابه إليه؟ لكن أين العقول؟
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [يونس:17] وقد بينا أن الذي يقول: قال الله، والله ما قال، أو يقول: شرع الله، والله ما شرع، أو يقول: حرم الله، والله ما حرم، أو يقول: أخبر الله بكذا، والله ما أخبر؛ كل هذا من الافتراء على الله عز وجل، فلهذا لا يحل لإنسان أو ملك من الملائكة أن يقول إلا ما قال الله عز وجل، وإلا وقع في هذا الظلم العظيم وصاحبه لن ينجو ولن يفوز أبداً، فلنحذر القول على الله، فالذين ينسبون إلى الله أقوالاً وأعمالاً وصفات وأشياء كلها كذب يا ويلهم من عذاب الله يوم القيامة.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ [يونس:17] والذي يكذب بشرع الله وقوانينه التي أنزلها، يكذب بلقاء الله، يكذب بأنبياء الله ورسل الله، يكذب بما فرض الله، يكذب بما حرم الله هو كالذي يفتري على الله الكذب، كلاهما لا أظلم منهما، فنبرأ إلى الله تعالى أن نكون كأحد منهما، لا نكذب على الله ولا نكذب الله في شيء، ما أخبرنا الله بخبر إلا قلنا: آمنا به، صدقنا به، أطاقت عقولنا وقدرت عليه أو عجزت عن إدراكه.
أخبرنا رسول الله أن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا وينادي: هل من داع؟ هل من مستغفر؟ فقلنا: آمنا بالله، لا نقول: كيف ولا نقدر على تقديره وتصوره.
وأخبرنا تعالى فقال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] فما نقول: كيف يجيء أبداً، آمنا بالله وبما جاء عن الله من طريق كتاب الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خشية أن نكذب بآيات الله، أو نفتري -والعياذ بالله- الكذب على الله.
وآية وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1] التي تحمل ذلك الحكم العظيم الذي لا يمكن أن ينقض أبداً أو يعقب عليه، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] يا ليت البشرية وصلها هذا وفهمته وعرفته، أقسم الجبار بأيمان عظيمة على هذه الحقيقة: قَدْ أَفْلَحَ [الشمس:9] من؟ هل أبيض أو أسود، عربي أو عجمي؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] من هي هذه التي تزكى؟ إنها النفس البشرية، و(زكاها) ليس معناه أنه قال: أنا ولي الله، أنا عبد الله، أنا كذا، هذه ليست تزكية، تزكيتها: تطييبها وتطهيرها حتى تصبح في إشراقها ونورها كهذه الكواكب، وأقرب من هذا أن تصبح كأرواح الملائكة، ليس عليها دخن ولا غبار ولا نتن ولا عفونة، هذه هي الروح التي يرضى الله أن تجاوره في الملكوت الأعلى، والروح الخبيثة العفنة المنتنة بأوضار الذنوب والآثام ليس لها أبداً أن تنزل بالملكوت الأعلى، وقد بين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه إذا أخذ ملك الموت وأعوانه الروح فإنهم يعرجون بها إلى السماء، فإذا وصلوا إلى السماء الدنيا استأذنوا، فيقال لهم: من معكم؟ ما هذه الروح الطيبة الطاهرة؟ فيفتحون لهم الباب، ومن سماء إلى سماء إلى السماء السابعة إلى الجنة دار الأبرار، وإذا كانت خبيثة فلا يفتح لها الباب ولا تدخل، وترجع إلى سجين الطبقة السفلى في الكون.
والذي نريده أن يفهمه المستمعون والمستمعات أن سعادتنا كشقائنا منوطان بزكاة أنفسنا أو بتخبيثها وتدسيتها، لا نسب ولا مال ولا شرف أبداً، إن زكيت نفسك يا عبد الله، إن زكيتِ نفسكِ يا أمة الله أصبحتِ أهلاً لدار السلام ومجاورة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومن عفن نفسه وأنزل بها الذنوب والآثام فمحرم عليه أن يدخل دار السلام.
فهيا لنزكي أنفسنا، فما هي مواد التزكية؟ أهي ماء وصابون نظيف؟ الروح لا نستطيع أن نغسلها بالماء والصابون، نغسل أبداننا وأجسامنا نعم، أما الروح -وهي من الله عز وجل- فما تزكى بالماء والصابون ولا بالعطورات، وإنما تزكى بمادتين لا ثالث لهما هما: الإيمان والعمل الصالح، ورددها حتى تموت ولا تشك ولا يردها أحد، لا تزكو النفس، لا تطيب، لا تطهر والله إلا على الإيمان والعمل الصالح، كما أن الجسم لا يطيب ولا يطهر إلا على الماء والصابون.
تزكو النفس على الإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله لتزكية النفوس من الصلاة إلى الزكاة إلى سائر العبادات، كل هذه العبادات سرها، علتها، حكمتها: أنها تغسل النفس وتزكيها حتى يرضى الله عنها، أما الله فليس بحاجة إلى شيء من هذا.
وتدسية النفس بأية مادة؟ بالشرك والمعاصي، قد أفلح من زكى نفسه بالإيمان والعمل الصالح، وخاب وخسر من دساها بالشرك والمعاصي، معاصي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرت لطيفة الأعرابي الذي كان له صنم في مكان ما يعتز به ويأتي للحاجة يطلبها منه، فجاء يوماً فوجد الثعلب قد رفع رجله ويبول عليه، فاندهش وتعجب: هل الرب الإله يبول عليه ثعلب؟ فوقف مشدوهاً ثم قال:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب.
وتركه إلى الأبد.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس:18] أي: غير الله. مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ [يونس:18] لو أنهم ما عبدوه فلن يضرهم، ولو عبدوه فوالله لن ينفعهم، وهنا اذكروا ما جاء في سورة نوح عليه السلام، وهم خمسة أصنام: يغوث ويعوق ونسر وود وسواع، هؤلاء كانوا رجالاً صالحين موحدين يعبدون الله عز وجل في فترة قبل نوح بمائتين أو ثلاثمائة سنة، فماتوا كما يموت كل إنسان بأجله، فلما ماتوا زين الشيطان للمؤمنين الغافلين الجاهلين عبادة تلك الذوات الميتة وقال لهم: اصنعوا لهم تماثيل، هذا يغوث وهذا يعوق وهذا يسوع وهذا نسر، حتى إذا رآهم العبد ينشرح صدره، تطيب نفسه، يبكي، يقبل على الله، فذلك أنفع من أن تأتوهم وهم في القبور في الأرض، ففعلوا وجعلوا لهم تماثيل، كل تمثال بهيئة صاحبه، ووالله! لقد رأيت بعيني هذه صورة لولي رسموها له في لوحة كأنك تشاهده بعمامته، ووضعوها على ضريحه بحجة أنك إذا زرته تشاهده، هذا في العالم الإسلامي هذه الأيام.
إذاً: فلما عبدوهم من دون الله أرسل الله تعالى إليهم نوحاً، وقام ذلك الشرك ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولم ينج من تعذيبهم وضربهم وأذاهم له ومع هذا صبر واحتسب، وقبض الله روحه ولم يبق من المسلمين إلا نيف وثمانون نسمة.
إذاً: فالمشركون في الجزيرة وصلتهم هذه التماثيل من الشام، عمرو بن لحي هو الذي جاء بها وعلمهم كيف يرسمونها ويصنعون مثلها، وأخذوا يعبدونها كما أخبر تعالى بقوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ [يونس:18] لو أراد أن يضرهم، وَلا يَنْفَعُهُمْ [يونس:18] لو أراد أن ينفعهم، أي: لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً.
وما معنى قوله تعالى: (ويعبدونهم)؟ هل يصلون لهم، هل يصومون، كيف يعبدونهم؟
العبادة الحقة هي الحب والرغبة والخوف والرهبة، فهم يحبون أصنامهم ويرغبون فيها ويخافون منها، فيحملهم ذلك على دعائها، ويحملهم ذلك على الحلف بها وتعظيمها، يحملهم ذلك على الذبح والنذر بها وتلك هي العبادة، كما أنهم يعكفون حولها ويسجدون لها، هذه هي أنواع العبادات.
قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فكيف سيشفعون لهم؟ لا بد أن يأتوا إليهم ويتمرغوا بين أيديهم ويسألونهم ويستشفعون بهم ليقضي الله حاجاتهم أو يرفع البلاء والشقاء عنهم، هذا إخبار الله عز وجل: وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18].
فهم لا يؤمنون بيوم القيامة حتى نفهم أنهم يرجون أن يشفعوا لهم يوم القيامة، بل ليشفعوا لهم في الدنيا، صاحب هذا الإله إذا مرض ولده أو كانت زوجته في الطلق يأتي إليه يشكو إليه ويدعوه ويستغيث به متوسلاً به إلى الله، لأنهم يعلمون أن الرب هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي يعطي ويمنع، ويضر وينفع، يعرفون هذا بالفطرة وبما ورثوه عن دين إسماعيل وإبراهيم.
وحال أولئك تجددت، فأصبح المسلمون بعد القرون الثلاثة من أندونيسيا إلى المغرب إلى موريتانيا يعبدون الأولياء كعبادة المشركين للأصنام، لا يركعون ولا يسجدون، ولكن -كما علمتم- يستشفعون بهم عند الله فيسألونهم، يستغيثون بهم: يا سيدي فلان! أنا في كذا، يشكون آلامهم إليهم، يقولون لهم: اشفعوا لنا كما كان المشركون يصنعون.
وهنا لطيفة من لطائف الشيخ محمد بن عبد الوهاب غفر الله له ورحمه وإياي، قال: مشركو اليوم شركهم أفظع من مشركي الأولين! فكيف يا شيخ محمد ؟
قال: هؤلاء يفزعون إلى الأولياء في الرخاء والشدة على حد سواء، والأولون كانوا يفزعون في الشدة فقط لا في الرخاء، وهؤلاء في الرخاء والشدة!
ولا تعجبوا من قولة الشيخ، فهذا الشيخ رشيد رضا في مناره لما شرح هذه الآية قال: ويا للأسف! ويا للحسرة! علماء الأزهر، علماء الأمة الإسلامية يصدرون مجلة خاصة بنشر هذه الضلالات والخرافات وينشرونها في العالم الإسلامي، وهي عبادة القبور والأولياء بحجة التوسل بهم فقط والاستشفاع!
الأزهر الشريف في وقت مضى كانوا يفعلون ذلك، يصدرون مجلة خاصة بنشر التوسل والوسيلة والخرافات تأييداً للظلم والشر والفساد في العالم الإسلامي، ومن ثَمَّ جاء الله عز وجل بـمحمد بن عبد الوهاب ونشر دعوة التوحيد.
وهنا بالمناسبة مرت بنا آية وهي قول الله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:13-14] قال الشيخ رشيد رضا : لما جلس عبد العزيز -تغمده الله برحمته- بالعتيبية بمكة في قصر الملك الذي كان يجلس فيه من قبله من الأشراف أو الأتراك؛ دخل عليه الشيخ محمد عبده وهو جالس وفاتحه بهذه الآية الكريمة: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ [يونس:13-14] هذا هو الشاهد: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:14] قال: واندفع السلطان بالبكاء، لأنه كان يفهم عن الله عز وجل.
فهل الآن تسمعون من يقول: وحق سيدي فلان؟ هل هناك من يقول: ورأس فاطمة أو: وحق رسول الله؟ منذ عشرين سنة ما تسمع هذا، وقبل ذلك كانت الأمة كلها هاوية إلا من شاء الله، في أي بلد كان، أما الذبائح والولائم والمواسم فلا تسأل، وعجل البدوي معروف محفوظ، كل عام في بستاننا عندنا نخلة الشيخ سيدي أحمد ، جعلها أبي، ثم أبطلناها، ما كان العالم الإسلامي إلا في ضلال.
والآن -والحمد لله- حقاً استنار العالم الإسلامي، ورسخت دعوة التوحيد بين المسلمين، وأصبح المؤمن لا يرضى أن يقول: يا سيدي فلان وينادي ميتاً من الموتى، وحزن لذلك اليهود والنصارى والثالوث فاحتالوا علينا، فهم يبحثون كيف يثنون رءوسنا من جديد، فسلطوا علينا الشاشات والتلفاز والصور لننجذب إلى ذلك الباطل، والله العظيم! إنه لفعلهم، وآخر ما كان عندكم البرانيط على رءوس أولادكم توزع مجاناً، المهم: البس برنيطة، اكفر بالله، أثبت أنك غير مسلم.
أقول: لما انتصرت كلمة التوحيد جزى الله أهلها خيراً في العالم الإسلامي؛ ماذا يصنع العدو؟ لا بد أن يفكر كيف يضرب، فجاء بفكرة هذا التلفاز والفيديو والشاشة وما إلى ذلك والصحن الهوائي، وأقبل الناس النساء والرجال على هذا وشاع الزنا والفجور وقست القلوب، فهيا نكربهم ونحزنهم، فلن نوجد في سطوحنا أبداً دشاً ولن نراه ولن نسمع به، ولا يكون في بيوتنا تلفاز ولا غيره.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هدايةالآيات:
أولاً: من الدعوة إلى الله تعالى تلاوة آياته القرآنية على الناس تذكيراً وتعليماً ]، ما معنى هذه الجملة؟
من الدعوة إلى الله وأسبابها: تلاوة آيات القرآن لأجل التذكير والتعليم، تجلس مع ثلاثة أو أربعة وتقرأ آيات تذكرهم بها فتكون قد دعوت إلى الله عز وجل، فالذين يجتمعون على تلاوة آية أو آيات دعوا إلى الله عز وجل بتلك التلاوة، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ [يونس:15] لماذا كان الرسول يتلو عليهم ويقرأ عليهم؟ هل لأنهم ماتوا؟ لا، يقرأ عليهم ليذكرهم ويعلمهم، أما الموتى فلا يقرأ عليهم.
[ ثانياً: بيان ما كان عليه المشركون من تعنت وجحود ومكابرة ]، ماذا قالوا؟ قالوا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15] حتى نؤمن بك ونتبعك، فهذا تعنت وعناد أم لا؟
[ثالثاً: كون النبي صلى الله عليه وسلم عاش أربعين سنة لم يعرف فيها علماً ولا معرفة ثم برز في شيء من العلوم والمعارف فتفوق وفاق كل أحد؛ هذا دليل على أنه نبي يوحى إليه الله ]، كونه يقضي أربعين سنة لا يعرف شيئاً ثم يبرز ويتفوق ويفوق كل الناس في العلم والمعرفة هذا دليل قطعي على أنه يتلقى الوحي من الله وأنه نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[رابعاً: لا أحد أظلم من أحد رجلين: رجل يكذب على الله تعالى ] وينسب إليه أشياء [ وآخر يكذِّب الله تعالى ] فيما أنزله وأوحاه وشرعه. من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ [يونس:17].
[ خامساً: إبطال دعوى المشركين أن آلهتهم تشفع لهم عند الله يوم القيامة ] ولا في الدنيا، دعوى باطلة، والذين يزعمون أنها تشفع لهم عند الله يوم القيامة ليسوا مشركي الزمان الأول، بل مشركو الزمان الحاضر؛ لأن الذين يعبدون الأولياء بالتقرب إليهم والتزلف يقولون: يشفعون لنا يوم القيامة وندخل الجنة، وسبحان الله العظيم! أما الأولون فما كانوا يؤمنون بيوم القيامة، يزعمون أنهم يشفعون لهم عند الحاجة إليهم، إذا أصابهم جوع أو شدة أو بلاء أو أرادوا خيراً.
[ سادساً: بيان سبب عبادة المشركين لآلهتهم، وهو رجاؤهم شفاعتها لهم ]، السبب الحامل للمشركين على عبادة الأصنام بالذبح لها والنذر والدعاء هو ما يرجونه من الشفاعة منها عند الله عز وجل لقضاء حوائجهم، لحصول نفع أو لدفع ضر.
والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر