إسلام ويب

تفسير سورة الصافات (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان نوح عليه السلام من أولي العزم من رسل الله تعالى، لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلما أعجزوه ولم يجيبوه، ولا نداءه في السر والعلن سمعوه، رفع يديه إلى ربه داعياً عليهم ألا يذر الله منهم فرداً، فاستجاب الله له وأنجاه ومن معه من المؤمنين في الفلك المشحون، ثم أغرق من بقي من قومه أجمعين، وجعلهم آية للعالمين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ [الصافات:75-82].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75]. نوح عليه السلام أحد أولي العزم الخمسة، وأولهم نوح، وثانيهم إبراهيم، وثالثهم موسى، ورابعهم عيسى، وخامسهم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]. ونوح يعتبر أول الرسل إذ لم يسبقه إلا إدريس، وكان الزمن بينه وبين آدم كما يقول أهل العلم قرابة ألف سنة، فهو أول الرسل، وأول أولي العزم.

    ونوح عليه السلام بعثه الله عز وجل في البشرية يومئذ، ولم تكن في عددها وكثرتها كما الآن.

    عبادة قوم نوح للتماثيل

    وجد نوح عليه السلام الناس يعبدون غير الله عز وجل، وكان لهم خمسة طواغيت، ذكرت في سورة نوح عليه السلام، فقد قال تعالى: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]. فهي خمسة آلهة، وهي عبارة عن تماثيل لخمسة رجال، فقد قال أهل العلم: هؤلاء الأصنام كانوا رجالاً صالحين من أولياء الله، فلما ماتوا زين الشيطان لتلك الأمة أن يبنوا على قبورهم بنايات خاصة؛ حتى لا يذهب وجودهم ولا يندثر. ثم زين لهم أن يضعوا تماثيل؛ لكل واحد منهم تمثال يمثله، ويتقربون بعبادتهم إلى الله، وأولاً: كانوا يعظمونهم للاستشفاء بهم والتوسل، ثم تحولوا إلى أن عبدوهم، وجعلوهم آلهة، كما قال تعالى عنهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23]، أي: لا تتركن آلهتكم، ولا تتركن وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23].

    دعوة نوح عليه السلام قومه إلى عبادة الله عز وجل

    بعث الله تعالى نبيه ورسوله نوحاً عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]. فرفضوا وأبوا أن يعبدوا الله عز وجل وحده. واستمرت دعوة نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو يدعوهم والله في الليل والنهار، وفي السر والعلن، كما جاء ذلك مبيناً في سورة نوح عليه السلام، فقد قال فيها: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح:10]. وكان يدعوهم ليلاً نهاراً، ويدعوهم في السر وفي العلن، ومع الأسف لم يستجيبوا، وما آمنوا، ولم يؤمن معه إلا ثمانون إنساناً، من بينهم أولاده الثلاثة: سام وحام ويافث ، وأما كنعان ولده فقد هلك في الغرق، وامرأته كذلك.

    دعاء نوح عليه السلام على قومه

    قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ [الصافات:75]، أي: دعانا واستغاث بنا وسألنا أن ننجيه، وأن ننقذه من تلك المحنة التي عاشها ألف سنة إلا خمسين عاماً، ونادانا لذلك. وفي سورة القمر يقول تعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]. فقد دعا: رب! أو يا رب! إني مغلوب، أي: غلبني هؤلاء المشركون الكافرون الفاجرون الظالمون، فانتصر، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [القمر:11-13]. وهي السفينة، إذ أخبره تعالى بأنه سيغرق هؤلاء الظلمة المشركين، وأوحى إليه أن يصنع سفينة، فأخذ يصنعها حتى تم صنعها، فلما اكتمل صنعها فحينئذ دقت ساعة إغراق القوم وإهلاكهم.

    وقال تعالى هنا: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75]. والمجيب هو الله. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]. ولقد استجبنا له فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم)

    قال تعالى: وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:76]. وأهله هم أولاده الثلاثة كما عرفتم: سام وحام ويافث . ومعهم عدد يبلغ الثمانين نسمة، ولكن شاء الله ألا يلد من أولئك إلا أولاد نوح الثلاثة، فلهذا سام هو والد العرب والروم وفارس، وحام هو والد الأقباط والبرابرة والسودان، ويافث هو والد الأتراك والصقالبة ويأجوج ومأجوج. فأولاده الثلاثة منهم تكونت البشرية، والذين معهم ما أنجبوا أو مات أولادهم. ولكن هؤلاء بارك الله فيهم، فهم آباء للبشرية كلها.

    إذاً: قوله تعالى: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75]، أي: نحن رب العزة والجلال والكمال. وَنَجَّيْنَاهُ ، أي: طلب منا النجاة فنجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:76]. ألا وهو الغرق. والبشرية كلها غرقت، وليس هناك كرب أعظم من هذا الكرب.

    وقد بين تعالى كيف تم ذلك، وهو أنه أمر الله السماء أن تمطر، والأرض أن تتفجر بالمياه، فالتقى الماء من فوق وأسفل، فأغرق البشرية كلها، ولم يبق شبر من الأرض إلا عمه الماء. وكان نوح على سفينته مع من معه من المؤمنين، نساءً ورجالاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين)

    قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77]. فنحن الباقون إلى يوم القيامة أولاد سام وحام ويافث ؛ لأنهم هم الذين توالدت منهم البشرية كلها، فالبشر كلهم أولاد نوح وذريته. ونحن الآن من ذرية نوح أيضاً وأولاده. ويقول أهل العلم: سام هو أبو العرب والروم والفرس، وحام أولاده السودان والبرابرة والأقباط، ويافث أولاده الصقالبة والتتار والأتراك ويأجوج ومأجوج.

    وقوله: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ [الصافات:77]، أي: ذرية نوح هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77]. فنحن منهم بقيناً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وتركنا عليه في الآخرين)

    قال تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ [الصافات:78]، أي: من بعده، فما من نبي ولا رسول أتى بعد نوح ولا عالم إلا وهو عارف به، ويثني على نوح الخير والسلام.

    وقوله: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ [الصافات:78]، أي: حبه وتعظيمه، وإجلاله وذكره بخير، وهو السلام عليه. وقد قال هنا: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ [الصافات:78]، أي: من بعده، فكلهم يحبونه ويقدسونه، ولا يتعرضون له بسوء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سلام على نوح في العالمين)

    قال تعالى: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:79]. فسلامة الله الدائمة على نوح في العالمين كلهم، فليس فيهم من يسبه أو يشتمه أو يتعرض له بسوء، سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، أو كائناً ما كان. وهذا الطابع طبعه الله عز وجل؛ إكراماً لعبد ابتلاه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو يعاني، وليس سنة واحدة، وهم يهددونه بالضرب والقتل، ويسبونه ويشتمونه ويفعلون الأعاجيب، وهو ثابت على ما هداه الله إليه، حتى أهلك الله الظلمة وأغرقهم ونجاه، فعاش بعد ذلك فترة، وتوفاه الله عز وجل. ولكن أولاده الثلاثة عمّروا الكون. فكل الموجودين من البشر من ذرية آدم عليه السلام. فقد جعلنا الله من ذرية آدم أولاً، ومن ذرية نوح ثانياً؛ إذ قال تعالى وقوله الحق: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77] إلى يوم الدين. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ [الصافات:78]، أي: الذكر الحسن والثناء الطيب، والصلاة عليه والسلام، سواء كان هؤلاء الآخرين رسلاً أو أنبياء أو علماء أو مؤمنين، ففي كل الأمم ما يسبون نوحاً، ولا يشتمونه ولا يتعرضون له بسوء، ولا يذكرونه إلا بخير. وهذا من فضل الله تعالى علينا وعليه، فقد قال: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:78-79].

    ما يقي من لدغة العقرب

    ذكر ابن عبد البر في التمهيد: أن هذه الجملة: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:79] إذا قلتها في البلد الذي فيه العقارب لم تلدغك عقرب. فمن كان في أرض يوجد بها العقارب ثم قال: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:79]، لم تلدغه عقرب.

    والرسول صلى الله عليه وسلم جاءه من بني أسلم من قال: بت البارحة يقظان ما نمت، فقال: ما بك؟ قال: لدغتني عقرب، قال: ( لو قلت عندما أويت إلى هذا المكان: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضرك شيء )، ولم تلدغك عقرب. فهذه الكلمة: ( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ) لابد أن يقولها كل من نزل منزلاً وهو مسافر؛ حتى يحفظه الله عز وجل. فإذا كنت مسافراً إلى جدة .. إلى كذا وفي الطريق نزلت في مكان تنام فيه وتستريح فقل: ( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق )؛ حتى يحفظك الله. وهكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم أصحابه.

    وأما قول: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:79] فهي مروية، وذكرها أهل العلم، ولا بأس بها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا كذلك نجزي المحسنين)

    قال تعالى: إِنَّا [الصافات:80]، أي: رب العزة والجلال والكمال كَذَلِكَ [الصافات:80]، أي: كما جازينا نوحاً على صبره وعبادته وطاعته ودعوته نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:80].

    معنى المحسن

    المحسنون يرحمكم الله هم: الذين يحسنون عبادة الله، ويؤدونها كما شرعها الله، وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم. فالمحسنون هم: الذين يعبدون الله بما شرع من العبادات، ويتمونها على الوجه المطلوب الذي بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

    درجتا الإحسان

    الذي يساعدك على الإحسان هو ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم، إذ قال: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). فهاتان حالتان: الحالة الأولى: إذا أخذت تتوضأ أو تغتسل أو تصلي أو تطوف أو تحج أو تحسن إلى مؤمن بإعطائك له ريالاً في كفه أو تعمل أي عبادة فاعملها والحال وكأنك تنظر إلى الله، وكأنك ترى الله، وليكن قلبك لا يتقلب أبداً ولا يرى إلا الله، فإن عجزت عن هذا المستوى انزل إلى ما بعده، وهو:

    الحالة الثانية: وهي: ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). فتفعل العبادة وأنت تعلم أن الله ينظر إليك، وتعمل العبادة وأنت تعلم أن الله يراك وينظر إليك، ومن ثم تتقنها وتجودها وتحسنها، ولا يقع فيها زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير؛ لأنك محسن عبادتك.

    أهمية الإحسان لقبول العبادة

    المحسنون جمع محسن، وهو من يحسن أولاً: إلى نفسه، ولا يعرضها للدمار والخراب والفساد، وثانياً: إلى كل إنسان، ولا يسيء إلى أحد، ولكن فوق ذلك وقبل ذلك: أن يحسن عبادة الله، التي من أجله خلقها الله عز وجل؛ إذ إحسان هذه العبادة هو الذي يزكي نفسه ويطهرها ويطيبها. والذي يقوم يصلي طول الليل ليس مائة ركعة بل ألف ركعة ولا يحسن الركوع ولا السجود لا يكتب له حسنة واحدة، وكذلك الذي يتصدق بالملايين ولا يحسن ذلك ولا يبتغي به وجه الله ما ينتفع بذلك أبداً، ولا يكون له حسنة. ولذلك يقول تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ [الصافات:80]، أي: كما جزينا نوحاً عبدنا الصالح نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:80] على أعمالهم .. على إيمانهم .. على صبرهم .. على تقواهم .. على دعوتهم لله .. على استغاثتهم بالله، كما فعلنا مع نوح. فهذه بشرى عامة لكل المحسنين أبيضهم وأصفرهم، وهي: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:80].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنه من عبادنا المؤمنين)

    قال تعالى: إِنَّهُ [الصافات:81] أي: نوح عليه السلام مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:81]. وفي هذا أيضاً إعلاء شأن الإيمان وأصحابه، فكما أكرم الله نوحاً ذاك الإكرام العظيم، إذ نجاه وأهله أغرق العالم أجمع، وكما فعل به هذا فإنه يفعله تعالى بالمؤمنين؛ لقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:81]. فهيا نؤمن ونحقق الإيمان.

    معنى الإسلام والإيمان والإحسان

    الإسلام أركانه خمسة كما علمتم، وهي: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتؤمن بالقضاء والقدر.

    وأركان الإيمان هي: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وبذلك تكون مؤمناً.

    قد علمتم أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في روضته، ورجاله بين يديه؛ يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فدخل جبريل وشق الصفوف، وانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، وقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت ). فهذا هو والله الإسلام. ( قال: أخبرني عن الإيمان )، أي: ما الإيمان؟ ( قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: أخبرني عن الإحسان )، أي: ما الإحسان؟ ( قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). وهنا مرتبتان:

    المرتبة الأولى: كأنك تشاهد الله وأنت تعبده، فما يلتفت قلبك ولا بصرك أبداً إلى غير الله.

    والمرتبة الثانية إذا نزلت من هذه المنزلة العالية: أن تعبد الله وأنت تعلم أنك مراقب، وأن الله ينظر إليك، ومن ثم تحسن عبادة الله.

    واعلموا أن كل مسلم حق الإسلام هو مؤمن حق الإيمان، وكل مؤمن حق الإيمان هو مسلم حق الإسلام. وقد يكون مسلماً في الظاهر وهو كافر ليس بمؤمن ولا بمسلم. وهذه حال المنافقين والعياذ بالله، فقد يصلون أمام الناس أو يتصدقون؛ ليثنى عليهم بخير، أو ليقال: إنهم ليسوا كافرين، وفي نفس الوقت هم لا يؤمنون بالله ولا بلقاء الله.

    اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم أغرقنا الآخرين)

    قال تعالى: ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ [الصافات:82]. فقد نجى نوحاً ومن معه من المؤمنين، وأغرق الآخرين أبيضهم وأصفرهم على حد سواء، وما نجا منهم أحد أبداً، بل الذين نجوا أصحاب السفينة، وكانوا قرابة ثمانين نسمة، ومن بينهم ثلاثة من أولاد نوح، وهم: سام وحام ويافث . والبشرية كلها وحتى يأجوج ومأجوج من هؤلاء.

    والله تعالى نسأل أن يجعلنا من المؤمنين المحسنين المحبين لنوح والمؤمنين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: بيان إكرام الله لأوليائه، وإهانته لأعدائه ] فالآيات من أولها بينت أن الله يكرم أولياءه ويهين أعداءه. فاللهم اجعلنا من أوليائك يا رب العالمين! وأولياء الله كما علمتم هم المؤمنون المتقون، ووالله أنه لا ولي لله إلا من كان مؤمناً تقياً؛ إذ قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وكأن سائلاً يقول: من أوليائك يا رب؟! فأجاب الله تعالى بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فكل مؤمن تقي هو لله ولي.

    وأما المؤمن الفاجر فلن يكون لله ولياً، وكذلك التقي الذي ليس بمؤمن لن يكون لله ولياً. بل ولي الله هو المؤمن صادق الإيمان، المتقي الذي ما يخرج عن طاعة الله ورسوله، لا في الواجبات بفعلها، ولا في المحرمات بتركها.

    [ ثانياً ] من هداية الآيات: [ إجابة دعاء الصالحين لا سيما عندما يظلمون ] ويضطهدون ويظلمهم الناس، ففي هذه الحال لن تتأخر أبداً إجابة الله عليهم. فقد استجاب لنوح، كما قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الأنبياء:76].

    [ ثالثاً: فضل الإحسان، وحسن عاقبة أهله ] فقولوا: اللهم اجعلنا من المحسنين. والمحسنون هم: الذين يعبدون الله بما شرع، فلا يزيدون ولا ينقصون، ولا يقدمون ولا يؤخرون. وعلى سبيل المثال: صلاة المغرب لو تزيد فيها ركعة بطلت، ولو تنقص سجدة بطلت، ولو لم تطمئن في الركوع ولا في السجود بطلت. وكذلك كل العبادات تؤدى كما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، فذلك هو الإحسان. وإذا ما أداها الشخص على الوجه المطلوب فقد أساء. ونحن مطالبون بالإحسان أولاً في العبادات؛ لتزكي نفوسنا وتطهرها، ثم نحسن إلى كل الخلق، ولا نسيء إلى مخلوق، بل ولا إلى حيوان. فاللهم اجعلنا من المحسنين.

    [ رابعاً: فضل الإيمان، وكرامة أهله عند الله في الدنيا والآخرة ] وليس هناك من هو أفضل من المؤمن، بل والله لمؤمن واحد يعدل ما على الأرض من المشركين والكافرين، ولو جمعت الكفار كلهم في كفة وجعلت مؤمناً واحداً في كفة فإنه يغلب الكفار؛ لأنهم لا يساوون عند الله شيئاً أبداً. هذا فضل الإيمان، وقد نجى الله نوحاً والمؤمنين، وأغرق البشرية كلها أجمعين.

    [ خامساً ] وأخيراً: قول: سلام على نوح في العالمين إذا قاله المؤمن حين يمسي أو يصبح يحفظه الله تعالى من لسعة العقرب ] وهذه لطيفة. وقد ذكرها ابن عبد البر في التمهيد وهو من كبار العلماء والفقهاء، وتقبل منه، فمن قال: سلام على نوح في العالمين في الصباح والمساء ما تلدغه العقارب. ومن قال: ( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ) ونزل أي منزل يحفظه الله عز وجل من الجن ومن الإنس ومن العقارب.

    قال: [ وأصح منه قول: ( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق )؛ لصحة الحديث في ذلك ] فقد روى مالك في الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل ). وهذا من أصح الأحاديث، وقد رواه مالك في الموطأ. فإذا نزلت منزلاً أيها المسافر! سواء نزلت بيتاً أو غرفة أو خيمة فقل: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ). فيحفظك الله عز وجل. والله هذه لتساوي ألف دينار، وأستغفر الله، بل مليون دولار. فلنحفظها، وهي: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ). وعندما تنزل منزلاً قلها، وعندما تدخل بيتاً قلها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755788292