إسلام ويب

تفسير سورة الصافات (10)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من فضل الله عز وجل على موسى وهارون أن اتخذهما نبيين وهما أخوان شقيقان، وكان موسى عليه السلام هو الذي دعا ربه أن يشرك أخاه هارون في النبوة والرسالة، وهذه منة امتن الله بها عليهما، كما امتن عليهما بأن أنجاهما وقومهما من فرعون وجنوده حين هموا بهم، وأرادوا استئصالهم والقضاء عليهم حتى لا يعبد الله في الأرض، فكان تدبير الله خير من تدبير البشر، وسلطانه تعالى أقوى من سلطانهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد مننا على موسى وهارون)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:114-122].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات:114]، مننا عليهما بأن جعلنا كلاً منهما نبياً رسولاً، وليس هناك منة أعظم من هذه، فقد جعلهما نبيين رسولين.

    ومن اللطائف العلمية: أن موسى هو الذي طلب النبوة والرسالة لأخيه، ولم يحدث هذا في تاريخ البشرية إلا مع موسى وهارون. فموسى عليه السلام طلب من الله تعالى أن يرسل معه أخاه هارون، وعلل ذلك بقوله: إنه أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي [القصص:34]، كي يصدقون. وهما أخوان شقيقان، أبوهما واحد وأمهما واحدة.

    سبب سكن بني إسرائيل في مصر

    هنا لطيفة أخرى، وهي: أن بني إسرائيل نزلوا بالديار المصرية مع الأقباط لما حدث ذلك الحادث ليعقوب عليه السلام، عندما أُخذ يوسف ولده وبيع، ودخل الديار المصرية، ووهبه الله العلم والحكمة، والرسالة والنبوة والملك، فأصبح ملكاً في الديار المصرية، فنزح أولاد يعقوب إليه، وكانوا اثني عشر ولداً، وتناسلوا وتوالدوا، فكثر بنو إسرائيل في مصر.

    سبب حكم فرعون على أبناء بني إسرائيل بالقتل

    لما كثر بنو إسرائيل قال الساسة لفرعون: هؤلاء أصلهم شريف، وكانت لهم دولة وسلطان، فنحن نخاف إذا كثروا بيننا أن يستولوا على الحكم. هكذا قال الساسة لملك مصر في ذلك اليوم. فأصدر أمره بأن يقتل ذكران بني إسرائيل، وأن أي إسرائيلية تلد ولداً ذكراً يقتل، وما إن يخرج من بطنها حتى يُلقى في حفرة تحت رجليها. واستمرت القضية هكذا زمناً. ثم قال الساسة: يا ملك! هؤلاء لهم قيمة وتأثير في الشعب، فلو نقضي على رجالهم لن يبقى من يبني لنا، ولا من يحرث لنا، ولا من يصنع، فلا بد من أن نعفو عنهم بعض الشيء. فأصدر أمراً بالعفو عاماً دون عام، أي: هذا العام كل من يولد من بني إسرائيل يبقى حياً ما يقتل، والعام الذي بعده كل من يولد من الأولاد يقتل.

    قصة موسى عليه السلام من ولادته إلى بداية نبوته

    كان من تدبير الله عز وجل أنه في عام العفو ولد هارون، وفي عام القتل ولد موسى.

    وكان من تدبر الله عز وجل وهو الحكيم العليم أن أوحى إلى أم موسى وأعلمها: إذا وضعت الولد من بطنك فاجعليه في صندوق من خشب، وارميه في البحر، أي: في النيل. وبالفعل استجابت لأمر ربها، وهيأت الصندوق، وما إن خرج الولد من بطنها حتى وضعته في ذلك التابوت، وأمرت أخته أن ترميه في البحر فرمته، وعبث به الماء من هنا وهناك وقلبه حتى دخل إلى قصر فرعون، فقد كان لفرعون حديقة والنهر يدخل فيها، وإذا ببعض الفتيات يرين الصندوق فأخذنه، فإذا به طفل، فقدم لفرعون وامرأته عليها ألف سلام، وهي آسية بنت مزاحم ، وكانت ليس لها ولد، وكان فرعون يرغب في الولد أيضاً.

    ثم إن موسى أبى أن يرضع من أي امرأة كانت تأتي لترضعه، وكانوا يطلبون له الأميرات والسيدات الجميلات الطيبات، فكانت كلما تأتي واحدة وتضع ثديها في فمه يلوي رأسه ويصرخ، ولا يرضع، كما قال تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ [القصص:12]. فقالت أخته: هل أدلكم على من يكفله لكم؟ لأن والدته رحمها الله قالت لأخته: تحسسي في المدينة وتطلعي؛ لعلك تعثرين عليه. فكانت تمشي في القرى وفي الأحياء، حتى عرفت أن أخاها موجود، فقالت لفرعون وأهله: فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]؟ فامتحنوها كيف عرفت هذا؟ فقالت: قلت هذا بنية وصدق فقط، وليس عندي علم بأي شيء، وإنما أعرف امرأة صالحة ترضعه، وهي أمي، فقدموه لأمها كما قال تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ [القصص:13]. فأرضعته.

    ولما بلغ السنة الثانية وأصبح يحبو ويحاول أن يقف كان فرعون جالساً وموسى يحاول أن يقف، فأخذ بلحية فرعون ليقوم بها، وكانت لفرعون لحية طويلة كشأن البشر الذكور؛ إذ علامة الذكور اللحية، وعلامة الأنوثة عدم اللحية، وهذا في البشرية دائماً من عهد آدم، فالذكر له لحية، والأنثى لا لحية لها.

    فلما جذب لحيته تطير فرعون، وقال: هذا هو الشؤم، وأراد أن يقتله، فقالت زوجته: يا فرعون! أو يا سيادة الملك! امتحنه، فهذا ما يفرق بين الجمر والتمر، فقدم له صحفة فيها تمر وأخرى فيها جمر، فإن أخذ التمر فهو إذاً قد تعمد وأراد إهانتك يا فرعون! وإن أخذ الجمر فمعناها أنه ما يعرف شيئاً. وبالفعل قدم له الطبقان، هذا بالجمر وهذا بالتمر، فوضع يده على الجمر وألقاها في فمه، فكانت تلك اللكنة فيه من أثر الجمر. فعفى عنه.

    وهكذا تربى موسى في حجر فرعون. وكان هارون مع أمه وأخواته.

    ثم شاء الله بعد ذلك أن يقتل موسى أحد الأقباط، فصدر حكم الدولة بقتله، فهرب، فخرج من الديار المصرية إلى أن وصل إلى مدين بلاد شعيب، وعاش فيها حتى بلغ من العمر أربعين سنة، وثم نبأه الله تعالى وأرسله. وهذا محل الشاهد. قال تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا [القصص:29]. والشاهد عندنا: أنه أتى لما احتاج إلى النار وكان الجو بارداً، وهو مع عائلته زوجته وأولاده، فرأى نوراً وكأنه نار في جبل الطور، فأتى الجبل، وثم أوحى الله إليه وأرسله.

    هذه هي منة الله تعالى على موسى وهارون؛ إذ قال تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات:114].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم...)

    قال تعالى: وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا [الصافات:115] أي: بني إسرائيل مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:115]. إذ كان كما قدمنا فرعون يعذب الإسرائيليين تعذيباً، الذكور كالإناث، فقد كان يهينهم ويعتبرهم أعداء ضد البلاد.

    فنجى الله تعالى بني إسرائيل بالطريقة التي علمتموها، وهي: أنه بعدما انهزم فرعون في كل المواقف، ولم يجد أبداً إلا طريقاً، وهو أن يقتل بني إسرائيل. فجمع موسى بني إسرائيل في قرية من القرى، وأمرهم أن يتجمعوا؛ ليخرج بهم من هذه البلاد، وبالفعل تجمعوا كلهم، ولما دقت الساعة المحددة خرجوا يريدون أرض القدس، فانتهوا إلى البحر الأحمر. فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فانفلق شقين، وأصبح في الوسط طريق كامل، فيه اثنا عشر طريقاً، حتى تمشي كل قبيلة من بني إسرائيل وحدها. وفرعون جمع رجاله المائة ألف مقاتل، وجاء بعدهم يريد أن يردهم ويقتلهم، فدخل بنو إسرائيل البحر بعد انفلاقه وانشقاقه وخرجوا، ثم جاء فرعون والبحر مفتوح، فدخل هو وجيشه، فلما توسطوا البحر أطبق الله عليهم البحر، فأغرقهم أجمعين إلا فرعون، فقد نجاه الله لحكمة، ولما أيقن بالغرق آمن، فقال تعالى: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:91-92]. وقال العلماء: لولا أن الله نجى فرعون ليراه بنو إسرائيل لخافوا ألا يكون غرق، فلا ينامون ولا يستريحون، ولذلك نجاه حتى شاهدوه ميتاً أمامهم.

    هذه هي اللطيفة في إنجاء الله لفرعون، إذ لو كان غرق مع الجيش المائة ألف لما قال بنو إسرائيل: فرعون مات، بل لقالوا: ما مات أبداً. فلما شاهدوه على شاطئ البحر ميتاً سكنت نفوسهم، واطمأنت قلوبهم، ومشوا مع موسى.

    فقوله تعالى: وَنَجَّيْنَاهُمَا [الصافات:115]، أي موسى وهارون، وَقَوْمَهُمَا [الصافات:115]، أي: بني إسرائيل وكانوا ستمائة ألف مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:115]. والكرب العظيم هو ما كان فرعون يفعله بهم من الإهانة والتعذيب والتشريد وما إلى ذلك، فنجاهم الله من هذا.

    قال تعالى: وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [الصافات:116]. وقد انتصروا، فقد مات فرعون وجيشه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وآتيناهما الكتاب المستبين)

    قال تعالى: وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ [الصافات:117]. ألا وهو التوراة، فيها ألف سورة. والتوراة كتاب أنزله الله على موسى، فقد طلب إليه أن يأتي إلى جبل الطور للمناجاة، وثم أعطاه الكتاب.

    فتنة السامري لبني إسرائيل

    هنا حادثة أيضاً حدثت، وهي: لما أوحي إلى موسى أن يلتحق بجبل الطور ليأخذ الكتاب، بقي هارون خليفة مع بني إسرائيل، ويقوم مقام موسى في التأديب والتربية وما إلى ذلك، وإذا بطاغية من الشياطين وهو السامري لما كان بنو إسرائيل ماشين في البحر ويتقدمهم جبريل على فرسه، كان يشاهد كلما رفع الفرس رجله اشتعلت النار أو النور، أي: كانت تنبت الأرض ببركة ذلك الوطء من قدم الفرس العشب الأخضر، فأخذ السامري حفنة من ذلك التراب، أي: قبضة من التراب، واحتفظ بها، ولما نزلوا في منطقة من المناطق وهم في طريقهم إلى فلسطين صنع السامري عجلاً، ونفخه ورمى فيه ذلك التراب حتى صار له خوار؛ لأن هذا العجل كان يدخل الريح من فمه ويخرج من دبره، فيحدث له صوت، فقال: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى [طه:88]. وموسى قد خرج عنكم وضاع، وهذا هو الإله، وموسى يبحث عنه، فاستجاب من استجاب؛ لأنهم جهال وهابطون من قرون، فاستجابوا لما قال لهم: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88]. وجاء موسى ومعه التوراة، ووجد قومه منقسمين، موحدين ومشركين، فحارب السامري وجزاه بما جزاه به، وانتهت المشكلة.

    ثم أخذ ثلاثين رجلاً من بني إسرائيل؛ ليعتذروا لربهم في جبل الطور عن هذه الجريمة، واعتذروا بالفعل.

    والشاهد عندنا في قوله تعالى: وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ [الصافات:117]، أي: البين الواضح في الشرائع والأحكام، وفي العقائد وفي الآداب. وكانت التوراة كذلك قبل أن يعبث بها العابثون، ويزيد فيها المزيدون، وينقص منها المنقصون، فقد كانت كأحسن ما يكون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وهديناهما الصراط المستقيم)

    قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الصافات:118]. ألا وهو الإسلام الذي ما نصلي ركعة إلا ونقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]. وهو الإسلام الذي هو دين آدم فمن بعده من الأنبياء والمرسلين والمؤمنين إلى اليوم.

    فقوله: وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الصافات:118]، أي: الإسلام. والإسلام: إسلام القلب والوجه لله.

    والإيمان هو: طاعة الله بما شرع من قوله: هذا حلال وهذا حرام، وهذا واجب وهذا محرم. فهذه هي العبادة، وهذا هو الطريق الموصل إلى الجنة، وهو الصراط المستقيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وتركنا عليهما في الآخرين * سلام على موسى وهارون)

    قال تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ [الصافات:119]. وقد وجد من بعد موسى وهارون من بني إسرائيل أجيال وأمم يقدسونهم ويذكرونهم بخير، ويسلمون عليهم، وإلى الآن، كما قال تعالى: سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات:120].

    وقوله تعالى: سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات:120]، أي: من الله عز وجل؛ لأنهما نبيان رسولان عانيا من المشقة والتعب والجهاد، وقد نصرهما الله ونصر قومهما، وتكونت دولة بني إسرائيل في فلسطين، إلا أن موسى وهارون ماتا قبل تكوين الدولة. وقبر موسى عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم، ورآه في ليلة الإسراء والمعراج. وهارون مات أولاً، ثم مات موسى، وتولى قيادة بني إسرائيل يوشع بن نون، فوقف على رأس بني إسرائيل وطلب القتال أو الاستسلام، فقاتلهم فهزمهم، ودخلوا وتكونت دولة بني إسرائيل على عهد يوشع بن نون. فسلام على موسى وهارون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا كذلك نجزي المحسنين)

    قال تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:121]، أي: كما جازينا موسى وهارون نجزي المحسنين. والمحسنون يا عباد الله! هم الذين أحسنوا عبادة الله وطاعته، فأحلوا ما أحل، وحرموا ما حرم، وطبقوا شرعه ونفذوه، وعبدوا الله وذكروه وشكروه على أحسن الصور والهيئات. وأولئك المحسنون ما زال الله يجزيهم، وما إن يوجدوا إلا ويجزيهم؛ إذ قال: هكذا نجزي المحسنين.

    فهيا نحسن أولاً في العبادة، فنعبد الله كما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة .. في الوضوء .. في الزكاة .. في العبادات، ونحسن أيضاً ولا نسيء إلى إخواننا وإلى بعضنا البعض، ونلازم باب الله نقرعه؛ حتى يفتح لنا.

    وقوله: إِنَّا كَذَلِكَ [الصافات:121]، أي: كذلك الجزاء الذي جازينا موسى وهارون وبني إسرائيل نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:121] المتوغلين في الإحسان العاملين به.

    وقد عرفتم أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان ما هو، فقال: ( أن تعبد الله كأنك تراه ). والذي يعبد الله كأنه ينظر إلى الله لا يسيء في العمل، ولا يفسده، ولا يقدم ولا يؤخر، ولا ينقص ولا يزيد والله؛ لأنه بين يدي الله.

    وإن عجز عن هذا المنصب العالي، فعليه بما دونه، وهو ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). فإذا كنت تتوضأ أو تصلي أو تجاهد أو تعمل كذا فاحرص على أن تستحضر أن الله يراك؛ حتى تحسن عملك وتتقنه. ولا تعبد الله وكأنك غائب عنه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنهما من عبادنا المؤمنين)

    يختم تعالى هذا السياق بقوله: إِنَّهُمَا [الصافات:122]، أي: موسى وهارون مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:122]. المؤمنون كما علمتم أحياء، يعبدون ربهم بما يشرع لهم، فيكملون ويسعدون. وهم عليهم السلام في كل زمان ومكان. وغير المؤمنين من الكافرين والمشركين والملاحدة والبلاشفة الحمر والشيوعيين والعياذ بالله تعالى عليهم لعنة الله رب العالمين، وهم في الخسران الدائم، ووالله إنهم لفي آلام وأتعاب، وما انتفعوا بالزنا ولا بالخمر ولا بالربا، بل قلوبهم في كروب وأحزان، كما هو واقع لمن أراد أن يعرف، ولا تظن أنهم سعداء أبداً، وإن أكلوا وشربوا ونكحوا، بل والله إنهم في أسوأ أحوالهم. ولا يكمل ولا يسعد إلا مؤمن أحسن عبادة الله عز وجل، سواء كان فرداً أو جماعة.

    وهكذا يقول تعالى هنا: إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:122]. فقولوا: اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً ] من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: [ بيان إكرام الله تعالى لرسوليه موسى وهارون عليهما السلام ] وهداية الله تعالى لهما.

    [ ثانياً: بيان إنعام الله تعالى على بني إسرائيل بإنجائهم من آل فرعون ونصرته لهم عليهم ] فقد كانوا مضطهدين مستعمرين، يعذبون وينكل بهم في مصر من الأقباط، فأنقذهم من فرعون، وأخرجهم من الديار المصرية، وأهلك الأقباط وفرعون، وانفتحت مصر لهم. وسبحان الله العظيم!

    [ ثالثاً: بيان أن الإسلام دين سائر الأنبياء، وليس خاصاً بأمة الإسلام ] فهو من عهد آدم إلى اليوم، فموسى كان يعبد الله بالإسلام، وكذلك هارون وإبراهيم ونوح. وكل الأنبياء كانوا يعبدون الله بالإسلام، الذي هو استسلام القلوب والوجوه لله، وعبادة الله بما بين وشرع لهم. هذا هو الإسلام.

    [ رابعاً ] وأخيراً من هداية الآيات: [ بيان فضل الإحسان والإيمان ] والترغيب فيهما إذ بين فضلهما، فلا بد وأن نؤمن حق الإيمان، وأن نحسن كما ينبغي الإحسان؛ لنعيش مؤمنين محسنين، فننال الصراط المستقيم، ورضا الرحمن عز وجل، وسلامه علينا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755956160