إسلام ويب

تفسير سورة النور (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من علامة الإيمان الصادق التحاكم إلى شريعة الله تعالى ورسوله، والقبول بما تحكم به والتسليم له، وعلى العكس من ذلك فإن من علامة النفاق أن يدعى المرء إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فيعرض عنهما، ويقدم عليهما أحكام البشر وقوانين الناس، وإن كان الحق له استجاب لحكم الله ورسوله، فهو يقبله حيناً ويرفضه أحياناً، وما ذاك إلا لمرض قلبه ونفاقه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:47-52].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. لما ذكر تعالى آياته الدالة على قدرته .. على علمه .. على حكمته .. على رحمته، وهي موجبة لألوهيته وربوبيته في الآيات التي تدارسناها بالأمس، ذكر تعالى هنا حال المنافقين الذين ما انتفعوا بتلك الآيات أبداً، بل ما زالوا على كفرهم ونفاقهم. واسمعوا الله يقول عنهم: وَيَقُولُونَ [النور:47]. وهؤلاء هم المنافقون الذين يعلنون الإيمان بألسنتهم، وبأداء بعض الواجبات كالصلاة وغير ذلك، وهم في بطونهم وفي نفوسهم ما آمنوا بالله ولا برسوله، ولا بلقاء الله، بل يخفون الكفر ويظهرون الإيمان. وهؤلاء هم المنافقون، من نافق ينافق نفاقاً إذا أظهر ما لا يخفيه في بطنه وقلبه.

    بعض صفات المنافقين

    هؤلاء المنافقون يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ [النور:47] رباً وإلهاً، وبرسوله محمد نبياً ورسولاً، وَأَطَعْنَا [النور:47] الله ورسوله بألسنتهم، ثُمَّ يَتَوَلَّى [النور:47]، أي: يرجع، فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [النور:47] الإعلان الذي أعلنوه. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. وهم يتبجحون أمام الصحابة أنهم كذا وكذا، ثم ينتكسون والعياذ بالله. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون)

    قال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:48].

    سبب نزول قوله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون)

    هنا قضية تذكر سبباً لنزول: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:48]. وهي: أن منافقاً يقال له: بشر كانت له أرض مع يهودي، واختلفا في قسمتها بينهما، أو كان كل منهما يدعي أنها أرضه، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يحكم بالعدل، وقال بشر المنافق: لا، بل نتحاكم عند كعب بن الأشرف اليهودي؛ وهذا لأنه ظالم ومعتدٍ، والحق ليس له، فإذا تحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيحكم بالحق، فيسلبه منه، وأما اليهودي كعب بن الأشرف عليه لعائن الله فسوف يحكم بالهوى والباطل، فنزل: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48] عن ذلك، ولا يريدون أن يتحاكموا إلى الله ورسوله.

    حكم التحاكم إلى غير المسلمين

    هنا يجب أن نعلم أنه لا يصح التحاكم إلى غير المسلمين، ولا يصح التحاكم إلى الكفار، كما لا يصح أيضاً استعمال شرائع وقوانين الكفار، ونحكم بها المسلمين، فهذا لا يحل أبداً.

    وهنا مسألة، وهي: إذا كان معنا أهل ذمة يهوداً أو نصارى، وتخاصم مسلم مع يهودي أو نصراني، فهنا يجب أن يتقاضيا ويتحاكما إلى المسلمين، ولا يحل أن يتقاضيا إلى منافق أو إلى كافر. وإن اختلف يهوديان أو نصرانيان فيما بينهما فلهما إن شاءا أن يحكما من يريانه من أمثالهما، أو يتحاكما إلى الإسلام.

    فاعرفوا هذه القضية، وهي: أنه لا يحل لمسلم أن يتحاكم إلى كافر؛ لأن الكافر لا يعرف الحق، ولا يحكم به، ونحن نهينا أن نتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ومن هنا نلفت النظر ونقول: الواجب على المسلمين ألا يستعملوا القوانين الغربية، ويحكموا بها المسلمين. فهذا خطأ فاحش وباطل ومنكر، ولا يحل أبدا؛ لأن المسلمين يكفيهم شرع الله الذي بين أيديهم، وهو كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. وليسوا في حاجة إلى قوانين يحكمون بها المسلمين، وإن جهلوا القوانين الإسلامية فيجب أن يتعلموها، وأن يوجدوا من يعلمها ويحكِّمها ويحكُمُ بها بينهم.

    وإذا كان أهل الذمة في بلادنا من اليهود والنصارى وتنازع مسلم مع يهودي أو نصراني فيجب أن يتحاكما إلى الإسلام، وإلى قاضي المسلمين.

    وإن تنازع يهودي مع يهودي أو نصراني مع نصراني في بلاد المسلمين فها مخيران، فإن تحاكما إلى رجالهم وقضاتهم فشأنهما، وإن تحاكما إلينا حكمنا بينهما بالعدل. فلتبقى هذه في أذهاننا إن شاء الله.

    قال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48]. ولا يريدون أن يتحاكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين)

    قال تعالى: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [النور:49]. فإذا عرف المنافق أن الحق له يأتي إلى الرسول مذعناً مطيعاً مسرعاً؛ لأنه يعرف أنه يعطيه حقه، ولكن إذا كان ليس له حق ويريد أن يأخذ الحق بالباطل لم يتحاكم إلى الرسول؛ لأنه ما يقضي حاجته، ولا يحكم عليه بما يحب هو، ولذلك قال: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي. وهذا دليل قاطع على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالعدل والحق، ولا يجور ولا يحيف.

    وهذا المنافق بشر عرف هذه القضية، وهي: أن الرسول لا يحكم إلا بالحق؛ فلهذا قال: لا نتحاكم عند محمد، بل نتحاكم عند كعب بن الأشرف ، فنزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48] عن ذلك، غير ملتفتين إليه، ولا يريدون التحاكم إلى الله ورسوله. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [النور:49]، أي: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليحكم بينهم بالحق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ...)

    قال تعالى موبخاً مؤدباً مقرعاً: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [النور:50]؟ وإي والله إنها لكذلك. أَمِ ارْتَابُوا [النور:50]؟ أي: بل ارتابوا وشكوا، فهم ما هم بمؤمنين، بل هم منافقون. أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور:50]. ولا يحيف الله ورسوله ولا يجوران في الحكم، فهذا والله ما كان. وهم لا يخافون هذا أبداً، ولكن يخافون أن يحكم بالحق، وهم لا يريدون الحق، وإنما يريدون أن يتحاكموا إلى من يحكم بالباطل. ولذلك قال: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا [النور:50]؟ أي: شكوا في الإيمان والتوحيد والنبوة المحمدية؟ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ [النور:50]. وأخيراً: قال تعالى: بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور:50]. الخارجون عن الحدود، المتقلبون في الباطل والشر والفساد. وقد ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعنا وأطعنا ...)

    بين تعالى حال المؤمنين الصادقين في إيمانهم بعد أن بين حال المنافقين الذين يظهرون الكفر ويخفون الإيمان، وكيف يتحاكمون إلى الطاغوت، ولا يريدون أن يتحاكموا إلى الحق والعدل في الكتاب والسنة، فذكر حال المؤمنين، فقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:51] أنهم يقولون: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. فالمؤمنون الصادقون في إيمانهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم في قضايا اختلفوا فيها وتنازعوا فيها لا يسعهم إلا أن يقولوا: سمعاً وطاعة، كما قال تعالى أنهم يقولون: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. ويمشون إلى القاضي أو إلى رسول الله ويحكم بينهم.

    فهناك فرق إذاً بين المنافقين والمؤمنين كالفرق بين الميت والحي، فأولئك أموات، وهؤلاء أحياء، وينبغي أن يكون هذا حال المؤمنين إلى يوم القيامة، فإذا دعيت يا عبد الله! إلى المحكمة الإسلامية فيجب أن تقول: سمعاً وطاعة، وما يقضي به القاضي المسلم ترضى به، وتقول: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. كما قال تعالى عن المؤمنين: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:51] في قضية من قضايا الدنيا أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. وهذا هو اسم كان، وأما قَوْلَ [النور:51] فهو خبره مقدم. أي: قولهم: سمعنا وأطعنا. وَأُوْلَئِكَ [النور:51] السامون الأعلون هُمْ [النور:51] لا سواهم الْمُفْلِحُونَ [النور:51] الفائزون. اللهم اجعلنا منهم.

    فإذا دعينا إلى الله ورسوله لنتحاكم إلى الكتاب والسنة فعلينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وحينئذ يقال لنا: أنتم المفلحون، وغيركم الخائبون الخاسرون، وهم الذين يتحاكمون إلى الطاغوت .. إلى الأهواء والشهوات، وإلى القضاة المجرمين الكافرين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)

    قال تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور:52]. وفي قراءة: (ويتقِه)، وفي قراءة: (ويتقِهِ)، ففيها قراءات ثلاث. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52] بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار.

    وإليكم هذه اللطيفة العلمية، وقد ذكرها القرطبي في تفسيره، فتأملوها، قال: [ ذكر القرطبي أن عمر رضي الله عنه ] ابن الخطاب [ بينما هو قائم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ] جالس يصلي أو يذكر [ وإذا برجل من دهاقين الروم ] أصحاب الثروة والغنى والقوة [ قائم على رأس عمر ] وعمر جالس وهو واقف [ قائم على رأسه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ] فقد كان عمر قاعداً وإذا بالرجل من دهاقنة الروم نصراني قائم على رأسه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأعلن إسلامه [ فقال له عمر : ما شأنك ] وما حالك وما أمرك؟ وخبرني من أنت؟ [ قال: أسلمت لله! قال عمر : هل لهذا سبب؟ ] أي: هل لإسلامك هذا سبب من الأسباب؟ [ قال: نعم ] له سبب، وهو [ إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيراً من كتب الأنبياء ] وهذا معناه: أنه على علم وبصيرة [ فسمعت أسيراً ] من أسرى المسلمين في بلاد الروم، إذ كانوا يأخذونهم أسرى [ يقرأ آية من القرآن، هذه الآية جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة ] أي: آية واحدة جمع فيها كل ما في الكتب السابقة [ فعلمت أنه من عند الله، فأسلمت ] لله أمري، فقد فتح الله عليه فعلم أن هذا القرآن من عند الله [ قال له عمر : ما هذه الآية؟ قال: هي قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ [النور:52] ] أي: في الفرائض [ وَرَسُولَهُ [النور:52] ] أي: في السنن [ وَيَخْشَ اللَّهَ [النور:52] ] فيما مضى من عمره [ وَيَتَّقْهِ [النور:52] ] فيما بقي من عمره [ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52] ] فالفائز من نجا من النار ودخل الجنة [ فقال عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أوتيت جوامع الكلم ) ] أي: أعطاني ربي جوامع الكلم، فهذه الآية: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ [النور:52]، أي: في فرائضه، ويطيع رسوله في سننه، ويخشى الله من ذنوبه التي مضت في ماضي عمره، ويتقي الله فيما بقي من عمره فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52].

    هذا راهب من الرهبان يقول هذا، وسبحان الله العظيم! فهذه الآية نقرؤها طول العام، ولا يخطر على بالنا مثل ما قال.

    فقوله تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ [النور:52]، أي: في فرائضه، وَرَسُولَهُ [النور:52]، أي: في سننه، وَيَخْشَ اللَّهَ [النور:52] من ذنوبه الماضية من عمره، وَيَتَّقْهِ [النور:52] فيما بقي من عمره فَأُوْلَئِكَ [النور:52] والله هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52]. اللهم اجعلنا منهم.

    وإذا كان هذا من الرهبان، وبين معناها فلا ننساها نحن، وهي قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52]. فلنحفظها. والمعنى: يطيع الله في فرائضه التي فرضها، ويطيع رسول الله في سننه التي سنها، ويخشى الله من ذنوبه الماضية التي مرت، ويتقي الله فيما بقي من عمره، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    الآن إليكم شرح الآيات من الكتاب.

    قال: [ معنى الآيات:

    بعد عرض تلك المظاهر لقدرة الله وعلمه وحكمته والموجبة للإيمان به ورسوله، وما عند الله من نعيم مقيم، وما لديه من عذاب مهين، فاهتدى عليها من شاء الله هدايته، وأعرض عنها من كتب الله شقاوته من المنافقين، الذين أخبر الله عنهم بقوله: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا [النور:47]، أي: صدقنا بالله رباً وإلهاً، وبمحمد نبياً ورسولاً، وأطعناهما. ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [النور:47]، أي: من بعد تصريحهم بالإيمان والطاعة، يقولون معرضين بقلوبهم عن الإيمان بالله وآياته ورسوله. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. فأكذبهم الله ] أي: كذبهم الله [ في دعوة إيمانهم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47).

    وقوله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:48]، أي: في قضية من قضايا دنياهم ] كما قدمنا في قضية بشر [ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48]، أي: فاجأك فريق منهم بالإعراض عن التحاكم ] وعدم القبول بالتحاكم [ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وقوله: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ [النور:49]، أي: وإن يكن لهم في الخصومة التي بينهم وبين غيرهم يَأْتُوا إِلَيْهِ [النور:49]، أي: إلى رسول الله ] صلى الله عليه وسلم [ مُذْعِنِينَ [النور:49]، أي: منقادين طائعين ] مسرعين [ أي: لعلمهم أن الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ يقضي بينهم بالحق، وسوف يأخذون حقهم وافياً.

    وقوله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [النور:50]؟ أي: بل في قلوبهم مرض الكفر والنفاق ] والعياذ بالله [ أَمِ ارْتَابُوا [النور:50]؟ أي: بل ارتابوا، أي: شكوا في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ [النور:50]؟ لا، لا. بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور:50]. ولما كانوا ظالمين يخافون حكم الله ورسوله فيهم؛ لأنه عادل، فيأخذ منهم ما ليس لهم، ويعطيه لمن هو لهم من خصومهم.

    وقوله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:51]، أي: الصادقين في إيمانهم إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]، أي: لم يكن للمؤمنين الصادقين من قول يقولونه إذا دعوا إلى كتاب الله و] سنة [ رسوله ليحكم بينهم إلا قولهم: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. فيجيبون الدعوة، ويسلمون بالحق. قال تعالى في الثناء عليهم: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]، أي: الناجحون في دنياهم وآخرتهم دون غيرهم من أهل النفاق.

    وقوله تعالى في الآية الكريمة الأخيرة (52): وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النور:52]، أي: فيما يأمران به وينهيان عنه، وَيَخْشَ اللَّهَ [النور:52]، أي: يخافه في السر والعلن، وَيَتَّقْهِ [النور:52]، أي: يتقي مخالفته، فلا يقصر في واجب، ولا يغشى محرماً فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52] فقصر ] تعالى [ الفوز عليهم ] وحصره فيهم، أي: هم الفائزون [ أي: هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة، المنعمون في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، إنك ربنا وربهم ].

    وإن شاء الله ما ننسى هذه الآية: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52].

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة ] يا معشر المستمعين والمستمعات! فإذا اختلفت مع أخيك أو مع أبيك أو مع عدوك فيجب أن تتحاكما إلى كتاب الله وسنة الرسول، وإذا كانت المحكمة لا تحكم كتاب الله وشرعه فلا يجوز أن تتحاكما إلى قضاتها، وهذا بيناه من عشرات السنين. فالبلاد التي لا يحكم فيها شرع الله على المؤمنين الصالحين إذا اختلفوا ألا يتنازعوا وألا يتخاصموا عند تلك المحكمة، بل يبحثون عن عالم من علماء المدينة والقرية ويتحاكمون إليه. فالبلد الإسلامي إذا كان لا يحكم شرع الله بل يحكم القوانين الوضعية فعلى المؤمنين إذا اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا فيما بينهم ألا يذهبوا إلى تلك المحاكم، بل يذهبون إلى أحد العلماء والصالحين، ويعرضون قضيتهم عليه، ويحكم بينهم بالحق، ويجب أن يرضوا بذلك ويسلموا به، وأما أن يعرفوا أن المحكمة لا تحكم بشرع الله ويتحاكمون عندها فهذا حرام لا يجوز أبداً، ونص الآية يقول: إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:51]. ثم قال تعالى: أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. والمنافقون أعرضوا، وقالوا: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف .

    وليس في التحاكم إلى شرع الله ضرر، ووالله ما فيه ضرر، بل فيه نفع للحكومة الغاوية الطاغية؛ لأن الشعب يتحاكم فيما بينه بكتاب الله وسنة رسوله في المسجد، وليس هناك حاجة إلى محكمة. وهنا تضطر الحكومة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية عندما لا يدخل محاكمها أحد، فنحكم فيهم شرع الله، وتأتي بالقضاة المسلمين. فالشعب هو الذي يسبب النجاح أو الخيبة والخسران إلى يوم القيامة، أو يسبب الربح والله العظيم. ولو أن المسلمين في أي بلد أقبلوا على الله كما قدمنا فلن يكفهم الحكام بالحديد والنار، فهذا ما فعله حتى الكفر، بل يرجعون إليهم، ويتوبون إلى الله معهم. ولهذا عرف الثالوث الأسود كيف يفعل، فهو ينشر الفساد والخبث، والضلالة والجهالة بين المواطنين؛ حتى يفسدوا، ويبقى الحكم فاسداً.

    [ ثانياً: من دعي إلى الكتاب والسنة فأعرض فهو منافق معلوم النفاق ] فهو منافق من المنافقين؛ بحكم هذه الآية الكريمة. فمن دعي إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فقال: لا، ما أريد هذا وأعرض، فهو والله منافق، وما آمن وإن ادعى أنه مؤمن، وإن صلى أمام الناس.

    [ ثالثاً: اتخاذ قوانين وضعية للتحاكم إليها دون كتاب الله وسنة رسوله آية الكفر والنفاق ] فاتخاذ قوانين وشرائع من غير الكتاب والسنة كفر صريح، لا يشك فيه من عرف الله ورسوله. فمن يعرض عن كتاب الله وسنة رسول الله، وعن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويستبدلها بقوانين الكفار فوالله ما هو بمؤمن.

    [ رابعاً: فضل طاعة الله ورسوله وتقوى الله عز وجل، وأن أهلها هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنان ] ففي هذا بيان فضيلة من يطيع الله ورسوله، ويخشى الله ويتقيه. وهذا هو الفائز في النعيم المقيم في دار السلام. جعلنا الله من أهلها.

    وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756227173