إسلام ويب

تفسير سورة الأنفال (16)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على المسلمين في كل زمان ومكان أن يعدوا ما يقدرون عليه من القوة لملاقاة عدوهم، ويكون هذا في كل زمان بحسبه، والقوة تحتاج إلى المال لذلك فقد دعا الله عباده المؤمنين للإنفاق في هذا السبيل، ولا يمنع مع وجود الإعداد الجيد لمواجهة أي طارئ من عدو أو مترصد أن يجنح المسلمون للسلم مع من يسالمهم، ولا يخشوا ما يضمر لهم من خداع لأن الله عز وجل هو ولي الرسول والمؤمنين معه، فهو الذي يؤيدهم وينصرهم ويؤلف بينهم من بعد أن كانت قلوبهم مختلفة وكلمتهم شتى.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأنفال

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    فهيا بنا نستمع إلى تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نأخذ في تدارسها فيما بيننا، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:60-63].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد عليكم هدايات الآيات التي تقدمت، وذلك للارتباط مع هذه الآيات، قال الشارح: [ من هداية الآيات: أولاً: بيان أن شر الدواب هم الكفار من أهل الكتاب والمشركين ]، شر الخلق على الإطلاق هم الكفار والمشركون، وأخذنا هذا من قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22]، وقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:55]، وآية البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6].

    قال: [ ثانياً: سنة الله فيمن توغل في الظلم والشر والفساد يحرم التوبة فلا يموت إلا كافراً ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنفال:55]، فنفى تعالى عنهم الإيمان مستقبلاً، وبالتالي فكل من توغل في الشر أو في الفساد أو في الخبث، ومضت سنون وهو متوغل في ذلك، فإنه يصعب عليه أن يتوب، إذ ما يقوى ولا يقدر على أن يتوب؛ لما يصيب قلبه من الظلمة وعدم البصيرة، فلا يعرف الطريق إلى الله تعالى.

    قال: [ ثالثاً: من السياسة الحربية النافعة أن يضرب القائد عدوه بعنف وشدة ليصبح عظة وعبرة لمن بعده ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأنفال:57].

    قال: [ رابعاً: حرمة الغدر والخيانة ]، قال تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ [الأنفال:58]، وقد علمنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يرفع يوم القيامة لكل غادر لواء بقدر غدرته ) .

    قال: [ خامساً: جواز إعلان إلغاء المعاهدة ]، وذلك إذا كان بيننا وبين العدو معاهدة صلح أو عدم اعتداء لمدة عشر سنين مثلاً، فلا يحلنا لنا أن نخونهم، بل لما نحس أو نشعر بخيانتهم أو بتجمعهم لضربنا فإننا نعلن نقض المعاهدة بيننا وبينهم ونضربهم، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سواء [الأنفال:58]، أي: أعلن انتهاء المعاهدة.

    وتذكرون أن معاوية عندما خرج بجيشه إلى بلاد الروم، وكان بينه وبينهم عهد وهدنة، فرأى أن يضربهم على غفلتهم، فاعترضه عمرو بن عنبسة وقال: يا أمير المؤمنين! لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ألا لا غادر أعظم غدراً من أمير جماعة )، فرجع معاوية بجيشه إلى بلده، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم الغدر، سواء كانت بيننا وبين القوم عقدة شديدة أو خفيفة، فلابد من إعلان حلها، ولا يغادر ذات العدو بغدر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...)

    قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

    قول ربنا جل ذكره: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60]، (أعدوا) فعل أمر، فأيها الرسول والمؤمنون! وأيها القائد والمجاهدون! أعدوا لهم، لمن؟ للعدو، مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، وهذا ما يعرف بالسلام المسلح أو بالسلم المسلح، وبالتالي فيجب على الدولة الإسلامية أو على إمام المسلمين أن يعد هو وأفراد أمته من القوة ما استطاعوا، بمعنى: أن يبذلوا كل جهدهم وطاقتهم حتى يعجزوا، إذ إنهم ما داموا قادرين على جمع المال وشراء السلاح وصنعه فإنهم لا يعذرون بهذا الأمر الإلهي، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، وكلمة: (قوة) نكرة، وقد تنوعت الآن أنواع القوى.

    إذاً: على المسلمين وإن عاهدوا عدوهم، وكان بينه وبينهم عهد لمدة عشر سنين مثلاً، فعلى الراجح أن يعدوا أنفسهم للقتال، وذلك بإعداد العدة الكافية التي يبذلون فيها كل جهدهم حتى يعجزوا، إذ ما داموا قادرين لابد وأن يدفعوا لشراء السلاح أو يصنعوه بأنفسهم.

    وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، ورباط الخيل في ذلك الزمن هو الذي يملك الخيول والفرسان، وهو الذي ينتصر في المعارك، إذ القتال كان على الأرجل وعلى الخيول، وبالتالي فالثغور التي بينكم وبين عدوكم يجب أن تجعلوها رباطاً لخيولكم، أو الثغور التي هي منافذ للعدو أن يدخل من خلالها إليكم على دياركم، فيجب أن تكون فيها فرسان على خيولهم، فإذا شاهدهم العدو ارتعد وخاف وهرب، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، وهذا إخبار الله العليم الحكيم، فهل يخطئ الله في خبر؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

    تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، فمن هو عدو الله؟ من كفر به، من كذب برسالته، من أنكر لقاءه والبعث، فهذا هو الكافر، وهذا هو عدو الله، وعدوكم الذين يتربصون بكم الدوائر ويريدون أن يغلبوكم، ويدخل في هذا بنو قريظة وبنو النظير، ويدخل في هذا المجوس والنصارى، بل الكل متربص بالإسلام وأهله.

    ثم قال تعالى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60]، وهذا النوع من الأعداء جائز أن يكون من الجن، وجائز أن يكون الفرس والروم، وجائز أن يكون اليهود، وجائز أن يكون المنافقون، إذ هناك أعداء لا يعرفهم رسول الله والمؤمنون، وهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، ثم إن هذا الأمر من الله عز وجل ليس بمنسوخ، وهو لفظ عام غير مقيد ولا مخصص، وبالتالي فيجب على المسلمين في أي ديارهم أن يعدوا من العتاد الحربي بحسب وقته وزمانه، والآن لا معنى للخيول ولا للرباط فيها، لكن الآن تربط السيارات والدبابات والطائرات على اختلاف أنواعها، وكذلك الصواريخ على اختلاف أنواعها، والمهم أن نبذل ما استطعنا، فيساهم المؤمنون في إعداد هذه العدة حتى يصلوا إلى مستوى لا قدرة للعدو بنا، وحينئذٍ يعذرون ويعفى عنهم، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

    ثم قال: وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ [الأنفال:60]، فإذا علمت الأمة التي تريد أن تحاربنا أننا نملك سلاحاً مدمراً، ونملك رجالاً أقوياء، فإنهم يهابوننا ويخافوننا، لكن إذا كشفوا عن عورتنا وعرفوا أننا لا نملك شيئاً، سهل عليهم أن يغزوننا ويقاتلوننا.

    ولا يقولن قائل: لابد من رباط الخيل لأن الآية نصت على ذلك، فأقول: إن الآية نصت على رباط الخيل لما كانت الخيول هي السلاح الأعظم عند الأمم والشعوب، لكن الآن من يقول: لا بد من الخيل في الثغور؟! إن الثغور الآن مملوءة بالرجال والسلاح على اختلاف أنواعه، كما لا يقولن قائل: كيف ندمر العدو بالصواريخ فنقتل النساء والأطفال؟! فهذا القول أيضاً مردود وباطل، فهم يقاتلوننا بذاك السلاح فنقاتلهم بالسلاح نفسه، ثم لماذا هم لا يتحاشون أن يضربونا بصاروخ يدمر النساء والرجال ونحن نتحاشى ذلك؟ إن جزاء السيئة سيئة مثلها.

    وهكذا يأمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بقوله: وَأَعِدُّوا [الأنفال:60]، أي: أحضروا وهيئوا، لَهُمْ [الأنفال:60]، أي: للعدو، فمن العدو؟ مشركوا مكة، إذ إن القضية كانت بعد بدر، وذلك ما إن رجع أبو سفيان إلى مكة حتى أعلن التعبئة العامة، وأخذ يجمع الأموال من النساء والرجال، إذاً وأنتم أيها المؤمنون! َأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، فإذا شاهد سلاحكم قوياً ورجالاتكم أقوياء قادرين على القتال، فإنهم يخافوكم ويرهبوكم ولا يقدموا على قتالكم.

    ثم قال تعالى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ [الأنفال:60]، أي: ما كان الرسول وأصحابه يفكرون في قتال فارس أو الروم أو الأحباش أبداً، وإنما كان همهم هو قتال الكفار والمنافقين واليهود في الجزيرة، ثم قال تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60]، وهذا إلى اليوم، إذ الله يعلم أعداء الرسول والمسلمين في كل زمان ومكان، ولهذا على المسلمين دائماً أن يكونوا على حذر، وأن يكونوا على أتم الاستعداد، وإن أعدوا العدة ولم يقاتلوا أربعين أو خمسين سنة فغير مهم، وإنما المهم أن تكون العدة والعتاد حاضرتين، رجالاً وسلاحاً، أي: رجال الخبرة وسلاح أيضاً نفاذ مدمر وفتاك.

    وقوله تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:60]؛ لأن إعداد السلاح يحتاج إلى مال، والرسول وحده ليس عنده شيء، إذاً فمن يجمع المال؟ المؤمنون، إذ قال لهم تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60]، فهذا وعد الله الصادق، أي: وما تنفقون من أموال من حلي النساء ومن الأموال الصامتة أو الناطقة من أجل إعداد العدة، وإرهاب العدو وقتاله إذا قاتل واعتدى، كل ذلك يعوضكم الله خيراً منه، على شرط أن يكون في سبيل الله، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:60]، أي: في الطريق الموصل إلى رضا الله ألا وهو الإسلام، والذي هو إسلام القلوب والوجوه لله رب العالمين، أما إعداد عدة وإنفاق مال لا يراد به الإسلام فلا خير فيه، ولا يعوض الله أهله ولا يأمرهم بذلك ولا ينهاهم عنه، لكن ما دام القتال لإعلاء كلمة الله، ولنشر دعوة الله وهداية الخلق فهو في سبيل الله.

    فهكذا يقول تعالى وقوله الحق: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:60]، وهذا قيد ضروري، يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [الأنفال:60]، أي: تعطونه أكثر مما كان، وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60]، درهماً واحداً ولا أقل من درهم؛ لأن الغني الكبير العظيم وعد بذلك، إذاً فأنفقوا وسيعوضكم أكثر مما أنفقتم، بل ولا يظلمكم درهماً واحداً، وقد فعل سبحانه وتعالى، ففي خلال خمسة وعشرين سنة إلا والرسول يوزع الأموال هنا بالحفنة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها...)

    قال تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنفال:61].

    وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]، والسلم مؤنثة، ولهذا كان الضمير (لها) مقال له، وإن جنح العدو أبو سفيان أو بنو النضير أو بنو قريظة أو أي عدو، فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]، والجنوح هو الميل كما يميل الطائر بجناحه إلى الأرض، وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ [الأنفال:61]، عدم الحرب، فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]؛ لأن دعوتنا دعوى ربانية ليس المراد منها المال ولا القوة ولا السلطان، وإنما دعوة لإعزاز دين الله ورفع رايته، فإذا هم أبو أن يقاتلوا ومالوا إلى السلم وطالبوا به فلا تمنعهم.

    وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]، أي: للسلم لا للحرب، لكن هل هذا خاص أو عام؟ عام إلى يوم القيامة، فإذا رأت دولة محاربة أن تعاهدنا على عدم الاعتداء، وإنهاءً للحرب وإراقة الدماء، وجنحت للسلم وطالبت به، فإننا نقبل ذلك ونجنح، ويبقى قول الإمام الشافعي: لا تزيد المعاهدة على عشر سنوات، والحقيقة أنها ليست مقيدة بالعشر السنوات، وإنما هي مقيدة بالقوة والضعف، فلو أننا ما زلنا ضعافاً وعدونا قوي، وإن تجاوزت العشر السنين إلى المائة؛ لأنا عاجزون على قتاله، إذ لو قاتلناه دمرنا، وبالتالي فما دام أنه قد مال إلى السلم وصالح عليه فإننا نقبل ذلك وإن طالت المدة، لكن علينا أن نعد العدة، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60]، ولا نقول: ما دمنا معاهدين للكفار ولا حرب بيننا إذاً نلهو ونلعب ونأكل البقلاوة ولا نصنع سلاحاً ولا نعد عدة! وهذا خطأ وحرام ولا يجوز، بل الفرصة الذهبية أننا نأمن العدو بمصالحة حتى نعد عدتنا، وحتى نهيئ أنفسنا، وحتى نقوى على قتاله لو قاتلنا، مع أن العدو لا يؤمن أبداً جانبه؛ لأنه كافر، والكافر ليس له عهد وميثاق، وإنما مجرد خوف فقط، ويوم أن يعرف أنه قوي فإنه يهاجم وينقض العهد.

    وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال:61]، أي: اجنح للسلم واقبل بالسلم بدل الحرب متوكلاً على الله عز وجل، إذ هو الذي يكفيك عدوك، ولا تقول: لا نستطيع أن نعاهدهم؛ لأنهم سيخونوننا فينقضون علينا بالليل، والجواب: لا، فما دام أنهم طالبوا بالمصالحة أو بالهدنة لرفع الحرب بيننا وبينهم، فتوكل على الله ونفذ هذا الحكم وأنجزه متوكلاً على الله تعالى.

    وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنفال:61]، وهذه الجملة تعليلية، فهو السميع لأقوال عباده العليم بأفعالهم، فإذا خانوك أعلمك بخيانتهم قبل أن تظهر الخيانة منهم؛ لأنه يعرف أحوالهم ويسمع أقوالهم، وبالتالي ففوض أمرك إليه واجنح إلى السلم كما جنحوا إليه، وتوكل على الله وفوض أمرك إليه ولا تخف، لكن ليس معناه أننا ما دمنا في هدنة أننا نقبل على الأكل والشرب والضحك، ولا نعد العدة ولا نجهز أنفسنا، وإنما كل هذا بعد: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ من قوة [الأنفال:60]، وذلك بإعداد العدة الكافية التي نبذل فيها ما نستطيع، حتى نصل إلى حد نعجز فيه، وعند ذلك عُفي عنا.

    وقوله تعالى: وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]، إشارة أيضاً إلى أنواع العتاد، إذ يجب أن يكون بحسب زمانه ووقته، ففي ذلك الوقت كانت الخيل هي التي تقهر العدو بفرسانها ورجالها، والآن لا شك أن النفاثات والصواريخ والذرة هي التي تعمل ذلك، ولذا فعلى المسلمين أن يبذلوا ما في استطاعتهم حتى يصبحوا أقوياء في نظر العدو، وإلا فهم عرضة للذل والهون والدون، فإذا هيأنا أنفسنا وكنا على أتم الاستعداد، ثم جاء الصلح فنجنح له ونقبله لنزيد في قوتنا، وليعلموا أننا لسنا بأهل حرب ولا اعتداء ولا ظلم ولا شر ولا فساد، بل دعاة خير وهدى، فإذا شعرنا بتحركات فيما بينهم أو تقولات فحينئذ نعلن نقض العهد ونضرب، قال تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال:58]، فأين كليات الحرب في العالم الإسلامي يدرسون هذه الآيات؟!

    وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ [الأنفال:61]، لا غيره، السَّمِيعُ [الأنفال:61]، لأقوال عباده، الْعَلِيمُ [الأنفال:61]، بأعمالهم ونياتهم وخواطر نفوسهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله...)

    قال تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:62].

    وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ [الأنفال:62]، أي: إذا جنحوا للسلم لأجل الخداع، كأن قالوا لك: هيا نصطلح يا محمد وننهي الحرب فيما بيننا، وهذا في الظاهر، وهم في الباطن يتحينون الفرصة فقط متى ينقضون علينا؟ ففي هذه الحال ماذا يصنع؟ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:62].

    وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ [الأنفال:62]، بكلمة: هيا نصطلح على هدنة محددة الأيام والأعوام، وهم في الحقيقة يريدون بذلك خداعك، ففي هذه الحال اقبل الصلح والهدنة ولا تبال بما يضمرون أو يكنون في نفوسهم؛ لأنك متوكل على الله عز وجل، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ [الأنفال:62]، وذلك يوم بدر، فقد هزم المشركين، وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:62]، أما أيده بمؤمني الأوس والخزرج ومؤمني المهاجرين؟! بلى.

    إذاً: فلا تتراجع في قضية الصلح إذا المراد به الهدنة وعدم الاعتداء والحرب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ...)

    قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].

    وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63]، فالمراد بالمؤمنين الأنصار، أما المهاجرون فإنهم يقاتلون مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أبناء عمه ورجاله وأهل بلده، لكن المؤمنون من الأنصار لا علاقة لهم بقريش ولا بمكة، ولذلك جعل الله عز وجل قلوبهم تميل إلى الإسلام وتقبله وتقف إلى جنب رسول الله والمؤمنين.

    وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63]، وفي هذه إشارة إلى حرب بعاث التي دارت بين الأوس والخزرج، وقد دامت مائة وعشر سنين، فالأوسي لا ينظر إلى الخزرجي والعكس، فألف الله بين قلوبهم، فكيف ألف بين القلوب؟ جمع بين القلوب، وذلك كما تؤلف الكتاب كلمة إلى كلمة، وأصبحوا على قلب رجل واحد، فمن يفعل هذا سوى الله تعالى؟!

    إذاً: توكل عليه إذا دعيت إلى الصلح ولا تخف أبداً، إذ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63]، فلو جمعت كل الأموال الصامتة والناطقة وأعطيتها للأوس والخزرج على أن يتفقوا ما يحصل هذا ولا يتم، بل يأخذون المال ويعادون بعضهم بعضاً.

    لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [الأنفال:63]، من أموال، مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63]، حتى أنه أصبح يقال في الأوس والخزرج: الأنصار، فلا أوسي ولا خزرجي، وإنما أنصار الله ورسوله والإسلام، فمن جمع بين تلك القلوب المتفرقة؟ إنه الله عز وجل، إذ لو كان هناك خوف أو سياسة أو مال ما ينفع، وذلك لتأصل العداء فيما بينهم.

    إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63]، أي: قوي قادر قاهر لا يغالب ولا يمانع فيما يريده، وهذه هي العزة، وحكيم يضع كل شيء في موضعه فلا يخطئ أبداً، ولعزته وحكمته ألف بين قلوب الأوس والخزرج وجعلهم أنصاراً لله ورسوله، وأيدك بهم يا رسولنا في بدر، إذ إن عدد المهاجرين كان أقل من عدد الأنصار في بدر، وهذا هو معنى قوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ [الأنفال:62]، من هم؟ الذين ادعوا المصالحة والهدنة وهم في الحقيقة يريدون الخداع، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ [الأنفال:62]، أي: كافيك الله هو الذي أيدك بنصره في بدر، وأيدك بالمؤمنين فالتفوا حولك وقاتلوا معك في بدر، وألف بين قلوبهم بعدما كانوا متعادين متحاربين، وأصبحوا كجسم واحد وكقلب واحد، فمن فعل هذا؟ إنه الله وحده.

    أما أنت يا رسولنا! فلو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولهذا إذا أراد إنسان أن يجمع بين قلوب أناس وقال: أوظفهم وأعطيهم الأموال، وبذلك يهدءون ويسكنون، والله ما سكنوا، إذ ما يؤلف بين القلوب إلا الله تعالى، وذلك بالإيمان به والرهبة منه، أما بالمال والسياسة فلا تنفع، ومستحيل أن تؤلف بين قلوب الفجار والظلمة والفسقة والمجرمين، بل والله لو تملأ بيوتهم بالذهب والفضة ما أحبوك ولا مشوا وراءك، وإنما إذا آمنوا ودخلوا في الإسلام وعرفوا الله وأحبوه وأحبوا ما عنده، فحينئذ كلمتهم واحدة، ولو كانوا ألف مليون.

    مرة أخرى: إن هذه نقطة سياسية! إذ من الخطأ أن يقال: إن هذا الهيجان في البلاد سببه الفقر أو عدم المال! فأقول: هيا بنا نغدق عليهم بالمال الكثير، ونسد حاجاتهم بالوظائف ليسكتوا، والله لا ينفع ذلك أبداً، إذ ما يسكتهم إلا أن تعرفهم بربهم فيؤمنوا به، إلا أن تجمعهم على تقوى الله عز وجل، وحينئذ تتحد قلوبهم، أما بالمادة فقط فلا، والآية شاهدة على ذلك، وهذه للأسف سياسة هابطة من سياسات الأوروبيين، إذ إنهم يقولون: في الإمكان أن هذا النزاع الموجود في دياركم أو فيما بينكم أن ينتهي بالوظيفة والمال، ودع الناس يسبحون في الباطل والشر وهم سيسكتون، وهذا لن يكون أبداً، بدليل قوله تعالى لنبيه: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [الأنفال:63]، من الذهب الناطق والصامت والحيوانات، مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63].

    إذاً: الذي يجمع قلوب الأمة أو أهل القرية أو الأسرة هو الإيمان الصحيح بالله عز وجل، هو حب الله وحب ما عنده والرغبة فيه وفيما عنده، وبالتالي من أراد أن يجمع شعباً أو فرداً أو أمة فعليه أن يجمعهم على تقوى الله عز وجل؛ لأنهم إذا عرفوا الله وتحابوا وتعاونوا مشت سفينتهم إلى شاطئ النجاة، أما الفسق والفجور والظلم والخبث وأنت تريد أن تستر ذلك بالمال فقط فلا ينفع، لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63]، أي غالب قاهر.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معاشر المستمعين! إليكم نتائج أو هدايات هذه الآيات الأربع فتأملوا!

    هداية الآيات

    قال الشارح: [ أولاً: وجوب إعداد القوة، وهي في كل زمان بحسبه، إن كانت في الماضي بالرمح والسيف ورباط الخيل، فهي اليوم النفاثة المقاتلة والصاروخ والهيدروجين والدبابة والغواصة والبارجة ]، أو الباخرة، وقد قال تعالى: مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، أي: من كل أنواع القِوى، ثم إنه ذكر الخيل لأنها أعلى ما عندهم، لكن الآن نقول: القوة هي السلاح على اختلاف أنواعها، ولكن الصواريخ والنفاثات أعظم، إذ هي التي ترهب العدو، وكذلك قنابل الذرة هي التي ترهب العدو، وقد امتلكها اليهود وامتلكها غيرهم، فعلى المسلمين أن يمتلكوها قبلهم، ولو بذلنا نصف قوتنا، وأخذنا هذا من قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

    قال: [ ثانياً: تقرير مبدأ السلم المسلح ]، وارجع إلى شرح الآيات التي تقدمت، قال تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]، ولكن وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فإعداد القوة وظهورها يجعل العدو يرهب ويخاف ولا يفكر في حربنا وقتالنا، وهناك سلم مسلح، فالدولة إذا سلحت رجالها وأصبحت قوية تحقق السلم، إذ لا يفكر العدو في حربها أو الانقضاض عليها، لكن إذا عرف ضعفها وهزيمتها أكب عليها.

    قال: [ ثالثاً: لا يخلو المسلمون من أعداء ما داموا بحق مسلمين ]، أما إذا كان ذابوا وأصبحوا كالكافرين في أكلهم وشربهم ولباسهم وحياتهم فليس هناك من يعاديهم، لكن إن كانوا مسلمين أطهاراً وأتقياء ورايتهم لا إله إلا الله والله لا يقهرهم ويحاربهم أحد، وهذه سنة الله عز وجل.

    قال: [ ثالثاً: لا يخلو المسلمون من أعداء ما دموا بحق مسلمين؛ لأن قوى الشر من إنس وجن كلها عدو لهم ]، أما قال تعالى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60]؟ فأنت قد تفهم أن القبيلة الفلانية هي العدو، أو أن الدولة الفلانية هي العدو فقط، لكن وراءها أعداء لا تدري بهم، إذ لا يخلو المسلمون من أعداء ما داموا مسلمين بحق، لكن إذا فسقوا وفجروا وتنصروا فمن يكرههم؟! لا أحد، إذ إن الكره والبغض لهم ما داموا مسلمين مقيمين للصلاة ومؤدين للزكاة.

    قال: [ رابعاً: نفقة الجهاد خير نفقة وهي مضمونة التضعيف ]، ليس هناك نفقة أفضل من نفقة الجهاد، وهي والله مضمونة، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60]، أي: وما تنفقوا من شيء قل أو كثر من الأموال الصامتة أو الناطقة، يوف إليكم ولا ينقص منه درهم ولا دينار.

    قال: [ خامساً: جواز قبول السلم في ظروف معينة، وعدم قبوله في أخرى، وذلك بحسب حال المسلمين قوة وضعفاً ]، هناك ظروف تضطرنا إلى المسالمة والمعاهدة مع العدو، وظروف نحن فيها أقوياء والعدو يتكالب علينا، فلا سلم ولا معاهدة، ولكن القتال والضرب والحرب بيننا وبينهم، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال:61]، لكن قال أهل العلم: هذا مقيد بأيام الضعف والعجز، أما مع القوة فليس هناك حاجة إلى المعاهدات، بل نريد أن نغزوهم لنرحمهم وندخلهم في رحمة الله ألا وهو الإسلام.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756185368