إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (25)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان قوم شعيب يطففون المكيال والميزان، فإذا اكتالوا لأنفسهم استوفوا الكيل كما يجب، وإن كالوا لغيرهم أخسروا الميزان، وبخسوا الناس أشياءهم، فبعث الله إليهم نبيه شعيباً يعظهم ويذكرهم، ويأمرهم بالعدل والقسط في الميزان، ويذكرهم بنعم الله عليهم، إلا أنهم كذبوا في ذات أنفسهم، وصاروا يترصدون لأهل الإيمان في الطرقات ليصدوهم عن الوصول إلى نبي الله، وقبول الحق الذي جاء به، فكانوا ضالين في أنفسهم مضلين لغيرهم.

    1.   

    سبل الوقاية من فاحشة اللواط

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، وقد علمتم أنها تعالج أعظم العقائد: التوحيد والنبوة والبعث الآخر والتشريع والتقنين، هذه السورة كغيرها من المكيات، وها نحن الليلة مع شعيب عليه السلام، وقومه هم أهل مدين، وقد تقدمت قصة نوح فهود فصالح، والآن مع شعيب عليه السلام.

    ولوط أيضاً بالأمس كنا معه، ولا يفوتنا أن نذكر أن هذه الجريمة النكراء والموبقة الشنعاء وهي إتيان الذكر الذكر، وقد علمنا أن الله عز وجل أغرق تلك البلاد بعد أن سخط عليها وغضب فأنزل عليها حجارة من السماء ثم أغرقها فتحولت إلى بحر منتن، هذه الجريمة مع الأسف هي اليوم في البلاد التي مسخت، في أوروبا يعقدون عقد نكاح للذكر على الذكر، وهناك أندية لهذه الفاحشة القبيحة، والمسلمون معصومون بعصمة الله محفوظون بحفظه، فمن لازم عبادة الله ولم يفارقها فإنه محفوظ ولن يأتي هذه الفاحشة أبداً، ولكن من أعرض عن ذكر الله وهبط إلى مستوى الهابطين من عبدة الهوى والشياطين قد يقع في هذه القبيحة، فوجب أن نذكر أن علينا أن نعتصم بحبل الله ولا نفارق أبداً كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنجد العصمة في ذلك، أما أن نغفل ونتجاهل ونعرض فلا بد أن نقع فيما وقع فيه غيرنا.

    فأولاً: يجب أن نربي أبناءنا، أولادنا، أطفالنا على حب الله تعالى وطاعته، على الرغبة فيما عند الله في الدار الآخرة، وأن نحاول أن ننسيهم هذه المادة مهما كانت، فإن في الإقبال على الله ما يحفظ العبد ويصونه عن الشيطان وما يدعو إليه الشيطان.

    كذلك مجلسنا في أي مكان يجب أن ننزه ألسنتا عن ذكر الفواحش والتحدث عنها، كذلك مكاتبنا ينبغي أن تكون مكاتب ما فيها إلا النور والهداية، أما صحف ومجلات وكتب تتعاطى هذه الأباطيل وتعرض الناس لها فيجب أن نطهر منها بيوتنا ومكاتبنا.

    كذلك أن نزوج أبناءنا إذا بلغوا سن التكليف والرشد، وألا نغالي في المهور، وألا نغالي في هذه الزخارف والأباطيل، حتى نحصن أبناءنا وبناتنا، والعصمة كل العصمة ألا تسمع بيننا وبين إخواننا وأولادنا كلمة سوء تدل على الفاحشة، فتطهير القلوب متوقف على طهارة الألسن والأفواه؛ لأن هذه الفاحشة -كما علمتم- استوجبت غضب الله ثم العذاب الأبدي، والسخط الذي لا رضا لله بعده، فلنتق الله عز وجل في هذا وفي غيره.

    1.   

    ذكر بعض خبر شعيب عليه السلام وقومه

    وها نحن الآن مع أخينا -لا مع نبينا- شعيب عليه السلام، من هو شعيب؟ شعيب هكذا سمي، وليس هو تصغير شعب؛ لأن تصغير أسماء الأنبياء حرام، لا يحل لمؤمن أن يصغر اسم نبي، فلو قال في صالح: صويلح فإنه يكفر، لو قال في محمد: محيمد كفر، لو قال في نوح: نويح كفر؛ لأنها إهانة لما وجب تعظيمه، فلا يحل أبداً أن تصغر اسماً من أسماء أنبياء الله ورسله، فشعيب ليس تصغير شعب، هكذا سمته والدته، وهو نبي عربي، ولسانه عربي، ويعرف بخطيب الأنبياء؛ لفصاحته وبلاغته، عرفه نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه خطيب الأنبياء، وقصته في سورة هود أطول من هذه، وتتجلى فيها مظاهر فصاحته وبلاغته.

    شعيب عليه السلام نبي الله ورسوله، أرسله الله إلى أهل مدين، ومدين من ذرية إبراهيم، وكان تزوج ابنة لوط عليه السلام، ثم تناسلوا وتكاثروا وأصبحوا أمة بعدما كانوا أقليات، فشعيب عليه السلام رسول من الرسل، ونبي من أنبياء العرب، إذ أنبياء العرب أربعة: هود، وصالح، وشعيب، ومحمد صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: أين منازلهم؟ منازلهم حول البحر الميت؛ لأنهم خلفوا قوم لوط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ...)

    لنستمع إلى تلاوة الآيات وتجويدها، ثم بعد ذلك نأخذ في دراستها وفهم معناها بإذن ربنا تعالى.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:85-87].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه ثلاث آيات من قصة شعيب عليه السلام، وبقيت آيات أخرى في الدرس الآتي إن شاء الله، ولهذا ليس فيها جواب لقوامه، فهنا كلام شعيب بكامله، وسوف يجيبون كلامه ويردون عليه في الآيات الآتية.

    أولاً: علمنا أن مدين اسم رجل سميت القبيلة به، وأنه من أولاد إبراهيم عليه السلام.

    ثانياً: شعيب من القبيلة، وهو رسول ونبي، ونبهت إلى أنه ليس مصغر الاسم، بل هكذا سمي؛ لأن تصغير أسماء الأنبياء فيه ضرب من الاستهزاء، وهو كفر والعياذ بالله تعالى.

    وقوله: أَخَاهُمْ [الأعراف:85]؛ لأنه أخ لهم في القبيلة والبلاد والوطن، أرسله الله إليهم، فقوله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ [الأعراف:85] أي: وأرسلنا إلى مدين، أي: إلى قبيلة مدين، أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85]، من أرسله؟ الله جل جلاله، نبأه وأرسله، ما هي بداية دعوته؟ كبداية دعوة نوح فهود فصالح فلوط، وهي أنه لا إله إلا الله، إذ قال تعالى: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85]، والله! لا إله لهم غير الله أبداً، أي: يستحق أن يعبد، لماذا؟ لأن الله هو خالقهم ورازقهم وكالؤهم وحافظ حياتهم عليهم، أما غير الله فماذا خلق، ماذا أعطى، ماذا منع؟ فكيف يكون إلهاً حقاً؟ وهذه هي كلمة كل الأنبياء والرسل، أول ما يبدءون بقولهم: قولوا: لا إله إلا الله، ولما كان أبو طالب مريضاً على فراش الموت زاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله )، فحال بينه وبين هذه الكلمة المشركون العواد والزوار إلى جنبه، وقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال هو: على ملة عبد المطلب ، فمات كافراً مشركاً بسبب الجيران، الرفقاء، الزملاء الذين حوله، لو لم يكن حوله أبو جهل وفلان لقال: لا إله إلا الله، لكن كانوا ينظرون إليه كأنهم يقولون: انهزمت!

    فكل الرسل دعوتهم أولاً: لا إله إلا الله؛ ولهذا على أبنائنا في الدعوة الإسلامية -وخاصة خرجي هذه الجامعة الإسلامية، التي ما أنشئت إلا من أجل نشر دعوة لا إله إلا الله- إذا كانوا في القرية أو في المدينة أو في الجبل أو السهل عليهم أول ما يبدءون دعوتهم بالتوحيد، بأن يحقق المواطنون معنى لا إله إلا الله، فلا تبقى قلوبهم منصرفة عن الله مقبلة على الأصنام والأحجار والتماثيل والشياطين والشهوات، أول خطوة هي هذه، وهذه سنة الأنبياء والمرسلين من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

    أولاً: يجب أن نتحقق من أننا مؤمنون موحدون، بعد ذلك نفعل الواجبات ونترك المنهيات، هذه هي دعوة الرسل، وهي دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم.

    معنى قوله تعالى: (قد جاءتكم بينة من ربكم)

    إذاً: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:85]، هذه البينة من الجائز أن تكون معجزة، إذ ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي من الآيات ما آمن عليه البشر، وجائز أن تكون البينة حججاً عقلية منطقية؛ لأن البينة خلاف الآية، ما قال: جاءتكم آية كما قالها لوط وهود ونوح، قال: بَيِّنَةٌ [الأعراف:85]، فلا مانع أن تكون معجزة، وأن تكون كما هي بينة، أي: منطق عقلي واضح يعرفه كل من يسمعه

    وكان عليه السلام فصيحاً وكان بليغاً وخطيباً، فكل خفاء يظهره ويزيله، ويظهر الحق بلسانه وما أوتي من بيان، قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:85].

    معنى قوله تعالى: (فأوفوا الكيل والميزان)

    إذاً: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [الأعراف:85]، هذه من عيوبهم وذنوبهم وفسادهم، فمن معاصيهم أولاً الشرك، فسدت عقيدتهم، وأصبحوا يعبدون غير الله، سواء تحت شعار التوسل أو الاستشفاع وهذا هو الغالب، ما يوجد في البشرية من يقول: خالقي فلان من الأصنام أو الأحجار، ولا كان هذا.

    ثانياً: شاع بينهم التطفيف والنقص والبخس في الكيل والوزن، مع أن الله -كما تعلمون- قال: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:1-7] في الأرض، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:8-9]؛ لأن الميزان حق الناس، حقوق الأمة، فإذا كان البائع يطفف ويبخس فقد أكل بعضهم بعضاً وفسدوا، وهذه الجريمة متورط بها الكثيرون ممن جهلوا القرآن وما عرفوه ولا اجتمعوا على كتاب الله ولا هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكثر المسلمين عوام وخاصة التجار.

    وهنا لطيفة: جاء في سورة: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] أنه قال أحد الأصحاب من أنصار الرسول من أهل المدينة: كنا نحن أهل المدينة أسوأ الناس كيلاً ووزناً، وفينا نزلت هذه الآية: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6]، قال: ما إن نزلت فينا هذه الآية حتى أصبحنا أحسن الناس كيلاً ووزناً.

    وتمضي القرون، وتتوالى الأيام، ونأتي المدينة مهاجرين في الشبيبة، فكنا حين نشتري من الدكان فالذي يبيع يمسك الميزان متساوياً أو يوفي الموزون أكثر، فأنا أرحمه أقول: لماذا هذا؟ يقول: أمرنا بهذا. فعلمت أن أهل المدينة أحسن الناس كيلاً ووزناً، وتمضي الأيام، والآن لا أدري؛ لأن الدخلاء كثيرون، والجهال يتصرفون، والوعظ والإرشاد عنه مبعدون، والله لقد رأيت الميزان يسقط يوم قدمنا المدينة، فتقول: لم هذا النقص؟ يقول: لا، أمرنا الله بالتوفية.

    قال: كنا أسوأ الناس كيلاً ووزناً، ونزلت فينا هذه الآية فأصبحنا أحسن الناس كيلاً ووزناً. واستمرت إلى اليوم منذ ألف وأربعمائة سنة والحمد لله.

    والشاهد عندنا في أمر شعيب قومه: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [الأعراف:85]، لا تنقصوا، إن كلت أو وزنت أو كيل لك أو وزن لك وجب الوفاء، كلكم عبيد الله وإخوان بعضكم لبعض، لماذا تسرق أخاك فتنقص منه أو تزيد عليه؟

    معنى قوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)

    ثانياً: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف:85]، من طبيعة هذه القبيلة أنهم يبخسون أشياء الناس، ما يساوي ألفاً يقول له: بخمسمائة ريال، وما يساوي مائة يقول له: بسبعين، سواء كان سمناً أو بقرة أو قماشاً أو أي شيء، إذا جاء تاجر ببضاعته إلى السوق كانوا متآمرين عليه، فما يساوي عشرة يقولون: بثلاثة أو سبعة، فما رضي الله بهذه الصفة، فأرسل لذلك رسوله شعيباً وقال لهم: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف:85]، جمع شيء، سواء كان لحماً أو كتاناً، وبخس الشيء معروف، تعرف أن هذه السيارة تساوي عشرين ألفاً فتقول له: تبيعها بأربعة آلاف أو خمسة آلاف، وهي تساوي عشرين وأنت تعرف هذا، فهل يجوز هذا؟ والله لا يجوز، لكن تقارب، فإذا كانت بتسعة وعشرين فقد تنقص ألفاً أو ألفين، أما أن تبخسها بخساً، هي تساوي مائة فتقول: بعشرة؛ فهذا البخس حرام ولا يحل أبداً، وقد يوجد بين بعض المسلمين، نعوذ بالله منهم ومن بخسهم.

    معنى قوله تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)

    ثالثاً: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:85]، وهذا الذي بيناه والحمد لله، وأعيد القول: يا عبد الله.. يا أمة الله! إن كنت في بلد قد صلح أهله، واستقام أمرهم وأصبحوا أطهاراً أصفياء؛ فاعلم أن جريمتك تكون أفظع جريمة وأكبرها.

    وقلنا: إذا أنت عصيت الله في لندن معصية إن لم يتب الله عليك تدخل بها النار؛ هذه المعصية أخف من معصيتك في بلد إسلامي في العراق أو الشام أو الحجاز أو ما إلى ذلك؛ لأن ذلك البلد كله فساد، لكن في بلد أصلحه الله بالإسلام والقرآن والنبوة تعصي الله فيه! هذه بشعة.

    وقلت: لأن تعصي الله في القاهرة أو دمشق أخف من أن تعصيه في المدينة أو في مكة، بل في المملكة كلها، ومعصية العبد في جدة أخف من معصيته في مكة أو في المدينة، لماذا؟ لأن المملكة أصلحها الله بعد الفساد، وانتهى منها الشرك والخرافة والضلال، والاغتيال والشر والباطل، إذاً: فإحداث شيء فيها يعتبر صاحبه سعى في الأرض فساداً بعد إصلاحها، وهكذا دلت هذه الكلمة من قول شعيب: ولا تفسدوا في الأرض بعد أن أصلحها الله عز وجل.

    والذي يفسد الأرض ليس معناه الهدم والإغراق وهدم المباني، هذا فساد عظيم، لكن المقصود هو المعصية لله ورسوله، الخروج عن طاعة الله ورسوله مما يفسد البلاد.

    أعطيكم مثالاً: أول من استورد الدخان في المدينة يبيعه، وقد عصى الله، وسواء كان يعلم أو لا يعلم، وانتشر الدخان في المدينة، فمن يتحمل مسئوليته؟ أليس هو؟ هذا مثال.

    بلد ما فيه معاص تفتح أنت باب معصية فيه، إذاً: أنت سعيت في الأرض فساداً بعدما كانت صالحة، وهكذا من نقل بدعة أو معصية أو جريمة وأصَّلها في بلد ما من البلاد يصدق عليها أنه قد أفسد في الأرض بعد إصلاحها، هذا ما هو كلامي أو كلام غيري، هذا كلام شعيب عليه السلام، أقره الله وأنزل به كتابه: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:85].

    على سبيل المثال: قرية من قرانا كل نسائهم متحجبات، ذهب أحد أبنائنا إلى لندن أو إلى باريس أو إلى أمريكا وجاء بزوجته كاشفة في القرية، فهل يجوز؟ هذه سوف تنشر العري والكشف عن الوجوه والمحاسن، وتكون هي السبب، ويقال: أفسد هذه القرية بعد إصلاحها، بعد ما كانت صالحة.

    قرية ما كان أهلها يعرفون لعب الكيرم هذا، ولا يسمعون به، جاء وافتتح هو مقهى وأخذ يعلمهم، فنشر الفساد بعد الإصلاح، وهكذا فقيسوا، ويتحمل ذنوب الكل بمثل ذنوبهم: ( من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء ).

    معاشر المستمعين والمستمعات! لنجاهد أنفسنا ألا نفسد في بلادنا الطاهرة أي نوع من الفساد.

    معنى قوله تعالى: (ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)

    وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأعراف:85]، هنا لطيفة: قال: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأعراف:85]، أي: هذا الإصلاح وهذه الاستقامة تنفعكم إن كنتم مؤمنين، أما وأنتم مشركون وكافرون فما ينفعكم ذلك، لا بد أن تكونوا مؤمنين بالله ولقائه ورسوله، إذ هذا لخير لا بد أن يناط ويربط بالإيمان، لو استجابوا في قضية الإفساد في الأرض، قضية التطفيف وبخس الأموال وهم كافرون فهل ينفعهم ذلك؟ ما ينفعهم، لا يكون خيراً لهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به ...)

    ثم قال لهم: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف:86]، هذه ثلاث طوام:

    أولاً: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [الأعراف:86]، كانوا يجلسون في الطرقات التي يمر بها المؤمنون إلى نبي الله شعيب، فحين يمر المرء يقولون: إلى أين؟ يقول: إلى نبي الله شعيب، فيقولون: أنت تؤمن بأنه رسول؟ هذا دجال وهذا كذاب وهذا كذا، عد إلى قريتك أو إلى بلادك، يقعدون بكل صراط وطريق يصدون عن سبيل الله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [الأعراف:86]، يتوعدون من يريد أن يذهب إلى شعيب، ومع الأسف أنه يوجد أيضاً مع ضعفنا بعض الإخوان يصرفون عن أهل التوحيد وأهل الدعوة السليمة الصحيحة، يقول: لا تمشوا إليهم، لا تجلسوا معهم، أولئك كذا وكذا. ويبذلون ما استطاعوا أيضاً على أن يصرفوا ذلك المؤمن الذي يريد الهداية؛ لأن ناشر هذا الفساد هو إبليس، والبشرية هي البشرية، فمن يوقعها في هذا الشر والفساد هو عدوها.

    وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ [الأعراف:86]، أي: طريق، تُوعِدُونَ [الأعراف:86] المارة الذاهبين إليه، تخوفونهم، تهددونهم: إن آمنتم فسيكون كذا وكذا.

    ثانياً: وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ [الأعراف:86]، والذين آمنوا يصرفونهم عن الإيمان بالتضليل والتدجيل، بالإغراء بالمال حتى يكفروا، فيصرفونهم عن سبيل الله.

    ثالثاً: وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف:86]، يريدون طريق الله عوجاء، فيبيحون المناكر والمحرمات وكذا ويزينون الأباطيل ويصرفون الناس عن دعوة الحق، وهذا كذلك تورط فيه الناس، يريدون الدين كما يهوون هم ويحبون، ويبغون سبيل الله معوجاً، هذه كلها كلمات رسول الله شعيب، وأهل بلاده واقعون في هذا الباطل في ذلك الزمن.

    تذكير شعيب عليه السلام قومه بنعمة تكثيرهم

    ثم قال لهم: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف:86]، اذكروا إذا كنتم قليلاً قبائل وأفراداً وعائلات وأسراً فبارك فيكم وتناسلتم وأصبحتم أمة، نعم كانوا قليلين، إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف:86]، وهذا التذكير بالنعم يستوجب الشكر، اذكروا الله وشكروه على نعمه، من لم يذكر نعم الله ما شكرها، وهذا الذي وقعنا فيه، ولا ينجو منه إلا من رحم الله، مع أن كل الرسل يقولون: اذكروا الله آلاء الله عليكم، اذكروا النعم تجدوا أنفسكم مضطرين إلى الشكر، حين يوضع الطعام بين يديك اذكر من لا طعام له، اذكر أيام كنت لا تجد هذا، فعلى الفور تقول: الحمد لله، إذا لم تذكر فلن تشكر.

    والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا أردت أن تلبس ثوبك تقول: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ولو شاء لأعراني، الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ولو شاء لأجاعني، الحمد لله الذي أسكنني هذا المسكن وآواني فكم ممن لا مأوى له. فالذي ما يذكر النعم والله! ما يشكرها، أول خطوة أن نذكر فلا ننسى، ها هو ذا شعيب يقول: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف:86]، وأصبحتم أمة جبارة.

    معنى قوله تعالى: (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين)

    وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86] حولكم، كيف كان عاقبة ثمود شمالاً، وعاد في الجنوب في الجزيرة، وقوم لوط قربهم، وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86]، كانت دماراً وخراباً وهلاكاً وعذاباً وشقاء، لماذا؟ لأنهم أفسدوا، ما هو الفساد يرحمكم الله؟ هل هدم البيوت وقطع النخيل؟

    الفساد: هو ارتكاب المعاصي، غشيان الذنوب، هو إهمال ما أوجب الله، وترك ما فرض الله من هذه العبادات، هو غشيان الذنوب بارتكاب ما حرم الله وحرم رسول الله، ومن ذلك السرقة، الخيانة، الكذب، التلصص، الإجرام، خلف الوعد، نكث العهد، التطفيف في الكيل والوزن، أضف إلى ذلك ترك ذكر الله والصلاة وعبادة الله، كل هذه من الفساد.

    وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86]، كانت خراباً ودماراً، سواء نظروا إلى الشمال أو الجنوب أو الغرب أو الوسط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ...)

    ثم قال تعالى حكاية عن شعيب: وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:87].

    وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ [الأعراف:87]، والطائفة مجموعة من الناس تقل وتكثر، آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ [الأعراف:87] من الدعوة إلى لا إله إلا الله، وإقامة العدل ونشر الأخوة والإيمان بين الناس، هذا الذي أرسل به رسول الله شعيب:

    أولاً: ألا يعبد إلا الله. ثانياً: أن يعبد الله بما شرع، فيحل المؤمن ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله، وينهض بما أوجب الله، ويتخلى عما حرم الله.

    وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ [الأعراف:87]، أي: بالشرع والتقنين، أوله: لا إله إلا الله، وآخره: إقامة حدود الله، وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا [الأعراف:87]، وهو كذلك، إذاً: فَاصْبِرُوا [الأعراف:87] انتظروا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:87]، هذا كلام شعيب عليه السلام، وفي الدرس الآتي كلام القوم يردون على شعيب.

    1.   

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    نعيد تلاوة الآيات فتأملوها.

    قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85]، أي: أرسلنا إلى قبيلة مدين أخاهم في القبيلة والوطن شعيباً، فأصبح شعيب رسول الله، وأين توجد هذه البلاد؟ ما بين الأردن والشام وفلسطين، في المنطقة هذه؛ لأن موسى لما جاء نزل بمدين، جاء من طريق البر.

    قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85]، ما معنى: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85]؟ معناها: لا إله إلا الله.

    قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:85]، أي: الحجة الظاهرة المنطقية العقلية التي ما استطعتم أن تردوها، جاءتكم هذه البينة، إذاً: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [الأعراف:85]، إذ كانوا يبخسون وينقصون إذا كالوا أو وزنوا؛ إذا كالوا لغيرهم ينقصون، وإذا اكتالوا يستوفون، فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [الأعراف:85]، وهل يجب علينا نحن هذا؟ أي نعم، هناك آيات كثيرة تخاطبنا بهذا، فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف:85]، من كانت داره تساوي مليوناً لا تقول له: نعطيك مائة ألف، والسيارات والبضائع وكل سلعة، تعرف أن هذا الكتاب يساوي خمسين ريالاً فتقول له: تبيعه بعشرة ريالات؟ هل يجوز هذا؟ ما يجوز، لو قلت له: بثمانية وأربعين أو سبعة وأربعين فهذا معقول، قد ينخفض ويرتفع، أما أن تبخسه هذا البخس من خمسين إلى عشرة، فهذا أهل الإيمان والولاية والصلاح بينكم -والله- ما يفعلونه، يستحي أن يقول فيما يعلم أنه يساوي عشرين: تبيعه لي بعشرة، والله ما يقدر وهو يعرف أنه يساوي هذا، والذين لا بصيرة لهم ولا نور في قلوبهم هم الذين يتخبطون ويقعون.

    وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:85]، نهاهم عن الفساد في الأرض بعد إصلاحها، فأية معصية من زنا، من لواط، من ربا، من غش، من قتل، من سفك دماء، إذا وقعت في بلد المسلمين وبين المسلمين والله! لأقبح وأشد قبحاً من كونها تقع في بلاد الكفر التي ما دخلها الإسلام ولا الإصلاح.

    وأزيد على هذا أن معصيتك الآن في المدينة أبشع منها بمليون مرة خارج المدينة، واسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( المدينة حرام من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل )، لماذا؟ لأنها بيضة الإسلام وقبته، فالذي يورد الاستريوهات والمجلات ويفتح استيديو، ويفتح صالوناً لحلاقة وجوه الرجال، يبيع أنواعاً من الملابس للنساء مأخوذة من بلاد الكفر ليغرق نساء المؤمنات وبناتهن، وهكذا كل من يحدث فيها حدثاً غير صالح أو ينصر محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

    وقد قلت لكم إن كنتم تذكرون: معصيتك في بلاد الإسلام أقبح منها في بلاد الكفر، لأن هذه البلاد صلحت فما يجوز أن تفسد فيها أنت، بخلاف البلاد التي هي فاسدة، لكن يقبح إذا كان في بلاد طاهرة.

    وقلنا: القرية من قراك في بلاد المسلمين ما فيها باطل لا تنشر أنت ذلك الباطل وتكون أنت السبب.

    وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأعراف:85] بالله ولقائه، فهذا الذي دعوتكم من ترك الفساد خير لكم في الدنيا والآخرة، لكن إذا كانوا غير مؤمنين فلن ينفعهم، نعم ترك الفساد والشر يفيدهم في دنياهم، أليس كذلك؟ لكن هل يدخلهم الجنة دار السلام، أو يرضي الجبار عنهم؟ الجواب: لا، إلا بالإيمان أولاً وعبادة الله وحده: إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأعراف:85].

    ثم قال لهم: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [الأعراف:86]، أيام هبطنا كان يخرج رجال من القرية أو من المدينة ويقطعون الطرق، وإذا جاء مار ما عنده سلاح ينزعون لباسه ودابته ويأخذونها، هذا شاع حتى في المدينة، يأتي البدوي ينزع الباب ويبيعه في السوق، وإياك أن تتكلم فستقتل، أيام الفوضى، لكن أصلحها الله على يد عبد العزيز وأولاده، اللهم اغفر لهم وارحمهم.

    والذين يفرضون المكوس على الناس، حيث يدخل حامل بضاعة السوق فيقولون: هات ألفي ريال وإلا فلن تبيع البضاعة، هؤلاء يدخلون تحت قوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [الأعراف:86].

    ثم قال: وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ [الأعراف:86]، الذي يرى مؤمناً موحداً سلفياً يأخذ يفتنه يقول له: هذه كذا وهذه كذا ويصرفه إلى مجالس الباطل والخرافة يقع في هذه المحنة، والذين يريدون من الإسلام كما يحبون، يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل، ويقلبون ويزيدون وينقصون بدعوى المدنية أو الحضارة أو الزمان أو الظرف يدخلون في قوله: وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف:86].

    وأخيراً قال لهم: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف:86]، هذه تستوجب الشكر، كانوا مهانين من الشعوب والأمم فقواهم الله وأصبحوا أمة قوية.

    وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا [الأعراف:87]، انتظروا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:87].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: دعوة الرسل واحدة ] ما تختلف [ في باب العقيدة ]، لا في باب التشريع والتقنين، فقد يحل الله شيئاً في أمة ويحرمه في أمة أخرى لمصالحها، أما في التوحيد فكل دعوة الرسل واحدة، مبدؤها لا إله إلا الله، أي: لا يعبد إلا الله، لا بذبح ولا نذر ولا دعاء ولا استغاثة ولا عكوف أبداً، [ إذ كلها تقوم على أساس التوحيد والطاعة.

    ثانياً: حرمة التطفيف في الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم، ويدخل في ذلك الصناعات وحرف المهن وما إلى ذلك.

    ثالثاً: حرمة الفساد في الأرض بالمعاصي، لا سيما البلاد التي طهرها الله بالإسلام وأصلحها بشرائعه.

    رابعاً: حرمة التلصص وقطع الطرق وتخويف المارة ]، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:47].

    [ خامساً: حرمة الصد عن سبيل الله بمنع الناس عن التدين والالتزام بالشريعة ظاهراً وباطناً ].

    معاشر الأبناء والإخوان! الشيخ عبد الله من الصالحين قال: ادع الله لنا أن يغيثنا غيثاً سريعاً مريئاً؛ لأن الديار قحطت وانقطع المطر. فلندع، وقد وعدنا الاستجابة، لكن أسأنا، لما استجاب لنا ما دعوناه حامدين شاكرين، لكن يجب إذا استجاب لنا أن نحمده ونشكره على الاستجابة لدعوتنا، فهيا ندعو الله عز وجل.

    اللهم يا حي يا قيوم، يا بديع السماوات والأرض، يا مالك الملك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم رب محمد وآل محمد والعالمين، هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين لتسقينا عاجلاً غير آجل، اللهم اسقنا وأغثنا.. اللهم اسقنا وأغثنا.. اللهم اسقنا وأغثنا.. اللهم اسقنا وأغثنا ولا تجعلنا من القانطين.

    ربنا لا تحرمنا أجر دعائنا يا رب العالمين، فاسقنا يا رب آية من آياتك وكرامة من كرامتك لعبادك المؤمنين الصالحين، فاسقنا يا ربنا وأغثنا، فاسقنا يا ربنا وأغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب.

    اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تسقينا عاجلاً غير آجل برحمتك يا أرحم الراحمين.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755899455