إسلام ويب

تفسير سورة العنكبوت (14)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عذاب الله آت لا محالة، والقيامة لا ريب فيها، ولكن الناس أمام هذه الحقيقة على قسمين: قسم مكذب مرتاب، وقسم مصدق مشفق، أما الأولون فمصيرهم النار التي بها كانوا يستعجلون، وآما الآخرون فعباد الله المخلصون، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فاستحقوا النجاة ودخول الجنات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وما زلنا مع آيات سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:53-60].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [العنكبوت:53]، من المخبر بهذا الخبر؟

    الله جل جلاله. من المخبَر به؟ رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول الله تعالى لرسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [العنكبوت:53].

    من هؤلاء الذين يطالبون بالعذاب؟ طغاة الكفر ورؤساء الضلالة، الذين قالوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32]

    مجموعة من طغاتهم يستعجلونك بالعذاب؛ وذلك لكفرهم وشركهم وعدم إيمانهم، وإلا كيف يطالبون بالعذاب؟

    المفروض يطالبون بالرحمة؛ لكن الغلظة والشدة والعناد والمكابرة وعتوهم وظلمهم حملهم على هذا.

    قال تعالى: وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ [العنكبوت:53]، والله العظيم، لكن تأخير العذاب لحكمة؛ ليؤمن من يؤمن وقد آمن أكثرهم.

    تأخير العذاب لحكمة، ولو استجاب لهم فمعناه أنهم استفزوا الله عز وجل

    ثالثاً: حلم الله ورحمته تتجليان في تأخير العذاب، ولهذا يؤجل الله العذاب ولا يعجله: وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى [العنكبوت:53]، في كتاب المقادير، في اللوح المحفوظ: أن فلان يموت بكذا والحادث كذا بتاريخ كذا لكان ممكناً ولكن كل شيء مدبر ومكتوب ومسجل، فلن يقع شيء إلا في موضعه وفي وقته، فلا قيمة لاستعجال العذاب والمطالبة به.

    وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ [العنكبوت:53] وعزة الله وجلاله بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [العنكبوت:53].

    وقد جاءهم عذاب قتلى بدر، سبعين صنديداً، عذاب الموت يشاهدونه.. عذاب الدار الآخرة، كل هذا حاصل وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً [العنكبوت:53]، أي: فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [العنكبوت:53].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)

    ثم قال تعالى مرة أخرى: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [العنكبوت:54] يا رسولنا، يطالبونك بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [العنكبوت:54]. هم كافرون، والله لكأنهم في جهنم وهي محيطة بهم، يطالبون بعذابهم فيها، وهو معد لهم ومهيأ لهم.

    وَإِنَّ جَهَنَّمَ [العنكبوت:54]، جهنم علم على دركة من دركات النار، وهي من أسوئها وأشدها.

    لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [العنكبوت:54]، ولنتنبه لكلمة: الكافرين.. بالله ولقائه، كافرين بالله ورسوله، كافرين بالله وتوحيده.

    الكافرون بالله وشرعه، هؤلاء هم العتاة والطغاة والجبابرة والظلمة، وهم الفجار وأهل النار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم...)

    ثم قال تعالى: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:55]، أي: أن هذا نتاج وثمار ما كنتم تعملون من الشرك والكفر وحرب الإسلام وأوليائه.

    هكذا يوبخهم تعالى ويقرعهم أو ملائكته: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55].

    أيضاً: وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:55]، يعرفون هذه الحقيقة!

    هذا العذاب الذي كنتم تستعجلونه!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)

    ثم قال تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56]، هذه نزلت في المؤمنين المضطهدين المعذبين في مكة؛ إذ الكفار هم السلطة الحاكمة، والمؤمنون ضعفة وأقلية.

    إذاً: يقول تعالى لهم: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت:56]، بي وبرسولي وبلقائي إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ [العنكبوت:56]، هاجروا إلى الحبشة.. إلى المدينة.. إلى غيرها.. حتى تتمكنوا من عبادة الله تعالى وتنجون من هذا الضغط وهذا التعذيب وهذا التنكيل الذي سلطه عليكم المشركون.. الكافرون.

    وهذا النداء يساوي الدنيا وما فيها. موجه إلى من؟ إلى المؤمنين، عباد الله! يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ [العنكبوت:56]، وحدي، فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56]، ولا تعبدوا معي سواي.

    الآية تقول لكل مؤمن ومؤمنة يجد نفسه في بلد لا يستطيع أن يعبد الله فيه أنّ الواجب عليه أن يهاجر، وأن ينتقل من ذلك البلد إلى آخر؛ حتى يتمكن من عبادة الله، لأن هذه العبادة هي سر حياته، هي علة وجوده، لولاها ما كان هذا المخلوق ولا كان الكون، فإذا تعطلت فماذا بقي؟

    يجب ألّا تتعطل أبداً، أوذيت هنا، انتقل إلى هناك، منعت هنا انتقل إلى هناك؛ حتى تعبد الله عز وجل.

    والآية صريحة في هذا المعنى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت:56]، لبيك اللهم لبيك، إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ [العنكبوت:56].

    من قال ضيقة؟ هي أوسع ما تكون، في الشرق والغرب والقريب والبعيد.

    فَإِيَّايَ [العنكبوت:56]، وحدي فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56]، بأن تذكروني وتشكروني، وتطيعوني فيما آمركم به فتفعلونه، وفيما أنهاكم عنه فتتركونه، تلك هي الطاعة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون)

    ثم قال لهم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:57]، لا تقل: كيف نهاجر؟ نموت في الطريق، نقتل، كيف ندخل إلى بلاد؟ يقاتلوننا، كيف نقاتل؟

    قال لهم: اسمعوا لا تخافوا من الموت. لماذا؟ لأن كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:57]، بقيت في مكة أو ذهبت إلى المدينة، هاجرت أو لم تهاجر، قاتلت مع رسول الله والمؤمنين أو لم تقاتل، لابد من الموت.

    بهذه الجملة طمأنهم وشجعهم على السفر والهجرة والقتال في سبيل الله.

    تدبير من هذا؟ تدبير الله. كلام الله لأوليائه.

    كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:57]، بعد ذلك ستلقون الجزاء الكامل الوافي.

    إذاً: فاصبروا على الهجرة، وإن تركتم أموالكم، وإن تركتم ذراريكم، وإن فقدتم كذا.. وإن واجهتم الجهاد في المدينة، فاصبروا.. فالصبر الصبر؛ لأن هذا خير، خير ما تقدمون لكم يوم القيامة.

    ثُمَّ إِلَيْنَا [العنكبوت:57] لا إلى غيرنا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:57].

    من يرجعنا إلى الله؟ الله عز وجل.

    رجعوا إلى الله، كانوا في ديارهم بين أولادهم ونسائهم، والآن مع الله عز وجل، وهكذا كل يوم.

    كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا [العنكبوت:57] لا إلى غيرنا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:57].

    لو كنتم ترجعون إلى غيرنا فقد لا نلومكم إذا ما أطعتمونا، لكن رجوعكم إلينا، فكيف تعصوننا؟ وكيف تخرجون عن طاعتنا؟ وكيف لا تستجيبون لنا؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً ...)

    ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58].

    هذه الأخبار العظيمة.. هذه البشريات الهائلة لمن؟

    هنيئاً لأهل الإيمان وطاعة الرحمن، اسمع ماذا يقول لهم: وَالَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت:58] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العنكبوت:58] قطعاً واجتنبوا الشرك والكفر والذنوب والآثام لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [العنكبوت:58]، أي: لننزلنهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا [العنكبوت:58]، والغرف: هي المباني العالية وليست السفلية، البناية العالية هي الغرفة، وتسمى: العلية، هذه الغرف تجري من تحتها الأنهار، يسكنون فيها كم سنة؟ خَالِدِينَ فِيهَا [العنكبوت:58]، لا يموتون ولا يخرجون منها.

    اللهم اجعلنا من أهلها.

    نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58]، الكادحين، الصائمين، المجاهدين، نِعْمَ أَجْرُ [العنكبوت:58]، من؟ العاملين لا المهملين الضائعين التاركين للصلاة العابدين للشيطان، بل الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58] بعبادة الله عز وجل. نعم هذا الأجر أجرهم.

    في هذه الغرف روى مسلم : ( أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من الشرق أو الغرب؛ وذلك لتفاضل ما بينهم ). لأنهم يتفاوتون في العمل الصالح.

    ( وقيل له صلى الله عليه وسلم: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ فقال بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ).

    يتراءون الغرف فوقهم كما نشاهد نحن الكوكب في العلو والارتفاع.

    أبشروا إن متم على الإسلام!

    وَالَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت:58] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العنكبوت:58]، ولازم هذا ترك الشرك والكفر والذنوب والآثام.

    يخبر تعالى بهذا الجزاء، فيقول: وعزتي لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا [العنكبوت:58]، لا يخرجون منها؛ إذ لا يموتون ولا يرتحلون أبداً.

    نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58]، هذه نِعْمَ أَجْرُ [العنكبوت:58] من؟ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58]، الصائمين المقيمين للصلاة، العابدين لله عز وجل.

    بالمناسبة بلغني من الصالحين الآتي: أن التجار الفجار في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم يوزعون البرانيط بكميات عديدة مجاناً.

    أسألكم بالله! من أمر بهذا؟

    والله ما أمر بهذا إلا اليهود، فبشروهم بأنهم أهل الفجور، وستنزل بهم نقمة الله في المدينة، والله ستنزل بهم نقمة الله في المدينة، فالمدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد.

    يوزعون على المسلمين البرانيط مجاناً؛ ليلبسوها كاليهود والنصارى، ليمسخونا ونمسخ.

    إما أن يتوبوا، وإما أن تنزل بهم نقمة الله!

    أنربي أولادنا على البرانيط كاليهود والنصارى ونتعشق حياتهم؟ أنريد أن نكون مثلهم؟! عبدناهم.

    ما الذي سبب هذا البلاء؟ فقط اليهود، كيف نستجيب؟ فاتح دكان وتوزع هذه البرانيط على الأطفال مجاناً بالكميات.

    لأجل ماذا؟ أنا أسأل، تتحول إلى دراهم ودنانير؟ تتحول إلى طعام وشراب؟ ما هي النتيجة؟

    فقط ليرضى عنا اليهود. اللهم لا ترضهم عنا.. اللهم أسخطهم وأسخطنا عليهم.

    ما عرفوا القرآن ولا جلسوا بين يدي أهل العلم ولا عرفوا شيئاً، وما آمنوا بعد.

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58]، لا البطالين، التائهين، الضائعين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون)

    ثم قال تعالى: الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [العنكبوت:59].

    أي: صبروا على الجهاد والهجرة، وتوكلوا على الله عز وجل لا على غيره!

    هؤلاء بشروهم ببشارة الله، هؤلاء بشروهم لبشارة الله تعالى لهم: الَّذِينَ صَبَرُوا [العنكبوت:59]، على الهجرة في سبيل الله.. على الجهاد في سبيل الله.. على طاعة الله.. على ترك معصية الله.. هؤلاء بشروهم وهم الذين يتوكلون على ربهم لا على دينار ولا درهم ولا دولة ولا سلطان ولا أحد أبداً، لا يتوكلون إلا على الله.

    صاحب الدكان قد يقول لك إذا ما وزعنا هذا البرانيط ما يشتري منا الزبائن! فقل له: أنت تتوكل على من؟

    على الزبائن أو على البرانيط أو على الله؟

    حرم الله هذا فيجب أن تحرمه وتعتمد على ربك عز وجل، أغناك أو أفقرك، أعطاك أو منعك.

    هؤلاء لا يتوكلون على الله ولا يعرفون الله، ولا سألوا عن الله ولا عرفوه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وكأين من دابة لا تحمل رزقها...)

    وأخيراً يقول تعالى: وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60].

    إذا قلتم: كيف نهاجر؟

    كيف نترك هذه البضائع ما نبيعها؟

    كيف نستفيد؟

    اعلموا أنه كم وكم وكم.. من ملايين البهائم لا تحمل رزقها أبداً.

    هل الإبل والبقر والغنم تنتج رزقها؟

    حتى الطيور والعصافير هل تنتج رزقها؟

    لا. إذاً: من يرزقها؟ الله.

    وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60] أنتم، وإن كنتم تحصدون وتزرعون وتبنون وتهدمون فالله الذي قواكم على ذلك وأقدركم عليه وأعانكم.

    ومعنى هذا: ما بقي أبداً منفذ لأن تترك عبادة الله خوفاً من الفقر، أو تترك عبادة الله خوفاً من السلطان أو فلان وفلان.

    وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ [العنكبوت:60] لأقوالكم ودعائكم الْعَلِيمُ [العنكبوت:60]، بأحوالكم الظاهرة والباطنة، فهابوه وخافوه وارهبوه وأطيعوه ولا تطيعوا الشياطين الموسوسة المزينة للباطل، ولا تطيعوا أهل الشرك والكفر، فإنهم لا ينفعونكم بشيء، ولا يضرونكم إلا ما شاء الله.

    1.   

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    يقول الله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:53-56]، هذا النداء لمن؟ للذين ما تمكنوا من عبادة الله في بلد، فالواجب عليهم أن يهجروه إلى بلد آخر، وأن ينتقلوا من مكان إلى مكان؛ لأجل أن يعبدوا الله العبادة التي خلقوا لها ومن أجلها، فإذا توقفت؛ توقفت الدنيا كلها.

    كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:57]، لا تقولوا: نموت أو نضطهد ونقتل لابد من الموت وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [العنكبوت:58]، هذه بشرى لهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58]، لأنكم إذا هاجرتم إلى بلد عبدتم الله فيه، آمنتم وعملتم الصالحات، فهذا هو الجزاء. الَّذِينَ صَبَرُوا [العنكبوت:59]، على الهجرة والجهاد والطاعة والعبادة، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [العنكبوت:59]، كذلك وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:60]، لم نترك عبادة الله ونعصي ونفجر؟!

    أمن أجل الطعام والشراب؟!

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: من هداية هذه الآيات:

    أولاً: مشروعية التعجب إذا وجدت أسبابه الحاملة عليه ]. قال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [العنكبوت:53]، فيه معنى التعجب، يحمل الله رسوله على أن يتعجب، ويجوز التعجب إذا وجدت أسبابه.

    [ ثانياً: بيان مدى حمق وجهل وسفه الكافرين والمشركين بخاصة ] نعم. بيان جهل وحمق وضلال الكافرين والمشركين، الذين يتركون الله ويعبدون الأصنام.كيف يتم ذلك؟ أما يرون الله أبداً ولا يشاهدون الكون فهم يعبدون صنماً ويعكفون عليه؟!

    [ ثالثاً: بيان أن تأخير العذاب لم يكن عن عجز وإنما هو لنظام دقيق إذ كل له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر ].

    نعم، تأخير العذاب عن المشركين لعلم إلهي وحكمة ربانية، ما هو لضعف أو عجز أو خوف، ولكن لحكم تقتضي تأخيره، منها أنه قد يؤمن بعضهم، ومنها تجلي رحمته ولطفه بعباده، نعم.

    [ رابعاً: لا عذر لأحد في ترك عبادة الله وتوحيده بها؛ لأنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر ].

    وهو كذلك، والله لا عذر لمؤمن ولا مؤمنة في أن يترك عبادة الله في أي مكان، في أي وقت، لا يوجد عذر أبداً.

    ما استطعت أن تعبد الله في المدينة فاعبده في مكة!

    ما استطعت في مكة اعبده في الرياض مثلاً، لا تبق في بلد ولا حتى في دار لا تستطيع

    أن تعبد الله فيها.

    هذا الدار ما استطعت أن تعبد الله فيها فانتقل إلى دار أخرى!

    هذا الحي ما استطعت أن تعبد الله فيه انتقل إلى حي ثان!

    أنت مخلوق للعبادة.. إذا تعطلت تعطلت حياتك، اطلب مكاناً آخر. نعم.

    [ خامساً: لا معنى للخوف من الموت إذا وجب العمل كالهجرة والجهاد؛ لأن الموت حق ولا بد منه ].

    نعم، يجوز أن نخاف من الموت، لكن إذا وجبت العبادة ما بقي خوف، تعينت الهجرة.. تعين الجهاد فلا خوف أبداً. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، نعم.

    [ سادساً: بيان جزاء أهل الصبر والتوكل من أهل الإيمان والهجرة والتقوى ]. بيان جزاء أهل الصبر والتوكل من أهل الإيمان. قال تعالى: نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت:58] نعم. لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا [العنكبوت:58]. نعم.

    [ سابعاً: لا يمنعن المؤمن من الهجرة خوفه من الجوع في دار هجرته إذ قد تكفل الله برزقه ]. وهذا الأخير، لا يمنعك يا عبد الله من الهجرة إلى مكان تعبد الله فيه كونك تخاف ألا تجد الطعام والشراب!

    انزع هذا من ذهنك وتوكل على الله وانتقل والله يرزقك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755903042