إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (50)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إكرام الضيف واجب في الإسلام، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وللضيافة آداب ينبغي مراعاتها والعمل بها، منها ما يتعلق بالداعي إلى الضيافة، ومنها ما يتعلق بإجابة الدعوة، ومنها آداب تتعلق بالحضور إلى الضيافة، وكلها تدل على عناية الإسلام واهتمامه بهذا الأمر الذي يعد من مهمات حياتنا اليومية.

    1.   

    آداب الضيافة وعناية الإسلام بها

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للعقيدة وللآداب وللأخلاق وللعبادات وللمعاملات على منهج أهل السنة والجماعة، ودلائله قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى الفصل العاشر في آداب الضيافة، وللضيافة آداب، فالإسلام ما ترك شيئاً في الحياة إلا ووضع له منهجه، فلا تفهم أن حادثة تقع ولم توجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا حرم على المسلمين أن يبعدوا شريعة الله ويطبقوا قوانين الشرق والغرب من الكافرين والمشركين؛ لأنهم أغنياء بهذه الشريعة، ووالله ما هم في حاجة إلى شيء قط معها؛ إذ عز وكمال المؤمنين قد بينهما القرآن الكريم والسنة.

    وانظروا الآن! الأكل والشرب والضيافة لها آداب، وأهل الشرك في الشرق والغرب لا يعرفون هذه الآداب، وما يسمعون بها.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ المسلم ] وهذه الكلمة دائماً نقولها، أي: المسلم الحق؛ لأن (أل) دالة على مكانة الصفة وقوتها وعراقتها [ يؤمن بواجب إكرام الضيف ] فالضيف يجب إكرامه؛ إذ ثبت ذلك في الكتاب والسنة [ ويقدره قدره المطلوب؛ وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ] وهذا الحديث في القانون الإسلامي ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، ومن كان لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فلا يطالب بإكرام الضيف، وهو ليس أهلاً لذلك؛ لأنه ميت ولا حياة له، فهو ميت، والكفار أموات، فلا يسمعون نداءً ولا يجيبون الدعاء.

    [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته. قالوا: وما جائزته؟ قال: يومه وليلته ) ] أي: تكرم ضيفك أربعة وعشرين ساعة، فتغديه وتعشيه وينام عندك، وفي الصباح يذهب، وأما أن تطرده ولا تقبله فهذا يدل على عدم إيمانك بالله واليوم الآخر.

    ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) والله ربنا ورب العالمين، وخالقنا وخالق كل شيء، ومنزل هذا الكتاب، ورافع هذه السماوات، وباسط هذه الأرض، وناصب هذه الجبال، وهذا الذي يحيي ويميت.

    واليوم الآخر بعد أن تنتهي هذه الحياة، فهي والله العظيم لتنتهين كما تنتهي ليلتنا هذه غداً، وننتقل إلى حياة أخرى في عالم آخر، هذا هو اليوم الآخر.

    ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته )، أي: يعطه جائزته، ( قالوا: وما جائزته؟ قال: يومه وليلته ) [ ( والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة ) ] فاليوم والليلة هذا حق، وإذا استضافك ثلاثة أيام فأضفه ثلاثة أيام، وما فوقها فهو صدقة، كأنك تتصدق على مسكين أو فقير، فحد الضيافة ثلاثة أيام، وأصلها يوم وليلة، هذا الواجب، والثلاثة الأيام من واجبات الإحسان والإسلام، وما فوق الثلاثة الأيام يكون مثل الفقير تتصدق عليه، ولم يعد ضيفاً.

    1.   

    آداب الداعي إلى الضيافة

    [ ولهذا كان المسلم يلتزم في شأن الضيافة بالآداب التالية:

    أولها: في الدعوة إليها، وهي: ]

    الأول: أن يدعو الأتقياء دون الفساق والفجرة

    [ أولاً: أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفساق والفجرة ] يا من يستضيف غيره اعلم أنك مأمور بأن تدعو لضيافتك الأتقياء الذين لا يفجرون ولا يفسقون، ولا تستدعي الفجرة والفسقة؛ وذلك [ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ] متفق عليه. فلا تصاحب في رحلتك وفي تجولك وفي حياتك وفي كذا إلا مؤمناً، ( لا تصاحب إلا مؤمناً ) حتى في رحلة ثلاثة أيام، ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ). والتقي من المؤمنين والمؤمنات من يؤدي الواجبات ويتجنب المحرمات، هذا الذي اتقى الله فلم يعذبه، فالتقي من اتقى الله خوفاً منه، فلم يعصه بترك واجب أوجبه عليه، ولا بفعل محرم حرمه عليه، هذا التقي.

    الثاني: عدم تخصيص الأغنياء دون الفقراء بالدعوة

    [ ثانياً: أن لا يخص بضيافته الأغنياء دون الفقراء ] فإذا قام بضيافة لا يخص بها الأغنياء ويترك الفقراء، بل يخلطهم فقراء وأغنياء؛ وذلك [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء ) ] فدل هذا على أننا إذا أقمنا ضيافة في الحي أو في القرية فينبغي أن يكون المستضافون أغنياء وفقراء، أما اختيار الأغنياء دون الفقراء فهذا الطعام شر الطعام وأخبثه، والوليمة منها وليمة العرس.

    الثالث: أن لا يقصد التفاخر والمباهاة

    [ ثالثاً: ألا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة، بل يقصد الاستنان بسنة النبي عليه الصلاة والسلام والأنبياء من قبله، كإبراهيم عليه السلام، والذي كان يلقب بأبي الضيفان ] فأبو الضيفان إبراهيم، وقد استضاف جبريل وميكائيل وإسرافيل فذبح لهم عجلاً، فسمي بأبي الضيفان [ كما ينوي بها ] أي: بالضيافة [ إدخال السرور على المؤمنين، وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الإخوان ] فلابد من هذه النية، فلا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة بذبح الحيوانات وفرش الفرش والمبالغة في ذلك، بل يقصد بنيته الاستنان بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، كـإبراهيم عليه السلام الذي كان يلقب بأبي الضيفان، كما ينوي بها إدخال السرور والفرح على المؤمنين الذين استدعاهم، وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الإخوان المؤمنين، فلابد من النية أولاً، فلا يقصد الفخر والمباهاة والتعالي والكبر، وثانياً: أن ينوي إدخال السرور والفرح والبهجة على قلوب المؤمنين.

    الرابع: أن لا يدعو من يشق عليه الحضور

    [ رابعاً: أن لا يدعو إليها من يعلم أنه يشق عليه الحضور ] فلا تدع شيخاً كبيراً أو مريضاً أو بعيد الدار، فتحمله ما يتألم به، أو من تمنعه وظيفته أن يخرج منها، وإن خرج تأذى بذلك، فلا تدع إلى ضيافتك إلا من لا يشق عليه الحضور [ أو أنه يتأذى ببعض الإخوان الحاضرين تجنباً لأذية المؤمن المحرمة ] فإذا عرفت أن فلاناً إذا حضر الوليمة يتأذى منه فلان وفلان، فادفع هذا الأذى ولا تدعه؛ لأن أذية المؤمن حرام، فإذا كانت دعوتك لفلان يتأذى منها فلان وفلان فلا تدعه، أو هو يتأذى من فلان وفلان فلا تدعه، فأنت تريد إدخال السرور والفرح والغبطة في قلوبهم، فإذا كان يسبب الألم والضرر والبغض في النفس فلا تدعه، فهذه أربعة آداب.

    1.   

    آداب إجابة الدعوة إلى الضيافة

    [ ثانيها: في آداب إجابتها وهي: ] أي: هذه آداب إجابة الدعوة.

    الأول: إجابة الدعوة وعدم التأخر إلا من عذر

    [ أولاً: أن يجيب الدعوة ولا يتأخر عنها إلا من عذر ] فمن دعي عليه أن يجيب الدعوة ويحضر إلا من عذر، وقد تقدمت الأعذار، مثل بعد الدار وكبر السن، وعدم حضور من يتأذى به أو يؤذيه، فلا يحضر، هذا يسقط عنه الواجب [ كأن يخشى ضرراً في دينه أو بدنه؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من دعي فليجب ) ] على سبيل الوجوب، ( من دعي) أي: للضيافة أو للوليمة فليجب [ وقوله: ( لو دعيت إلى كراع شاة لأجبت ) ] أي: لو دعاني داع إلى أكلة هي عبارة عن كراع الشاة وطبخها لأجبته [ ( ولو أهدي إلى ذراع لقبلت ) ] ذراع الشاة أيضاً يقبله هدية.

    إذاً: من آداب إجابتها أولاً: أن يجيب الدعوة ولا يتأخر عنها إلا من عذر، والعذر كأن يخشى ضرراً في دينه أو بدنه كما تقدم.

    وأما وجوب الحضور بدون عذر فلقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من دعي فليجب ). وقوله: ( لو دعيت إلى كراع شاة لأجبت ). وكراع الشاة: رجلها. ( ولو أهدي إلى ذراع - أي: ذراع شاة- لقبلته ). ولم يكن يرد الهدية صلى الله عليه وسلم.

    الثاني: عدم التمييز في الإجابة بين الغني والفقير

    [ ثانياً: ألا يميز في الإجابة بين الفقير والغني ] فيجيب الغني ولا يجيب الفقير، أو يجيب الفقير ولا يجيب الغني [ لأن في عدم إجابة الفقير كسراً لخاطره ] وتحطيماً له [ كما في أن ذلك نوعاً من التكبر؛ والكبر ممقوت ] والعياذ بالله [ ومما يروى في إجابة دعوة الفقراء: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما مر يوماً بمساكين ] تحت ظل شجرة أو ظل جدار [ وقد نشروا كسراً على الأرض ] خبز [ وهم يأكلون، فقالوا له: هلم إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: نعم ] فـالحسن على مقامه ومنزلته وهو فوق بغلته ينزل ويأكل خبزاً على الأرض مع فقراء ومساكين استضافوه [ إن الله لا يحب المتكبرين ] فالمتكبر مبغوض، ولا أحد يرضى بأن يبغضه الله [ ونزل من على بغلته وأكل معهم ]. وهم ليسو في بيت قديم، ولا خيمة في الطريق، ومع هذا نزل من على بغلته وأكل، هذا ابن الدوحة النبوية، ابن فاطمة وابن علي رضي الله عنهما.

    الثالث: أن لا يفرق في الإجابة بين بعيد المسافة وقريبها, وأن يجيب من دعاه أولاً

    [ ثالثاً ] من ثالث الآداب في إجابة الدعوة [ أن لا يفرق في الإجابة بين بعيد المسافة وقريبها، وإن وجهت إليه دعوتان أجاب السابقة منهما، واعتذر للآخر ] فلا تفرق في الإجابة بين بعيد الدار وقريبه، وليس شرطاً أن يكون بابه ملاصقاً بابك، وليس هناك فرق بين من هو في قباء وبين من هو في السلطانة، إلا إذا حصل العذر فأنت معذور، وأما أن تجيب القريب ولا تجيب البعيد فلا، وإن وجهت إليه دعوتان في أسبوع واحد، كأن يقول له شخص: يا فلان! يوم الخميس الغداء عندنا، وقال له آخر: يا فلان! يوم الخميس الغداء عندنا، فإنه يجيب دعوة الأول؛ إذ هو أحق بها، والثاني يعتذر له بأنه قد دعي قبل دعوته.

    وهذه الآداب عشنا عليها قروناً، فهذا دين الإسلام عاش عليه آباؤنا وأمهاتنا.

    الرابع: أن لا يتأخر من أجل صومه

    [ رابعاً: ألا يتأخر من أجل صومه بل يحضر ] وهو صائم، فلا يقول: أنا صائم فلن أحضر، بل يحضر [ فإن كان صاحبه يسر بأكله ] ويفرح [ أفطر؛ ليدخل السرور عليه؛ لأن إدخال السرور على قلب المؤمن من القرب ] التي نتقرب بها إلى الله جل جلاله [ وإلا دعا لهم بخير ] وإن كان صاحبه لا يسر بأكله ولا يفرح بقي على صومه ودعا لهم بخير، ولا يأكل لأنه صائم.

    هذا هو الفرق، فإذا كان من دعاك يفرح إذا أكلت ويسر فأفرحه إذاً وأدخل السرور عليه وأفطر، وإن كان لا يتأثر بأكلك أو عدمه فابق على صيامك، وقد وضع هذه القاعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أستاذ الحكمة ومعلمها، وذلك [ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام ] إذ ما في كلام بآراء الناس، بل لا بد من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس هناك من يضع قواعد للحياة أبداً غيرهما [ ( إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل - يدعو- ) ] أي: لأهل الوليمة [ ( وإن كان مفطراً فليطعم ) ] فليأكل. فـ( إذا دعي أحدكم فليجب) الدعوة ويحضر، إلا أن يكون هناك عذر مانع، ( فإن كان صائماً فليصل) أي: يدعو لأهل الوليمة ولا يفطر، إلا إذا كان يعرف أن صاحب الوليمة يكرب ويحزن من عدم أكله ويفرح وينشرح صدره إذا أكل فهنا يفطر ولا يصوم، ( وإن كان مفطراً فليطعم) أي: يأكل [ وقوله عليه الصلاة والسلام: ( تكلف لك أخوك وتقول: إني صائم؟ ) ] فإذا كانت الضيافة من أجلك يا أبا عبد العزيز! فلا تقل: إني صائم، ما يجوز؛ لأن الضيافة صنعها لأجلك ودعا الناس، ثم تقول: أنا صائم. فيصاب بالكرب والحزن، فلا ينبغي هذا، وقد تقدم إذا عرفت أنه يكرب أو يحزن أن تفطر، وإذا عرفت أنه لا يتألم ولا يحزن فصم وادع له بخير.

    الخامس: أن ينوي بالإجابة إكرام أخيه المسلم

    [ خامساً: أن ينوي بإجابته إكرام أخيه المسلم ] فينوي بإجابة الدعوة وذهابه إلى الضيافة إكرام أخيه المسلم [ ليثاب عليه ] أي: ليثاب على هذه الإجابة؛ وذلك [ لخبر: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) إذ بالنية الصالحة ينقلب المباح طاعة، يؤجر عليها المؤمن ] فهي ضيافة لأكلك وشربك، وإن نويت إدخال السرور والغبطة والفرح على من دعاك فإنك تثاب على ذلك في الدار الآخرة، وهكذا الأكل في بيتك انو به التقوي على الطاعة فإنك والله تثاب عليه، وكذلك الشرب انو به أن تبقى حياً؛ لتذكر الله وتشكره، فإنك تثاب على هذا الشرب، وهكذا المباح ينقلب عبادة بالنية الصالحة، للقاعدة التي وضعها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، فمن نوى الخير له الخير، ومن نوى الشر له الشر، والعياذ بالله.

    هذه آداب إجابة الدعوة.

    1.   

    آداب حضور الضيافة

    قال: [ ثالثها: في آداب حضورها، وهي: ]

    الأول: أن لا يطيل التأخر ولا يعجل المجيء

    [ أولاً: ألا يطيل الانتظار عليهم فيقلقهم ] فيجلسون ينتظرونه ساعة أو ساعة ونصف، فيقلقهم ويزعجهم [ وألا يعجل المجيء فيفاجئهم قبل الاستعداد؛ لما في ذلك من أذيتهم ] بل يدعهم حتى يتجهزوا، فلا يؤجل الساعة والساعتين، ولا يستعجل بالحضور قبل الآخرين، حتى إنه يأتي قبل أن يغسل يديه، وأذية المؤمن حرام، فيجعلهم يسبونه ويفسقونه ويضربونه ويذبحونه، ويقولون: مسلمون، فأذية المؤمن حرام، حتى بالنظرة، لو نظر إليه شزراً، وحتى بالكلمة العالية والانتهار، فهذا حرام، فكل ما يؤذي المؤمن فهو حرام، والذي حرم هذا رب العبد، فهو الذي قال: هذا عبدي فلا تؤذه، فإن أذيته عصيتني وتعرضت لغصبي وسخطي.

    الثاني: أن لا يتصدر المجلس

    [ ثانياً: إذا دخل فلا يتصدر المجلس، بل يتواضع في المجلس ] فإذا دخلت بيت مضيفك فلا تتصدر الجالسين، بل اجلس حيث وجدت المجلس؛ لأن صورة الكبر ممنوعة، وهي تتنافي مع المؤمنين [ وإذا أشار إليه صاحب المحل بالجلوس في مكان جلس فيه ] فإذا قال لك صاحب الدار: اجلس هنا جلست، وإن لم يشر إلى مكان فاجلس حيث انتهى المجلس، ولا تحاول أن تتصدر وتصبح كالصدر، يعني: أمامهم [ ولا يفارقه ] بل يبقى في ذلك المكان، لأن في ذلك مصلحة رآها صاحب البيت.

    الثالث: أن يعجل بتقديم الطعام للضيف

    [ ثالثاً: أن يعجل بتقديم الطعام للضيف ] فلا يؤخره الساعة والساعتين، ولا يستعجل فيقدم الطعام قبل أن يجلس الناس، بل الوسطية [ لأن في تعجيله إكراماً له ] إذ منهم الجائع، ومنهم كذا، ومنهم من يشتاق إلى الطعام، فلا تحبسهم الساعة والساعتين، بل عجل؛ لأن في تعجيله إكراماً له، أي: للضيف [ وقد أمر الشارع بإكرامه ] في قوله صلى الله عليه وسلم: [ ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ] ومن إكرام الضيف أن تعجل له بالأكل.

    والآن ولائم الأعراس تقام الساعة الثانية عشر، وهم بهذا يؤذون المؤمنين، وهنا نتكلم وبلغوا: أن السنة في الضيافة في الوليمة أن تنزل مأدبة الوليمة بعد صلاة الظهر؛ حتى لا تفوتهم صلاة الظهر ولا صلاة العصر، هذه هي الوليمة الشرعية.

    فيا من سيتزوج غداً أو بعد غد اخرج عن عادات الجاهلين والجاهلات، وادع لوليمتك الصالحين والصالحات، واجعل الوليمة من بعد صلاة الظهر إلى العصر غداء، وإن كان العشاء فللمؤمنات أولى بعد المغرب حتى يعدن إلى بيوتهن في الضياء.

    والبعض يقيم حفلات الأعراس طوال الليل، حتى أننا نشاهدهم في الفنادق ونحن في الطريق إلى المسجد لصلاة الصبح، وهم خارجون منها، وهذا أظنه والله أعلم تقليداً للنصارى، ولا أدري.

    الرابع: أن لا يبادر إلى رفع الطعام قبل أن ترفع الأيدي عنه

    [ رابعاً: ألا يبادر إلى رفع الطعام قبل أن ترفع الأيدي عنه، ويتم فراغ الجميع من الأكل ] فلا تبادر برفع القصعة قبل أن يكف الناس عن الأكل، فما داموا يأكلون فاتركهم، فإذا كفت الأيدي كلها فخذ القصعة أو الصحفة.

    الخامس: أن يقدم لضيفه قدر الكفاية

    [ خامساً: أن يقدم لضيفه قدر الكفاية ] وهذه لا أحد يفعلها، وإنما إذا كان يكفيه كيلو قدم له عشر كيلو [ إذ التقليل نقص في المروءة، والزيادة تصنع ومراءاة، وكلا الأمرين مذموم ] والآن يذبحون شاة كاملة لضيف واحد، أو يقدم صحفة فيها عشرين كيلو رز، فلنتأمل؛ لأن هذه الأموال لله، فلا تنفق إلا في رضاه، هذه الحقيقة، مالك مال الله، فأنفقه حيث يرضى الله، وحيث لا يرضى لا تنفقه.

    والقليل الذي ما يشبع الضيف أو الضيوف نقص في المروءة، ولا يقدم الجبال فيتخمهم، وكلا الأمرين مذموم، أي: التقليل كالتكثير، فالقصد العدل، وهو المطلوب.

    السادس: أن لا يزيد في الإقامة أكثر من ثلاثة أيام إذا كان ضيفاً

    [ سادساً: إذا نزل ضيفاً على أحد فلا يزيدن على ثلاثة أيام ] فإذا جاء من الشام أو من كذا أو من جدة فيكون ضيفاً ثلاثة أيام، وما زاد عن ثلاثة أيام فيعامل معاملة الفقير المسكين، فتكون الضيافة صدقة عليه، وليست ضيافة، والضيافة المحمودة أربعة وعشرين ساعة، فإن استضافك وطلب منك ثلاثة أيام أو يومين فاقبل ذلك وأكرمه [ إلا أن يلح عليه مضيفه في الإقامة أكثر ] كأن يحلف عليه أن يبقى يومين أو ثلاثة، فهذا شأنه، فإن ألح عليه في الإقامة أكثر فله ذلك [ وإذا انصرف استأذن لانصرافه ] فلا يخرج بدون إذن، فهو ضيف، فإذا أراد الانصراف فليطلب الإذن، كأن يقول: سأسافر الليلة أو غداً، فهذا من الآداب؛ لأنه يزعج المضيف، فالمفروض أنه سيجلس ثلاثة أيام، ولكنه جلس يوماً وفجأة سافر، فلما سأل المضيف: أين هو؟ قالوا: لن يرجع، خرج، كان الأولى أن يقول: غداً أغادر. فهذا يفعله الجهال وأهل الغفلة.

    السابع: أن يشيع الضيف بالخروج معه إلى خارج المنزل

    [ سابعاً: أن يشيع الضيف بالخروج معه إلى خارج المنزل؛ لعمل السلف الصالح بذلك ] فعندما تنتهي الضيافة اخرج معه إلى الشارع، فلا تدعه يخرج من الغرفة وحده كالصعلوك، بل تخرج معه إلى خارج المنزل وتودعه، فتشييع الضيف سنة من سنن الإسلام.

    وتشييع الميت معروف، وهو الخروج معه في جنازته، وتشييع الضيف أن لا تقعد في البيت ويخرج هو كالصعلوك، بل تخرج معه وتودعه [ ولأنه داخل تحت إكرام الضيف المأمور به شرعاً ] فمن إكرامه أن تودعه، وتخرج معه إلى الباب.

    الثامن: أن ينصرف الضيف طيب النفس

    [ ثامناً: أن ينصرف الضيف طيب النفس ] فعندما ينصرف من بيت مضيفه يجب أن يخرج ونفسه طيبة [ وإن جرى في حقه تقصير ما ] فلا يبالي، بل لا بد أن تكون نفسه طيبة [ لأن ذلك من حسن الخلق الذي يدرك به العبد درجة الصائم القائم ] وإن قصر مضيفك في ضيافتك فلا تخرج غضبان أو غير راض.

    ومعنى القائم: الذي يقوم الليل.

    التاسع: إعداد المضيف فراشاً لضيفه

    [ تاسعاً ] وأخيراً [ أن يكون للمسلم ثلاثة فرش ] وإن شئت فقل ثلاثة غرف [ أحدها له ] هو [ وثانيها لأهله ] من زوجة أو ولد [ والثالث للضيف ] يعده للضيف [ والزيادة على الثلاثة منهي عنها ] والذي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله الحق أن ينهى، فهو مبلغ عن الله لعباده، فنهي الرسول نهي الله عز وجل [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان ) ] وانظروا إلى إخوانكم وإلى غرفهم وعماراتهم.. وما إلى ذلك!

    والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعليهم، وأن يغفر لنا ولهم، وأن يرحمنا وإياهم، وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755947249