إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. محاضرات الحج
  6. شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة و الحج و الزيارة
  7. شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - ما جاء في الإحرام والتلبية

شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - ما جاء في الإحرام والتلبيةللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لكل عبادة ما يميزها ويصبغها بصبغة شرعية، فالحج والعمرة صبغت بالتجرد لله ظاهراً من كل لباس إلا إزار ورداء، وباطناً من كل شيء سوى الله تعالى، فيأتي العبد نسكه طاهراً غير متطيب أو متزين، إلا ما كان قبل إحرامه، ومن فعل شيئاً من ذلك حتى بعذر لزمته فدية له وإن سقط عنه الإثم، وللإحرام مستحبات ينبغي عليه مراعاتها والعمل بها.

    1.   

    مستحبات الإحرام

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    الإحرام وما يستحب وما يحرم على المحرم فيه.

    الإحرام معناه: عقد النية بالإحرام مع رفع الصوت بالتلبية، فيقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجة، أو لبيك حجة وعمرة، بحسب ما نواه في ذلك.

    فما الذي يستحب عند إرادة الإحرام؟ وما الذي يصنعه من أراد ذلك؟

    الاغتسال

    الغسل للإحرام من المستحبات، فمن أراد أن يحرم يستحب له أن يغتسل، وهذا سنة وليس فرضاً، فإذا أحرم من غير غسل فإحرامه صحيح، ويكون الاغتسال من الميقات الشرعي عند الإحرام، ولو أنه وجد مكاناً آخر قبل الميقات، فالاغتسال عند إرادة الإحرام في المكان الذي سيحرم سنة من السنن.

    روى زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل).

    (تجرد) أي: نزع ثيابه صلى الله عليه وسلم، (لإهلاله) أي: لإرادة أن يلبي بحجه عليه الصلاة والسلام، (واغتسل) عليه الصلاة والسلام عند ذلك.

    ويستحب الاغتسال للرجل والمرأة، سواء كانت المرأة طاهراً أو حائضاً أو نفساء؛ لأنه اغتسال للتنظف.

    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (نفست أسماء بنت عميس بـمحمد بن أبي بكر بالشجرة) موضع اسمه الشجرة، و(نفست) أي: وضعت حملها بـمحمد بن أبي بكر (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهلأسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت قبل ذلك زوجة لـجعفر بن أبي طالب ، وقد قتل شهيداً رضي الله عنه في غزوة مؤتة، ثم تزوجها أبو بكر رضي الله عنه بعد ذلك، ومات عنها وتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه بعد ذلك.

    وفي الحديث: أن هذا الغسل غسل تنظف؛ لأنه لن يرفع عنها الحكم بأنها نفساء.

    قال ابن المنذر : (أجمع عوام أهل العلم على أن الإحرام بغير غسل جائز)، فلو أن إنساناً أحرم، وقال: لبيك حجة، أو لبيك عمرة، ولبس إحرامه ولم يغتسل فلا شيء عليه وإحرامه صحيح.

    السنة فيما يلبسه المحرم من الثياب

    السنة أن يحرم الرجل في إزار ورداء ونعلين -والمرأة سيأتي الكلام عليها- سواء كان صغيراً أو كبيراً، وهذا مجمع على استحبابه.

    وفي أي شيء أحرم جاز إلا الخف ونحوه والمخيط، فليس له أن يلبس الخف، وهو الحذاء الذي له رقبة عالية تتجاوز الكعبين، وكعب الإنسان هو المكان البارز أسفل الساق، ففي نهاية كل ساق توجد عظمة في الشمال وأخرى في اليمين وهذان هما الكعبان، فإذا لبس حذاء ما دون هاتين العظمتين فهو نعل، فإذا جاوز وارتفع عنهما فهو خف، وليس له أن يحرم في الخف طالما أنه قادر على النعل.

    كذلك المخيط لا يلبسه الإنسان، وهو: ما فصل على الموضع أو العضو الذي جعل عليه، مثل: العمامة على قدر رأس الإنسان، والثوب والقميص، والفنيلة والشورت، هذه كلها أشياء مخيطة، وليس شرطاً أن تكون كلها مخاطة خياطة؛ لأن هذا اللفظ لم يأت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما ضرب الأمثلة بالأشياء التي لا يلبسها المحرم على ذلك، كما في حديث ابن عمر : (أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما يجتنب المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس السراويل، ولا القميص، ولا البرنس، ولا العمامة، ولا ثوباً مسه زعفران ولا ورس، وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من العقبين)، فذكر في الحديث أنه لا يلبس كذا، ويلبس كذا، فأخذ الفقهاء من ذلك أنه لا يلبس المخيط.

    إذاً: كلمة (المخيط) لم تأت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما استنبط الفقهاء ذلك مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم مما يلبسه المحرم وما لا يلبسه، فقيدوا وقالوا: المخيط هو كل ما كان مقطوعاً ومفصلاً على قدر بدن الإنسان أو عضو من أعضائه، ولا يشترط أن يكون بالخيط، فقد يكون ملصوقاً بصمغ مثلاً، أو مدبساً بدبابيس، فهذا كله داخل تحت معنى المخيط، فلا يشترط أن يكون مخيطاً بخيط.

    والعكس كذلك: فلو أنه لبس ثوباً غير مفصل وغير مخيط على قدر عضو فيه كملاءة ليست على مقاسه فوصلها بشيء آخر وخيطها أو دبسها فهذه مخيطة، ولكن لا تدخل تحت هذا المعنى الذي ذكره الفقهاء.

    فلأجل ذلك نقول: إن لفظ (المخيط) ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو استنباط من الفقهاء.

    إذاً: لو أن ثوب الإحرام الذي ستلبسه قصير عليك وأتيت بآخر فخطت الاثنين معاً فأصبحا ملاءة كبيرة، فليس هذا مخيطاً على المعنى الذي يقصده الفقهاء؛ لأنه ما زال إزاراً أو ما زال رداءً.

    الترجل والادهان قبل الإحرام

    روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن)، وهذا كان قبل إحرامه، فقد صلى الظهر في المدينة أربع ركعات، ثم انطلق إلى ذي الحليفة، وبين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، فمشط شعره صلى الله عليه وسلم، والترجل: هو مشط الشعر، (وادهن) وضع دهناً وطيباً، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه عليه الصلاة والسلام، قال: (ولم ينه عن شيء من الأزر والأردية) يعني: أي نوع من أنواع القماش يجوز لبسه، إلا أن يكون محرماً كالحرير مثلاً، وكذلك أي نوع من الألوان يجوز، إلا أن يكون ثوب شهرة فليجتنب الحاج مثل ذلك، قال: (إلا المزعفرة) أي: الموضوع عليها زعفران، وكانوا يتطيبون بذلك، والزعفران له رائحة طيبة، ولكنه إذا وضع على جلد الإنسان ينضح على الجلد، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس المزعفر، قال: (حتى أصبح بذي الحليفة ركب راحلته صلى الله عليه وسلم حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه)، وذكر هنا أنه لما ركب الراحلة لبى صلى الله عليه وسلم بالحج.

    لبس النعل دون الخف

    في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن لم يجد النعلين: (فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين).

    وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين). هذا كله كان من النبي صلى الله عليه وسلم تعليماً لهم وهم خارجون من المدينة: أن الإنسان إذا لم يجد النعلين يلبس الخفين بشرط أن يقطعهما أسفل من الكعبين، وسيأتي بعد ذلك أن المعذور يجوز له أن يلبس الخفين بدون قطعهما.

    لبس الثياب البيضاء والتطيب للرجال والنساء

    يستحب كون الإزار والرداء أبيضين، والثوب الجديد أفضل من الثوب القديم أو المغسول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خيار ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم).

    إذاً: الثوب الأبيض أفضل ما يكون في لبس الإحرام، ويجوز غيره من الألوان.

    ويستحب أن يتطيب في بدنه عند إرادة الإحرام، سواء الرجل أو المرأة، ولكن المرأة مقيد تطيبها بألا تكون في مجمع من الرجال، أو لن تختلط بهم، ولعله في الماضي عندما نقول: حج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه من أصحابه مائة وثلاثون ألفاً كان هذا العدد بالنسبة لهم كبيراً، ولكن الأرض واسعة فلن يحصل اختلاط بين الرجال والنساء في هذه الأماكن، وتستطيع المرأة أن تحترز إذا كانت متطيبة فتكون بعيدة، أما الآن فإن الأمر صعب، ففي كل مكان سيتحرك فيه الرجل أو المرأة سيكون حوله رجال ونساء كثر، فيصعب جداً أن تضع المرأة الطيب وتكون في هذا المكان، فرجع الحكم لمنع النبي صلى الله عليه وسلم النساء من التطيب في المساجد.

    لكن إذا كان زمن العمرة ولا زحام، فمن الممكن أن تضع المرأة الطيب وتكون بعيدة عن الرجال؛ لفعل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، كأنما أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، وبيص الطيب: هو لمعانه، فتقول: إنها كانت تضع للنبي صلى الله عليه وسلم طيباً في مفرق رأسه عليه الصلاة والسلام، والطيب إذا جاءت الشمس عليه ظهر له بريق ولمعان، فتقول: كأني أنظر إليه. إذاً: فقد كان له جرم موجود في رأس النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: أنه لم يزله بعد إحرامه صلى الله عليه وسلم، فدل على جواز وضع الطيب قبل الإحرام، وأن يستديمه بعد الإحرام ولا يزيل أثره.

    والرجل والمرأة في التطيب سواء فقد روى أبو داود عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام)، والسك: نوع من أنواع الطيب، قالت: (فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها)، فدل هذا على أن المرأة يجوز لها في الإحرام أن تضع الطيب حتى ولو سال على وجهها، ولكن بقيد: ألا تختلط وهي متطيبة بالرجال، فإذا كان ثمة زحام كما هو اليوم في الحج والعمرة فلا داعي أن تضع المرأة الطيب عليها.

    فنهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يتطيبن عند الخروج إلى المسجد، وأمر المرأة التي تتطيب وتخرج من بيتها إلى المسجد أن ترجع إلى بيتها فتغسل عنها هذا الأثر، وجوز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحج والعمرة، والفرق بينه وبين الجمعة: أنه يكره للنساء الخروج متطيبات؛ لأن مكان الجمعة في المسجد يضيق على الرجال وعلى النساء، فيفوح من النساء رائحة الطيب، وفي هذا إثارة فتنة للرجال.

    كما أن وقت الجمعة ضيق بخلاف وقت الحج أو العمرة فهو وقت طويل والمكان متسع، فلو أن المرأة ستكون بعيدة عن الرجال جاز لها ذلك، وإلا فلتجتنبه عند كثرة الزحام كما هو الحال الآن.

    وإذا تطيب الرجل فله استدامته بعد الإحرام، والفرق بين الابتداء والاستدامة يشبه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح الحاج المحرم أو أن يكون ولياً في نكاح، ولا يخطب المحرم، ولكن إذا كان متزوجاً فله استدامة ذلك على ما هو فيه، وكذلك وضع الطيب، فإذا كان متطيباً قبل الإحرام جاز له الاستدامة، ولكن ليس له أن يبدأ وضع الطيب بعدما لبس ثوب الإحرام وقال: لبيك عمرة أو لبيك حجة.

    والإحرام هنا معناه عقد النية، فلو فرضنا أن المحرم لبس ثوب الإحرام، لكنه لم يقل: لبيك حجة، أو لبيك عمرة، فلا يدخله هذا في كونه محرماً، وإنما يصير محرماً بعقد النية وبالتلفظ بالتلبية.

    إذاً: لا مانع أن يلبس الإحرام قبل الميقات، فإذا جاء عند الميقات قال: لبيك حجة، أو لبيك عمرة، كما يجوز له وهو لابس الإحرام أن يضع الطيب في شعره أو بدنه أو ثيابه، ولو انتقل الطيب أثناء إحرامه من مكان إلى مكان، كما لو وضعه في شعره فسال العرق من شعره على بدنه وفيه هذا الطيب فلا شيء عليه، أما لو أحرم ثم تعمد وضع يده على رأسه، ومسح بالطيب ثيابه فلا يجوز له ذلك؛ لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا)، ولو مس الطيب بيده عمداً فعليه الفدية؛ لأنه تعمد أن يطيب يده.

    ولا يستحب تطييب ثوب المحرم عند إرادة الإحرام، وإذا طيبه قبل أن يقول: لبيك عمرة أو لبيك حجة فلا شيء عليه، فوضع الطيب على الرأس والثياب لا مانع منه، لكن نقول: لا يستحب أن يضع الطيب على ثيابه؛ لأن العادة في المحرم أن معه إزاراً واحداً ورداء واحداً ليس معه غيرهما، فإذا وضع في ثيابه الطيب فلابد أن يأتي عليه وقت يدخل الحمام ويخلع هذه الثياب، وإذا خلعها فأكثر الفقهاء على أنه لا يجوز له أن يلبسها مرة ثانية؛ لأنها تأخذ حكم الثياب المطيبة، وليس لك أن تلبس هذه الثياب، فخروجاً من الخلاف لا يضع في ثوبه شيئاً من الطيب، فإذا وضع في ثوب ونزعه لغسل أو غيره فليلبس ثوباً آخر غير هذا الثوب الذي فيه الطيب.

    استحباب الخضاب للمرأة

    ويستحب للمرأة أن تختضب للإحرام، سواء كان لها زوج أم لا، والخضاب هو وضع الحناء على اليدين، وليس يقصد منه أن تكون اليد ملفتة للنظر بأن تضعه وتنقش يديها، ولكن تضعه على امتداد جلد اليد، فإن البعض يضعن الحناء على اليدين بطريقة معينة ملفتة للنظر، بأن تنقش يديها وترسم عليها حتى إن الناظر يعجبه ذلك، ولكن الخضاب هو تغيير لون جلد المرأة، فيجوز لها أن تضع الخضاب على يديها سواء كانت شابة أو عجوزاً، وحيث اختضبت فتخضب كفيها ولا تزيد على ذلك.

    جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج).

    وقالت: (كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها؛ فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا).

    والغرض: أن هذا الخضاب للمرأة هو من الطيب لها، وإن كان لا ريح له، فعلى ذلك يجوز لها أن تضع ذلك عند الإحرام سواء كانت شابة أو كبيرة، ولكن ليس على الهيئة التي تلفت النظر، وإذا اختضبت المرأة في الإحرام فهذا من ضمن الطيب، ولكن لا رائحة له، ولو خضبت يديها بالحناء لفتهما بخرقة لأجل الحناء، وهي بفعلها هذا الراجح أنه ليس عليها فدية في ذلك؛ لأنه طيب لا رائحة له، والمقصود في الفدية ما له رائحة.

    ويستحب أن يتأهب للإحرام مع ما سبق بحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، وقلم الأظفار.

    فعلى الإنسان أن يتنظف؛ لأن فترة الحج قد تطول، فعليه أن يتنظف بمثل ذلك؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال والطيب، فيسن له ذلك كالجمعة، ولأن الإحرام يمنع قص الشعر وقلم الأظفار، فاستحب فعله قبله لأجل ألا يحتاج إليه، وخاصة إذا طال الإحرام، والبعض قد يذهب إلى هناك من نصف ذي القعدة، وينوي الحج من هذا الوقت إلى أن ينتهي من أعمال الحج، فالأفضل أن يستعد لهذا العمل بمثل ذلك.

    استحباب الإحرام عقب صلاة

    يستحب أن يحرم عقيب صلاة، والأفضل أن تكون صلاة مكتوبة، فيصلي الظهر أو العصر ثم بعد ذلك يحرم، أو يقول: لبيك حجة، أو عمرة، كصنع النبي صلوات الله وسلامه عليه، ففي حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج عليه الصلاة والسلام).

    وفي رواية: (أنه صلى الظهر في المدينة أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم أهل بالإحرام)، فكان إحرامه بعد صلاة العصر أو بعد صلاة فريضة.

    وجاء أن ابن عمر كان يأتي مسجد ذي الحليفة، فيصلي ركعتين، ثم يركب دابته، فإذا استوت به راحلته قائماً أهل، ثم قال: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك).

    فـابن عمر كان يأتي ذا الحليفة ويصلي ركعتين، ولم يذكر صلاة فريضة ولا نافلة، وعلى ذلك جمهور أهل العلم: أنه يصلي صلاة فريضة إذا كان وقت فريضة، وإذا لم تكن فريضة فيصلي ركعتين نافلة، ثم يحرم بعدهما.

    وهل للمحرم أن يصلي ركعتين مخصوصتين للإحرام؟ أم يصلي أي صلاة سواء كانت فريضة أو نافلة؟ أم لا بد من كونها صلاة فريضة فقط وإذا لم يكن وقت فريضة فليحرم؟

    في المسألة أقوال لأهل العلم، وجمهور أهل العلم على أنه يصلي ركعتين، وإذا كان الوقت وقت صلاة فريضة فيصلي الفريضة، ثم يصلي ركعتين نافلة، ثم يحرم بعدها.

    هذا ما ذكره الإمام النووي رحمه الله، فقد ذكر أنه يستحب أن يصلي ركعتين عند إرادة الإحرام، قال: وهذه الصلاة مجمع على استحبابها، وإن كان الإجماع على العموم سواء كانت فريضة أو غير فريضة.

    وذكر ابن تيمية المسألة ففصل، وقال: يستحب أن يكون إحرامه بعد صلاة إما فرض وإما تطوع، يقول: إن كان وقت تطوع في أحد القولين عند أحمد رحمه الله، وفي الآخر إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، وهذا أرجح.

    شيخ الإسلام كلامه جميل وطيب وفقهه جميل، وليس عنده عصبية في شيء، فقد ذكر القولين ولم يقل هذا باطل، وهذا بدعة، وهذه ضلالة، ولكن قال: فيها قولان عند الإمام أحمد : أن يصلي فريضة ثم يحرم بعدها إذا كان وقت فريضة، وذكر في البداية أنه يستحب أن يحرم عقب صلاة إما فرض وإما تطوع، فإذا كان في وقت صلاة تطوع صلى وأحرم بعدها.

    إذاً: لو لم يكن سيصلي الفريضة والوقت وقت تطوع فهل يستحب له أن يصلي الركعتين؟

    ابن تيمية يقول: الأرجح أنه ليس للإحرام صلاة تخصه، وعندما يقول: الأرجح فهناك قول آخر مرجوح، وقد نقل النووي الإجماع على استحبابه، فعلى ذلك لا ينكر على من يفعل ذلك.

    ودليل الإجماع: القياس؛ إذ لا توجد صلاة مفروضة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، إنما القياس على فعله صلاة يعقبها إحرام، فعلى ذلك من كان عليه فريضة فليصلها ويعقبها بالإحرام، ومن ليست عليه فريضة جاز له أن يصنع مثل صنيع النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا سنقول له؟ صلِ فريضة مرة أخرى؟ لا يجوز ذلك، فلم يبق إلا أن يتطوع وبعدها يحرم بالحج أو بالعمرة؛ هذا قياساً على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الإحرام عقيب فريضة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن الإحرام لابد أن يكون بعد فريضة، لكن فعله لما صلى فريضة وقت فريضة.

    ولمَ لم يصل نافلة في هذا المكان؟ لأنه ليست عليه نافلة، والصلاة الحاضرة الآن صلاة العصر، والمسافر لا يصلي نافلة، والصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة العصر، فصلى الركعتين ثم أحرم بعدها.

    وعلى هذا فمن كان في هذا المكان ليس عليه فريضة، أو في وقت غير وقت الفريضة؛ فله أن يصلي النافلة، فإذا فعل فقد شابه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه صلى صلاة وأحرم بعدها، وهذا ما فعله ابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ركعتين ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أهل ثم قال: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك).

    وإذا كان في ذي الحليفة فهناك وادي العقيق، ويستحب له في هذا الوادي أن يصلي ركعتين، سواء قلنا بأنه يستحب الإحرام بعد ركعتين أو لا يستحب؛ لما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه في حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: (أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة) ، فإذا أتى هذا المكان فيستحب له أن يصلي كما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    التلبية في الإحرام

    في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل رجله في الغرز)، والغرز: هو شيء يضع الراكب رجله عليه ثم يركب ويصعد حتى يستوي فوق الجمل، قال: (كان صلى الله عليه وسلم إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته أهل من مسجد ذي الحليفة) إذاً هنا إهلاله عليه الصلاة والسلام بعدما صلى ثم ركب على الدابة ثم قال: لبيك حجة.

    وروى البخاري عن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي الحليفة، فلما أصبح واستوت به راحلته أهل عليه الصلاة والسلام)، أي: رفع صوته بالتلبية.

    وينبغي لمريد الإحرام أن ينوي الإحرام بقلبه ويلبي بلسانه، فيعزم النية في القلب، والإحرام هو النية، وإذا لبى فيستحب أن يقول: اللهم هذه عمرة لا رياء فيها ولا سمعة. إذا كانت عمرة، وإذا كان حجاً يقول: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه قال: (حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث، وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي) عليه الصلاة والسلام.

    (رحل رث) قديم بالي، والرحل هو شيء من الكساء يوضع فوق البعير لكي يجلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرحل كان قديماً، (وقطيفة): قطعة قماش وضعت فوق ناقته يجلس عليها صلى الله عليه وسلم ثمنها أربعة دراهم أو لا تساوي الأربعة الدراهم، والأربعة الدراهم تساوي اثني عشر جراماً من الفضة أو لا تساوي، وجرام الفضة عندما يكون غالياً جداً سيكون ثمنه جنيهاً واحداً، فهذه القطيفة التي جلس عليها صلى الله عليه وسلم قد لا تساوي هذا الثمن.

    ثم قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة، اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة)، هذا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، فنحن أولى أن نقول ما قال صلى الله عليه وسلم. ويؤخذ من ذلك أن يذكر الإنسان نفسه، فأنت تحج لله سبحانه، فاحذر من الرياء، فأنت لا تحج ليرى الناس أنك حججت، ولا تريد التسميع، وأن يسمع الناس عنك أنك حججت، وترجع ويقال: الحاج فلان والحاج فلان.. بل حجة لا رياء فيها ولا سمعة.

    ثم يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).

    استحباب رفع الصوت بالتلبية

    وينبغي أن يرفع صوته بالتلبية، فقد صار الآن محرماً، فقد عقد وعزم في قلبه على الإحرام، ولبى بلسانه، وأظهر ما في قلبه على لسانه.

    ولو فرضنا أنه حج ولم يلب، فهو هنا ترك شيئاً واجباً أمر به، ولكن الإحرام صحيح، سواء لبى أو لم يلب، فهو قد عقد العزم، وصار محرماً بعقده العزم على ذلك.

    وينبغي أن يرفع صوته بالتلبية؛ لحديث خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو بالتلبية). إذاً: جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم، فالمستحب رفع الصوت بالتلبية.

    في الصحيحين عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك

    وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. فهنا تجوز الزيادة، ولكن الأفضل أن يقتصر على ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    وعن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الحج العج والثج)، رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، والعج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: هو إراقة الدماء.

    إذاً: التقرب إلى الله عز وجل بالهدي في الحج هو من أفضل أعمال الحج.

    معنى التلبية

    والتلبية معناها: أجيب ربي مرة بعد مرة، والمقصد التثنية، وليس معناه أنه مرتين فقط، ولكن كأنه مرة بعد مرة، وعلى ذلك نقول: لبيك أي: إني مقيم على طاعتك.

    وفيها معان كلها صحيحة، منها: اتجاهي وقصدي إليك، أي: توجهي وقصدي إلى ربي سبحانه وتعالى، مأخوذ من قولهم: داري تلب دارك، أي: مواجهة لها، كأنك تقول: يا رب! أنا متوجه إليك.

    وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذ من قولهم: هذه امرأة لبة، أي: محبة لزوجها، أو محبة لولدها وعاطفة عليه، وقيل: معناها: أخلص لك إخلاصاً بعد إخلاص، مأخوذ من قولهم: حب لباب، إذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك لب الطعام، أي: الخالص من الطعام وما في داخل الطعام. وقيل: معنى اللب: الإقامة، من لب الرجل بالمكان وألب به، بقي فيه وأقام فيه ولزمه.

    هذه كلها معان مقصودة في قولك: لبيك، أي: أنا مقيم على طاعتك، مخلص لك، متوجه إليك، مستجيب لك.

    (إن الحمد والنعمة لك)، يجوز أن يقول: (إن) بكسر الهمزة، ويجوز (أن) بفتح الهمزة، والجمهور على أن الكسر أجود وهو الصواب. قال الخطابي: الفتح رواية العامة، أي: أن الأكثر رووه بذلك، وفتحها كأنها تعليلية؛ لأن معناها: أنا ملب لك لأنك تستحق الحمد.

    أما من قال بالكسر فهو الأوجه ومعناه: أنا ملب لك في كل حال، وأنت مستحق للحمد في كل حال، كأنه يؤكد ذلك، وكأن الفرق بين المعنيين: على الفتح: أنا ألبي لأنك مستحق للحمد، وعلى كسر الهمزة كأنها للاستئناف، والمعنى: أنت مستحق للحمد في كل حال سواء لبى الإنسان أو لم يلب، فالله مستحق للحمد في كل حال.

    (لبيك وسعديك)، هذا الأثر عن ابن عمر، وقد كان يزيد ذلك، والسعد والإسعاد بمعنى: المساعدة، أي: أنا مساعد في طاعتك بعد مساعدة، ومتوجه للطاعة مساعد فيها شيئاً وراء شيء، (والخير بيديك) وكله من فضل الله سبحانه، (والرغباء إليك والعمل) أي: توجهي إليك راغباً فيما عندك، فرغبتي فيما تعطيه من الفضل الجزيل، وسؤالي لك أسألك وحدك، والعمل متوجه مخلص لك.

    وكان ابن عمر يزيد: (إن العيش عيش الآخرة)، والمعنى: أن الحياة الهنية المطلوبة هي الحياة في الآخرة.

    استحباب التلبية في كل وقت

    وقد استحب العلماء التلبية في كل وقت، بحيث لا يشق على نفسه، فتلبي وأنت متوجه، وتلبي وأنت قائم، وأنت ذاهب في الطريق، وأنت جالس في الفندق، وفي كل مكان يجوز لك أن تلبي، ولكن لا تشق على نفسك برفع الصوت، فتستحب لك التلبية قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وجنباً وحائضاً، ويتأكد مع كل صعود أو هبوط، وحدوث أمر من ركوب أو نزول أو اجتماع رفقة، أو فراغ من صلاة، وعند إقبال الليل والنهار، وفي وقت السحر وغير ذلك، ففي كل وقت يجوز له أن يلبي.

    ويستحب رفع الصوت بحيث لا يشق على نفسه، فلا يصيح حتى يبح صوته ثم لا يستطيع أن يلبي بعد ذلك، ولكن يرفق بنفسه، والمرأة ترفع صوتها ولكن لا تسمع الرجال، فإن فعلت ففعلها صحيح، ولكن لا يستحب لها أن تسمع الرجال صوتها.

    والخنثى حكمه حكم المرأة في ذلك، فلا يرفع صوته، والكل إذا رفعوا فلا شيء عليهم.

    ويستحب ألا يزاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها، ويلبي إلى أن يستلم الحجر، فإذا استلم الحجر جاز له أن يلبي وهو يستلم الحجر وهو يطوف، والأفضل أن ينشغل بذكر آخر من دعاء الله سبحانه وتعالى وقراءة قرآن، وتسبيح وغير ذلك، وهو قول الإمام أحمد رحمه الله وغيره، ويجوز له أن يستمر ملبياً، وإن كان الأفضل أن يقطع التلبية ويبدأ بالذكر ودعاء الله سبحانه في أثناء الطواف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756202678