إسلام ويب

شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في إفشاء السلام [2]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد رغّب الإسلام في إفشاء السلام لما فيه من المودة والألفة، وتقوية رباط الأخوة، وأوجب ردّ السلام، وبين لنا فضل السلام وما فيه من مضاعفة الحسنات، وأبخل الناس من بخل عن رد السلام، ورد السلام من التواضع، بل هو سبب من أسباب دخول الجنة. ولا يجوز القيام عند السلام تعظيماً إلا لله عز وجل.

    1.   

    إفشاء السلام

    شرح حديث: (أن رجلاً مرّ على رسول الله وهو في مجلسه فقال: سلام عليكم، فقال: عشر حسنات..)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    [روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فقال: سلام عليكم، فقال: عشر حسنات، ثم مر آخر فقال: سلام عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون حسنة، ثمر مر آخر فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ثلاثون حسنة، فقام رجل من المجلس ولم يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة).

    وروى البخاري عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)، قال حسان : فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام وتشميت العاطس وإماطة الأذى عن الطريق.. ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة].

    هذان الحديثان وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها الإمام المنذري رحمه الله في الترغيب في إفشاء السلام، فحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فقال: سلام عليكم، فقال: عشر حسنات)، يعني: تؤجر في قولك السلام عليكم عشر حسنات، (ثم مر آخر وقال: سلام عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون حسنة، ثم مر الثالث فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثون حسنة) أي: أن الإنسان إذا سلم فاختصر وقال: السلام عليكم، أخذ عشر حسنات، فإذا زاد: ورحمة الله، أخذ عشرين، فإذا زاد: وبركاته، أخذ ثلاثين حسنة.

    وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد حديث فيه: (حق على من قام على جماعة أن يسلم عليهم، وحق على من قام من مجلس أن يسلم)، ففي الحديث جعل السلام على الناس من الحقوق لهم سواء عند الدخول عليهم أو عند الانصراف عنهم.

    ولما قال ذلك صلى الله عليه وسلم قام رجل ولم يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أوشك ما نسي صاحبكم)، وفي الحديث الذي في مسند أحمد قال: (ما أسرع ما نسي).

    فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بفضل رد السلام، وأنك إذا جئت إلى مجلس فحق عليك أن تسلم، وإذا قمت من المجلس فحق عليك أن تسلم، وأخبرهم بذلك منذ لحظات قليلة في نفس المجلس، فالرجل جلس فلما قام نسي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم متعجباً: (ما أسرع ما نسي)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة).

    فالإنسان إذا دخل على قوم ينبغي عليه أن يلقي عليهم السلام ويحييهم، وهو بذلك يدعو لهم بالتحية، ويدعو لهم بالأمن والطمأنينة، يعني: إني أجلس معكم في أمن وأمان، فهذا يطمئن له المجلس بعكس الذي يأتي ويجلس من غير أن يرد السلام، فإنهم سوف يتوجسون منه خيفة: لماذا جاء؟ وماذا يريد؟ وما هو الذي أقعده من غير أن يسلم؟ فالتسليم تحية بين المسلمين، وطمأنينة فيما بينهم.

    شرح حديث: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ...)

    ومن الأحاديث في ذلك حديث ابن عمرو الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها أو تصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)، فالأعمال الحسنة التي يعملها الإنسان لابد أن يكون الذي يفعلها مصدقاً بموعودها؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى وعد على فعل الحسنات الجنة، فيفعل العبد ذلك وهو مستيقن من كلام رب العالمين سبحانه، ويفعل ذلك وهو يرجو الثواب الذي ذكر في الحديث.

    ومنيحة العنز هي: أن يعطي المسلم أخاه المسلم عنزته ليحلبها ويستفيد من لبنها ثم يعيدها له بعد ذلك، فهذه هي المنيحة.

    فهنا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك أربعين خصلة أعلاهن منيحة العنز، فبدأ الصحابة يعدون الحسنات التي هي على أعمال بسيطة وسهلة بحيث تكون هذه الأعمال تحت منيحة العنز في الأجر، وذلك من أجل أن يعملوا بها ليحصلوا على الأجر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر راوي الحديث أنهم ما استطاعوا أن يبلغوا خمس عشرة خصلة، فمما ذكروه: تشميت العاطس، يعني: أنه من الأعمال السهلة التي تدخل بها الجنة، فإذا عطس الإنسان وقال: الحمد لله، فادع الله له وقل: يرحمك الله، ولاحظ أن الحديث قال فيه صلى الله عليه وسلم: (ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها أو تصديق موعودها) أي: تقول ذلك لترجو الثواب من الله سبحانه وتعالى، ولا تقول ذلك مزاحاً أو استهزاء.

    فالذي يأخذ الثواب هو الذي يرجو هذا الثواب، ويكون مصدقاً بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمر جد وليس مزاحاً، فالذي يمزح في هذه الأشياء يضيع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستخف بها، ويفتح باب لأهل الاستهزاء بأن يستهزءوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    ولعل الذي يفعل ذلك يسن سنة سيئة يتبعه الناس عليها، ويكون (عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعة)، ولا يبعد أن يكفر هذا الإنسان الذي يستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النحو، فدائماً الوسائل الشرعية لابد أن ترجو فيها الثواب، واحذر من إدخال المزاح فيها.

    فلا تسليم في مزاح، ولا تشميت للعاطس في مزاح، بل أولى لك أن تسكت، وذلك خير من أنك تقول كلاماً يؤخذ على أنه استهزاء ويضحك الناس: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من غضب الله ما يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً).

    فهنا يذكر لنا الأشياء التي هي دون منيحة العنز مثل: تشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق.. ونحو ذلك من الأشياء، وفي هذا إشارة إلى أن الأعمال مهما كانت صغيرة في نظر الإنسان فيجب أن يعملها وهو يرجو الثواب من الله، ويكون مصدقاً بموعود الله؛ حتى ينال الأجر على تلك الأعمال.

    شرح حديث: (.. وأبخل الناس من بخل بالسلام)

    من الأحاديث التي جاءت في الباب حديث رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام).

    العجز: هو عدم القدرة على فعل الشيء، فالإنسان العاجز هو الإنسان الضعيف، فأضعف الناس وأعجز الناس عن فعل الخير هو الذي يعجز عن الدعاء؛ لأنه يستكثر أن يرفع يديه ويقول: يا رب.

    (أبخل الناس من بخل بالسلام)، وانظروا المثل الذي ذكره لنا النبي صلى الله عليه وسلم في القصة التي حصلت معه، يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لفلان في حائطي عذقاً، وإنه قد آذاني وشق علي مكان عذقه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعني عذقك الذي في حائط فلان) أي: كان أحد الصحابة له بستان، وكان لصاحبه نخلة داخلة في هذا البستان، وكان صاحب البستان متأذي من هذه النخلة، فأراد من صاحبها إما أن يبيعها له وإما أن يقطعها ويأخذها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة: (بني عذقك الذي في حائط فلان)، فالرجل قال: لا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أخذ من أحد شيئاً فسرعان ما يعطيه أضعافاً على هذا الشيء، فإنه كان يأخذ ويكافئ صلى الله عليه وسلم، فإن لم يعط في الدنيا كان له الأجر والثواب عند الله عز وجل، وهذا هو المقصود الأسمى لكل مؤمن، فأبى الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم: (فبعنيه بعذق في الجنة)، يعني: بعني النخلة هذه بعذق مثله في الجنة، فقال الرجل: لا، والنبي صلى الله عليه وسلم يضمن له ذلك، والرجل يقول: لا، فهذا رجل عجيب جداً وبخيل جداً.

    فلما قال الرجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت الذي هو أبخل منك) يعني: أنت أبخل واحد رأيته، ومع ذلك يوجد من هو أبخل منك: (ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام).

    وفي حديث آخر لـعبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسرق الناس الذي يسرق صلاته، قيل: يا رسول الله وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل الناس من بخل بالسلام).

    فالسرقة حرمها الله سبحانه وتعالى، فكونك تسرق مال الغير هذه مصيبة، ولكن أشد منها أن تسرق من صلاتك؛ لأنه عندما يسرق مال الغير يظن أنه سينتفع بهذا المال الذي يأخذه، وأما الذي يسرق من صلاته فأي نفع له في هذه السرقة، فقد صلى وأتعب نفسه ثم أخذت الصلاة ورُجمت في وجهه ولم تُقبل منه، فهذا أسرق الناس، فهو قد سرق من صلاته من أجل أن يضيعها ولا تقبل منه وضيع وقته هباء، فلا انتفع بوقته ولا صلى صلاةً تنفعه وتقبل منه، فهذا أسرق الناس، والصحابة رضي الله عنهم تعجبوا كيف أن الشخص يسرق الصلاة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها) يعني: يركع ولا يطمئن في الركوع، ويسجد ولا يطمئن في السجود، فهذا الذي سماه ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ينقر صلاته نقراً.

    وإنك لترى الكثير من الناس يفعلون ذلك، فتجده لا يطمئن في صلاته أبداً، ولا يكاد يقرأ الفاتحة حتى يركع ويرفع ثم يسجد بدون أن يطمئن في صلاته، فهل أصبحت الصلاة لعباً: قيام ثم قعود وهكذا!! فهذه صلاة غير مقبولة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بذلك، فالرجل الذي صلى أمامه هذه الصلاة قال له صلى الله عليه وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، وإذا لم تصح الصلاة فهي ليست مقبولة عند الله عز وجل.

    1.   

    فضل التواضع وجزاء الكبر

    من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم المسلم التواضع: حديث رواه أبو داود عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، فالإنسان المؤمن متواضع يرى نفسه أقل من الناس، ولا يرى على الناس حقاً لنفسه، أو أنه يجب أن يقوم الناس له مثلاً عند مروره بهم، وفمن كانت هذه صفته (فليتبوأ مقعده من النار) أي: فليحضر نفسه للنار.

    والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب أن أحداً من أصحابه يقوم له، وإن كان هو قد تأتيه ابنته فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها فيقوم لها ويقبلها صلى الله عليه وسلم، ويجلسها بجواره، فهذه محبة البنوة، فلأنها ابنته صلى الله عليه وسلم يفعل لها ذلك، ويأتي إليها فتقوم إليه وتقبله وتجلسه صلوات الله وسلامه عليه، فإن الأب مع ابنه أو الإنسان المحب مع من يحبه يستثنى من حكم هذا الحديث؛ لأن هذا الحديث إنما هو في الكبر والغرور، وذلك بأن يرى الإنسان نفسه أكبر من الناس، ويريد منهم أن يسكتوا إذا تكلم، وأن يقوموا له إذا دخل عليهم، وانظر إلى تعبير الحديث فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب)، فهو لم يطلب من الناس، ولكن يكفي مجرد إرادة ذلك في نفسه، وأن يحب أن يعملوا له ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (فليتبوأ مقعده من النار).

    فالدين يعلمنا أن نحب الله سبحانه تبارك وتعالى، وأن يكون المؤمن عزيزاً بما أعزه الله عز وجل به، ذليلاً بين يدي الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يحب الفخر على الناس ولا أن يرفع مكانه عليهم، ويعلمنا أن الذي يرفع ويضع هو الله عز وجل، فيرفع من يشاء ويضع من يشاء.

    فإذا تواضع الشخص لله سبحانه علم أنه ليس له حق على أحد، فيعمل العمل لا يعمله إلا لله، ولا ينتظر ثوابه من الناس، فإنه إذا علم الناس مثلاً وانتظر أن يحمدوه على ذلك ويثنوا عليه، فإنه بذلك قد ضيع علمه وعمله، وأخذ من الأجر ما حصله من الناس.

    ولذلك كان أهل العلم وأهل الصلاح لا يحبون أن يمدحهم أحد في ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، لأن المداح يجلس يمدحك أنت كذا وأنت كذا حتى يغرك في نفسك، وتحس بعظمة فيها، فتحب أن كل الناس يفعلوا معك مثل هذا.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المزاحين فاحثوا في وجوههم التراب)، لذلك فالمؤمن لا يغتر بكلام الناس ولا يغر نفسه، ويكون الذي ينصحه أحب إليه من الذي يمدحه، فهو يعمل ويبتغي وجه الله عز وجل بعمله، ويتواضع لله وليس من أجل أن يقول الناس أنه متواضع، ولكن يبتغي الأجر من الله عز وجل على ذلك، فيتعلم أو يعلم لا ليقال عالم أو قارئ، ولكن يعمل ذلك احتساباً للأجر عند الله سبحانه.

    نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الصدق والإخلاص، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755949670