إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - تحريم الظلم والأمر برد المظالم [3]

شرح رياض الصالحين - تحريم الظلم والأمر برد المظالم [3]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرم الله عز وجل الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده، فالظلم ظلمات يوم القيامة، يؤخذ من حسنات الظالم فتعطى للمظلومين، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه فطرح في النار والعياذ بالله، ولذلك كان من صفات المسلم أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، فعلى المسلم أن يتحلل من المظالم في الدنيا كي ينجو في الآخرة.

    1.   

    وجوب التحلل من المظالم في الدنيا

    الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري .

    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) متفق عليه.

    هذه أحاديث أخرى من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله في باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم، وقد ذكرنا آيات من كتاب الله عز وجل في تحريم الظلم، وأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومن الأحاديث هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء) عند الإنسان لأخيه مظلمة، بأن ظلم أخاه يوماً مظلمة واحدة لا بد أن يتحلل منه، قال صلى الله عليه وسلم: (فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).

    يعني: لا بد أن يتدارك نفسه فالدنيا تمر وتزول، ويوم القيامة يوم العدل والحساب، الذي لا يؤدي الحقوق في الدنيا فسيؤديها يوم القيامة، وفي الدنيا سيؤدي المال مالاً ويمكن أن يعفو غريمه ويسامح، أما يوم القيامة فسيؤدي المال من حسناته.

    والمفترض أن الإنسان يحتفظ بحسناته؛ لأنه لا يدري هل حسناته ستكفي بأن يدخل الجنة أو لا تكفي، وربنا أنعم على العبد بنعم لابد أن يشكر الله عز وجل عليها، يا ترى هل الأعمال التي عملها العبد تساوي شكر هذه النعم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، إنما يدخل بفضل الله وبرحمته سبحانه).

    فنعم ربنا تترى على عباده، ومهما عمل الإنسان من عمل فلن يوفي شكر هذه النعم، فهو غير قادر على أن يوفي شكر هذه النعم، وأيضاً قد يظلم الغير ولا يدري أن هذا الغير قد يسامحه، أو أنه يأتي يوم القيامة ويقول: هذا ظلمني أريد حقي من فلان!

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء)، قدم العرض لأنه أكثر مظالم الناس فيه، والعرض شيء معنوي، وهو محل المدح أو القدح، فعرض الإنسان كأن يقول: فلان كذاب، ففي هذه الحال طعن في عرضه.

    وكذلك إذا قال: فلان مفتر.. فلان يأكل الرشوة.. فلان ظالم.. فهو يطعن في عرض هذا الإنسان، ومن ضمن الطعن في العرض أن يقول: فلان زان .. فلان يقذف المحصنات الغافلات.. فلان يفعل كذا.

    من المظلمة في العرض: الغيبة والنميمة، بأن ينقل كلاماً من شخص لشخص، ويفسد فيما بينهما، فهذا من الطعن في عرض إنسان للإفساد بينهما، فهذا من ضمن المظالم التي سيدفع ثمنها يوم القيامة.

    قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة من عرض أو من شيء) فـ(شيء) هنا نكرة في سياق الشرط فتعم، فمعناه: حتى لو كان شيئاً ليس له قيمة فسيحاسب عليه العبد يوم القيامة.

    أحياناً بعض الناس قد يتساهل في أمر المظالم في الأشياء التافهة، فقد يقول لك: أعطني القلم أكتب به، فيكتب ثم يضعه في جيبه، ثم يقول: أنا سأبحث عن صاحبه وأعطيه، وانتهى الأمر ولم يعطه؛ لأنه لا يوجد أحد يتابع بعده.

    فهذه الأشياء التافهة هي من ضمن المظالم، فأنت ما يدريك أن صاحبه موافق على أخذه، ولعلك تأخذ الشيء فيقول صاحبه بعد ذلك: لن أعطي أحداً شيئاً؛ لأنهم يأخذونها ولا يردونها، وتقول للإنسان: أعطني قلمك أكتب، فيقول لك: لا تنسه وتضيعه مثلما عمل الذي قبلك.

    فأنت قد تستهين بالشيء وتمنع خيره غيرك، بغض النظر عن أنك ستؤديه يوم القيامة كما سنرى في بعض الأحاديث، قال لنا صلى الله عليه وسلم: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).

    ورأينا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كيف أنه خطب الناس وقال: (من كنت ظلمته في عرضه أو ماله فليستقد)، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الشيء وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فغيره أولى أن يتحلل من الناس في شيء من عرض أو مال أو في الجسد أو غير ذلك، قبل أن يؤخذ منه حسنات يوم القيامة.

    1.   

    حقيقة المفلس عند الله عز وجل

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، فيأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).

    المفلس في الدنيا قد يكون معذوراً، والمفلس يوم القيامة ليس له عذر، والصحابة لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سؤال استفهام، وإنما سألهم من أجل أن يشوقهم إلى معرفة الجواب: (أتدرون من المفلس؟)، فأجابوا بما يعرفون: المفلس الذي لا دينار له ولا متاع، فهذا وإن كان في الحقيقة هو المفلس في الدنيا، ولكن ليس هذا هو جواب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الذي يريده، لأن الدنيا تزول والآخرة باقية.

    المفلس في الدنيا ربما حصلت له ظروف حتى أفلس كمرض أو مصيبة أو صارت عليه ديون، وربنا أعلم بحال هذا الإنسان أنه كان ينوي سداد الديون ولكن ليس لديه حيلة، فهو معذور عند الله تبارك وتعالى، وقد يوفي الله عنه ما كان عليه في الدنيا.

    لكن هذا الآخر الذي جاء يوم القيامة وهو مصلٍ مزكٍ وصائم قد عمل حسنات كثيرة، لكن لسانه يستطيل في الأعراض، فإذا جاء يوم القيامة وقد اغتر بصلاته وصيامه وأعماله إذا به قد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا.

    فيأتي هؤلاء الذين ظلمهم يوم القيامة كل واحد يريد حقه من هذا الإنسان عند الملك الحق سبحانه وتعالى، وحينئذٍ فلا ينفع الإنسان الاعتذار بأنه كان متهوراً أو نحو ذلك، ففي الدنيا يعرف الإنسان يقول هذا الشيء، ويعرف يغالط الذين حوله.

    الإنسان يقف بين يدي الحكم العدل سبحانه، أو ما قال لنا: وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:210]؟ فهذا هو القضاء المحكم المبرم العدل المطلق عند الله رب العالمين، ولم يبق إلا أن تدلي بحجة صحيحة، أما مسألة أنك سريع الغضب فلا يقبل هذا العذر، يأتي أهل النار يوم القيامة يقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ [المؤمنون:106].

    كتب علينا الشقاء يا ربنا: غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا [المؤمنون:106-107] كان الجواب: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] يعني: اقعدوا مثل الكلاب في النار!

    (اخسأ) كلمة تقال للكلب عندما يزجر، وكأن هؤلاء لما أتوا يعتذرون: يا رب! القضاء والقدر، كان الجواب الذي يستحقونه: كونوا مثل الكلاب في نار جهنم، اخسئوا فيها ولا تكلمون! فلا تنفع عند الله إلا الحجة الصحيحة من إنسان مؤمن، يلقى ربه بقلب سليم.

    فهذا المفلس الذي يأتي يوم القيامة تصحبه حسرة شديدة جداً؛ لأنه جاء بحسنات مثل الجبال وإذا بها تذهب أمام عينه فيقال له: أنت شمت فلاناً! خذ من حسناته، وأنت أخذت من فلان! خذ من حسناته، حتى تنتهي حسناته، ثم يقال لخصمه: هات من سيئاتك واطرحها عليه، وهكذا، حتى إذا ضاعت جبال الحسنات وبقي فوقه من السيئات الكثير ألقي في النار والعياذ بالله!

    لذلك عندما يحس المؤمن أنه سيفلت بلسانه يتذكر وقوفه يوم القيامة، وأنه سيؤخذ من حسناته لمن ظلمه وسبه، فإنه يمسك لسانه حتى لا يأتي مفلساً يوم القيامة لأنه أغضبني في الدنيا أمسك لساني ولا آتي مفلساً يوم القيامة كهؤلاء المفلسين والعياذ بالله!

    1.   

    المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

    ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

    المسلم هو الذي يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقيم الصلاة، ويؤدي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت، فهذه هي أركان الإسلام، وهذه أفعال المسلم الذي يعتبر بها مسلماً، ولكن ما هي صفاته النفيسة وصفاته المعنوية والعملية؟ فأخبر النبي أن من صفاته يسلم المسلمون من لسانه ويده.

    فالمسلم لله عز وجل مسالم للخلق، متواضع لله، ولذلك فالناس في سلامة منه وأمان، لا غدر ولا خيانة، ولا يضرب ولا يشتم، فهذا هو المسلم حقيقة، المسلم من سلم المسلمون من لسان ويده.

    ثم ذكر المهاجر ولم يقصد به من هاجر من مكة إلى المدينة، فقد انتهت الهجرة من مكة إلى المدينة، وإنما المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وكأن المهاجر حقيقة: هو الإنسان الذي لا يعصي الله تبارك وتعالى، فذكر أن المهاجر هو المسافر إلى الله حتى يصل إلى رحمة الله وجنة الله سبحانه.

    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -عند البخاري - رضي الله عنه قال: (كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة ، فلما مات قال: هو في النار).

    الرجل يخدم النبي صلى الله عليه وسلم والجزاء أنه في النار، فما الذي أودى به في النار وقد كان في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم؟

    فقال لنا هنا: (هو في النار)، فذهبوا يفتشون ما الذي وراء كركرة هذا؟ فوجدوا عباءة قد غلها، يعني: سرق من الغنيمة عباءة، ما هي قيمة هذه العباية؟ لا شيء! لكنه دخل النار لأنه سرق من مغانم المسلمين، وهذه من الكبائر، فضيع أخراه بأنه مد يده في شيء محرم.

    وفي حديث آخر ذكر أن هذا الرجل ما مات فقط بل قتل فقالوا: هنيئاً له الشهادة! فهو شهيد في نظرهم حيث جاء له سهم فقتله، فقالوا: هنيئاً له الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتلتهب عليه ناراً).

    1.   

    حرمة حقوق المسلمين

    شدة العقاب على أخذ حقوق الناس

    خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا).

    هذا الكلام لمن يعقل الشهر الحرام والبلد والحرام، في مناسك الحج والإحرام يقول لنا: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)، كحرمة هذا اليوم العظيم يوم الحج الأكبر، في هذا الشهر ذي الحجة، في هذا البلد الحرام، فمن يعقل يعرف أن هذا اليوم يوم عظيم جداً، وحرمة هذا اليوم شديدة يقول لك: حرمة المسلم كحرمة هذا اليوم.

    وطالما أنا أعرف أن للمسلم حرمة إذاً كيف أقع في حرمة المسلم؟ كيف أغتابه؟ كيف أفسد بينه وبين غيره؟ كيف أتحمل مظلمة آتي يوم القيامة يسألني الله عنها، ويفضح الله عز وجل الظالم بسببها؟

    من الأحاديث حديث عدي بن عميرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً).

    المخيط: الفتيلة التي تدخل في الإبرة، يا ترى كم قيمتها؟ الإنسان قد يعمل في مكتبة ثم يأخذ دبوساً من المكتب يدبس به الورق التابعة له، ثم ترمى، فهو مسئول على ذلك عند الله عز وجل.

    النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الذي نستعمله على عمل يأخذ منه إبرة أو مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة، والغلول قد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم أشد من السرقة.

    فقام رجل أسود من الأنصار وقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك، نحن تعودنا على المبالغة في الكلام، فكل إنسان يظن في نفسه أنه أمين، وأنه سيؤدي ما أمر الله عز وجل به، لكن هذا الرجل فهم أنه إذا كانت الإبرة سنعاتب عليها فأنا ممكن أنسى شيئاً أو آخذه دون تعمد، فقال: اقبل عني عملك هذا، لا أريد أن أشتغل لك في شيء، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ومالك ؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا.

    فقال له: هو ما قلت، أي فإن استطعت أن تعمل دون أن تمد يدك ولا على إبرة فاعمل، وهنا لم يستح النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول له ذلك.

    وانظر إلى حديث وفد الأشعريين، فقد كانوا أناساً طيبين جداً! وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمدحهم بأشياء تدل على أنهم أهل تكافل وتعاون فيما بينهم، يأتي اثنان منهم مع أبي موسى الأشعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بهم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهم عنده على الصدقات أو على غيرها، فيقول لهم: (إنا لا نولي هذا العمل من طلبه).

    يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أخونكم عندنا من طلب العمل)، يعني: أنه يختار شخصاً أميناً نقياً على جمع الصدقات من الناس ويوزعها، فهذا أمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي اختاره، أما أن يذهب شخص إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: استعملني، فلا.

    فكان هذا الجواب الشديد: (أخونكم عندنا من طلب العمل)، يعني: أكبر خائن عندي الإنسان الذي يأتي إلي يقول: استعملني على هذه الأشياء، وقال: (إنا لا نولي هذا العمل من طلبه)، صلوات الله وسلامه عليه.

    جرم من أخذ حق الغير كاذباً

    وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع).

    هذا قضاء القاضي في الدنيا، يقول الفقهاء: إن حكم القاضي لا يغير من باطن الأمر شيئاً، حتى لو كان هذا القاضي النبي صلى الله عليه وسلم.

    النبي صلى الله عليه وسلم يحكم بالظاهر، لكن الذي يأتي يشتكي قد يكون كذاباً في الذي يقوله، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)، يعني: يأتي إلي اثنان يختصمان أحدهما يعرف كيف يتكلم والثاني لا يعرف؛ فأقضي أنا حسب ما أسمع وحسب الشهود الذين أمامي، ولكن في باطن الأمر قد يكون الذي قضيت له كذاباً، يا ترى فهل تغيرت القضية؟ الجواب: لا. حتى لو قال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذ هذا المال، فليس من حقه أن يأخذ هذا المال وليس ملكه.

    فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار).

    يعني: الذي أعطيه مال أخيه وهو عارف أنه سيأخذ المال ظلماً، فهذا يأخذ قطعة من النار والعياذ بالله!

    تعظيم الدم الحرام

    ومن الأحاديث حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).

    إصابة الدم الحرام إما بالقتل وإما بالجراحات، بأن يقتل شخصاً ظلماً وعدواناً أو يعتدي على إنسان فيجرحه ظلماً وعدواناً.

    فهنا الإنسان لا يزال في فسحة، يعني: أمامه توبة، والله سبحانه وتعالى يغفر له، إذاً: حتى يقع في هذه المصيبة وهو ما زال في فسحة من دينه.

    توجد رواية أخرى للحديث فيها: (فإذا أصاب دماً حراماً بلح)، يعني: انقطع وأعيا، فيبحث عمن يرفعه بعد ذلك، فهو يقول: اخش على نفسك من أن تظلم أحداً من الناس في عرضه أو ماله أو بدنه.

    1.   

    استحباب ترك الانتصار للنفس

    ترفع بنفسك أن تقعد في مكان فيه الشيطان، قم واترك خصمك إن كنت تخشى الله ولا ترد على هذا الإنسان، جاء عن أبي هريرة في حديث حسن رواه أبو داود والإمام أحمد في مسنده:

    أن رجلاً شتم أبا بكر وهو قاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبدأ يشتم في أبي بكر رضي الله عنه أمام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستحي، وفي الحديث: (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)، فالنبي صلى الله عليه وسلم له مهابة عظيمة فكون شخص يقعد أمامه ويشتم الصديق رضي الله عنه هذا معناه أنه إنسان سفيه.

    ولكن حصل أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم كيف أن هذا يشتم أبا بكر وأبو بكر ساكت؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يعجب لهذا الإنسان الذي لا يستحي، فلما أكثر كأن أبا بكر فهم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممكن أن يرد عليه وينتصر لنفسه.

    فلما رد أبو بكر غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام وترك الجلسة، فقام أبو بكر ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله قمت؟!

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه كان معك ملك يرد عنك)، يعني: أن أبا بكر قاعد ونزل الملك من السماء يرد على الذي يشتم.

    الصفة التي قالها هذا الشخص لـأبي بكر لا ترجع فيه، لكن الصفة التي قالها الملك في الإنسان الآخر يأتي بها يوم القيامة؛ لأنه ظالم.

    فقد كانت جلسة فيها أبو بكر رضي الله عنه وفيها الملك وفيها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بدأ أبو بكر يرد عليه هنا صعد الملك وجاء الشيطان ليحضر من أجل أن يزيد الخصومة؛ فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس في جلسة فيها الشيطان.

    قال: فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ! ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره)، يعني: عكس ما يتوقع في العادة، فاله سبحانه سينصرك ويعزك بشرط أن تكون قد تركت ذلك لله سبحانه وتعالى، وابتغاءَ مرضاة الله، فسكت عن هذا الإنسان، فقال لنا صلى الله عليه وسلم: (ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره).

    يعني: نصره نصراً عزيزاً، لذلك يخبرنا المصطفى أن نصبر ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى.

    ثم يقول: (وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة)، فهذا حق جعله الله عز وجل لهذا الإنسان، أنه يحقق له الوعد الذي في هذه الأحاديث، الأول الشخص المظلوم الذي يغضي عن الظالم ابتغاء وجه الله، فينصره الله نصراً عزيزاً يوماً من الأيام، ورجل فتح باب عطية ليعطي الفقير أو المسكين الذي له قرابة، يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة.

    يعني: ربنا وعد أنه سيزيد مال هذا الإنسان ويبارك له فيه.

    الثالث: قال صلى الله عليه وسلم: (وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة)، هو لا يطلب لأنه محتاج، ولكنه يستكثر لأنه يرى أنه يحصل على مال كثير بمد يده للناس، فهو أفضل من أن يشتغل موظفاً أو عاملاً.

    فهو هنا يريد أن يكثر ماله بذلك، فلا يريد الطعام والشراب، وإنما يريد الاعتماد على سؤال الناس للاستكثار، فهذا سيكون حظه: إلا زاده الله بها قلة، يفقره ويجعل فقره بين عينيه، سيظل فقيراً حتى ولو كان معه مال، وسيظل لباسه مرقعاً مثلما هو كأن الله جعل الفقر في قلبه.

    فالمقصود من الحديث: أن الإنسان إذا ظلم فأمسك نفسه فلينتظر النصر من الله سبحانه، والنصر يأتي لأصحاب العزيمة العظيمة القوية الذين لهم الثواب الكبير عند الله تبارك وتعالى، ولذلك فالمسلم دائماً يطلب الأشياء العالية، فإذا أراد الفردوس الأعلى من الجنة فلا بد من الصبر والتحمل للخلق وطلب مرضاة الخالق تبارك وتعالى، ليصل العبد إلى رحمة الله ورضوانه.

    نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته ورحمته.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755895660