إسلام ويب

أمتي لا تنحرف [1]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الشرع الحنيف بالحث على الاستكثار من الذرية، والحث على تربيتها التربية الصالحة، فرغب في الزواج بالودود الولود؛ لما في ذلك من تحقيق هذا المطلب العظيم، وقد أدرك أعداء الإسلام أن كثرة المسلمين فيها عز للإسلام وأهله، فسعوا بكل الوسائل إلى تقليل نسل المسلمين؛ لإضعافهم والسيطرة عليهم بسهولة، في الوقت الذي يدعون فيه أبناء جنسهم إلى الإكثار من الإنجاب. ومن المؤسف اغترار كثير من المسلمين بهذه الدعاوى المضللة، فيجب الحذر من هذه الدعاوى والتحذير منها.

    1.   

    دعوى تحديد النسل والترويج لها في بلاد المسلمين

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    عند افتتاح الكلام -كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- بعبارة: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه الكلمة نقولها أحياناً ونحن نفقد معناها! فينبغي عند دراسة أي قضية أو أي موضوع أن نستحضر هذه العبارة العظيمة: (خير الهُدى) أو (خير الهَدي) هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك ينبغي لنا عند دراسة أي موضوع، وحتى نحسن الرجوع إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتخلص ابتداءً من كل ما وصل إلى قلوبنا وأسماعنا وأبصارنا من آثار دعاية الذين لا يبالون بحكم الشرع، ولا يرفعون به رأساً، اللهم إلا إذا وافق أهوائهم!

    كذلك حتى يكون البحث منصفاً وعلمياً يجب أن نتحرر من الضغوط الواقعة التي نعيشها، والتي تلحّ على عقولنا كي تنحصر في مجرىً معين أُريدَ لها أن تنحصر فيه، فينبغي أن نفكر بحرية مطلقة عن قيود هذه الأزمات الطاحنة التي نعيشها جميعاً، ونبحث -أولاً- عن حكم الشرع، ثم بعد ذلك ننظر في الاستثناءات أو ما يتغير حسب الأحوال، مثل: تنظيم الأسرة، أو تنظيم النسل، أو ضبط النسل، أو تحديد النسل، وكلها ألفاض شبه مترادفة مؤداها كله: (تقليل النسل) كما يقصد الذين يكتبون فيها، والذين يقومون بالعمل في تنفيذها والدعاية إليها وترويجها يرددون أن النسل يتزايد ويتكاثر، وقد ضاقت الموارد الطبيعية! وأصبح ما تنتجه تلك الموارد لا يتكافأ مع الزيادة المستمرة في السكان بنسبة عالية!

    فالحل هو وقف ذلك النمو المتزايد في نظر القوم، وذلك بجعل النسل يكون على قدر ما يجيء من الموارد الطبيعية، ذلك قولهم بأفواههم، وتلك مقالاتهم بأقلامهم، وتشارك في هذه الحملة للترويج لهذه الدعوى الكنسية جمعيات أُنشئت أصلاً لأغراض خيرية وبعض الرعايات الاجتماعية، وأصبحت تعطي حبوب منع الحمل.

    ووسائل تقليل النسل تلاقي اهتماماً ودعاية صحفية على كل الأصعدة، سواء على منبر الإذاعة، أو التلفاز، أو الصحف؛ لتحديد النسل بدعوى قلة الموارد وتزايد السكان، باسم جواز ذلك شرعاً، ولو أنهم تكلموا في هذه القضية بغير اسم الشرع لكان الأمر أهون، أما أن يتحكموا في الشرع بدل أن يتحاكموا إليه فهذا ما لا ينبغي.

    في إطار الكتاب والسنة نبحث هذه القضية، ونبحث عن حكم الشرع فيها، ونتأمل سوياً هذه الحقيقة وهذا المعنى القرآني الذي جعله الله عز وجل أحد مقاصد هذه البعثة المحمدية بقوله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55].

    فهذا سبيل المجرمين الذين يريدون بنا الشرّ، ويريدون أن يحطموا مقومات القوة في الأمة الإسلامية، فهل لهذا الموضوع صلة بقضية كشف سبيل المجرمين؟ نحن لا نستطيع أن ننكر أن هذا العصر هو عصر الدعاية وعصر الإعلام، حيث أن حفنة قليلة من الإعلاميين تتلون عقائدهم وأفكارهم بألوان شتى، لكنهم من خلال هذه المواقع الحساسة يستطيعون أن يصبغوا الأمور بالصبغة التي يريدون، وأن يلبسوا الحق بالباطل، ولهم في ذلك أساليب كثيرة لا نستطيع أن نتوسع الآن في ذكرها، لكن نشير إشارة عابرة إلى أنهم يركزون دائماً حول أن الحل الوحيد لقلة الموارد هو (تحديد النسل)، وهذا ليس هو الحل الوحيد، بل هناك حلول كثيرة واقعية، وهناك ثروات كامنة وعظيمة جداً سواءً في بلادنا أو غيرها من بلاد المسلمين، ثم هم يتحكمون بطريقة التأثير على الناس عن طريق الأفلام أو التمثيليات أو القصص، وهذا يرجع للخلفية الفكرية للشخص الذي يكتب هذه القصة، ويقوم على أمرها؛ لأنه يريد أن يخدم هدفاً معيناً، فهو يؤلف ويخترع، ويكذب ويختلق قصة معينة، مؤداها أن يصل لنتيجة، وهي أن يبغّض الناس في الأولاد، وأن يفسد فيهم هذه الفطرة التي فطرهم الله عليها من حب الذرية، وحب الأبناء، وحب الكثرة العددية للذرية.

    فهذا شيء سهل وسنفصل في كثير من القضايا، سواءً كانت قضية تعدد الزوجات، أو قضية تحديد النسل، أو التشنيع على أحكام الإسلام في الطلاق، فهو يؤلف قصة معينة، ويستطيع أن يكذب كيفما يشاء؛ لأنه ليس عنده خوف من الله، فمثلاً يؤلف قصة رجل كأنه صاحب لحية، ويصلي في المساجد -بحيث يربطه بالدين بصورة أو بأخرى- ثم يبين أن هذا الرجل فظ غليظ! وربما يظهر أن هذا رجل في الحقيقة هو رجل فاجر! ليس كما يظهر، وهو يعامل نساءه وبناته بغلظة، وجفاء وجهل، إلى آخر هذه الأشياء المكذوبة!!

    فهو الذي يرسم هذه الصورة من مخيلته، لكن المشاهد أو المستمع أو القارئ غالباً -حيث يكون مستسلم للجهاز أو لهذه المشاهد- لا يفكر في المقاومة، ويأخذ الأمر بدون مبالاة، وكأنه نوع من التسلية، وما أُخذ بدون مبالاة يكون تأثيره أشد مما يؤخذ بمبالاة! ومع التراكم تستقر العقيدة الجديدة في قلوب الناس.

    وفي بعض الحالات، لما كان إنسان يرى امرأة -مثلاً- تسأل عن نتيجة التحليل الذي قامت بإجراءه؛ من أجل أن تعرف هل هي حامل أم لا؟ تجد هذه المرأة إذا علمت أنها حملت فكأن مصيبة كبرى وقعت بها؛ نتيجة لما حصل من الفساد في الفطرة والانحراف فيها تجاه هذه المسلمة الفطرية.

    مما يعتمدون عليه أيضاً: التهويش، بأن سنة كذا سيحصل كذا، وبعد ثلاثين سنة لم يبق كذا، وهذا كله تهويش.

    وجاءتهم هذه الساعة التي أهدتها إليهم الجهات الاستعمارية حتى ترن فوق رءوسهم، وتنبههم أن كل دقيقة أو كل ساعة تبين كم مولود ولد في مصر! حتى تخفف هذه الرهبة من قوة المسلمين العددية، فمسألة التهويش بالإحصائيات والتوقعات الكاذبة، وماذا يقوله الباحثون المغرضون منهم، كل هذه من الأساليب الخبيثة التي كثيراً ما خيبتها وقائع التاريخ في أمثلة كثيرة.

    قبل أن نستمر في الموضوع نسأل: من هو المنظم الحقيقي للنسل البشري؟!

    الجواب: أن أمر النسل البشري متعلق بفعل من أفعال الربوبية، فالله تبارك وتعالى هو المنظم الحقيقي لأمور هذا الكون، وهو المدبر ولا مدبر غيره تبارك وتعالى، فكما أنه هو الذي خلق فهو الذي يرزق، سواء الأكل والطعام والشراب، أو رزق الذرية وما إلى ذلك.

    والله سبحانه وتعالى أوحى إلى عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، والذي أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ [الحجر:19] ويقول الله تبارك وتعالى في سورة الشورى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49]* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50]. ولو فرضنا أن هذا الأمر وَكِل إلى الناس لصار الفساد العريض في هذه الأرض إذاً فالأمر لا يأتي بطريقة عشوائية، بل وراءه إرادة مدبرة، وقوة قاهرة، هي قوة الله تبارك وتعالى، فمن ذا الذي يستطيع أن ينظم هذا النسل في كل بقاع الأرض بتلك الطريقة المحكمة التي يقضي بها الله تبارك وتعالى؟!

    وقد زين لبعض الناس سوء عمله، فاقترح في يوم من الأيام أنه يجب معاقبة من يزيد على ثلاثة أولاد بحرمان الرابع ومن بعده من الرعاية الصحية والاجتماعية! وحرمانه من التعليم! إلى غير ذلك من هذا الهراش، فنقول لهم: هوّنوا على أنفسكم، فلستم أنتم الذين تقومون بأمر هذا العالم، فإن الذي خلق هو الذي رزق، وكما نؤمن أنه لا خالق إلا الله، فنؤمن أيضاً أنه لا رازق إلا الله تبارك وتعالى.

    وهؤلاء الذين يتحمسون لقضية تحديد النسل، يغفلون أو يخبئون على الناس حقائق كثيرة، مثل: أنه بجانب معدل المواليد هناك معدل وفيات، فالناس لا يؤبدون على هذه الأرض، وإنما هناك في المقابل نقص من الجهة الأخرى يتم بطريقة لا ينظمها إلا الله تبارك وتعالى، وهي وجود معدل وفيات مقابل معدل المواليد، فالأرحام تدفع من جهة، والأرض تبلع من جهة أخرى، ففي الأمر صادر ووارد، وليس كما يصورون للناس.

    أيضاً من الحقائق العلمية: أن أمر النسل والإنجاب مهما ترك طليقاً على وجه الأرض، ومهما تهيأت له الحوافز والمرغبات في تكثيره، فإنه يظل واقفاً دون مرحلة الخطر الذي يهوشون به، فالذين ينجبون من مجموع أي جيل، وتنمو ذريتهم، لا يزيدون في أحسن الأحوال الطبيعية على نصف هذا الجيل، فلو اعتبرنا الجيل خمسة وعشرين سنة، فلو دخلنا شريحة من خمسة وعشرين سنة جيل من الأجيال، نجد أن هذا الجيل ليس كله يتناسل أو يتوالد؛ لأن هناك عوامل مختلفة ترجع في جملتها إلى تقدير العزيز الحكيم الذي ينسق أمر هذه الخليقة، ويخضع لسننه دفعات الواصلين والواردين فوق هذا الكوكب الأرضي، لحساب متناسق دقيق لا يعلم سره العظيم إلا هو.

    لو أن الإنسان أمعن النظر في سير الأجيال المتعاقبة، يجد أن كل جيل إنما يتكون من ذرية جزء ضئيل من الجيل الذي قبله؛ لأن جزءاً من الجيل الحالي يقدر -حسب ما قاله العلماء- بين الُخمسين والثلثين يهلك قبل الزواج، والباقون -وهم الذين قدّر لهم البقاء- ومقدارهم بين ثلاثة أخماس وثُلث يتزوجون، ثم من هؤلاء الذين يتزوجون سُبع أو ثُلث يهلك دون أن ينجب أولاداً، فالذين ينجبون لا يزيد مقدارهم في أحسن الأحوال على النصف من هذا الجيل، ثم هذه الذرية تنبئ إلى الدنيا بقدرات متفاوتة، وملكات مختلفة، وأعمار محجوبة في علم الله عز وجل.

    وإذا نظرنا إلى هذا الأمر نظرة سطحية نجد أنه ربما يخضع لعوامل عشوائية لا تستهدف غاية، ولا تستند إلى حساب، لكن الأمر في حقيقته يدل على أن هذا مظهر دقيق من مظاهر التلفيق الظلي، الذي أقامه الله تبارك وتعالى بين دفعات الوافدين والراحلين عن هذه الأرض، بل ومظهر دقيق لتوزيع الخبرات والملكات في المجتمعات الإنسانية.

    ووقائع التاريخ والأمم تبين أن هناك نتيجة معاكسة لما يهوش به دائماً دعاة تحريف النهج.

    فمن ذلك مثلاً: اليابان التي لا تصل مساحتها ربع مساحة باكستان، ومع ذلك فإن 83% من مجموع مساحة اليابان لا يمكن استغلالها؛ لأن فيها سلاسل جبال النار، والمساحة الصالحة للاستغلال 8% فقط من مجموع مساحة باكستان!!

    ومع ذلك حافظت اليابان على عدد سكانها الذين يزيدون على عدد سكان باكستان زيادة كبيرة! وارتفعت بنهضتها الاقتصادية إلى حيث تمكنت من منافسة الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى في عقر دارها! ولم يعقها عن ذلك تكاثف سكانها وضيق رقعتها، بل عكس ذلك هو الصحيح، فمن المعلوم أن طوكيو من أشد مدن العالم ازدحاماً.

    ونفس الشيء حصل بالنسبة لألمانيا وإنجلترا أيضاً، حتى أنه في يوم من الأيام لما ازداد عدد سكان انجلترا في أواخر القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر، انشغل المفكرون، وخافوا خوفاً شديداً، فقالوا: أيّ أرض يمكن أن تتسع لهذا العدد الضخم من السكان؟! فلم تلبث الدنيا إلا يسيراً حتى رأت بأم عينها أن السرعة التي ازدادت بها وسائل إنجلترا للرزق والعيش والإزدهار أكبر بعدّة أمثال من السرعة التي زاد بها عدد السكان! وتفسحت سبل العيش كثيراً جداً أمام الشعب البريطاني.

    وهذا رجل يدعى: (وليم كركس ) رئيس الجمعية البريطانية، أنذر الناس بالويل والثبور سنة (1898م) حيث قال متحدياً: إن إنجلترا وسائر البلاد المتحضرة في الدنيا تواجه خطر الجدب وقلة القمح، وأن وسائل الدنيا لن تسير مع حاجاتها أكثر من ثلاثين سنة!

    غير أن الذين رزقوا البقاء إلى مدة ثلاثين سنة بعد ذلك رأوا أن الدنيا ما نزلت بها نازلة كالتي كان قد أنذر بها رئيس الجمعية البريطانية، رغم التزايد الشديد للسكان، بل زادت محاصيل القمح خلال هذه السنين زيادة هددت السوق بالكساد حتى إن الأرجنتين وأمريكا أحرقتا لأجل ذلك كميات وافرة من قمحهما.

    سويسرا تعتبر بلدة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، فالمفروض أنها بمقاييس هؤلاء لا تستوعب عدداً كبيراً من السكان، فليس فيها فحم ولا مناجم حديد، ولا أي معادن، وهي ليست على البحر، وقسم كبير جداً من أراضيها جبلي، ولا جدوى منه في الإنتاج، ومع ذلك بلغت كثافة سكانها (136) نسمة في الكيلو المتر المربع.

    وبالنسبة لمصر، فإن معدل التوزيع السكاني على مساحة مصر: لكل كيلو متر مربع شخص من الشعب المصري، أي: كل فرد له كيلو متر مربع!!

    ولو أجرينا هذا التوزيع السكاني على جميع أنحاء البلاد الإسلامية، فستتغير المقاييس بصورة أقوى، من حيث وجود المصادر الوفيرة لهذا الرزق.

    1.   

    المنظم الحقيقي للنسل البشري

    وقبل أن نستمر في الموضوع نسأل: من هو المنظم الحقيقي للنسل البشري؟! الجواب: أمر النسل البشري متعلق بفعل من أفعال الربوبية، فالله تبارك وتعالى هو المنظم الحقيقي لأمور هذا الكون، وهو المدبر ولا مدبر غيره تبارك وتعالى، فكما أنه هو الذي خلق فهو الذي يرزق، سواء الأكل والطعام والشراب، أو رزق الذرية وما إلى ذلك. والله سبحانه وتعالى أوحى إلى عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ [الحجر:19] وقوله تبارك وتعالى في سورة الشورى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:5049-]. ولو فرضنا أن هذا الأمر وُكِل إلى الناس لصار الفساد العريض في هذه الأرض. إذاً: فالأمر لا يأتي بطريقة عشوائية، بل وراءه إرادة مدبرة، وقوة قاهرة، هي قوة الله تبارك وتعالى، فمن ذا الذي يستطيع أن ينظم هذا النسل في كل بقاع الأرض بتلك الطريقة المحكمة التي يقضي بها الله تبارك وتعالى؟! وقد زين لبعض الناس سوء عمله، فاقترح في يوم من الأيام أنه يجب معاقبة من يزيد على ثلاثة أولاد بحرمان الرابع ومن بعده من الرعاية الصحية والاجتماعية! وحرمانه من التعليم! إلى غير ذلك من هذا التهويل. فنقول لهم: هوّنوا على أنفسكم، فلستم أنتم الذين تقومون بأمر هذا العالم، فإن الذي خلق هو الذي رزق، وكما نؤمن أنه لا خالق إلا الله، فنؤمن أيضاً أنه لا رازق إلا الله تبارك وتعالى.

    1.   

    حقائق يغفلها من يدعو إلى تحديد النسل

    وهؤلاء الذين يتحمسون لقضية تحديد النسل يغفلون أو يخبئون على الناس حقائق كثيرة، مثل: أنه بجانب معدل المواليد هناك معدل وفيات، فالناس لا يؤبدون على هذه الأرض، وإنما هناك في المقابل نقص من الجهة الأخرى يتم بطريقة لا ينظمها إلا الله تبارك وتعالى، وهي وجود معدل وفيات مقابل معدل المواليد، فالأرحام تدفع من جهة، والأرض تبلع من جهة أخرى، ففي الأمر صادر ووارد، وليس كما يصورون للناس. أيضاً من الحقائق العلمية: أن أمر النسل والإنجاب مهما ترك طليقاً على وجه الأرض، ومهما تهيأت له الحوافز والمرغبات في تكثيره، فإنه يظل واقفاً دون مرحلة الخطر الذي يهولون به، فالذين ينجبون من مجموع أي جيل، وتنمو ذريتهم، لا يزيدون في أحسن الأحوال الطبيعية على نصف هذا الجيل، فلو اعتبرنا الجيل خمسة وعشرين سنة، فلو افترضنا أن في خلال خمسة وعشرين سنة تكون جيل من الأجيال، فسنجد أن هذا الجيل ليس كله يتناسل أو يتوالد؛ لأن هناك عوامل مختلفة ترجع في جملتها إلى تقدير العزيز الحكيم الذي ينسق أمر هذه الخليقة، ويخضع لسننه دفعات الواصلين والواردين فوق هذا الكوكب الأرضي، لحساب متناسق دقيق لا يعلم سره العظيم إلا هو. ولو أن الإنسان أمعن النظر في سير الأجيال المتعاقبة، فسيجد أن كل جيل إنما يتكون من ذرية جزء ضئيل من الجيل الذي قبله؛ لأن جزءاً من الجيل الحالي يقدر -حسب ما قاله العلماء- بين الُخمسين والثلثين يهلك قبل الزواج، والباقون -وهم الذين قدّر لهم البقاء- ومقدارهم بين ثلاثة أخماس وثُلث يتزوجون، ثم من هؤلاء الذين يتزوجون سُبع أو ثُلث يهلك دون أن ينجب أولاداً، فالذين ينجبون لا يزيد مقدارهم في أحسن الأحوال على النصف من هذا الجيل، ثم هذه الذرية تخرج إلى الدنيا بقدرات متفاوتة، وملكات مختلفة، وأعمار محجوبة في علم الله عز وجل. وإذا نظرنا إلى هذا الأمر نظرة سطحية فسنجد أنه ربما يخضع لعوامل عشوائية لا تستهدف غاية، ولا تستند إلى حساب، لكن الأمر في حقيقته يدل على أن هذا مظهر دقيق من مظاهر التنسيق الظلي الذي أقامه الله تبارك وتعالى بين دفعات الوافدين والراحلين عن هذه الأرض، بل ومظهر دقيق لتوزيع الخبرات والملكات في المجتمعات الإنسانية. ووقائع التاريخ والأمم تبين أن هناك نتيجة معاكسة لما يهول به دائماً دعاة تحريف النهج. فمن ذلك مثلاً: اليابان التي لا تصل مساحتها ربع مساحة باكستان، ومع ذلك فإن 83% من مجموع مساحة اليابان لا يمكن استغلالها؛ لأن فيها سلاسل جبال النار، والمساحة الصالحة للاستغلال 8% فقط من مجموع مساحة اليابان!! ومع ذلك فقد حافظت اليابان على عدد سكانها الذين يزيدون على عدد سكان باكستان زيادة كبيرة! وارتفعت بنهضتها الاقتصادية إلى حيث تمكنت من منافسة الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى في عقر دارها! ولم يعقها عن ذلك تكاثف سكانها، وضيق رقعتها، بل عكس ذلك هو الصحيح، فمن المعلوم أن طوكيو من أشد مدن العالم ازدحاماً. ونفس الشيء حصل بالنسبة لألمانيا وإنجلترا أيضاً، حتى إنه في يوم من الأيام لما ازداد عدد سكان إنجلترا في أواخر القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر انشغل المفكرون، وخافوا خوفاً شديداً، فقالوا: أيّ أرض يمكن أن تتسع لهذا العدد الضخم من السكان؟! فلم تلبث الدنيا إلا يسيراً حتى رأت بأم عينها أن السرعة التي ازدادت بها وسائل إنجلترا للرزق والعيش والإزدهار أكبر بعدّة أمثال من السرعة التي زاد بها عدد السكان! وتفسحت سبل العيش بصورة كبيرة جداً أمام الشعب البريطاني. وهذا رجل يدعى: (استير وليم كركس ) رئيس الجمعية البريطانية، أنذر الناس بالويل والثبور سنة (1898م) حيث قال متحدياً: إن إنجلترا وسائر البلاد المتحضرة في الدنيا تواجه خطر الجدب وقلة القمح، وإن وسائل البقاء لن تسير مع حاجاتها أكثر من ثلاثين سنة! غير أن الذين رزقوا البقاء إلى مدة ثلاثين سنة بعد ذلك رأوا أن الدنيا ما نزلت بها نازلة كالتي كان قد أنذر بها رئيس الجمعية البريطانية، رغم التزايد الشديد للسكان، بل زادت محاصيل القمح خلال هذه السنين زيادة هددت السوق بالكساد حتى إن الأرجنتين وأمريكا أحرقتا لأجل ذلك كميات وافرة من قمحهما. وتعتبر سويسرا بلدة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، فالمفروض أنها بمقاييس هؤلاء لا تستوعب عدداً كبيراً من السكان، فليس فيها فحم ولا مناجم حديد، ولا أي معادن، وليست على البحر، وقسم كبير جداً من أراضيها جبلي، ولا جدوى منه في الإنتاج، ومع ذلك بلغت كثافة سكانها (136) نسمة في الكيلو المتر المربع. وبالنسبة لمصر، فإن معدل التوزيع السكاني على مساحة مصر: لكل كيلو متر مربع شخص واحد من الشعب المصري، أي: كل فرد له كيلو متر مربع!! ولو أجرينا هذا التوزيع السكاني على جميع أنحاء البلاد الإسلامية، فستتغير المقاييس بصورة أقوى؛ بسبب وجود المصادر الوفيرة لهذا الرزق.

    1.   

    تحديد النسل بين مقاصد الشريعة وآراء العقلانيين

    وهنا أمر مهم جداً نحتاج إليه ونحن ندرس هذه المسألة، وهو أننا كثيراً ما نردد عبارة: المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، فإذا تأملنا جميع ما احتوته الشريعة الإسلامية من أحكام، وافترضنا أن هذه الشريعة عبارة عن نهر عظيم، يصب في هذا النهر عدة منابع، وهذه المنابع تتصرف إلى ست منابع، فهذه المنابع الستة بعد ذلك تتفرع فروعاً أصغر تماماً كما يحصل بالنسبة لشجرة الجزر، وينقسم إلى فروع وأوصال، فهذه الفروع أو المصالح الخمسة الضرورية لبقاء أي أمة أو الأمة الإسلامية بالذات، هي حفظ ستة أشياء أساسية ضرورية: حفظ الدين، والنسل، والنفس، والعرض، والمال، والعقل.

    فإذا تأملت أي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية ستجد أنه لن يخرج عن حفظ أحد هذه المقاصد الستة، ولو تأملنا كل أحكام الشريعة لوجدنا أنها هي تصب في حفظ الدين، فمثلاً: قتل المرتد.. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الجهاد في سبيل الله.. التحريض على الدعوة إلى الله عز وجل، كل هذه الأحكام تصب في المحافظة على دين المسلمين، وكذلك النسل، فإن كثيراً من الأحكام إنما شرعت لأجل حفظ النسل والعرض.

    وأحياناً نجد بعض الأحكام قد تبدو لأول وهلة في نظر الناس أنها أشياء بسيطة، لكنا نجد باجتماعها إلى أسباب أخرى أنها تؤدي في النهاية إلى حفظ عرض المسلمين، فمثلاً: مسألة تحريم كل ما يؤدي إلى الفاحشة، كتحريم الخلوة، وتحريم الاختلاط، وتحريم سفر المرأة بدون محرم، وتحريم كذا وكذا...، تجد أن هذه الأحكام كلها تصب في قضية مهمة، وهي المحافظة على العرض.

    وكذلك المحافظة على العقل، مثل: تحريم المسكرات وكل ما يذهب عقل الإنسان، فهذا كله يصب في هذا الجانب.

    كذلك الحفاظ على المال، ومما يلحق بذلك ما نحن بصدده الآن من هذه المقاصد الستة، وهو المحافظة على النسل، فإنه من المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية.

    وفي بعض الدول إذا حاولت بعض الحركات أو الأحزاب عمل انقلابات على الحكومة، أو الطعن في نظمها، فإنه يحاكم الشخص؛ لأنه يتآمر من أجل تغيير النواة الأساسية للمجتمع، أو الأهداف الأساسية للأمة، وهي جريمة كبرى عندهم، وكذلك فهذا بالنسبة للمسلمين الذين دينهم هو جنسيتهم وعقيدتهم ووطنيتهم، فإن الحفاظ على هذه الأشياء الستة عندهم أمر مقدس، لا يسمح أبداً أن تسير أي دعوة في اتجاه مضاد لها، لضرورة المحافظة على هذه الأصول أو هذه المصالح الست، فلا يمكن أن يسمح أبداً بأي دعوة أو نظام داخل الدولة الإسلامية من شأنه أن يزين ما قبحه الشرع، أو يقبح وينفر مما حرض عليه الشرع، ففي قضية الحفاظ على النسل نجد أن كل أحكام الشريعة وكل نصوص الشرع تحرض على زيادة النسل، وترغب فيه بشتى الوسائل، وتتنوع أساليبها في ذلك تنوعاً كبيراً.

    وحينما نتكلم عن النسل فلن نقتصر فقط على الكثرة العددية والتوالد، لكن كلمة (النسل) أو (المحافظة على النسل) في الإسلام لها معاني أبعد من ذلك، فإنها لا تقتصر فقط على الزيادة العددية، وإنما تشمل أيضاً الحفاظ على علاقات الترابط، وصلات القربى والأرحام، كالأبوّة، والبنوّة، والأخوّة، والأمومة، والخئولة، والعمومة، فهذه الروابط توجد نوع من المصالح والتعاطف والتراحم بين هذه المجموعات التي تنتهي بعائلة صغيرة، ثم العائلة الكبيرة، ثم القبيلة، ثم الشعب، ثم الأمة.

    أيضاً: مما شرع من أجل خدمة هذه الأهداف -كما سنبين إن شاء الله-: الترغيب في الزواج، والترغيب في الإكثار من النسل، وقد شرع الله عز وجل عقوبة الزاني وعقوبة القاذف أيضاً من أجل المحافظة على النسل، وتنوعت أساليب القرآن الكريم من أجل الترغيب في زيادة النسل، وكما ذكرنا أن (المحافظة على النسل) أحد المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية، والتي لا تقبل بأي حال من الأحوال أن يقدح فيها أحد، أو يعارضها، أو ينفر منها، أو يسير في اتجاه يضادها، فإذا أردنا أن نحتكم مع المخالف فسنقول: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أليست هذه مسألة يختلف فيها كثير من الناس؟ إذاً فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].

    1.   

    أساليب القرآن في الترغيب في كثرة النسل

    نقول لكل مسلم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، ونحن نعلم بأن المنافقين سوف يصدون عن هذه الدعوة صدوداً، فمن أساليب القرآن الذي أنزله الله عز وجل في الترغيب في كثرة النسل:

    بيان القرآن أن كثرة النسل سبب البقاء وقلة النسل سبب الفناء

    حيث بيّن القرآن أن كثرة النسل سبيل للبقاء، وأن تقليل النسل سبب للفناء، وأن الأول نعمة، والثاني نقمة ومحنة، يقول تبارك وتعالى في سياق الامتنان على بني إسرائيل: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [البقرة:49]. ثم فصّل وبيّن ما هو سوء العذاب: يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة:49].

    فقوله تعالى: (( يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ )) يقول رشيد رضا رحمه الله: اصطف المصريون -يعني: الفراعنة- أثر الاستغلال في الإسرائيليين، فعملوا على انقراضهم بقتل ذكرانهم واستحياء نسائهم، فأمر فرعون القوابل بأن يقتلن كل ذكر لبني إسرائيل عند ولادته؛ لأن من سنة الله في الخلق أن قوام الشعوب والقبائل وحفظ الأجناس إنما يكون بالذكور، فلم تأت هذه بنتيجة، فحينئذٍ أمر بأن يذبح الأبناء الذكور؛ حتى ينقرضوا ويفنوا، ويستحيا النساء؛ حتى يتخذ منهن إماءً يذلهن بالاسترقاق، ويتخذ منهن خادمات.

    ثم قال تبارك وتعالى: ((وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ )). لها تفسيران:

    التفسير الأول: قد تكون الإشارة إلى (البلاء) بمعنى: الإنجاء، أي: من البلاء الحسن الذي أعطاه الله إياك، فأبلى الله لكم هذا البلاء الحسن، ونجاكم من آل فرعون ومن هذا العذاب، فالمقصود بكلمة: (بلاء) على هذا التفسير: أي: أنه اختبار بالنعمة التي تستوجب الشكر.

    التفسير الثاني: ((وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ )). أي: في ذلكم التذبيح للذكور والإبقاء على النساء بلاء: أي: محنة واختبار لكم من ربكم عظيم.

    يقول تبارك وتعالى: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف:127]. (( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ )).

    هذا كلام فرعون؛ فهو يعتقد أن موسى إنما يمكنه من الإفساد هم الرهط والشيعة وتكاثر بني إسرائيل، فنحن نسعى في تقليل رهطه وشيعته، وذلك بأن نقتل أبناء بني إسرائيل، ونستحيي نسائهم، قال: ( سنقّتل أبنائهم )، و(نقّتل) بصيغة التشديد فيها مبالغة، حيث تشير إلى الاستمرار، فكلما تناسلوا كلّما سارع بقتلهم؛ حتى يؤدي إلى نقصهم وضعفهم وهلاكهم وفنائهم.

    (ونستحيي نسائهم) لخدمتنا ولإذلالهن بالاسترقاق، فيقول عز وجل: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا [القصص:4]. ( علا في الأرض ) أو بمصر ( وجعل أهلها شيعاً ) حيث قسم أهل مصر إلى طبقتين: سادة، وعبيد، فكان الأقباط هم السادة، وبنوا إسرائيل كانوا هم العبيد، ( يستضعف طائفة منهم ) وهم بني إسرائيل، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص:4]، هذا هو الأسلوب الأول الذي سلكه القرآن في بيان نعمة النسل، ونقمة تقليل النسل.

    بيان القرآن أن الإنجاب أعظم مقصد من مقاصد النكاح

    من الأساليب التي ذكرها القرآن: بيان أن الإنجاب وحفظ النوع هو مقصد أعظم من مقاصد النكاح، كما قال تبارك وتعالى: (( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ))، أي: بعدما منع الرجال أن يقربوا نسائهم في الصيام، ثم نسخ ذلك بالليل فقال تبارك وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، وهذه كناية عن الوقت، واقصدوا مع ذلك تحصيل الذرية لا محض الشهوة التي تشارككم فيها البهائم، فلا بد أن يستحضر الرجل نية أن يحصل بالنكاح ذرية طيبة وصالحة، فهذا هو المقصود بقوله: ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) أي: من الذرية، فاسلكوا الأسباب حتى تحصلوا بها الذرية. ويقول تبارك وتعالى في شأن النساء: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ* نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:222-223]. فقوله تعالى: ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله )، في الآية دلالة على اجتناب النساء في المحيض؛ لأن هذا ليس وقت الحرث والحمل، إضافة إلى ما يكون في ذلك من الأذى، فهذه الآية تتضمن إشارة إلى أن المحيض لا يكون وقتاً لطلب الولد وطلب الحرث، ولا يتأتى الحمل في أثنائه، وهناك مَثَل في الطب يقول: إن دم الحيض هو الدموع التي يبكيها الرحم بسبب عدم الحمل! وهذا التعبير قريب جداً إلى الفطرة، فهو تشبيه للحيض بأنه دموع الرحم وهو يبكي؛ لعدم حصول الحمل، فكأن هذه هي الفطرة. يقول الله تبارك وتعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، ثم قال عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] إرشاد إلى ازدراع الذرية فيهن. والحقيقة أن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن الذي يحصل في نمو الجنين داخل الرحم هو بالضبط مثل الذي يحصل من الزرع في الأرض، فكما أن البذرة تتجه بجذورها إلى داخل التربة، وتتشعب فيها، وتضرب أعماقها! كذلك يحصل لهذا الزرع في جدار الرحم، فهو حرث وزرع كما وصفه الله بمنتهى الدقة بقوله: ( نساؤكم حرث لكم ) فشبه النطف بالبذور، وشبه الأرحام بالأرض، والثمرة في هذه الحالة تكون هي الولد. وقوله: ( فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم)، يقول مفتي مصر الدكتور سيّد طنطاوي في التفسير الوسيط: وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل، ويشير إلى ذلك قوله: ( نساؤكم حرث لكم ) إذ من شأن الحرث الصلاح للإنتاج، وقوله تعالى: ( وقدموا لأنفسكم ) أي: أقصدوا بالزواج ما تقدمونه لمستقبلكم مما ينفعكم في الدنيا والآخرة، وأنفع شيء هو الولد الصالح.

    بيان القرآن أن الأولاد نعمة من الله على عباده

    من أساليب القرآن في ذلك أيضاً: بيان أن الأولاد هم هبة الله عز وجل وإحسانه إلى عباده، وهبة الله لاشك أنها تكون خيراً ونعمة، يقول تبارك وتعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا [الأنعام:84]، ويقول عز وجل حاكياً عن إبراهيم عليه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [إبراهيم:39]؛ لأنه كان يدعو من قبل: ( رب هب لي من الصالحين )، وقال الله عز وجل: قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا [مريم:19]. ويقول عز وجل: وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى [الأنبياء:90]، أي: لزكريا، وقال في صفة عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، ويقول تبارك وتعالى أيضاً: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ [ص:30]، ويقول عز وجل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49] فالذرية هبة وإحسان، وليست نقمة، كما أشيع في الفترة المنكوسة الآن عند كثير من الناس، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ، أي: ينوّعهم ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:50].

    وقال البيضاوي في علّة تقديم النساء هنا : ( يهب لمن يشاء إناثا ) ثم قال: ( ويهب لمن يشاء الذكور ) قال: لعل تقديم الإناث؛ لأنها أكثر لتكثير الناس.

    أي: من الممكن أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة، وليس العكس، وبالتالي يكثر النسل.

    كذلك سلكت السنة المطهرة نفس المسلك القرآني في الترغيب في زيادة النسل والمحافظة عليه، والتنفير عما يضاده.

    بيان القرآن أن الإنجاب مقصد أعظم من مقاصد النكاح

    من الأساليب التي ذكرها القرآن: بيان أن الإنجاب وحفظ النوع هو مقصد أعظم من مقاصد النكاح، يقول تبارك وتعالى: (( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ))، أي: بعدما منع الرجال أن يقربوا نسائهم في الصيام، ثم نسخ ذلك بالليل فقال تبارك وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، وهذه كناية عن الوقت، واقصدوا مع ذلك تحصيل الذرية لا محض الشهوة التي يشارككم فيها البهائم، فلا بد أن يستحضر الرجل نية أن يحصل بالنكاح ذرية طيبة وصالحة، فهذا هو المقصود بقوله: ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) أي: من الذرية، فاسلكوا الأسباب حتى تحصلوا هذه الذرية، ويقول تبارك وتعالى في شأن النساء: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]* ويقول: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223].

    يقول تعالى: ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله )، في الآية دلالة على اجتناب النساء في المحيض؛ لأن هذا ليس وقت الحرث والحمل، إضافة إلى ما يكون في ذلك من الأذى، فهذه الآية تتضمن إشارة إلى أن المحيض لا يكون وقتاً لطلب الولد وطلب الحرث، ولا يتأتى الحمل في أثنائه، وهناك مَثَل في الطب يقول: إن دم الحيض هو الدموع التي يبكيها الرحم بسبب عدم الحمل!

    وهذا التعبير قريب جداً إلى الفطرة، فهو تشبيه للحيض بأنه دموع الرحم وهو يبكي؛ لعدم حصول الحمل، فكأن هذه هي الفطرة.

    يقول الله تبارك وتعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، ثم قال عز وجل: (( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ )) إرشاد إلى ازدراع الذرية فيهن نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223].

    والحقيقة أن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن الذي يحصل في نمو الجنين داخل الرحم هو بالضبط مثلما يحصل من الزرع في الأرض، فكما أن البذرة تتجه بجذورها إلى داخل التربة، وتتشعب فيها، وتضرب أعماقها! كذلك يحصل هذا الزرع في جدار الرحم، حرث وزرع كما وصفه الله بمنتهى الدقة بقوله: ( نساؤكم حرث لكم ) فشبه النطف بالبذور، وشبه الأرحام بالأرض، والثمرة في هذه الحالة تكون هي الولد: ( فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم)، يقول مفتي الجمهورية: الدكتور سيّد طنطاوي في التفسير الوسيط: وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل، ويشير إلى ذلك قوله: ( نساؤكم حرث لكم ) إذ من شأن الحرث الصلاح للإنتاج، وقوله تعالى: ( وقدموا لأنفسكم ) أي: أقصدوا بالزواج ما تقدمونه لمستقبلكم مما ينفعكم في الدنيا والآخرة، وأنفع شيء هو الولد الصالح.

    1.   

    أساليب السنة النبوية في الترغيب في كثرة النسل

    نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل والاختصاء

    فقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التبتل والاختصاء، فعن سعد رضي الله عنه قال: ( أراد عثمان بن مظعون رضي الله عنه أن يتبتّل -أي: يمتنع من الزواج ويتفرغ للعبادة- فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو أجاز له ذلك لاختصينا).

    رواه مسلم .

    قال ابن مظعون أيضاً في رواية أخرى: (يا رسول الله! ائذن لي في الاختصاء. فقال: إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحاء)، وعن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس لنا شيء) أي: ليس لنا ما نتزوج به (فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك) رواه البخاري . فبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن العلاج بأن يبادر كل إنسان إلى النكاح، فإن عجز عن الباءة، فليبادر إلى الصيام والأخذ بأسباب تقليل الشهوة، أما الجنوح في مثل هذا العناء الذي نلقاه إلى الاختصاء وتغيير خلق الله، فهذا مجرد انفعال بظروف مؤقتة سرعان ما تزول، كما بشر الله عز وجل بقوله: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]. والاختصاء فيه تعذيب للنفس، وفيه إبطال لمعنى الرجولية، وفيه تغيير لخلق الله، وفيه الكفر بنعمة الرجولة، وفيه اختيار النقص عن الكمال، وفيه أيضاً قطع النسل، ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    ودخل سعد بن هشام على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال: إني أريد أن أسألك عن التبتل، فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، وفي رواية أنها قالت له: لا تفعل، أما تقرأ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ولد له.

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا صرورة في الإسلام). قيل: الصرورة: هو الشخص الذي وجد سعة وقدرة على الحج ولم يحج. فلا يحتمل أن يكون في المسلمين رجل يقدر على الحج ثم يقصّر في ذلك، فهذا الفعل لا ينبغي أن يكون من المسلمين.

    الاحتمال الثاني: أن (لا صرورة في الإسلام) المقصود بالصرورة: الرجل القادر على مؤن النكاح ولم يتزوج، لا لعذر ولكن كرهبانية النصارى، فيكون معناه: لا تبتّل في الإسلام.

    الحث على التزوج والإنجاب

    قال صلى الله عليه وآله وسلم: (وأهل النار خمسة)، فذكر منهم: (الضعيف الذي لا زبر له -أي: لا عقل له- الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلاً ولا مالاً) فهو ضعيف ليس له همة، ولا يريد أن يتحمل المسئولية، فكونهم لا يبغون أهلاً ولا مالا هذا ضعف منهم، كما جاء عن بعض السلف -ولعلّه عمر رضي الله عنه- أنه قال لبعض من لم يتزوج: (ما يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور). فهو من أجل أن يحض الرجل على التزوج خاطبه بهذا الكلام. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو لم يبق للأجل إلا عشرة أيام أعلم أني أموت بعدها ولي طَول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة). وجاء عن أنس رضي الله عنه في حديث الرهط الثلاثة الذين أتوا بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا بها كأنهم تقالّوها، وقالوا: (وأينّا مثل رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فغضب لهذه المقالات، وقال كلمته المشهورة: (إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) . فانظر إلى الشدة مع غير أهل المعاصي، فإنه كان يعامل أهل المعاصي بلطف ورحمة وترفق، أما أهل البدع الذين يسنون طرقاً محدثة فكان ينكر عليهم عليه الصلاة والسلام أشد الإنكار. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء). وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قالي لي ابن عباس رضي الله عنهما قبل أن يخرج وجهي -أي: قبل أن تنبت لحيته-: (هل تزوجت؟ فقلت: لا. قال: تزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء). رواه البخاري . فهذه المحاورة كانت في مقتبل عمره، وفي قول ابن عباس : (خير هذه الأمة) يحتمل أمرين: الأول: أنه يقصد خير إنسان في هذه الأمة، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج وأكثر من النساء، وكأنما قيّد بكلمة: (هذه الأمة) إشارة إلى أن هذا الظل يشمل سائر الأمة، حيث أبيح له عليه الصلاة والسلام أن يزيد على أربع، وقيد بهذا القيد: (خير هذه الأمة) لأن من الأمم السابقة من الأنبياء من تزوج أكثر من ذلك، كداود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما جاء عن سليمان عليه السلام أنه قال: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله) فانظر إلى النية؛ وهذه الأمة أمة مجاهدة، خلقت لتطلب الموت كما يطلب أعداؤها الحياة، فهي أمة ينبغي أن تكون دائماً في حالة استنفار وفي حالة خروج إلى الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقال: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو على تسع وتسعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده! لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) رواه البخاري .

    التنبيه إلى أن طلب الولد من أعظم مقاصد النكاح

    ذكرنا آنفاً في القضاء والقدر أن الله يعلم كل شيء، فهو يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لن يكون لو كان كيف يكون، كما قال عليه السلام: (والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) وقال صلى الله عليه وآله وسلم لـجابر بن عبد الله رضي الله عنهما لمّا تزوج قال: (إذا قدمت فالكيف الكيف) أي: يرشده إلى طلب الولد، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تزوج الولود، كما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) .

    فيا ليت أصحاب مكاتب أسرة المستقبل المظلم إذا استمروا على هذا الحال يعلقون هذا الحديث بدل أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (جاهدوا البلاء)، فكيف تعتبرون مثل هذه الأحاديث المكذوبة التي لا أصل لها؟! وتخفون مثل هذه النصوص المشرقة التي تنطق بكذبكم في دعواكم؟!

    يقول عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) فهذا الحديث يحتمل التأويل، ويُعرف متى تكون المرأة ولوداً إذا كانت بكراً بالنظر في أقاربها، مثل أمها وقرابتها، وإذا كانت ثيباً فتعرف إذا كانت أنجبت من قبل أم لا.

    أيضاً: بيّن صلى الله عليه وآله وسلم أن الولد قرة عين والديه، وأنه نعمة كبرى يجب شكرها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: (إياكن وكفران المنعمين، إياكن وكفران المنعمين، قالت إحداهن: أعوذ بالله يا نبي الله من كفران الله. قال: بلى، إن إحداكن تطول أيمته) . أي: تطول فترة مكثها عند أبيها؛ لتتأخر في الزواج، (إن إحداكن تطول أيمتها، ويطول تعنيسها، ثم يزوجها الله البعل ويفيدها الولد وقرة العين، ثم تغضب الغضبة -أي: من زوجها- فتقسم بالله ما رأت منه ساعة خير قط! فذلك كفران نعم الله عز وجل، وذلك من كفران المنعمي). الشاهد هنا قوله: (ويفيدها الولد وقرة العين) في سياق الامتنان عليها بهذه النعمة.

    وقد رغّب السلف في كثرة الولد والإنجاب بنيّة أخرى قد يعجب لها الذين لا يفقهون في فقه التجارة مع الله عز وجل والعمل الصالح، فمثلاً: قال عليه الصلاة والسلام: (صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه على باب الجنة، فيأخذ بصنفة إزاره كما آخذُ بصنفة إزارك هذا فلا ينتهي حتى يدخل الجنة) . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]، فصغار المسلمين دعاميص الجنة، والدعموص: الحيوان الصغير أبو ذنيبة الذي يكون في الماء، وهي الزوارب الصغيرة جداً التي تتحرك كثيراً في الماء، وتملأ أحواض الماء أحياناً.

    فيأتي أحدهم يوم القيامة، ويقف على باب الجنة، حتى إذا جاء أبوه وهو خارج الجنة فيأخذ بصنفة إزاره، أي: طرف ثوبه، ويسد من يمسك أذنه فيجرّه، فلا ينتهي حتى يدخله الجنة، فكان بعض السلف يستدلون بهذا على استحباب الزواج لتحصيل الأولاد عسى أن ينال أحدهم هذا الثواب، ففي ذلك خير عظيم.

    الحديث أنه لما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلّم النساء، فقال معنى الحديث (أيما امرأة قدمت من ولدها ثلاثاً إلا كانوا لها حجاباً من النار) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فقالت امرأة: واثنين؟ قال: (واثنين). فالشاهد أن المرأة إذا مات في حياتها ثلاثة من ولدها وصبرت على ذلك، فهؤلاء الثلاثة يكونون حجاباً لها من النار، ويكونون حجاباً للوالد أيضاً، فهذا كله مما يتفطن إليه الذين يفقهون كيف يتاجرون مع الله عز وجل بالعمل الصالح، ومن ينوي أن يأتي بأولاد لعل بعضهم يموت في حياته، فإنه سينال هذا الأجر العظيم في الآخرة إن شاء الله.

    الحث على التزوج والاستكثار من النساء

    قال صلى الله عليه وآله وسلم: {وأهل النار خمسة}، فذكر منهم: {الضعيف الذي لا جبر له} أي: لا عقل له. {الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلاً ولا مالاً} فهو ضعيف ليس له همة، ولا يريد أن يتحمل المسئولية: (لا يبغون أهلاً ولا مالا) فهذا ضعف منهم، كما جاء عن بعض السلف -ولعلّه عمر رضي الله عنه- أنه قال لبعض من لم يتزوج: ما يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور. فهو من أجل أن يحض الرجل على التزوج خاطبه بهذا الكلام ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: لو لم يبق للأجل إلا عشرة أيام أعلم أني أموت بعدها ولي طَول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة.

    وكما جاء عن أنس رضي الله عنه في حديث الرهط الثلاثة الذين أتوا بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا بها كأنهم تقالّوها، وقالوا: وأينّا مثل رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: ( أما أنا فأقوم ولا أنام)، وقال الآخر: (وأما أنا فأصوم ولا أفطر)، وقال الثالث: (وأما أنا فلا أتزوج النساء)، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فغضب لهذه المقالات، وقال كلمته المشهورة: {إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني} . فانظر إلى الشدة مع غير أهل المعاصي، فإنه كان يعامل أهل المعاصي بلطف ورحمة وترفق، أما أهل البدع الذين يسنون طرقاً محدثة فكان ينكر عليهم أشد الإنكار، عليه الصلاة والسلام.

    وقال صلى الله عليه وآله وسلم: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء}، وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قالي لي ابن عباس رضي الله عنهما قبل أن يخرج وجهي -أي: كان مراهقاً ولم تكن نبتت لحيته-: هل تزوجت؟ فقلت: لا. قال: تزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء. رواه البخاري .

    فهذه المحاورة كانت في مقتبل عمره، وفي قول ابن عباس : (خير هذه الأمة) يحتمل أمرين:

    الأول: أنه يقصد خير إنسان في هذه الأمة، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج وأكثر من النساء صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنما قيّد بكلمة: (هذه الأمة) إشارة إلى أن هذا الظل بالنسبة لسائر الأمة، حيث أبيح له عليه الصلاة والسلام أن يزيد على أربع، وقيد بهذا القيد: (خير هذه الأمة) لأن من الأمم السابقة من الأنبياء من تزوج أكثر من ذلك، كداود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما جاء عن سليمان عليه السلام أنه قال: {لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله} انظر إلى النية؛ لأن هذه الأمة أمة مجاهدة، خلقت لتطلب الموت كما يطلب أعداءها الحياة، فهي أمة ينبغي أن تكون دائماً في حالة استنفار وفي حالة خروج إلى الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقال: {لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو على تسع وتسعين، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل إن شاء الله. فلم يقل إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون} رواه البخاري .

    1.   

    حال الصحابة في الاستكثار من الأولاد

    الدعوة الصريحة إلى كثرة النسل معروفة في السنة المطهرة، وكذلك في سير الصحابة رضي الله عنهم، فعن أنس رضي الله عنه قال: (قالت أمي: يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له؟ فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته)، رواه البخاري . فبورك لـأنس رضي الله عنه في ولده حتى رأى مائة ولد من صلبه قبل أن يموت. وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أيضاً رأى مائة من صلبه قبل أن يموت، وكما دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـأبي طلحة لما مات ابنه، فقال له: (لعل الله يبارك لكما في ليلتكما، فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن)، رواه البخاري ومسلم . وعن أسماء رضي الله عنها: (أنها حملت بـعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متمّ -أي: على وشك الولادة- فأتيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته، ثم دعا بتمرة، فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له فبرّك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام -أي: بعد الهجرة- ففرحوا به فرحاً شديداً) أي: فرح جميع المسلمين في المدينة به فرحاً شديداً؛ لأن عدد الموحدين زاد واحداً، وعدد جنود الله زاد جندياً، ولو أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أرادت التحديد في النسل، ولم تنجب عبد الله بن الزبير، فكم كان سيفقد التاريخ الإسلامي تلك الأمجاد التي أسسها عبد الله بن الزبير ؟ وكم كنا سنحرم معشر المسلمين من هذه البركات التي قدّمها ابن الزبير ؟ وانظر إلى صلاح الدين الأيوبي أو ابن سامية أو محمد بن عبد الوهاب أو الأئمة الأربعة أو غيرهم من هؤلاء الأعلام والعباقرة الذين تصدروا مجالات الجهاد والعلم والعمل والعبادة وغير ذلك، ولو اتخذت أمهاتهم هذه السبيل الشيطانية الكنسية فكم كانت ستحرم الأمة؟! ونحن نحرم الآن -بسبب هذه السياسة الشيطانية الكنسية- من كثير من العباقرة، لعله يكون في أحدهم مخرج للأمة مما هي فيه من الضياع. فانظر كيف فرح المسلمون بمولد ابن الزبير وهم لا يعلمون الغيب؟ وإنما كان فرحهم لمولد مسلم موحد، وهو أول مولود ولد بعد الهجرة، فلماذا فرحوا به فرحاً شديداً؟ وما سرّ هذا الفرح؟ لأنه قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم، فلا يولد لكم! رواه البخاري ولأنهم كانوا يعلمون حرص اليهود على تقليل نسل المسلمين، كما يحصل الآن، فالدول الأوروبية والغربية -وبالذات الشيطان أمريكا- تضغط بكل ثقلها حتى تضعف وتنقص عدد المسلمين، وتقلل عدد الموحدين، في نفس الوقت تجد التكثير الهائل لعدد اليهود لعنهم الله، ففي فلسطين المسروقة تجد أنهم يجتمعون من كل أنحاء الأرض: من روسيا.. من الهند.. من شتى بقاع الأرض، يجتمعون إلى ما يسمونه (أرض الميعاد) ويسلكون كل وسيلة من أجل تكثير نسلهم، أما عند المسلمين فيكون الأمر بالعكس، كما ترون. وفي رواية ابن سعد قال: (فلما ولد عبد الله بن الزبير كبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيراً) يعني: لميلاد ابن الزبير رضي الله عنهما. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه: (اللهم زدنا ولا تنقصنا). وطلب الزيادة يشمل أي زيادة عددية أو نوعية؛ لأن الكثرة التي هي كغثاء السيل لا شأن لها، ولا قيمة لها، وإنما المقصود: أن يكثر النسل ويحصل اهتمام بتربيته وتوعيته وإعداده ليكون جندياً في سبيل الله تبارك وتعالى، فقوله: (اللهم زدنا) أي: زدنا من كل خير، ومن أعظم الخير: الذرية. وقد بين القرآن أن نقصان الأنفس مصيبة وبلاء، يقول تبارك وتعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]. وفسّر بعض العلماء الأنفس: بأنها هي أنفس المقاتلين والمجاهدين، والثمرات فسّروها بأنها: الذرية والأولاد. والصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم تفاعلوا مع هذه التوجيهات الإلهية والنبوية أعظم التفاعل، وعملوا بها، فكان منهم أولاد كثيرون رضي الله عنهم، فمثلاً: خالد بن الوليد رضي الله عنه كان له عدة زوجات، وأنجب أكثر من أربعين ولداً، منهم: سليمان، وعبد الرحمن، والمهاجر ، وهؤلاء هم الذين بقوا من أولاده بعد أن مات من أولاده نحو أربعين في سنة الطاعون بمدينة حمص بالشام. وكان للأقرع بن حابس عشرة من الولد، بلغوا مبلغ الرجال في حياته، واشتركوا معه في جهاد الروم تحت راية خالد بن الوليد ، واستشهدوا جميعاً معه في موقعة اليرموك. وكان للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عشرة من الولد أيضاً، أصغرهم: تمام ، وكان العباس رضي الله عنه يقول: تموا بـتمام فصاروا عشرة وكان لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه عدة أولاد، منهم: عبد الله ، وعبيد الله ، وعبد الرحمن ، وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعاصم ، وزيد ، ورقية من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، فإن علياً رضي الله عنه زوّج ابنته أم كلثوم من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فتباً للشيعة الذين يُكفّرون أمير المؤمنين عمر ، ويزعمون أن العداوة قائمة بين هؤلاء الأصحاب! وكذلك عبد الله بن عمر كان له عدة أولاد بلغوا مبلغ العلم والرواية، منهم: عبد الله ، وعبيد الله ، وسالم ، وبلال ، وزيد ، وحمزة سوى ما له من الإناث.

    1.   

    العزل وحكمه في الشريعة الإسلامية

    ثم نقترب أكثر من الموضوع، ونناقش حكم وسيلة من وسائل منع الحمل، كانت معروفة عند الرعيل الأول، والأدلة التي وردت في هذه الوسيلة، ومن المعروف أن الجاهليين في الأصل كانوا يسلكون هذا المسلك في التخلص من الأولاد، خوف الفقر بعدّة أساليب، منها: قتل الأولاد، سواء الذكور أو الإناث بوأد، فكانوا أحياناً يقتلون الذكور والإناث خوف الفقر، وكان أيضاً من الوسائل الأولى ما وصل إليه العصر الحديث من أساليب تحديد النسل، وأغلب من يتكلم في قضية حكم تحديد النسل يتكلم في حكم العزل، على اعتبار أنه كان الوسيلة المتاحة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمنع الحمل.

    وعند الكلام عن حكم العزل لا بد أن ننتبه إلى أننا نناقش حكمه بالنسبة للأفراد، ولا نناقش حكمه بالنسبة للأمة في مجموعها، وإلا فالأمة في مجموعها لا يجوز لها الترغيب في تقليل النسل بصورة كلّية أو قومية، تبث لها الأجهزة، حتى تضاد المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، والتي منها: تكثير النسل.

    إذاً: فكلامنا عن حكم العزل بالنسبة لآحاد الناس عند حصول ظروف خاصة، فنبين لهم حكم هذه الرخصة على التفصيل الذي نذكره إنشاء الله تعالى، وما عدا ذلك من الوسائل فهو يقاس على وسيلة العزل، وإن كان العزل في الحقيقة فيه كثير من الأضرار، فإذا وجدت وسيلة ليست فيها هذه الأضرار قد تكون أفضل من العزل من باب أولى، ولكن في الواقع أن كل الوسائل تقريباً لها أضرارها ومخاطرها، ولا توجد بإقرار الأطباء وسيلة مثالية لتحديد أو منع الحمل مطلقاً؛ لأنه ضد الفطرة.

    أما أهم الأحاديث التي وردت في العزل فحديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ينزل). متفق عليه.

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (أصبنا سبياً، فكنا نعزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أوَ إنكم لتفعلون؟ قالها ثلاثاً، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة). رواه البخاري ومسلم .

    وروى مسلم عن أبي سعيد أيضاً قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة بني المصطلق، فسبينا كرائم العرب، فأطالت علينا العزبة، ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل، وقلنا: نفعل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا لا نسأله؟! فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لا عليكم ألا تفعلوا، ما كتب الله خلق نَسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون).

    وروى الشيخان أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن العزل، فقال: (لا عليكم ألا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر). وفي الحديث أيضاً: (لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لكان منه الولد، وليخلقن الله نفساً هو خالقها).

    وروى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (ولِمَ يفعل ذلك أحدكم؟! -ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم- فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها). وروى مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا -أي: التي تسقي لنا- وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل)، حيث كانوا يكرهون حمل الإماء؛ لأنها إذا أصبحت أم ولد، فلا بد أن تبقى معه بقاءً دائماً، وأحياناً ربما فعل الصحابة ذلك خشية أن يقع ضرر بالرضيع إذا حدث الحمل أثناء الرضاعة.

    يقول هذا الرجل: (إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل. فقال: أعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. فلبث الرجل، ثم أتاه، فقال: إن الجارية قد حملت. فقال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها).

    وروى مسلم وغيره عن جذامة بنت وهب -أخت عكاشة - حديثاً طويلاً، جاء فيه: أنهم سألوه صلى الله عليه وآله وسلم عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ذلك الوأد الخفي، ذلك الوأد الخفي) . وعن جابر رضي الله عنه قال: كانت لنا جواري، وكنا نعزل، فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى. فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال: (كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم تستطع رده).

    فعموم هذه الأحاديث ما عدا حديث جذامة بنت وهب يفيد جواز العزل عن المرأة اتقاء الحمل، وإن كانت لا تخلو من الدلالة على كراهة هذا الفعل، فقول جابر في الحديث الأول: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنهم يعزلون، وكان يقرهم على ذلك، وإلا فما معنى قوله: ونحن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلو أنه كان حراماً لم يسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا التعبير يعتبره العلماء في حكم الحديث المرفوع، حتى ولو لم يضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أنه هنا أضافه.

    أما الحديث الثاني، وفيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إنكم لتفعلون) فهذا يحتمل أنه استنكار على وجه كراهة العزل، ويحتمل أن الاستنكار على وجه التحريم. كذلك قوله في الحديث الثالث والرابع: (لا عليكم ألا تفعلوا) يحتمل أنه إذن، ويحتمل أنه نهي، فيحتمل أن يكون معنى الجملة: ( ليس عليكم أن تتركوا ذلك ) ويحتمل أن يكون: (لا تعزلوا، وعليكم ألا تفعلوا ذلك) إلا أن الحديث الثالث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( اعزل عنها إن شئت ) رفع أحد الاحتمالات، فبقيت الجملة الأولى دالة على الكراهة، أما الجملة الثانية فدلت على الإذن وعدم الحرج.

    فهذه سبعة أحاديث من المجموع الذي سردناه تدل على جواز العزل من حيث المبدأ، بقطع النظر عن الإباحة أو الكراهة، والحديث الذي يدل بظاهره على المنع هو حديث جذامة بنت وهب فقط، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سألوه عن العزل: ( ذلك الوأد الخفي ). فكيف نوفق بين حديث جذامة وبين الأحاديث الأخرى؟!

    لقد سلك العلماء في ذلك عدة مسالك، أرجحها: ما ذكره الإمام النووي في شرح مسلم حيث قال: ويفهم من كلام الطحاوي في شرح معاني الآثار أن حديث جذامة هذا يحمل النهي فيه على كراهة التنزيه ويحمل الإذن الوارد في الأحاديث الأخرى على عدم الحرمة، فيكون القدر المشترك في دلالة الأحاديث المختلفة كلها هو كراهة التنزيه. فهذا هو أرجح قول أعتمده النووي والطحاوي كما حكى عنه وابن حجر وجماهير الفقهاء والمحدثين.

    وقد ضعف بعض العلماء حديث جذامة ؛ بسبب كثرة الأحاديث الصحيحة المعارضة له، وبعض العلماء قالوا: إن حديث جذامة مضمونه المنع، وهذا المنع كان معمول به، ثم نسخ فيما بعد بالأحاديث الدالة على الجواز.

    وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: إن حديث جذامة هو الذي يجب العمل به، لثبوته في الصحيح، ولاضطراب طرق الأحاديث الواردة في مقابلته، ولأن حديث جذامة دال على المنع، والأحاديث الأخرى دالة على الإباحة، فهذا للإباحة، وهذا للحظر، فعند التعارض يقدم الحاظر على المبيح، وسواء جاء كلام الإمام ابن حزم أو من قبله بدعوى النسخ، بدون أن يأتوا ببينة على حصول النسخ واكتفاء شروط النسخ أيضاً غير مقبول، والله أعلم.

    فخلاصة الكلام: أن في هذا الأمر كراهة تنزيه، وأن الأولى عدم فعل العزل، وقد ذهب الأئمة الأربعة بناءً على هذه الأحاديث إلى جواز عزل الرجل ماءه عن زوجته، مع الكراهة التنزيهية، واتفق الإمام مالك وأحمد وأبو حنيفة على أن ذلك مشروط برضا الزوجة، واختلف أصحاب الشافعي : فمنهم من وافق الجمهور في هذا الشرط، ومنهم من خالفه فأجازه بدون ذلك، فحط الكلام في هذا أن الأئمة الأربعة متفقون على جواز العزل مع الكراهة التنزيهية عن الزوجة إذا كان ذلك برضاها، فإن لم يكن برضا منها فالأئمة الثلاثة متفقون على التحريم، وللشافعية في ذلك وجهان، رجح الإمام النووي منهما عدم التحريم، وفي الحديث: (نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها) فهذا يقوّي ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط رضا الزوجة، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فللزوجة حق في الولد كما للزوج حق في ذلك، فلا ينبغي له تفويت حقها بدون إذنها، بجانب أن العزل إذا لم يكن بإذنها فإن فيه مضار طبية وصحية، فلا ينبغي أن يكرهها على ذلك.

    وأيضاً حتى يباح العزل يشترط ألا يكون فيه ضرر للزوج أو الزوجة، فإذا نشأ عن العزل ضرر بهما أو بأحدهما وعلم ذلك بشهادة طبيب موثوق حرم العزل، سواء توفر رضا الزوجة أم لا؛ إذ الشرع لا يملّك الإنسان اختياراً بصدد الإقدام على ما قد يضره، أيضاً يدخل في حكم العزل هذا ويقاس عليه كل ما قد يشبهه من الوسائل التي يتخذها الزوجان أو أحدهما لمنع الحمل، كالحبوب التي تستعملها النساء -وغير ذلك مما سنذكره- فإذا اتفق الزوجان على شيء من ذلك ولم يسبب ضرراً بالجسم والنفس بناءً على مشورة طبيب موثوق جاز استعماله مع كراهة التنزيه.

    1.   

    الأضرار المترتبة على تناول حبوب منع الحمل

    قد اتضح طبياً أن أضرار حبوب منع الحمل على مختلف أجهزة الجسم كبيرة، ولذلك فهي ليست كالعزل في حصول الضرر، ويمكنكم التأكد بالرجوع لأي مرجع في علم الصيدلة فهناك مراجع حافلة في هذا المجال بكل لغات العالم، وفيها بيان هذه الوسيلة الخطيرة من وسائل منع الحمل، أكثر أصابع الاتهام في حالات السرطان ضد النساء تشير إلى استعمال هذه الأقراص، وأنتم تستطيعون أن تسألوا أو تستحلفوا أي متخصص في أمراض النساء أو الأدوية عن الخطر الكامن وراء هذه الحبوب.

    فأول هذه الأشياء: وجود سرطان بالنسبة للمرأة، أو حدوث التهابات أو أمراض الكبد، أو أمراض القلب والكلى والسكر، وأمراض تصلب الشرايين، وحدوث حالات الغثيان والصداع وزيادة في الوزن، بسبب احتجاز نسبة كبيرة من الماء داخل الجسم، حيث تحبس في الجسم نسبة كبيرة من الماء، ولأجل هذا فإن بعض الناس لا يوجد عندهم إيمان ولا خوف من الله ممن يتاجرون بالدواجن، حيث يضعون حبوب منع الحمل في طعام وعلف الدواجن؛ لأنها تسبب زيادة الوزن نتيجة انحباس الماء فيها في الخلايا، حتى يزداد وزنها فترد عليه دريهمات قليلة يؤذي المسلمين ويخونهم بهذه الخيانة العظمى، فبالتالي يأكل هذه الفراخ، أو الدواجن يأكلها الرجال، وهذا فيه خطر شديد جداً بالنسبة للرجال، حيث أن أحد الأستاذة المتخصصين في الأمراض التناسلية أعد بحثاً، فقد كانت عنده مزرعة، فلاحظ أن العلف يضيفون إليه حبوب منع الحمل لهذا الغرض المادي، وقد اقترن بداية انتشار هذه الظاهرة ونزول هذه الفراخ التي تعلف بهذا العلف بأنه يستقبل الحالات كثيرة من الرجال الذين آذتهم أذىً شديداً، فعمل إحصائيات وبحث وقدمه إلى منظمة الصحة العالمية، وبين أن هذا شيء خطر على الناس، فرد عليه الموظف بقوله: إنها سياسة دولتكم ولا شأن لنا بها!!

    الشاهد: أن من أخطار هذه الحبوب أن الرجال أيضاً يتعاطونها، فينبغي أن يتنبه المسلمون لوضع هذا الحبوب في علف الدواجن.

    ومن أخطار ومضاعفات هذه الحبوب: تزايد نسبة تجلط الدم في المخ أو في القلب، وتؤثر أيضاً على وظائف الكبد، وتزيل احتمال حدوث سرطان الرحم، وتؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وظهور مرض السكر في الحالات التي عندها استعداد لهذا المرض، وتؤثر على الرضاعة بتقليل كمية اللبن، ويمكن أن تحدث تساقط في الشعر وتغييراً في لون الجلد عند بعض النساء، أو حساسية أيضاً عند بعضهن.

    ونحتاج أيضاً أن نذكر نصوصاً لبعض أهل الاختصاص في هذه الحبوب، فنلاحظ أنهم يُجمعون على أن لهذه الحبوب آثاراً ضارة مع تفاوت بين بعضها البعض، لكن أخطرها بصفة خاصة: الهرمونات؛ لأن لها أكبر الأثر على صحة المرأة؛ فهي تؤدي إلى انقراض عام في صحة الجسم، بل تؤثر على نفسية المرأة، حيث تصبح عصبية أو تصيبها بعض الأعراض النفسية.

    الدكتور محمد المنية الأستاذ المساعد بجامعة القاهرة، يتحدث عن أقراص منع الحمل بين المنفعة والضرر، ثم ينصح المريضة التي تتعاطى تلك الأقراص لمدة أكثر من ثلاثة أشهر، وقد حذر من استعمالها كمانع للحمل؛ لما لها من مضاعفات وأضرار على صحة المرأة، وقد أورد بعض الحالات المرضية المعقدة لبعض النساء التي أشرف على علاجهن؛ نتيجة تعاطيهن أقراص منع الحمل.

    يقول: وبالرغم من الفوائد الاستثنائية لأقراص منع الحمل، فإنني لا أسمح لواحدة من أسرتي باستعمال هذه الأقراص.

    ومن التغرير ما يكتب على الورقة التي تصاحب أقراص منع الحمل، فإنها تكتب بخط صغير جداً؛ حتى لا ينتبه أكثر الناس إلى الأضرار المترتبة على تناول أقراص منع الحمل.

    يقول ميك كارمك : رغم الجهود التي تبذل للإشادة بذكر هذه الحبوب والدفاع عن سمعتها فلا يخفى على أهل البصيرة ما فيها من عوامل مضرة بصحة المرأة، وتعطيل الكثير من قواها العقلية والتناسلية، فمن الخيانة الشنيعة القول بأنها غير ضارة بصحة المرأة.

    وأثبتت البحوث والدراسات التي أجريت: أن أمراض سرطان الرحم، وتسممات الحمل ونحوها تنتشر بصورة أكبر وأسرع في البيئات التي تأخذ بتنظيم الأسرة، أما البيئات التي لا تأخذ بتنظيم الأسرة، ولا تستعمل الوسائل الصناعية لمنع الحمل، فإن نسبة هذه الأمراض تقلّ فيها، وهذه الحقيقة تعكسها المؤتمرات الطبية لتسممات الحمل وسرطان الرحم والثدي التي عُقدت وما زالت، وقد أثبتت الدراسة والبحث أن تلك الحبوب تزيد من تسممات الحمل، وتؤثر على المرأة وتعرضها إلى اضطرابات عصبية ونفسية.

    1.   

    اختلاف الحكم الشرعي على تحديد النسل في الحالات الفردية عنه في الحالات العامة

    هذا فيما يتعلق بالحالات الفردية، فكل الكلام الذي مضى فيما يتعلق بتحديد النسل أو العزل أو غيره من الوسائل، فيما يتعلق إذا قلنا بجوازه مع الكراهة، وبشرط عدم وجود الضرر، فهذه إنما هي رخصة يتمتع بها آحاد الناس، أما تحديد النسل بمعنى تبني نظام عام، يلزم الأمة كلها أن تقف بالنسل عند حد معين، بلا فرق بين من تحتاج إلى ذلك بسبب مرض أو رضاعة، ولا بين ضعيف ولا قوي، بل حتى ولا بين غني وفقير! فهم يشوشون على الناس ويقولون: الفقير لا بد له من تحديد النسل، فما بالكم بدعوتكم أيضاً الموجهة إلى الأغنياء والقادرين على النفقة! فكون الأمة كلها برمتها تتجه إلى هذا الاتجاه، فإن هذا سيكون له شأن آخر.

    كل ما سبق ليس له علاقة بالمجتمع كله، من حيث هو هيئة تركيبية يمثلها الحاكم، أو الدولة، فالدولة لا تستطيع أن تفيد شيئاً من أحكام الجواز في هذه المسألة، ولا يحق لها أن تعتمد على هذه الأحكام في أي إجراء تتخذه؛ فإن هذه أحكام خاصة بآحاد الناس، فالدولة ليست هي صاحب العلاقة المباشرة في الموضوع، وليست لها أي سلطة أو ولاية على شيء من أركانه؛ لأن هذه العلاقة خاصة، فمثلاً موضوع العزل أو تحديد النسل، هذا شيء خاص بالزوج والزوجة فقط، بالشروط التي أشرنا إليها، لكن الدولة ليس لها أن تتدخل في هذه العلاقة الخاصة، بحيث تحمل أحداً على شيء معين، مثال ذلك: الطلاق، فإنه حق أعطاه الشارع للرجل أو لصاحب العلاقة الذي يليه عقد الزواج بشروط وقيود معروفة، وليس للدولة أن تفرض لنفسها صلاحية -مثل حق تطليق المرأة من زوجها- على من تشاء من الناس، أو تجبر أحداً على الطلاق، أو توقع هي الطلاق عندما تجد مصلحة تقتضي ذلك، وحال هذه القضية كقضية تحديد النسل، فهي تعود إلى الشخصين اللذين يمثلان أركان القضية، فليس للحاكم أن يحتج بحالة يريد الشارع فيها للزوجين العمل على تحديد النسل، فيبني عليها دعوة عامة إلى ذلك، ويثير الدوافع والمرغبات، بل يشرع الالزامات الأدبية بالوسائل المختلفة.

    نحتاج إلى تمهيد بسيط قبل أن نتم هذه النقطة، وهو: أن المباح في الشريعة نوعين:

    نوع يتفق مع حكم الأصل، مما ينطوي على فائدة ومصلحة عامة. مثل: التمتع بالطيبات وتناول المباحات التي لا ضرر فيها، فالإباحة هنا ليست خاصة، وليس خاصاً بالفرد ولا للجماعة أن يقضي به بنفسه، بل يقضي به الحاكم لمجتمعه إذا شاء دون إلزام، إلا في حدود المصلحة العامة.

    النوع الآخر من المباحات لا يتفق مع حكم الأصل، يشذ عن حكم الأصل والقاعدة والإباحة الأصلية العامة، لكن يدخله حكم الأصل أو الترخيص أو الإباحة، من أجل عارض يتعلق بأشخاص بأعيانهم، فالعزل والإباحة يبقى خطاً في نطاق هؤلاء الأشخاص الذين تعلقت بهم أحوال اقتضت التخفيف في أمر كان في أصله غير مباح، دون أن يتجاوز إلى غيرهم.

    فالنكاح -كما سبق- شُرع أصلاً من أجل النسل، فالحكمة: بقاء النوع الإنساني. وقال عليه الصلاة والسلام: (تناكحوا، تناسلوا، تكاثروا؛ فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة) . فالسعي إلى إيقاف النسل أو تقليصه مُنافٍ لأصل ما شرع النكاح من أجله، ولكن الشارع الحكيم جل جلاله رخص للزوجين في محاولة جزئية وفردية للحد من النسل؛ نظراً لظهور المصالح الشخصية قد تكتنفهما أو تكتنف أحدهما، أما الحكم العام، فقد بقي على أصله، وهو المنع، والحاكم العام هو الأمين على ذلك. والإمام الشاطبي رحمه الله، يقول: اعلم أن المباح ضربان: أحدهما: أن يكون خادماً لأصل ضروري أحادي أو تكميلي. والثاني: ألا يكون كذلك. فالأول: قد يراعى من جهة ما هو قابل له، فيكون مطلوباً ومحبوباً فعله، وذلك أن التمتع بما أحل الله من المأكل والمشرب ونحوها مباح في نفسه، وإباحته بالجزء، وهو خادم لأصل ضروري، وهو إقامة الحياة، فهو مأمور به من هذه الجهة، ومعتبر ومحبوب من حيث هذا الكلي المطلوب، فالأمر به راجع إلى حلقات الكلية، لا إلى اعتباره جزئي، والثاني: إما أن يكون خادماً لما ينقض أصلاً من الأصول الثلاثة المعتبرة، أو لا يكون خادماً لشيء كالطلاق، فإنه ترك للحلال الذي هو خادم لكل إقامة النسل في الوجود.

    يعني أن الطلاق ترك للزواج، والزواج هو وسيلة من أجل تكثير النسل فالطلاق في حد ذاته بالنسبة للمجموع هو مضاف في مصلحة المجموع، لكن هو بالنسبة للشخص الذي أبيح له الطلاق قد يكون ضرورياً؛ لإقامة مطلق الألفة والمعاشرة، فقد لا يستطيع الإنسان أن يعيش مع زوجته، فلمصلحة فردية يباح له الطلاق، لكن لا يباح للمجتمع كله، فلا يصح أن نعمل دعوة قومية للطلاق، ونعمل إعلانات ودعايات في كل مكان يبشر وأن نبشر الناس بهذا وندعوه ونحرضه عليه.

    قد يعبر عن هذا المعنى الذي ذكرناه بقول العلماء في بعض القواعد الفقهية: (ليس كل ما هو مشروع للفرد مشروع للجماعة) وهذه القاعدة تتفرع عن قاعدة أهم، وهي: (تصرف الحاكم منوط بالمصلحة) أي أن الحاكم وكيل عن الأمة في رعاية مصالحها، فعليه ألا يغامر بمصالحها، بل يحتاط في الأمر بالنسبة لها، فالناس كآحاد ممكن أن يغامر الواحد منهم لمصلحته، لكن الحاكم من حيث هو حاكم لابد أن يراعي مصلحة المجموع. فما يشرع للفرد قد لا يشرع للجماعة. مثال ذلك: أن للفرد من الناس أن يقتدي في صلاته بفاسق إذا شاء ذلك، غير أن الحاكم لا يجوز له أن يعتمد على هذا الحكم بحجة أن الفقهاء قالوا بأنه يجوز أن يُصلى خلف هذا الفاسق. فيقوم الحاكم بتعيين إمام فاسق للناس؛ لأن الحاكم يقدر على أن يغير، فهو لا يباح له ما يباح لآحاد الناس، أيضاً: ولي المقتول يملك أن يعدل عن القصاص إلى الدية، لكن الحاكم لا يملك مثل هذا الحق، ولا يستطيع أن يلزم ولي المقتول بمثل هذا.

    حينما يعطي الشرع الزوجين الحق بإيقاف النسل أو يمنعهما منه على ما بيّنا فإنما ذلك لمصلحة تتعلق بهما، ولأمر عائد إليهما، وقد يكون المجتمع شريكاً لهما في المصلحة بعض الأحيان، فتعميم الدولة حكم الإباحة أو الحظر هجر لمصلحة الأفراد، وتجاوز لواجب الحيطة في رعاية أمر العامة، لو أن هؤلاء الذين يفتون الحكام بالدعوة إلى تحديد النسل تنبهوا إلى هذه القاعدة، لعلموا أنهم مبطلون فيما يفعلون وأنهم استقبلوا حقاً أعطاه الله للأفراد أصحاب العلاقة، فملكوه من لا حق له في امتلاكه أو التصرف به.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1.   

    الأسئلة

    استخدام الشعر في خدمة الإسلام

    السؤال: هل ثبت حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرض حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يقول الشعر في هجاء المشركين. الجواب: نعم، هذا الحديث صحيح، وقد كان حسان رضي الله عنه يسخّر هذه الموهبة التي وهبه الله إياها للانتصار للإسلام والذب والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي مرة من هذه المرات، وفي محفل من هذه المحافل، قال صلى الله عليه وسلم له: (أهجهم وروح القدس معك)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وروح القدس هو جبريل، يعني: أن جبريل عليه السلام يؤيدك الله تبارك وتعالى به، ويفتح عليك فيما تقوله انتصاراً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر : (اهجهم بالشعر، فو الذي نفسي بيده! لهو أشد عليهم من وقع النبال أو السهام). فينبغي للإنسان ألا يترك أي فرصة أو قدرة من قدراته أو موهبة من مواهبه إلا ويسخرها لخدمة الإسلام والدفاع عنه وعن حرماته. والله أعلم.

    إدراك الركوع إدراك للركعة

    السؤال: إذا أدرك المأموم الركوع فهل تحسب له ركعة؟ الجواب: نعم، إذا أدرك المأموم الركوع تحسب له ركعة، فقد صحّ الحديث بذلك في سنن أبي داود من فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم حينما دخل مسبوقاً مع آخر فأدركا الناس ركوعاً، فلما سلم الإمام قام الذي مع الصحابي ليتم، فأجلسه وقال: (اجلس فإنك قد أدركت) . وهذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً لبعض أهل الحديث الذين تمسكوا بعموم الأحاديث التي فيها اشتراط قراءة فاتحة الكتاب وإيجاب ذلك، ولا تعارض؛ فهذه حالة خاصة فيها نص خاص من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأحاديث حديث أبي بكرة رضي الله عنه حينما دخل المسجد، وركع دون الصف، ودب مسرعاً حتى دخل في الصف، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، وسأل: (من الذي فعل هذا آنفاً؟) فقال أبو بكرة: أنا. فقال: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، (لا تعد) قيل في معناها: لا تعد إلى العدو؛ لأنه كان يجري وهو يدب إلى الصف، وهذا أقرب التفسيرات، والشاهد: أنه لم يأمره بإعادة هذه الركعة وقد أدرك الناس الركوع، فدل ذلك على احتسابها والله تعالى أعلم.

    منهج أهل السنة في الأحاديث التي تخبر عن أحداث آخر الزمان

    السؤال: هناك بعض الأحاديث التي فيها خروج المهدي وفتح المسلمين للقسطنطينية ورومية، وهكذا بعض أحاديث فيها أنه يكون في آخر الزمان استعمال السيوف والخيل وهذه الأشياء فهل يعني ذلك أن هناك مصيراً آخر للحضارة المادية الموجودة الآن؟

    الجواب: على أي الأحوال منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الأحاديث التي تخبر عن أحداث سوف تقع في آخر الزمان هو التصديق بها، والإمساك عن تأويلها وتفسيرها، لنترك الواقع نفسه هو الذي يفسرها، فنحن لن نسأل عن مثل هذا، والخوض فيه خوض فيما لا يعني؛ لأن هذا غيب فقط مطلوب منا أن نصدق به كيف يقع؟ نحن غير مسئولين عن تكلف إيجاده وإيقاعه، ولن نسأل عن أكثر من التصديق به، والتسليم له، ثم العمل بما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقع شيء من هذه الأحاديث، فإذا كان نص على أن هناك سلوكاً معيناً نلتزمه في هذه الأحداث فلنلتزم، كما أمرنا مثلاً أن نعتصم بالعشر الآيات الأول من سورة الكهف إذا أدركنا الدجال .

    كذلك المهدي إذا توفرت الشروط أو العلامات التي تنبأ بها النبي صلى الله عليه وسلم في حق المهدي ، ووقعت هذه الأحداث التي تنبأ بها، حينئذٍ نقطع أنه هو المهدي عليه السلام، ثم إن من المناسب في هذا المقام التحذير من مفهوم نلاحظه أحياناً عند كثير من الناس، وهو أنهم حينما يدهشون بمستوى القوة المادية التي بلغها الكفار في هذا الزمان، يصل الأمر إلى حالة من اليأس يترجم هذا اليأس مثل هذا التفكير الذي ينتظر، فحينما تتلى على الناس آيات التبشير بالنصر والإعزاز للإسلام، فأمام هذا الانهزام أمام هذه الحضارة المادية فإنهم ييأسون ويعبرون عن هذه الأشياء بطريقة غير مباشرة.

    حينما يذهبون إلى أنه انتصار الإسلام لن يكون له إلا طريق معين، وهو إمّا نزول خوارق من السماء تخرق السنن، وتؤيد المؤمنين بمجرد أنهم مؤمنون، أو أنه لا بد أن تحصل حرب عالمية تدمر كل هذه القوى الموجودة على الأرض، ليسلم من ذلك فقط المسلمون، وتعود البشرية سيرتها الأولى بالأخشاب والسيوف، والحجارة والخيول، وهذه الوسائل القديمة، فهذا في الحقيقة هروب من مواجهة الواقع، ينبغي أن نفكر في الواقع الذي نعيشه، وهؤلاء الكفار ليسوا معجزين في الأرض، فإنهم لم يسلكوا مسلك الخوارق بل سخروا السنن التي خلقها الله عز وجل، واحترموا السنن الكونية، فالأرض إذا زرعها وحرثها ورعاها الكافر -يهودي أو نصراني أو حتى ملحد- لا تقول له الأرض: أنت كافر ولن أزرع لك. وإذا كان صاحبها مسلماً فلن تزرع بدون تنقيتها من الحشائش وتغذيتها وري الزرع وتعاهده، فلن تميل إلى المسلم لأنه مسلم فتجامله، أو تقول للكافر: أنت كافر، لن أخرج لك ما فيّ من خيرات، كلا! سنة الله أن من احترم السنن طاوعته هذه السنن، وهذه السنن الكونية لابد من احترامها، وأيضاً هناك سنن شرعية لابد من احترامها، فليس من احترام هذه السنن التعلق بأن تنزل معجزات تخرق العالم، سنة الله جاءت في نصرة هذا الدين بالأسباب، مع أن الله قادر على أن يكون هو الذي يقول للشيء: كن فيكون، لكن لم يحصل هذا حتى مع الأنبياء، فالأنبياء عليهم السلام شُرّدوا.. طردوا.. أخرجوا.. عذبوا.. منهم من قتل.. جاهدوا في سبيل الله.. بذلوا -هم وأتباعهم- النفس والنفيس، وأخذوا بكل أسباب القوة، ولم يعوّلوا فقط على نزول الملائكة من السماء كمدد، ولم يعولوا على أن تنزل صاعقة على جيوش الروم والفرس فينتصر المسلمون!! فهذا التفكير ينبغي أن نزيله من عقولنا، ونواجه الحقيقة والواقع، ونحترم هذه السنن.

    هذا خباب بن الأرت رضي الله عنه يقول: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدع لنا؟! ألا تستنصر لنا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل) الحديث.

    إذاً هذه سنة ماضية، ولابد من البلاء، كما قال الإمام الشافعي لما سُئل: يا أبا عبد الله أيهما أفضل للرجل أن يُمكّن أو يُبتلى؟ قال: لا تمكن حتى تبتلى. فهذه سنة وقانون من قوانين الدعوة: أنه لابد من البلاء.

    الأمر الثاني: لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ويستنصر لهم، عدل عن الدعاء لهم بتسليتهم بسنة الله في الذين خلو من قبل، فقال: (لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة في الأرض، ثم يوضع فيها، ثم يوضع المنشار على رأسه، ثم يشق نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يرده ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) أي: تستعجلون السنن الكونية التي لابد من احترامها.

    حرص النية وحده لا يكفي، مثلاً: احترام قراءة القرآن أن يختم الإنسان القرآن كله، هذه من أعظم الأعمال الصالحة، لكن جرت السنة أن الإنسان لا يستطيع أن يختم القرآن إلا في عدد معين من الساعات، إذا أردت أن تختم القرآن كله فلا يمكن أن تختمه في ساعة واحدة ستين دقيقة مهما أسرعت في القراءة؛ فقد جرت السنة بمعدل معين من الساعات لابد منه لختم القرآن الكريم.

    مثلاً: جرت سنة الله عز وجل أن الجنين لا يصلح لأن يواجه الحياة إذا لم يمكث -على الأقل- سبعة أشهر في بطن أمه، أو تسعة أشهر؛ فالأصل أنه إذا خرج مبكراً إلى الحياة فإنه لا يصمد أمام الحياة الخارجية؛ لأنه لم يكن قد تم اكتماله بعد، فبالتالي لا يعيش ولا يبقى. فهذه سنن الله عز وجل، ولابد للإنسان أن يحترم هذه السنن.

    استخدام الشعر كوسيلة للحرب ومهاجمة المشركين

    السؤال: هل ثبت حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرض حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يقول الشعر في هجاء المشركين.

    الجواب: نعم، هذا الحديث صحيح، وقد كان حسان رضي الله عنه يسخّر هذه الموهبة التي وهبها الله إياها وهي موهبة الشعر، للانتصار للإسلام والذم والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي مرة من هذه المرات، وفي محفل من هذه المحافل، قال صلى الله عليه وسلم له أغُد وروح القدس معك، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. المقصود أن روح القدس -وهو جبريل - معه، حيث إن جبريل عليه السلام يؤيدك الله تبارك وتعالى به، ويفتح عليك فيما تقوله انتصاراً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر : {اهجهم بالشعر، فو الذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من وقع النبال أو السهام}.

    فينبغي للإنسان ألا يضيع أي فرصة أو قدرة من قدراته أو موهبة من مواهبه إلا ويسخرها لخدمة الإسلام والدفاع عنه وعن حرماته والله أعلم.

    إذا أدرك المأموم الركوع تحسب له ركعة

    السؤال: إذا أدرك المأموم الركوع فهل تحسب له ركعة؟

    الجواب: نعم، إذا أدرك المأموم الركوع تحسب له ركعة، فقد صحّ الحديث بذلك في سنن أبي داود كما صح من فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم حينما دخل مسبوقاً مع آخر فأدرك الناس ركوعاً، فلما سلم الإمام قام من مع الصحابة ليتم فأجلسه وقال: {اجلس فإنك قد أدركت} . فهذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً لبعض أهل الحديث الذين تمسكوا بعموم الأحاديث التي فيها اشتراط قراءة فاتحة الكتاب وإيجاب ذلك، ولا تعارض؛ فهذه حالة خاصة فيها نص خاص من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأحاديث حديث أبي بكر رضي الله عنه حينما دخل المسجد، وركع دون الصف، ودب مسرعاً حتى دخل في الصف، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، وسأل: {من الذي فعل هذا آنفاً؟} فقال أبو بكر : أنا. فقال: {زادك الله حرصاً ولا تعد}، لا تعد: قيل في معناها: لا تعد إلى العدَّو؛ لأنه كان يجري وهو يدب في الصف إلى صفه، وهذا أقرب التفسيرات، والشاهد أنه لم يأمره بإعادة هذه الركعة وقد أدرك الناس الركوع، فذلك على احتسابها والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755943153