هذا هو الدرس الخمسون والأخير من سلسلة الدروس العلمية العامة لهذه الفترة، ينعقد في هذه الليلة ليلة الإثنين العاشر من جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة واثنتي عشرة للهجرة.
وأتمثل بين يدي وأنا أتحدث إليكم في هذا الموضوع ما رواه الترمذي في سنـنه وحسنه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة} وأسأل الله جل وعلا أن أكون وإياكم من الذابين عن أعراض إخواننا المؤمنين بما نستطيع وأقل ما نستطيعه هو سلاح الكلمة.
الكلمة -أيها الأحبة- أمانة في عنق المتحدث سواءً أكان هذا المتحدث خطيباً يعتلي أعواد المنابر، أم كان متحدثاً، أم كان كاتباً، أم صحفياً، أم غير ذلك. وهي أمانة عظمى إذ أن الكلمة هي أول كل شيء، فالجنة تدخل بكلمة: لا إله إلا الله. وكلمة الكفر التي هي: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:26] هي التي تهوي بصاحبها إلى نار جهنم وبئس القرار، والحرب تبدأ بكلمة والصلح يبدأ بكلمة.
وإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها كلام |
والإنسان المؤتمن على هذه الكلمة خطيباً كان، أو إعلامياً، أو صحفياً، أو شاعراً، أو كاتباً، أو قصاصاً ينبغي أن يتمثل أفضل الصفات وأنبلها، ويفترض أن يكون موجهاً، ومرشداً، وداعياً، ومعلماً قبل أن يكون مالكاً فقط لزمام الكلمة بجودة الحديث، ينبغي أن يكون على مستوى التوجيه الذي يحمله للمجتمع، فلا يتسلم هذا المنصب إلا أنبل الناس، وأفضل الناس، وأقدر الناس على التفكير، وأصدق الناس، وأصلح الناس.
فلسنا نريد أن يمارس الإنسان -صحفياً، أو خطيباً، أو متحدثاً- لسنا نريد منه أن يمارس فقط دور الإعلام الرسمي الذي تنتهي مهمته عند حد التطبيل الفارغ، ومدح المنجزات الوهمية، وطمس الحقائق وحجبها عن الأمة، بل نحن نريد أن يمارس دوره في النقد البناء، لكن وفق الضوابط والأصول الشرعية البعيدة عن التشنج، والتجريح، والسباب، والشتائم، وغير ذلك والتي تجعل مصلحة الأمة العليا نصب عينيها فيما تقوم به من نقد بناء هادف.
وإن من النقد: نقد المجتمع بكل مؤسساته، بدءاً من المؤسسات العليا الحاكمة المتنفذة، ومروراً بالمؤسسات الحكومية والشعبية، وانتهاءً بالمواطن العادي، فالمواطن يحتاج إلى من يوجهه ويرشده، كما يحتاج إلى من يدافع عن حقوقه المعيشية والإنسانية، ويحتاج إلى من ينتزع له لقمة الخبز من أفواه اللصوص الكبار الذين لا تطالهم يد القانون في كثير من الأحيان، بل ربما كانوا أحياناً هم القانون نفسه، أولئك الذين يجري في عروقهم الدم المقدس في زعمهم!! والذين استعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهامتهم أحراراً!!
أيها الأحبة: إن الصحافة تفقد مصداقيتها حين تكون صحافة مجاملة، همها التربيت على أكتاف الحكام، والتصفيق للمعتدين على أعراض الناس، وحرياتهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم، فالصحافة هي نَفَس الإنسان، ويفترض أن تكون تعبيراً حقيقياً عن مشاكله، وهمومه، وطموحاته، وآماله، وآلامه، وتطلعاته أما أن تمارس الصحافة دورها بشكل مقلوب، فهذه هي النكسة العظمى، والإجحاف الكبير بحق الأمة، وهذا هو التنكر للرسالة التي كان يجب على الصحافة أن تحملها.
إننا ننتظر من الصحافة بجميع مؤسساتها أن تكون مدافعاً شجاعاً عن مصالح المجتمع، وأن تكون منبراً حراً لصوت الحق، وأن تكون أداة فعالة لبناء الأمة، بناءً عقائدياً يحفظ للأمة استقلالها في وجه عواصف التغيير، ويمنحها الثقة بذاتها، وتأريخها، ومستقبلها، وشخصيتها المستقلة، وفي الوقت نفسه ننتظر من الصحافة أن تكون مجالاً صالحاً للنقد البناء الهادف النـزيه مهما يكن هذا النقد مراً على النفوس، فهذا هو العهد المأخوذ على خير القرون كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: فيما أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: [[وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم]].
فأين حمية الإسلام إذاً؟!
وإذا لم تكن حمية الإسلام، فأين نخوة العروبة التي كان أبو جهل، وأبو لهب ينتخون بها ويتنادون إليها؟!
أين الموقف الناضج من ذوبان الشخصية الإسلامية في شخصية المستعمر؟
سواء كان هذا المستعمر أمريكياً، أم بريطانياً، حتى أصبحنا نجد المواطن العادي في أكثر من بلد قد يسمى ولده -كما سمعتم وقرأتم- بجورج بوش عبد الله! والآخر يلبس قلادة عليها صورة تاتشر! والثالث يقدم مشروعاً رسمياً لتسمية أحد الشوارع الرئيسية بـتاتشر أيضاً!!
ثم يشترط أحد الحضور أن يكون هذا الشارع -على حد تعبيره-: "سنع وزين"، لابد أن يكون شارعاً يليق بمستواها! وآخر أو أخرى تتكلم في التلفاز بلسان عربي غير مبين، وتفتخر بأن عشيقها أمريكي وهي بنت خمسة عشر عاماً! وفي ذات الوقت نجد بعض المقالات في صحف تكتب بالأحرف العربية، تنادي بإعادة النظر في العداوة مع إسرائيل؛ لأن إسرائيل وقفت معنا في حرب الخليج موقفاً لا بأس به، كما تقول تلك المقالة.
وهل إذا وقفت معنا إسرائيل، أو وقفت معنا تاتشر، أو وقفت معنا أي قوة أخرى في الدنيا في حرب سابقة أو في حرب لاحقة؟
هل فعلت ذلك من أجل سواد عيوننا؟!
هل فعلت ذلك كما يراد لنا أن نفهم مناصرةً لقضايا العدل، والسلام، ورعاية لأخلاقيات وحقوق الإنسان؟!
هل لهذه المصطلحات والكلمات وجود في قاموس السياسة المعاصرة؟!
هل نحن نضحك على أنفسنا؟!
كلا، إنهم وقفوا معنا من أجل مصالحهم، ومن أجل حفظ اقتصادهم، ومن أجل ضمان هذا العرق النابض في بلادهم، وقفوا وقفة من أجل أنفسهم لا من أجلنا، ويجب أن ندرك ذلك حق الإدراك، فهم لا يعنيهم من يحكم المسلمين، بقدر ما يعنيهم أن يكون الذي يحكمهم يضمن لهم مصالحهم، وأن تصل إليهم دون أي تأخير أو تعكير.
لقد تنكرنا أو تنكر بعضنا للمجاهدين الأفغان، فأصبحنا نقرأ في تلك الصحافة: أن المجاهدين الأفغان ليسوا سوى عملاء لـأمريكا وأنهم يحاربون عملاء روسيا، فالحرب في أفغانستان هي حرب بين أمريكا وروسيا بالوكالة، حرب بين عملاء أمريكا وعملاء روسيا، وأنها أسلحة أمريكية في وجه أسلحة روسية.
أصبحنا نتنكر للجماعات الإسلامية في كل بلد إسلامي، ونرميها بكل البذاءات، وكل الألفاظ الشنيعة، وأقل ما يمكن أن نقول لهم: إنهم وقفوا مع صدام حسين، ومع غزو العراق للكويت، وأنهم انتهازيون، وأنهم ذوو أهداف مادية سياسية، وأنهم لا يعنيهم أمر الإسلام إنما الإسلام بالنسبة لهم هو مجرد حصالة نقود، أو مجرد ثوب يلبسونه صباحاً يخلعونه مساءً.
أصبحنا نطلق هذه العبارات على كل الجماعات الإسلامية، وعلى كل من يرفعون راية الدعوة إلى الإسلام في كل بلد، وهذا والله من الظلم الكبير.
تنكرنا لعلماء الدين، فأصبحنا نصفهم بكل نقيصة، نصفهم بالجهل، بالتخلف، بالتطرف، بالعنف، نصفهم بكل الألفاظ البذيئة التي نحفظها في قاموسنا.
وأخيراً: تنكرنا لشباب البلاد أنفسهم، فأصبحنا نصب عليهم جام غضبنا، ومرير حقدنا، ونستخدم ألفاظ البذاءة، والسباب، والشتائم لنسود بها صفحات جرائدنا، ومجلاتنا، وصحفنا، في محاولة إلهاب السياط في ظهور هؤلاء الأبرياء.
أي تردٍّ في المفاهيم والتصورات أعظم من هذا؟!
وإذا بنا اليوم نقرأ في صحف توزع في مكتباتنا، وبقالاتنا، وأسواقنا، وتدخل إلى بيوتنا عمّن يتغنى بأمجاد الاستعمار، ويقول: إن الاستعمار هو الضمادة التي تلتف حول جروحنا، وهو الذي يعمل على ترسيخ مبادئ الحرية، والكرامة الإنسانية. إنها هزيمة كبرى في ظل هيمنة أمريكا والغرب، وفي ظل تفوق إسرائيل، وخيانة للأمة وتأريخها ومستقبلها أن يوجد بيننا من يقول: ما المانع من إقامة قواعد عسكرية لهم في بلادنا؟!
فنحن بحاجة إليهم ليدافعوا عنا كما نحن بحاجة إلى صناعتهم وتعميرهم لبلادنا المخربة.
إنها كارثة والله أن تذوب حواجز العقيدة مع هؤلاء، لتقوم بدلها حواجز مع بني جلدتنا، وأولاد أسرنا لمجرد أنهم كانوا متحمسين للإسلام أكثر منا. وإنها لكارثة أكبر أن تصبح بديهيات الدين مجالاً للأخذ والرد، والجدال، فالبراءة من المشركين اليوم لا وجود لها في قاموس طائفة ممن يتسنمون على عرش الصحافة، فقد ضاعت عندهم الأوراق، واختلطت الحدود، وضاعت المفاهيم فأصبح الكافر المشرك صديقاً ودوداً حبيباً لماذا؟!
لأنه وقف معهم فيما يزعمون ويدعون، وأصبح الصديق المؤمن عدواً؛ لأنه في نظرهم يقاوم طغيان الغرب، أو طغيان الشرق.
فكيف نعتقد الآن أننا بمنجاة من عقوبة الله تعالى؟!
لقد وقف كثيرون ضد من فسروا الحدث بأنه عقاب، وقالوا: يجب عليكم إذاً أن تعتقدوا أن الحرب ضد عدوان العراق كانت حراماً، وأن هؤلاء الذين احتلوا بلاد الكويت كانوا جنود الله، ثم قال أحدهم: فلماذا وقفتم ضد الاحتلال؟
ولماذا طالبتم بالجهاد أنتم والجماعات الدينية الأخرى؟
وهاهنا يطول عجبي! فإنهم قبل قليل كانوا يتهمون الجماعات الدينية -كما يسمونها-، ويتهمون الدعاة إلى الله تعالى، بأنهم وقفوا مع العراق ضد الكويت، وأيدوا احتلال الكويت فإذا بهم ينقلبون في موقف من المواقف، ويقولون: إذاً فلماذا وقفتم ضد الاحتلال، وطالبتم بالجهاد أنتم والجماعات الدينية؟
فيعترفون بأن الجماعات الدينية -كما يسمونها- وأن الدعاة إلى الله تعالى قد وقفوا ضد الاحتلال وقاوموه، وطالبوا بالجهاد لكن هذا الاعتراف لا يدوم إنما يقولونه فقط عند الحاجة، ثم يقلبون ظهر المجن ليقولوا لهم كلاماً آخر إذا احتاجوا إليه.
وأحدهم كتب مقالاً عنوانه: (البطريركية والقساوسة الجدد)، صب فيه جام غضبه على مجموعة من الدعاة؛ لأنهم دعوا الناس إلى تقوى الله تعالى، وخوفوهم عقابه، وقالوا لهم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] وقال: كلا، ليس ما أصابنا بما كسبت أيدينا، ولكن مصيبة الكويت سببها كثرة الجماعات الدينية التي جعلت الإسلام حصالة نقود، وكلما طالت ذقونهم، وقصرت (دشاديشهم) -هذه عبارته- صغرت عقولهم، وعندما ظهروا على الساحة انحبس المطر، وجف الضرع، ومات الزرع، وكثرت المصائب، ومزقت الأوراق، وقطعت الأرحام، وارتفعت حالات الطلاق، وقل الزواج، وكثر السفر إلى بانكوك، وكثرت مصائب الله تعالى بها عليم.
إنها لمصيبة أن تنسينا المنافسة غير الشريفة مبادئ العدل التي نتغنى بها، والذي به قامت السماوات والأرض، فنستغل هذا المنبر الشريف -الصحافة- لأفكار وأقوال وآراء غير شريفة، وعبارات غير نظيفة نلصقها بأولئك الذين لا نحبهم.
فيا ليت هؤلاء الذين سخَّروا أقلامهم للانتقاد وانتقاد الأخيار، والسخرية بهم، ليتهم صبوا جهودهم في مقاومة الفساد الذي تنشره وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، والتي تعرض صوراً يشيب منها الرأس، ففي إحدى المرات تعرض صورة رجل لبناني يحمل معه ولداً جميلاً، فيقول بكل تبجح: إنه يحمل هذا الولد حتى يصطاد به الفتيات الكويتيات، لأنه ولد جميل، ويتحدث القادمون من هناك عن ممارسات وإن كنا نرجو أن تكون محدودة، إلا أنها قد تقع أحياناً أمام سمع وبصر المارة يقشعر منها الجلد، ولو علم بها رجل الجاهلية الأول لأنكرها وانتفض من ذلك في قبره.
بل الغريب أن هناك محاولات أخرى لتطبيعها واعتبارها أمراً عادياً، فلا تستغرب أن يكتب أحدهم في جريدة صوت الكويت يقول: إنه قد رأى في بريطانيا شاباً وفتاة غارقين في بحر من القبل لمدة نصف ساعة أو أكثر دون مضايقة من أحد، وبعيداً عن أعين ونظر الركاب الإنجليز، وهذا أمر عادي جداً ولا غبار عليه، ومع ذلك يقول: الجو هناك هادئ، وبديع -في لندن طبعاً- والأمطار هادئة، والأسواق ممتلئة بالخيرات، والشعب يتمتع بالرخاء، وإمكانية أن تُجتاح بريطانيا من قبل إحدى الدول المجاورة أمر غير وارد، ويطالب بأن يكون هذا المنظر الذي شاهده في بريطانيا أن يكون موجوداً في الكويت، وألا يكون عليه أي اعتراض، ويتساءل متى يأتي اليوم الذي يحصل فيه مثل هذا في أرض الكويت؟!
فالقضية محاولة جلب التعاسة الغربية إلى بلاد الإسلام، وليست هذه مختفية في حيز ضيق أو زاوية، وإنما هي ممارسة علنية تكتب على صفحات الجرائد والمجلات، وأكثر من ذلك أنها تشترى بأموالنا.
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المعاني الثلاثة وغيرها في حديث ابن مسعود المتفق عليه لما قال: {يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك } فهذا يتكلم عن قضية العقيدة، وأن من أهم القضايا التي يحملها كل مسلم ضرورة تصحيح العقيدة من خلال المنبر الذي يملكه، ويتكلم عن ضرورة الحفاظ على أخلاقيات المجتمع، ووجود قدر من الأمن الأخلاقي، والأمن الاجتماعي في كل مجتمع تظلله راية الإسلام. ويتكلم عن قضية الحاجات الضرورية للناس، وضرورة الحفاظ على حياة الناس، وعلى أقواتهم، وعلى ضروراتهم.
كان المنتظر أن نكتشف في هذه الفترة الحسد الذي كان يأكل قلوب طائفة منا، وقد جاء في سنن أبي داود: {إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} وأن نكتشف الظلم الذي كان يحكم حياتنا الاجتماعية والسياسية، وفي الصحيحين: {الظلم ظلمات يوم القيامة} وكان من المنتظر أن نكتشف الرياء الذي كان يهيمن على تصرفاتنا، واحتفالاتنا، واجتماعاتنا فيجعلها مكروهة ممقوتة بعيدة عن الصدق والوضوح، وفي مسند أحمد عن محمود بن لبيد مرفوعاً: {إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء} وسنده حسن.
كان من المنتظر أن نكتشف ظن السوء الذي يخيم على قلوبنا، ويحكم نظرتنا إلى الآخرين من بني جنسنا وبني ديننا، ويحكم علاقة بعضنا ببعض، وفي الحديث: {إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث} وهو في الصحيحين، وأن نكتشف الغش، والخديعة، والاستئثار عن الرعية بالمال والسلطان، وإثقال الكواهل بالرسوم والضرائب، وفي المتفق عليه {ما من وال يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة } وأيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه}رواه مسلم.
كان من المنتظر أن نكتشف السلب والنهب بغير حق، وضياع الثروات في غير طائل، وفي صحيح البخاري عن خولة الأنصارية مرفوعاً: {إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة}.
وكان من المنتظر أن نكتشف الفحش، والبذاءة، والسباب في أساليبنا، وفي عباراتنا، وفي إعلامنا، وفي صحافتنا، وفي ألسنتنا، وفي أقوالنا ومقالاتنا، وفي حديث أبي الدرداء الذي رواه الترمذي وصححه: {إن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء} وفي حديث آخر في الصحيح: {إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة}.
كان من المنتظر أن نكتشف الاستكبار في الأرض، والتعاظم على عباد الله من الفقراء، والعمال، والمعوزين، والمحتاجين، والضعفاء، وغيرهم الذين بسببهم تدفع الآفات، والمصائب، وبدعائهم يستمطر المطر من السماء. وفي حديث ابن عمر: {من تعاظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله تعالى وهو عليه غضبان} وفي الحديث الآخر: {من ضار مسلماً ضاره الله، ومن شاق مسلماً شقَّ الله عليه} رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
وكان من المنتظر أن نكتشف ونتخلص من الجاسوسية، التي جعلت كثيرين كأنهم يعيشون في عالم من الأشباح والمخاوف، أو غابة من الأوهام، وفي القرآن يقول الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] وفي صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعاً: {من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة}.
كان من المنتظر أن نكتشف ونعالج تلك الأمراض الفتاكة التي تفتك بمجتمعنا، وتحتاج إلى اليد الحانية التي تعالجها، وتشخصها، وتجعلنا أمام أنفسنا في العراء وجهاً لوجه. وقد كان في هذه الموضوعات وغيرها غُنْيَةُ، أي غنية عن إثارة المعارك الحامية مع الآخرين، ممن لا يملكون صوتاً كصوتنا، ولا بذاءة كبذاءتنا، ولا قلة حياء كقلة حيائنا.
ولكننا نعلم ويعلم الناس أن الشباب المستهدفين بهذه الحملة الظالمة الآثمة هم عُمَّار المساجد، وهم أهل حلق الذكر، وهم طلاب العلم، وهم حملة الدعوة، وهم الملتزمون بالسلوك الإسلامي، المتحمسون لقضية الدعوة إلى الله تعالى أكثر من غيرهم.
وهذه الحملة تتمركز غالباً حول محورين:
إن النقد له ضوابطه يا أخي، والشتم ليس من شيمة المسلم، واتهام النيات لا معنى له، فأنت -مثلاً- لو قال لك إنسان: إنك شخص متهم، أو إنك عميل، أو أنك تمارس أخلاقيات غير جيدة في الخفاء، أو إنك تمارس محاولة الحصول على الشهرة على أكتاف الآخرين، لما كنت ترضى بهذا بحال من الأحوال، ولكنت تكتب عنه كثيراً، وتشهر به، وتقول له: ما الذي جعلك تطلع على ما في قلبي؟!
أو تتجسس عليّ في بيتي؟!
فما بالك أصبحت تمارس هذا الدور الذي تنتقده مع الآخرين، فتتهمهم بشتى التهم وتجعل العنوان: (المجرم حين يصبح رجل دين).
بل الأغرب من ذلك أن هذا الشخص نفسه قال في مقال له: واحد لحيته مثل التيس -هكذا!!- يقول لي: لماذا تتكلم عن رجال الدين، ورد عليه بقوله: قلت له: الإسلام ليس فيه رجال دين، يا سبحان الله!!
أولاً: كلمة أن هذا الإنسان لحيته شكلها كذا، هذا الكلام ليس من كلام المنطق، ولا من كلام العقل، وإذا تركنا قضية الإسلام جانباً، لنناقشكم من منطلق الحرية الشخصية التي تتكلمون عنها، أليس من حقي كمواطن -ودعك من قضية وأنني مسلم- وإنني أربي لحيتي كما يحلو لي؟!
وأنت تستغل جريدة رسمية سيارة لتسخر من لحيتي وشكل لحيتي، عيب!! أقول لك: عيب! لأن كثيراً من الناس لا تؤثر فيه مكلمة حرام، بل كلمة كفر قد لا تهز مشاعرهم.
ثم هو نفسه يقول في مقاله السابق: (المجرم حين يصبح رجل دين)، هذا هو العنوان وعندما يقول له أحدهم: لماذا تسخر من رجال الدين؟
يقول له: الإسلام ليس فيه رجال دين.
إذاً: لماذا بالأمس استخدمت لفظ رجل دين، واليوم أصبحت تتناقض؟!
ومرة أخرى كتب مقالاً يزعم أنه رسالة من أحد القراء، لفت نظري فيه -وكله يلفت النظر- لكن هذا الإنسان يقول: رجل نظر إلى زوجتي وهي معي في السيارة، وقال لها: "غطي وجهك يا فاجرة!!" متى حصل هذا؟!
وأين حصل هذا؟!
ثم ما هو التعليق؟!
يقول هذا الإنسان: كل ما أستطيع أن أعلق عليه أنه بالنسبة لشعر رأسه وشعر لحيته عنده كثافة في الإنتاج وسوء في التوزيع، أي أن الشعر كثير لكنه غير منظم. يا سبحان الله أهذا كلام! أهذا نقد!!
هذا شتم، وسباب، وبذاءة، ونحن كنا نربأ ببعض هؤلاء أن يصلوا إلى هذا الحضيض الذي أوصلوا أنفسهم إليه، فعبروا عن مشاعر الحقد التي لا يحملها الإنسان الشريف الفاضل النبيل.
أولاً: قبل قليل كنتم تعترفون بأنفسكم -وهذا كلام مكتوب وكل ما أقوله بوثائق- كنتم تعترفون بأن الجماعات الدينية -كما تسمونها- وقفت ضد الغزو، وحاربت وقاومت، وكانت وقوداً، وأنها أعلنت الجهاد، وقبل ذلك كان هذا الأمر معروفاً، فما بالكم الآن تتهمونها بأنها وقفت مع الاحتلال العراقي؟!
هذه نقطة.
النقطة الثانية: لماذا اتهام النيات؟.
أثبت لنا بالوثائق، والحقائق، والكلام العلمي البعيد عن التهويل والمبالغة، أثبت لنا ما تقوله وتدعيه، هذه صحف القوم قبل الغزو العراقي وأثناءه وبعده كانت تتكلم عن هذا الموضوع بشكل واضح، كانت تنتقد هذا الغزو، وتنكره، وتعلن الحرب عليه، وتجند إمكانياتها لذلك، ومن هو الذي يجهل مواقف الصحافة الإسلامية من حزب البعث العراقي وغير العراقي منذ عشرات السنين.
أحرام على بلابله الدوحُ حلال للطير من كل جنس |
مثال ثالث أيضاً: كتب أحدهم مقالاً في جريدة سيارة، هو عبارة عن رسالة يقول إن أحد الناس كتبها إليه، يقول: إنهم يسألونني عن زوجتي إذا لقوني قد أركبتها في السيارة، هل هي زوجتك أم لا؟
وما هي الدلالة؟
ثم يجعلون الزوجة في غرفة والرجل في غرفة، وبعد ذلك يسألون الزوجة ما لون غرفة النوم، وما نوع المناديل التي تستخدمونها؟
وما شكل البيت؟
وما اسم أكبر الأولاد؟
وما اسم كذا؟
وما شكل كذا؟
وما.. حتى يتأكدوا من هذه المعلومات هل هي زوجتك فعلاً أم ليست بزوجتك؟
إنك تنشر لنا رسالة من أحد القراء، وصحيح أن هذا القارئ يزكي نفسه يقول: والله العظيم أنا أصلي، وأصوم، وكذا، ونحن لا نتهم هذا القارئ، ولا نتهمك أنت هل الرسالة حقيقية أو مزورة؟
هذا أمر نتركه، أمر غيب لله لأننا لا نريد أن نتكلم أو نتوقع شيئاً معيناً، لكننا جميعاً لا نستطيع أن نحكم على جهة معينة دون أن نسمع كلام الطرف الثاني.
ما هو الذي حصل لهذا الرجل؟
وما الذي حدث منه؟
وهل من المعقول أن تنشر في صفحات طويلة رسالة من قارئ؟
لا نعرف من هو؟
ولا ندري هل هو صادق أم غير صادق؟
ولم نسمع كلام الطرف الآخر، ولم نعرف في أي مكان حصل هذا الأمر!! لماذا يستهدف مثل هذا الجهاز بمثل هذه الحرب الشعواء علماً بأننا نعرف أن هناك أجهزة كثيرة مشابهة؟
هناك جهاز المرور، جهاز الشرطة، جهاز الأمن، وكل هذه الأجهزة تقوم على مصالح الناس، وكل هذه الأجهزة لها تجاوزات:
فرجل المرور يمكن أن يخطئ، ويمكن أن يدعي على إنسان أنه قطع الإشارة ولم يفعل، وإذا كان الإنسان لو اشتكى إلى تلك الجهة أو هذه ربما لا تستمع إليه؛ لأنهم يقولون: لو سمعنا شكاوى المواطنين ما أثبتنا ولا مخالفة مرورية واحدة مثلاً.
فإنني أقول إن جهاز الهيئات على أتم استعداد لتلقي أي شكوى حقيقية من إنسان، والنظر فيها، ومعرفة أبعادها، وإذا ثبت أن هناك إنساناً تجاوز أو أخطأ فسوف يلقى جزاءه.
وهذا بخلاف كثير من الأجهزة الحكومية الأخرى، فإنه من الصعب أن تتقبل شكاوى المواطنين، وقد حصل هذا لي ولغيري فنحن نجد كثيراً من الأجهزة يقول: لا أستطيع، وإن كنت أعتقد أنه يمكن أن يقع الخطأ لكني لا يمكن أن أتقبل أية شكوى؛ لأن هذا سوف يفتح علينا باباً واسعاً، وتجاوزات رجال الأمن حدِّث ولا حرج.
ففي بلاد الإسلام في طولها وعرضها لا تسأل أجهزة الأمن عما فعلت، وقد تتدخل في خصوصيات الناس، وقد تتجسس على الناس، وقد تكشف أوراقهم، وقد تراقبهم ولم نجد في هذه الصحف من تكلم عن ذلك أبداً، وإنما تكلموا عن -ما يسمونه- بتجسس الأخيار، ورقابة ما يسمونه برقابة الطيبين عليهم.
ولا أدري ما هو الدافع إلى السكوت عن ذاك والتركيز على هذا؟!
بالرغم من أن الأمر بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون وهماً كبيراً.
إذاً عليكم أيها الحكام أن تقاوموا هذا النشاط، وتحاربوه، وتأخذوا حذركم منه فإنه يهدد وجودكم، ويهدد استقراركم، ويهدد كراسيكم. وهي كما قيل: (شنشنة أعرفها من أخزم) بالرغم من أنهم يعترفون بأن دور هذه الهيئات لم يتعد أن يكون إعلانات على الصحف، بل إن أحدهم قال: تتصدر إعلاناتها الصحف على استحياء.
إذاً إعلانات في الصحف، وعلى استحياء أيضاً، ومع ذلك صار هناك تهديد بأن هذه يمكن أن تقلب نظام الحكم في البلد، وأنها ميليشيات، وأنها يمكن أن تكون النهاية حروب أهلية!
وآخر كتب حواراً مع داعية في حلقتين، وهو كلام والله ساقط، حتى على المستوى اللغوي، وعلى المستوى الصحفي، أتعجب أين الرقابة الصحفية من مثل ذلك الكلام الذي لا يستحق أن أنقله أو أتكلم عنه؟!
ثم ركز هؤلاء على تأييد الأعمال القمعية ضد الحركات الإسلامية في الجزائر وفي غيرها، وأيدوا هذا العمل، وقالوا عنها كثيراً مما قالوا، ومثل ذلك أمر عجيب: ففي الوقت الذي يتكلمون فيه هم عن إطلاق الحريات، ويطالبون -بما يسمونه- بالديمقراطية، كأنهم يعتبرون أن الديمقراطية حق لهم فقط أما من ينتسبون إلى الإسلام، والدعوة الإسلامية فإنه يجب أن يقاوموا بالحديد وبالنار.
ليس فقط حرمانهم من الحقوق في الصحافة والكتابة؛ لا، ولا حرمانهم من الحقوق في الكلام في المساجد فإن أحدهم -أحد هؤلاء الصحفيين- لما سمع خطيباً يدافع عن المتدينين اتصل بوزير الأوقاف يطالبه بفصل هذا الخطيب، فهو حصار إلى هذا الحد، وإلى هذه الدرجة، ومقاومة بهذه الصورة!
إذاً، هم يريدون حريات لهم هم فقط، أما من ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية، أما رجال الإسلام ودعاته، فإنهم لا يكتفون فقط بحرمانهم من الحقوق الإنسانية في الكتابة في الصحف، أو الكلام على أعواد المنابر -مثلاً- أو في الدروس وغيرها، وإنما حتى يطالبون بأن يكون مكانهم السجون؛ لأنهم يتهمون دائماً وأبداً بأنهم خطر على أمن البلاد، وعلى استقلالها، وعلى استقرارها، ولله في خلقه شئون!
وبعضهم إذا عاتبته قال لك أنا لا أتكلم عن الجميع، أنا أتكلم عن البعض، وهذا في الواقع أمر عجيب! من هذا البعض الذي تتحدث عنه؟!
ولماذا تتكلم عن البعض وتترك البعض الآخر؟!
لماذا لا تذكرون الصورة الأخرى المشرقة لدعاة الإسلام ورجاله؟!
حتى تستطيع أن تقول إنك منصف وعادل كما زعمت، وحتى حديثك عن هذا البعض، لماذا يكون حديثاً متشنجاً، منفعلاً، بعيداً عن الموضوعية، وبعيداً عن التعقل، وبعيداً عن الإنصاف؟
لماذا تتعرض لشخصيات الناس وحرياتهم وحقوقهم الخاصة؟!
بعض الجمعيات في الكويت منعت بعض هذه الصحف أن تباع، فثارت ضجة في تلك الصحف، وقالوا: هذه الجمعية حكومة داخل الحكومة، دولة داخل الدولة، وقالوا: نخشى أن يتطور الأمر إلى إرهاب فكري، وما علاقتكم أنتم بثقافة الناس؟
وماذا يقرءون؟
وماذا يشترون؟
إلى حد أن بعضهم من تناقضه قال: إنهم لما منعوا بيع هذه الصحف ارتفعت مبيعاتها، وارتفع الإقبال عليها، ثم تناقض بعد قليل، وقال: إن منعهم لبيع هذه الصحف كان تمهيداً للانتخابات في تلك الجمعية وهذا أمر عجيب!.
إذاً: منع الصحف يرفع شعبية الجمعية عند الناس، هذا معنى قوله إنه تمهيد للانتخابات، وهو يزعم أن مبيعات الصحف قد ارتفعت بسبب منعها، وهذا تناقض ظاهر!
إن المرأة تستطيع أن تحصل على حقوقها، وتصل إلى ما تريده من الإبداع، وفق كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم دون أن تأخذ إذناً منك، أو من غيرك بهذا الأمر.
ومما يؤكد لك أن القضية ليست مجرد الحصول على حقوق تشريعية في الانتخاب أو الترشيح؛ لا، بل الأمر أبعد من ذلك- فقد كتبت إحداهن من لندن مقالاً هو كما يلي: وهو في صوت الكويت، عنوانه: المساواة أساس البناء السليم، واسمع ماذا تقول:
من خلال متابعتي لمنبر القراء لفت نظري تناول كثير من الإخوة لقضية المرأة بأسلوب لم يعد ملائماً لعصرنا الذي تتقدم فيه الشعوب أكثر مما نتقدم نحن، ولذلك دفعتني هذه الآراء لكتابة هذا الرأي حول وضعية المرأة في مجتمعنا العربي، حتى نثير حولها النقاش، ونرفع عنها وصاية الرجل، فالمرأة ذلك المخلوق البشري الذي يصر غالبية الرجال على وصفه بالكائن الجميل، الوديع، محاولة منهم دغدغة المشاعر، والغرور الأنثوي عبر إطراء فارغ الفحوى والمعنى، وإقناعاً للنفس بتناسي حقيقة هذا الكائن القوي النشيط، الذي بات يشكل خطراً على ما اكتسبوه قسراً عبر حقب زمنية بعيدة، بالتحكم بمصيره، والوصاية عليه دون إذن، أو انتخاب مسبق من صاحبة الشأن: المرأة.
هذا المخلوق بقدرته على العطاء اللامحدود، وإنكاره للذات، وبقائه في الظل كالجندي المجهول؛ يستحق منا أن نعيد قراءة وفتح ملف قضيته الأزلية بتمعن واهتمام، وهي قضية يمكن اختصارها بكلمة واحدة هي: "المساواة"، ولنثبت فعلاً تطبيق المعنى الحقيقي لشعارات نطلقها هنا وهناك، مثل التحضر، والحرية، والسلام، ومادمنا نقترب من توديع عامنا الحالي، والذي كان غنياً بأحداثه السريعة، فإنني أجدها فرصة لدعوة بنات جنسي بمطالبة هذه المنظمات الإنسانية بطرح قضيتنا العادلة عبر الأروقة، والزوايا المعنية، وعدم الاستهانة بمطلبنا في المساواة، الذي تتحدد عليه ملامح الأسس الرئيسية لمفهوم الحضارة والرقي.
ثم تختم بقولها: إن مطلبنا محدد وجوهري: ارفعوا الوصاية وامنحونا استقلالاً ذاتياً، إذ لم نعد قُصَّراً، بل كبرنا، وكبرت معنا كل المفاهيم للقيم والكفاءة والجدارة لكي نستطيع أن نمد أيدينا دون خوف من نكث للعهود، ونسير معاً جنباً إلى جنب نبني مستقبلاً عادلاً مليئاً بالحب والسلام، مبنياً على الثقة المتبادلة، والمنافسة الشريفة التي تعطي للجميع حقوقاً وفرصاً متساوية، وعندها فقط نستطيع أن نقول: بأننا نعيش في عالم متحضر حقاً.
ثم تقول في ثنايا المقال: إنها ليست تطالب فقط بخلع الحجاب، وما أشبه ذلك، فهذا أمر انتهى، ومثل هذه القشور قد انتهينا من المطالبة بإبعادها، لكنها تريد أمراً أبعد وأكبر من ذلك، وهو أن تكون المرأة والرجل على قدم المساواة في جميع الحقوق وجميع الفرص، إلى هذا الحد!
وكتب آخر يعلق على هذا المقال، ونشر، وكنت أظنه يرد عليها أو ينتقدها، وإذا به وهو آخر من بريطانيا، وأنا أستغرب أن معظم المقالات، ومعظم الكتابات تدور حول لندن، فكتب الآخر من لندن يقول: إن المرأة يجب ألا تنتظر الرجل حتى يعطيها حقوقها التي تطالب بها قبل قليل، وإنما يجب أن تنتزع هي هذه الحقوق بالقوة من خلال إصرارها، وصبرها، وعنادها، وإلحاحها، وإننا يجب أن نربي المجتمع رجالاً ونساء على معرفة حقوق المرأة والمحافظة عليها.
وهناك امرأة في الكويت تدير ديوانية مختلطة. وفي الوقت الذي يطالبون فيه بحقوق المرأة نراهم يحجبون هذه الحقوق عن جزء من أهم أجزاء المجتمع بحجة العلمنة مرة، وبحجة سوء استخدام السلطة مرة أخرى.
ومن أطرف وأعجب ما قرأت أن أحدهم قال: من الممكن أن يتنكر رجل في صورة امرأة ويلبس النقاب، يقول: ربما كانت المنقبة ولداً، يقول: أو ربما كانت جاسوساً إسرائيلياً جاء يتجول بين ربوعنا مطمئناً تحت نقاب يقال إنه الزي الإسلامي، والإسلام منه براء.
وأقول: أبشر بالكثير إذا تمت قضية الصلح الذي يدار الآن بين العرب وإسرائيل، فأبشر في بلدك وبلدي وبلاد الإسلام كلها، بأمواج كاسحة من الجواسيس الإسرائيليين لن يحتاجوا إلى أن يلبسوا النقاب أبداً، ولن يحتاجوا إلى أن يتستروا، بل سوف يتحركون في وضح النهار، وفي الهواء الطلق، وسوف يستقبلهم بعض بني قومنا في بيوتهم، ويفرحون بمقدمهم، ويجلسون معهم في الفنادق، ويديرون معهم الندوات والحوارات، وسيتكلمون معهم في ندوات عن كيفية القضاء على الأصولية؟
وكيفية محاربة ومقاومة التيارات الإسلامية؟
وكيفية القضاء على النقاب والحجاب والجلباب؟
أبشر بهذا وأكثر منه إذا تم ما يريدون من الصلح مع إسرائيل، والذي يعقدون له المؤتمرات بعد المؤتمرات، فهذا طريف جداً أنه يقول: يمكن أن تكون جاسوساً إسرائيلياً.
وهناك امرأة من الكبيرات -كبيرات السن- كتبت مقالاً عنوانه: أنا حرة، وتقول: ينبغي أن نمنع النقاب وإن كان من باب الحرية الشخصية، لكن نخشى غداً أن يأتي الشباب، ويصبغوا شعورهم بألوان مختلفة من باب الحرية الشخصية، وما أدري هل هي تستطيع أن تمنع هؤلاء الشباب لو فعلوا أم لا؟!
فهذا سؤال يحتاج إلى أن يطرح! كما أنها قالت للدكتور الذي هو عميد كلية الطب، قالت له بلهجتها: برافو عليك يا فلان قرارك صائب، ولو كنت أملك من الأمر شيئاً لسيرت معك دورية من الشرطة لتحمل البنات على التزام هذا القرار بالقوة -هذه هي الديمقراطية التي ينادون بها- ثم قالت في الأخير: وتقبل مني هدية قبلة على جبهتك على رغم شهقة المنقبات المستهجنة، هكذا تقول!!
فلعل أحدكم يراجع القاموس المحيط، وينظر لنا ما هي (الكازوزة)! يقول: انتكس المسلمون وضاعوا في (الكازوزة) عندما ارتدت نساؤهم النقاب، وارتدى كباتن الكرة (بتاعهم) الشورت الإسلامي!!
إذاً: هذا هو سر تخلف المسلمين، وينتهي التخلف ويستطيع المسلمون أن يصنعوا القنبلة النووية، وينتصروا على عدوهم الشرقي والغربي بمجرد خلع نسائهم للنقاب! هذا مؤدى الكلام، ثم ختم كلامه قائلاً: متى يكف علماء الدين عندنا عن تهديدنا بالنار؛ لأننا نرتدي الأحذية ولا نرتدي الأخفاف؟!
وأنا لا أجد في نفسي حاجة إلى التعليق على مثل هذا الكلام.
وإحداهن تقول من باب تقرير أن الفتاة لا يوجد هناك داع أن تلبس النقاب، تقول: ما هو مسموح به في الحرم الشريف ينبغي أن يكون مسموحاً به في الحرم الجامعي، وهذه حجة ما يجدها أحد غيرها، -تقول- لماذا النقاب؟
ليس له داعٍ، فكشف الوجه والاختلاط مادام مسموحاً به في الحرم الشريف، فينبغي أن يكون مسموحاً به في الحرم الجامعي، بجامع أن كل منهما حرم.
هذا هو الدور الرئيسي! وتطرح بعد ذلك أنه يوجد حكم في لندن يعتبر أن معاشرة الرجل لزوجته بغير رضاها جريمة، ثم تقول: أنا صفقت لهذا الحكم، وتمنيت حصوله في الكويت، وفي كل دول العالم.
والغريب أن هناك أحكاماً في لندن وفي غير لندن لا تؤاخذ على الزنا، والسفاح، والجريمة، والشذوذ الجنسي، ولم نجد انتقاداً لها، إنما وجدنا تصفيقاً فقط لقرار يعاقب الرجل الذي يعاشر زوجته بغير رضاها.
ثم تقول: إن المرأة بإمكانها التجرد من أنوثتها، وتجاهل دورها التقليدي. وما أدري إذا تجردت المرأة من أنوثتها أي مجتمع سوف نعيش فيه! سيكون مجتمعاً كله مجتمع رجال!
فما هو موقفنا من مثل هذه البذاءات التي لا تنتهي؟
أود أن أرسل مجموعة من الرسائل التي لم يحملها البريد في نهاية هذه الجلسة:
إنكم تتكلمون عن السلوك الحضاري، والسلوك الحضاري ليس شعاراً يرفع إنما هو ممارسة، وليس من السلوك الحضاري استغلال الإمكانيات للإساءة إلى الآخرين، أو إثارة الأحقاد الشخصية، أو تبادل السباب والشتائم.
إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا لا نـزال نعيش في عصر العنتريات اللفظية التي لا طائل من ورائها.
إن البعيدين من الناس لم يسمعوا إلا صوتكم فوجدوه صوتاً مرتفعاً خشناً، صوتاً يحمل الألفاظ البذيئة، وكلمات السباب، والشتم، والعار، والسخرية، ولكنهم لم يسمعوا من الطرف الآخر شيئاً يدل على أنه كان يجب أن تقولوا ما قلتم، فاتقوا الله تعالى فيما تقولون وفيما تكتبون.
إننا نذكركم الله تعالى، نذكركم الإسلام الذي ينتسب إليه معظمكم، كما تدل على ذلك أسماؤكم، أن تحافظوا عليه، وأن تتقوا الله تعالى في بني دينكم في مثل هذه الكلمات والعبارات النابية التي أحلف بالله أنها لم تطلق من قبلكم على أحد قط، حتى على أشد الناس عداوة لكم الآن، وحتى على جيرانكم الذين اجتاحوكم يوماً من الأيام.
كما أننا نطالبكم بإتاحة الفرصة للآراء الأخرى المخالفة لكم، الذين يحملون صوت الإسلام ويبلغونه للناس، أن تتيحوا لهم الرأي ليتكلموا عما في نفوسهم، وأن تعطوهم فرصة ليردوا عليكم، ويفندوا مثل هذه الأقوال والادعاءات الباطلة فهذا مقتضى الحرية والديمقراطية التي تتكلمون عنها وتطالبون بها.
كما أننا نطالبكم حينما تنتقدون المجتمع بكل طبقاته، أو تنتقدون أجهزة الدولة أن تحرصوا على النقد البناء الذي يراعي الأمانة، والعدل، وألا يكون همكم مجرد شتم أو سب أو تجريح، فإن هذا لا يمكن أن يزيل مرضاً، أو يعالج خطأً، وإنما سوف يزيد الهوة بين أفراد المجتمع.
نحن نطالب بالنقد البناء، حتى لأنفسنا، وللمؤسسات الإسلامية، ولطلبة العلم، وللكتب الإسلامية، ويوم كنتم قبل سنوات تتكلمون عن الجماعات الإسلامية لم يقل عنكم أحد شيئاً، رغم أن كلامكم كان فيه شدة، وقسوة، وعنف، وبعد عن الموضوعية، أما أن يصل الأمر إلى هذا المستوى الذي وصل إليه الآن فإنه لا يمكن السكوت على هذا بحال من الأحوال.
نحن نوافق على نقد بناء، نقد هادف، نقد موضوعي يستهدف الإصلاح، أما الاستفزاز، والإثارة، والسخرية فهذا لا يمكن أن يقبله عاقل، ولا منصف، ولا راعٍ للأمانة مهما يكن.
أما الفئة الثانية من الصحفيين: فهم الصحفيون في هذا البلد، فإني أطالبهم بأن يقفوا من مثل هذه الحملة موقفاً هو الذي يقتضيه الإسلام، وتقتضيه أخوة الدين، فإنه لا يجوز أبداً أن يتعاونوا مع أولئك في مثل هذا الموقف، وإنني أعلم أن بعض هذه الصحف تطبع في هذه البلاد، ومؤسسة عكاظ -مثلاً- هي التي تطبع جريدة السياسة الكويتية على حسب علمي، وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، فعليهم أن يكفوا عما هم عليه، وإلا فليتبرءوا من طباعة مثل هذه الجريدة في مثل هذا المكان.
كما إننا نطالب الصحفيين بأن لا يقفوا هكذا فقط، بل ينبغي أن يردوا على مثل هذه الحملات الظالمة الآثمة، وألا يكونوا ظهيراً للمجرمين: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [القصص:17] وقد رأينا ولاحظنا في بعض صحفنا أنها بدأت تمارس هذا الدور نفسه، ولكن بطريقة مهذبة، فإن الهجوم مثلاً على جهاز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح ظاهراً في عديد من صحفنا.
أما أن نشتري بأموالنا مثل هذا الكلام البذيء والقذر الذي ذكرت لكم، نشتري كلاماً يعتبر نقضاً لأساسيات الدين وأصوله، كلاماً يشكك في قضية حاكمية الإسلام، وكلاماً آخر يشكك في حكم الإسلام في موقع المرأة في المجتمع، وكلاماً ثالثاً يتناول العلماء، وكلاماً رابعاً يتناول الدعاة ونشتري هذا، فإن هذا لا يجوز بحال من الأحوال! وإنني أقول لو أن كل متدين أو مؤمن أو صالح توقف عن شراء هذه الجرائد لعرفت هذه الجرائد ما هو الكلام الذي يجب أن تقوله.
ولكننا نشتريها -مع الأسف الشديد- فنساعدها من حيث لا نشعر في مثل هذا الكلام الذي تقول، وإنني أنادي وأطالب كل مسلم يسمع هذا الكلام، أن يكون عنصر خيرٍ وبناء، وأن يكون إيجابياً، وأقل درجات الإيجابية التي نطلبها منك أن تكف عن شراء هذه الصحف، ثم نطالبك بأكثر من ذلك، أن تتكلم في المجالس والمنتديات، ومع من تعرف ومع أصحاب البقالات ومع القريب والبعيد عن مثل هذا الكلام، وتطالبهم بأن يتخذوا موقفاً مشابهاً.
ثم نطالبك بأكثر من ذلك أن تتصل بهذه الصحف، وبمن يتعاونون معها، وتطالبهم بالكف عن مثل هذا الأسلوب، وأن يراعوا الله -تعالى- في الأمانة التي ائتمنوا عليها، فإنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
إذا لم تقف هذا الموقف الذي هو أضعف الإيمان الآن، فغداً سوف تبدأ هذه الصحف تتناولك أنت، وسيتطور الأمر أكثر من ذلك فإن الليل يبين من أوله.
فإننا ننادي، ونطالب القائمين على وزارة الإعلام، وعلى أجهزة الرقابة فيها بمنع بيع ذلك الكلام الفاسد في بلاد الحرمين الشريفين، والحفاظ على مشاعر المواطنين، ولو أن هذه الصحف أوقفت حتى تغير من أسلوبها، وطريقتها لكان الأمر مختلفاً.
وأقول: ينبغي أن يكون هذا المطلب على كل لسان، وأن نتصل جميعاً بالمسئولين في هذه الوزارة ونلقي على مسامعهم هذا الطلب العادل المنصف.
ونصرهم يكون بتناول هذا الموضوع، ومعالجته، وتحريض الناس على أن يساهموا في إيقاف هذا العمل، وإيقاف هذا الظلم الفادح الكبير، وإيقاف هؤلاء الناس عند حدهم.
لابد أن يتناول الخطباء، والمتحدثون، والوعاظ، وطلبة العلم وغيرهم مثل هذا الموضوع؛ توعية للناس، ولابد أن يقولوا، فالكلمة الطيبة تصل إلى كل مكان، ولابد أن تحمل بإذن الله تعالى إلى الأشخاص الذين تعنيهم أياً كانوا، أما أن نسكت ونقول: ليس في أيدينا شيء فهذا لا يجوز بحال.
فليس من اللائق أبداً أن يكون الرد بأساليب العنف، فإن هؤلاء دائماً وأبداً يحاولون أن يشيروا إلى دعاة الإسلام ورجاله بأنهم لا يتعاملون إلا بالعنف، والشدة، والقوة. فأنا أقول: إن رجال الإسلام ودعاته في الكويت هم على ثغرة من ثغور الإسلام.
فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلهم، وعليهم أن يتكلموا بكلمة الحق، ويرفعوا صوته من خلال المنبر، والكلمة، والكتاب، والصحيفة، والمقالة، وكل وسيلة ممكنة، لكن ينبغي أن يقتصر الأمر على هذا الحد.
وأسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ثم هل يشترط للكتابة فيهما أن يكون ضمن التحرير؟
أو ما الطريق إلى ذلك؟
الجواب: الكتابة في هاتين المجلتين أو في غيرهما لمن يجد القدرة على ذلك في دعوة إلى الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، هو أمر جيد ولا يشترط أن يكون من التحرير، فهم يستقبلون أي رسالة من قارئ، وحتى بعض هذه الصحف قد تنشر كتابات معارضة، أو كتابات من بعض الشباب الطيبين، وقد رأيت بعض الكتابات فيها، وإن كانت كتابات قليلة وقصيرة، لكن يوجد هذا.
الجواب: لقد تكلمت عن ذلك، وإنني أحاول أن أقول أيها الإخوة: إنه يجب علينا جميعاً أن نبذل ما نستطيع في نشر هذا الكلام في كل مجالسنا، وفي أحاديثنا لفترة معينة، وينبغي أن نعلم فعلاً أن هذا الأمر يمكن أن يغير من أمور كثيرة، وأعطيكم مثالاً على ذلك:
إحدى الصحف تكلمت في يوم من الأيام عن أحد الدعاة، وطلبة العلم وشهرت به بأسلوب معين، ودون أي جهد يقول لي أحد الذين يقمون على التوزيع: لقد انخفض توزيع هذه الجريدة بنسبة أكثر من ثلاثين في المائة، ثم علق على ذلك بقوله: إن الناس اليوم متدينون، ويبحثون عن الأشياء الطيبة والأشياء الدينية.
فأقول: إذا كان هذا لمجرد تناول شخص داعية، فما بالك لو أننا جميعاً قمنا بحملة مكثفة نوصل من خلالها رسالة إلى هؤلاء القوم، وإلى غيرهم: أن الذين يقرءون لكم كثير منهم لا يرتضون ما تقولون، ولا يريدون أن يسمعوا منكم مثل هذا الكلام، فإما أن تعدلوا، وإما أن تهجروا وتقاطعوا.
وأضعف الإيمان أن تقاطعوا هذه الصحف، ولكن أمامكم أكثر من هذا، أن تطالبوا الناس بمقاطعتها: أقاربكم، جيرانكم، أهل الحي، أهل البقالة الموجودة في الحي، ولا يكفي هذا، بل لا بد من مخاطبة الصحف إما بالهاتف أو بالرسائل، ولا يكفي هذا لا بد من مخاطبة المسئولين هنا وهناك، بضرورة إيقاف هذه الصحف.
كما إني أدعوكم إلى الاتصال الهاتفي بالجهات المساعدة، كشركات التوزيع، وشركات الطباعة وغيرها، وتخويفهم بالله، والضغط عليهم بإيقاف مثل هذا السيل الكاسح الجارف، من الهجوم على شعائر الإسلام، وعلى رجال الإسلام ودعاته.
فلا يجوز أبداً أن يقال اليوم: إن الإسلام لا بواكي له. لا يجوز أن يقال هذا أبداً، إنني أقول لكم بصراحة أيها الإخوة: رأيت صحفنا السعودية غضبت في يوم من الأيام على الصحف الكويتية، لماذا غضبت؟ غضبت لأنها تقول: إن الصحف الكويتية أصبحت تشيد كثيراً بالدور الغربي، ولا تتحدث كثيراً ولا قليلاً عن الدور السعودي في تحرير الكويت، وقد غضبوا لهذا الأمر، وكتبوا حتى وجدت أن الصحف الكويتية قد عدلت سيرتها، وصححت، وبدأت تكتب، وتثني وتشيد بما يسمى بالدور السعودي.
فما بالنا لا نغضب أيضاً وقد انتهكت حرمات الله، وما بالنا لا نغضب وقد اعتدي على الدين، وما بالنا لا نغضب وقد أوذي الدعاة إلى الله عز وجل.
الجواب: في الواقع ليست حرية التعبير هي حرية الشتم أبداً، وهذه ليست حرية في التعبير، حرية التعبير أن الإنسان يعبر عن رأي في أمر يقبل اختلاف وجهات النظر فيه، وهذا ممكن، أما أن يستغل الإنسان موقعه كصحفي، أو كاتب زاوية، في النيل من أناس يبغضهم، أو يعاديهم، أو يحقد عليهم، ثم يتكلم عن صفاتهم، عن شكلهم، يشتمهم ويسبهم، فهذا في الواقع أن حرية التعبير في واد وهذا في وادٍ آخر.
الجواب: هذا ليس خاصاً بالصحف، وإنما هو عام في المجتمعات العربية والإسلامية التي يراد لها أن تتقبل التعايش مع الكفار، وقد أشرت إلى جانب من هذا، وجزء منه محاولة تطبيع العلاقة مع الكافر: مع النصراني، واليهودي، والمرتد، والملحد، ومحاولة التعايش مع هذا الإنسان، وأنه أمر عادي وأن ينسى المسلم أن هؤلاء كفار يجب حربهم، وبغضهم، والعمل على الخلاص منهم بكل وسيلة.
وما هو المطلوب منا نحن الأشخاص العاديين والموظفين الصغار؟
الجواب: المهمة يا أخي مهمة الجميع، وصحيح أن الدعاة والخطباء قد يكون لهم دور من خلال المنابر والدروس، وأرجو أن يؤدوه، ولكن أيضاً ينبغي أن يكون كل إنسان منا له دور، فإن الخطيب يمكن أن يوجه الدور لك أنت يا من تسمي نفسك بالشخص العادي والموظف الصغير، أنك تحاول أن توعي من حولك في إدارتك الحكومية، أو في بيتك، أو في حيِّك، بضرورة اتخاذ موقف من هذه الصحف حتى تعدل مسيرتها، وتصحح اتجاهها.
فإذا قمت أنت بهذا الدور نجح الخطيب في أداء دوره، ولكن إذا نادى الخطيب، وصار ينادي أمواتاً فلا جدوى:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي |
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ |
وأرجو أن لا نكون محتاجين إلى أن نردد هذين البيتين يوماً من الأيام.
الجواب: في الواقع أن هذه النبرة أو هذه الأمور قد تكون منذ القديم لكن ليس بهذه الصيغة، وليست بهذه الصورة، فيبدو أنه بعد التحرير حصل هناك تغير في المفاهيم، وتغير في النفسيات، وتغير في العقليات، وأحس بأن هناك إلحاحاً من بعض الرموز الصحفية بمحاولة جعل الكويت صورة من العالم الغربي، وباختصار هذا الشعور موجود في عقليات ونفسيات عدد غير قليل فيما يبدو من رموز الصحافة عندهم.
الجواب: هذا مطلب عزيز، وقد كان من المطالب التي أتمناها وأن يكون هناك مجلة أو نشرة صغيرة تتكلم عن أحوال المسلمين في كل مكان، بشكل واضح، ومنصف، وعقلاني بعيد عن العاطفة والانفعال، تتكلم بصوت هادئ، بصوت نـزيه، بصوت ناقد لا مانع ولكن بنقد بناء لا نقداً هداماً.
كما كنت أتمنى أن توجد نشرة ولو صغيرة تتكلم عن النشاطات الإسلامية في العالم الإسلامي.
إننا نجد إشادة كبيرة في بعض الصحف بعمل بسيط قد يحضره عشرة أو عشرات من الناس، لكننا نجد تعتيماً إعلامياً على نشاطات قد يحضرها ألوف من الدروس العلمية، والمحاضرات، والنشاطات الإسلامية، والدورات وغيرها، وجهود تحفيظ القرآن الكريم، وجهود جامعات إسلامية نجد تعتيماً كبيراً على ذلك.
كما أننا نحتاج إلى نشرة ولو صغيرة تتكلم عن الشريط الإسلامي، فمرة كتبت لي إحدى الأخوات تقول: أنا كنت فتاة منحرفة، ثم تاب الله تعالى علي، وبعدما اهتديت أصبحت أنظر إلى كل عمل قمت به في الماضي فأقوم الآن بعمل يشابهه في سبيل الله، ففي الماضي -مثلاً- كنت أتابع مجلات الفيديو، والتلفاز، وآخر الأفلام، فبعدما هداني الله عز وجل فكرت -على الأقل- أن أقترح عليكم يا معشر العلماء، وطلبة العلم، والدعاة، أن تقوموا بإنشاء مجلة أو نشرة تتابع أخبار الشريط الإسلامي، فهذا الشريط جديد تقوم بعرضه، هذا شريط قديم تقوم بنبشه، ولفت نظر الناس إليه، والقيام بتلخيص لبعض الأشرطة، وغير ذلك من تصنيف، وفهرسة، وكذا الحديث عن نشاطات معينة، من نقد، ملاحظات، اقتراح موضوعات للحديث عنها في الشريط الإسلامي، إلى غير ذلك من الزوايا، والمجالات، والأمور التي يمكن أن يتبناها بعض الناس أو بعض المؤسسات ونرجو أن نراها إن شاء الله عاجلاً غير آجل.
الجواب: أما الصحف فقد أصبحت واضحة، فإن أكثر الصحف التي تكلمت هي: صوت الكويت، وكذلك صحيفة السياسة تكلمت كثيراً، وربما كان معظم النقل الذي نقلت عن هاتين الصحيفتين، وفي اعتقادي أنني تكلمت عنهما ربما أكون وهمت في ذلك، أو غفلت عنه.
الجواب: ليس هناك وقت لأن أرد على مثل تلك الأقوال، ولكن خلاصة الكلام أن هذه المرأة التي كاتبت من بريطانيا، تقول: نطالب بالمساواة، ونطالب برفع قوامة الرجل على المرأة، فهل المسلم بحاجة إلى من يقنعه بالقوامة بعد قول الله عز وجل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].
كما إنني أقول: إن المرأة السوية غير المنحرفة، هي تحب أن تكون في ظل رجل، وقد كتب ذلك في صحف، أن المرأة تريده قوياً، أي: المرأة تريد أن يكون زوجها قوياً، ومعروف أن المرأة إذا كان زوجها ضعيفاً ويطيعها في كل شيء فإنها تحتقره وتزدريه، وكل ما شعرت المرأة بقوة الرجل، ليس بقسوته أو شدته ولكن قوته كلما شعرت بأنها ترتاح إليه أكثر. فهذا أولاً دين: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].
وثانياً: هو فطرة كامنة في المرأة، وهذه المرأة التي كتبت أنا لا أعتقد إلا أنها امرأة تعيش ردة فعل معينة، أو ضغوطاً نفسية، أو مشاكل معينة دعتها إلى مثل ذلك.
الجواب: نعم، سهام الليل لا تخطئ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولا تدري بما صنع الدعاء |
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أجل وللأجل انقضاء |
فنحن ندعو أيضاً إلى استخدام هذا الدعاء بكل مناسبة، والمؤمن ينبغي ألا يغفل عن ذلك أبداً، فيدعو الله تعالى بأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويذل أعداءه ومحاربي دينه، وكلما صدق المسلم مع ربه في ذلك كان ذلك أدعى للإجابة.
الجواب: يا أخي هذا عجيب! نحن ندعو إلى الإسلام، والإسلام ليس مقصوراً على ما ذكرت من توجيه المسلمين إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ذكرت، يتطلب الأمر بالمعروف ولو كان مغفولاً عنه، وذكر النهي عن المنكر ولو كان مفعولاً -مثلاً- فمن هو الذي يعتبر أن الكلام عن الربا أنه من إثارة الفتن؟
أو أنه فيه تعريضاً أو تصريحاً؟
أبداً، لا يجوز السكوت على مثل هذه المنكرات المعلنة، بل يجب أن يتكلم عنها، وما أدري ما هي هذه الحساسية عند بعض الناس وبعض الإخوان هداهم الله.
فكلما حصل شيء قالوا: تثور الفتن، وكأن الأمة جاهزة ما بقي عليها إلا أن يتكلم فلان حتى تثور فتنة تأتي على الأخضر واليابس، ولا تبقي ولا تذر، لماذا هذه الحساسية؟
نحن نجد أن بلاد الدنيا كلها من شرقها إلى غربها يتكلم فيها أناس بما يشاءون، وبما يريدون، من قريب أو من بعيد، وما ثارت فتن، وما رأوا إلا كل خير.
ولعلي أذكر لك مثالاً واحداً يا أخي، ففي بلاد كثيرة بل كل بلاد الدنيا، قد يقوم شخص كبير ربما يكون أكبر مسئول يتكلم، ويخطب في ألوف، أو عشرات الألوف، فيتكلم عليه بصوت مرتفع واحد من الجماهير، فيسكت المسئول وينتظر هذا الإنسان، ويأتي هذا الإنسان يتخطى الصفوف حتى يصل فإذا وصل وجدوا أنه شخص معتوه!! فأبعدوه ثم واصل ذاك الإنسان حديثه وخطبته.
فمثل هذه الأنماط وهذه النماذج، لماذا في بلاد العالم كله تكون أموراً جارية وقائمة ولم تحدث فتناً؟
بل بالعكس هم أكثر استقراراً، وأكثر أماناً، وأكثر رفاهية من غيرهم، في حين أنه في بلاد الإسلام دائماً وأبداً نقال: لا تقل شيئاً حتى لا تثور فتنة.
لا بد أن نحدد ما هي الفتنة؟
وما معنى الفتنة؟
ومتى تثور الفتنة؟
وإلى متى نظل نعاني من هذه العقد النفسية؟
وهذه المخاوف الوهمية؟
فإن شئت أن تنظر في الواقع فهذا الواقع ذكرناه لك، ويعرفه الجميع، بل في العالم كله صحف، وإذاعات، ومحطات تلفزة، ومؤسسات، بل وأحزاب قائمة همها معارضة الجهات الحاكمة في كل بلاد الدنيا، ولم تحصل فتن.
هذا هو الواقع، وإذا أردت أن تنظر إلى التأريخ فقد حدثناك قبل أيام، أو أسابيع عن تأريخ المسلمين، وأن الخليفة الأعظم يقف على المنبر ويقول: اسمعوا وأطيعوا، فيقوم فرد من الرعية ويقول: لا سمع ولا طاعة. ويناقشه في الأمور على مرأى ومسمع من الناس، وكانوا أكثر تديناً، وصلاحاً، واستقامة، ووعياً، وعقلاً منا.
فلماذا نظل نحن دائماً وأبداً نخاف من كل شيء؟!
إن أمر إنسان بمعروف، أو نهى عن منكر، أو وجّه، أو أصلح، أو انتقد، قيل: تثور فتنة! فما رأينا إلا الخير، ولا يحصل إن شاء الله إلا الخير، والفتن إنما تثور إذا سكت الناس، وبدأت تغلي في قلوبهم مشاعر الكراهية، والبغضاء، والحقد، ثم لا يُتَنَفَّس عنها، هذا هو الذي يثير الفتنة، ويجعل الناس جاهزين لكل طالب فتنة، أو صاحب فتنة أن يسيروا وراءه حتى ولو كان على باطل.
أما إذا تُحدِّث مع الناس بقال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُمروا بالمعروف، ونُهوا عن المنكر، حتى لو كان هذا المعروف متروكاً، أو كان هذا المنكر مفعولاً ولو على مستوى رسمي فإن هذا لا يحدث الفتن إنما هذا هو الخير.
وبشكل عام أنصحك يا أخي، وأنصح من يذهبون مذهبك، ويرون رأيك: ألا يحكموا آراءهم في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم أن يقرءوا في القرآن وفي السنة وينظروا بماذا أمر الله؟
وبماذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟
فإذا وجدوا أن في القرآن والسنة، أو في سيرة القرون المفضلة ما يشهد لهم، ويدل على أنه يجب أن يسكت الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، والداعون إلى الإصلاح ولو علانية، إذا وجدوا هذا فحبذا.
أما إذا وجدوا أن هذه مجرد آراءً فردية، ومجرد عقد ومخاوف نفسية ناتجة من أناس ربما ليس لهم اطلاع على التاريخ ولا معرفة بالواقع، فحينئذٍ ليعذرونا إذا لم نستجب لهم أو نلتفت إلى أقوالهم.
الجواب: في الواقع نحن لا نطالب بالحرية المتاحة في بلاد الغرب أبداً، كيف نطالب بذلك وعندنا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
نحن لا نطالب إلا بما في القرآن والسنة، نطالب بأن يحكم فينا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} ويقول عليه الصلاة والسلام: {أفضل الجهاد كلمة عدل تقال عند سلطان جائر} إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، ولما قام الرجل وأنكر قال له أبو سعيد الخدري:[[أما هذا فقد قضى ما عليه]].
أما ما يوجد في بلاد الغرب من الإباحية فهذا ليس حرية، وإنما هو بهيمية، ونحن تكلمنا في المجلس السابق أو الذي قبله عن جانب موجود عندهم فعلاً، وهو أن أفرادهم يعطون الشخص شيئاً من الاعتبار، وهذا أمر موجود، وإذا أثنيت على ما هو موجود عندهم فلا يعني أننا نطالب به، أو بمثله، أو نعتبر أن هذا هو الوضع المثالي.
ولكنني أقول وبكل صراحة: هذا الوضع الذي عندهم على فساده خيرٌ من الأوضاع الموجودة في بلاد الإسلام، لسبب: وهو أنهم قد يتيحون الحرية للمسلم وغيره، أما في بلاد الإسلام فالحرية متاحة لأهل الفساد كما ذكرت، ومتاحة لأهل الإلحاد، وكثيرٌ منهم ينشرون سمومهم، ولعلك اطلعت الآن على شيء يسير منها، وعندي من الكتب، والمجلات، والجرائد، والقصص، ودواوين الشعر، والله إلحاد يطبع في بلاد الإسلام، وبعضه كفر، وإباحة، وبعضه شذوذ جنسي، من السحاق، واللواط، وغيره، يتمدح بكل هذه الأمور ويطبع ويباع في بلاد الإسلام.
دعك من هذا، تجد ألوان الأفلام السيئة تباع في كل مكان ومرخصة، ولا تباع في السوق السوداء، بل تباع في السوق البيضاء علانية.
بل إنك تجد صوراً في الأجهزة الرسمية الإعلامية يندى لها الجبين، فالآن الحرية متاحة في كل بلاد الإسلام لألوان من الانحراف والمخالفة، لكنها غير متاحة لمن يقاوم هذا الأمر، أو ينكره، أو يقوم بتوجيه الناس ضده، أو دعوة الناس إلى محاربته.
الجواب: آمين.. وأنت أيضاً فجزاك الله خيراً، أما الرد عليهم فينبغي أن يرد عليهم بكل أسلوب ممكن.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر