فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
هذا الدرس الثالث والسبعون من سلسلة الدروس العلمية العامة, وهو بعنوان "جلسة مع مربيْ" ينعقد في هذه الليلة ليلة (16/4/ 1413هـ).
ومن بين هؤلاء الطلاب الذين تلقي إليهم درسك أيها المربي النبيل, من بينهم أولئك الذين سيتحملون عبء المستقبل, فمنهم العلماء الموهوبون، ومنهم الفقهاء والمفتون، ومنهم المجاهدون الشجعان، ومنهم أرباب الصناعة، ومنهم الإداريون, ومنهم ومنهم.., فإياك أن تحتقر عملك, أو تظن أنك تجهد نفسك في غير طائل, فربما كنت مساهماً، بل يقيناً أنت مساهم في صناعة الأمة وتنوير مستقبلها بإذن ربك عز وجل.
أنت تبني شخصية, وتنمي عقلاً, وتهدي -بإذن الله تعالى- قلباً وتصوغه ليكون صالحاً في كل ميدان، فإن كان جندياً كان ناجحاً وشجاعاً, يجعل همه الدفاع عن الدين وعن الحرمات والمقدسات, ويمضي وروحه على راحته, لا يهاب الموت، وإن كان اقتصادياً كان مخلصاً أميناً لا يستعبده المال ولا يستذله, وإن كان إدارياً كان عادلاً حكيماً يعرف كيف يضع النظام، وكيف ينفذه، وإن كان عالماً شرعياً كان ذلك التقي النقي الذي لا يقول على الله تعالى بغير علم، و{إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة } كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً: فتدريس الكتاب وتعليمه ونشره, وتربية الناس عليه, هذه كانت مهمة الأنبياء, ومن قام بها فهو وريثهم, سواء كان اسمه مدرساً أم معلماً أم أستاذاً أم خطيباً أم داعية أم أي شيء آخر.
فأنت إذاً -إن صدقت- ورِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم بحصولك على علم, ووريث له بقيامك بمهمة التدريس والتعليم, فحري بك أن تكون وريثاً له -أيضاً- في خلقك وعملك وهديك, فإن العلماء ما برزوا بمعلوماتهم فحسب, بل برزوا بعلمهم وعملهم, فهذا الحسن البصري, قال فيه بعض السلف: "ما غلبهم الحسن البصري بمزيد علم, فعلمه علمهم -يعني ما كان عنده فهو عندهم- وإنما غلبهم بالزهد في الدنيا" إنه ليس ثمة عمل آخر يعدل التدريس في أهميته وجدواه.
وإن مما يبهج النفس ويسر القلب, أن يكون عدد كبير من العاملين في هذا الحقل هم من الصالحين والغيورين على دينهم, والغيورين على مستقبل أمتهم وبلادهم, فإذا انضم إلى هؤلاء جهد وحماس كبير من هؤلاء, لضمنَّا بإذن الله تعالى مستقبل الأجيال, وتأكدنا من استمرارية الدعوة الإسلامية في نمائها وتوسعها وترسخ جذورها, وإنه لكائن إن شاء الله تعالى, وإن غداً لناظره قريب.
فليس صحيحاً أن يختار المدرس -مثلاً- للمسائل الحسابية أن يختار الربح البسيط, والربح المركب الذي هو لون من ألوان الربا, وليس صحيحاً أن تكون الأمثلة تتراوح بين أعداد أجهزة الهدم والفساد والتخريب, أو بين أرقام الفوائد الربوية, أو بين إحصائيات غريبة, والتي لا تمت بصلة إلى ديننا ولا إلى مجتمعنا.
كذلك مدرس العلوم -مثلاً- فإنه يستطيع أن يبني مع كل معلومة جديدة يقدمها للطلاب لبنة في إيمانهم: إيمانهم بالله تعالى خالق الكون ومحبتهم لله عز وجل, وخوفهم منه, وإيمانهم بالدار الآخرة، وإيمانهم بالجنة والنار, فإن المدرس يستطيع أن يصنع من ذلك شيئاً كثيراً.
كذلك مدرس اللغة العربية يستطيع أن يربط اللغة بالشريعة, فاللغة هي وعاء الإسلام, وبها نـزل القرآن الكريم, وبها تكلم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم, بل هو أفصح من نطق بالضاد, فينبغي أن تكون اللغة عنده وسيلة لتعميق مفاهيم الإيمان, وليست وسيلة إلى ترويج المبادئ العلمانية, أو الأفكار الحداثية, أو الدعاية للشخصيات ورموز الأدب الغربي والشرقي المناوئ للإسلام.
كذلك مدرس اللغة الإنجليزية يستطيع من خلال تلك اللغة, أن يعلمهم المصطلحات التي يحتاجون إليها والمقابل لها من المصطلحات الشرعية، وأن يبين لهم لماذا يدرسون هذه اللغة؟
وأن يسعى لتصحيح المفاسد الموجود في تلك المناهج, وإلى تربية عقول الطلاب, لا أن يجعل من تدريسه لهذه المادة -مثلاً- فرصة لنقل التعاسات الغربية, أو ربط الطلاب بمجتمعات أجنبية, أو دعوتهم لمشاهدة الأفلام, أو السفر إلى تلك البلاد, أو معايشة الأسر الكافرة بحجة تعلم اللغة.
حتى مدرس الرسم -مثلاً- يستطيع أن يربي الطالب على النظر في ملكوت السموات والأرض, وعلى أن يتجنب ما حرم الله تعالى من رسم ذوات الأرواح, وعلى أن يكون إنساناً معظماً لله تعالى متأملاً في بديع صنعه وخلقه.
وحتى مدرس الرياضة يستطيع أن يجعل من هذه الحصة التي ينظر إليها الكثير على أنها لمجرد الراحة بعد عناء الدروس, أن يجعل منها فرصة لتربية الطلاب على الأخلاق, وإبعاد الكلمات البذيئة الفاحشة من ألسنتهم, ومنعهم من التصرفات المنافية للأخلاق, وأقول مثل ذلك لجميع المدرسين.
ولكن ينبغي أن نعلم أن المنهج لا يحقق الأهداف من ورائه، إلا إذا وجد المدرس الناجح الذي يسعى إلى تنفيذه, ولو أننا أمام منهج أقل كفاءة وأقل نجاحاً وتولاه مدرسون أكفاء لاستطاعوا -بإذن الله تعالى- بإخلاصهم, واجتهادهم, ومبادراتهم الشخصية أن يتغلبوا على عيوب المنهج وعلى نقائصه.
حنانيك إني قد بليت بصبيةٍ أروح وأغدو كل يوم عليهم |
صغار نربيهم بملء عقولهم ونبنيهم لكننا نتهدم |
فمن كان يرثي قلبه لمعذب فأجدر شخص بالرثاء المعلم |
على كتفيه يبلغ المجد غيره فما هو إلا للتسلق سلم |
نعم، إنك تجد الكثير يتمدحون في أحاديثهم بأن فلاناً العالم أو الوزير أو المشير, قد تخرج من بين أيديهم, بينما هم لا يزالون قيد عملهم السابق, وهذا عمل كبير, وجهد عظيم, إذا قارنه الإخلاص لله تعالى باحتساب, فليبشر هؤلاء -بإذن الله- بأجر المرابط في سبيل الله.
أما الطالب، وأعني ذلك الطالب الذي أنقل لكم حواره, فلقد شطح به القول فتصور حادثة فردية ندت من مدرس لا يقام له وزن, أو ظاهرة محدودة ربما واجهها في جو معين خاص, فعمم هذه الحادثة ووسعها ونظر إلى المدرسين كلهم من خلالها, فقال في حديث شعري يخاطب أباه, وبعث إليّ الأخ الكريم يوسف بن عبد الله يقول:
أبتاه هل من لحظة لشكايتي من ساقط متهور متمردِ |
هذا معلمنا الذي لا يرعوي عن غيه بلسانه أو باليدِ |
أبتاه كيف نطيعه؟ ويقودنا نحو الأماني وعينه في الأمردِ!! |
بل كيف يُرْشِدُ غيره ويدله وأنا أراه بحاجة للمرشدِ |
يعصي الإله مجاهراً ومعانداً كيف الهدى من مذنبٍ لا يهتدِي؟! |
النشء يأمل قدوةً ومربياً أتراه يا أبتِي بهذا يهتدي؟! |
قل للذي جمع الصغير مع الكبير هلاَّ بحثت عن التقي الأجودِ |
هلا درست بتؤدة وروية ضرر الخبيث على النقي الأحمدِ |
إني لأعجب كيف يصمت خيرة المسئولين عن أمر ذاك المفسدِ |
ويزيد من عجبي إذا ما جاءه تقديرهم لجهوده في محشدِ! |
قد كان يأتي والغرور يقوده متثنياً في سيره كمقيدِ |
وأغضُّ من طرفي إذا قابلته خوفاً أرى بالعين سوء المشهدِ |
ويكاد يخنقني الدخان إذا أتى فإذا مضى فمسرتي وتنهديِ |
زملاؤه.. أبتاه في أخلاقهم ملكوا القلوب فَمُلِّكُوا ما في اليدِ |
أبتاه.. لستُ بدارسٍ ومعلمي يأبى الصلاة جماعة في المسجدِ |
أبتاه.. لست بدارس ومعلمي ينهى عن الثوب الطويل ويرتدي |
أبتاه.. لست بآمنٍ من قُربه هل يُؤمَنُ الذئب الطليقُ على الجدي؟ |
عفواً أبي إن شئت يوماً أهتدي لا تُلقني كهشيمةٍ في موقدِ! |
إنني لست أنفي قط أن يوجد في قطاع التعليم مثل هذا الضعيف النفس, الذي حقه فعلاً أن يؤدب ويربى حتى يصلح نفسه وأهل بيته, قبل أن يؤتمن على فلذات الأكباد, ولكنني أعتقد أنها حالات قليلة, لا يجوز أن نقدمها عنواناً ونموذجاً للمدرسين الذين هم في الأعم -إن شاء الله تعالى- من الأخيار المخلصين, نحسبهم كذلك والله تعالى حسيبهم, ولا نـزكي على الله أحداً.
وطالما أصدر بعضنا الأحكام المجملة التعميمية المبنية على أدلةٍ ناقصة, فنحن قد تعودنا إذا سمعنا شخصاً يقول: كلاماً أن نقول: الناس يقولون: كذا وكذا.., وتعودنا إذا رأينا شخصاً يفعل عملاً مشيناً, أن نقول: الناس يفعلون كذا وكذا.., فحولنا ما فعله فلان بعينه إلى أنه فعل الناس, وأن ما قاله ذاك الشخص الشاذ أو المنفرد, حولناه إلى أنه من قول الناس كلهم, دون أن نصدر أحكامنا الإجمالية عن دراسة وإحصاء ورويَّة, وهذا لا شك من الخطأ والظلم البين.
ثم إن هذا يذكرنا بقضية قائمة موجودة, ألا وهي أن الكثير من الطلاب يستحلون أعراض المدرسين, فما يكاد يجتمع ثلاثة أو حتى اثنان من الطلاب, إلا ووجدوا فرصتهم في الحديث عن المدرس الفلاني, في شكله وملبسه, وعن المدرس الآخر في كلمته التي يرددها, وعن الثالث عن حركات يديه, وعن رابع في طريقة جلوسه, وعن خامس عن طريقة مشيه، وهكذا يحلقون عيونهم بالمدرس أثناء الدرس ويراقبونه بدقة, ويكون فاكهة حديثهم في المجالس, بالكلام عنه بهذا الوصف أو ذاك.
ومثله -أيضاً- حديث بعض المدرسين عن أعراض الطلاب, سواء أكان ذلك في الفسح الدراسية أم في غيرها, فقد أصبح معروفاً ومألوفاً أن يتكلم عن ذاك الطالب, وما فيه من سوء الخلق, وعن آخر, وما فيه من تقصير, وعن ثالث وعن رابع.., حتى في أشياء قد لا يكون ثمة ما يدعو إليها, ولا ما يوجبها, ولا يحتاج إليها في تقويم الطلاب, ولا معرفة أسلوب التعامل معهم, ولا في غير ذلك.
أما إذا كان هدفه النصيحة والتعرف على الطلاب بكيفية معاملاتهم, فهذا أمر لا بأس به, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرف الغيبة بقوله: {ذكرك أخاك بما يكره} وقد نهى الله عنها في القرآن, فقال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
[الحجرات:12] فلا شك أن المؤمنين إخوة, كما ذكر الله تعالى سواء كانوا كباراً أم صغاراً, مدرسين أم طلاباً, رجالاً أم نساءً، فلا يحل لمسلم أن يقع في عرض أخيه المسلم بغير حق, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم}.
عذراً أيها المدرس النبيل, فنحن لا نقلل من بذلك وعطائك, إن الذي يراك عند نهاية اليوم الدراسي, وقد علاك الإجهاد والتعب والإعياء, وأنت تتحامل على نفسك, وتتماسك لمزيد من الدروس والحصص, إنه يشفق عليك غاية الإشفاق, لقد ظلمناك أيها المدرس النبيل يا مربي الجيل, حين أثقلناك بعدد كبير من الحصص, ينوء بحملها أشدَّاء الرجال, ثم قيدناك بدوام تطالب فيه بالحضور دون أن تكلف فيه بعمل معين, مما يعني حضوراً ليس له معنى, وتقييداً دون تكليف بأي عمل آخر, ثم كلفناك بهذا المنهج الذي يبدو بأحوال كثيرة أكبر من عقول الطلاب, ويبدو في أحيانٍ أخرى أوسع وأطول من الوقت المخصص له, فأصبح الهم هو إنهاء المنهج بأي وسيلة وبأي طريقة! ثم قيدناك بالكثير الكثير من الأنظمة التي تلاحقك, والقوانين الإدارية التي سرنا نلتزم بها إلتزاماً حرفياً, ونسينا أن النظام مجرد وسيلة إلى غاية, وليس غاية في ذاته, ولا هدفاً وليس وحياً منـزلاً من السماء, فهل ترى يشغلك ذلك كله عن القيام بعملك الرئيس, الذي هو بناء الطالب المسلم؟!
وهل نسمع عنك أنك تقول: إن المدرسة تتعامل مع قوالب ولا تميز بين مجتهد ولا مهمل، ولا بين حريص أو غيره، فمهمتي تقتصر على التحضير والتوقيع, والحضور والالتزام الظاهري بالأنظمة فقط.
أم أنك تتعامل مع الموجه لتسلم من عتابه؟!
أم أنك تتعامل مع الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى؟!
حدثني أحد الموجهين قال: كنت في مدرسة في إحدى المناطق, فدخلت على مدرس التوحيد, فكان يشرح باباً من الشرك: هو إرادة الإنسان بعمله الدنيا, فقام المدرس وجد واجتهد, وكتب في السبورة بالألوان كلها, وسأل الطلاب, وقام على قدميه, ورفع صوته وحرك يديه, ودار في الفصل, وزمجر وقدَّم وأخر, وكان خلال الدرس كله لا يهدأ أبداً, فلما بقي من الدرس دقائق, بدأ يسأل الطلاب أسئلة, فكان من ضمن الأسئلة التي وجهها إليهم: هات مثالاً لإرادة الإنسان بعمله الدنيا؟
فتحرك طالب في آخر الفصل, وربما أنه لم يتحرك قبل ذلك اليوم قط, وصفته ثقيل الجسم, كبير الهيئة, مخيف الصوت, فقام وقال: من إرادة الإنسان بعمله الدنيا أن يكون المدرس مهملاً غير مجتهد, ولا يحضر ولا يكتب على السبورة, ولا يقف على قدميه, فإذا علم بمجيء الموجه قام وكتب , وجدَّ واجتهد, وفعل وبذل ما يستطيع, قال: فنظرت إلى المدرس, فإذا هو في حالة يرثى لها, ولم ينقذه من ذلك إلا رنين الجرس, فخرج وخرجت معه, وكان يعتذر إليّ ويقول: إن الطالب لا يقصدني ولا يريدني.
أخي المعلم.. إنك تتعامل مع الله عز وجل الذي ترجو ما عنده, وترجو أن يكون هدى على يديك إنساناً إلى الخير, وذلك كما ذكر عليه الصلاة والسلام في حديث سهل بن سعد حينما بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خيبر, وقال له: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً, خير لك من حمر النعم}.
فهذا هو همك, وهذا جزاؤك, وهذا راتبك, إن المبلغ اليسير الذي تأخذه ليس هو مقابل عملك وجهدك, فجهدك وعملك أكبر من ذلك بكثير, وإنما هو لمجرد تفرغك لهذا العمل, فأما عملك فجزاؤه مع الإخلاص عند الله تعالى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر, إن الذي تتعاطاه هو من العلم النافع الذي لا يتوقف على حياتك, بل يبقى بعد مماتك.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له} فهذا من العلم الذي ينتفع به, أن تكون وَرَّثْتَ تلاميذ علمتهم الصلاة, وصلوا وعلموها الناس, وعلمتهم الخلق الفاضل, فكانوا دعاة إلى الله تعالى في الملأ وفي كل مكان.
أخي المعلم.. لاشك أنك تسمع كما سمعنا أن هناك من يموتون في ميادين المعارك جهاداً في سبيل الله, وذوداً عن شريعة الله, ودفاعاً عن أعراض المؤمنين والمؤمنات, فهؤلاء الذين ماتوا قد بذلوا آخر ما يملكون, فإن آخر ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبيه, فإذا جاد بها فقد جاد بكل شيء.
يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود |
أتدري أن تضحيتك قد تكون أغلى من ذلك كله؟!
إن الصبر على الطلاب, والجد في إعدادهم, والمرابطة على ثغور التعليم, أن تهبّ من خلالها رياح الانحراف, إن ذلك أمر عظيم, وأنت -إن أخلصت- تكون مرابطاً لحماية الطلاب من المدرس المنحرف, ومن تأثير أجهزة الإعلام, ومن قرناء السوء، ومن البيت المنحرف أحياناً, فأنت المدرس الذي نرجو منه أن يقوم بهذا الدور الكبير.
وأنت مرابط لحماية المناهج المدرسية, من أن تغير نحو الأسوأ, أو يدخلها انحراف, أو يدخلها معانٍ لا تتناسب مع القيم والأخلاقيات التي نشأت عليها مجتمعات الإسلام, فأنت تعرف ماذا جرى للمناهج, وماذا يجري عليها, فتكون عالماً بذلك كله, حريصاً على مقاومته بقدر ما تستطيع.
وأنت الذي يستطيع أن يسدد -بعون الله تعالى وقوته وحوله- نقص المناهج بجده واجتهاده وإخلاصه, وأنت أيضاً مرابط لحماية العملية التربوية بجوانبها المختلفة، وحمايتها من كل وسائل النقص أو الانحراف, كما أن غيرك مرابط في ثغور وميادين أخرى.
فهات بارك الله فيك, قدم لنا التضحيات.
إذاً فاسمع.
قلنا لك يوماً: يا أخانا المعلم.. يا أيها الخريج.. اقصد القرى النائية, والمناطق البعيدة التي يعشعش فيها الجهل، ولا يوجد فيها بصيص من نور, لا عالم ولا مفتٍ ولا خطيب ولا مرشد ولا داعية, ولا مدرس قرآن, ولا معلم حديث, فاقصد تلك القرى وعلم فيها, واحتسب الأجر عند الله, وإن كانت بعيدة, وإن كان طريقها غير معبد, وإن كان فيها نقص في الخدمات, فامتنعت وتعذرت بظروف الأهل وظروف الزوجة, ومشاغل الأب ورغبة الوالدة, وغير ذلك من الأسباب والحيل والحجج التي تذرعت بها.
ثم رأيناك وقد ضاقت المدارس, وأصبح لزاماً عليك أن تعين في منطقة نائية بعيدة, فرأيناك قد تقبلت ذلك كله, وابتعدت وشطّت بك الديار, ونأى بك المزار, لماذا؟
لأنك مصر على التعليم, حيث فيه الميزات المادية ما ليس في غيره, ونحن نقول بقاؤك في التعليم خير, لكننا كنا نتمنى أن تكون تضحيتك تلك من أجل الله تعالى وفي سبيل الله.
ثم نحدثك اليوم وقد أصبحت نائياً بعيداً, مضطراً لذلك غير مختار, لماذا أنت مرتبط بطينة بلدك؟
تعد العدة وتخطط وتسعى وتتصل بكل من تعرف, وتحاول أن تجهز الوساطات والشفاعات, حتى تنتقل إلى بلدك مرة أخرى, وتعود إليها, لهذا لم نرك فتحت درساً لتحفيظ القرآن, ولا درساً لتعليم العلم الشرعي, ولا قمت بنشاطات ومشاريع خيرية, ودعوية في منطقتك, ولا خطبت الجمعة, ولا درست العلم, ولا قمت بمشروع توزيع الشريط الإسلامي, ولا مشروع لتوزيع الكتاب, ولا قامت زوجتك بدور مع النساء في تعليمهن, وإرشادهن, وتوجيههن, لماذا؟
لأن عينك على بلدك, ففي كل إجازة أنت تخطط وتسعى إلى الانتقال.
يا أيها المعلم.. ما دمت قد وضعت قصراً بغير اختيارك إلى تلك المنطقة النائية, فلماذا لا تحتسب الأجر عند الله تعالى, وتقول: ما دمت درست فيها, على الأقل أجلس خمس سنوات, تكون كافية للتعليم والتوجيه والإرشاد, وتخطب وتعلم وتدرس, ليكتب الله تعالى لك أجر هؤلاء القوم الذين هدوا على يديك, وتعلموا منك, وحفظتهم آية من كتاب الله, أو حديثاً من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم, أو حكماً من الأحكام التي يجهلونها, أو عقيدة لم يسمعوا بها من قبل, أو دفعت عنهم منكراً كان قائماً موجوداً متوارثاً بينهم, أو نتيجة لتأثير الإعلام أو غير ذلك مما هو موجود وقائم.
إن الكثير من المناطق النائية والقرى والهجر تعيش جهلاً مطبقاً يحتاج حتى إلى أقل طالب علم, هم لا يحتاجون إلى عالم غزير العلم, أو إلى مفتٍ يشار إليه بالبنان, من كان يحفظ جزء عمّ, ويعرف الأربعين النووية, ويعرف كيف يقيم الصلاة, ويعرف الأحكام الضرورية, فإنه يستطيع أن ينفعهم بذلك نفعاً عظيماً -بإذن الله تعالى- وقد ذهب إليهم أقوام من سائر الناس, ليسوا من المبرزين ولا من المقدمين ولا من الأوائل, ونفع الله بهم نفعاً عظيماً.
أما أنت في مدينتك العامرة بالدروس, العامرة بالحلق, فأنت لا تعدو أن تكون فرداً ضمن جمهور يستمعون إلى محاضرة, أو طالباً ضمن درس فيه عشرات أو مئات, أو واحداً ضمن أعداد كبيرة من الدعاة, فكيف رضيت بالقليل على الكثير, لماذا نكون طموحين في أمور الدنيا, ولا نكون طموحين في أمور الدين؟!
هل تريد منا أن نصدق أنه يوجد من بين المربين والمدرسين, من يضحي من أجل الدنيا ومن أجل زيادة الراتب ولا يضحي في سبيل الله تعالى؟!
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ
[التوبة:38] نعم هذه الآية خوطب بها المؤمنون في شأن الجهاد, وسماها لله تعالى نفيراً، كما قال:
مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ
[التوبة:38].
لكن هل تريد أن أقدم لك دليلاً على أن مسألة التعليم والدعوة والتدريس مع الإخلاص أنها هي أيضاً من النفير؟
بنص كلام السميع البصير, يقول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
[التوبة:122] عفواً أيها المدرس الكريم, فإنما هذا العتاب نتيجة المحبة والتقدير للجهد الكبير الذي تبذله في هذا المجال الخطير.
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا |
إذا أردت أن تظفر منا بنصيحة ذهبية, تمسك بها بكلتا يديك, فهذه هي فخذها إليك:
اجعل من همك امتلاك قلوب الطلاب بالوسائل المباحة المشروعة ومنها:
فليس من شروط المدرس أن يكون عابساً مكفهراً مقطباً لا يبتسم ولا يضحك, بل إن البشاشة والهشاشة واللين واللطف من الرفق الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه}.
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتجنب مواجهة الناس بما فيهم، فلا تواجه الإنسان بما فيه, وتعيره بما فيه, بل احرص على أن تكون ناصحاً لا معيراً, والفرق بين النصيحة والتعيير فرق كبير, حتى العيوب الموجودة في الطالب لا ينبغي أن تعيّره بها, بل ينبغي أن تنصحه فيها نصيحة سرية هادئة بينك وبينه.
تعاهدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة |
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه |
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة |
فتعلم الصبر على الطلاب, والحلم عليهم، وعدم معاجلتهم بالعقوبة, ولو كانت العقوبة غضباً, أو توبيخاً.. فاجعل هذا آخر سهم في كنانتك.
وللجد مني موضع لا أضيعه وللهزل مني والدعابة موضع |
إنّ الطلاب كثيراً ما يدرسون شخصية المعلم, ثم يتعاملون معها بدقة, فأحياناً يكتشفون أن هذا المعلم معلم متساهل, فربما امتهنوه, وامتهنوا شخصيته, وربما أدركوا أنه معلم جاد كل الجدية, صارم فسكتوا عنده.
ولكن ذلك السكوت الذي لا يصدر عن محبة, ولا يصدر عن تأثر, ولا يصدر عن إنصات للدرس, والوسط بين ذلك أن يكون المدرس بينه وبين الطلاب, كما قيل: "شعرة معاوية" إن أرخوها شدَّها, وإن شدوها أرخاها, بحيث يحافظ على الاتصال بهم, ويحافظ على هيبته, ومع ذلك يكون سمحاً رضياً, لا يعتبر أن مقياس النجاح في التدريس هو الهيبة, وأن الطلاب لا يعبثون عنده ولا يلعبون, ولا يتحركون ولا يتهامسون, هذا يستطيع أن يفعله الكثيرون بالقوة, لا بالاحترام والمحبة.
هناك سبل كثيرة منها ما أذكره الآن:
أن يكون الطالب قد اقتنع فعلاً أنك ناصحٌ له, أنك لا تعامله بهذا الأسلوب من باب أنك إنسان بطبيعتك قاس وعنيد, ولا تحب الخير للناس, بل على النقيض بأنك تحب الخير لهم, وتسعى في مصلحتهم بكل وسيلة, وتضحي من أجلهم بما تستطيع, وأنت تحرص على إيصال المعلومات إليهم, وتبذل قصارى جهدك, وقد تعطيهم دروساً إضافية أحياناً, وقد تصبر عليهم وتبذل ما تستطيع, ولكنك تقنعهم عملياً, وهم أهل لأن يقتنعوا بذلك, بأن من مصلحتهم في المستقبل ألا ينجحوا إلا عن جدارة, فلو فرض أنك ساعدتهم في النجاح عن غير جدارة, لكانت هذه مشكلة تواجههم في العام القادم والذي بعده، ثم تواجههم بعد أن يتخرجوا, حينما يكونون مدرسين أو موظفين, بل قد تواجه الكثير منهم, حينما يصبح عند الواحد منهم يقظة إيمانية, وغيرة دينية في المستقبل, فيقول:
أنا يوم كنت طالباً نجحت عن غير جدارة, نجحت بالغش مثلاً, أو بمساعدة من المدرس, حتى إنني أعلم أن الكثير من الإخوة والأخوات ربما تركوا أعمالهم ووظائفهم, وأنهم يقولون: نجحنا نتيجة الغش, أو نتيجة مساعدة المدرس وعن غير جدارة.
فتذكرهم بكل هذه الأشياء, وأنها هي السبب في تمسكك لئلا ينجح أحد منهم إلا عن جدارة, وكفاءة شخصية, وتركز هذا المعنى في نفوسهم دائماً حتى تمتلئ به قلوبهم.
أن يأتي يوم القيامة أناس كنت سبباً في هدايتهم, أو في خروجهم من مشكلات, فإن الإحسان إلى الناس من أعظم القربات إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
[البقرة:195] وقال:
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
[النحل:128].
فالإحسان إلى الخلق من أعظم العبادات, وأجل القربات, فأحسن إلى الطلاب, بتحمل أخطائهم عليك وعلى غيرك, وحسن معاملتهم ومساعدتهم في الخروج من مشكلاتهم, لماذا تجد الكثير من الطلاب أو بعضهم يبغضون هذا المعلم أو ذاك..؟!
هناك بلا شك حالات ليس فيها حل؛ لأن هناك طالباً -مثلاً- معروفاً بالمشاغبة, وسوء الخلق, وقد آذى الجميع, ولا يمكن الحصول على هذا الطالب, وعلى ثقته, وعلى مودته إلا بالتفريط, والإهمال, والتجاوز الذي لا يحتمل ولا يطاق, فدعك من هذا, فهذه حالة شاذة, ولا ننظر فيها ولا نتكلم عنها.
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي |
وكثير من هذه الحركات قد تكون عادية ولا إرادية, بل طول الجلوس على الكرسي, وطول البقاء في الفصل خاصة في مثل تلك الفترة في سن المراهقة, تُحدِث مثل هذه الأشياء.
كذلك التشديد في التصحيح, أحياناً يصحح المدرس بالقطارة, وبنصف الدرجة, وربع الدرجة وخُمُس الدرجة, وثمن الدرجة, ويجلس طويلاً عند كل كلمة, وكل عبارة, وربما لا يقبل الجواب بالمعنى أحياناً, إلى غير ذلك, ولاشك أن ذلك ينبغي أن يكون فيه اعتدال, فلا يضع المدرس في ذهنه مسألة واحدة وهي أنه يقول: يجب أن أضغط لئلا ينجح إلا الأقوياء, ويتجاهل ما سوى ذلك, لا! ينبغي أن تضع في ذهنك مجموعة اعتبارات, منها مثلاً: زملاؤك المدرسون الآخرون, أهم على مثل ما أنت عليه؟
أم هم مخالفون لك تماماً؟
بحيث تظهر من بينهم جميعاً على أنك مدرس في غاية التشدد, والتمسك بهذه الأشياء, والالتزام الحرفي بها, وأما هم فمنهم المعتدل, ومنهم المفرط, وبذلك يحصل من جراء ذلك ضرر عليك, ولم تحصل المنفعة المقصودة.
وأي نفع لنا أو لهؤلاء الطلاب, أو لهذه الأمة في الدنيا أو في الآخرة, أن نخرج طالباً يحفظ المقرر من أوله إلى آخره, ولكن ليس عنده التزام ولا أخلاق, ولا علم ولا عمل, ولا دين ولا ولاء؟!!
لا فائدة من ذلك, إذاً هذا المقرر الذي أَخْتَبِرُه فيه, هو جزء من العملية التربوية الأوسع والأشمل, وينبغي أن أضعه في الإطار الطبيعي.
بحيث إنك -أحياناً- تضرب ولا تتنبه أن هذا الطالب ليس وراءه بيت يساعده أو يعينه, فلا بد أن تضع هذا في الاعتبار, خاصة أنها ليست ظروف بيت خاص, بل هذا هو الوضع الغالب إن لم أقل في كل البيوت ففي جل البيوت.
كذلك أيضاً الشارع وما مدى تأثير الشارع والأصدقاء على الطالب, حيث أصبح الكثير ينتمون إلى مجموعات, أو شلل اجتماعية, لا تساعدهم على الدراسة, بل يمضي الوقت أحياناً في التجوال في الشوارع, أو في (التفحيط!!) أو في المطاردات, أو مشاهدة التلفاز أو الفيديو, أو في الأسفار غير المفيدة, أو في ما سوى ذلك.
ونتيجة هذا الوضع الذي نجده والذي قد نجد مدرساً -أحياناً- قد يكون شديداً في المقرر, وفي وضع الأسئلة, وفي التصحيح, وفي معاملة الطلاب, مما يورث نوعاً من الحواجز بينه وبينهم, فلا يقبلون منه, ولا يعملون بتوجيهه, ولا يملك القدرة على التأثير؛ لأن الجسور بين القلوب مقطوعة.
في مقابل ذلك فإننا نجد الطرف الآخر، وهو لا يقل خطورة عن هذا الطرف المتساهل الذي لا يصلح ديناً ولا دنيا, ولا علماً ولا عملاً؛ لأنه كما قيل: "فاقد الشيء لا يعطيه" أعني ذلك المدرس الذي لا يهتم بالمقرر, ولا بالطالب, ولا بأخلاقه, ولا تعليمه, ولا يهتم بوضع السؤال, ولا بالتصحيح, ولا يعدل, ولا ينصف, بل يأخذ الأمر بكل رخاوة وعدم اهتمام وعدم جدية، فهو لا يعطي التدريس من وقته ولا من جهده شيئاً, ويتساهل في ذلك, ولا يرعى الأمانة التي ائتمنه الله عليها كما قال الله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
[الأحزاب:72] وقال:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
[النساء:58].
إن الكثير -مع الأسف الشديد- لا يعطون التعليم حقه الواجب, لا من حيث التحضير للمادة, ولا من حيث إلقاؤها أمام الطلاب, ولا من حيث مراقبة الطلاب, ولا من حيث الحضور في الوقت المناسب, ولا من حيث الاعتدال في الأسئلة, ولا من حيث الاعتدال في التصحيح, بل يفرطون في ذلك كله, ويتقربون إلى الطلاب بإعطائهم الدرجات جزافاً, وتسهيل المقررات عليهم, بل ومسخه -أحياناً- دون أن يراعوا النتائج الدنيوية المترتبة على ذلك, من تخرج أجيال ليس عندها علم بدين ولا بدنيا, ولا أن يراعوا النتائج الأخروية التي هي عقاب الله تعالى لمن أخلوا بهذه الأمانة وقصروا وفرطوا فيها.
فقد أصبح الكثير يستغربون أن يرسب الطالب في مادة القرآن الكريم!! وأصبح الكثير لا يقبلون أبداً أن يرسب الطالب في مادة شرعية, ويقولون وهم مبتسمون: يا أخي الدين يسر, ويقصدون بذلك أن معنى يسر الدين في هذه الحالة, أن ينجح الطلاب كلهم في المواد الشرعية, أما المواد الأخرى كالرياضيات أو العلوم أو الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء وغيرها, فإنها تأخذ من جهد الطلاب ووقتهم وعقولهم الشيء الكثير, دون أن يكون هناك مراعاة الاعتدال بين هذه وتلك.
أو ذاك المدرس الذي يتساهل ويُنَجِّحَ الطلاب دون اعتبار, ليُظْهِر أنه المدرس الناجح الذي استطاع أن يفهم الطلاب, ويعلمهم فنجحوا كلهم, أو ينجِّح الطلاب؛ حتى يسلم من إجراءات الدور الثاني وما فيها من وضع الأسئلة, والتصحيح, ورصد الدرجات, وغير ذلك, أو يسعى إلى تنجيح الطلاب لأغراض أخرى كثيرة.
فهل هذا الأمر الذي نطالب به المدرس يعتبر نوعاً من المثالية؟
قد يكون هذا صحيحاً, ويكفينا أن نحاول في ذلك, بل يكفينا أن ينجح في كل مدرسة على الأقل فرد واحد من الصالحين: بالتسلل إلى قلوب الطلاب, والتأثير فيهم, وكسب ولائهم للخير والهدى والصلاح.
إنه يحزنني كثيراً أن نجد -أحياناً- مدرساً همه كسب الطلاب, من أجل النادي أو كسبهم لغرض شخصي, أو كسبهم لفكرة منحرفة فاسدة, أكل عليها الدهر وشرب, وقد تربع هذا المدرس على عروش قلوبهم, وصار هو مجال حديثهم, فلا يذكر إلا بالمدح والشكر والثناء, ثم قد تجد مدرساً مخلصاً مستميتاً, باذلاً مضحياً, سهر الليل وتعب النهار, وجد واجتهد وتعب, ومع ذلك لم يظفر منهم بغير السب والقذف والتنقص.
إنها مأساة جيل, يجب أن نفكر بدقة, كيف نتعامل مع هذا الجيل؟!
لأننا لسنا وحدنا المتعاملين معه, فالتلفاز يتعامل معه, وقرناء السوء يتعاملون معه, والشارع, والبيت, بل ربما مؤسسات كثيرة تتعامل معه على بعد آلاف الأميال في أقاليم وبلاد ومناطق أخرى, فينبغي أن نتعامل معه بدقة, وأن نعرف كيف نستطيع أن نؤثر فيه, ونتسلل إلى قلبه, لنكسب ولاءه للإسلام والخير والدعوة.
لكن ينبغي أن ندرك أن هذه الأنظمة -كما أسلفنا- وسائل إلى غايات, فإذا رجعت هذه الأنظمة على الغايات بالنقص, وكانت تضر بها, كان العمل بها حينئذٍ نوعاً من الشكلية والالتزام بالحرفية في مثل هذه الأمور القابلة للاجتهاد, فماذا يعني حضور المدرس للمدرسة بدون عمل؟! أنت مطالب بالحضور, وليس أمامك عمل تكلف به، فإما أن أحضر لتكلفني بعمل, وأما أن أحضر لأضيع وقتي دون جدوى, فإن هذا لا يمكن أن يكون نظاماً, ولا يمكن أن يكون واجباً شرعياً في عنق الإنسان.
إذاً المهم هو ضبط الدرس أو المحاضرة, وعدم تضييع شيء منها, كذلك لا بد من مراعاة الظروف, مثلاً: ظروف الجو، شدة الحرارة أو شدة البرودة, فإن هذه الأشياء لا يمكن مراعاتها في النظام, فإن النظام جامد أحياناً؛ لأنه عبارة عن قواعد عامة مجملة، لا يمكن أن تراعي التفاصيل.
ولكن ينبغي أن تراعى هذه الأمور في المجال العملي التطبيقي بما لا يخلّ بالعمل التربوي, فليست الحصة الأولى كالحصة الأخيرة, ولا التدريس في وقت الاعتدال مثل التدريس في وقت البرد الشديد أو الحر الشديد, ولا التدريس في الظروف الطارئة كظروف الحرب -مثلاً- كالتدريس في ظروف السلم, وهكذا لكل حالة أوضاعها التي ينبغي أن توضع في الاعتبار.
أما أن نأخذ النظام على أنه حرفي بالدقائق، لا بد أن تدخل, ولابد أن تخرج, وغير ذلك.., فإن هذا يعني مسخ شخصية الإنسان ودوره.
إن المشكلة ليست في وجود النظام بذاته, فالنظام يُحتاج إليه وقابل للتعديل, لكن المشكلة أن تتحول العملية التربوية كلها إلى مجرد تمثيل مظهري للأنظمة, بمعنى: أنني أطمئن بأن المدير لا يستطيع أن يؤاخذني بشيء, وأن الموجه لا يستطيع أن يعاتبني على شيء, فإن البقية إذاً لا تعنيني, إن المسئولية خطيرة أن يصبح اهتمامنا سواء أكنا إداريين أم موجهين أم مدرسين, مقصوراً على الأمور الإدارية الشكلية التي هي في الواقع ليست إلا وسيلة وذريعة وسبباً لتنظيم العلم والتعليم والدراسة.
وإنني أتعجب لك أيها المدرس! نعم أتعجب لك! فنحن منحناك أثمن ما نملك, عقول طلابنا, وقلوبهم تنفرد بها وتملؤها بما شئت, وهي ثروة الأمة ورأس مالها, فإذا أغلقت عليهم باب الفصل, فأنت حينئذٍ آمن, تقول لهم ما شئت دون حسيب أو رقيب إلا الله تعالى, لقد أمنَّاك على هذه الثروة العظيمة, فلماذا لا نأمنك على ما دون ذلك؟
ألم نأمنك على جزء من الوقت, أو على بعض الأمور التنفيذية التفصيلية, أو على بعض الإجراءات الشكلية المظهرية؟!
وأصبحنا نطالبك بأمور مظهرية دون أن نتأكد عن مدى نجاحك في العمل الأصلي, والهدف الأصلي الذي هو صياغة عقول الطلاب وقلوبهم, والتأثير عليهم, وبناؤهم بناءً شرعياً صحيحاً, إنها مشكلة كبيرة أن نغفل عن الهدف الأساسي للتعليم كله, الذي هو بناء الأجيال, ويكون كل همنا: كمدير, أو موجه, أو مسئول, أو مدرس, هو فقط هذه الأشياء الشكلية.
نعم قد تجد مدرساً أو مُدَرِّسة قد أعد دفتر التحضير أحسن ما يكون الإعداد ورسمه وسطره, ولونه وكتب فيه, ثم تجد هذا المدرس محافظاً على الحضور, وعلى التوقيع في وقته, ثم تجد هذا المدرس ملتزماً بكل الأوامر والتعليمات, ولاشك أن هذه الأشياء أمور طيبة ومطلوبة.
لكننا لم نبحث عما وراء ذلك, هل أفلح هذا المدرس في بناء الطلاب بناءً سليماً؟
هل بنى أخلاقهم؟
هل أصلح دينهم؟
هل أعدهم إعداداً صحيحاً للمستقبل ديناً ودنيا؟
حتى مستقبلهم الدنيوي نفسه هل أعدهم لمواجهة الحياة وصعابها ومشاكلها بالوسائل المكافئة لذلك؟
أم أننا قد وقف دورنا عند هذا الحد, عند مجرد الاقتناع بأن المدرس قام بهذه الأشياء المظهرية الشكلية, ثم لم نبحث عن أي أمر آخر وراء ذلك!
إننا بين طرفي نقيض, بين طرف يهدر جميع الأنظمة والقرارات, ولا يقيم لها وزناً, وأقول: لو أن الناس كلهم كانوا على درجة من التقوى والورع والإخلاص, لكان من الممكن أن نتساهل في هذه الأمور, أما والغالب على الناس خلاف ذلك فلا.
أما الطرف الثاني: فهو حصر مهمته في ضرورة تنفيذ هذا النظام أو ذاك, حتى ولو كان تنفيذه أحياناً يؤثر ويخل بالعملية التربوية, وكأنه وحي, مع أن هذا النظام الذي يعمل به في هذا العام من السهل أن يغير في العام القادم.
وقد حدثني أحد المدرسين أن طالباً في المرحلة الثانية الابتدائية, جاء إلى بيته يوماً وهو يبكي, فقالت له أمه: لماذا تبكي؟! قال: لأن المدرس ضربني, فاتصلت أمه -من الغد- وسألت المدرس, لماذا ضربته؟! قال: لأنه يلعب, وقد ركب فوق الماسة, وبدأ يتكلم ويتحرك, ورفض أن ينصاع للأوامر, فسكتت الأم, فلما جاء ابنها من المدرسة, قالت له: إن المدرس قال فيك: كذا وكذا.., قال لها الطالب -وعمره ربما سبع سنوات والقصة واقعة وأعرف حتى اسم هذا الطالب- قال لأمه: نعم، أنا فعلت ذلك؛ لأن هذا المدرس غير ملتزم, وهو يدخن وقد أمرته مرات ومرات فلم يطعني, فأحببت أن أسيء الأدب عنده, حتى أعتبر هذا نوعاً من الامتعاض والتعبير عن السخط على عمله في كونه يدخن وهو مدرس قدوة للأجيال.
فأرادت الأم أن تتثبت, واتصلت بالمدرس وقال لها: نعم، والله ما قاله ولدك صحيح, وأنا أخبركِ أن الله قد كتب توبتي على يديك, وعلى يد ولدك هذا الطفل الصغير.
وكم هو مؤذٍ -أيضاً- أن يتكلم المدرس عن وجوب صلاة الجماعة, ثم يتسامع الطلاب ويتهامسون أنه لا يصلي مع الجماعة!! وكم هو مؤسف أن تتحدث المعلمة -مثلاً- عن الالتزام بالزي الإسلامي وعن الحجاب, ثم تراها الطالبات وهي على أبواب المدرسة, وقد لبست ثوباً ضيقاً, أو ثوباً مشقوق الجوانب, أو لبست ألوان الزينة, أو أن تقول المدرسة للطالبات: لا تأْتُنَّ بالذهب إلى المدرسة, ولا تأْتُنَّ بالأشياء الثمينة, ثم تكون هي قد لبست من ذلك الشيء الكثير.
إن الجانب الأخلاقي مهم جداً أمام الطلاب، فلا يجوز للمدرس أن يسخر بالطالب مثلاً، أو يحطمه, أو يحتقره, أو يوبخه, أو يسبه, أو يشتمه أمام زملائه, بل إنّ من هذه الأشياء ما هو حرام بكل حال, سواء أكان أمام زملائه أم على انفراد.
فالنشاط المدرسي نشاط مهم جداً, وينبغي أن نـزاحم المؤسسات الأخرى الموجودة في المجتمع, كالأندية الرياضية وغيرها، في شغل أوقات الطلاب, وإنه ليؤسفني أن أقول: إننا أصبحنا نسمع ونقرأ -في صحف اليوم- أن النشاطات المدرسية في المدارس الأهلية في بلادنا, أو في المدارس الأجنبية, أصبحت في غاية الغرابة, فهي تعلن عن نشاطات رياضية, ونشاطات للسباحة, بل تعلن عن أسفار إلى بلاد الغرب للطلاب في المرحلة الثانوية, بل ربما في المرحلة المتوسطة والابتدائية, وتعلن عن نشاطات كثيرة, ومن الواضح أن المستهدف بها خلق الطالب, ودين الطالب, وحياء الطالب, ومروءة الطالب, ورجولة الطالب, ومحاولة سلخه عن المجتمع.
فأحرى بتلك المدارس التي تمتلئ بالمدرسين الأخيار, أن تكون مجالاً للدعوة إلى الله تعالى, وأن يحرصوا على الاستفادة من كل الفرص في شغل أوقات الطلاب في النشاطات المفيدة, ولا ينبغي أن تقتصر هذه النشاطات على النخبة من الطلاب أو الصالحين منهم, فالكثير من الطلاب ربما يكونون راغبين في الخير لو وجدوا الموجه الناصح, ولكنهم تأثروا بغيره.
وقد وقفت على إحصائية مهمة ومفيدة أعدها الأستاذ محمد بن عبد الله الدويش, وسوف تخرج في كتاب له عن التعليم قريباً, يقول: هذه الإحصائية تدل على مدى الرغبة في الخير عند الكثير من الطلاب, حتى ولو لم يكونوا مستقيمين في مظاهرهم, متى أحسنا إليهم وصبرنا عليهم وأقمنا معهم الجسور؛ فإننا سوف نظفر منهم -إن شاء الله تعالى- بخير كثير, يقول: قمت بإجراء دراسة على فئة من الشباب, من غير أهل الصلاح والاستقامة, فأجاب (93%) من طلاب المرحلة الثانوية, و(92%) من طلاب المرحلة المتوسطة أنهم سبق أن فكروا في الالتزام, وأجاب (32%) من الجميع أنهم فكروا تفكيراً جدياً في العودة إلى الخير والالتزام به, وأفاد (46%) من طلاب الثانوية, و(37%) من طلاب المرحلة المتوسطة, أنهم يرغبون رغبة أكيدة في تغيير واقعهم.
أما الذين ليس لديهم رغبة في تغيير الواقع فهم (3%) فقط من طلاب المرحلة الثانوية, و(7%) فقط من طلاب المرحلة المتوسطة.
والفئة الكبرى من هؤلاء الشباب مع ما فيهم من الفساد أو إعراض, فهم غير راضين عن الواقع الذي هم عليه, وقد أفاد (6%) من طلاب الثانوية, و(14%) من طلاب المتوسطة, أنهم راضون عن الواقع, أي أن (94%) و(86%) من الشباب يملك قدراً من عدم الرضا بالواقع.
إن هذا التعبير وهو عدم الرضا عن الواقع هو بداية خير, وبذرة يمكن أن تستغل وأن يستفاد منها.
إذاً اجعل -أيها المدرس الداعية- هؤلاء كلهم ضمن اهتمامك وعنايتك, ولا تقصر جهدك على عشرة أو خمسة من الطلاب المستقيمين الصالحين, وترى أنك قمت بالواجب تجاههم، إن لأولئك عليك حقاً.
يقول المتنبي عن نفسه:
وحيد من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد |
نعم المدرس يشكو لوحده, فالبيت والوالد والوالدة والشارع والمجتمع, بنواديه, ومؤسساته, وشلله الشبابية, كلهم ربما لا يساعدونه في أحيان كثيرة, فهل من العقل أو العدل أن يبقى المدرس وحيداً؟!
كلا, بل أقول: إذا بقي المدرس وحيداً فإنه لن ينجح, مثال ذلك: المُدرِّسةُ تعطي للطالبة معلومات أن المرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة, ثم تخرج الطالبة إلى البيت, فترى في التلفاز امرأة من بنات جنسها, وقد كشفت عن شعرها ووجهها ونحرها وصدرها وساقيها, بل وما فوق ركبتيها أحياناً, ولبست ثياباً ضيقة بل ومشقوقة, وركبت مع الأجانب, وأصبحت تغازل الشباب, وتتصل بالهاتف, وتتكلم, وتضحك وتغني وترقص, إلى غير ذلك.., فهذه المدرَسة المدمرة المسماة بالتلفاز, إنها تأتي على أي أثر تبنيه المُدَرِّسَة خلال خمس أو عشر دقائق في المدرسة, وتأتي عليه بوسائل التكنولوجيا المعاصرة، فالفساد مدجج بأحدث الوسائل العصرية, أما الخير فلا يملك إلا مقرراً مدرسياً ووسائل غير مكافئة, وربما يكون المدرس أحياناً مقصراً أو مشغولاً, فلك أن تتصور ماذا يكون مصير الأجيال حينئذ.
ثم تسير هذه البنت في الشارع, فربما ترى نوعاً من التبرج, فتركب في الطائرة فترى شيئاً من ذلك, فأي وضع ومصير تتوقع أن تكون إليه هذه الفتاة؟!
إن الجهود يجب أن تتضافر في بناء الجيل, ويجب أن يكون للبيت دوره, وللمدرسة دورها, وللإعلام دوره, وللمسجد دوره, ولكل واحد منا دوره, وأقول إذا قصر بعضهم فلا يعني هذا أننا يجب أن نتخلى, وقد رأينا بأعيننا الأثر الكبير للمدرسين والمدرسات, كما رأينا الأثر الكبير للدعاة في أعماق البيوت, ورأينا أن هذا الأثر بحول الله تعالى وعونه, قد تغلب حتى على تأثير أجهزة الإعلام المدججة بالتكنولوجيا المعاصرة, وتغلب على أعداد غفيرة من دعاة الفساد والانحلال, وما ذلك إلا لأن الجهد الذي يباركه الله تعالى وينميه ويزكيه, جهد نافع مبارك, حتى ولو كان جهداً قليلاً.
وللبيت دور في تعزيز ومساندة المدرسة, كالحث على أداء الواجب, والحث على المذاكرة والتوجيه خلال بقاء الطالب أو الطالبة في المنـزل, واختيار الجلساء الصالحين, وعدم تسليم الطالب أو الطالبة لغير الصالحين، والمحافظة على أداء الصلوات, والمحافظة على الطالب في الإجازات وفي العطل الطويلة والقصيرة.
وهناك دور للمسجد, فحلقة تحفيظ القرآن الكريم لها دور كبير في رعاية الطلاب وتوجيههم, كذلك الحلقة العلمية: كحلقة الحديث, وحلقة الفقه, وحلقة الذكر، والمكتبات الموجودة في المساجد، والإمام في المسجد, أو طالب العلم في المسجد, فكل هؤلاء يجب أن يكون لهم دور في رعاية الطلاب, وفي توجيههم وإرشادهم, وأن لا نكل مهمة الأجيال إلى المدرس فقط, فإنه حينئذٍ لابد أن يعلن عجزه عن ذلك, إذا تخلى الباقون عن دورهم.
كذلك النشاط الصيفي كالجمعيات, والمراكز الصيفية لها دور أيضاً, ثم إن للمدرسة دوراً كبيراً في تعميق الصلة بأولياء الأمور ودعوتهم إلى بعض الاجتماعات, وموافاتهم بأحوال أبنائهم.
الجواب: نعم أنا أوافقك على شيء من ذلك, ربما كان الكثير من الشباب في هذا البلد, في طبيعتهم شيء من عدم إظهار البشاشة, واللطف مع الآخرين, ولذلك أدعو الإخوة هنا إلى أن يحرصوا وأن يتحلوا بالأخلاق, فالكلمة الطيبة كما أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم {تبسمك في وجه أخيك صدقة} ومصافحتك لأخيك ربما تكون سبباً في أن تتحاتَّ ذنوبكما كما تَحُتّ الشجرة ورقها, ودعوتك لأخيك إلى أن يجلس عندك, ولو بالكلمة هو أمر طيب, ومساعدتك له, وسؤالك عن حاله, وعن اسمه, ومن أين جاء؟
إلى غير ذلك.., كل هذه الأمور:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما يغرس الود في فؤاد كريم |
فعليك ألا تتهاون في هذه الأشياء, فالذي أعرفه من الإخوة هنا أن الكثير منهم يحملون قلوباً نقية صافية, ويحملون الحب في قلوبهم, ولكنهم يخفقون أحياناً في التعبير عن هذه المحبة, أنت تجد إنساناً في بعض الأحيان ليس في قلبه محبة، لكنه يتملقك بالكلام الطيب حتى تصدقه, وأحياناً تجد إنساناً يحمل قلباً ممتلئأً بالحب, لكنه لا يعبر لك عن ذلك, فلربما فهمته خطأً أحياناً, والمطلوب منك أن يكون فيك هذا وذاك, فاحمل قلباً محباً لإخوانك, خاصة من الطيبين خاصة إن كانوا من الغرباء عن البلد, واحرص على مساعدتهم, وعبر عن ذلك بالكلام الطيب, وحاول أن تتجنب بعض الكلمات التي قد تكون شديدة أو نابية وإن كانت عفوية وعادية منك لكنها قد تخدش أسماع الآخرين.
الجواب: هذا من الخطأ الكبير, وهذا إفساد للعملية التربوية, أن أجعل مدرساً منحرفاً ولو في مظهره يدرس المواد الشرعية, بل ينبغي أن يكون مدرس المواد الشرعية قدوةً في مظهره ومخبره وسلوكه وأعماله.
الجواب: ينبغي على المدرس أن يكمل الطريق الذي بدأه, فعليه أن يواصل هؤلاء الشباب, وأن يزورهم, فهذا زرع قد غرسه, ويحتاج إلى سقي وإلى تعاهد فتأتيه العوادي والرياح, فتسفي عليه فيموت, فيحتاج إلى تعاهد وإلى سقي, وعليه أن يتصل بأولئك المدرسين ليقوموا بتحمل المسئولية من بعده, وهنا يأتي حديث: {من سن في الإسلام سنة حسنة}.
الجواب: هذا ذكرته قبل قليل, أن على المدرس أن يتجنب الكلمات السيئة, من كلمات السب والشتم والتعيير, فإن هذا مما لا يليق به, فقد شكا إليّ كثيرون من الطلاب ومن الطالبات, ومن أولياء الأمور أحياناً ما يجري في بعض الفصول من ورود كلمات بسبب الغضب والسخط قد لا تكون لائقة ولا مناسبة.
الجواب: هذا ممن يربي الطالب على أن الهدف من الدراسة هو مجرد أخذ الشهادة ومجرد النجاح, لماذا؟ لأن المدرس لا يحدثه إلا عن مسألة التهديد بصعوبة الأسئلة, أو التهديد من جهة الخصم من الدرجات.
والذي ينبغي أن يكون هناك تربية للطالب على أن التعليم لا يستهدف مجرد الحصول على الشهادة, فإذا كان المقصود الرزق فقط, فإن الكثير حصلوا على أموال طائلة, وعلى مرتبات ضخمة, دون أن يكون لديهم أية شهادة, بل ينبغي أن يربى الطالب على أن يكون همه وهدفه الخير والتعلم والتعليم والأمور النافعة لدينه ودنياه.
الجواب: لا, هذا لا يجوز, ولو استأذنوا.
الجواب: ليس هناك تعارض, بل يمكن أن يجمع الإنسان بين هذا وذاك.
الجواب: الذي أراه مناسباً, أن يُعَلَّم الطلاب الحق, ويُؤْمَروا به بالحكمة والموعظة الحسنة, ويُصْبر عليهم, ثم بعد ذلك يمكن اللجوء إلى الوسائل الأخرى الإدارية الإلزامية.
الجواب: في الواقع أن الكلام للطرفين معاً, وإن كان الوقت لم يسعفني بأن أُدْخِلَ المعلمة ضمن الكلام, لكن المربي هو رجل أو امرأة.
فأقول: حتى الحرب في الصومال هي حرب صليبية, فـالنصارى هم الذين يدعمون الطرفين المتحاربين, وهم الذين تسببوا في وقوع هذه المجاعة والمأساة في الصومال, من أجل تحويل الصومال إلى بلد نصراني وقد رفعوا شعار تحويل أفريقيا إلى قارة مسيحية في عام (2000م), وهم وراء كل مصيبة نـزلت بالمسلمين, ومع ذلك أقول من باب التكامل الموضوعي: ما كان النصارى ليفعلوا بالمسلمين ما فعلوا، لولا البلاء من داخل المسلمين, قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
[آل عمران:165] وقال:
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً
[آل عمران:120].
أولاً: الفتوى بغير علم, فبعض المدرسين قد يفتي بغير علم, والله تعالى نهى عن أن تقولوا على الله ما لا تعلمون.
ثانياً: الواسطة والمحسوبية والشفاعة في حقوق الناس, وعلى حساب فلان وفلان.
ثالثاً: الانشغال بالعمل الدنيوي من تجارة , أو عقار, أو غيرها, حتى أثناء الدراسة وفي مقاعد الدراسة.
رابعاً: حصص الرياضة تعتبر للراحة, وبعضهم يتركون الطلاب لوحدهم, وبعضهم الآخر يضخمون دور الرياضة في عقول الطلاب, ويأتون لهم بأخبارها.
خامساً: الحديث عن التلفاز, وما يعرض فيه من مسلسلات أو غيرها, مما يربط الطلاب به, ويشدهم إليه, ويضيع وقتهم في ما لا يفيد.
سادساً: إغراق الطلاب والطالبات بالتكاليف والمتطلبات المادية, وقد تكون ظروف الأهل لا تسمح بذلك.
سابعاً: التحزبات داخل المدارس بين المدرسين, والعداوات, وهذا لا شك من كيد الشيطان, الذي أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب, ولكن في التحريش بينهم.
ثامناً: عدم التفطن لتأثير بعض الكلمات النابية على الطلاب, خاصة إذا كانوا من صغار السن.
تاسعاً: إهمال الطلبة من حيث علاقة بعضهم ببعض, وقد يترتب على ذلك مفاسد كثيرة.
العاشر: هو أن بعض الطلاب أو الطالبات يقعون في ما يسمى بالإعجاب, وهذا موجود في مدارس البنات بكثرة, أن الطالبة تعجب بالمدرسة فتقلدها في كلامها وحركاتها وملابسها وزيها وتسريحتها وكل شيء, وتحرص على الارتباط بها, وهذا نوع من الارتباط الذي يكون ارتباطاً عاطفياً, يتعدى إلى أمور مذمومة, ويؤثر تأثيراً سلبياً على عقلية الطالبة ونفسيتها, وشخصيتها واستقلالها, ودينها وأخلاقها, وقد يتعدى ذلك -أحياناً- إلى أمور غير محمودة, فينبغي معالجة ذلك والعمل على تلافيه.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين, ولا مضلين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر