إسلام ويب

شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني [2]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    شرح أركان الإسلام الخمسة

    أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن الإسلام بأركان الإسلام الخمسة التي هي: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت يا محمد! قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه) .

    ونقف هنا عند هذه الأركان الخمسة، بالمقارنة بقوله: (أخبرني عن الإيمان)فأخبره بأمور كلها غيبية، قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره).

    دلالة الإسلام على الأعمال الظاهرة والإيمان على الغيبيات

    أركان الإسلام كلها أعمالٌ ظاهرة، أولها: النطق بالشهادتين، فالنطق مسموع بالآذان.

    وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة: وهي جزء من مالك تخرجه للفقراء.

    وصوم رمضان: وهو كف الإنسان عن الطعام والشراب والمبطلات للصيام.

    وتحج البيت: وهي رحلة طويلة إلى بيت الله الحرام لها مناسك معلومة في أيام معدودة.

    ولذا قالوا: أركان الإسلام تنبعث من معنى الإسلام نفسه، فهو الاستسلام والانقياد، كما قال حكيم الجاهلية:

    وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا

    إذا هي سـيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا

    وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا

    فيقول: أسلمت وجهي، بمعنى: استسلمت وانقدت لمن انقادت إليه العوالم العلوية والسفلية، الذي انقادت وأسلمت له المزن وهي السحب. تحمل عذاباً زلالا: أي الماء حينما تساق السحب إلى أرض فتسقيها. السجل: الذَنَوب الكبيرة؛ هذه السحب التي تحمل الماء العذب الزلال، من الذي أنشأها؟ ومن الذي ساقها؟ ولمن تستسلم في مسيرتها؟

    لله الذي خلقها.

    وهذه الأرض التي تحمل الجبال التي أرسيت بها، من الذي أرساها؟ يقول هذا الحكيم الجاهلي:

    أسلمت وجهي لمن أسلمت له تلك العوالم التي يشاهدها؛ فكذلك الإسلام: أن يستسلم العبد لله في أوامره بأن يأتي ما أمره الله به، وفي نواهيه بأن يجتنب ما نهاه الله عنه، وإذا كان الأمر كذلك؛ كانت عوامل الاستسلام ظاهرة.

    وقد جاءت أحاديث تدل على أن الإسلام أعم من هذه الخمس، مثله قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي: بأن يكف عن الكذب، الغيبة، النميمة، الحسد، الحقد.. إلخ.

    إذاً: الإسلام أوسع، وهو يشمل كل ما فيه معنى الاستسلام لله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، والآية تشير إلى: (يؤمنوا) (ويسلِّموا) أو كأن الإيمان والإسلام صنوان.

    بينما الإيمان: أن تؤمن بالله، وإن لم تره ولم تلمسه، فهو أمر غيبي، ولكن توقن بوجوده استدلالاً بآثاره: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ، أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ.. [الملك:16] الآيات.

    وملائكته لم نرهم ولم نشاهدهم، وقد شاهد بعض الناس بعض الملائكة.. فرداً من أفراد الجنس، وإذا رأينا ملكاً واحداً لكأنما رأينا جميع الملائكة؛ لأنها جنس.

    لو أن شخصاً ما رأى التمر قط، ثم جيء بتمرة واحدة، ولكنه يرى البرتقال والتفاح والموز، فقال: ما هو التمر؟ قيل: خذ، فإذا رأى تمرة واحدة حكم بها على جنس التمور بجميع أنواعه، وهكذا الواحد بالجنس، والواحد بالفرد، فهذا الملك قد رئي ورآه بعض الناس، ونحن نؤمن بالملائكة ولو لم نرهم؛ لأنه جاءنا الصادق المصدوق بأمرهم، كما سيأتي الكلام على أركان الإيمان.

    ونحن نحتاج إلى وقفات عند كل ركن من هذه الأركان، ولكن لا نستطيع ذلك، وإلا لقضينا الوقت كله والليالي العديدة في هذا الحديث، كما يقول ابن رجب : ما من عالم من علماء المسلمين في فن من الفنون إلا ويرجع إلى هذا الحديث.

    معنى: (أشهد أن لا إله إلا الله)

    قال صلى الله عليه وسلم: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله وأن محمداً رسول الله).

    قولك: ( أشهد أن لا إله إلا الله) أي: معتقداً بذلك جازماً بأنه لا مألوه بحقٍ إلا الله، ومألوه بمعنى: معبود، لا معبود بحق إلا الله.

    وجيء كلمة (بحق) لأن هناك معبودات كثيرة، كما اتخذ العرب في الجاهلية أصناماً متعددة، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]، وفي الحديث: (تعس عبد الدرهم والدينار).

    فالناس لهم معبودات كثيرة، ولكن المعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى، وأنت تعلن ذلك في الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:4-5].

    فإذا قلت: لا إله إلا الله؛ فمعناها: لا مألوه ولا معبود بحق إلا الله، ولا ينبغي صرف شيء من العبادات لغير الله: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، وتقدم الكلام على نية الإخلاص ونية القصد، وهي قصد التوجه لله تعالى بأعمال الخير، وهنا إذا قلت: لا إله إلا الله، كان عليك أن تلتزم بلوازمها ومفاهيمها.

    معنى: (أشهد أن محمداً رسول الله)

    إذا قلت: (أشهد أن محمداً رسول الله)، فمعنى الرسالة أن الله أرسله، والرسول لابد أن تكون معه رسالة، إذاً لا يوجد رسول بدون رسالة، ولا يسمى رسولاً إلا برسالة معه، فتؤمن بالرسول وبالرسالة التي جاءك بها من عند من أرسله.

    ومن لوازم (لا إله إلا الله): أنك لا تعبد سواه، وتؤمن به وبكل ما جاء عنه، وإذا قلت: (محمد رسول الله)، كان يلزمك أن لا تعبد الله الذي ما آمنت به إلا عن طريق هذا الرسول وبمقتضى الرسالة التي جاءك بها، فإن عصيت رسول الله، فحقيقة المعصية معصية لمن أرسله إليك، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99]، وقد قال اللهم بلغت.. اللهم فاشهد، وانتهى من المهمة، وبقي التنفيذ عليك، وبقي تمام الالتزام منك.

    ومن هنا يقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد)، ويقول مرسله سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ثم يقول أيضاً: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

    إذاً: معنى قولك: (أشهد أن محمداً رسول الله) التزام طاعة رسول الله، وهي طاعةٌ لله: (من أطاعني فقد أطاع الله)، ونحن نشبه ونقول إيضاحاً لهذا الالتزام: إنه في العرف الدبلوماسي يعبرون بقولهم: تبادل السفراء بين الدول؛ لأن الدولة لا تتعامل مع الدولة بأن يأتي وزراء الدولة كلهم إلى وزراء الدولة الأخرى بكل حاجياتهم، ولكن يختار رئيس الدولة مبعوثاً عنه يسمى سفيراً، فيأتي ويقدم أوراق اعتماده إلى الدولة التي هو سفير فيها، وبعد ذلك يكون سفيراً رسمياً بين الدولتين، وكل ما يأتي به هذا السفير من دولته إلى الدولة التي هو مبعوث إليها يكون كلامه لا باسمه الشخصي ولكن باسم دولته ورئيسها، فإذا قبلت تلك الدولة ما جاءهم بها كانت العلاقة حسنة وتواصلت الروابط الدبلوماسية، وإذا رفضت ما جاء به كان تعكر الجو السياسي، وسحب كل بلد سفيره، وربما قطعوا العلاقات الدبلوماسية، لأنهم رفضوا ما جاء به السفير من عند دولته، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بأوراق اعتماده من المعجزات الباهرات حسياً ومعنوياً.

    1.   

    معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم من جنس معجزات الأنبياء

    يقول السيوطي : ما أوتي نبي معجزة إلا وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم من جنسها.

    فموسى عليه السلام أوتي العصا تنقلب حية تسعى، والرسول صلى الله عليه وسلم أعطى عكاشة في بدر قطعة خشب لما جاءه وقال: انكسر سيفي، فأعطاه عوداً من الخشب وقال: اضرب وقاتل بهذا، فأخذه فانقلب في يده سيفاً بقي عنده إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم!.

    والرسول صلى الله عليه وسلم حينما لقي ركانة في مكة قبل الهجرة ودعاه إلى الإسلام، قال: (يا محمد! دعك عني، قال: أتصارعني، فإن صرعتني فلك شاة، فصارعه، فصرعه رسول الله، فقال ركانة: واعجبا تصرعني أنت، والله ما وضع أحد جنبي على الأرض قبلك، أتعود للثانية؟ قال: نعم، قال: ولك شاة. ففعل ذلك ثلاث مرات، حتى قال ركانة : يا ويح ركانة ، ماذا أقول لأهلي: شاة أكلها الذئب وشاة شردت عني، وماذا أقول في الثالثة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: لا أجمع عليك الغلبة والشياه، خذ شياهك، فعجب ركانة ، قال: أتعجب يا ركانة ! ألا أريك أعجب من هذا؟ قال: وما هو؟ فنظر إلى شجرة هناك فقال: تعالي ، فجاءت تخط الأرض حتى وقفت بين يديه، ثم قال: عودي حيث جئت، فعادت، فقال: ركانة أمهلني أنظر في أمري) .

    أكثر من هذا أن الجذع الذي كان يحن إليه صلى الله عليه وسلم، جذع له ثمان سنوات وهو يخطب عليه؛ لأن المنبر صنع سنة ثمان من الهجرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ على الجذع حينما يخطب، فلما تحول وصعد المنبر، فإذا بالجذع اليابس يحنّ لرسول الله كحنين الناقة العشراء، يسمعه جميع من في المسجد، فيأتي إليه ويمسح عليه، ويقول له: (إن شئت ذهبت وغرستك في البستان وصرت نخلةً تثمر تعود إليه الحياة، وإن شئت أن تكون غرساً من غرس الجنة أدفنك هنا في الروضة، فيجيب الجذع وهم يسمعون: بل أكون من غرس الجنة).

    موسى عليه السلام كان معه معجزة الحجر، كما قال الله: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً [الأعراف:160]، يخرج الماء من اثنتا عشرة عيناً من الحجر الذي مع موسى بضربة من العصا.

    والنبي عليه الصلاة والسلام في عدة مرات يقل عليهم الماء ويؤتى صلى الله عليه وسلم بمخضب -إناء صغير- فيه ماء، ويضع فيه كفه ويدعو الله بما شاء، فإذا الماء ينبع من بين أصابعه، فيتوضئون ويشربون ويرتوون.

    ونتساءل أيهما أقرب إلى طبيعة الأشياء: انبجاس الماء من حجر وهو جزء من أجزاء الأرض التي تختزن الماء في جوفها، أو نبع الماء من بين دم ولحم؟ وأيهما أدخل في الإعجاز؟

    الجواب: الذي من بين الأصابع، لأن الحجر يمكن أن تضعه في الأرض ويمتد له الماء من الأرض، والحجر من طبيعته أن ينبت الماء،ولكن أن يخرج الماء من بين الأصابع ويسقي الناس.. هذا عجيب!.

    عيسى عليه السلام يبرئ الأكمه ويحيي الموتى بإذن الله، وكم من مريض شفاه الله على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب حينما كان أرمد يوم خيبر، وجيء به يقاد بين اثنين؛ فيتفل في عينه صلى الله عليه وسلم فلا يرى رمداً بعد ذلك، وأبو قتادة الأنصاري سالت عينه على خده في أحد، وردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن العينين إبصاراً.

    إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالمعجزات، وفي كل قومٍ يؤتى لهم بما يناسبهم.

    جاء أعرابي وسلم وكانوا يتعشون، فجلس وقال: (يا محمد! من يشهد أنك رسول الله؟ قال: القصعة التي تأكل منها، فرفعها فإذا بها تقول: محمد رسول الله، فقال الذي بجواره: أسمعنيها يا رسول الله؟ قال: أسمعه، فلما طلب الثالث قال: ضعها في الأرض) ، ولم يتركها تتجول بين الناس؛ لأنها أمور خارقة للعادة.

    معجزة القرآن الخالدة

    أعظم معجزة لرسول الله التي هي لها صفة الدوام والبقاء، والتي لها الإعجاز الأكبر: القرآن الكريم؛ لأن كل معجزة نبي كانت مؤقتة بوقته وبزمنه، فعصا موسى انقضت بموسى، إحياء الموتى لعيسى انقضى بعيسى، وآية إبراهيم: كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، وآية نوح ومجيء الطوفان انتهى أمرها وقضي الأمر واستوت على الجودي.

    إذاً: كل معجزة لنبيٍ إنما كانت مرتبطة بشخصه وبزمنه؛ إلا معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي الباقية، وهي التي تحدى الله بها العقول، وليست خوارق للعادات، وإذا كان الأمر يتحدى العقول فإن العقلاء يقفون عند حد، أما إذا كان فوق العقول وفوق القدرات فإن الإنسان يقف منه موقف من يشعر بالعجز؛ لعجز الطاقة عن ذلك، فلا يستطيع البشر أن يأتي بحية من عصا، لكن هذا خارق فوق العادة ملموس.

    أما القرآن فبلغتهم وبحروفهم وبكلامهم، وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، كان والدنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه يقول في أوائل سورة البقرة: أول نداء في المصحف الشريف: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا * وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21-22]، مَنْ الند الذي يمكن أن يخلق أرضاً فراشاً، مَنْ الند الذي يمكن أن يوجد سماءً بناء؟ مَنْ الند الذي يمكن أن ينزل من السماء ماء؟ مَنْ الند الذي يمكن أن ينبت من الأرض نباتاً رزقاً لكم؟ لا يوجد.

    ثم بعد أن أقام الآيات البينات على وجود الخالق سبحانه، دعاهم إلى عبادته لأنه خالقهم، والمستحق للعبادة وحده، ثم جاء بإثبات الرسالة: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، أي: في شك مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]، أي: ائتوا بالإنس والجن يعاونونكم على هذا.

    القرآن ليس غريباً عنكم هو: ألم [البقرة:1]، و: كهيعص [مريم:1]، و: ص [ص:1]، و: ق [ق:1]، و: ن [القلم:1]، و: ألر [يوسف:1]، هذه الحروف التي تعرفونها، والتي تؤلفون منها أشعاركم، والتي تتكلمون بها في خطبكم، والتي تتحادثون بها فيما بينكم، لم يأتكم بشيء غريب عنكم، ولكنه منزل من عند الله.

    فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، وهذا تحدٍ فوق التحدي، ائتوا بسورة من مثله، ثم يقول: وأنا أخبركم مقدماً أنكم لن تفعلوا. ولم يفعلوا، ويبقى إعجاز في إعجاز وتحد في تحد.

    إذاً: قامت البينة بأن ما أنزله الله على رسوله إنما هو وحيٌ من عند الله، وقامت البينة على أن القرآن الكريم هو وحيٌ من عند الله، وكان في ذلك إثبات لرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمنا بأن محمد بن عبد الله هو رسولٌ من عند الله أرسله بكتابه.

    معصية الرسول صلى الله عليه وسلم هي معصية لله تعالى

    فقولنا: (وأشهد أن محمداً رسول الله): الرسول لا بد له من رسالة، وهذه هي رسالة الله إلى خلقه، جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان لزاماً علينا أن نلتزم بتلك الرسالة، فإذا عطلنا شيئاً منها كان ذلك عصياناً لله وليس لرسول الله فقط.

    ويجب أن نعلم أن المعصية لله ورسوله قسمان:

    معصية غلبة النفس والهوى، ومعصية التعنت والعناد، وهذه عياذاً بالله قد تخرج من الملة؛ فمن جحد شيئاً مما جاء به رسول الله، أو استحل شيئاً مما حرمه رسول الله، أو حرم شيئاً مما أحله رسول الله، وقال: إنه حرام، لا أنه امتنع منه، فإنه كافر برسالة رسول الله من عند الله، وليس صادقاً في قوله: (محمد رسول الله ).

    وإننا نعلم أن كلمة (نشهد) بدل أقر أو أعترف أو أخبر بأن، والله سبحانه وتعالى قد أخبر عن قوم فقال: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، قد قالوا: (نشهد إنك لرسول الله) فكيف يكونون كاذبين؟

    لأنهم: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2]، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

    ولهذا كان حديث: (من قال: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة) معنى الحديث: أن يقولها خالصة من قلبه، وأن يلتزم بمدلولها.

    وإذا كان الإسلام كله أعمالاً ظاهرة تؤيد مدلول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فإن العلماء يبحثون بعد ذلك: فيمن ترك ركناً من أركان الإسلام هل يصدق عليه: أنه مسلم أم أنه نقض الشهادة بتركه الركن؟

    يبحث العلماء في هذا بحثاً طويلاً، ويختلفون في الأركان الثلاثة: الصيام والزكاة والحج، والاختلاف أقل في الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حقها: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

    وقد بوّب الشوكاني في نيل الأوطار: باب من يرى الكفر في ترك الصلاة، وبعد ذلك جاء بالنصوص، وجاء بباب آخر هو: باب من لا يرى الكفر في ذلك، والأحاديث في هذا عديدة، يصعب علينا أن نمليها وأن نتكلم فيها، لأنها تقتضي الوقت كله.

    إذاً: جبريل عليه السلام سأل عن الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم أجابه بالأركان الأساسية، وهي: الشهادتان، وإقام الصلاة، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت بالشرط: إن استطعت لذلك سبيلاً.

    هذا ما يتعلق بالإسلام، والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755998219