إسلام ويب

دروس الحرم [8]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    شرح حديث: (من صنع إليه معروف فقال..) الحديث

    الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء) أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان.]

    أيها الإخوة الكرام! هذا الحديث في منطوقه ودلالته استوقف كثيراً من العلماء، فهو في ذاته لا إشكال فيه، ولكن إدخال المؤلف إياه هنا في الأيمان والنذور، هو الذي جعل العلماء يتساءلون: ما علاقته بهذا الباب؟!

    ومن المعلوم أن من الواجب على الإنسان شكر النعمة، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، فأي إنسان صنع لك معروفاً أياً كان، استحق أن تثني عليه أو أن تحمده أو أن تشكره.

    الفرق بين الحمد والثناء والشكر

    فالحمد: هو الثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، ولو لم يصلك منه شيء، وليس هذا الحمد المطلق إلا لله؛ لأن كمال الذات خاص بالله سبحانه، وهو منزه عن النقص: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] ، ولهذا يقول العلماء: (ال) في قولك: (الحمد) للاستغراق، فاستغرقت جميع المحامد، وأضافتها لله سبحانه.

    والثناء: هو امتداحك الشخص لحسن فعاله، هناك لكمال ذاته ولو لم يأتك ولا غيرك منه خير، ولو لم يصدر منه فعل، وهنا لحسن فعاله تثني عليه، فمثلاً: إنسان برز في مهمته واختصاصه، طبيب برع في مجال طبه وأجرى عمليات ناجحة، فسمعت به ولم تره، ولم يصنع لك شيئاً، فأنت تثني عليه لتفوقه؛ لأنه صدر منه للغير فعل حسن جميل، ولو لم يصلك من جميله شيء.

    فمثلاً: نحن في هذا العصر نثني ونذم، نثني على غير المسلم لأنه اخترع ما ينفع الناس، فهذا الهاتف أنت في آسيا تخاطب شخصاً في أوروبا وكأنه وراء الحائط، فنثني عليه لأنه سهّل اتصال العالم، ويسر الكلام عن بعد.

    ونذم من اخترع تفجير الذرة؛ لأنه سلاح فتاك، وإن كان قد يستعمل في الأغراض السلمية.

    إذا جنح في جانب السلم أثنينا عليه، وإذا ذهب إلى التدمير العام ذممناه، ولهذا قالوا: جائزة نوبل تكفيراً عن ذنب.

    أيضاً: من قام بإعادة إعمار الحرم المكي، ومن خطط لذلك من المهندسين؛ نثني عليهم.

    وأما الشكر: فيكون لمن صنع لك معروفاً، ولو لم يصل لغيرك منه شيء، فمثلاً: مقاول اتفقت معه على بناء مسكن لك، ونصح في بنائه وأخلص في عمله وقدمه إليك على أحسن ما يكون، فتشكره على حسن صنيعه وعلى الوفاء بوعده معك.

    عندك مريض أدخلته المستشفى، فجاء طبيب غير مسلم وعمل كما يقولون عندهم: بشرف المهنة؛ لأن الأطباء يعترفون بأن مهنة الطب شريفة وهي إنسانية وليست إقليمية ولا تعصبية، فالطبيب يعالج خصمه وعدوه كما يعالج صديقه، هذا مبدأ الطب، إلا إذا غير في مبدأه.

    فإذا قدمت طفلاً أو شخصاً آخر إلى المستشفى وتولى طبيب علاجه وأحسن معه وتماثل للشفاء، فيكون قد أسدى إليك معروفاً تشكره عليه، فإذا ما قلت لهذا الذي استحق عليك الشكر: جزاك الله خيراً، فقد أضعفت المثوبة والجزاء؛ لأنه إذا تولى الله جزاءه بالخير لا يكون مثل ما تعطيه حفنة تمر أو مائة ريال؛ لأن هذا القول يجعل الجزاء من الله، فيتولى الله جزاءه بالخير على هذا الفعل، وسيكون عطاء جزلاً.

    علاقة الحديث بكتاب الأيمان والنذور

    هذا موضوع الحديث، ونفس الشارح يتساءل: ما علاقة هذا الحديث بالأيمان والنذور؟

    وقد يكون الحديث أقرب إلى كتاب مكارم الأخلاق وحسن الآداب والفعال منه إلى كتاب الأيمان والنذور.

    ووجه الجمع بين هذا الحديث وإنزاله في هذاالباب أنه حينما ينذر الإنسان نذراً لشخص فقال: يا فلان، إن لي حاجةً، فنذر عليّ لله إن أنت قضيتها لي لأجازينك جزاءً ولأكافأنك مكافأة عظيمة.

    فإن عجز عن الوفاء بنذره لهذا الشخص، فلا بأس بأن يلحق جزاءه على عمله بالله عز وجل، ويكون بذلك قد وفاه.

    ولنرجع إلى الحديث: (من صنع له معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً)، أي: كنت وعدتك على صنعك المعروف لي ما هو واسع جداً، ولكنني عجزت عنه، فأسأل الله أن يجزيك عني خيراً، فأكون بهذا قد وفيت بنذري.

    وأرى أننا لو حاولنا وتلمسنا علاقة ولو كانت واهية؛ أنه أولى من أن نخطئ المؤلف في إيراده الحديث في كتاب مخصص للأحكام، وهذا في نظري هو أولى.

    ومن المعلوم أن الإنسان قد تأخذه العاطفة والانفعال وينذر بشيء ليس في وسعه، والرسول صلى الله عليه وسلم في باب القضاء إذا وجد إنساناً سيطرت عليه العاطفة لا يتركه، بل ينبهه.

    فهذان الخصمان اللذان أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتكمان إليه في مواريث بينهما، وهي تركة لا حجة عندهما ولا معالم عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع) قد كان الله قدراً أن يأتيه الوحي؛ ولكن إذا جاء الوحي لرسول الله في خصومات القضاء فكيف يصنع من بعده، فكان المنهج للجميع:

    (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)، يعني: أبلغ وأفصح في البيان، وإن من البيان لسحراً (فأقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم)،هذا تحذير، (فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة).

    فلما سمع الطرفان هذا القول قال كل منهما: حقي للآخر.

    فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إذا فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه).

    لماذا وجههم هذا التوجه المستغرق: (اقتسما وتوخيا)؟ فالقسمة يجب أن تكون عادلة، فإذا قسمتما فتوخيا الحق، وليأخذ كل منكما قسمه، وذلك يكون بالقرعة.

    (ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه) أي: يتسامحا بعد القسمة وبعد التحري وبعد القرعة، ونرضى ويرضي كل منا بقسمه مخافة أن يتركوا إلى سلطان العاطفة والعاطفة أمدها قريب، فبعد انطفاء جذوتها تعود الخصومات -عياذاً بالله-.

    والشاهد هنا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تركهما تحت تأثير العاطفة، بل نبههما إلى ما ينبغي أن يكون قطعاً للنزاع فيما بعد.

    وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756364888