إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (169)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم من يقول لزوجته عند الطلاق: (أنت في مكان والدتي) وكيفية مراجعتها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    ====

    السؤال: نعود في بداية هذا اللقاء إلى رسالة الأخ آدم محمد عثمان، السوداني والمقيم بالعراق، أخونا يسأل في هذه الحلقة، ويقول: يوجد بعض الناس عندما يطلق زوجته يقول: أنت في مكان والدتي، فما حكمه إذا أرجعها، وهل يحق له رجوعها أو لا؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإذا كان الطلاق رجعياً، إن كان طلقها طلقة واحدة أو طلقتين فله مراجعتها ما دامت في العدة، فإذا خرجت من العدة قبل أن يراجعها جاز له أن يعود إليها بنكاح جديد بالشروط المعتبرة شرعاً من الولي والشاهدين، والرضا كما هو معلوم.

    أما قوله: أنت في مكان والدتي بعدما طلقها، هذا يرجع إلى نيته، إن كان قصده من ذلك: أنها عنده عزيزة، وكريمة وأنه يقدرها، هذا ليس بشيء ولا حرج فيه وليس من الظهار في شيء، يعني: عبارة موهمة.

    أما إن كان قصده (أنت في مكان والدتي)، يعني: أنت محرمة علي، وأنت علي حرام كوالدتي، فهذا يسمى الظهار، ولا تحل له إذا كان الطلاق رجعياً إلا بعد الكفارة، لا يمسها ولو راجعها، يراجعها لا بأس أو يعقد عليها إذا كانت قد خرجت من العدة، لكن لا يمسها حتى يكفر كفارة الظهار وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً، كل صاع يقسم بين اثنين، كل واحد له نصف صاع من التمر، من الرز، من الحنطة، من قوت البلد، هذا هو الواجب، وليس له أن يمسها حتى يخرج هذه الكفارة، بعدما يراجعها أو بعدما يعقد عليها ليس له أن يمسها، يعني: ليس له أن يجامعها إلا بعدما يخرج هذه الكفارة.

    أولاً: عتق رقبة مؤمنة إن قدر.

    ثانياً: صيام شهرين متتابعين، إذا عجز عن الرقبة.

    ثالثاً: أن يطعم ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً من قوت البلد، إذا عجز عن الصيام، ثم بعد هذا له أن يباشرها.

    أما إن كان الطلاق كاملاً، طلقها الطلقة الأخيرة -الثالثة- فهذه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً لا نكاح تحليل، وحتى يطأها الزوج الثاني أيضاً، فإذا طلقها الطلقة الأخيرة-الثالثة- فإنها تحرم عليه تحريماً مؤقتاً مادامت لم تتزوج، فإذا تزوجت زواجاً شرعياً ووطئها الزوج الجديد ثم طلقها أو مات عنها فإنها تحل للأول، إذا كان النكاح شرعياً وليس نكاح تحليل، أما نكاحها للتحليل ليحللها للأول فهذا نكاح باطل لا يجوز، لكن إذا تزوجها الزوج الجديد بنية الرغبة فيها لكن لم يقدر الله له الرغبة بل طلقها بعد الدخول بها، أي: بعد أن جامعها أو مات عنها، فإنها تحل للأول بعقد جديد بشروطه المعتبرة شرعاً.

    وإذا كان قال لها بعدما طلقها الطلقة الأخيرة: أنت في مكان أمي، فهذا لا يؤثر شيئاً، ولو كان أراد التحريم، لأنها صارت أجنبية، ما يكون تحريمها تحريم الظهار، إذا كانت بعد الطلقة الأخيرة، قال: أنت في مكان أمي، قصده تحريمها، قصده أن ينوي هذا تحريمها، أو قال: أنت كظهر أمي، أو أنت محرمة علي، فإنه لا يلحقها هذا كالزوجة، ولكن يجب فيه كفارة يمين، مثل: تحريم الطعام والشراب ونحو ذلك، لأنها صارت أجنبية بعد الطلقة الأخيرة، فإذا قال لها: أنت محرمة علي، أو أنت علي كظهر أمي، بعد الطلاق الأخير، فإنها تكون في حكم تحريم الطعام واللباس والشراب، يعني: يستحلها بكفارة اليمين، كفارة يمين ويكفي، إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ولا يكون ظهاراً؛ لأن الظهار إنما يكون مع النساء مع الزوجات، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:3] هي بعد الطلقة الأخيرة ما عاد صارت من النساء، صارت أجنبية، فيكون تحريمه لها مثل تحريم الثياب والطعام ونحو ذلك والجواري فيه كفارة اليمين.

    1.   

    حكم ادعاء رؤية الرب في المنام

    السؤال: الرسالة التالية وصلت إلى البرنامج من عمان، وباعثها أحد الإخوة من هناك، يقول: المرسل علي الأطرش ، أخونا يقول: ما حكم من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام؟ وهل كما يزعم البعض أن الإمام أحمد بن حنبل قدر رأى رب العزة والجلال في المنام أكثر من مائة مرة؟

    الجواب: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أن يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فليس يشبهه، يمكن أن يكلمه ربه، يرى في النوم أنه يكلمه ربه، لكن مهما أرى من الصور، أي صورة، صورة إنسان أو صورة حيوان فليست هي الله جل وعلا، لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، لا شبيه له ولا كفء له جل وعلا.

    وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، فكل ما كان من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير؛ كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء، فيمكن أن يسمع صوتاً يقال له كذا وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئاً من المخلوقات، ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى.

    وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام، وقد روى معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه، وقد جاء في عدة طرق أنه رأى ربه، وأنه سبحانه وتعالى وضع يده بين ثدييه حتى وجد بردها بين كتفيه، هذا ورد في الحديث، وألف فيه الحافظ ابن رجب رسالةً سماها اختيار الأولى في شرح اختصام الملأ الأعلى، وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم بالنوم، أما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت، قال: (واعلموا أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت) رواه مسلم في الصحيح، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نوراً) وفي لفظ: (نور أنى أراه) رواه مسلم من حديث أبي ذر، وهكذا سئلت عائشة عن ذلك، فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا؛ لأن رؤية الله أعلى نعيم أهل الجنة، أعلى نعيم المؤمنين، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة، لأهل الإيمان في الدار الآخرة، والدنيا دار الابتلاء والامتحان، ودار الخبيثين والطيبين مشتركة، فليست محل الرؤية؛ لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي، قد ادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة في يوم القيامة.

    وأما هذه الرؤيا التي يدعيها الناس لربهم؛ فهي تختلف مثل ما قال شيخ الإسلام رحمه الله بحسب صلاحهم وتقواهم، وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم، كما يروى أنه تخيل إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني على عرش فوق الماء وقال: أنا ربك، فقال له: اخسأ عدو الله لست ربي؛ لأن أمر ربي أوامر لا تليق.

    فالمقصود: أن رؤية الله عز وجل ممكنة في الدنيا لكن على وجه لا يشبه فيها الخلق سبحانه وتعالى، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهي علامة أنه لم ير ربه وإنما رأى شيطاناً، فلو رآه وقال له: لا تصل، قد أسقطت عنك التكاليف، أو قال: ما عليك زكاة، أو ما عليك صوم رمضان، أو ما عليك بر والديك، أو قال: لا حرج عليك في أن تأكل الربا، فهذه كلها علامات على أنه رأى شيطاناً وليس ربه، أن هذا الذي يكلمه ليس ربه وإنما هو شيطان.

    فالخلاصة: أن الرؤية ممكنة ولكن على وجه لا يكون فيها مشابهة للمخلوقين، بل ربما سمع صوتاً؛ لكن ليست هناك شخصية يراها تشبه المخلوقين؛ لأن الله لا شبيه له ولا كفء له سبحانه وتعالى.

    ومن علامات صحة الرؤيا: أن تكون الأوامر التي يؤمر بها موافقة للشرع، وأما إن كانت مخالفة للشرع فهي علامة على أنه رأى شيطاناً ولم ير ربه.

    المقدم: ما قيل عن رؤيا الإمام أحمد؟

    الشيخ: لا أعرف صحتها عنه، يروى أنه رأى ربه؛ لكن لا أعرف صحتها عنه.

    1.   

    حكم نقل الأعضاء من الكافر الميت إلى المسلم

    السؤال: أخونا يسأل عن حكم نقل الأعضاء كالقلب مثلاً، ولاسيما إذا كانت من غير مسلم إلى مسلم؟

    الجواب: هذا موضوع عرض في مجلس هيئة كبار العلماء، وهو نقل عضو من ميت إلى حي لحاجة الحي إليه، واختلف فيه المجلس، منهم من رأى جوازه، ومنهم من رأى التوقف في ذلك، ومن رأى جوازه قيده بالقيود، وهو أن ينقل العضو إلى مسلم حي من الميت بشرط: أن يسمح به الميت في حال حياته، وأن لا يترتب عليه فتنة من الورثة، وأن يقرر الطبيب المختص أنه صالح لهذا الحي، وأنه يرجى نجاح الزراعة، زراعته فيه مثل: الكلية ونحوها.

    فهذه مسألة خلاف بين أهل العلم في الوقت الحاضر، منهم من أجاز ذلك وقال: إنه لا بأس بالتبرع، إذا تبرع الحي المكلف الرشيد بكليته أو نحوها لمسلم حي ينتفع بذلك، ومنهم من منع ذلك وقال: إن الإنسان لا يملك نفسه، ولا يملك أعضاءه، وليس له التصرف فيها بقطعها وبتها يعطيها أحد من الناس، وإنما يتصرف في المال، يعطي ويمنح ما لا يخالف الشرع، أما كونه يتصرف في نفسه بأن يعطي إصبعاً من أصابعه، أو كلية من كلاه أو غير ذلك؛ فليس له ذلك.

    وبكل حال فهي مسألة خلاف بين أهل العلم المعاصرين، وأنا عندي فيها التوقف، وبعض أهل العلم أجازها بهذه الشروط؛ أن يقرر الطبيب المختص أنها صالحة لهذا المريض، وأن يكون مسلماً، وأن يقرر الطبيب نجاح العملية؛ وأن غالب الظن تنجح العملية، وأن يسمح الميت قبل أن يموت في حياته يسمح بذلك، وأن لا يخشى فتنة أيضاً.

    المقدم: لا أثر في الحكم بين كونها تنقل من غير مسلم إلى مسلم؟

    الشيخ: هذا أيضاً محل نظر، ومن أجازها أجازها من غير المسلم أيضاً كما ينقل عظمه ودمه ونحو ذلك.

    1.   

    صفة صلاة الليل وفضلها

    السؤال: الرسالة التالية وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين، يقول: أحمد جاسم من قرية مرجانة من العراق، أخونا يطلب من سماحة الشيخ الحديث عن صلاة الليل وعن صفة الصلاة، ولاسيما أنه قد قرأ كثيراً من الأوصاف عن هذه الصلاة؟

    الجواب: صلاة الليل قربة عظيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة صلاة الليل) فصلاة الليل لها شأن عظيم، قال الله جل وعلا في وصف عباده المؤمنين عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64] وقال سبحانه في وصف المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا [المزمل:1-3] الآية، وقال سبحانه وتعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

    فصلاة الليل لها شأن عظيم، والأفضل فيها أن تكون مثنى مثنى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) ، فيصلي ما تيسر له ثنتين ثنتين ثم يوتر بواحدة، وأفضلها في آخر الليل - الثلث الأخير- وإن صلى في أول الليل قبل أن ينام لئلا يغلب عليه النوم في آخر الليل واحتاط في ذلك فلا بأس، هو أعلم بنفسه، إن قدر في آخر الليل فهو أفضل، وإن لم يتيسر له ذلك أوتر في أول الليل.

    وأقل الإيتار في الليل واحدة بعد صلاة العشاء وبعد سنتها الراتبة ركعة واحدة، فإن أوتر بثلاث، فالأفضل يسلم من الثنتين ثم يوتر بواحدة، وهكذا إذا أوتر بخمس يسلم من أربع من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة، وهكذا.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب يوتر بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة، وربما أوتر بثلاث عشرة، وسلم من كل ثنتين وأوتر بواحدة عليه الصلاة والسلام، والأمر في هذا واسع والحمد لله، وليس فيه حد محدود، فلو أوتر بعشرين أو بثلاثين أو بأربعين يسلم من كل ثنتين ثم أوتر بواحدة، فكل هذا لا بأس به، ولكن يراعى في هذا الطمأنينة وعدم العجلة والنقر، يطمئن في صلاته ويخشع فيها ولا يعجل، فخمس ركعات أو سبع ركعات مع الطمأنينة والعناية أفضل من تسع أو إحدى عشرة مع العجلة.

    1.   

    كيف يواظب المرء على قيام الليل؟

    السؤال: كيف يعتاد المرء عليها، لو تكرمتم سماحة الشيخ؟

    الجواب: السنة أن يداوم عليها دائماً، سواء كان في أول الليل أو في وسط الليل أو في آخر الليل، والأفضل آخر الليل إذا تيسر، يقول صلى الله عليه وسلم: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أول الليل، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل)رواه مسلم في الصحيح، هذا هو الأفضل إذا تيسر، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر) متفق على صحته، هذا الحديث العظيم يدل على أن آخر الليل أفضل؛ لأنه وقت التنزل الإلهي، وهو نزول يليق بالله لا يشابه خلقه سبحانه وتعالى، مثل: الاستواء والغضب والرضا والرحمة، كلها تليق بالله لا يشابه خلقه سبحانه وتعالى، فهو ينزل ربنا نزولاً يليق بجلاله لا يشابه نزول خلقه، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، وهكذا قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقوله جل وعلا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:8]، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح:6] وما أشبه ذلك، كلها صفة تليق بالله، لا يشابه خلقه في غضبهم، ولا في استوائهم، ولا في نزولهم، ولا في رحمتهم.. إلى غير ذلك، صفات الله كلها تليق بالله يجب إثباتها لله على الوجه اللائق بالله سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

    المقدم: إذا أراد الإنسان أن تكون صلاة الليل له عادةً معتادة عبادة، كيف يفعل؟

    الشيخ: يستمر على عدد معلوم الذي يستطيعه، على ثلاث على خمس على سبع، وإذا زاد بعض الأحيان عند النشاط فلا بأس، لكن يعتاد عدداً معلوماً ويداوم عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل) فالعمل الدائم أفضل، فإذا زاد في بعض الأحيان عند النشاط فهذا ينفعه ولا يضره.

    1.   

    كيف يتجنب المسلم الصوارف التي تعيق عن قيام الليل

    السؤال: كثرت الصوارف عن صلاة الليل سماحة الشيخ، هل من توجيه لو تكرمتم؟

    الجواب: نعم، السنة للمؤمن أن لا يسهر وأن ينام مبكراً، هذا هو السنة للمؤمن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينام مبكراً عليه الصلاة والسلام، وينهى عن السمر بالليل، قال أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها والحديث بعدها) يعني: صلاة العشاء، وقال ابن مسعود : (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السمر بالليل)، فالسمر بالليل يفضي إلى النوم عن صلاة آخر الليل، فإذا كان ممن تدعو الحاجة إلى سمره كالإمام، إمام المسلمين، السلطان، أمير البلد، الهيئات، الذين يسهرون لمصالح المسلمين، فهؤلاء الأفضل لهم أن يوتروا في أول الليل حتى لا تفوتهم الصلاة، وأما أن يسهر للقيل والقال والسواليف التي لا فائدة فيها أو على ما حرم الله من الأغاني وآلات اللهو، أو على الغيبة والنميمة، كل هذا لا ينبغي، بل لا يجوز فيما يتعلق بالأغاني والملاهي وأشباه ذلك، وأعظم من هذا أن يسهر على الخمور ولعب الميسر ونحو ذلك.

    فالحاصل أنه يجب على المؤمن أن يحذر ما يشغله عن صلاة الفريضة، ويستحب له أن يعتاد التبكير حتى يقوم من الليل، وحتى يتيسر له القيام من الليل لأداء العبادة التي هي النافلة في التهجد من الليل، ولا ينبغي له السمر مطلقاً إلا في مصالح المسلمين أو في أمورٍ ضرورية مع ضيف ونحوه أو مع أهله، وكل سمر قد يفضي به إلى ترك الفريضة، إلى إضاعة صلاة الفجر، فهو سمر ممنوع لا يجوز، حتى ولو كان في قراءة القرآن ولو في صلاة التهجد، ليس له أن يسمر ويسهر على وجه يضيع عليه صلاة الفجر، بل ينام مبكراً ويصلي ما تيسر في أول الليل أو في آخره حتى يصلي صلاة الفجر، ويستعين على هذا بخير أهله يوقظونه، أو بالساعة المنبهة، يؤقتها على وقت مناسب قبل أذان الفجر بقليل حتى يقوم، أو في وقت تهجده قبل الأذان بساعة أو بأكثر على حسب حاله، حتى يقوم الليل يتهجد، فإذا أوتر في أول الليل ولم يقم إلا عند الفجر فلا بأس به، ولا حرج في ذلك.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، كدت أسألكم عن القراءة، وإذا بكم تقولون: حتى السهر على قراءة القرآن إذا أدى ذلك إلى التأثير على صلاة الفريضة أو على قيام الليل فإن المرء مدعو لتركه.

    الشيخ: الله المستعان! وفق الله الجميع.

    المقدم: اللهم آمين، على أي حال سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤكم في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا مطر محمد الغامدي ، شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755815119