إسلام ويب

من يؤمن روع العراقللشيخ : علي حمزة العمري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العراق أرض التاريخ والذكرى، وعاصمة الخلافة العباسية، ومهد الحضارة الإسلامية، قضيتها تاريخية وأصيلة، والحرب عليها حرب صليبية مغولية، فهل من مقلِّب لصفحات الماضي؟! وهل من معتبر؟!

    1.   

    قضية العراق تاريخية وأصيلة

    الحمد لله رب العالمين، فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين في الظُّلَم، اللهم لك الحمد يا رب، إن ابتليت فكم عافيتَ، وإن أخذت فكم أعطيتَ، لا راد لحكمك وقضائك.

    أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، تمهل ولا تهمل، وتغير ولا تتغير؛ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله، سيد المجاهدين، وقدوة المؤمنين، وحامل لواء العز والكرامة، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه المرابطين.

    الله أكبر كلما صدح الرصاص وغردا!     الله أكبر لن تضيع دماء إخواني سُدى!

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِـلُوا الَّذِينَ يَلُـونَكُمْ مِنَ الْكُفَّـارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123].

    أيها الإخوة الكرام: العراق أرض التاريخ والذكرى، وعاصمة الخلافة العباسية، وسيدة الحضارة الإسلامية، مملكة الجمال، ودار العلوم والجلال، العراق أغنية الزمان، وحديث الشعراء والركبان.

    فقد طفتُ في شرق البلاد وغربها     وسيرت رحلي بينها وركابيا

    فلم أر فيها مثل بغداد منزلاً     ولم أر فيها مثل دجلة واديا

    ولا مثل أهليها أرق شمائلاً     وأعذب ألفاظاً وأحلى معانيا

    العراق كلمة الدنيا على مسمعها وتاريخها، حاملة راية العصر الذهبي، منزل العظماء والأمراء والخلفاء، تتيه منك العبارات إن وصفتها، وتتراقص العبارات إن ذكرتها، لقد بسَطَت كف عزها قروناً طويلة، وصار فيها طبقات من أهل التاريخ عظام، أهدتهم العراق جمالها، وأَلَقها، وماءها، ودجلتها، وأرضها، وتاريخها، وحضارتها، وعِزَّة أهلها وشهامتهم، نقشت العراق في أهلها، ولكل من زارها وعاش فيها حباً لليوم والغد والمستقبل.

    العراق قضية تاريخية أصيلة، هي من أرض الله؛ ولكنها عجبٌ من العجاب، سليلة المجد، وقرة العين، وملكة الجمال في عصر الخلافة، لم أقرأ في تاريخ الأمم كتاريخ العراق، ولم أرَ حياةً عجيبة كحياة العراق على مر التاريخ والعصور، لقد حَمَلت في طياتها تاريخاً لو قُصَّ على أمة لبكت دهراً طويلاً، وفرحت دهراً آخر.

    لا تعجبوا أيها الإخوة! فتاريخ العراق مِن أعظم وأكبر وأجل تواريخ الحضارة والأمة الإسلامية، سَلُوا الدنيا، وسَلُوا التاريخ، سَلُوا أهل الحضارة، سَلُوا قوَّاد المعارك وقُرَّاء الثقافة، سَلُوا الشعراء والأمراء، سَلُوا الأشجار والأنهار، سَلُوا دجلة ، سَلُوا الأعظمية ، سَلُوا إيوان الرشيد ، وابن حنبل ، والكسائي ، والحسن البصري ، وسَلُوا تاريخ الخطيب البغدادي ، سَلُوا سُرَّ مَن رَأَى ( سامراء )، ماذا قدمت لهم العراق ؟! هل سمعت أنها تنكرت لهم يوماً من الأيام؟!

    العراق أيها الناس أصابتها اليوم عين الحسود، فما تم أمرها، ولا اكتمل عرسها.

    إذا تم أمرٌ بدا نقصه     ترقب زوالاً إذا قيل تَمْ

    أيها الإخوة: ما جئتكم اليوم من فوق هذا المنبر الحر لأبسط لكم عواطفي، وأعرض لكم مسراتي وأحزاني وآلامي وآمالي، إنما جئت أبث الوعي، وأُنْطِق التاريخ؛ لتعرفوا في هذه الخطبة الأولى تاريخاً عن العراق ، وماذا يرادُ اليوم من العراق ؟! وماذا تريد منا العراق ؟!

    أوَيسركم -أيها الإخوة- أن أعظكم اليوم موعظةً تربوية إيمانية أو أرشدكم لقيمٍ أخلاقية فاضلة، وبلاد الرافدين تُعَدُّ اليوم لكي تكون زلزال العالم الجديد؟!

    لن أتخيل هذا! ولا أظن أبداً أن مسلماً ساذجاً سيترك تاريخ العراق والحديث عنها.

    وأنا أقرأ وأرى لعبة الإمبراطورية الأمريكية الغربية، وأشاهد كما تشاهدون، وأسمع كما تسمعون هولاكو أمريكا وهو يسعى لدمار العراق على خطة المغول الأولى عندما سقطت بغداد عام: [656] للهجرة، اسمحوا لي الآن أن أمر على تاريخ الأمة الذي لا يكذب، وأن أعرفكم العراق ، فالأمة التي لا تعرف تاريخها، لا تعرف ماذا يراد منها:

    - العراق أحد الأقطار الإسلامية العربية الكبرى.

    - يرجع تاريخ نشأتها إلى ما قبل الميلاد.

    - ويسكنها قرابة خمسة عشر مليوناً.

    - وتبلغ مساحتها أكثر من أربعمائة وخمسين ألف كيلو متر مربع.

    كانت في الزمن الأول أرضاً بائسة، فيها أسواقٌ للغنم والجِمال، ويحيط بها سوادٌ النخيل لكثرة مياهها، ومن وراء هذا السواد صحراءٌ محيطةٌ بها في كل مكان، وشمسٌ تتوقد، سكانها أهل بادية، ليس لهم نظام في الشرع أو في العقل، كانت تقوم حولها مدائن كسرى والفرس. احتل الفرس العراق عام: (539) قبل الميلاد، تاريخٌ كما تعرفون قديمٌ جداً، وهو يدل على مكانة هذه الأرض، فما موقعها الجغرافي وما وفرة أراضيها ومياهها وخصبتها، ومعادن أرضها إلا دليلٌ على استهواء اللصوص لها.

    واستمر الفرس -أيها الإخوة- يحكمون أرض العراق ألف سنة، ودارت الأيام دورتها، حتى عام: (14) للهجرة، فتحرك رجال الصحراء من العرب في أرض العراق التي كانوا يسكنون فيها، إذ كانوا يهابون كسرى، ويركعون ويسجدون له؛ ولكن تغير الحال وتدفق التيار.

    فجاء المثنى بن حارثة رضي الله عنه وتقدم براية القرآن، فقاد المعارك الضارية ضد كسرى، واستبسل معه العرب البدوُ الذين كانوا يسكنون العراق ، فآمنوا بالله ووحدوه، وشدوا بأيدهم على يد المثنى رضي الله عنه، وشدوا الوطأة بقوة الإيمان على ملك كسرى وجنده، فهزموهم، فقال المثنى رضي الله عنه: [الحمد لله، لا كسرى بعد اليوم].

    فظلت العراق منذ عام: (14) للهجرة في زمن الصحابي المثنى تحت الحكم الإسلامي والخلافة الراشدة تتلألأ يوماً بعد يوم، وتزدهر يوماً بعد يوم، فأصبحت كالعروس شباباً، وجمالاً، وحسباً، ومالاً.

    1.   

    ثناء العلماء على العراق

    قال يونس الصفدي رضي الله عنه: قابلتُ يوماً الإمام الشافعي فقال لي: هل رأيتَ بغداد في العراق ؟ قلت: لا. فقال: لم تر الدنيا.

    وقال الشافعي : ما دخلتُ بلداً قط إلا عددته سفراً، إلا بغداد حين دخلتها عددتها لي وطناً ومسكناً.

    وقال بعض التابعين: [الدنيا بادية، والعراق حاضرتها].

    وقال ابن عُلَيَّة رضي الله عنه: ما رأيتُ عقلاء أهل الحديث إلا في أرض بغداد ، ولا أحسن دعةً من أهل بغداد .

    وقال ابن مجاهدٍ رضي الله عنه: رأيت ابن عمر بن العلاء في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني من هذا، مَن أقام في أرض بغداد على مذهب أهل السنة والجماعة فمات فنُقِل من جنة الأرض إلى جنة السماء.

    وقال أبو بكر بن العياش : كنا نقول: الإسلام في بغداد ، وإنها لصيادة تصيد الرجال، ومن لم ير بغداد في العراق لم ير الدنيا.

    وقال أبو معاوية : بغداد دار دنيا وآخرة.

    وقال بعضهم: ما عشنا معيشة الإسلام في زمننا إلا في أرض العراق ، فمن محاسن الإسلام يوم الجمعة بـبغداد ، وصلاة التروايح في مكة ، ويوم العيد بـطرطوس ، هذا هو الإسلام في زمننا.

    وقال الخطيب البغدادي في تاريخه : مَن شهد يوم الجمعة بـمدينة السلام في بغداد عظَّم الله في قلبه حب الإسلام؛ لأن مشايخنا كانوا يقولون: يوم الجمعة بـبغداد كيوم العيد في غيرها من البلاد، والتراويح في مكة ، والعيد في طرطوس .

    هكذا -أيها الإخوة- كانت بغداد عند أئمة السلف جنةً من جنات الدنيا، حتى قال الخطيب عن أحد الشعراء:

    هي البلدة الحسناء خُصَّت لأهلها     بأشياء لم يجمعن مذ كنا في مصرِ

    هواءٌ رقيق في اعتدالٍ وصحةٍ     وماءٌ له طعمٌ ألذ من الخمرِ

    ودجلتها شطان قد نُظِما لنا     بتاجٍ إلى تاجٍ وقصرٍ إلى قصرِ

    تراها كمسكٍ والمياه كفضةٍ     وحصباؤها مثل اليواقيتِ والدرِّ

    أرض العراق -أيها الإخوة- أرض الحضارة والتاريخ والبطولة، أرض العراق أرض زُهْد بِشْر الحافي ، وأرض فِقْه أحمد بن حنبل ، وأرض قراءات علي الكسائي ، وأرض تاريخ الخطيب البغدادي ، إنها أرض أهل السنة ومقاومة البدعة.

    1.   

    حقيقة الحرب على العراق

    من هنا أيها الإخوة بدأ حديثنا عن تاريخ العراق ، وأرض العراق ، ومن هنا نعلم ما هو الالتفات إلى العراق اليوم.

    أيها الإخوة: أيها الناس! لماذا تشتد الوطأة على العراق اليوم؟! ولماذا أصبح حديث أمريكا العراق اليوم؟!

    هل لأن العراق يملك أسلحة كيماوية ونووية؟! فأين الغرب؟! وأين أمريكا عندما ضُرِبت هيروشيما ؟! وأين أمريكا عن إسرائيل ، وصبرا وشاتيلا ، واستخدامها لهذه الأسلحة الكيماوية؟!

    هل لأن أرض العراق أرض إرهاب؟! ولماذا لم يُلْتَفت إلى العراق وتُوْقَف عند حدها في قادتها عندما ضُرِب أهل السنة والجماعة في حلبجة ، وأربيل ، وكركوك ، والسليمانية ، وديار بكر ؟! لماذا لم يُلْتَفت لها إلا الآن؟! وعندما ضُرِب أهل السنة والجماعة في تلك الأيام لم تلتفت لها أمريكا ولا الغرب؟! أهي أرض إرهابٍ اليوم ولم تكن ليلة البارحة؟!

    إنها -أيها الإخوة- مؤامرة جديدة على نظام هولاكو الجديد، الذي قتل المسلمين في أرض بغداد .

    أيها الناس: إن الحديث عن تاريخ بغداد تاريخٌ مهم، وحديثٌ لا بد منه، اقرءوا التاريخ، وأعيدوا النظر فيه، اقرءوا سيرة بغداد وعلمائها ورجالها، إنني أظن أن القراءة الصحيحة والتاريخية هي المقدمة الأولى للوعي، وبثه في حياة الناس، ولا يمكن أن أتحدث بعاطفة عن أرض العراق دونما أتحدث عن تاريخها المجيد.

    من هنا سيكون حديثي بإذن الله:

    - عن بداية سقوط بغداد ، وعن بداية هزيمتها.. عن بداية المحنة والنكبة التي حصلت فيها أيام هولاكو ، وأيام المغول الذين أسقطوها، هذه بداية الحديث عن السقوط.

    - ثم ماذا جرى لها في عهد الدولة العثمانية؟

    - ثم ماذا حدث لها في عهد القومية والبعثية الذي عمل ما عمل فيه صدام حسين ، وعلي جلاده ، وأتباعهما؟

    - ثم ماذا حصل بعد ذلك في أرض العراق من قبل الشيعة الذين نشروا شيعتهم، وإبادتهم للمسلمين، وقتلهم؟ والتقارير -أيها الإخوة- مبثوثة موجودة، وسأبث لكم بإذن الله ما رأيت بعيني في فيلمٍ مطوَّل لمدة ساعتين متكاملتين عما جرى في أرض أهل السنة في حلبجة وكركوك ، فلم يحدثني أحد إنما رأيتها بعيني، فيلمٌ طويلٌ عما جرى بين البعثيين وأهل السنة ، وعما جرى بين الشيعة والسنة في أرض العراق المسلمة.

    ثم تصريح هذا الرئيس الأمريكي اليوم الذي يقول: إن لم تستطع الأمم المتحدة أن تصنع شيئاً في إنهاء قضية العراق فسأتحدث بنفسي وأقوم بعمل الضرب بنفسي، لماذا اليوم ولم يكن أمس؟!

    لن يكون حديثي مطولاً عن قضية سياسية بعينها في حديثي عن العراق ، إنما حديثي كما سمعتم عن التاريخ، عن أمةٍ مسلمةٍ مجاهدة ذات حضارة خالدة.

    وأعيد فأقول: إن الأمة التي لم تقرأ تاريخها، ولم تعرفه لن تدرك حقيقة ما يجري اليوم.

    من هنا كان الحديث عن التاريخ ابتداءً، وسيكون الحديث بعد ذلك إن شاء الله عن تاريخ العراق ، ليس عن سياسة تزعج أحداً، بل إنما هو عن حضارة، والإنسان الذي يريد أن يسكت عن التاريخ هو إنسانٌ جاهلٌ، لا يدرك الحقيقة.

    أرض العراق وبغداد ، يا ذات المجد! ويا مثوى البطولة! ويا عرين الآساد! ويا أرض التاريخ والذكرى! ويا عاصمة الخلافة العباسية وسيدة الحضارة الإسلامية! يا مملكة الجمال، ودار العلوم والجلال! يا أغنية الزمان! ويا حديث الركبان! يا أرض دجلة ، والكوفة ، وكردستان ، وسُرَّ مَن رَأَى ( سامراء )! يا أرض زُهْد بِشْر الحافي ، وأرض فقه ابن حنبل ، وأرض قراءات علي الكسائي ، وأرض تاريخ الخطيب البغدادي ، وأرض السنة ومقاومة البدعة! ماذا يراد لك اليوم يا بغداد ؟! وماذا تريدين منا اليوم؟!

    أنا معكم اليوم -أيها الإخوة- على موعدٍ مع العراق مرةً أخرى، حديث تاريخٍ وعبرة، وتأملٍ وتفكر، ومراجعةٍ وعمل، لن أجنح إلى مطالباتٍ سياسية عالمية، لا يمكن أن يُعْمَل بها؛ لأني لو فعلتُ ذلك لكان حالي كما قال الشاعر:

    لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً     ولكن لا حياة لمن تنادي

    فإلى تاريخ العراق ضمن تاريخ أمتنا العربية والإسلامية، التاريخ الذي لا يكذب.

    حديث التاريخ -أيها الإخوة- لا بد منه، ومن لم يُنْطِق التاريخ فلن ينال عبرة، وسيتأخر خطوة إثر خطوة، فهيا بنا إلى تاريخ العراق .

    كم بـالعراق وكم بـالهند ذو شجنٍ     شكا فرددت الأهرام شكواهُ!

    هي الحقيقة وعين الله تكلؤها     فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

    أيها الإخوة: قلت في الخطبة الماضية أن تاريخ العراق يرجع في نشأته إلى ما قبل الميلاد، وكانت تحتلها أرضٌ كبيرة من أممٍ عظيمة؛ الفرس، والروم، فاحتلها الفرس عام (539) قبل الميلاد، وهذا تاريخٌ قديم جداً، مما يدل على التفات هذه الدول الكبرى إلى أرض العراق المتميزة بموقعها الجغرافي، ووفرة أراضيها الخصبة، ومياهها، ومعادن أرضها، وهذا كله يستهوي اللصوص.

    واستمرت أرض العراق في قبضة المحتلين إلى أن جاء المثنى بن حارثة رضي الله عنه فوحَّد رجال العراق على راية (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، فهَزَم الفرس، وقال الكلمة المشهورة: [ لا كسرى بعد اليوم ].

    منذ ذلك التاريخ؛ (14) للهجرة والعراق تزدان يوماً بعد يوم، وتتطور، وتتجمل، وغدت عروس الدنيا، وعاصمة الخلافة، وأصبحت موئلاً للعلماء والخلفاء والأدباء والأمراء، كما قال الإمام الشافعي : مَن لَمْ يَرَ بغداد لَمْ يَرَ الدنيا.

    وكانت صلاة الجمعة في بغداد تعتبر مجمعاً إسلامياً يساوي ملك الدنيا، فوطأ ثراها العلماء، والزهاد، والقراء، والمحدِّثون، والمؤرخون، والخلفاء، وتحدث عنها كلُّ الناس: طلبةُ العلم، وطلبةُ الدنيا.

    1.   

    دخول التتر بقيادة هولاكو إلى بغداد

    بعد هذه الحال في عام (14) ولمدة خمسة قرونٍ طويلة في عام (656) للهجرة في القرن السابع وبينما العراق في أوج نشاطها، وعز شبابها، وأفخر أيامها، وأجمل مباهجها إذ انمحت المحاسن، ولبست العراق ثوب الحداد، دخل هولاكو وجنوده التتار، وبمتابعةٍ مخطَّطة، ومؤامرة مدبَّرة مع الوزير الفاطمي الشيعي ابن العلقمي آنذاك، فداس هولاكو أرض العراق ، واتجه صوب بغداد ، فانتهك المصون من أعراضها، وذبح علماءها وكبراءها وأفرادها وأمراءها من أهل السنة، وعمل فيها السيف أربعين يوماً، قُتِل فيها أكثر من مليونين من أهل بغداد، وألقيت كتب العلماء في نهر دجلة حتى اسود النهر من الحبر -حبر العلماء- وكانت أياماً لم يمر على التاريخ الإسلامي مثلها.

    وأترككم -أيها الإخوة- الآن مع الإمام العظيم والمؤرخ الجليل ابن كثير الدمشقي ليصف لكم حال ما حدث بكلامه وحرفه، وقد رواها بدمه قبل قلمه، فأترككم الآن فيما سيأتي مع ابن كثير رحمه الله ليروي لنا ما حدث كاملاً من كلامه.

    كلام ابن كثير حول غزو التتر للعراق

    يقول ابن كثير رحمه الله: استُهِلَّت سنة: [556]، وجنود التتار قد نزلت بغداد ، وساعدهم أصحاب قادة الموصل - مدينة في العراق - على البغاددة، وأخذوا الهدايا والتحف، واتجهوا لـبغداد ، فسترت نفسها، ونُصِبَت فيها المشانيق، وأحاطت التتار بدار الخلافة، يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة، وترقص له وتضحكه، والسيوف تُضْرَب والسهام تُصَوَّب صوب شباك القصر، فقُتِلَت تلك المرأة التي كانت ترقص بين يدي الخليفة، فلما رأى ذلك أمَرَ بزيادة الاحتراز على قصره، ودار الخلافة، فقَدِم هولاكو مع مائتي ألف مقاتل ووصل بغداد بجنوده الكثيرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فأحاطوا بـبغداد من ناحيتها الغربية والشرقية، وجنود بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وكانوا قد حُرِموا رواتبهم من قبل الخليفة، حتى شَحَذ كثيرٌ منهم في الأسواق وأبواب المساجد.

    وأنشد الشعراء يرثون لحالهم ويحزنون على الإسلام وأهله، وذهب حينها ابن العلقمي الرافضي إلى الخليفة العباسي، وأشار عليه بالخروج إلى هولاكو والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم، ونصفه للخليفة، فخرج الخليفة في سبعمائة راكب من القضاة، والفقهاء، والصوفية ، ورءوس الأمراء، والدولة، والأعيان، فلما اقتربوا من هولاكو أبعد عنهم كل أصحابه إلا سبعة عشر نفساً بقي معهم هولاكو ، وأما الباقون فأنزلهم من مراكبهم، ونُهِبَت، وقتلهم جميعاً، فلم يبق منهم أحد.

    وأُحْضِر الخليفة فأتى بكل ما في دار الخلافة من الذهب، والحلي، والمصاغ، والجواهر، والأشياء النفيسة، وأشار ابن الوزير العلقمي الفاطمي على الملأ من الرافضة ومَن حوله من هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وأظهر خيانته فقال: حتى وقع الصلح على المناصفة، فإن هذا لا يستمر إلا عاماً أو عامين، ثم يعدو عنه إلى ما كان، فاقتل الخليفة العباسي، فأمر هولاكو بقتله، فوضعوا الخليفة المسلم في أوعيةٍ كثيرة؛ لئلا يقع الدم على الأرض فيُثأر له بعد ذلك.

    ثم مالوا على أرض بغداد ، فقتلوا جميع من قدروا من الرجال، والنساء، والمشايخ، والولدان، والكهول، والشبان، ودخل كثيرٌ من الناس الآبار، والحمامات، ومكثوا أياماً لا يخرجون يستغيثون، فجاءهم التتار، وفتحوا الأبواب كسراً أو بالنيران، فهرب الناس إلى أسطحة المنازل، فدخلوا عليهم، فقتلوهم فوق الأسطحة، حتى جرى الدم كالماء من الميازيب في الأزقة، فقُتِل ألف ألفٍ من أهل بغداد في أربعين يوماً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    وكان قتل الخليفة بأمر الله يوم الأربعاء في 14/صفر، وقُتِل معه ولده الأكبر، والأوسط، والأصغر، وأخواته الثلاث، وقُتِل أستاذ دار الخلافة، الشيخ محيي الدين بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله، وقُتِل أولاده الثلاثة، وقُتِل أمراء السنة.

    وكان الرجل يُسْتَدعى به من دار الخلافة، فيخرج بنسائه وأولاده فيُذبحون كما تذبح الشاة، وقُتِل الخطباء، والأئمة، وحملة القرآن، وتعطلت المساجد بـبغداد شهوراً لا يُصَلَّى فيها.

    وبقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحدٌ من الناس إلا الشاذ، وأصبح القتلى في الطرقات كالتلول، وسقط المطر، فتغيرت وأُنْتِنَت، ومُسِخَ جَمعُها، فاجتمع على الناس البلاء، والغلاء، والوباء، والفناء، والطعن، والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    وانتقل الوباء إلى أرض الشام في شهر جمادى الثانية من هذه السنة، وبعد أربعة أشهرٍ رحل هولاكو إلى مقر ملكه، وبقي على العراق ابن الوزير العلقمي ، فلم يمهله الله ولا أهمله، بل أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، في شهر جمادى بعد أربعة أشهر، وعمره ثلاث وستون سنة، كان عنده فضيلة في الإنشاء، وفي الأدب؛ ولكنه كان شيعياً، جَلْداً، رافضياً، خبيثاً، فمات جهداً، وغماً، وحزناً، وكمداً، وندماً، ثم تولى بعدُه ولده ابن الفضل ، فمات في نفس السنة، ولله الحمد والمنة.

    هذه -أيها الإخوة- الرواية الكاملة المنقولة عن الإمام ابن كثير ، والذي نقل أحداث بغداد في سنة: ست وخمسين وستمائة.

    حال العراق بعد خروج التتر

    ثم مضت الأيام أيها الإخوة! وتحسنت حال العراق ، فانتشر الخير فيها من جديد في عصورٍ متأخرة، حتى جاء عصر الدولة العثمانية، فحصل فيها من التغيير ما حصل؛ إلا أنها كانت تمر بلحظات ارتفاعٍ وهبوط، فمرة يرتقي أهل السنة ، ومرة يرتقي أهل البدعة.

    1.   

    حال العراق زمن حكم الطاغية صدام حسين

    وهكذا مضت الأيام حتى جاء هذا العصر الذي نحن فيه، في عصر الطاغية المجرم صدام حسين .

    أيها الإخوة: سأنقل لكم الآن شيئاً من الصور عبر فيلمين وثائقيين شاهدتُهما، وهذا شيءٌ مما رأيت.

    في بداية الفيلم صورة للرئيس العراقي صدام حسين وهو يرفع سبابته قائلاً: الله أكبر! باسم الثورة العراقية القومية العربية، فهو يمثل أنه رجل إيمان ورجل إصلاح ورجل تقوى، ثم خلْف هذا التكبير صورة له وحولها تسعة وتسعون اسماً من أسمائه، قال: هذه الأسماء التسعة والتسعون أستحقها أنا صدام حسين ، ويريد بهذا تمثيلاً لأسماء الله الحسنى، والتي عددها تسعةٌ وتسعون.

    بعض صور ظلم المجرم صدام حسين

    في أرضٍ من أراضي المسلمين هناك ترى -أيها الأخ- صوراً من الطائرات المرتفعة في جو السماء، وتنفث غازاتٍ سامة على العرب والمسلمين في تلك الديار، وترى صوراً لصغارٍ وأطفال يجرون في الشوارع والأزقة من هذه الغازات السامة التي تلاحقهم من مكانٍ إلى مكان، فترى الواحد منهم يسقط ويقوم، ويسقط ويقوم، حتى يسقط في مكانه فلا يقوم من أثر تلك الغازات، فيقتل في مكانه.

    ترى عشراتٍ من الناس هنا وهناك بسبب هذه الغازات السامة.

    - تنتقل بنا الصور في هذا الفيلم إلى صور مخيمات: هذه المخيمات -أيها الإخوة- أخذهم صدام حسين وجلادوه، أخذ المسلمين الأكراد؛ والأكراد هم أحفاد صلاح الدين الأيوبي الكردي، وصدام حسين لا يريد هذا الاسم، لا يريد الأكراد أحفاد صلاح الدين الأيوبي الكردي رحمه الله.

    أخذهم في مخيمات صحراوية، كل عائلة في خيمة، عددهم عشرة أو تسعة، ثم بعد ذلك يأتي الجنود فيخرجون الناس من هذه الخيمة إلى الصحراء حيث لا خيمة، والجو القارس البارد لا يجعل أحداً يرتاح، ولا ينام، ولا يهدأ، فيريد أن يطمئن، فترى صوراً لعجائز وكبار وصغار وأطفال يُذْهَب بهم إلى الصحراء الخالية العارية فماذا ترى؟!

    يأمر الجنودُ ومعهم السلاح أن لكل عائلة متراً في متر مربع، فتحشر العائلة عددها تسعة في مترٍ واحد، ويمكثون في شدة البرد، فلما يأتي الليل، تخاف الأم على أولادها، فيقومون بعملٍ لو رأيتموه لبكيتم دماً لا دمعاً، ماذا تفعل الأم التي تخاف على ولدها؟! تأخذ الصغار وتحفر حفرةً في الأرض فتجعلهم فيها كأنهم يلتحفون الأغطية والبطانيات، فيتحرك الطفل الصغير؛ لأنه لا يعي ولا يفهم، والتراب على صدره وعلى رجليه، فيتحرك، فتتعب الأم، فيقوم الشيخ الكبير والدهم بحماية الأبناء، فيتحركون، فبعد فترةٍ تأتي الصورة على اليد فإذا بها تُحْرَق من شدة البرد القارس، وعدم تحمل الأطفال، فترى صورة للأم وهي تبكي على أطفالها، وهم يلتقطون هذه الصور بالأفلام، ولا ندري أي قساوة بلغتها قلوبهم!

    - ثم ترى صوراً أخرى مماثلة، حيث يخرجون الأمهات من الخيام، ويشترطون أن يجعلن أطفالهن على صدورهن، فتأتي كل أمٍ بهذا المنظر، تحمل طفلها الصغير، المشهد لا يحتمل إلا كل أمٍ ومعها طفل رضيع، والأم التي ليس معها الرضيع لها مشهد آخر، فخرجت النساء المسلمات الكرديات بالمئات، كل أم معها طفلها على صدرها تحمله، ثم يقفون صفوفاً، فيأتي الجنود فيأخذون الطفل من صدر الأم وهي تبكي فلا تملك شيئاً، فوالله الذي لا إله إلا هو -كما رأيتُ- يأخذون الطفل من قدميه، وقد لا يتجاوز عمره أربعة أشهر، فيأخذونه من قدميه ويرمون به في دبابةٍ أو في حديدةٍ ثم يتفجر الدم منه، فتموت الأم كمداً على الأرض، وليتهم يقفون عند ذلك، بل والله لقد رأيتهم وهم يأخذون ما في الدماغ فيرمون به في الهواء ليرى النساء هذا المنظر.

    - ويأتي مشهدٌ آخر، وصورة أخرى لهذا المجرم وأتباعه، فيُدْخِلُون الأمهات في غرف، ويجعلون الغرفة في جدارها مفتوحةً من أسفلها، فيجعلون الأم في غرفة ويجعلون الطفل في غرفة أخرى، فماذا تصنع الأم؟ تسأل عن ولدها، فيقولون: إن ولدك موجودٌ بجوارك، اسمعي صوته، حجرة صغيرة مقسومةٌ قسمين، فالأم تعرف طفلها الصغير وولدها الذي يمشي فتحس بصوته فتهدئه، فماذا تفعل؟! والله لقد رأيتهن والأمهات تجلس على الأرض، وتمد يديها من تحت الجدار الذي قد لا يبلغ ارتفاعه أكثر من عشرين سنتيمتراً، فتحرك يديها لترى طفلها، فتتحسسه، وترى أنه حيٌ يرزق، فيأتي على هذا الحال يومٌ ويومين والأم على الأرض، وهي تتحسس طفلها الصغير تمد يدها من تحت الجدار علها تراه، أو تشاهده، أو تحس به، يومٌ ثم يومين ثم ثلاثة، فترى الأم سَقْطَة على الأرض، وإذا بطفلها قد مات، فتكون الصورة عليها وهي تتحرك وتبكي وينقلونها نقلاً واضحاً ومشاهَداً وهي لم ترتدِ شيئاً من ملابسها.

    حتى إنني رأيت بعض النساء ممن أصابها الجنون، وأخذت تمزق ثيابها وملابسها، وهي لا تعي شيئاً من ذلك.

    هذا الإجرام الذي فعله هذا الرجل صدام حسين وأتباعُه، لو كانت أرض العراق أرض إرهابٍ اليوم لماذا لم يَلْتَفت له العالم الحر العادل آنذاك؟! لماذا لم تقم أمريكا وأتباعها؟! لماذا لم يقم مجلس الأمن ، وهيئة الأمم ؟! لماذا لم يقوموا في تلك السنوات فينصرون العرب والأكراد إن كانوا أهل عدلٍ وميثاقٍ وأمان؟! إنهم أهل غدر وخيانة ولا يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمة.

    تناقض الغرب تجاه غزو صدام للكويت

    أيها الإخوة: لو كانت أرض العراق أرض إرهابٍ اليوم لماذا لم يلتفت لها العالم آنذاك؟ لَمَّا حصلت الفتنة بين أرض العراق وأرض الكويت -والمؤامرة قبلها معروفة: لَمَّا ذهب صدام حسين إلى بعض أصحابه وأصدقائه من الغرب فقال لهم: إني سأضرب الكويت وأحتلها.

    فوافَقُوه على ذلك.

    ثم ذهب الكويتيون إلى أرض الغرب فقالوا لهم: ماذا يفعل؟!

    فقالوا: لا تخافوا، لن يدخل.

    فدخل أهل العراق من صدام حسين وأتباعه إلى أرض الكويت عنوةً، والكل يعرف، ومفضوحٌ هذا ومكتوب، ولا يمكن لأحدٍ أن يقول: لم يُفْعَل هذا، بل هو أمرٌ في التاريخ مسجل، علامَ كل هذه المؤامرة، وقد عُرِفت وقُيِّدت وكُتِبت، ودخل صدام وأحزابه إلى أرض الكويت المسلمة، وكلٌّ أخذ من الأموال والنفط ما أخذ، ورجعوا إلى ديارهم؟ أليس هذا معروفاً ومسجلاً ومكتوباً؟! بلى والله، واسألوا أهل العلم والمعرفة والتاريخ، واسألوا الناس هناك.

    بل إنني سمعت بنفسي شريطاً للشيخ الداعية المبارك، خطيب منبر الدفاع عن الأقصى أحمد القطان ، وهو يقول: سمعت تصريحاً لـصدام حسين وهو يقول: سأدخل إلى أرض الكويت ، وسينقذنا الله بصدقاتنا. كل الناس تعرف أنه سيدخل، والمؤامرة الغربية تعرف هذا جيداً، فأما قومٌ من الغرب فقالوا: ادخل، وأما آخرون فقالوا للكويتيين: لا تخافوا، فدخل هؤلاء وهؤلاء، واكتسبوا وأخذوا، ونهبوا ما نهبوا، فهم غلاة هذا الزمان.

    1.   

    ضرورة العودة إلى التاريخ

    إنه تاريخ أيها الناس لا سياسة، إنه تاريخٌ وعبرة، فهل يعي المسلمون هذا؟!

    هكذا -أيها الإخوة- هو التاريخ، وهكذا هي العبر، والدروس والمثل، والحياة، لن تعيش أمةٌ بدون تاريخ، إذ من دون التاريخ لا حضارة، ولا حياة، وكم هو المؤسف من رجال الأمة الذين لا يقرءون التاريخ، ولا يريدون رجال التاريخ، كم من الأفراد -وللأسف- بل حتى من الصالحين، من يحاولون أن يقفزوا على رجالٍ كان لهم أثرٌ في الدعوة والإصلاح، وجماعاتٍ إصلاحية إيمانية شاركت في حروبٍ كثيرة لنصرة المسلمين.

    التاريخ -يا أيها العقلاء- لا يَخْفَى، فعودوا إليه.

    خطبة تاريخ العراق هذه ليست للذكرى، ولا للتسطير في الذاكرة، أو التسجيل في الأشرطة، كلا، بل هي خطبة للعبرة، والدراسة، والتأمل، والتفكير، والتخطيط، خطبة للبناء والعمل والتكامل، نقرأ التاريخ لنعرف كيف تغيرت العراق ! وكيف تبدلت! وأن أي دولة من دول الإسلام كانت في أوج عزتها، وقوتها، وأموالها، فإنها إذا تنكبت هدى الله، وجاءها الرقص والغناء فإن التاريخ سيتكرر من جديد، إذ ما أشبه الليلة بالبارحة.

    نقرأ التاريخ ليس من أجل أن نستغرق في شقاء الماضي وبؤسه، إنما لنعرف كيف كنا، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم:42]، أمةٌ تقرأ هذه الآية لماذا لا تتأمل؟! ولماذا لا تقرأ؟! ولماذا لا تسيح في الأرض؟! كم مِن الأفراد مَن ذُلَّ وزُلَّ وهو يقع في نفس الأخطاء ويكررها! كم مِن الأفراد مَن ضَعُفَ وانْحَرَفَ وهو يكرر نفس أخطاء غيره! كم مِن الأمم والشعوب مَن تفعل نفس ما فعله الأقدمون الذين قبلهم؛ من الفواحش، والآثام، والظلم، والتعدي، بنفس الخطوات والأعمال! كم! وكم! كم مِن الناس مَن يسقط ويتعثر ولا يهاب الله، ويضعف وهو يكرر نفس السيئات!

    قراءة التاريخ من غير عبرة وعمل لا قيمة لها، فلم نتفاءل من غير عمل؟ ولم نتشاءم ونحن نعمل؟ فما أخفق إنسانٌ متفائلٌ بعمله، وما فاز متشائمٌ بعجزه.

    أخيراً: أيها الناس! هذا سؤالٌ ولكن لا أدري من سيجيب عليه: في التاريخ الذي نقرؤه جميعاً كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يقول: [والله لو عثرت بغلةٌ في العراق لخشيتُ أن يسألني الله عنها: لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟].

    يا عمر ! لقد عثرت البغلة، وعثرت الأمة، وقتلت، وهُدِمت، وهاهي من جديد ستُقْتَل مرة أخرى.

    إننا نعي ونفهم وندرك أن هناك فرقاً بين صدام حسين وأتباعه مِن الذين يقتلون المسلمين في الأكراد وغيرها، نعلم هذا جيداً، ويجب أن نفرق أن أرض العراق فيها مُصلحون، وأخيار، ودعاة، وكبار، وأئمة سنة، وأهل فضل، وندرك كذلك أن فيها لئاماً، وأهل شر، وخيانة للأمة.

    إننا نعي هذا أيها الناس! ولكن ليست المشكلة في ذلك، المشكلة أنها ستعم، وقد قيل لنا هذا في أراضٍ إسلامية أخرى، أن الضرب ليس على الأرض، وليس على المسلمين، فكلما قُتِل منهم مَن قُتِل قيل لنا أنها أخطاء، أو أنها أصابت من غير قصد، فجريت الدماء مرة أخرى، ونخشى أن يحصل ذلك.

    وإنني على يقين -كما أنكم على يقين- أنه لو أراد الغرب والمتحالفون معهم أن يركزوا على العدو فحسب لقَبِلْنا ذلك، ولقلنا: اقتلوا أهل الظلم والفساد؛ ولكننا نخشى أن تدور الدائرة وتتكرر نفس المأساة، إذ ما زلت أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، والتاريخ يتكرر.

    فيا تُرى! هل سيكون هولاكو مكرِّراً لنفس الخطة اليوم؟!

    وهل سيكون ابن الوزير العلقمي رجلاً متغيراً اليوم في ثوبٍ جديد؟!

    1.   

    واجب المسلمين تجاه قضية العراق

    يا تُرى! هل ستعي الأمة هذه القضية فتسعى بالتالي:

    أولاً: الدعاء للمسلمين في أرض العراق بأن ينصر الله المسلمين منهم، وأهل السنة خاصة، وأن يحفظ الله عليهم دماءهم، وأعراضهم.

    الثاني: قراءة ما يجري في أرض العراق والبحث عنه، والسؤال الدائم عنه.

    ثالثاً: الذهاب للجمعيات والهيئات الخيرية، والتبرع بالمال، بل أقول: الجهاد بالمال؛ لأن ما سيجري لا يسمى تبرعاً بالمال إنما يسمى جهاداً بالمال.

    رابعاً: تثقيف الأبناء في البيوت، وإعدادهم الإعداد النفسي لمناصرة المسلمين، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، ولو صدقت الأمة في دعائها، ومالها، وجهدها، فإن الله عز وجل حينئذٍ سيعذرها، ولو تخلفت في الدعاء وتخلفت في المال، فإن التاريخ وسنة الله ستتكرر.

    نسأل الله أن يعفو عنها.

    اللهم إنك ترى مكاننا، وتسمع كلامنا، وتعلم حالنا، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمرنا، نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استُغِثت به أغثت، وإذا استُنْصِرت به نصرت، اللهم انصر عبادك المسلمين في أرض العراق ، اللهم انصر عبادك المسلمين في أرض العراق ، اللهم انصر عبادك المسلمين في أرض العراق .

    اللهم صن أعراضهم ودماءهم، اللهم صن أعراضهم ودماءهم، اللهم صن أعراضهم ودماءهم، وكن لهم عوناً ومعيناً، ومؤيداً ونصيراً.

    اللهم من أراد المسلمين وأهل السنة في العراق بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه.

    اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج المسلمين من بين أيديهم سالمين غانمين.

    اللهم عليك بطاغية العراق وأحزابه، يا رب العالمين.

    اللهم خذه أخذ عزيزٍ مقتدر، اللهم خذه أخذ عزيزٍ مقتدر، اللهم خذه أخذ عزيزٍ مقتدر.

    اللهم أسعدنا بنصرة السنة وأهلها في كل مكان، اللهم أسعدنا بنصرة السنة وأهلها في كل مكان.

    اللهم عليك بأهل الزيغ والفساد، وأهل البدع والشرك، يا رب العالمين.

    اللهم اقمعهم وخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر.

    اللهم احفظ بلادنا، وصُنْ أعراضنا، اللهم احفظ بلادنا، وصُنْ أعراضنا، اللهم احفظ بلادنا، وصُنْ أعراضنا.

    اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، وأعنه على أمور دينه ودنياه.

    اللهم سدد ووفق نائب خادم الحرمين الشريفين للصلح بين المسلمين، يا رب العالمين.

    اللهم أعنه وسدده، وأنزل السكينة عليه؛ لينصر المسلمين في أرض العراق ، فهو يبادر في ذلك.

    اللهم سدده ووفقه، اللهم سدده ووفقه، اللهم سدده ووفقه، وأنزل السكينة والإيمان والثبات على قلبه، يا رب العالمين.

    اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.

    اللهم إنا نسألك الإيمان، والعفو عما سلف وكان.

    اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756204568