إسلام ويب

من لك يا بغدادللشيخ : حسين الثقفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ حفظه الله عن تكالب قوى الغرب من كل مكان على أمة الإسلام، مبيناً أن سبب ذلك هو ابتعاد الأمة عن كتاب الله وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، مع بيان حقيقة الحرب على العراق وأهدافها، وقد ذكر خلال ذلك ماضي بغداد المشرق، تلك المدينة التي كانت عامرة بالعلم والعلماء والفقهاء، كما وضح مكانة الجهاد والدعاء، مبيناً أنهما سبيلا النصر والتمكين.

    1.   

    تكالب أعداء الله على أمة الإسلام

    الحمد لله منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، الحمد لله عَلِم ما كان، وما سيكون، وما هو كائن، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم المعاد، يوم لا ينفع المال ولا البنون، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89].

    والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه.

    أما بعد:

    أيها الأحباب الكرام:

    عَصَفت بي الأحزان لولا رفقةٌ     هم للجراح بلاسم ودواها

    قومٌ همُ في الحالكـات سواطع     مثل النجوم دليل مَن حاذاها

    في بقعة عَمُرت بذكر إلهنا     من جوهر أنعِم بِمَن سَمَّاها!

    أيها الناس: إن المسلمين اليوم في هذا الجزء من العالم أمام فتن عمياء، وشدائد مظلمة، ليس لها من دون الله دافع أو مجير.

    إنها بلايا ومحن تكشف عما في القلوب، وتظهر مكنون الصدور، ينتفي بها الزيف والرياء، وتنكشف الحقيقة بكل جلاء، إنها شدائد ونوازل، إنها فتن تلاحقت وتلاطمت، إنها فتنة تكالب الأعداء على هذا الدين؛ ولكننا نسأل الله بعزته وقدرته وجبروته وقهره أن يصرف شرها، وأن يدفع خطرها، وأن يهلك بها من أثارها، فإنه سبحانه على كل شيء قدير، يقول للشيء: كُنْ فيكون وهو: لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [الشورى:19].

    إن تلك الفتن قد نُسِجَت حلقاتُها، وأُحْكِمت خططُها مِن قِبَل أعداء الله ورسله، أتباعُ الشيطان في الإفساد، وإشاعة الفساد، وبذل الوسع في إذلال العباد: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال:36-37] فهي من مكرهم مَكَرَ الله بهم؛ فإنه سبحانه توعدهم بقوله: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].

    معاشر المؤمنين: لقد أشعل نار تلك الفتن، وأطار شررها في الآفاق فئةٌ طاغية، وشرذمةٌ باغية، اشتهرت بأشنع المآثم، وارتكبت أفظع الجرائم: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43]، فـارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى [محمد:25]، إنهم الذين: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16] .. فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187]، مَن غيرُهم؟! مَن غيرُ أعداءِ الله، اليهود والنصارى؟! كم نقضوا من عهود! وأخلفوا من وعود، وسعوا في الأرض مفسدين!

    كم روَّعوا من آمنين؟!

    وشردوا مطمئنين؟!

    كم استباحوا من حرمات! وانتهكوا من محرمات؟!

    فنحن -يا عباد الله- في زمن قد تعاقدت فيه قوى الباطل، وتكالبت فيه عناصر الشر، واتفقت على إزهاق الحق، وشنِّ الغارة على أهله، بغزو ديار الإسلام، وهدم حصونه الواحد تلو الآخر ليعطلوا عبادة الله، ويصدوا عن سبيل الله، ويقيموا فيها للكفر مناراً، ويرفعوا للباطل فيها شعاراً.

    إنها أزمة أمة، بل هي كارثة عظيمة، تتكالب علينا قوى الغرب من كل مكان، حتى أُثْخِن الجراح في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأصبح الحليم حيران، وإني والله لأجد في اللسان عجزاً عن التعبير! ماذا أقول؟! وعن أي موضوع أتحدث؟! وعن أي جرح أتكلم؟!

    أأتكلم عن القدس، وما يحصل فيه من مؤامرة خبيثة، على يَدَي مجرم الحرب شارون؟!

    أم أتكلم وأصف حال إخواننا في كشمير، والشيشان، وفي إندونيسيا، وفي بورما، والفلبين، وفي أفغانستان، وبمرأىً ومسمع من مجلس الخوف؟!

    وإذا بقلبي ينتابني، نعم. ينتابني عند صرخة مفجوعة، وأنين ثكالى، أسمع أصواتهم، أنظر أمامي وأقول: هذه أصوات ليست غريبة، كأنني سمعتها، إنها صرخات وزفرات، وآهات وأنات، إنها صرخاتهم، قمت مفزوعاً، هل أنا أحلم أم أنها حقيقة؟! إنها أختي وأختك! إنها أمي وأمك! إنه أبي وأبوك! إنه -أيها الأحباب- تكالبُ الأعداء؛ ولكن على مَن؟! على مَن أيها الأعداء تكالبتم؟! من هي الفريسة؟! من هي الضحية؟!

    ضجَّت نجومُ الليل من حسراتي     وشكا الفرات إليَّ مِن عبراتي

    وجرت عليَّ عيون دجلة أدمعاً     لما رأتني واهن الخطواتِ

    واستفظع القمر المنير حكايتي     فبدا كسيف الوجه في الظلماتِ

    وبكت عليَّ الشمس حين تهشمتْ     نظرات مشرقها على نظراتي

    حتى شفاه الفجر لم ترسم لنا     لما رأتني ساحر البسماتِ

    واستوحشت بغداد لما أبصرت     ما خطَّت المأساةُ في قَسَماتي

    بغداد هارون الرشيد تلفعت     بسوادها وبكت على الحرماتِ

    وكأنها لم ترسم التاريخ في     أهدابها صوراً من العزماتِ

    وكأنها لم تزدهر بعلومها     يوماً ولم ترفع مقام دعاةِ

    وكأن عين المجد ما اكتحلت بها     واستمتعت بزهورها النظراتِ

    وكأن أهداب الرصافة ما رأت     سرب المها وهوادج الحفراتِ

    وكأن فرسان المبادئ ما بنوا     قمم الشموخ وهم على الصهواتِ

    يا إخوة الإسلام يا أهل النهى     في الأرض يا من تسمعون شكاتي

    للفقر وجه يا أحبةُ كالِحٌ     وفم يردد أسوأ الكلماتِ

    صورٌ يحس بها فقير بائس     ما زال يشكو مِن وجوهِ قُساةِ

    يا إخوة الإسلام دونكم اللظى     ما زال يحرق دجلتي وفراتي

    بيني وبينكم السياج فما أرى     إلا طوابيراً من البعثاتِ

    سلكوا إلى التفتيش ألفَ طريقة     وأبوا سلوك مسالك الرحماتِ

    هذا الحصار جريمة رسمت لنا     في شكل أوراق ومؤتمراتِ

    ما ذنب أرملة تُكفكف دمعها     ودموع أبناء لها وبناتِ

    ما ذنب أطفالٍ صغارٍ أصبحوا     كهياكلِ الأشباح في الطرقاتِ

    ما ذنب شعب جائع ما     زال يمدح قائد النَّزَواتِ

    إن الذي تستهدفون عراقنا     مِن أجله يختال في الشرفاتِ

    حاصرتمونا باسمه وهو الذي     بِيَد الحصار قضى على رغباتي

    أواهُ مِن جور الحصار ومِن يد     تغتالني وتنام فوق رفاتي!

    أعرفتموها الآن؟! إنها الحرب المعلنة، إنها الحرب على العراق، إنها الحرب من أجل إسرائيل، من أجل الصهيونية العالمية، من أجل تغيير الخارطة الجغرافية، كما أعلن ذلك كولن باول يوم قال: إن هذه الحرب تصب في مصالح يهودية ومشروع صهيوني، تبناه ودعمه التيار المسيحي الصهيوني.

    ولقد علمتم -يا عباد الله- وشاهدتم وأنتم تشاهدون الآن عبر وسائل الإعلام القصف الجوي المستمر الذي يستهدف والله ليس العراق ؛ ولكنه يستهدف الإسلام بذاته.

    إنَّها حرب عقائـدية، إنَّهم اليهـود والنصارى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، كما حكى ذلك القرآن الكريم.

    1.   

    حقيقة الحرب على العراق

    لماذا العراق بالذات؟!

    لقد طالبوا العراق بأن يدمر كل ما لديه -كما تعلمون- من قنابل نووية، وصواريخ ممنوعة دولية، فانصاع العراق لما أراده مجلس الأمن؛ ولكن رغم كل التقارير والملفات التي قدمها المفتشون لمجلس الأمن إلا أن الرئيس الأمريكي كما تعلمون لم يرضَ بذلك، بل حاول بكل ما يستطيع أن يكسب هذه القضية، وأن يحشد عدداً كثيراً من مصوِّتي شن الحرب على العراق ؛ ولكن الله خيب أمله فلم يكن معه إلا قلة قليلة من المصوتين لهذه الحرب.

    وهاهي الأيام تكشف هذه الحرب؛ لأن الواقع الحقيقي لهذه الحرب هي: الاستراتيجية بين إدارة بوش وحكومة شارون .

    ولذلك هذه الحرب -أيها الأحباب- هي كما قيل: ليست سوى حرب قام بها بوش بالوكالة عن إسرائيل، ولست هنا أنفي وجود مصالح حقيقية للولايات المتحدة في العراق وخصوصاً آبار النفط، كما يقول الكاتب الإسرائيلي: إن الحرب على العراق هي حرب بالدرجة الأولى على أوروبا الصناعية واليابان؛ لأن احتلال الأمريكان للعراق سيضمن هيمنة واشنطن ليس فقط على احتياط النفط في العراق بل في المنطقة كلها، وكذلك نفط بحر قزوين، والإمساك بصنبور النفط في العالم يمكن أن يخنق ألمانيا وفرنسا واليابان بسبب قدرة الأمريكان في هذه الحالة على التلاعب بأسعار النفط.

    وإن عدم تصويت روسيا وفرنسا -كما سمعتم- وألمانيا بعدم الحرب ليس من أجل سواد عيون المسلمين، إنما هو من أجل الخوف على مصالحهم، أما المصالح الإسرائيلية كما قلتُ تبقى مهمة؛ لأن ضرب العراق، ومِن ثَمَّ تغيير الخارطة الجغرافية للمنطقة، إنه يخدم مصالحهم الجغرافية، ولذلك -أيها الأحباب- تلقت دعوة الحرب على العراق قبولاً من الجمهور الإسرائيلي، فضلاً عن المسئولين، فقد أشار استطلاع أجرته بعض الصحف إلى أن (57 %) من الإسرائيليين يودون الحرب، بينما (28 %) يعارضون.

    ولذلك طالب وزير البنية التحتية الأسبق آفيا غادور حكومته قبل سنة ونصف باتخاذ قرار لضرب العراق دون تأخير، بغض النظر عن الموقف الأمريكي أو الخطط الأمريكية في هذا المجال، بدعوى: إن هدف إسرائيل من ضرب العراق يختلف عن الهدف الأمريكي على حد قوله، وقد أشارت صحيفة تايمز قبل سنتين أن شارون أوعز إلى رئيس أركانه وزير الدفاع الحالي للاستعداد لتوجيه ضربة مبكرة لمنصات إطلاق الصواريخ غربي العراق . على ذمة الصحيفة.

    وكان شارون يفكر في ضرب تلك المنطقة بعد أن ادَّعى أن العراق كان على وشك ضرب إسرائيل بأسلحة دمار شامل، واليوم فإن شارون إن لم يبقَ على موقفه وحالته السابقة فهو أشد تطرفاً ووحشية مما كان عليه في حكومته السابقة، ولذلك فهو حلمهم وأملهم في الاستيلاء على العراق ، وشاهدُ ذلك يا -عباد الله- علَمُهم الذي رُسِم عليه خطان أزرقان، بمعنى: أن دولة إسرائيل ستكون من النيل إلى الفرات .

    أما أهداف إسرائيل في الحرب فإنها تريد استغلال الحرب على العراق عن طريق تنفيذ مخططات خطيرة، لا تستطيع في الوقت الحالي تنفيذها لاعتبارات مختلفة، مثل:

    - ترحيل جماعي لفلسطينيين من الضفة الغربية .

    - اغتيال القيادات والرموز الإسلامية، وضرب حزب الله في لبنان ، وضرب قيادات وأهداف في فلسطين وسوريا .

    وهذه أيها الأحباب بعض ما كشفته الحرب من المصالح بين إدارة بوش والحكومة الصهيونية .

    أيها الأحباب: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع؛ مما نراه اليوم من تكالب الأمم على هذه الأمة، إي والله.

    لقد صدق فينا قول الصادق المصدوق: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أمِنْ قلة يا رسول الله؟ قال: بل أنتم حينئذ كثير) أنتم كثير، وهاهو المليار وغثاؤه؛ ولكن هيهات هيهات أن يصل إلى ما يريده؛ لأن المسلمين ما زالوا على معاصيهم، فهاهي أمريكا وبريطانيا تنهشان في أجساد المسلمين في العراق ، وترفعان رايتيهما، وترفعان علميهما في بغداد وفي العراق؛ ولكننا نقول: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].

    1.   

    الاعتصام بالله قوة لا تقهر

    إن هذه الكلمة سلاح الفقراء والمساكين، سلاح المظلومين والمضطهدين، بها تتكسر رءوس الطغاة، وتتحطم عروش الجبابرة، وتُسحق قِلاع الظالمين.

    لقد قالها إبراهيم عليه السلام، لما وضعوه في النار المحرقة، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.

    وقالها موسى عليه السلام لما طارده فرعون وجنوده والبحر أمامه والموت وراءه، فأخرج سلاحه وقال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، فنجاه الله.

    وقالها محمد عليه الصلاة والسلام في بدر ، وأحد ، والأحزاب، وتبوك ، والمسلمون في قِلَّـةٍ وضَعـفٍ وفقـرٍ، فقال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فنصره الله وهداه.

    ولقد ذهب خالد بن الوليد إلى اليرموك فرأى جيوش الروم كالجبال والمسلمون فئة قليلة، فقال أحد الصحابة لـخالد رضي الله عنه: [اليوم نلتجئ إلى جبال أجا وسلمى ، فدمعت عينا خالد وقال: بل إلى الله الملتجأ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]]؛ فانتصروا.

    ورأى سعد فارس الكفر والعمالة والجهالة، فقال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فداس رءوسهم بقدميه.

    وقالها صلاح الدين ، فانتصر المسلمون، وداسوا أهل الصليب بأقدامهم.

    قالها المجاهدون الأفغان يوم كان الإيمان في قلوبهم كالجبال، وما موقعة كابل عنا ببعيد، لما أتت ثاني قوة في العالم روسيا بقواتها، وطائراتها، ودباباتها، وصواريخها، فهذا مثل حي رأيناه وشاهدناه يا عباد الله! فخرج المسلمون الأفغان بأسلحتهم البسيطة، وعِصِيِّهم متوضئين متوكلين على الله.

    قال لهم الناس: التجئوا إلى القوى العالمية.

    قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].

    قال لهم الناس: اذهبوا إلى العواصم الدولية.

    قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].

    قال لهم الناس: اذهبوا إلى واشنطن .

    قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174]؛ لقد نصرهم الله عز وجل، وخذل عدوهم، فأزيلت دولة الشيوعية مِن على خارطة الوجود.

    نعم يا عباد الله، لقد رأيتموهم؛ ولكن حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].

    يجب أن يعي ذلك المسلمون، إن تكالب علينا الأعداء من كل مكان، وإن تحزبت ملل الكفر فإن الغمة ستنجلي بمشيئة الله -نعم والله- ولقد رأيتموهم مدججين بأعظم أسلحة العالم، ومع ذلك لم يستطيعوا ولم ينفذوا إلى ما أرادوه.

    فها هو شيخ كبير عجوز يحمل بندقية -كما سمعتم ورأيتم- عشَّشت فيها الحشرات، ومع ذلك وجهها صوب طائراتهم فإذا هي بمشيئة رب العزة والجلال تسقط إلى الأرض، إن هذا وربي إن دل إنما يدل على أن وراء هذه الإرادة قوة عظمى، إنها قوة الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].

    يا أبا منقاش أحسنت فزدْ     فعلكم يا بن العلى فعل الأسد

    الأباتشي أنت من أسقطتها     برصاص مثل حبات الصدد

    يا فتى دجلة زدهم لهباً     أمطر الجو ببرق ورعد

    دكدك الظالم، مزق عرشه     ادفن الباغي وقطع مَن جحد

    كن كميناً، كن جحيماً، كن لظى     كن عذاباً من زءوم ورصد

    اشحن البندق بالنار ولا     تتقِ الموت فإن الأمر جِد

    اذبح العلج على خيبتهِ     ثم رتِّل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد

    واهجر الدنيا ولا تحفل بها     لغبي أو جبان يرتعد

    الذي لا همه إلا الهوى     يوم خان الله ذا العرش الصمد

    نحن بالإيمان أقوى منهم     إن صدقنا في جهاد وجلد

    حسبنا الله على طغيانهم     فهي أقوى من عتاد وعدد

    قل لـ(ميسون) كتبتي قصـة     كبر المجد عليها وحشد

    كل حسناء بكم تاهت عـلى     صهوة الجوزاء عن أب وجد

    والغواني شرَّفت لما رأتْ     عزم (ميسون ) حمى أهل البلد

    عزُّها في جيدها شرَّفها     وبجيد النذل حبل من مسد

    إي ورب العزة والجلال، إن هذا الشاهد -أيها الأحباب- بمشيئة الله سبحانه وتعالى سيكون على ملل الكفر إن شاء الله، بل هي دعوة مظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

    ما ذنب هذا الشعب الأعزل يُقصف ليل نهار، فهناك أيد مبتورة، وأرجل مقطوعة، أشلاء متناثرة، بيوت تهدَّم، مساجد تدمَّر، واستخدام لأسلحة ممنوعة دولياً ضد هذا الشعب، قنابل عنقودية، وأخرى ذكية، وبعدها غبية.

    ثم يتبجح بوش مطالباً السلطة العراقية في الماضي بعد أن فتح الله عليهم وأسروا ما أسروا من الأسرى يتبجح ويقول: يجب أن تتعامل السلطة العراقية مع الأسرى معاملة إحسان وكرم، أي بمعنى: أن يتعاملوا بوفق قرارات الأمم المتحدة، بالله عليكم -يا عباد الله- أي قلب يستطيع أن يعامل هؤلاء المجرمين معاملة حسنة، هم الذين قتَلوا أبناءنا، ورمَّلوا نساءنا، ويتَّموا أطفالنا، وقتَّلوا شيوخنا، وانتهكوا أعراضنا، ثم يطلبون منا أن نعاملهم بلطف ولين! إن هذا تناقض عجيب!

    1.   

    لا تيئس فالنصر آت

    نعم. إلى متى؟! إلى متى وأمريكا تملي علينا قراراتها؟! إلى متى هذا الظلم والجبروت؟!

    ولكن أقول لإخواننا المسلمين في كل مكان ممن تفطرت أكبادهم كمداً وغيظاً مما يرون ويشاهدون، إنني أقول لهم: إن في تعاقب الشدة والرخاء، واليسر والعسر، كشفٌ عن معادن النفوس وطبائع القلوب، ما بين غَبَش وصفاء، وهلع وصبر، وثقة وقنوط في تقلبات الدهر وتنوع الأحداث، يتضح ويمحَّص المؤمنون، بل وينكشف الزائفون، وتتجلى سرائر النفوس، ومكنونات الصدور.

    إن المؤمن لا يجد اليأسُ إلى قلبه سبيلاً، مهما أظلمت المسالك، وقست الحوادث، وتوالت الظلمات والعقبات -نعم والله- وتكاثرت النكبات، إنه إلى ربه راجع، وبإيمانه متمسك، وبأقدار الله مسلِّم، وعلى سننه جارٍ، وإن شر ما مُنيت به النفوس يأساً يميت القلوب، وقنوطاً تظلم به الدنيا، وتتحطم معه الآمال، اليأس قرين الكفر، والقنوط بريد الضلالة: ولا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].

    إن المتأمل في صروف الدنيا، ورياح التغيرات، وأمواج التقلبات لا يفجع عند نزول البلاء، ولا يفرح بعاجل الرخاء، فكم من أمة ضعيفة نهضت بعد قعود! وتحركت بعد خمود! تلك هي سنن الله في الدنيا وأهلها، في مَدِّها وجزرها، شدائد وكروب، مضائق وخطوب، ثم يجيء النصر والانفراج بعد اليأس، ويحل بأس الله بالمجرمين مدمراً ماحقاً.

    1.   

    بغداد الماضي المشرق

    تعالوا نسأل التاريخ عن بغداد ؛ لأن المتأمل يحزن حينما يرى ما أصاب بغداد اليوم؛ ولكن أقول:

    من ذا أصابكِ يا بغداد بالعينِ؟!     ألستِ قد كنتِ يوماً قرة العينِ؟!

    فهذه كلمات عزاء، أداوي بها المجروح، وأمسح بها دمعة محزون، وأواسي بها المهموم، فوالله لو كتبتُ بدمع العيون على صفحات الجفون ما أنصفت بغداد على مدى القرون؛ ولكن سوف أصف ما كان فيها من علم وعلماء ومن أمراء وخلفاء:

    ما الدار بعدك يا بغداد بالـدارِ     تفنى عليكِ صباباتي وأشعاري

    أنتِ المُنى وحديثُ الشوق يقلقني     مِن أين أبدأ يا بغداد أخباري؟!

    بغداد مدينة العلماء

    لقد أشرقت بغداد شمس الرواية، وبزغ فجر الدراية، كانت في العلوم آية، وفي الفنون غاية، فكان بها أهل الحديث، ولم يكن بها بعثي خبيث.

    ولك أن تتخيل معي مجلس أحمد بن حنبل رحمه الله، عمائم بيضاء، وهمة علياء، وسكينة وحياء، إذا قال أحمد : حدثنا، أو أخبرنا، أطرقت الرءوس، وخشعت النفوس، وتفتحت أبواب السماء، وتنزَّلت الرحمات.

    ثم تعال واذهب معي إلى مجلس آخر، فترى فيه طائفة من الخاشعين، فإذا بك ترى وسطهم يحيى بن معين ، يحدث عن رسول العالمين، يجرح ويعدِّل كأنه ميزان منزَّل، لو حل خاطره في مُقعدٍ لَمَشَى، أو ميِّتٍ لَصَحَا، أو أخرس خَطَبا.

    ولله كم بها من ذكريات تشجيني! إذا ذكرتُ علي بن المديني ، ذلك البطل، إمام العلل، السليم من الزلل، فتراه يفتش الأسانيد، بفهم دقيق، وعلم وتحقيق، يعرف العلة في المسند المستقيم، كما يعرف الطبيبُ السقيم.

    قم معي لأريك البخاري ، الضياء الساري، والنهر الجاري، قيَّد الألفاظ، وأفهم الحُفَّاظ، إن شك في حديث علَّقه، وإذا لقي كذاباً مزَّقه، هو السيف الحازم لسنة أبي القاسم.

    مَن كـالبخاري إذا ما قال: حدثنا     أو بوَّب الباب أو شد الأسانيدا

    كأنما هو إلهام يعلمـه     أو أنه قَبَسٌ يُعطاهُ تأييدا

    بغداد تشرفت بالسفيانَين: الثوري ، وابن عيينة، وأصبحت بالعلماء أجمل مدينة، كيف لا وهي مدينة الكرخي، والإمام الشافعي المعروف؟!

    إن بغداد بزغ منها أصحاب الصحاح والسنن، وأهل الذكاء والفِطَن، هي للحديث دار الضرب والصلب، بها تُضرب الموضوعات للواضعين؛ ولكن تَصلب الكذابين على خشب السلطان المتين.

    واسمع لمقولتهم! قال بعضهم: من لم يدخل بغداد لم يدخل الحياة الدنيا، ومن لم يشاهد حسنها ما شاهد النجوم العليا.

    مدينة بغداد والأمراء

    هذا من باب العلماء.

    أما مَن ملئوا الدنيا عدلاً وحكماً، مَن ملئوا الدنيا عدلاً وحكموا بالعدل، من خلفاء وأمراء: فهذا هو جعفر المنصور ، صاحب دور وقصور، داهية جسور.

    ولك أن تتخيل هارون الرشيد ، صاحب القصر المشيد، والمجد الفريد، والصيت البعيد، يغزو سنة، ويحج سنة، هذا هو هارون الرشيد .

    بل كان بها المأمون، صاحب الفنون، وجامع المتون؛ ولكنه بالفلسفة مفتون.

    حيهلاً بـالمعتصم ، الذي كان بها بطلاً مغواراً يوم أن سمع امرأة قالت: وامعتصماه، بل أُسْمِعَ تلك الكلمة يا عباد الله، لَمْ يرَ في الشاشات دماءً تراق، إنما أُسْمِع أن امرأة قالت: وامعتصماه! ماذا عمل؟! سير لها المعتصم جيشاً، أوله في عموريه وآخره في بغداد ، وقاد بنفسه الكتائب، وقال قبل أن يسير: والله لا يغشيني ماء أو غُسْل من جنابة حتى آتيهم بجيش جرار، ثم نادى: حي على الجهاد، فانطلق على بركة الله بجيش قوامه تسعون ألفاً.

    تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجتْ     جلودُهم قبل نضج التين والعنبِ

    فزحف بهم من مدينة إلى أخرى، وكلما دخل إلى مدينة حرَّقها، فهرَب أهلُها، حتى وصلوا إلى عمورية، فطوقها وأسر أهلها، ودعا الرجلَ الذي آذى المرأة المسلمة، وأعطاها إياه عبداً مملوكاً، الله أكبر! فأوطأ خيل الكفار، وأورد نحورهم كل بتار.

    بغداد أنت حديث الدهر والأممِ     إذا مدحتُك سال السحر من قلمي

    أنتِ المنى أنت للتاريخ ملحمة     كم من رشيدٍ ومأمونٍ ومعتصمِ؟!

    أما اليوم ففي بغداد : صدِّيق وزنديق.. حر ورقيق.. موحِّد وملحد.. حانة ومسجد.. وبارة ومعبد.. مقبرة ومشهد.. جد وهزْل.. حب وغزَل.

    سلوا التاريخ عن بغداد ! لقد كان بها كله في بغداد، واجتمع التاريخ في بغداد، وكان الدهر لصوتها يستمع، وكان ضوء الشمس من بغداد يرتفع.

    أما لو سألتني عن مصيبة بغداد اليوم لقلتُ: إنهم الحكام الأقزام، أصحاب الظلم والإجرام، أبطال الشنق والإعدام.

    بغداد يا فتنة الشرق التي خلبت     بسحرها العقلَ والأقلامَ والأَدَبا

    ماذا أردد يا بغداد من حـزني     إذا ذكرتُك بُحْتُ الهمَّ والنصبا

    هذا هو تاريخنا في بغداد.

    1.   

    الذنوب سبب البلاء والكروب

    يا أيها الإخوة: إن ما أصابنا اليوم ليس والله إلا بسبب ذنوبنا ومعاصينا، ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفِع إلا بتوبة، وحتى يعلم الجميع أن هذه الأمة مهما جُرِحت، فإن جراحاتها تبرأ، مهما أثخن الجرح فإنه بمشيئة الله سيتداوى، وما التاريخ عنا ببعيد.

    فلقد علمَت الأمة خلال قرون طويلة، أنها كلما ابتعدت عن (لا إله إلا الله)، وكلما أكثرت من المخالفات سلط الله عليها ذلاً لا ينزعه حتى ترجع إلى دينها من جديد؛ لأن الأمة كلما عصت ربها وجحدت معروف بارئها، وتنكرت لجميله تعالى، سلط الله عليها أعداءها، فاستباحوا ديارها، وحطموا كيانها، وهدموا مساجدها، بل مزقوا كتبها، وأذلوا شيوخها وأطفالها.

    ولذلك -أيها الأحباب- سلط الله علينا قديماً المغول الذين جاءوا من خلف الهضاب الشرقية للأمة الإسلامية لما ركنت إلى الحياة الدنيا، ولما أصبح همها الوحيد هو شهواتها وملذاتها، ولما كثرت البدع والخرافات، وانتشر الدين المحرَّف والطوائف المنحرفة، فكان العقاب لهم هؤلاء المغول، الذين استباحوا الديار، وهتكوا الأعراض، وأقاموا المآتم في كل دار، وفي كل بلدة، هتكوا الأعراض فخلَّفوا الجثث وراءهم، وانْهارَ الدمُ بل سال بين أرجلهم وأيديهم، ورموا تراث الأمة الإسلامية في نهر دجلة، وفعلوا الأفاعيل التي لا يصدِّقها المسلم؛ ولكنها حقيقة حدثت، سجلها مَن رأى هذه الحادثة وقيَّدها في كتبه، ثم قال مقولته: يا ليتني متُّ قبل هذا، يا ليت أمي لَمْ تَلِدْني، إنه العالم ابن الأثير، حينما وصف تلك المأساة بقلب حزين باكٍ، ولقد نصر الله هذه الأمة، ولم ينصرها بعربي أو قرشي، وإنما نصرها بعبد مملوك، هو: قطز ، فقاد كتائب الإسلام من جديد، فصَدَحَت صيحات النصر، وتكبيرات العز من أفواه المسلمين من جديد.

    يا أمة مَن عمرها     لَمْ تحيَ إلا بالجهاد

    كفرت بمجلس أمن من     نصب المنايا للعباد

    القاتلي الإنسان، خـا     بوا ما لهم إلا الرماد

    جثث البرايا منهمُ     في كل رابيةٍ وواد

    وقبلها بمائة سنة كان الانتصار الباهر بعد أن كانت الأمة قد ركنت إلى الحياة الدنيا، فسلط الله عليهم الصليبيين الذين لم يعرفوا الله طرفة عين، فاجتاحوا بعض بلادهم، فأراد الله أن يوقظهم، وكانت على يد كردي أعلن الجهاد والتضحية، وقاتل الصليبيين قتال الأبطال، فسحق الأعادي سحقاً، ففتح بيت المقدس .

    صلاح الدين نذْكُرُه     فنبكي من مآسينا

    واليوم سلط الله على الأمة ذلاً من كل جانب، وكان أشد وطأة على نفوسنا، هؤلاء اليهود الذين استباحوا مسرى نبينا، وداسوا كرامتنا سنوات طويلة، وكذلك دولة الإلحاد على إخواننا المسلمين في الشيشان ، كذلك ما يناله إخواننا المسلمون من البوذيين في كشمير ، ومن النصارى في أفغانستان وأفريقيا .

    فيا أمة الإسلام: هيا من جديد، عودي لربك، وحققي نصرته، لنفرح بنصر الله القادم، فعسى ذلك أن يكون قريباً: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

    1.   

    حكم من أعان الكفار على المسلمين

    ليعلم الجميع بعد هذه الفتنة العظيمة التي حلت على إخواننا في العراق ، أنه لا يجوز إعانة غير المسلمين، بل يحرم بالإجماع لقوله تعالى في شأن مناصرة غير المسلمين: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].

    قال ابن حزم وهو على ظاهره. بأنه كافر من جملة الكفار.

    وقال القرطبي في تفسيره هذه الآية بِرِدَّةِ مَن أعانهم.

    وقد عَدَّها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام.

    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أجمع علماء المسلمين على أن من ظاهَرَ الكفار على المسلمين، وساعدهم بأي نوع من أنواع المساعدة فهو كافر مثلهم، واحتجَّ بالآية السابقة.

    ثم إن قاعدة سد الذرائع -يا عباد الله- تقتضي -ضرورة- رفض مثل هذه الحرب، وتحريم المشاركة فيها؛ لأن هذا الباب إذا فُتِح على مصراعيه، فإنه يُدْخل عودة الاستعمار الغربي من جديد، وقد عاد إلينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    فها هي أعلام أمريكا ترفرف في بغداد، وإنا لله وإنا إليه راجعون! بل وتتدخل دول الكفر في شئون العالم الإسلامي تارة بدعوى الحيلولة دون انتشار الأسلحة المحظورة، وتارة بدعوى حماية حقوق الإنسان، وتارة بدعوى تغيير الأنظمة الدكتاتورية وإقامة أنظمة ديمقراطية، وتارة بدعوى مكافحة الإرهاب، وما من دولة عربية أو إسلامية إلا ويوجه إليها هذه الاتهامات؛ ليصبح العالم العربي والإسلامي مسرحاً للحروب الاستعمارية من جديد.

    إن قاعدة درء المفاسد ودفع الضرر تقتضي وجوب رفض هذه الحرب، إذ لا سبيل إلى مقارنة الضرر الحالي الواقع على شعب العراق بزعم بوش بالضرر الذي وقع عليها من دمار شامل، ذهب ضحيته آلاف الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، بل ويؤدي إلى تخلف النظام عقوداً من الزمن، وقد لا يسقط هذا النظام إن زعموا أنه سقط كما قيل، وقد لا يكون النظام البديل أحسن حالاً، أو لا تكون حكومته قادرة على تحقيق الاستقرار، وكما حدث وكما تسمعون في أفغانستان ، فها هم حولوا القيادة؛ ولكنهم لم يستطيعوا أن يحققوا الأمن في أفغانستان إلى يومنا هذا، وإنهم -أيها الأحباب- يريدون أن ينصبوا جنرالاً يهودياً في منطقة إسلامية، وإن هذا ترفضه كل أنظمة العالم.

    إن الأنظمة الاستبدادية لا تغير بهذا الأسلوب مع أن من حق العراق وجميع الشعوب الإسلامية تغيير مثل هذه الأنظمة الاستبدادية ولو بالقوة إذا استطاعوا.

    1.   

    الجهاد سبيل النصر والتمكين

    أيها الأحباب: ليعلم الجميع أنه لن يكون للإسلام سيادة ولا ريادة إلا بالفريضة الضائعة، إلا بذروة سنام الإسلام وحامي حماه، فإذا قامت هذه الفريضة كان العز والتمكين في الأرض، وبسبب تعطيله حصل للمسلمين الذل والهوان، واستولى علينا الكفار؛ لأن الله نزع المهابة من قلوب أعدائنا ووضعها في قلوبنا، إنه الجهاد وراياته، إنه ظلال السيوف والبنادق.

    واسمع ماذا يقول الله جلت قدرته: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ [التوبة:14].

    إنه الجهاد الذي شرعه الله جلت قدرته لتغيير الأوضاع والأنظمة الشركية.

    إنه الجهاد لتأديب المرتدين والناكثين للعهود.

    إنه الجهاد لإرهاب الكفار، وإخراجهم، وإذلالهم، وإغاظتهم.

    إنه الجهاد لرد كيد المعتدين على المسلمين.

    إنه الجهاد لمنع الكفار من تعذيب المستضعفين من المؤمنين، والتضييق عليهم، ومحاولة فتنتهم في دينهم.

    وما دام الكفار يواجهون الإسلام فإن الجهاد حتماً لا بد منه؛ لأن قتال الكفار أصل في دين الإسلام، لا يمكن أن يتغير بتغير الزمان، ولأنه إذا تُرِك الجهاد كان سبباً للهلاك في الدنيا والآخرة.. تركُ الجهاد سببٌ لعذاب الله وبطشه.. تركُ الجهاد والفرح بالقعود من صفات المنافقين.. تركُ الجهاد سبب لإفساد أهل الأرض بالقضاء على دينهم.. تركُ الجهاد يعرِّض لعقوبة عاجلة تنزل بالقاعدين عن الجهاد.

    ولقد وعى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدرس، ففي يوم بدر لما استشارهم رسول الله في القتال، قال له المقداد : [يا رسول الله! والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] ولكن امضِ ونحن معك].

    ولكن مشكلتنا -أيها الأحباب- أن الأمة اليوم لم تتحرك، ولا حتى في مرحلة الإعداد والتحرك والتهيؤ النفسي والشعوري، وبث هذه القضية في روح الأمة، نعم، انظر إلى ابن تيمية رحمه الله لقد كان يصعد الجبل، وينزل من الجبل، فحينما سُئِل: لماذا هذا يا إمام؟!

    قال: لأستعد للجهاد.

    1.   

    فضائل الشهيد

    فضلُ الجهاد عظيم في هذا الدين، ما أعده الله للمجاهدين الشهداء من منزلة في سبيل الله أعظم! إن للشهيد عند ربه سبع خصال، اسمعوها! واكتبوها في سويداء القلوب:

    - يُغفر له مع أول دفعة من دمه.

    - ويُرى مقعده في الجنة.

    - ويُحلَّى حلية الإيمان.

    - ويُجار من عذاب القبر.

    - ويُؤَمَّن من الفزع الأكبر.

    - ويُوضع على رأسه تاج الوقار؛ الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها.

    - ويُزوَّج باثنتين وسبعين من الحور العين.

    - ويُشَفَّع في سبعين من أقاربه.

    وهل بقي بعد هذا الحديث حديث؟!

    1.   

    الدعاء: سلاح فتاك

    أختم أيها الأحباب في هذا المقام بالسلاح الفتاك، فإن الأمة الإسلامية تملك من الأسلحة النووية، وتملك من أسلحة الدمار الشامل على أعداء الله الكثير والكثير.

    إنها تملك ما لا يملكه الأعداء، فهل تعي الأمة ذلك؟! إنه التصارع في السماء، فمَن صُرِع وَقَع، قضاء ودعاء، إنه الدعاء.

    أتهزأ بالدعاء وتزدريهِ     ولا تدري بما صنع الدعاءُ

    سهامُ الليل لا تخطي ولكن     لها أمَدٌ وللأمدِ انقضاءُ

    وإن يكن لليهود والنصارى آلاتُ قتالٍ، فلنا في هجعة الليل القنوت، إي والله الدعاء، الدعاء يا مسلمون، شكوى إلى رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وهازم الأحزاب، ومنزل الكتاب، إلى مَن يقول للشيء: كن فيكون، إلى مَن إذا سألتَ عن الجبال الرواسي فاستمع ماذا يقول ربك! فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه:105-107]، إلى مَن يقول: دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً [الفجر:21]، إلى مَن يقول: وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه:108]، إلى مَن يقـول: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].

    اللهم يا منقذ الخليل من النار، ويا منقذ موسى من فرعون، ويا منقذ يونس من بطن الحوت، يا منقذ البيت من أبرهة ، يا من رددت يوسف إلى يعقوب، يا من رددت بصر يعقوب إليه، اللهم اكشف الغمة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في العراق.

    اللهم عليك باليهود والنصارى.

    اللهم عليك بـأمريكا وبريطانيا.

    اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً؛ لأنك -يا أخي- لو علمتَ ما صنع الأمريكان لاهتزت منك الأركان، فهي أم إسرائيل، وبيت كل داء وبيل، يستعيذ منها أبرهة صاحب الفيل، ناصَرَت اليهود، ولم تعترف بالحدود، وما رَدَعَتها القيود، أمريكا أفتك مِن هتلر، وتيتو، خدعت العالم بالفيتو، من أطاعها فهو خادم مهان، ومن عصاها فهو شيطان رجيم، تنظر إلى الأيتام وهم يُنْقَلون، وتشاهد اللاجئين وهم يُقْتَلون، ولا تُسأل عما تفعل وهم يُسألون، غيرها من خيرها محروم، وهي ظالم في ثوب مظلوم، تريد أن تكون المنتصرة والعالم مهزوم؛ ولكن لها يوم، إن نهايتها قريبة، فانتظروا معاشر المؤمنين نهاية أمريكا، إنها سنة الله في خلقة.

    ليت البراكين في أرجائها رقصتْ     والرعد يا ليته في أرضها خطبا

    وليت أن صدى الزلزال زعزعها     حتى تصير على أطلالها لهبا

    نسأل الله أن يمزق صداها، وينصر عليها عِداها، وأن يقصر مداها ويطردها.

    نسأل الله أن يخليها من سكانها، وأن يقتلعها من مكانها، وأن يزلزلها من أركانها، فهي أم الكبائر، وجالبة الخسائر، ادعوا عليها في السجود، عسى الله أن يلحقها بعاد وثمود.

    وفي الختام:

    لا لن أودع بل أقول: إلى اللقا     في صحوة رب العلى يرعاها

    اللهم رب السماوات والأرض، يا سامع الصوت، ويا سابق الفوت، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا من بيده الأمر، يا من يكشف الغمة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم عليك باليهود ومن هاودهم، اللهم عليك باليهود ومن هاودهم، وبالنصارى من ناصرهم، وبالشيوعيين ومن شايعهم.

    اللهم أحصهم عدداً.

    اللهم اقتلهم بدداً.

    اللهم لا تبق ولا تغادر منهم أحداً.

    اللهم عليك بمعاقل الظلم والإلحاد في كل مكان.

    اللهم لقد طال ليل الظالمين على إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم أنزل عليهم ما نزل من السماء من البلاء، وأخرج عليهم ما خرج من الأرض من البلاء.

    اللهم أنزل عليهم ريح عاد، وصيحة ثمود، وطوفان قوم نوح.

    اللهم كن مع إخواننا المجاهدين في كل مكان.

    اللهم قوِّهم.

    اللهم سدِّد سهامهم.

    اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

    اللهم إن لأعدائك وأعداء المسلمين طائرات في السماء، اللهم لا تدع لهم طائرة في السماء إلا أسقطتها، ولا دبابة في الأرض إلا فجرتها، ولا سفينة في البحر إلا أغرقتها، ولا سرايا في البرايا إلا جعلتها أسرى بأيدي المجاهدين، يا رب العزة والجلال!

    اللهم إنا نسألك أن تدفع عنا البلاء، وأن تدفع عنا المحن، وأن تدفع عنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة.

    اللهم أمِّنَّا في أوطاننا.

    اللهم وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

    اللهم وفق أولياء أمورنا لما تحبه وترضاه.

    اللهم اجعلهم نصرة لدينك، ورفعاً لمظالم العالم عن الأمة، يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم خذ بزمامهم لنصرة الإسلام والمسلمين.

    اللهم يا ذا الجلال الإكرام اجعلهم رحمة لشعوبهم ورعاياهم.

    يا حي يا قيوم، نسألك في مقامنا هذا ألا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته.

    اللهم لا تفرق جمعنا إلا بذنب مغفور، وعمل صالح مبرور، وتجارة لن تبور، يا رب العزة والجلال!

    اللهم من كان من عبادك هؤلاء مريض، اللهم فاشفه شفاء لا يغادر سقماً.

    اللهم رب الناس اذهب بأسه، اشفه أنت الشافي شفاءً لا يغادر سقماً.

    اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تحرِّم هذا الجمع المبارك عن نارك وعذابك.

    اللهم يا حي يا قيوم مَن أرادنا وأراد حكامنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه.

    اللهم اجعل تدميره في نحره.

    اللهم شل أركانه.

    اللهم أخرس لسانه.

    اللهم عرِّضه للألم، وألبسه أنواع الفتن.

    اللهم اجعله يتمنى الموت ولا يدركه.

    اللهم أنت الله، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

    اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً مجلياً نافعاً غير ضار.

    اللهم ارحم شيوخنا الرُّكَّع، وأطفالنا الرُّضَّع، وبهائمنا الرُّتَّع.

    اللهم هذه سُحُبُك وهذه مُزْنُك أضلتنا من كل مكان، اللهم لا تجليها إلا بغيث هنيءٍ مريءٍ، يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755986685