إسلام ويب

ولا تكونوا كالتي نقضت غزلهاللشيخ : إبراهيم الهويمل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لابد للمسلم الصادق أن يداوم على فعل الطاعات، فإنه وإن انقضى شهر رمضان وفات، فإن عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه الممات. وفي هذه المادة يبين الشيخ الأسباب التي جعلت القلوب تصاب بمرض الغفلة، موضحاً معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( احفظ الله يحفظك ).

    1.   

    بنيت صالحاً فلا تهدمه

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فأحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وإن خير ما اجتمع الناس عليه وتدارسوه هو كتاب الله عز وجل، الذي أنزله على رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحفظه جل وعلا من التبديل والتغيير: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    فهذا الكتاب قد تميز بحفظ الله عز وجل له، أما ما سبقه من الكتب السماوية فقد وَكَلَ الله حفظها إلى الأحبار والرهبان كما قال عز وجل: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة:44] فضيعها جيلٌ بعد جيل، ودخلها التبديل والتحريف، حتى بُدِّلت وغُيِّرت.

    أما كتاب الله تعالى فقد ضمن حفظه، وضمن رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن تمسك به أنه يُهدى إلى صراطٍ مستقيم: (من تمسك به هدي إلى صراطٍ مستقيم).

    ويقول صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب العظيم الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] آمراً بالاستعصام به: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي).

    أيها الإخوة: يطيب لنا جميعاً بعد انتهاء هذا الموسم العظيم -الذي أسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً من عتقائه من النار، وممن قُبل صيامهم وقيامهم وخرجوا من ذنوبهم في آخر ليلةٍ من شهرهم كيوم ولدتهم أمهاتهم- يطيب لنا أن نراجع أنفسنا فيما عملناه في هذا الشهر العظيم، واستقامت عليه نفوسنا، واستقرت عليه أعمالنا، وسلوكياتنا، من عملٍ للصالحات، وحرصٍ على الواجبات، واجتنابٍ للمحرمات، وابتعادٍ عن المكروهات.

    في هذا الشهر العظيم الذي ذُلِّلَت فيه النفوس لعبادة الله عز وجل، فلا تجد المسلم إلا صائماً قائماً، تالياً لكتاب الله عز وجل، ذاكراً له سبحانه وتعالى، فهو بين صيامٍ وقيامٍ، وبين ذكرٍ وتسبيح، لا يمس أحداً بأذى، يحفظ لسانه عن الوقوع في أعراض الناس وغِيبتهم، أو التحدث بما ينقص أو يخدش صيامه، فلا يسب غيره، ويحرص ألا يتلفظ إلا بما يؤجر عليه، يحفظ عينه عن الوقوع في الحرام، فإن زلَّت نَدِم على زلته وقال: إني صائم، وتذكر صيامه، ويحفظ أُذُنه عن الاستماع إلى المحرمات، فلا يستمع إلا إلى قراءة القرآن الكريم، وإن لم يكن هو قارئاً استمع إلى قراءة غيره، فهو يحفظ جوارحه جميعها عن الوقوع في المحرمات.

    ولذلك -أيها الإخوة- كان هذا هو السر في فتح باب الجنة، وإغلاق باب النار، وتصفيد الشياطين؛ لأن الإنسان يقبل على طاعة ربه.

    ثم ماذا بعد هذا الشهر العظيم الذي ملأ صفحته بالأعمال الصالحة؟!

    ماذا بعد هذا الشهر العظيم الذي ملأ سجلاته بالأعمال الصالحة؟!

    هل استمر على هذه الأعمال أم وقع فيما وقع فيه من تقصير؟!

    يقال: إن امرأةً أصيبت في عقلها، والعقل من أعظم النِّعَم التي أنعم الله عز وجل بها على الإنسان، لا سيما إذا كان يقوده ويستعمله في طاعة الله عز وجل، أما إذا لم يكن قائداً له إلى طاعة الله تعالى فلا خير فيه، فهو وصاحبه كالأنعام كما قال الله عز وجل: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44] ولم تنفعهم عقولهم، وما وصلوا إليه من ابتكاراتٍ أو تقدمٍ، أو رفاهيةٍ في هذه الدنيا؛ لذلك حكى الله عز وجل عنهم ذلك في يوم القيامة أنهم قالوا -أي: الكفار-: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10] لأنهم رزقوا عقولاً لكنهم لم يتفكروا ولم يتدبروا بهذه العقول.

    العقل -أيها الإخوة- من أعظم النعم على الإنسان.

    كانت هذه المرأة التي أصيبت في عقلها في أول نهارها تنتف صُوْفَها وتغزله وتبرمه وتحكم إبرامه، وفي آخر نهارها تنقض هذا الذي أبرمته في أول نهارها، وذلك كل يوم!

    أرأيت لو أنك أقمتَ بناءً عظيماً وشيدته بأحكم تشييد، ثم بعد تمام تشييده أخذت في نقضه لبنةً لبنة، لا يمضي عليك وقت إلا وقد أتيت على آخر هذا البناء!

    الله عز وجل أمرنا في هذا الكتاب العظيم بأوامر عظيمة، هذا الكتاب الذي أعرض عن تدبره كثيرٌ من الناس، بل منهم من لا يعرفه إلا في شهر رمضان -نسأل الله لنا ولهم الهداية- وقد أمرنا بتدبره فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] ويقول عز وجل في الحكمة من إنزاله: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].

    فالله عز وجل أمرنا بأوامر عظيمة في هذا الكتاب، ولو تتبعنا هذه الأوامر في كتاب الله عز وجل لوجدنا أنه ما من صغيرةٍ أو كبيرةٍ فيها نفعٌ لك أيها المسلم في الدنيا والآخرة إلا أُمِرْت بها، وما هناك من شيءٍ فيه ضررٌ عليك في الدنيا والآخرة إلا نُهِيت عنه، ومنه: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً [النحل:92].

    وفي هذا المثال الذي ذُكِر في هذه الآية، أنك -أيها المسلم- بعد هذا الشهر العظيم المبارك الذي بنيت فيه أعمالاً صالحة، وابتَعَدَتْ نفسُك عن السيئات، وعن فعل المحرمات، فما من قولٍ تتلفظ به إلا وتحاسِب نفسك قبل التلفظ به، فإن سابَّك أحدٌ قلتَ: إني صائم، وإن غضبتَ تذكرتَ صيامك، وتسأل عن الصغير والكبير في أحكام الصيام، فهذا يسأل عن شربه بعد سماعه الأذان، وذاك عن احتلامه في نهار رمضان، وذاك عن وضعه دواءً في عينه أو أذنه، وهكذا يسأل الناس عن صيامهم، وعن أمورهم المتعلقة به.

    وأقبلوا على طاعة الله عز وجل، فمَن كان مقصراً في صلاة الفجر حافظ على الصلاة مع الجماعة، ومن كان قاطعاً لرحمه حاول أن يصل رحمه في شهر رمضان، وعلى أقل تقديرٍ في يوم العيد، ومن كان عاقاً لوالديه حرص أن يكون باراً بهما، ومن كان هاجراً لكتاب ربه تبارك وتعالى حرص أن يكون تالياً له في شهر رمضان، فامتلأت سجلاته بالأعمال الصالحة.

    أما أعماله السيئة فمن كان شارباً أو مُدْمناً على شرب الدخان تركه وحاول تقليله، ومن كان يعمل بعض المنكرات ابتعد عنها في شهر رمضان، فسلَكَ طريقاً يوصله بإذن الله عز وجل إلى الجنة، فهل يا ترى استمر على هذا البناء أم صار مثله كمثل تِلْكم المرأة التي تُبْرِم غزلها في أول نهارها وتنقضه في آخر نهارها؟

    الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول في حديثه المعروف المشهور: (الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهن إذا اجتُنِبَت الكبائر).

    1.   

    أسباب مرض الغفلة

    ونحن نقرأ كتاب الله عز وجل، ونردِّد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أصاب النفوس والقلوب خورٌ ووهن، وإلا فكتاب الله عز وجل بيِّن واضحٌ يعرفه المتعلم والأمي، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بيِّنة خاطَبَ بها أمةً أميَّة لا تعرف القراءة ولا الكتابة، فعرَفَتْ أن في هذا الأمر إيجابٌ وفي ذاك النهي تحريم؛ ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأ على صناديد قريش أوائل سورة فصلت، وضع أحدهم يده على فِيِّ الرسول صلى الله عليه وسلم وخاف أن تقع العقوبة بهم كما وقعت على أسلافهم من الأمم؛ لكن يا ترى ما بال القلوب أصيبت بهذه الغفلة؟!

    وأصيبت بهذا النسيان؟!

    يرجع في نظري إلى عدة أمور:

    التعلق بالحياة الدنيا

    الأمر الأول: هو التعلُّق بهذه الحياة الدنيا:

    التعلق بهذه الحياة الدنيا، وجعلها جل الاهتمام، فالمسلم في الوقت الحاضر يحرص على حياته أكثر مِمَّا يحرص على آخرته إلا من رحم الله، واسمعوا جواباً للرسول صلى الله عليه وسلم يغنينا عن هذا كله: (من أصبح وَهَمُّه الدنيا -ماذا يحدث له؟!- جعل الله فقره بين عينيه، ولَمْ يأته من الدنيا إلا ما كُتِب له) -مَن منا أيها الإخوة! أيها الأحباب! لا يَحفظ هذا الحديث؟!- (ومَن أصبح وهمه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة). اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

    ويقول في الحديث الآخر: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً) تذهب في أول النهار جائعة، خالية البطون، وتروح في آخر النهار بطاناً، يعني: ترجع إلى أوكارها وعشوشها بطاناً مليئة البطون.

    ذكر بعض العلماء: أنه رأى في أعلى نخلةٍ حيةً عمياء لا تبصر، وفي كل آخر نهار يأتيها طائرٌ بطعامها، فإذا وصل إلى النخلة رفرف وأصدر صوته ففتحت فاها فوضع ما في فيه في فيها، وقد ذكروا ذلك عند قول الله عز وجل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6].

    فالأمر الأول الذي جعل القلوب تغفل عن الدار الآخرة هو تعلقها بالدنيا، ونحن نعرف الدنيا، فقد ضرب الله عز وجل لنا أمثلة للدنيا في كتابه في عدة آيات: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [الكهف:45].

    وفي الآية الأخرى: حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا [يونس:24] الله أكبر! القرآن واضح -أيها الإخوة- لكن الإنسان إذا تعلق بدنياه، ولم يكن متوكلاً على الله عز وجل في رزقه وَكَلَه الله إلى ما تَوَكَّل عليه. ضَعُف التوكل عند كثيرٍ من الناس! والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] أي: فهو كافيه.

    فاشدد يديك بحبل الله معتصماً     فإنه الركن إن خانتك أركانُ

    فإذا توكلتَ على إنسانٍ ما وَكَلَك الله إلى هذا الإنسان، وإذا توكلت على موردٍ ما من موارد الحياة وَكَلَك الله إلى هذا المورد؛ ولذلك العمل بالأسباب من الأمور الواجبة، أما التوكل عليها، وترك التوكل على الله عز وجل فهذا من الأمور المحظورة.

    أكل الحرام

    الأمر الثاني مما جعل في القلوب صدأً وغفلة، وهو الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس هو: أكل الحرام:

    وأكل الحرام له تأثيرٌ عجيبٌ على القلوب، فهذا الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول في حديثه المشهور، في قصة الرجل الذي يمد يديه إلى السماء أشعث أغبر، وانظروا إلى هذه الحادثة؛ لأن الذي يسافر ويُرى عليه أثر السفر فهو في الغالب مستجاب الدعوة، كما تعرفون في الثلاثة الذين تستجاب دعوتهم أو لا ترد لهم، ومنهم: المسافر، ويقول: (يا رب! يا رب! لكن مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام)، فالإنسان إذا اختلط أكله بحرام متعمداً لأكله، أو غير متنزهٍ، أو غير متورعٍ في أكله، ومشربه، ووظيفته، ومسكنه، إما عن طريق غش، أو عن طريق كذب، أو عن طريق خيانة، أو عن طريق ربا.. كل ذلك يؤثر في قلب ابن آدم؛ ولذلك يقرأ الآيات فلا يتأثر، ويسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتأثر، وقد يتأثر من موعظة لفترةٍ محدودة، وسرعان ما ينتهي تأثره.

    أيها الأحباب: الذي لا يتأثر بالقرآن العظيم وهو كلام الله فبأي كلامٍ يتأثر؟! وبأي موعظةٍ يتأثر وينتفع؟!

    والله عز وجل أخبرنا أن هذا القرآن موعظة، وهدى، وبشرى، ونور للمؤمنين: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22] انشراح الصدر بترديد كلام الله عز وجل، وبتدبره؛ ولذلك لو تدبر كلٌ منا كتاب الله عز وجل، أو ما يسمعه في الصلاة الجهرية من كتاب الله عز وجل، أو ما يذاع في المذياع من كتاب الله عز وجل، أو ما يستمع إليه من الأشرطة المسجل عليها كتاب الله عز وجل وتدبره، لا شك أن في هذا موعظة لقلبه؛ ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يتأثرون بكلام الله عز وجل، يعجب الإنسان من هذا المسلم الذي يقف أمام الله عز وجل في اليوم والليلة خمس مرات وتُتلى عليه مواعظ القرآن، وتتلى عليه أخبار الأمم الماضية ثم لا يتأثر، الله أكبر!

    اعتقاد أن العبادة محصورة في زمان أو مكان محدد

    الأمر الثالث: الذي جعل في القلوب غفلة وعدم تذكر واستمرارية على ما يستمع إليه الإنسان في المسجد أو في الدرس، أو الموعظة، أو من كلام الله عز وجل، وهو: أنه فَهِم أن عبادة الله عز وجل في المسجد فقط، أو بعبارةٍ أخرى: المحافظة على أركان الإسلام الخمسة، فيُقبل على عبادة الله في شهر رمضان، وانظروا إلى الناس في غير شهر رمضان -أيها الإخوة-! أليس رب الشهور واحداً؟!

    أليس الذي أمرك بهذه العبادة وبالابتعاد عن المحرمات في رمضان أمرك بالابتعاد عنها في غير رمضان؟!

    بلى.

    لكن الناس فهموا أن رمضان فيه من العبادة كيت وكيت، أما في غير رمضان فلا، أليس الكرام الكاتبون يكتبون ما تعملون في رمضان وفي غيره؟!

    بلى. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] مِن سِنِّ التكليف والملائكة يرصدون أقوالك وأفعالك، واسمع يا من خبط الشيبُ شعره قول الله عز وجل: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] الشيب، وعلامات الموت، وعلامات الكبر، كم كُتِب عليك من سجلات وأنت تقرأ: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]؟!

    الله أكبر! لو تذكرت هذه الآية وأنت تقدم على الحديث في عرض فلان، هل تستمر في غيبته؟!

    لن تستمر؛ لأنك تعرف قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11].

    من لا يعرف هذه الآيات ولا يعرف معناها؟!

    إنما نحتاج إلى وقوف وتدبر عند هذه الآيات، أنت تعرف أن الملائكة تكتب ما عليك وما عملته في رمضان وفي غير رمضان، أنت تعرف أن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية، لا في رمضان، ولا في غير رمضان، لماذا تبتعد عن السيئة في رمضان، وتقدم عليها في غير رمضان؟

    الصلاة وهي أقرب مثال من شهر رمضان، نجد أن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إذا سمع منادي الله توضأ من بيته، وقد يكون منهكاً متعباً من أعمال دنياه؛ لكنه إجابةً لنداء الله عز وجل يخرج إلى المسجد، فيصلي، ثم بعد خروجه من المسجد قد يقترف بعض السيئات، بل الكبائر، كبائر الذنوب؛ لأن صغائر الذنوب تختلف عن كبائرها، وفي الحديث المتقدم المذكور (إذا اجتنبت الكبائر-).

    فالصلاة تكفر ما بينها وبين الصلاة، فأنت توضأت من بيتك وخرجت منه لا يخرجك إلا الصلاة فبنيت سلماً بالحسنات، ما خطوت خطوة إلا رُفِعْتَ بها حسنة، وحط عنك بها سيئة، فإذا صليت تحية المسجد وقرأت ما شاء الله لك أن تقرأ من القرآن، وصلت عليك الملائكة ووافق تأمينك تأمين الملائكة في الصلاة الجهرية، ثم خرجت من المسجد وقد اكتمل البناء رجعتَ إلى منزلك أو إلى تجارتك فارتكبت كبيرةً من كبائر الذنوب، فصرتَ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً [النحل:92].

    نسأل الله جل وعلا أن يعاملنا بلطفه، وأن يعيننا على أنفسنا، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا.

    ولذلك من لطف الله عز وجل بك -أيها المسلم- هذه الصلوات الخمس: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم) فهذا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    كم يرتكب الإنسان في اليوم من الذنوب سواء صغيرة كانت أو كبيرة؟!

    فقد يغفل عن عينه فتنظر إلى المحرم، وقد يغفل عن لسانه، واللسان هو المهلك الذي قال فيه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: [هذا الذي أوردني المهالك] ويقول فيه رسولنا صلوات الله وسلامه عليه لـمعاذ ، ومن هو معاذ ؟! تعرفون معاذ بن جبل رضي الله عنه، الذي ملأ الدنيا بشهرته وسمعته، أعلم أمة محمد بالحلال والحرام، توفي رضي الله عنه وهو لا يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره، وشهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بحبه، والمرء مع من أحب يقول له: (يا معاذ ! إني أحبك) صلوات الله وسلامه عليه، أوصاه بماذا؟ بعدما أوصاه بعدة وصايا قال له: (يا معاذ ! أمسك عليك هذا -وأخذ لسانه- قال: يا رسول الله! أوإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! -هل سيعاقبنا الله عز وجل بما نتحدث به؟!- قال: ثكلـتك -فقدتك- أمك يا معاذ ! هل يَكُبُّ الناسَ في النار على مناخرهم -أو على وجوههم- إلا حصائدُ ألسنتهم!).

    أقول: كم يتكلم الإنسان بكلمة في اليوم؟!

    الله أكبر! هذه المضغة الصغيرة التي لا تمل ولا تكل من العمل، كم تورد الإنسان في يومه وليلته من المهالك؟!

    ولو حاسبت نفسك -أيها الأخ المستمع- في يومنا هذا الجمعة كم تلفظت بكلمةٍ اليوم؟! كم فيها من الحسنات؟! وكم فيها من السيئات؟!

    أيها الأخ: كم غرست في الجنة من غراس بهذه الجارحة؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! غرس وكنز (سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده)، بل (الشهادة) كم تلفظت بذلك؟! كم ذكرتَ ربك بهذا اللسان؟! كم استغفرت؟!

    ورسولنا صلوات الله وسلامه عليه -تصوروا أيها الإخوة!- يستغفر في مجلسه أكثر من مائة مرة، اللهم صلِّ وسلم عليه.

    وانظر إلى الجانب الآخر! كم يوقعك هذا اللسان في المعاصي؟!

    فهذه كلمة سبٍ خرجت من لسانك، وهذه غيبة في فلان من الناس ولي أمرٍ، أو عالِمٍ، أو داعيةٍ، أو أخٍ، أو تاجرٍ، أو فاسقٍ لا يُظْهِر فسقه، تكلمت في عرضه، أو نميمة، أو قل -وهي المنتشرة في وقتنا-: الكذب، وهذه كذبة بيضاء، وتلك كذبة سوداء، كم يوقعك لسانك فيه من الكبائر؛ فتهدم ما بنيته في صلاتك التي اجتهدت في بنائها وفي إتمامها؟

    1.   

    معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك)

    أيها الأحباب: الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى عبد الله بن عباس رضي الله عنه بحديث كنت أتأمل فيه، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا غلام! فقال ابن عباس : لبيك يا رسول الله! وكان رديفاً له على حمار -اللهم صلِّ وسلم عليه- ثم سكت الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ثم بعد فترة من الزمن قال: يا غليم أو قال: يا غلام! فقال عبد الله بن عباس: لبيك يا رسول الله وسعديك ...) يعني: استجابةً لك بعد استجابة.

    يقول العلماء: إنما فرق بين النداء حتى تشرئب نفسه إلى الاستماع وإلى العمل، ويقبل على توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (... يا غلام! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك ...).

    أيها الإخوة: عشر كلمات في هذا الحديث أوصيكم ونفسي بمراجعتها، نقف عند الكلمة الأولى والوصـية الأولى: (احفظ الله يحفظك) ولا تنسَ قول الله عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] نعم، حفظنا الله عز وجل في شهر رمضان؛ لكن ماذا بعد رمضان؟!

    يروى عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، وتعرفـون سلمان الذي قال فيـه رسولنا صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت)، وأذكر لكم حادثةً لـسلمان رضي الله عنه حتى تعرفوا حرص الصحابة على ألا يعملوا عملاً إلا موافقاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

    في غزوة الخندق في المدينة، وحَفْر الخندق مما أشار به سلمان رضي الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلمان الفارسي من المعمَّرين، قيل: عاش (250) سنة وقيل: أكثر -وقصة إسلامه قصةٌ غريبة عجيبة- تعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم وزَّع الخندق على صحابته، كل أربعين ذراعاً لعشرة من الصحابة يحفرونها، وهذا لكي يحفروا الخندق؛ حتى يكون حصناً على المدينة ، فلما صادف سلمان الفارسي ومن معه صخرةٌ -وفي بعض الروايات: مروة وهي: الصخرة البيضاء الملساء- عجزوا عنها؛ وجدوها أمامهم عند حفر الخندق، وكان بإمكانهم أن يميلوا عنها يمنةً أو يسرة ويستمروا في حفر الخندق، هل عملوا ذلك؟!

    قال سلمان : (قفوا حتى نستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم ونخبره خبرها، فيأمرنا بأمره، إما أن يأمرنا بأن نذهب عنها يمنةً أو يسرة ونستمر في حفر الخندق ، أو أن يأمرنا فيها بأمرٍ غير ذلك، فلما أخبره جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وضربها بالمعول ثلاث ضربات) والقصة طويلة.

    أقول: حِرْص الصحابة رضي الله عنهم على أن يستشيروا ويتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يصدروا عن أمره، سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه يقول -وهو موقع الشاهد-: [إن العبد إذا نادى وكان عبداً صالحاً حافظاً لله عز وجل، تقول الملائكة: يا رب! صوتٌ معروف، فيَشْفَعون له فيُشَفَّعون فيه، أمَّا إذا كان العبدُ لم يحفظ الله عز وجل، ثم دعا الله، قالت الملائكة: صوتٌ غريب، فلا يَشْفَعون ولا يُشَفَّعون فيه] وذلك عند قول الله عز وجل في قصة يونس عليه الصلاة والسلام: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].

    يونس عليه الصلاة والسلام لما اقترعوا في السفينة، وأُلْقي في البحر والتقمه الحوت ماذا عمل؟

    نادى الله عز وجل وهو في قعر البحار في بطن الحوت: أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فالنتيجة مباشرة: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:88] فأُمر الحوت أن ينبذه في العراء.

    أيها الأحباب: إن كان هذا جائزاً بين البشر فلا يكون جائزاً في المعاملة مع الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السماء.

    فالله عز وجل يحفظ من كان حافظاً له بحفظ أوامره واجتناب نواهيه، فكل ما أمر الله عز وجل به كان منفذاً له، وكل ما نهى الله عنه كان مبتعداً عنه.

    وما هي الأوامر؟! وما هي النواهي؟!

    كثيرة؛ ولكنها يسيرة على من يسرها الله عز وجل عليه: (احفظ الله يحفظك) يحفظك في ماذا؟ الله عز وجل يقول: قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الأنبياء:42]؟! من يا ترى؟!

    هو الخالق عز وجل، الذي أسأل الله عز وجل أن يحفظنا جميعاً بحفظه.

    يعقوب عليه الصلاة والسلام يقول: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] لكن لمن؟

    لمن حفظ الله، ونحن في أشد الحاجة إلى الله عز وجل الذي خلقنا، ولا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، إنما عَمَلُنا لأنفسنا، أنت بحاجة إلى أن يحفظك الله في أمور:

    حفظ الله لدين العبد

    الأمر الأول وهو أهمها على الإطلاق: أن يحفظ الله عليك دينك :

    احمدوا الله تعالى على هذه النعمة التي لا تعادلها نعمةٌ من النعم؛ نعمة الإسلام الذي هدانا الله إليه، وضل عنه كثيراً من الناس، أكثر الناس ضلوا عن طريق الهدى وطريق المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والله عز وجل يقول: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ويقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيْلِه [الأنعام:116].

    هذه النعمة التي نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا، مَن حفظ الله في أوامره حفظ الله عليه دينه، وأنت تقول في كل سجدةٍ من سجداتك، وفي كل دعاءٍ من دعائك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، بل كان هذا هو قسم الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن قسمه صلى الله عليه وسلم قالت: (كان أكثر قَسَمه: لا ومقلب القلوب) ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).

    فالإنسان يسأل الله عز وجل أن يثبته على دينه، ولا شك أن من حافظ على الصلاة، والصيام -والشهادتين قبل ذلك- والزكاة، والحج، وحافظ على أركان الإسلام، وأركان الإيمان أن الله لا يخيب رجاءه. فمن حفظ الله حفظه الله.

    حفظ الله لدنيا العبد

    الأمر الثاني: أنت بحاجةٍ إلى أن يحفظ الله عز وجل عليك دنياك :-

    فنحن حفظنا الله عز وجل في رمضان فحرصنا على ألا تفوتنا ركعة، بل حرص كثيرٌ من المسلمين ألا تفوته تكبيرة الإحرام، بل يحرص على ألا تفوته تكبيرة من صلاة التراويح، ويحرص على الدعاء عند الإفطار، ويحرص على الدعاء في آخر الليل، ويحرص على صلاة الوتر، ويحرص على جميع الأمور في شهر رمضان، فحفظ اللهَ، لكن بعد رمضان ضيع اللهَ عز وجل، فلم يكن هناك قيام ليل، بل تأخر كثيرٌ من المسلمين عن الصلاة المفروضة التي هي ثاني أركان الإسلام.

    وأقول أيها الإخوة: الصلاة .. الصلاة ..! لِمَ؟

    لأنها وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته، وقد ورد في بعض الأخبار، ولا ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان.

    أيها الإخوة: هناك من ترك الصلاة مع الجماعة، أو ترك الصلاة في وقتها بعد رمضان، ولو عُمل استفتاء في بيت كلٍ منا لوُجِد أن فيه من لا يصلي الفجر إلا عند استيقاظه وذهابه إلى عمله، أيوجد أم لا يوجد؟!

    هل نقول: هذا حفظ الله عز وجل في أوامره؟!

    لماذا لم تستمر على حفظ الله عز وجل بعد شهر رمضان، والله عز وجل يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103]؟! وجبريل عليه الصلاة والسلام أمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وفي آخره، وقال: (الصلاة بين هذين الوقتين).

    يقال: إن رابعة الطبرانية قالت:

    ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها     إن السفينة لا تجري على اليَبَسِ

    إذا كنتَ تريد أن يحفظ الله عز وجل عليك دينك فاحفظ الله، واستمر على هذه التربية النفسية التي ربيت نفسك عليها في شهر رمضان.

    إذا كنتَ تريد أن يحفظ الله عز وجل عليك دنياك التي بها قوام أمرك، فكن كما كنت في شهر رمضان حافظاً لأوامر الله عز وجل.

    وقد ذُكِر لنا عدة أمثلة في حفظ الدنيا على العبد إذا حفظ الله عز وجل، وأذكر لكم مثالاً واحداً في حفظ الله عز وجل للعبد وهو الرسول صلوات الله وسلامه عليه، القدوة والأسوة الذي أُمِرنا بأن نتأسى به ونقتدي به.

    أما تعرفون أن قريشاً اجتمعوا وأخذوا من كل قبيلةٍ نفراً ليقتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فخرج من بينهم ولم يَرَوْه؟!

    واليهود -عليهم من الله ما يستحقون- كم أرادوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأتيه الخبر من السماء، فيحفظه الله!

    وانظروا إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وما في قصته من العبر.

    وانظروا إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، وما في قصته من العبر.

    كل هذا من كتاب الله عز وجل؛ لكن هل من مُدَّكر؟! هل من متدبر؟! هل من متعظ؟!

    يوسف يُلْقى في قعر الجب وتفتر الحشرات والضفادع عن تسبيح الله عز وجل وهو لا يفتر؛ ولذلك قال يعقوب: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] يُخْرَج من هذه الابتلاءات السبع ويحفظه الله عز وجل منها جميعاً؛ لأنه كان حافظاً لله عز وجل.

    أيها الإخوة: حِفْظُه جل وعلا للعبد إذا حفظ العبدُ ربه، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه.

    أيها المسلم! كنت في رمضان محافظاً على صلاة التراويح، ومحافظاً على الاستغفار في آخر الليل، لِمَ؟

    لأنك تقرأ قول الله عز وجل في صفات أهل الجنة: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] وتقرأ في صفات المؤمنين كما في أواخر سورة الفرقان قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً [الفرقان:64].

    فكنت تحرص على أن تصلي التراويح، وأن يكون لك وردٌ في آخر الليل، وتكثر من السجود، ومن الدعاء والاستغفار، أين أنت بعد رمضان؟!

    أين قيامك في الليل بعد رمضان؟!

    بل أنت بعد رمضان أحوج إلى هذا منك في رمضان، لماذا؟ لأن السيئات والشهوات في غير رمضان أكثر منها في رمضان، فأنت بحاجة إلى تكفير هذه السيئات، وبحاجة إلى إزالتها عن صفحة أعمالك، والله عز وجل يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأتبعِ السيئةَ الحسنة تمحها) ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (إذا أذنب العبد ذنباً، فتوضأ، فصلى لله ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.

    إذاً: نحن بعد رمضان بحاجة إلى عمل الطاعات أكثر منا في رمضان.

    أيها المسلم الذي يبني شهراً ويهدم دهراً، أترضى بهذا المثال أن يكون لك: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً [النحل:92]؟!

    أرأيت لو أن عندك عاملاً يبني لك قصراً وعندك أحد عشر عاملاً يهدمون ما بنى، أيُبْنَى لك قصر؟!

    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قَلَّ).

    حفظ الله لذرية العبد

    الله عز وجل يحفظك إذا حفظته؛ لأنه يحفظ عليك دينك، ويحفظ عليك دنياك، ويحفظ عليك ذريتـك، والله سبحانه وتعالى يقول: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74].

    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ... ومنها: أو ولدٌ صالح يدعو له).

    أيها الأب: هل تحب بعد انتقالك إلى الدار الآخرة أن يكون لك ولد يدعو لك في كل سجدةٍ من سجدات صلاته، فيقول: ربِّ اغفر لي ولوالدي. وما من عملٍ يقوم به هذا الابن الصالح البار إلا ولك به حسنات، فيحج عنك، ويعتمر، ويتصدق عنك، ويُصِل، ويعمل الحسنات، ولك بمثلها؛ لأن (مَن سَنَّ سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) بل قد يكون عالماً فينفع الناس بعلمه، بل قد يكون داعيةً فيدعو الناس إلى دين الله عز وجل فيهتدون على يديه، فيكون لك مثل أجورهم أيها الأب! وأنت قد دُفِنْت في الثرى وأكلك الدود؟!

    أم هل تحب -أيها الأب! نسأل الله أن يجنبنا وإياكم طرق الشقاء، وأن يصلح لنا جميعاً الذرية- أن يكون لك ولدٌ فاسق، فلا يذكرك بخير، وإذا رُئِي في مجتمعه دُعِي عليه؛ من سوء أعماله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولودٍ يولد على الفطرة) أكملوا أيها الآباء! أكملوا أيها الآباء! بعد شهر رمضان إن رآك ولدك تصلي وتحرص على الصلاة اقتدى بك، وإن رآك مواظباً على قراءة القرآن الكريم وتدبره اقتدى بك، وإن رآك حافظاً لسانك عن القيل والقال اقتدى بك.

    ذُكِر لي أن أحد العلماء وهو موجودٌ لا يريد أن يُذْكَر في مجلسه غير القرآن، أو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإذا تكلم أحدٌ بغيبةٍ أو حرامٍ أمره أن يسكت أو يخرج من المجلس، وسواءً كان في درسه، أو في بيته، أو في مسجده.

    فهذا الابن الذي يراك مرتلاً لكتاب الله عز وجل في ذهابك المسجد.. في بيتك.. في غرفتك.. في مجتمعك وجلساتك اقتدى بك؛ لكن إذا رآك محافظاً عليه في رمضان ناسيه بعد رمضان اقتدى بك، فهنا يأتي تربية الأبناء على الطاعة وعلى بناء البيت السليم، أو تربيتهم على ضد ذلك.

    1.   

    وصايا من محب

    أيها الإخوة: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً [النحل:92] وليتنا وليت كثيرٌ من الناس أبرم هذا البناء، وهذا الإحكام في شهر رمضان أيضاً مع ما يحدث فيه من التقصير، ومن فعل المحرمات؛ مجرد أن تغرب الشمس قد يفطر بعض المسلمين على حرام، نسأل الله أن يجنبنا وإياكم طرق الحرام.

    أيها الأحباب: الرسول صلى الله عليه وسلم بشرنا جميعاً، والله عز وجل يقول: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] ولذلك لما جاء الأعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله أن يدله على عملٍ يدخله الجنة، وبيَّن له أنه كبر، وتعددت عليه الطرق، قال: (يا رسول الله! أرأيت إن أقمتُ الصلاة، وصمتُ شهر رمضان، وأخرجت الزكاة، وحججت بيت الله الحرام أأدخل الجنة؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم. فولى الرجل، وقال: والله لا أزيد على هذه ولا أنقص، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أفلح).

    لكن ما هي الصلاة التي تغني عن غيرها؟

    هي في قـول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، وانظر إلى هذه الصفات بنفسها في سورة المعارج، ابتُدِئت بالصلاة الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23] وفي آخرها وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34] نعم؛ لأن الله عز وجل قال: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] لكن أي صلاة؟!

    نجد أن المسلم يصلي ويتعامل بالربا، والربا من أكبر المنكرات والفواحش، يصلي وينظر إلى ما حرم الله عليه، يصلي وقد يكون عاقاً لوالديه، ما نهته هذه الصلاة؛ لأنه لم يحافظ على ركوعها، وسجودها، وخشوعها، وأوقاتها، تراه يصلي؛ لكنه قد ينقرها كنقر الغراب، أو يصلي وقلبه غافلٌ ساهٍ عن ذكر الله عز وجل، أو قد يصلي؛ لكن في غير الجماعة، أو يصلي في غير وقت الصلاة؛ ولذلك لم ينطبق عليه قول الله عز وجل: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34] وفي الآية الأخرى: صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9].

    تقوى الله عز وجل

    أيها الإخوة: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل :-

    ولو صعد الخطيب منبره، وحمد الله وأثنى عليه وقال لمن أمامه: اتقوا الله، لكفى بها موعظة؛ لأنها وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].

    حفظ الله بفعل أمره وترك نهيه

    ثم الوصية الثانية: بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك):-

    احفظوا الله في سركم وعلانيتكم، وخاصة في سرائكم وضرائكم؛ لأن من الناس من إذا أصابته ضراء نكص على عقبيه، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] وقد بين الله عز وجل ذلك في سورة الحج أيضاً فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].

    نسأل الله أن يوفقنا لعمل الطاعة، وأن يثبتنا عليها، وأن يجنبنا طريق المعصية، وأن يصلح لنا النية والذرية.

    تدبر كتاب الله عز وجل

    الوصية الثالثة وهي: تدبر كتاب الله عز وجل:-

    وثق أنه هو العظة والموعظة، بل هو أبلغ المواعظ إذا كنت -أيها المسلم- تصلي الفجر مع الجماعة، وتتدبر ما يُقرأ عليك، وتصلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وتدبرت الآيات في تلك الصلوات فكأنما تسمع إلى خمس محاضرات أو خمس مواعظ، فضلاً عن أنك داومت في شهر رمضان على قراءة القرآن الكريم، والتزمتَ هذا الطريق بأن تستمر على قراءة القرآن الكريم بعد شهر رمضان، فتقرأ في كل يومٍ جزءاً على الأقل، أقول: جزءاً في كل يوم لنختم القرآن في كل شهر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، بل نهانا أن نختمه في أكثر من أربعين، أو أكثر من ثلاثين، بل أمر حَفَظَتَه بتعاهده فقال: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها).

    أقول: تدبر ما تقرأ؛ لأن من الناس من ينظر إلى آخر السورة، أو آخر الجزء متى يصل إليه، ما الفائدة إذا قرأت القرآن في يومين أو ثلاثة أيام ولم تتدبر ما تقرأ؟! فيحذرك عن ترك الصلاة -ومَن المحذر؟! الله عز وجل- ولا تحذر. يحذرك عن قطيعة الرحم، وكأنك لم تؤمر بصلتها، بل يبين لك عقوبة ذلك، وكأنك لم تقرأ في كتاب الله عز وجل ذلك.

    أرأيتم الربا؟! قد تتكلم مع إنسان يتعامل بالربا فترقق قلبه، فيترك الربا؛ لأنه قبل ذلك لم يقرأ قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، لماذا؟ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة:275]، لو تذكرت اليوم الآخر وما يحدث فيه، وعرصاته، وقرأت هذه الآية؛ لكانت زاجراً لك عن هذا الأمر، أنت تقرأ في كتاب الله عز وجل قول الله سبحانه وتعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] فلا شك أنك ستبتعد عن هذه المعصية، وهكذا قُلْ في جميع آيات الكتاب العظيم؛ لأنه أمرٌ أو نهيٌ أو ترغيبٌ أو ترهيبٌ، هذه آيات القرآن العظيم.

    تذكر اليوم الآخر

    الوصية الرابعة بعد هذه الوصايا الثلاث: عليك أن تتذكر اليوم الآخر :-

    وما يحدث فيه من احتياجك إلى حسنةٍ واحدة، أو أن يحط عنك سيئةٌ واحدة، فلا تجد: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:6-8] الله أكبر!يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].

    أيوجد أحدٌ منا لا يفقه هذه الآيات؟! أيوجد أحدٌ منا لا يعرف معاني هذه الآيات؟!

    لا والله؛ لكن القلوب عليها الصدأ من آثار البُعد عن طاعة الله عز وجل، ومن آثار التعلق بالدنيا وشهواتها وما فيها.. مما جعلها تغفل عن هذا الأمر!

    ابن لك بيتاً في الجنة

    الوصية الخامسة: عليك -أيها المسلم- أن تبني لك بيتاً ما دمتَ في الدنيا :-

    أيُّ بيت؟!

    هل يحرص على أن يبني له عمارة من عشرين دوراً، أو أن يقترض فيبني له مسكناً، تقول: لا حرج في ذلك؛ لكن البيت الحقيقي -ما دمتَ في زمن العمل ولا حساب- أن تبني لك بيتاً وتعدد مداخله؛ التي هي الأعمال الصالحة:

    فهذا ابنٌ حَرَصْتَ على تربيته التربية السليمة الصحيحة، حتى تُكْتَب لك الحسنات، وأنت منتقلٌ إلى الله، إلى الدار الآخرة؛ لأن ابنك مقرئٌ لكتاب الله عز وجل، تالٍ له.. ابنك محافظٌ على الصلاة.

    وهذه ابنة ربيتَها التربية الصحيحة، فحرصت على سترها، وعلى تربيتها، حتى زوجتها زوجاً كفئاً.

    وهذا مشروع خيرٍ ساهمتَ في بنائه، وساهمتَ في إنشائه.

    وذاك فقيرٌ أعنتَه وكنتَ ممن يسد حاجته وخلته.

    وذاك يتيمٌ كنتَ ممن يحنو عليه، ويعيد عليه عطف الأبوة.

    وتلك أرملةٌ كنتَ ممن يعطف عليها، وينفق عليها.

    حتى تُكْثِر موارد الخير غير التي حرصت عليها من أركان الإسلام، وأركان الإيمان، حتى إذا قال الله عز وجل وتصوَّرتَ الموقف: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] كنتَ ممن يقول: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:19-20] إلى قول الله عز وجل: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24].

    تذكر زوال الدنيا بمن فيها

    الوصية الأخيرة: تذكروا أن الدنيا زائلةٌ بمن فيها :-

    أين قارون؟! ومَن يملك زكاة ما يملكه قارون؟!

    فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص:81].

    أين فرعون طاغية مصر ؟! وكم عنده من الخدم، والحشم، والجنود، والعتاد؟!

    لكن أغرقه الله عز وجل -كما تعرفون- لما تبع موسى، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضرب البحر، فكان كل فرقٍ كالطود العظيم، اثني عشر طريقاً في البحر، كل سبط من أسباط بني إسرائيل في طريقٍ خاصٍ به، فدخل فرعون ومن معه، فلما اكتملوا أغرقهم الله عز وجل، فلما أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] لكن هل حفظه الله؟

    لا. لأنه لم يحفظ الله عز وجل في أول حياته، وفي أول وقته، فلم يحفظه الله عز وجل.

    فتذكروا أن الدنيا زائلة، وأن حطامها سينتهي، وأنه ليس لك منها إلا ما لبستَ أو أكلتَ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته: (مَن منكم مال مورثه أحب إليه من ماله؟! قال الصحابة رضي الله عنهم: ليس منا أحدٌ إلا وماله أحب إليه من مال مورثه، قال: إن مالك ما أنفقتَ في سبيل الله، أما مال المورث فهو الذي تتركه).

    فإذا تذكرت -أيها المسلم- أن الدنيا منتهية لا شك أن ذلك سيكون دافعاً لك على البناء، والعمل، والاستمرار في عمل الصالحات.

    وخذوا حذركم، وانتهوا عما نهاكم الله عز وجل عنه: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً [النحل:92].

    فلا تعقبوا الطاعة بالمعصية، ولا تهدموا الطاعة بالمعصية، ولا تغيروا الطريق والعيش الهنيء في طاعة الله وعبادته بالطريق المعْوَج والعيش النكد بمعصية الله عز وجل.

    أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلنا من التالين المتدبرين لكتابه.

    كما أسأله عز وجل أن يصلح لنا نياتنا، وذرياتنا، وأن يجمعنا في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في دار كرامته.

    كما أسأله عز وجل أن يختم لنا جميعاً بالحسنى، وأن يعيننا على طاعته، ويثبتنا عليها، وأن يصلح شباب المسلمين، ويهدي ضالهم، ويثبت مطيعهم، إنه على كل شيءٍ قدير.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756482491