الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الوصايا.
باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبي و أبو معاوية (ح)
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا أبو معاوية- قال أبو بكر: وعبد الله بن نمير- عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة قالت: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا شاة ولا بعيراً، ولا أوصى بشيء ).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن مالك بن مغول: ( عن طلحة بن مصرف قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا. قلت: فكيف أمر المسلمين بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله ) ].
لم يوص النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من المال؛ لأن تركة النبي العلم والوحي، وكما جاء في الخبر: ( العلماء ورثة الأنبياء ), فأوصى بكتاب الله؛ لأن هذا هو تركة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يترك النبي عليه الصلاة والسلام ديناراً ولا درهماً, وإنما ترك الوحي والعلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
قال: [ قال مالك: وقال طلحة بن مصرف: قال الهزيل بن شرحبيل: كان أبو بكر يتأمّر على وصيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودّ أبو بكر أنه وجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً، فخزم أنفه بخزام.
حدثنا أحمد بن المقدام قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس بن مالك قال: ( كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة، وهو يغرغر بنفسه: الصلاة، وما ملكت أيمانكم ).
حدثنا سهل بن أبي سهل قال: حدثنا محمد بن فضيل عن مغيرة عن أم موسى عن علي بن أبي طالب قال: ( كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة، وما ملكت أيمانكم ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الحث على الوصية.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عنده ) ].
واختلف في الوصية هل تجب أم لا؟ وكانت واجبةً ابتداءً, ثم خفف في ذلك, ولكن نقول: إنه يقع فيها أكثر من حكم، تجب لمن كان عليه حق, وذلك من دين أو وديعة عنده, فيجب أن يوصي ببيانها وفصل حقوق الناس.
وتستحب وتتأكد إذا كان عند الإنسان خير، فترك مالاً وفيراً, فيتأكد في حقه أن يوصي بشيء من المال لوجوه الخير، وكلما كثر المال تأكدت في حقه الوصية, ويضعف التأكيد في الوصية بقلة مال الإنسان الموجود عنده.
قال: [ حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا درست بن زياد قال: حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المحروم من حرم وصيته ).
حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن يزيد بن عوف عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رءذسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات على وصية مات على سبيل وسنة، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفوراً له ).
حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا روح عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي به، إلا ووصيته مكتوبة عنده ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الحيف في الوصية.
حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من فر من ميراث وارثه، قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة ).
حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام قال: أخبرنا معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
قال أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [النساء:13], إلى قوله: عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14] ).
حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي قال: حدثنا بقية عن أبي حلبس عن خليد بن أبي خليد عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حضرته الوفاة فأوصى، فكانت وصيته على كتاب الله، كانت كفارة لما ترك من زكاته في حياته ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شريك عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! نبئني بأحق الناس مني بحسن الصحبة؟ فقال: نعم وأبيك لتنبأن، أمك, قال: ثم من؟ قال: ثم أمك, قال: ثم من؟ قال: ثم أمك, قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك, قال: نبئني يا رسول الله عن مالي كيف أتصدق فيه؟ قال: نعم والله لتنبأن، تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخاف الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت نفسك هاهنا، قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان، وهو لهم، وإن كرهت ) ].
وفي هذا أن ما يجري على ألسنة الناس مما لا يقصدونه لا يؤاخذون به، وذلك في قوله: ( أما وأبيك لتنبأن ), فهذا نوع من الحلف, ولكنه يجري على ألسنتهم من غير قصد لمعناه.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حريز بن عثمان قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش القرشي قال: ( بزق النبي صلى الله عليه وسلم في كفه، ثم وضع إصبعه السبابة وقال: يقول الله عز وجل: أنى تعجزني ابن آدم وقد خلقتك من مثل هذه، فإذا بلغت نفسك هذه- وأشار إلى حلقه- قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟ ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الوصية بالثلث.
حدثنا هشام بن عمار و الحسين بن الحسن المروزي و سهل قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري: ( عن عامر بن سعد عن أبيه قال: مرضت عام الفتح حتى أشفيت على الموت، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إن لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا, قلت: فالشطر؟ قال: لا, قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء، خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ) ].
وهذا فيه أهمية إلى إغناء التركة, فهو لم يدع إلى بنتاً واحدة, ومع ذلك كان له المال الوفير, فجعل النبي عليه الصلاة والسلام ما يوصي به الثلث, وأوصى بالثلث، ولهذا نقول: إن إغناء الورثة ألا يتكففوا الناس أولى من إغناء غيرهم أو سد حاجة غيرهم بعد الموت.
قال: [ حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم ).
حدثنا صالح بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا مبارك بن حسان عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم! اثنتان لم تكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيباً من مالك حين أخذت بكظمك، لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك، بعد انقضاء أجلك ).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه: ( عن ابن عباس قال: وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث كبير- أو كثير ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب لا وصية لوارث.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم: ( عن عمرو بن خارجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لعابها ليسيل بين كتفيّ، فقال: إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل- أو قال: عدل ولا صرف ).
وهذا دليل على طهارة لعاب بهيمة الأنعام المأكولة, وكذلك سائر مأكول اللحم فلعابه طاهر, وكذلك روثه وبوله، وقد حكى ابن تيمية رحمه الله اتفاق السلف على طهارة بول وروث مأكول اللحم، قال: وذلك لأن هذا أمر تعم به البلوى, في بيوتهم ودورهم وأسواقهم وفي مأكلهم, ومع ذلك بقي الأمر على ما هو عليه إشارة على طهوريته.
قال: [ حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث ).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبي سعيد أنه حدثه: ( عن أنس بن مالك قال: إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل علي لغامها، فسمعته يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الدين قبل الوصية.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية وأنتم تقرءونها: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11], وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلّات ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من مات ولم يوص هل يتصدق عنه.
حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: ( أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص، فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم ).
حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وإني أظنها لو تكلمت لتصدقت، فلها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ فقال: نعم ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب قوله: (ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف).
حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أجد شيئاً وليس لي مال، ولي يتيم له مال، قال صلى الله عليه وسلم: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثل مالاً. قال: وأحسبه قال: ولا تقي مالك بماله ) ].
ويأكل من مال اليتيم بالمعروف إذا كان فقيراً من غير أن يجحف به، وكذلك له أن يتجر بمال اليتيم بما يحسن به المال.
وقد أتجر عمر بن الخطاب بمال يتيم, وأتجرت عائشة عليها رضوان الله تعالى بمال أخيها محمد, وهذا لا خلاف فيه.
وقد نص غير واحد من العلماء على اتفاق الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على الاتجار بمال اليتيم، كما نقله المارودي وغيره.
نقف على هذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر