إسلام ويب

كتاب الصلاة [13]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصلاة أركان لا تصح إلا بها، فمنها: التكبير، وقد اختلف الفقهاء في لفظه فمنهم من تقيد به، ومنهم من أجاز ما يكون في معناه. ودعاء الاستفتاح مما يشرع في الصلاة ووقع الخلاف فيه أيضاً بين موجب له ومستحب له، وبين نفي كونه يشرع. والفاتحة وقع الخلاف فيها من جهتين: كون البسملة منها، وهل هي ركن في الصلاة أم لا؟ وهل تقرأ في جميع الركعات أم لا؟

    1.   

    لفظ التكبير في الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم فصلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد, وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الثانية]: لفظ التكبير.

    [قال مالك ] وأحمد : [لا يجزئ من لفظ التكبير إلا: الله أكبر، وقال الشافعي : الله أكبر، والله الأكبر, اللفظان كلاهما يجزئ، وقال أبو حنيفة : يجزئ من لفظ التكبير كل لفظ في معناه، مثل: الله الأعظم، والله الأجل].

    سبب اختلاف العلماء في لفظ التكبير في الصلاة

    قال رحمه الله: [وسبب اختلافهم: هل اللفظ هو المتعهد به في الافتتاح أو المعنى].

    يعني: هل تعبدنا الله بهذا اللفظ أو تعبدنا بمعناه؟

    [ وقد استدل المالكيون، والشافعيون والحنابلة بقوله عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ), قالوا:، والألف واللام هنا للحصر].

    يعني: أنه لا يحل إلا التكبير.

    [والحصر يدل على أن الحكم خاص بالمنطوق به].

    وهو التكبير.

    [وأنه لا يجوز بغيره، وليس يوافقهم أبو حنيفة على هذا الأصل، فإن هذا المفهوم عنده من باب دليل الخطاب، وهو أن يحكم للمسكوت عنه بضد حكم المنطوق به، ودليل الخطاب عند أبي حنيفة غير معمول به].

    يقول: إن قول الأئمة الثلاثة: (تحريمهما التكبير) مفهوم المخالفة أن غير التكبير لا يجوز, فقال أبو حنيفة : أنا لا أعمل بمفهوم المخالفة, فأقول: يجوز دخول الصلاة بغير التكبير.

    الراجح في لفظ التكبير في الصلاة

    والراجح: ما قاله الأئمة الثلاثة: من تعين لفظ التكبير, وأن دليل الخطاب معمول به, بل إن منطوق الأدلة، كحديث المسيء صلاته, وحديث: ( تحريمها التكبير ), يدل دلالة منطوق على وجوب لفظ التكبير, فنحن لو تأملنا في قوله: (وتحريمها التكبير), وحديث المسيء صلاته وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) تبين أن الدلالة دلالة منطوق على أنه يتلفظ بالتكبير, وليس دلالة مفهوم, بل يفهم منه بدلالة منطوق تعيين هذا اللفظ.

    1.   

    حكم دعاء الاستفتاح

    المسألة الثالثة: دعاء الافتتاح أو دعاء التوجه.

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الثالثة: ذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلاة واجب]. ولم يعينهم, وهم أهل الظاهر.

    [وهو أن يقول بعد التكبير: إما: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ), وهو مذهب الشافعي].

    مذهب الشافعي أي القول بهذا التوجه, لا القول بوجوب الافتتاح حتى لا يحصل الوهم.

    [ وإما أن يسبح، وهو مذهب أبي حنيفة ] وأحمد ، يعني: يسبح في دعاء التوجه.

    [ وإما أن يجمع بينهما ]، يجمع بينما قاله الشافعي والتسبيح، [وهو مذهب أبي يوسف صاحبه] أي: صاحب أبي حنيفة , وقال شيخنا في صفة الصلاة: هو من المخير، ولا يجمع بين دعاءين.

    أي: له أن يختار أي دعاء شاء لكن لا يجمع بين أكثر من دعاء.

    [وقال مالك : ليس التوجيه بواجب في الصلاة ولا بسنة]، فإذا قال: الله أكبر قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2], وشرع في الفاتحة, بغير بسملة.

    سبب اختلاف العلماء في حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة

    قال رحمه الله: [وسبب الاختلاف: معارضة الآثار الواردة بالتوجيه للعمل عند مالك].

    لأن مالكاً يرى أن عمل أهل المدينة إجماع، وهم لا يقولون دعاء التوجيه.

    [أو الاختلاف في صحة الآثار الواردة في ذلك, قال القاضي].

    يعني: المؤلف:[ قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة، قال: فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ( أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد )].

    فهذا دليل على أنه ثابت, وكذلك: ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ), ثابت في صحيح مسلم .

    1.   

    السكتات في الصلاة

    أقوال العلماء في السكتات في الصلاة

    قال رحمه الله: [وقد ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلاة].

    هذه المسألة أدخلت في المسألة الثانية فهي مسألة جديدة.

    [ منها: حين يكبر ].

    يعني: يسكت لدعاء الاستفتاح.

    [ ومنها: حين يفرغ من قراءة أم القرآن ].

    يسكت ليقرأ المأمومون الفاتحة.

    [وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع].

    فتكون السكتات ثلاثاً.

    [وممن قال بهذا القول الشافعي ، و أبو ثور ، و الأوزاعي] و أحمد ، [وأنكر ذلك مالك وأصحابه، و أبو حنيفة ، وأصحابه].

    فقالوا: ليست هناك سكتات ثلاث, وإن كان أبو حنيفة يقول بالسكتة التي يقع فيها الاستفتاح؛ كما مر أنه يقول: بدعاء الاستفتاح.

    سبب اختلاف العلماء في السكتات في الصلاة

    قال رحمه الله: [وسبب اختلافهم: اختلافهم في تصحيح حديث أبي هريرة ] ومن حديث سمرة أخرجه أبو داود وهو حديث ضعيف.

    [أنه قال: (كانت له عليه الصلاة والسلام سكتات في صلاته: حين يكبر ويفتتح الصلاة، وحين يقرأ فاتحة الكتاب، وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع) ].

    سكتات ثلاث, كانت له في صلاته صلى الله عليه وسلم حين يكبر ويفتتح الصلاة، واحدة, وحين يقرأ الفاتحة, اثنتين, وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع ثلاث, وهذه الحديث ضعيف.

    صحح شيخنا السكتة بين القراءة والركوع, وضعف ما عداها في الإرواء (2/287) لكن قوله: (ضعف ما عداها) يعني: أنه لا يضعف السكتة للافتتاح, ولكنه لا يعتبرها سكتة؛ لأنها محل قراءة.

    قال الشيخ: سكتة لطيفة يراجع نفسه بعد القراءة قبل الركوع, هكذا قال.

    1.   

    قراءة البسملة في الصلاة قبل الفاتحة

    أقوال العلماء في قراءة البسملة في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [اختلفوا في قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، في افتتاح القراءة في الصلاة، فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة جهراً كانت أو سراً، لا في استفتاح أم القرآن، ولا في غيرها من السور، وأجاز ذلك في النافلة]، وقال أبو حنيفة ، و الثوري ، و أحمد يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سراً، وقال الشافعي : يقرؤها ولا بد في الجهر جهراً، وفي السر سراً، وهي عنده آية من الفاتحة ، وبه قال أحمد ].

    أي: قال: بأنها آية من الفاتحة وليس المقصود قال بالجهر؛ لأنه قد مر كلامه.

    أبو ثور ، و أبو عبيد .

    واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة؟ أم إنما هي آية من سورة النمل فقط، ومن فاتحة الكتاب؟ فروي عنه القولان جميعاً].

    أما سورة النمل فبالإجماع أنها جزء من آية.

    سبب اختلاف العلماء في قراءة البسملة في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [وسبب الخلاف في هذا آيل إلى شيئين:

    أحدهما: اختلاف الآثار في هذا الباب.

    والثاني: اختلافهم: هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم لا؟

    فأما الآثار التي احتج بها من أسقط ذلك، فمنها حديث ابن مغفل ].

    وهو ضعيف, أخرجه أحمد و الترمذي وهو حديث ضعيف.

    [ قال: (سمعني أبي وأنا أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: يا بني! إياك والحدث، فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر ، فلم أسمع رجلاً منهم يقرؤها) ].

    والحديث ضعيف, وعلى فرض صحته فنؤوله: بأن ولده كان يجهر بها فأنكر عليه الجهر؛ لأنه قال: سمعني.

    [قال أبو عمرو بن عبد البر : ابن مغفل رجل مجهول]، يعني: ابنه.

    [ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال: قمت وراء أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم فكلهم كان لا يقرأ ببسم الله إذا افتتحوا الصلاة, قال أبو عمرو : وفي بعض الروايات أنه قال: خلف النبي صلى الله عليه وسلم] حصرها على النبي صلى الله عليه وسلم، [فكان لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم, قال أبو عمرو : إلا أن أهل الحديث قالوا في حديث أنس هذا: إن النقل فيه مضطرب اضطراباً لا تقوم به حجة].

    وهذا الحديث مما مثلوا به للحديث المضطرب؛ لأنه قال في بعض الروايات: (كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله), وفي لفظ: (لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم, لا في أولها ولا في آخرها), وفي بعض الروايات: (سُئل فقال: نسيت لا أدري) ولكن نقول في قوله: (يفتتحون الصلاة بالحمد لله), معناه بسورة: (الحمد لله), جمعاً بين الأدلة, وأن الرواة تصرفوا فيه فقالوا: (لا يقرءون: بسم الله الرحمن الرحيم, لا في أولها ولا في آخرها).

    [وذلك أنه مرة روي عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة لم يرفعه، ومنهم من يذكر عثمان].

    يعني: أبي بكر و عمر و عثمان .

    [ومنهم من لا يذكره، ومنهم من يقول: (فكانوا يقرءون ببسم الله الرحمن الرحيم)، ومنهم من يقول: (فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم)، ومنهم من يقول: (فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم) ].

    فالخلاصة الحديث مضطرب, فلا نقيم به حجة لا إثباتاً ولا نفياً, وهذا كحديث ابن مغفل ضعيف.

    إذاً: هذان الحديثان لا تقوم بهما حجة.

    [وأما الأحاديث المعارضة لهذا، فمنها حديث نعيم بن عبد الله المجمر].

    أخرجه النسائي و الطحاوي في شرح معاني الآفاق, وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي , والخلاصة أن الحديث صحيح.

    [ قال: (صليت خلف أبي هريرة ، فقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن، وقبل السورة، وكبر في الخفض والرفع، وقال: أنا أشبهكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم), ومنها حديث ابن عباس ] وهو حديث ابن عباس أخرجه البزار إلا أنه حديث ضعيف.

    [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم].

    وضعفه يتوجه إلى الجهر لا إلى البسملة.

    [ومنها حديث أم سلمة ].

    وحديث أم سلمة أخرجه الإمام أحمد و أبو داود وهو حديث صحيح, وقد صححه الألباني في صحيح أبي داود .

    [ أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: ببسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين), فاختلاف هذه الآثار أحد ما أوجب اختلافهم في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة.

    السبب الثاني كما قلنا هو: هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من أم الكتاب وحدها أو من كل سورة، أم ليست آية لا من أم الكتاب ولا من كل سورة؟ فمن رأى أنها آية من أم الكتاب أوجب قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلاة، ومن رأى أنها آية من أول كل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة، وهذه المسألة قد كثر الاختلاف فيها، والمسألة محتملة ]. يعني: محتملة للوجهين.

    [ ولكن من أعجب ما وقع في هذه المسألة أنهم يقولون: ومما اختلف فيه هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير سورة النمل؟ أم إنما هي آية من القرآن في سورة النمل فقط؟ ويحكون على جهة الرد على الشافعي أنها لو كانت من القرآن في غير سورة النمل لبينه ].

    يقول: لو كانت من القرآن لبينها الرسول صلى الله عليه وسلم, ولكن سكت، ونحن نقول: هل هناك بيان أكثر من القراءة بها؟ وهل كان يقول في كل سورة هذه الآية من القرآن؟ ما كان يقول في كل سورة هذه الآية من القرآن.

    [لأن القرآن نقل تواتراً، هذا الذي قاله القاضي في الرد على الشافعي وظن أنه قاطع، وأما أبو حامد فانتصر لهذا بأن قال: إنه أيضاً لو كانت من غير القرآن لوجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك].

    عكس القضية؛ لأنه يقول لهم: اكتبوها! ويقرؤها ولا يبين ذلك.

    [وهذا كله تخبط وشيء غير مفهوم؛ فإنه كيف يجوز في الآية الواحدة بعينها أن يقول فيها.

    إنها من القرآن في موضع، وإنها ليست من القرآن في موضع آخر، بل يقال: إن بسم الله الرحمن الرحيم قد ثبت أنها من القرآن حيثما ذكرت]. وذكرت في كل السور ما عدا سورة براءة.

    [وأنها آية من سورة النمل، وهل هي آية من سورة أم القرآن ومن كل سورة يستفتح بها؟ مختلف فيه، والمسألة محتملة، وذلك أنها في سائر السور فاتحة، وهي جزء من سورة النمل، فتأمل هذا فإنه بين، والله أعلم].

    1.   

    القول الراجح في كون البسملة آية من الفاتحة أم لا

    الراجح أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة, يدل على ذلك ما يأتي:

    الأول: إجماع الصحابة على إثباتها في المصحف في أول السور سوى براءة، فلو لم تكن قرآناً لما استجازوا إثباتها بخط المصحف, من غير تمييز؛ لأن ذلك يحمل على اعتقاد أنها قرآن, فيكونون مغررين بالمسلمين، حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآناً, فهذا مما لا يجوز اعتقاده في الصحابة.

    الثاني: تواتر القراءة بها عند افتتاح السورة, فقد أجمع القراء العشرة على الجهر بها عند ابتداء افتتاح السورة, إذا ابتدأوا سورة يجهرون بها.

    الثالثة: ما ورواه أبو هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قرأتم الحمد لله, فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم, إنها أم القرآن, وأم الكتاب, والسبع المثاني, وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ), رواه الدارقطني و البيهقي و الديلمي , وصححه شيخنا في صحيح الجامع رقم (749), وفي السلسلة الصحيحة رقم (1183).

    وما أخرجه مسلم عن أنس قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفا إغفاءً، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله! قال: نزلت عليّ سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]).

    فهذا يدل على أنها آية من: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ [الكوثر:1].

    وبعد ذلك رأينا كلاماً للشوكاني يدلل فيه على أنها آية, ويدلل على أنه يجهر بها, فاستحسنا كتابة كلام الشوكاني , فقال الشوكاني في وبل الغمام (1/272): والحاصل أن الحق ثبوت قراءتها, وأنها آية من كل سورة, وأنها تُقرأ في الصلاة جهراً في الجهرية, وسراً في السرية, وأحاديث عدم سماع جهره صلى الله عليه وسلم بها وإن كانت صحيحة, فالجمع بينها وبين أحاديث الجهر: بأن يحمل نفي من نفى على أنه عرض له مانع عن سماعها, فإن وقت قراءة الإمام لها وقت اشتغال المُؤتم بالدخول في الصلاة والإحرام والتوجه والتكبير.

    ورواة الإسرار هم: أنس و عبد الله بن مغفل , وهم إذ ذاك من صغار الصحابة, قد لا يقفون في الصفوف المتقدمة؛ لأنها موقف كبار الصحابة, كما ورد الدليل بذلك, وعلى كل تقدير فالمثبت مقدم على النافي, وأحاديث الجهر وإن كانت غير سليمة من مقال، فهي قد بلغت في الكثرة إلى حد يشهد بعضه لبعض, مع كونها معتضدة بالرسم في المصاحف.

    وهو دليل علمي كما قال العضد وغيره: فقد رافقت سائر الآيات القرآنية في ذلك, فالظاهر مع من قال بأن صفتها وصفة سائر الآيات متفقة, انتهى كلام الشوكاني .

    1.   

    قراءة القرآن في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الخامسة: قراءة القرآن.

    اتفق العلماء على أنه لا تجوز صلاة بغير قراءة لا عمداً ولا سهواً].

    حتى لو كان سهواً فيجبر القراءة بركعة.

    [إلا شيئاً روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى، فنسي القراءة، فقيل له في ذلك، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ فقيل: حسن، فقال: لا بأس إذاً، وهو حديث غريب عندهم، أدخله مالك في موطئه في بعض الروايات، وإلا شيئاً روي عن ابن عباس أنه قال: (لا يقرأ في صلاة السر، وأنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلوات، وسكت في أخرى)] أخرجه البخاري في صحيحه, يعني: سكت, هل معنى سكت ما قرأ أصلاً.

    [(فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت، وسئل هل في الظهر، والعصر قراءة؟ فقال: لا)].

    أقول: يحمل أن السكوت في حديث ابن عباس نفي الجهر بالقراءة, ويدل على ذلك حديث خباب الآتي، [وأخذ الجمهور بحديث خباب]، الذي أخرجه البخاري .

    [(أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر، قيل: فبأي شيء كنتم تعرفون ذلك؟ قال: باضطراب لحيته)].

    [وتعلق الكوفيون بحديث ابن عباس في ترك وجوب القراءة في الركعتين الأخيرتين].

    والكوفيون منهم أبو حنيفة قالوا: تجب القراءة في الركعتين الأوليتين فقط, أي: الجهرية.

    [من الصلاة؛ لاستواء صلاة الجهر والسر في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين الركعتين].

    إذاً الواجب القراءة في الصلاة.

    القراءة الواجبة في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [واختلفوا في القراءة الواجبة في الصلاة، فرأى بعضهم أن الواجب من ذلك أم القرآن لمن حفظها]، يعني الفاتحة.

    [وأن ما عداها ليس فيه توقيت]، ومن هؤلاء من أوجبها في كل ركعة، ومنهم من أوجبها في أكثر الصلاة، ومنهم من أوجبها في نصف الصلاة، ومنهم من أوجبها في كل ركعة من الصلاة، وبالأول قال الشافعي ] و أحمد ، [وهي أشهر الروايات عن مالك ، وقد روي عنه أنه إن قرأها في ركعتين من الرباعية أجزأته، وأما من رأى أنها تجزئ في ركعة، فمنهم الحسن البصري وكثير من فقهاء البصرة. وأما أبو حنيفة : فالواجب عنده إنما هو قراءة القرآن أي آية اتفقت أن تقرأ، وحد أصحابه في ذلك ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، مثل: آية الدين، وهذا في الركعتين الأوليين، وأما في الأخيرتين، فيستحب عنده التسبيح فيهما دون القراءة، وبه قال الكوفيون. والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها].

    الجمهور الذين يقولون: تقرأ في بعضها، وأما الشافعي فتجب القراءة فيها كلها.

    سبب اختلاف العلماء في القدر الواجب من القراءة في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [والسبب في هذا الاختلاف: تعارض الآثار في هذا الباب، ومعارضة ظاهر الكتاب للآثار، أما الآثار المتعارضة في ذلك، فأحدها حديث أبي هريرة الثابت] الذي أخرجه البخاري [ (أن رجلاً دخل المسجد فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى، ثم جاء فسلم فأمره بالرجوع، فعل ذلك ثلاث مرات، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )].

    فقالت الحنفية: إنه يقرأ ما تيسر, لكن يرد عليه: ( ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ), فإنهم قالوا: يسن فيها التسبيح، وهذا رد عليهم.

    [ وأما المعارض لهذا فحديثان ثابتان متفق عليهما: أحدهما: حديث عبادة بن الصامت ] الذي أخرجه البخاري ومسلم [ أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )].فهذا نص، [ وحديث أبي هريرة ] الذي أخرجه مسلم .

    [ أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج ثلاثاً ), وحديث أبي هريرة المتقدم ظاهره أنه يجزئ من القرآن في الصلاة ما تيسر من القرآن.

    وحديث عبادة وحديث أبي هريرة الثاني يقتضيان أن أم القرآن شرط في الصلاة، وظاهر قوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20], يعضد حديث أبي هريرة المتقدم، والعلماء مختلفون في هذه المسألة: إما أن يكونوا ذهبوا في تأويل هذه الأحاديث مذهب الجمع.

    وإما أن يكونوا ذهبوا مذهب الترجيح، وعلى كلا القولين يتصور هذا المعنى] الجمع والترجيح.

    [ وذلك أنه من ذهب مذهب من أوجب قراءة ما تيسر من القرآن له أن يقول هذا أرجح; لأن ظاهر الكتاب يوافقه ].

    فهذا مذهب الترجيح.

    [ وله أن يقول على طريق الجمع إنه يمكن أن يكون حديث عبادة المقصود به نفي الكمال، لا نفي الإجزاء، وحديث أبي هريرة المقصود منه الإعلام بالمجزئ من القراءة ].

    يعني: قوله: ما تيسر لك.

    [ إذا كان المقصود منه تعليم فرائض الصلاة.

    ولأولئك أيضاً أن يذهبوا هذين المذهبين بأن يقولوا: هذه الأحاديث أوضح; لأنها أكثر]، وقد نصت على قراءة الفاتحة.

    [وأيضاً فإن حديث أبي هريرة المشهور يعضده] يعضد قوله من قالوا: بوجوب قراءة الفاتحة.

    [ وهو الحديث الذي فيه يقول الله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: نصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، يقول: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي ..) الحديث].

    فهذا يدل على أن المراجعة في الفاتحة.

    [ ولهم أن يقولوا أيضاً ] أي: القائلون بوجوب الفاتحة، [ إن قوله عليه الصلاة والسلام: ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ), مبهم ]، يقصدون (ما تيسر) [ والأحاديث الآخرة معينة، والمعين يقضي على المبهم، وهذا فيه عسر، فإن معنى (ما) هنا إنما هو معنى أي شيء تيسر وإنما يسوغ هذا إن دلت (ما) في كلام العرب على ما تدله عليه لام العهد فيكون معنى ما تيسر معك من القرآن) الفاتحة .

    [ فكان يكون تقدير الكلام: اقرأ الذي تيسر معك من القرآن ويكون المفهوم منه أم الكتاب].

    لأنه هو المتيسر, وأول ما يحفظ الإنسان الفاتحة، ما يحفظ نصف القرآن.

    [ إن كانت الألف واللام في (الذي) تدل على العهد، وينبغي أن يتأمل في كلام العرب، فإن وجدت العرب تفعل هذا (أعني تتجوز في موطن ما) فتدل (ما) على شيء معين فليسغ هذا التأويل ].

    أنها تدل على ما تدل عليه أل.

    [ وإلا فلا وجه له، فالمسألة كما ترى محتملة، وإنما كان يرتفع الاحتمال لو ثبت النسخ ].

    لو ثبت نسخ, (ما تيسر) إذاً: خرجنا منه بغير ترجيح للمسألة وأنها محتملة.

    قراءة الفاتحة في ركعات الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما الاختلاف من أوجب أم الكتاب في الصلاة في كل ركعة أو في بعض الصلاة, فسببه احتمال عودة الضمير الذي في قوله عليه الصلاة والسلام: (لم يقرأ فيها بأم القرآن ), على كل جزء الصلاة أو على بعضها؛ وذلك أن من قرأ في الكل منها أو في الجزء. أعني: في ركعة أو ركعتين، لم يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: ( لم يقرأ فيها )، وهذا الاحتمال بعينه هو الذي أصار أبا حنيفة إلى أن يترك القراءة أيضاً في بعض الصلاة: (أعني: في الركعتين الأخيرتين)، واختار مالك أن يقرأ في الركعتين الأوليين من الرباعية بالحمد لله وسورة، وفي الأخيرتين بالحمد لله فقط، فاختار الشافعي أن تقرأ في الأربع من الظهر بالحمد لله وسورة ]؛ لأنه ورد نص في هذا.

    [ إلا أن السورة التي تقرأ في الأوليين تكون أطول، وذهب مالك إلى حديث أبي قتادة الثابت] الذي أخرجه البخاري و مسلم [أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين منها بفاتحة الكتاب فقط ]، فهذا نص لـمالك .

    [ وذهب الشافعي إلى ظاهر حديث أبي سعيد الثابت ]، الذي أخرجه الإمام مسلم [ (أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الأخيرتين قدر خمس عشرة آية) ].

    منها سبع فاتحة الكتاب, وإحدى وعشرون السورة, ويقرأ في الركعتين الأخيرتين خمس عشرة آية, منها سبع فاتحة الكتاب وسبع سورة, إذاً هذا مذهب الشافعي يقول: إنه يقرأ في الظهر فقط, في الأربع الركعات الفاتحة وسورة, إلا أنها تكون قصيرة في الركعتين الأخيرتين, ومعه حديث أبي سعيد .

    [ ولم يختلفوا في العصر ].

    يعني: مالكاً و الشافعي لم يختلفوا في العصر, أي فتكون القراءة في الركعتين الأوليين الفاتحة وسورة, وفي الأخيرتين الفاتحة فقط.

    [لاتفاق الحديثين فيها؛ وذلك أن في حديث أبي سعيد هذا: (أنه كان يقرأ في الأوليين من العصر قدر خمس عشرة آية، وفي الأخيريين قدر النصف من ذلك) ].

    القول الراجح في قراءة الفاتحة في الصلاة

    الراجح أنه تتعين قراءة الفاتحة في كل ركعة ولا تجزئ صلاة بدونها, وذلك في حق المنفرد والإمام والمؤتم, حتى الأدلة على ما نقول أما تعيينها دون غيرها فيدل على ذلك حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه: ( لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بأم الكتاب ), قال ابن الأمير : هو دليل على نفي الصلاة الشرعية, إذا لم يقرأ فيها المصلي بالفاتحة؛ لأن الصلاة مركبة من أقوال وأفعال، والمركب ينتفي بانتفاء جميع أجزائه أو بانتفاء بعضه, وفي رواية لـابن حبان على شرط الشيخين: ( لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ), قالوا: يمكن أن يكون المعنى لا صلاة كاملة، لكن هل يمكن هذا التأويل في هذه الرواية رواية ابن حبان .

    وفي روايةٍ لـابن حبان على شرط الشيخين: ( لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ), وفيه دلالة على أن النفي متوجه إلى الإجزاء, وهو كالنفي للذات؛ لأن ما لا يجزئ فليس بصلاة شرعية, إذاً: هذا الكلام يدل على أن الفاتحة تتعين, ولا سيما حديث: ( لا تجزئ صلاة ) فإنه لا يحتمل التأويل.

    وأما كونها تجب في كل ركعة فيدل على ذلك ما ورد في حديث المسيء صلاته, عند ابن حبان و البيهقي و أحمد بسند صحيح: ( ثم اصنع ذلك في كل ركعة ).

    وأما أنها تجب في حق المنفرد فظاهر, ولا يحتاج للأدلة.

    وأما كونها تجب على المأموم في السرية والجهرية خلف الإمام, فيدل عليه ما ورد في رواية عند أحمد و أبي داود و الترمذي : ( لعلكم تقرءون خلف إمامكم, قلنا: نعم, قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب, فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ), والحديث صحيح, وفيه دليل على إيجاب قراءة الفاتحة خلف الإمام تخصيصاً.

    وأما قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204], وحديث مسلم : ( وإذا قرأنا فأنصتوا ), فإن هذه عمومات في الفاتحة وغيرها, وحديث عبادة خاص بالفاتحة الذي رواه أبو داود , فيخص به العام، ويزيد ذلك إيضاحاً ما أخرجه أبو داود من حديث عبادة : (أنه صلى خلف أبي نعيم , و أبو نعيم يجهر بالقراءة فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن, فلما انصرف من الصلاة قال لـعبادة بعض من سمعه يقرأ: سمعتك تقرأ بأم القرآن و أبو نعيم يجهر؟ فقال: أجل، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة, فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ أقبل علينا بوجهه، فقال: هل تقرءون إذا جهرت بالقرآن, قال بعضنا: نعم نصنع ذلك, قال: فلا، وأنا أقول مالي أنازع القرآن, فلا تقرءوا بشيء إذا جهرت إلا بأم القرآن ), فهذا عبادة راوي الحديث قرأ بها خلف الإمام فيما جهر به؛ لأنه فهم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يقرأ بها خلف الإمام فيما جهر به, وسياق الحديث يدل على أن المنازعة من الصحابة كانت بغير الفاتحة؛ لأن قوله: (ما لي أنازع القرآن), أي: في غير الفاتحة؛ لأنه عندما يقرأ الفاتحة هم يستمعون وبعد ما يشرع في السورة هم يقرءون وأنا قد سمعت المنازعة من بعض الناس, ولا سيما في صلاة التراويح؛ لأنهم يستحسنون قراءة الإمام فيتابعونه في قراءته ويرددون بعده ما يقرأ، فهذه هي المنازعة.

    وسياق الحديث يدل على أن المنازعة من الصحابة كانت بغير الفاتحة, أي أنهم يشاركونه في نفس ما يقرأه, فنهوا عن ذلك, انظر السيل الجرار (1/263).

    سبحانك اللهم وبحمدك, نشهد أن لا إله إلا أنت, نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756193620