إسلام ويب

شرح الأجرومية [5]للشيخ : عبد العزيز بن علي الحربي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المنصوبات هي أكثر أبواب النحو عدداً، وفيها المفاعيل، كالمفعول به وهو: من وقع عليه الفعل، وكذلك المفعول فيه وهو: الظرف وغيرها، ومنها الحال الذي يبين الهيئة، والتمييز الذي يبين الذات، والمستثنى وغيرها من المنصوبات. ومن أبواب النحو كذلك المخفوضات، وهي ثلاثة أنواع، مخفوضات بالحرف، ومخفوضات بالإضافة، ومخفوضات بالتبعية.

    1.   

    طريقة دراسة علم النحو

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

    بالنسبة لهذه الأشياء المفصلة المجدولة الميسرة، من رأى أنه يستفيد منها فلينتفع بها، على أن النحو بالذات وغيره من العلوم الأصيلة إذا يسرت تيسيراً بهذه الطريقة، وبرسوم وخطوط وشجرة وتفصيلات وكذا يستطيع بعد ذلك الإنسان أن يفهم ولكن لا يكون عنده محصلة، ولا يحفظ، وهذا علم يحتاج إلى فهم وحفظ؛ فالأحسن أن يدرس الكتب الميسرة التي هي على طريقة الأوائل، ووجدنا من يدرس بهذه الطريقة قد يحصل له ما يريد من فهم، ولكنه لا يكون متعمقاً كمن درس بالطريقة القديمة.

    نحن اليوم سوف نكمل الكتاب إن شاء الله، ونتكلم على المنصوبات والمخفوضات بإيجاز، على طريقة رجل استضافه جماعة من البخلاء وقدموا له الطعام، ولم يريدوا أن يأكله كله، وأرادوا أن يشاغلوه بشيء؛ فقالوا له حينما قدموا له الطعام: حدثنا عن قصة يوسف! ولكنه كان رجلاً فطناً وكيساً، وفهم ما يريدون فقال لهم: هو - أي يعقوب - رجل فقد ولده فوجده، باسم الله. وبدأ وأكل الطعام كله!

    فنحن سوف نلخص ما بقي من الكتاب على طريقة رجل فقد ولده فوجده.

    1.   

    المنصوبات من الأسماء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المنصوبات من الأسماء: المنصوبات خمسة عشر، وهي: المفعول به، والمصدر، وظرف المكان، والزمان، والحال، والتمييز، والمستثنى، واسم لا، والمنادى، والمفعول من أجله، والمفعول معه، وخبر كان وأخواتها..]، مضبوط عندكم بالضم، الصحيح: (واسم إن وأخواتِها) بالكسر، يعني: اسم إن واسم أخواتها، وخبر كان وخبر أخواتها، [والتابع للمنصوب، وهو أربعة أشياء: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل ]، هذه خمسة عشر شيئاً.

    هذه المنصوبات في الغالب هي من الأشياء التي ليست ركناً في الجملة، وإنما هي فضلة، يسمونها فضلة في الغالب وليس الجميع؛ لأن عندنا اسم إن وخبر كان، هذا ركن في الجملة، لكن المفاعيل هذه ليست ركنًا في الجملة؛ لأنه عندما تقول: ضرب زيدٌ عمرواً، يستقيم الكلام بضرب زيد، وكذلك: جاء زيد ضاحكاً، أصل الكلام: جاء زيد، و ضاحكاً هذا حال، وهو أمر جائز.

    المفعول به

    هنا بدأ المصنف رحمه الله بالمفعول به، وبالمثال يتضح المقال:

    المفعول به هو من أيسر هذه المنصوبات، وهو أيضاً من أكثرها وروداً، واستعمالاً؛ لأن كثيراً من الأفعال يحتاج إلى مفعول به، وأحياناً يحتاج إلى مفعولين - كما علمتم - وأحياناً يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل، وليس هنالك أكثر من هذا، فمثلاً: ضرب و أكل و شرب، هذه كلها تحتاج إلى مفعول، بخلاف مثلاً: قام، هل تستطيع أن تأتي بمفعول لـ(قام) و قعد، ما تستطيع، كذلك مثلاً: طهُر، نظُف، شرُف، كرُم، هنالك أفعال على أوزان خاصة، لا تحتاج إلى مفعول به، ولا يمكن أن تتعدى الفاعل، بل تكتفي بالفاعل.

    المفعول به يأتي مع فعل يحتاج إلى مفعول به؛ مثل تعلم، عندما تقول: تعلم زيد، تعلم ماذا؟ تعلم زيد النحو، تعلمت النحو وحفظت القرآن، عندما تعرب هذه الجملة، أي جملة بهذه الصورة، تقول: فعل وفاعل ومفعول به، هذا هو الإعراب المجمل، تعلمت النحو، حفظت القرآن، شربت الماء، فهمت الدرس.. كل ذلك من باب المفعول به.

    نحن عندنا المفاعيل خمسة، ندرسها بهذه الطريقة أحسن: المفعول به، والمفعول له، وهو المفعول لأجله، أو المفعول من أجله، هو قال هنا: المفعول من أجله، وكله سواء، المفعول من أجله، أو المفعول لأجله، أو المفعول له، والمفعول فيه، وهو ظرف الزمان، وظرف المكان، وعندنا المفعول معه، وعندنا المفعول المطلق، الذي هو المصدر؛ فهذه خمسة مفاعيل، أنا جمعتها في بيت واحد تجدونه في صفحة (140)، سوف ندرس المفاعيل الخمسة من خلال هذا البيت وأمثلته، بيت واحد بالمثال:

    ضربت ضربا خالدا يوم حبا والنيل خوفا المفاعيل انصبا

    حبا: يعني مشى.

    أنا قبل ذلك أعطيك الأمثلة مفصلة من غير هذا البيت لكل مفعول، المفعول به عرفته، عندما تقول: شربت الماء، الماء: مفعول به؛ لأن الشرب وقع عليه، فأنت فعلت به الشرب.

    المفعول المطلق

    ثم عندنا المصدر، أو المفعول المطلق، وهذا أمره سهل جداً، عندما تقول: أكلت أكلاً، أو ضربت ضرباً، أو مشيت مشياً، أو نمت نوماً، أو قرأت قراءةً، كل هذا من باب المفعول المطلق، وسمي مفعولاً؛ لأنك عندما تقول: شربت شرباً، الشرب هذا هو الماء؛ كأنك قلت: شربت ماءً، هذا هو وجه تسميته مفعولاً، وسمي مطلقاً؛ لأن المفاعيل الأخرى كلها مقيدة، مفعول به، هذا قيد (به)، أو مفعول له، أو مفعول معه، أو مفعول فيه، كل هذه مقيدة بقيد، لكن هذا ما وجدنا له قيداً فقيدناه بالإطلاق فصار الإطلاق قيداً، قلنا خلاص: المفعول المطلق أي الذي من غير قيد، مرسل، مثاله: ضربت ضرباً، هذا من أسهل الأشياء.

    المفعول المطلق، ونحن ندرس الرابعة الابتدائية جاءنا المدرس، وأراد أن يشرح لنا المفعول المطلق، وجاء بتفاحة في جيبة، وأمر طالباً أن يأكلها فأكلها، قال: كل بقوة، حتى كأنه يريد أن يعبر عن المفعول المطلق، فقال: إذا أردنا أن نصف هذا الفعل نقول: أكل أكلاً، لم ينس أحد من الطلاب بعد ذلك المفعول المطلق؛ لأن المعاني أو الأشياء إذا قرنت بحركة أو بشيء حسي أو ضربت بمثل فإنها تكون أثبت في الذهن، ضربت ضرباً، أكلت أكلاً، شربت شرباً، هذا مفعول مطلق.

    المفعول فيه

    لكن عندما تقول: صمت يوم الخميس، يعني فعلك للصوم كان في يوم الخميس، فهذا الآن ظرف وهو مفعول فيه، يعني فعلك للصوم كان في يوم الخميس، فلم نقل: في يومِ الخميس، ولكننا قلنا: يومَ الخميس، النحويون يعربون مثل هذا ظرفاً، جلست عندك، عندك أيضاً منصوب على الظرفية، يممت وجهي شطر المسجد الحرام، جهة المسجد الحرام، تلقاء المسجد الحرام، كل ذلك من باب المفعول فيه، يعني سواء كان ظرف زمان أو كان ظرف مكان.

    المفعول معه

    هنالك مفعول نسميه: المفعول معه، ليس مفعولاً به ولا فيه ولا مفعولاً مطلقاً، وهو المفعول معه، تقول: سرت والطريقَ، أنت ماش في الطريق، فأردت أن تعبر عن مشيك في الطريق وكأن الطريق يمشي معك، قلت: مشيت أو سرت والطريقَ، سرت والنيلَ، مشيت والبحرَ، في الأصل: مع البحر، سرت والبدرَ، فتنصبه؛ لأنه مفعول معه.

    المفعول له

    هنالك المفعول الخامس، وهو أيضاً سهل ويسير، وهو المفعول من أجله، أو المفعول له، أو المفعول لأجله، من أجله أو لأجله أو له، قد تجد اختلافاً في العبارات في الكتب، فاعلم أن المعنى واحد، والمراد واحد، تقول: فعلت هذا الأمر ابتغاء وجه الله، أعبد الله طمعاً في جنته وخوفاً من عقابه، فإذا أردت أن تعرف ضابط المفعول من أجله، فاعلم أن الضابط هو أن اللفظ المنصوب الذي هو مثلاً: خوفاً أو طمعاً أو ابتغاءً، إذا صلح أن يكون جواباً للفظ (لماذا) فهو مفعول لأجله تقول: أنا أعبد الله، نقول لك: لماذا؟ فتقول: طمعاً في جنته، ونقول لك: لماذا؟ تقول: خوفاً من ناره، خوفاً من عقابه، لماذا فعلت هذا؟ ابتغاء وجه الله، لماذا فعلت هذا؟ تقول: خوفاً من كذا، رجاءً لكذا.. ونحو ذلك، فهذا أمره سهل، وهنالك أمثلة كثيرة تجدها في التفصيل.

    الآن نفصل هذا الكلام على ضوء البيت الذي جمعنا فيه المفاعيل الخمسة: (ضربت ضرباً)، هذا هو المفعول المطلق المصدر، (خالداً) يعني ضربت خالداً، فخالدًا هو المفعول به، يوم حبا، (يوم) هذا هو المفعول فيه، وهو ظرف زمان، وحبا: يعني مشى حبواً، (والنيل) مفعول معه، (خوفاً) يعني: هو مشى حبواً خوفاً، هو يخاف من شيء، (خوفاً): مفعول من أجله.

    وفي البيت ما يسمونها في البيع (وصاية) يعني: فيه زيادة تبرعنا بها، وهي: (المفاعيل انصبا)، طبعاً هذه إفادة بأن هذه هي المفاعيل الخمسة، وهي منصوبة، هذا عرفناه، لكن في هذا الحكم أيضاً مثال يصح أن تجعله للمفعول به، لو أردت أن تعرب الآن (المفاعيل انصبا) فتقول: المفاعيل: مفعول به مقدم، منصوب؛ لأنه يصح أن تقدم المفعول، فتقول مثلاً: الكتاب اقرأ، ليس هناك مشكلة، ولو قلت: اقرأه؛ يصبح من باب الاشتغال، وإليك مثال آخر: الدرس افهم، زيداً أكرم، لا إشكال في ذلك.

    وهذا في القرآن، مثلاً يقول الله: وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[آل عمران:117]، (أنفسهم) ما إعرابها؟ مفعول به مقدم، يعني: ولكن يظلمون أنفسهم، ولكن ليس هنالك لفظة في القرآن قدمت إلا لنكتة! ولمعنىً لو لم يحصل ذلك التقديم لفات ذلك المعنى، ففي بعض المواضع يقدم وبعض المواضع لا يقدم، في بعض المواضع فيها: وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ[البقرة:57]، كل ذلك معروف، درسه البلاغيون وأخرجوا أسراره ونكته، ولم يصلوا إلى كل شيء، هنالك أشياء تحتاج إلى مزيد فتح من الله.

    فإذاً: نعود -والعود أحمد- إلى المنصوبات كلها، المفعول به؛ لأننا نريد أن نمشي على طريقة المصنف، نحو: تعلمت النحو وحفظت القرآن، مثال ظرف الزمان: سافرت يوم الخميس، ومثال ظرف المكان: مشيت أمام القوم.

    الحال

    الحال من المنصوبات، وهو أيضاً من الأشياء التي تكون خارجة عن ركن الجملة؛ فضلة، (الحال وصف فضلة منتصبُ) كما يقول ابن مالك، هو وصف ولكنه منصوب، وهو فضلة، مثال ذلك- والنحو لا يتضح إلا بالأمثلة - عندما تقول: جاء زيد ماشياً، نعطيك قاعدة في الحال، وهي: أن الحال هو ما يصح أن يكون جواباً لـ(كيف)، فعندما تقول: كيف جاء زيد؟ أقول لك: ماشياً، فإذا وجدت اسماً منصوباً نكرة يصح أن يكون جواباً لـ(كيف)، فهو حال، مباشرة أطلق عليه هذا الحكم، قال سبحانه: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا[النمل:19]، فكيف تبسمه ضاحكاً؛ لأن التبسم على أنواع، فكيفية التبسم كانت ضحكاً، يعني في أول مرتبة من مراتب الضحك، لكن إذا استغرق الإنسان في الضحك لا نقيده بالتبسم نقول: إنه ضحك، المضاحكة الكثيرة تسمى في اللغة العربية (مجالغة)، وهي كلمة ليست مستعملة.

    مثال آخر: مررت بديار ثمود مسرعاً، ديار ثمود تعرفونها، ونحن أمرنا بأن نسرع فيها، تقول: مررت بديار ثمود مسرعاً، عندما تريد أن تعرب مثل هذه الجملة تقول: مررت: فعل وفاعل، بديار: جار ومجرور، ديار: مضاف، وثمود: مضاف إليه.

    لكن هنا سؤال: المضاف إليه كما سوف يأتيك بعد قليل مجرور، والمجرور يكون مجروراً بالكسرة، فما بال (ثمود) لم يجر بالكسرة؟ الجواب: لأنه ممنوع من الصرف، للعلمية والتأنيث، هذا اسم لقبيلة، ومسرعاً: حال منصوب.

    والحال دائماً له صاحب؛ لأنه وصف له، وهذا نعرفه بالمعنى، فإذا قيل لك: من صاحب الحال في: مررت بديار ثمود مسرعاً؟ تقول: تاء الفاعل.

    ولو قلت لك: ضربت اللص مكتوفاً، فمكتوفاً حال من اللص، والدليل على ذلك المعنى؛ لأنه كيف أضربه وأنا مكتوف؟ فهنا ضرب لمسيء يستحق العقاب، ففي اللفظ ما يدل على أن هناك من يعاقب فهو الذي يضرب، فلم يكن قرينة مكتوفاً هي القرينة الوحيدة، فـ(مكتوفاً) إذاً حال من المفعول به اللص، فاللص هو المفعول به، فالحال قد يكون من الفاعل، وقد يكون من المفعول به.

    وهنا فائدة: هناك فرق بين قولنا: وصف وصفة، فعندما نقول وصف نقصد اللفظ العام، يعني عندما تقول: زيد قائم، (قائم) كأنه وصف أيضاً لزيد، لكن لا نريد النعت النحوي، النعت النحوي الاصطلاحي هذا شيء يتبع منعوته في الإعراب، بينما كلمة (وصف) لا تؤثر في الإعراب، ليس لها علاقة، استبعد كلمة (وصف) فليست ضرورية، هو حال، لكن الحال هو في العادة يصف حال الفاعل أو المفعول به؛ لأنه هو - كما قلنا - جواب (كيف)، إذاً هو كيفية، والكيفية وصف، فهذا شيء فلسفي.

    ونحن نتكلم لنزيد المسألة إيضاحاً فقط، ولا نريد أن يكون الإيضاح سبباً في الإشكال، هو حال، وذلك نعت نحوي، النعت له ضابط معروف، هو تابع يتبع ما قبله، يصفه ويتبعه في الإعراب، أما هذا لا، لا يتبع ولا يصف هو مستقل، وهو منصوب دائماً، أما النعت فهو ليس عنده استقلالية وهو يتبع منعوتة، إن كان مرفوعاً فهو مرفوع، وإن كان مجروراً فهو مجرور، وإن كان منصوباً فهو منصوب، فهو مرتبط بشيء، مقيد بالشيء الذي قبله، أما هذا فيأتي وحده، وهو منصوب دائماً، وذلك تأتي فيه الحالات الثلاث.

    التمييز

    والتمييز أيضاً من المنصوبات، نحو: قرأت تسعين كتاباً في التفسير، قاعدة أيضاً في التمييز: في الغالب أن التمييز يصح أن يكون جواباً لـكلمة (ماذا)، هناك عندنا (لماذا) في المفعول لأجله، لماذا أي: لأي شيء، أما هنا فعندنا (ماذا)، لأنك تقول: قرأت تسعين، تسعين ماذا؟ تسعين لوحة؟ تسعين ورقة؟ تسعين صحيفة؟.. ماذا قرأت؟ فتقول: كتاباً، فهو يبين ما انبهم من الأشياء، الأشياء المبهمة يبينها، يوضحها، يكشف الغامض منها، تقول: اشتريت عشرين، عشرين ماذا؟ عشرين كتاباً؟ عشرين قلماً؟ عشرين غزالاً؟ خروفا؟.. لا ندري! حتى تحدد، فإذا حددته فقد ميزت الحكم، وعرفناه بعد ذلك؛ لأنه كان مبهماً بالنسبة لنا، فلما جئت بالتمييز زال الإبهام.

    والتمييز غالباً يكون في الأعداد، لكنه يأتي في أشياء أخرى، قال سبحانه: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا[مريم:4]، فـ(شيباً) يشبه أن يكون حالاً، ويشبه أن يكون مفعولاً، ويشبه أن يكون تمييزاً، ويشبه أن يكون شيئاً آخر، فأنت تفكر، هل هذا يصلح فيه ضابط التمييز، أم ضابط المفاعيل، أم ضابط الحال؟ هل تقول: اشتعل الرأس كيف؟ لا، اشتعل الرأس ماذا؟ ناراً؟ ممكن، لكن هنا شيباً، عندنا فيه أكثر من احتمال؛ يقول الله سبحانه: وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا[القمر:12]، (فجرنا الأرض) يحتمل أن يكون ما بعد الأرض، ناراً، براكين، بحاراً، أنهاراً، لكنه قال: ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا))، فـ(عيوناً) تمييز، هذا مثل الحال هناك.

    الآن: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا[مريم:4]، فـ(شيباً) تمييز من الرأس الذي هو فاعل، وهناك: ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا))، فـ(عيوناً) تمييز من الأرض، وهو مفعول، العلماء يقولون: أصل الكلام: اشتعل شيب الرأس، وفجرنا عيون الأرض، يعني هذا أصله، كان فاعلاً، وفي: ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا))، كان مفعولاً، لكن هناك فرق كبير جداً بين قولك: اشتعل شيب الرأس، و: ((وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا))، تعرف هذا بذوقك وبحاستك وبملكتك الفطرية أو اللغوية، أو كلتيهما معاً؛ لأنه عندما تقول: ((وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا)) هذا معنىً أوسع، وأنت حينما تقول: (اشتعل شيب الرأس) فإنك تعبر بأن الشعرات التي في الرأس هي التي اشتعلت، لكن حينما تريد أن تعبر عن أن الرأس قد شاب كله، وانتشر البياض في الشعر كله، بحيث لم يبق منه شيء، وحتى إنه قد أصبح كله شيباً تقول: ((وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا)).

    حينما يقول الله: ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا))، كأن الأرض كلها قد صارت عيوناً، فلم يبق فيها موضع إلا وهو موضع عين، لكن حينما يقول: (وفجرنا عيون الأرض)، أي: العيون التي كانت موجودة فجرت.

    المستثنى

    وأما المستثنى فهذا أيضاً أمره سهل وواضح ومهم، ويحتاج إليه الفقيه، يحتاج إليه كل واحد، فلو درستم بعد ذلك الاستثناء بتوسع تجدون أنه قد يحصل تلاعب في الكلام بسبب الاستثناء، ولكن صاحب الذوق اللغوي يستطيع أن يصل إلى المقصود ويحدد المراد بسرعة، مثاله: قام القوم إلا زيداً، قام الطلاب إلا طالباً، في هذا المثال المستثنى هو ما بعد (إلا)، لو أردنا أن نعطيك تعريفاً أو ضابطاً للاستثناء نقول: الاستثناء هو لفظ تأتي به بعد (إلا) أو بعد أخواتها، وهم يقولون: الإخراج بـ(إلا) أو بإحدى أخواتها، لكن هذا تعريف يصعب عليك، فهو لفظ يأتي بعد (إلا) أو إحدى أخواتها، وأخوات إلا هي: سوى، وغير، وخلا، وحاشا، وعدا، نحو: ما خلا، وما عدا، وحاشا.

    وإنما صار المستثنى منصوباً؛ لأنك حينما تقول: قام القوم إلا زيداً، فأنت تريد الاستثناء، فكأنك قلت: قام القوم وأستثني زيداً، يعني كأنك قلت: قام القوم كلهم، ثم قلت: أستثني زيداً من القيام؛ لأنه لم يقم، فتجد دائماً اللفظ الذي بعد (إلا) مخالفاً في الحكم لما قبل (إلا)، فإلا زيداً، أي: أستثنى زيداً، فلو أردت أن تعرب: أستثني زيداً، تقول: إن زيداً: مفعول به، أنت الآن أخرجت زيداً من هذا الحكم، قام القوم إلا زيداً، وفي الإعراب نقول: قام: فعل ماض مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب.

    حينما كنت أدرس التفسير من حوالي خمسة عشرة سنة كنا نحتاج إلى بعض الإعرابات، فنقول في بعض الألفاظ: لا محل لها من الأعراب، أو هذه الجملة لا محل لها من الإعراب، فقال لي بعض الطلاب: كيف تعرب اللفظ ثم تقول: إنه لا محل له من الإعراب وأنت تعربه؟ هذا تناقض!

    والجواب: أن الألفاظ منها ما له محل، ومنها ما ليس له محل، فنقول: إنه منصوب بكذا أو الجملة في محل رفع كذا، وبعض الألفاظ ليس لها محل من الإعراب، نقول: مبني على الفتح لا محل له من الإعراب؛ لأنه لم يؤثر فيه شيء فأعربه، بل هو وحده هكذا لم يؤثر فيه شيء، بخلاف مثلاً: لم يقرأ، عندنا هذا السكون بسبب إعراب، بسبب (لم) أثر فيه الإعراب، أما هذا فلم يتأثر بشيء، فنقول: لا محل له من الإعراب، هذا هو رفع الإشكال، فنقول: قام: فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، القوم: فاعل مرفوع، هذا له محل من الإعراب، علامة رفعه ضمة ظاهرة، إلا تقول: أداة استثناء، يكفي! وإذا أردت أن تقول: إلا: أداة استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب، فهذا كلام جميل.

    القوم: طبعاً مرفوع بالضمة الظاهرة.

    إلا: أداة استثناء، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، زيداً: مستثنى منصوب، علامة نصبه الفتحة الظاهرة، أم نقول: الفتحتان الظاهرتان؟ ما رأيكم؟ الفتحة الظاهرة أم الفتحتان الظاهرتان؟

    الفتحة الظاهرة.

    والفتحة الثانية ما هي؟ للتنوين، هذه فتحة تنوين كما علمنا ذلك من قبل.

    والأمثلة أيضاً كثيرة على هذا، لو قلت مثلاً: ما قام إلا زيداً، هل يكون الكلام صحيحاً؟ هنالك قواعد عليك أن تعرفها فيما بعد، الأصل في الاستثناء أنه منصوب، المستثنى منصوب، لكن عندهم شروط لأن يأخذ هذا الحكم، لا يأخذ الحكم هكذا من غير شروط، هنالك شرطان:

    الشرط الأول: أن يكون تاماً، يعني أن يكون المستثنى منه موجودًا، وإذا أردت الآن أن تعرف التفصيل في هذا: زيداً مستثنى من ماذا؟ من القوم، إذاً المستثنى منه القوم، فإذا كان موجوداً يكون تاماً، أركان الجملة موجودة، الجملة كلها: المستثنى منه والمستثنى موجود، وأداة الاستثناء، إذاً هو تام.

    الشرط الآخر: أن يكون موجباً، لا يكون سالباً، لا يكون منفياً، فمثلاً دعنا نحذف المستثنى منه - وهو القوم - ونأتي بالنفي، فنقول: ما قام إلا زيدٌ، وتأمل أنت الآن! عندما قلت: قام القوم إلا زيداً، يصح أن تقول: أستثني زيداً، وعندما تقول: ما قام إلا زيد، لا يصح أن تقول: أستثني زيداً؛ لأنه هو الذي قام، أنت تستثني الباقين الذين ذهبوا ولم تذكرهم، بل يصح أن تقول: قام زيد، فلو حذفت (إلا) وحذفت النفي يكون الكلام: قام زيد، وهذا هو المراد، لكن (قام زيد) هو يلتقي مع: ما قام إلا زيد، ولكنه لا يطابقه في البلاغة فقط، وإلا: ما قام إلا زيد مثل: قام زيد، لكنه في الاستثناء له معنىً زائد، فحينئذ النحو ما هو إلا أمور متعلقة بالمعنى؛ ولهذا يقولون: الإعراب فرع عن المعنى، إذا فهمت المعنى استطعت أن تعرب، وهذه الألفاظ التي نقولها ما هي إلا مصطلحات، هذا سميناه مفعولاً به، وهذا فاعلاً، وما كان العرب يعرفون هذا، لكن معاني هذه الأشياء معروفة، وهي مركوزة في أنفسهم وفي صدورهم يعرفونها، فالإعراب فرع عن المعنى، ما قام إلا زيد يساوي: قام زيد.

    إذاً: لا نحتاج إلى أن ننصب، بل نرفع، يعني أنه بحسب العوامل، لو قلت مثلاً: كلمت الطلاب إلا زيداً، فإن زيداً إعرابه مستثنى، ولو قلت: ما كلمت إلا زيداً، فإن إعراب زيد مفعول به؛ لأن معنى الكلام: كلمت زيداً، فهناك شيء موجود في القرآن يسمونه الاستثناء المنقطع، الاستثناء المنقطع: يعني أن يكون المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، فلو قلت مثلاً: قام القوم إلا حماراً! فهذا يصح لغة، الحمار ليس من جنس القوم، هذا المستثنى المنقطع دائماً منصوب؛ لأنه يغرد خارج السرب، هو خارج عن الجماعة، فهو دائماً مستثنى، يصح أن تقول: فيه: أستثني حماراً، ولو قلت: طار الطيور إلا جملاً! يكون منصوبًا مباشرة، ولو قلت: قرأت كتب الفقه إلا أيسر الشروح على الآجرومية، أيسر الشروح ليس من كتب الفقه، فهو مستثنى منقطع.

    هنالك لفظان دائماً المستثنى يكون بعدهما مجروراً، وهما: سوى وغير، خذها قاعدة: المستثنى الذي يأتي بعد سوى وغير مجرور أبداً، هذا حكمه، تقول: قرأت الكتب سوى كتاب واحد، فسوى حيثما جاءت، في أي لفظ، وكذلك غير ما بعدهما يكون مجرورًا؛ قال سبحانه: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ[الفاتحة:7]، الذي بعد غير هو مستثنى، لكنه مجرور، وهذا هو حكمه الدائم، فحيثما جاء اللفظ المستثنى بعد غير و سوى فهو مجرور.

    أيضاً ما عدا وما خلا مستثناهما في الغالب منصوب، تقول: قرأت الكتب ما عدا أيسرَ الشروح، أو قام القوم ما عدا زيداً، و ما خلا زيداً، يقول ابن مالك: (وبعد ما انصب وانجرار قد يرد)، يعني: قد يجوز أن تقول: ما عدا زيدٍ..

    أما غير فعلى حسب الإعراب، غير كأي اسم من الأسماء، قد تكون فاعلاً، وقد تكون مفعولاً به، وقد تكون مجرورة، كل ذلك على حسب الإعراب، تقول: جاء غير واحد من الطلاب، غير: فاعل، كلمت غير واحد، قرأت غير كتاب.. وهكذا، على حسب العوامل، فهي يظهر فيها الإعراب، بخلاف سوى، لا يظهر فيها، فأنت مرتاح بالنسبة لها، الإعراب فيها مقدر.

    اسم لا النافية للجنس

    وعندنا كذلك اسم (لا)؛ لأن اللاءات لها معاني، فعندما أقول لك: لا تأكل، تعرف بالعقل أن لا هنا ناهية، وعندما تقول: فلان لا يذاكر دروسه، فـ(لا) هذه نافية، هذا معروف، لكن لما كانت ناهية كان لها أثر في الإعراب؛ لأن النهي أقوى من النفي، يقول لك: لا تفعل، لا تهمل درسك، فأثرت وجزمت، وأما تلك فهي مسكينة، لم تؤثر ولم تجزم؛ لأنها هي عبارة عن إخبار، كأنك تحكي شيئاً، أما هنا فأنت صانع القرار الآن، وصانع القرار له أثر، فقلت: لا تفعل، والنهي أقوى أيضاً؛ فله أثر في نفس المخاطب، وله أثر في اللفظ وفي الإعراب.

    وعندنا (لا) أخرى اسمها: لا النافية للجنس، وهي النافية لجنس الأشياء، فحينما تريد أن تعبر أنه ليس هنالك في الدار أحد من الرجال تقول: لا رجل في الدار، هذا النفي القاطع لقوته وأثره أثر هذا التأثير، فصارت الآن (رجل)كما ترى مفتوحة اللام ، لكن لو أردت مثلاً أن تعبر أن المسجد ليس فيه رجل واحد فقلت: لا رجل في المسجد، يكون هذا الكلام كلاماً ليس بصحيح بل هو من باب الهذيان، فأنت تريد أن تنفي أن يكون هنالك واحد، ولكن المسجد فيه عشرة، فأردت أن تنفي الوحدوية فقط، فالصحيح أن تقول: لا رجلٌ في المسجد، ويصح أن تستثني وتقول: بل رجلان، وهنالك لا يصح أن تقول: لا رجلَ في الدار بل رجلان؛ لأن هذا من باب التناقض، كيف يصح أن تنفي أن يكون هنالك أحد من جنس الرجال في الدار ثم تقول: بل رجلان، هذا كذب، وتناقض لا يصح.

    إذاً: عرفت الآن أن هنالك فرقاً بين قول الإنسان: لا رجلٌ في الدار و لا رجلَ في الدار، طيب! (لا) التي في: لا رجلٌ، نسميها نافية فقط، لا نقول: إنها نافية للجنس، النافية للجنس هي (لا) رجلَ في الدار، لا أحد من جنس الرجال، و(لا) النافية كثيرة جداً في القرآن الكريم، لاسيما المكررة.

    وفي الإعراب عندما نقول: لا رجلَ موجود، مثلاً في البيت، نقول: لا: نافية للجنس، وهي تعمل عمل (إن)، يعني هي تحتاج إلى اسم وتحتاج إلى خبر؛ لأنها تعمل عمل (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر، رجل: اسمها، ولم نقل: لا رجلاً، هذا هو النص، لكن قلنا: لا رجلَ، كأننا ركبنا (لا) مع (رجل) فصارت كالاسم الواحد، يعني لم نقل: رجلاً، ونعطه استقلالية؛ ولذلك نقول في الإعراب: مبني على الفتح في محل نصب، (موجود) هو الخبر، أو (في الدار) هو الخبر.

    أحياناً (لا) تأتي وحدها، وأحياناً تأتي مكررة، وعندما تـأتي مكررة يكون هنالك فسحة في التعبير، لك أن تنصب، ولك أن ترفع، ولك أن تعمل كل شيء ممكن نحواً، إلا شيء واحد ممنوع أن تفعله، تجدون هذا في الكلام على: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا: نافية للجنس وتكررت، لا حول ولا قوة، وفيها خمسة أوجه، فلك أن تقول: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، ولك أن تقول: لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله، وهذا هو الذي جاء به القرآن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ[البقرة:254]، (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ)، بالرفع، يعني كأننا أهملنا (لا) فـ(لا) هنا ليس لها أثر، وهناك قراءة: (لا بَيْعَ فِيهِ وَلا خُلَّةَ وَلا شَفَاعَةَ)، قراءة على الطريقة التي نحن ماشون عليها في: لا حول ولا قوة إلا بالله، لك أن تقول: لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله، ولك أن تقول: لا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله، ولك أن تقول: لا حولَ ولا قوةً إلا بالله، نحن ما نحتاج إلى أن نتوسع في هذا، هي مذكورة هنا في الكتاب، الممنوع في هذا أن تقول: لا حولٌ ولا قوةً إلا بالله، هذا ممنوع عندهم، لماذا ممنوع؟ هذا يطول شرحه، يعني ممنوع نحواً أن تقول: لا حولٌ ولا قوةً إلا بالله، لأنك لو قلت مثلاً: لا حولٌ ولا قوةً إلا بالله، نقول لك: أنت نصبت (قوةً) على أي شيء؟ هل عطفتها على: لا حولٌ؟ لا حولٌ مرفوعة! لو كانت: لا حولَ؛ لصح ذلك؛ لأنك تكون عطفتها على محل حول، أما هنا فلا يصح أن تنصب، ويكون الاسم الذي بعدها منصوباً، وإنما يكون مبنياً على الفتح في محل نصب، تقول: قوةَ، لا تقل: قوةً، كما قلت: لا حولَ، في الأصل، فليس هنالك وجه في النصب في هذا المحل، وفي هذا الموضع.

    وبهذا انتهينا من (لا) النافية للجنس، التي عقد لها النحويون باباً خاصاً؛ لأنها تنفرد بأشياء.

    لكن بقي هنا مثال وهو: لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، لا صلاة؛ أي صلاة، بعد العصر، ما المراد بعد العصر؟ هل المراد لا صلاة حتى لو كان فريضة؟ أم صلاة النافلة؟ من أي شيء عرفنا هذا؟ قوله: بعد العصر؛ لأن المقصود: بعد عصرك أنت، بعد صلاتك، قد تكون أنت ما صليت مع الناس، صليت الساعة الخامسة، فنقول: لا صلاة بعد صلاتك أنت العصر.

    فتكون لا: نافية للجنس، تعمل عمل إن، تنصب الاسم وترفع الخبر، صلاة: اسمها، مبني على الفتح في محل نصب، بعد العصر: بعد ظرف زمان، من أجل العصر؛ لأن العصر زمان، بعد: مضاف، والعصر: مضاف إليه، أين الخبر؟ محذوف، ولو قلت: الخبر بعد العصر لصح عند الكوفيين، ولكن الخبر محذوف تقديره: لا صلاة صحيحة.

    والنفي هنا يحتمل عند الفقهاء نفي الذات أو الصحة، والغالب عندهم أن يكون أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا النفي النهي، لا يريد أن تكون هنالك صلاة كائنة وموجودة بعد صلاة العصر، أي صلاة، وتعرفون كلام العلماء في ذوات الأسباب.

    المنادى

    من المنصوبات أيضاً المنادى، المنادى مثل: يا محمد، يا زيد. النحويون يقولون: عندما تقول: يا زيدُ، طبعاً لا تقل: يا زيدٌ، لا يصح! يقولون: إن زيداً هنا منادى مبني على الضم في محل نصب، يعني هو في محل النصب؛ لأنك عندما تقول: يا زيد، كأنك قلت: أدعو زيداً، فلو أردت أن تعرب: أدعو زيداً، تقول: أدعو: فعل مضارع، والفاعل: ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا، و زيداً: مفعول به منصوب.

    والمنادى أحياناً لا يكون مبنياً في محل نصب بل يكون منصوباً، وذلك إذا كان مضافاً أو شبيهاً بالمضاف، المثال عندنا: السلام عليك يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا رسول: يا: حرف نداء، رسولَ: منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، رسول: مضاف، لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

    إذاً القاعدة: كل منادى مضاف منصوب دائماً، المنادى الذي يأتي وحده، ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، هذا يكون منصوباً، لكنه منصوب في الباطن، أما في الظاهر فهو مبني، تقول: يا زيدُ.

    هنالك تقسيمات للمنادى تحتاج إلى شيء من التفصيل، لكن خذ فكرة عن المنادى، الوسيلة التي ننادي بها هي الياء، وعندنا أيضاً وسائل أخرى، حروف أخرى ننادي بها، نقول: أيا وهيا وأي، وكذلك الهمزة.

    وللمنادى الناء أو كالناء يا وأي وآ كذا أيا ثم هيا

    والهمز للداني..

    فعندنا من أدوات النداء الهمزة كذلك، عندما تقول: أزيد، أزيد هذا نداء، ودائماً الحال والسياق والقرائن والإشارات، وحتى قسمات الإنسان في وجهه، وحركته، ولفظه، وضغطه على الحرف، كل هذا يعطيك المعنى المراد، فهنالك فرق بين قولك مثلاً: زيد جاء و زيد جاءَ؟ يعني عندما تقول: جاء زيد؛ تخبرنا، وعندما تقول: جاء زيد؟ تستفهم، يعني: هل جاء زيد؟ لكن الاستفهام غير موجود، حينما تضغط على الحرف يكون المعنى مختلفاً، حينما يقول لك إنسان: لا تفعل، هذا أقوى من: لا تفعل.. وهكذا. فزيد ممكن يكون استفهامًا، وممكن يكون نداء، لكن ما الذي يفرق بين النداء وبين الاستفهام؟ هو الحال، السياق، القرائن: قرائن لفظية، قرائن بصرية، قرائن حالية.. كل هذه هي التي تشرح.

    المنادى يكون معرفة، ويكون نكرة، والنكرة تكون نكرة مقصودة، ونكرة غير مقصودة، نكرة مقصودة يعني معروفة: يا رجلُ، لا ننصب، لكن النكرة غير مقصودة ما نعرفه، فنحتاج إلى أن ننصبه، وهذا المثال الذي أخذناه أول ما أخذناه ونحن ندرس النحو، كقول الأعمى في الشارع: يا رجلاً خذ بيدي، هو أحس أن رجلاً في أناس ماشون حوله، فقال: يا رجلاً خذ بيدي، فـ(رجل) الآن نكرة، هل هو مقصود؟ هل هو واحد بعينه؟ هو ما يدري! في مجموعة أو في.. لا يعرف، فقال: يا رجلاً، خذ بيدي، النكرة غير المقصودة دائماً منصوبة.

    بقية المنصوبات وتوابع المنصوب

    بقي معنا خبر كان، واسم إن، والتوابع، من المنصوبات.

    خبر كان عرفناه وانتهينا منه بالأمس، خبر كان مثل: كان زيد قائماً، فقائماً: خبر منصوب، خبر كان من المنصوبات.

    واسم إن أيضاً عرفناه، هو من المنصوبات.

    ومن المنصوبات أيضاً المفعول الأول لظن والمفعول الثاني.

    وكذلك من المنصوبات التوابع الأربعة، التي عرفناها حينما ذكر المرفوعات، ذكر أربعة من التوابع تتبع الأسماء التي قبلها في الإعراب، هناك تتبع الأسماء التي قبلها في الرفع، وهنا تتبع الأسماء التي قبلها في النصب، وهذا سهل، يعني النعت مثلاً تقول: أحب الرجلَ الصادق، وفي الإعراب إعراب (الصادق) نعت، صفة، للرجل، منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

    وفي التوكيد: قرأت القرآن كله، كله: توكيد منصوب؛ لأنه من التوابع,

    وفي المعطوف: قام القوم إلا زيداً وعمراً، فزيداً مستثنى، وعمراً معطوف على زيد.

    وفي البدل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي[الإسراء:9]، أعطيك قاعدة جميلة: كل اسم معرف بـ(أل) بعد اسم الإشارة يعرب بدلاً، مباشرة إذا وجدت اسماً معرفاً بعد اسم الإشارة نحو: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ))، فهو بدل، كيف بدل؟ البدل يصح أن تجعله في موضع المبدل منه، إن القرآن يهدي، عندما تقول: رأيت أو أكرمت هذا المؤمنَ، المؤمن: بدل من (هذا). هذه قاعدة، احفظها، في الإعراب (إن) معروفة عندكم، و(هذا) اسم إن، وقولك اسم إشارة فقط هذا ليس بإعراب، والإعراب التفصيلي: هذا: مبني على السكون في محل نصب، والقرآن: بدل من هذا، وهذا منصوب، إذاً القرآن كذلك منصوب.

    ونكون بهذا قد انتهينا من المنصوبات على طريقة الاختصار الذي عرفتم.

    1.   

    المخفوضات

    ننتقل إلى المخفوضات في صفحة 145، صفحة خمس وأربعين ومائة تجدون من أخطاء التجار ولحنهم: ماءة، يعني ما اكتفوا بأن يكتبوها على ألف، والأصل أن تكتب مئة مثل (فئة) بدون ألف، ونقرأها: مئة، لكن هم كتبوها: مائة، وكتبوها على ميم وألف وهمزة وهاء، ثم قرءوها أيضاً مائة، كما قال سيبويه، مر على أناس لهم متجر مكتوب عليه: هذه البضاعة لأبو فلان، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون!

    الخفض بحرف الجر

    المخفوضات، هذه هي العسل المصفى! سهل، يعني أمر المخفوضات سهل جداً ويسير.

    المخفوضات ثلاثة: مخفوض بالحرف، ومخفوض بالإضافة، وتابع للمخفوض، أما التابع فقد عرفته، التوابع التي عرفتها تتبع ما قبلها، والمخفوض بالحرف قد عرفته من قبل، يعني المجرورات بحروف الجر، عندنا حروف الجر التي ذكرها هو قال رحمه الله: [ فأما المخفوض بالحرف فهو ما يخفض بـمن وإلى وعن وعلى وفي ورب والباء والكاف واللام، وحروف القسم وهي: الواو والباء والتاء، أو بواو رب، وبمذ ومنذ ]، هل تحتاجون إلى شرح في هذا؟ أظن أن المسألة واضحة.

    الخفض بالإضافة والتبعية

    بقي الإضافة، قال رحمه الله: [ وأما ما يخفض بالإضافة فنحو قولك: غلام زيد، وهو على قسمين..] يعني من الإضافات ما يقدر باللام، ومنها ما يقدر بـمن، فالذي يقدر باللام نحو: غلام زيد، والذي يقدر بـمن نحو: ثوب خز، و باب ساج، و خاتم حديد، هذه أشياء معنوية.

    المضاف إليه إذا أضيف إلى لفظ فإنه يكون مجروراً، لكن هذه الإضافة إما أن تكون بمعنى لام الجر، وإما أن تكون بمعنى البيان، يعني عندما تقول: غلام زيد، كتاب زيد، فأنت تريد أن تقول: إن هذا الكتاب لزيد، يملكه زيد، هو ملك زيد، فهذه بمعنى اللام، واللام للملك، وهكذا غلام زيد.

    وعندما تقول: خاتم حديد، هل المراد خاتم لحديد مثل غلام زيد؟ لا، ليس المراد هذا، بل المعنى خاتم من حديد، فالإضافة للبيان، فهو يقول: (على قسمين)، يعني أن هناك أشياء نقدر فيها اللام، وهنالك أشياء نقدر فيها من، فهي على حسب، يعني المسألة في الجر تعود إلى حروف الجر، أحياناً تكون مقدرة، وأحياناً تكون موجودة، حتى في التابع فهو في الأصل مجرور؛ لأنه إما تابع لمجرور جر بالحرف أو بالإضافة، لابد أن يكون كذلك، فإن كان ذلك التابع قد تبع مجروراً بالإضافة فقد عرفنا أن الإضافة يقدر فيها لام أو من، لابد أن يكون على هذا الوجه.

    وبهذا نكون قد انتهينا من الكتاب، وانتهينا ولله الحمد من المرفوعات والمنصوبات والمخفوضات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.

    1.   

    الإجازة بأيسر الشروح على متن الآجرومية

    وأما بالنسبة للإجازة فاكتب الآن ما أمليك إياه في أمر الإجازة، وأنا قلت لكم من قبل: إن في الإجازة حافزاً للطالب على أن يعنى بما أجيز فيه، كما هو معروف تجربة.

    اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

    وبعد:

    فإني أجزت فلاناً -اكتب اسمك- إجازة تامة في كتاب (أيسر الشروح على متن الآجرّومية) في علم النحو.

    وإني أوصيه بتقوى الله سبحانه، والدأب في طلب العلم، والأدب مع أهله، وفعل الخير ومغالبة الهوى، وأن لا ينساني من صالح دعائه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    وإلى اللقاء في دروس أخرى إن شاء الله.

    1.   

    وصايا لطلاب علم النحو

    توجد وصايا أنا ذكرتها بالأمس، وقلت: إنها مذكورة في كتاب شرح الألفية، ممكن تأخذها الآن أو تسمعها، أضمن لك فهم هذا الفن -يعني النحو- حين تضمن لي هؤلاء الجمل العشر:

    أولاً: النحو علم ضروري لطالب العلم، لابد أن تعرف هذا.

    ثانيا: النحو جمال المنطق وأم العلوم.

    ثالثاً: لا تقل: قد ذهبت أربابه، تقول: هذا الزمان لا يحتاج إلى نحو، ولا نستطيع أن ندرك ما أدركه السابقون.. لا، بل تستطيع وتستطيع أن تفوق الآخرين.

    رابعاً: لا يهولنك كثرة التصانيف فيه وكبرها؛ فهي أيسر وأقل من ذلك بكثير، وإنما وسعه خلاف النحويين وأسبابه كثيرة.

    خامساً: النحو علم سهل، إذا طلبته بذوق وحس كان روحاً على روحك، وشهداً على لسانك.

    سادساً: كل علم غلبت فيه جانب الحفظ على إعمال الذهن كان جانب الإمتاع الفكري فيه قليلاً، المتعة دائماً في الفهم وفي التفهم، فكل علم غلبت فيه جانب الحفظ على إعمال الذهن كان جانب الإمتاع الفكري فيه قليلاً.

    سابعاً: ما لم تفهمه اليوم ستفهمه غداً، فجاوز ما لا تستطيع فهمه إلى ما تستطيع فهمه.

    ثامناً: الأشرطة، هنالك بعض الدروس النحوية موجودة في أشرطة للشيخ ابن عثيمين أو لغيره من العلماء، الأشرطة لا تعلمك، ولكنها تفيدك، فلا تستنكف، تستنكف يعني تأبى مع كبر أن تقرأ على من هو أهل للتعليم.

    تاسعاً: لا تطل أمد الطلب على نفسك - لا تطول في الدراسة - بكثرة التأمل في الحواشي وحفظ الشواهد الكثيرة، إلا إذا أنست من نفسك رغبة جامحة في التوسع، وملكة في حفظ هذا العلم بالذات، فلا تحل بينها وبين ما تحب حينئذ، فكل ميسر لما خلق له.

    عاشراً: لن تفلح ما لم تصحح قراءتك لكل متن تقرؤه، تصحيح الضابط للألفاظ، الواقف على خواتم المعاني، المعانق بين الجمل المقترنة، وهذا لا يتم لك إلا بالعرض على ضابط تام الدراية بما تقرأ؛ فاختصر الطريق على نفسك بسلوك هذا الطريق، فإنه يهيئك للفهم الصحيح بأقصر الطرق.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756480802