إسلام ويب

شرح الأجرومية [4]للشيخ : عبد العزيز بن علي الحربي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المرفوعات في علم النحو: هي الفاعل ونائبه، وكذلك المبتدأ والخبر، وهذه الأربعة منها ما هو ظاهر على الأصل، ومنها ما هو مضمر، ويختص المبتدأ والخبر بدخول النواسخ، وهي عوامل تغير إعرابهما، ومنها كان وأخواتها التي ترفع المبتدأ اسماً لها، وتنصب الخبر خبراً لها، ومنها أيضاً إن وأخواتها، وهي على العكس من كان وأخواتها، وغير ذلك من النواسخ، ومما يذكر في باب المرفوعات توابعها في الإعراب وهي: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل.

    1.   

    نصيحة لفهم علم النحو

    قال لي بعض الطلاب: إنه لم يفهم كثيراً من المسائل التي درسناها؛ والسبب في ذلك أن هذا العلم جديد عليه، وأنه لم يدرسه من قبل، ولا غرابة في ذلك؛ لأن هذا العلم يحتاج إلى أن يقرأ مرة ومرة ومرة، ولا شك أنه سوف ينتفع بهذه الدروس الآن، ما لم تفهمه الآن سوف تفهمه غداً، ولابد أن هناك أشياء تفهمها، وأنا أشرح شرحاً يفهم من كان عنده مبادئ قليلة في النحو.

    وأنا أعرف كثيراً من الذين صاروا علماء في النحو ما فهموا النحو من أول درس، وأخبرني شيخ يعتبر من طحاطيح النحاة الآن المعاصرين، ولا يزال حياً، هو باقعة من البواقع في هذا العلم، قال: إن أول درس حضرته في علم النحو كان في متن الآجرومية، في دار الحديث المدنية، هذا الكلام قبل خمسين سنة، ودرسنا شيخ أزهري عالم في النحو، وشرح لنا باباً من متن الآجرومية فلم أفهم شيئاً، وخرجت وأنا أبكي، قال: بكيت وحدي في زوايا بناء الدار، فكانت هذه البكية دفعة قوية بعد ذلك إلى مغالبة النفس ومكابرتها وطلب هذا العلم؛ لأن الإنسان إذا رأى أنه لم يفهم بدأ بعد ذلك يتحدى نفسه، ويكون دافعاً له إلى الطموح والجلد والقراءة، فأصبح بعد ذلك عالماً من علماء النحو، وكثير منكم أو بعضكم ربما يعرفه، هو كبير في السن.

    فعلى كل حال، هناك ضمانات عشرة ذكرتها في مقدمة شرحي على الألفية، إذا عملت بها فأنا أضمن لك أن تعرف النحو، تكون عالماً في النحو أو عارفاً به، وتفهم ما تقرأ وما تسمع.

    فلا تبتئس ولا تحزن، ولا يكن في صدرك حرج، ولا تذهب نفسك حسرات على أنك لم تفهم الآن؛ فأنت مأجور أولاً، وهذه بداية الآن، نحن نثبت المسمار في الجدار، ثم بعد ذلك نعلق عليه ما يعلق عليه بعد ذلك.

    1.   

    المرفوعات من الأسماء

    نحن بالأمس تكلمنا عن المرفوعات، قال: إن المرفوعات سبعة، ما هي هذه السبعة؟ بعضكم سألني: هل المفعول به من الأسماء؟ كل المرفوعات الآن من الأسماء، والمنصوبات التي سوف يذكرها كلها من الأسماء، والمخفوضات كلها من الأسماء، والمجرورات كذلك؛ فنحن الآن نشتغل بالأسماء، لكنه قد يكون ـ أحياناً ـ المنصوب عبارة عن جملة، فهو في محل نصب كما سوف يأتي، وإلا فالأصل أنها أسماء، وعددها سبعة.

    وهي: الفاعل، ونائب الفاعل؛ وهو المفعول الذي لم يسم فاعله، والمبتدأ والخبر، هذه أربعة، واسم كان، وخبر إن، إذاً: هذه الآن ستة، والتوابع أربعة: (..نعت وتوكيد وعطف وبدل) هذه هي المرفوعات، والذي قرأناه بالأمس منها الفاعل، وقرأنا نائب الفاعل، ووصلنا إلى انقسام نائب الفاعل.

    أقسام نائب الفاعل

    قسم المصنف نائب الفاعل كما قسم الفاعل، فقال: [ وهو على قسمين: ظاهر ومضمر، فالظاهر نحو قولك: ضرِب زيد، ويضرب زيد، و أكرِم عمرو و يكرم عمرو، والمضمر -وهو القسم الثاني- اثنا عشر نحو قولك: ضرِبت، و ضرِبنا، و ضرِبت، و ضرِبتِ، و ضرِبتما، و ضرِبتم، و ضرِبتن، و ضرِب، و ضرِبت، و ضرِبا، و ضرِبوا، و ضرِبن ].

    ففي ضرب نائب الفاعل ضمير مستتر، فهذه إعرابها سهل، عندما تقول: ضُرِب زيد تقول: ضرب: فعل ماض، مبني لما لم يسم فاعله، وزيد: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وانتهى الكلام.

    كذلك في ضرِبت، أيضاً تقول: ضرب: فعل ماض، و التاء: نائب فاعل، إذا أردت أن تفصل هنالك تفصيلات، تقول: التاء: نائب فاعل، ضمير مبني على الضم في محل رفع.

    هو في الشرح ذكر أمثلة، قال سبحانه: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا[النساء:28]، (خلق) في الإعراب عرفناها، الإنسان: نائب فاعل، وعرفنا ذلك، (ضعيفاً) سوف يأتينا أنه حال، حالة كونه ضعيفاً، ضعيفاً في كل شيء، ومثل قوله سبحانه: يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ[الرحمن:41]، المجرمون نائب الفاعل، لكنه مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، أكرِم عمر، يكرم عمر، كل ذلك واضح، والأمثلة أيضاً للضمائر واضحة.

    هنالك تتمة في صياغة الفعل مع نائب الفاعل، نحن قلنا: إذا أردت أن تأتي بفعل مبني لما لم يسم فاعله من (ضرب) تقول: ضرِب، لكن مثلاً لو كان رباعياً مثل: (تعلم) ماذا تقول؟ إذا قلت: تعلم زيد النحو، احذف الفاعل، احذف زيداً وهات الصيغة الآن، ماذا تقول؟ (تُعُلِّم)، هناك ضممنا الأول وكسرنا الثاني، هنا لا، نقول: (تُعُ) فضممنا الأول وضممنا الثاني، تُعُلم الدرس، وهكذا، فالفعل المضارع: يتعلم الدرس.

    أيضاً هنالك أفعال يكون وسطها حرف علة، مثل قال، فإذا أردت أن تأتي بفعل مغير الصيغة، يعني مبني لما لم يسم فاعله، تقول: قيل، وهذا أمر معروف، وفي القرآن هناك عشرات الألفاظ من مثل هذا؛ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ[هود:44]، فقال: (قيل)، وهنالك لغة: (قُوِل) بالواو، لا نحتاج إليها، لكنها موجودة، وهنالك لغة بالإشمام؛ تأتي بشيء من الكسرة وبشيء من الضمة، نجمع بين اللغتين، وهكذا نقرأ نحن في القراءات، ((وَقِيلَ يَا أَرْضُ))، بهذه اللغة، وهي قراءة سبعية، وهكذا أيضاً (بيع) ونحو ذلك، جاء في الشعر:

    ليت وهل ينفع شيء ليت ليت شبابا بوع فاشتريت

    هذا لغة هذا الرجل، لا تحتاج إليها، لكن إذا جاءتك افهم أنها لغة.

    المبتدأ والخبر

    ثم بعد ذلك جاء بركن ركين من أركان الكلام، وهو المبتدأ والخبر، المبتدأ هذا ركن مهم في الكلام، وكذلك الفاعل، وأكثر الكلام إما أن يكون فيه مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، لا يخلو الكلام إلا فيما ندر، أي كلام الآن؛ (السلام عليكم) هذا مبتدأ وخبر، (كيف الحال؟)، هذا خبر ومبتدأ، (كيف العيال؟) أيضاً كذلك مبتدأ وخبر، (هل أنت موجود؟) مبتدأ وخبر، (هل) هذه للاستفهام حروف، (النحو سهل)، (متى جئت؟) و(متى قدمت؟)، كل هذه لابد أن يكون فيها مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل؛ لأن الجملة إما إسمية وإما فعلية، إن كانت فعلية فهي فعل وفاعل، وإن كانت اسمية فهي مبتدأ وخبر، لكن قد يتقدم الخبر مثل: (كيف الحال؟) هذا خبر ومبتدأ، كيف: خبر، الحال: مبتدأ، لكن أحياناً يكون ليس عندنا كلام، وإنما هو لفظة واحدة، مثل: لا.. نعم، هذه ليست فاعلًا ولا مبتدأ ولا خبرًا، لكن نحن نتكلم عن الكلام، ما دام جملة؛ إما أن تكون جملة فعلية - فيها فعل وفاعل - وإما أن تكون جملة اسمية، فيها مبتدأ وخبر.

    هو عرف المبتدأ فقال: [ هو: الاسم المرفوع، العاري عن العوامل اللفظية، والخبر هو الاسم المرفوع المسند إليه، نحو..] المسند إليه، أي إلى المبتدأ، [ نحو قولك: زيد قائم، و الزيدان قائمان، و الزيدون قائمون ]، أي اسم تجده في أول الكلام، أول خاطرة تخطر ببالك أنه مبتدأ، لكن قد يكون خبراً، عليك أن تقارن، إذا كان نكرة والاسم الذي بعده هو المعرفة، فهذا هو الخبر، ولكن الغالب أنه يكون اسماً، فلو سمعت مثلاً: زيد قائم، الصلاة أقيمت.. تعرب الصلاة مبتدأ، زيد: مبتدأ. هو عرفه بهذا التعريف: اسم مرفوع، هذا حكمه أنه مرفوع، العاري عن العوامل اللفظية، هو مرفوع؛ لأنه ليس هنالك عامل يؤثر فيه، فيجعله منصوباً، أو يجعله مجروراً، هذا هو المبتدأ.

    الخبر يقول ابن مالك: (والخبر الجزء المتم الفائدة..).

    المبتدأ لا يكفيك ولا يشفيك، إذا جاء المبتدأ فلا يتم الكلام إلا بالخبر، بل الكلمة أو الجملة التي تتم لك المعنى والفائدة هي الخبر، قال: هو الاسم المرفوع المسند إليه، هذا كلام صحيح أيضاً، هو اسم وهو مرفوع، ولكنه لا يكون في كل حال اسماً، بخلاف المبتدأ؛ كما سوف يأتي أنه قد يكون جملة، عندما تقول: محمد قام، محمد: مبتدأ، قام: فعل ماض مبني على الفتح، الفاعل: ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.

    والمبتدأ قد يتعدد، فيكون عندنا مبتدأ وبعده مبتدأ ثاني ومبتدأ ثالث، هذا موجود، فإذا فتحتم التفسير تجدون: الحاقة: مبتدأ، ما: مبتدأ ثانٍ، الحاقة: خبر المبتدأ الثاني، وعندما تقول: زيد أبوه قائم، زيد: مبتدأ، أبوه: مبتدأ ثانٍ، قائم: خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، هذا تعرفه بعد ذلك، الآن أنت مبتدئ.

    فـ(زيد قائم) إذا أردنا أن نعربها: زيد: مبتدأ مرفوع.. يقولون: إنه مرفوع بالابتداء، وهو شيء معنوي، وبعضهم يقول: مرفوع بالخبر، الخبر رفع المبتدأ والمبتدأ رفع الخبر، لا مشكلة! زيد: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، قائم: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، الزيدان كذلك مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، قائمان: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، الزيدون: مرفوع بالواو، و قائمون: مرفوع بالواو، وهما مبتدأ وخبر. المسألة واضحة.

    أقسام المبتدأ: قال رحمه الله: [والمبتدأ قسمان: ظاهر ومضمر، فالظاهر ما تقدم ذكره..] في: زيد قائم، و الزيدان قائمان، و الزيدون قائمون، [ والمضمر اثنا عشر، وهي: أنا، ونحن، وأنت، وأنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنتن، وهو، وهي، وهما، وهم، وهن ]، ومن اليسير عليك أن تؤلف جملة مبتدأة بضمير ومعها خبرها، تقول: أنا قائم، هو قائم، هي قائمة، نحن قائمون، نحن فاهمون، هن فاهمات.. إلخ، هذا سهل ويسير، والتقسيم على غرار ما قسمه هو من قبل في الفاعل وفي نائب الفاعل، ينقسم إلى ضمير وإلى ظاهر. انتهينا من المبتدأ.

    ثم بعد ذلك جاء إلى أقسام الخبر، قال: [ والخبر قسمان: مفرد وغير مفرد، فالمفرد..] يعني هو مفرد وجملة، غير مفرد معناه جملة، قل: مفرد وجملة؛ حتى لا يصبح لديك إشكال، كما قال ابن مالك:

    ومفرداً يأتي ويأتي جملة حاوية معنى الذي سيقت له

    فالمفرد نحو: زيد قائم، وعرفنا هذا، الزيدان قائمان، الزيدون قائمون، فـ(قائمان) هنا مثنى، لكنه مفرد؛ لأنه ليس جملة؛ الإفراد هنا معناه أنه ليس بجملة، فـ(الزيدون قائمون) مفرد؛ لأنه ليس بجملة، يعني ليس فيه جملة جديدة، إما جملة اسمية، أو جملة فعلية.

    غير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، هذا عند أهل الكوفة، تقول: زيد في البيت، زيد في الحرم، (في الحرم) هذا هو الخبر.

    إذاً: يكون الخبر جملة، ويكون جاراً ومجروراً، ويكون ظرفاً أيضاً كذلك.

    والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، اسمع الأمثلة: زيد في الدار، (في الدار) جار ومجرور، هذا ليس بمفرد عند البصريين، يقولون: (في الدار) ليس هو الخبر، الخبر محذوف تقديره: زيد كائن في الدار، أو مستقر في الدار، أو موجود في الدار، لكن الكوفيون مذهبهم أسهل وأوسع، ولا يهمنا هذا؛ لأن الغرض هو أن نفهم، ونعرف ما نُقَوِّم به ألسنتنا. (زيد في الدار) مبتدأ وخبر، زيد: مبتدأ، في: حرف جر، الدار: اسم مجرور بـ(في) وعلامة جره الكسرة، وهو خبر، يعني في محل رفع خبر.

    و(زيد عندك) هذا مثال للظرف، زيد: مبتدأ، و عندك هو الخبر؛ لأن عند ظرف مكان، الظرف عندنا ظرف زمان وظرف مكان، وعندك: ظرف مكان، منصوب على الظرفية، علامة نصبه الفتحة، وهو مضاف، والكاف: ضمير خطاب، مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه، وهذا اللفظ خبر، في محل رفع خبر.

    (زيد قام أبوه) هذه جملة فعليه، هو قال: والفعل مع فاعله، زيد: مبتدأ، قام: فعل ماض، أبوه: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، حينما قلنا: أبوك و أخوك.. هذا مثال، المهم أن يضاف اللفظ إلى ضمير، قد يكون ضمير غائب، وقد يكون ضمير مخاطب، أبوه.. أبوها.. أبوك.. أبوكم.. أبوهم.. كل ذلك واحد، فـ(أبوه) الآن فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.

    (زيد جاريته ذاهبة)، زيد: مبتدأ، جارية: مبتدأ ثان، وهو مرفوع بالضمة الظاهرة، وهو مضاف، والهاء ضمير يعود على زيد، أيضاً مبني على الضم في محل جر، ذاهبة: خبر المبتدأ الثاني، وكل من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول..

    وهكذا ممكن تقول: زيد جاريته أمها قائمة، فيصبح عندك ثلاثة مبتدآت، زيد جاريته أمها قائمة، لماذا لم تقل: أم الجارية قائمة؟ هذا لأمور بلاغية سوف تعرفونها فيما بعد، إلا أن يكون هذا المتكلم عنده عي في الكلام، لا يستطيع أن يعبر إلا بهذا اللف والدوران، فهذا أمر آخر، قال الله سبحانه: اللهُ الصَّمَدُ[الإخلاص:2]، مبتدأ وخبر، (محمد رسول الله) مبتدأ وخبر، (الدنيا متاع) مبتدأ وخبر، هذا كله مفرد، الحق أبلج.. الباطل لجلج.. مبتدأ وخبر، لجلج يعني مضطرب، قال الشاعر:

    دخولك من باب الهوى إن أردته يسير، ولكن الخروج عسير

    دخولك: مبتدأ، والخبر يسير، فمهما قلت من كلام إذا لم تأت بالخبر فالكلام لا يفيد، يسير.

    وهناك أمثلة أيضاً: الشيخ حرصه شديد، الشيخ يعني الكبير، في اللغة العربية الشيخ من جاوز خمسين سنة أو إحدى وخمسين، اختلفوا، لكنهم متفقون على أن من جاوز الخمسين سنة فهو شيخ، ولا يقال لمن كان دون ذلك، هذا لغة:

    من جاوز الخمسين شيخ ولم يرد لدون غير زوج أو علم

    والزوج ولو كان صغيراً يقال له: شيخ، والزوجة ولو كانت ابنة خمس عشرة سنة يقال لها: شيخة، لكن بشرط أن يكون قد دخل بها، وعلى ذلك جاءت آية الرجم التي قيل: إنها منسوخة، (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وأيضاً هنالك رجل كان يسمى شيخاً، اسم علم، اسمه شيخ بن فلان، هذا اسمه، وأما ما دون ذلك فلا؛ ولذلك يقول الشاعر:

    زعمتي شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا

    وهذا من باب التوسع والمجاز فقطـ، وإلا فالأحسن أنه لا يطلق عليه: شيخ، لكن من باب التوسع، من باب أن الكبير يجل، وأيضاً كذلك صاحب العلم يجل فسمي شيخاً، هذه أسماء.. ألفاظ محدثة، كذلك.. يعني متأخرة، إطلاقها متأخر، وهذا أصبح عرفاً الآن، (وما به العرف جرى لن يهجر)، العرف إذا كان لا يضيع علينا شيئاً من الدين ولا يخدش الحياء، فلو جرى عليه الإنسان ليس في ذلك شيء، حتى كلمة (أستاذ) ما نستطيع أن نتخلص منها، أصل معناها: الإنسان الخصي، هذا أصل معناها، كان خصي من الخصيان يؤدب الغلمان، سموه أستاذاً، يعني هو اسمه، وصادف أنه يؤدب الغلمان، سموه أستاذاً؛ للعلة التي فيه، وصادف أنه يؤدب الغلمان، فأصبح كل من يؤدب الغلمان يسمى أستاذاً، حتى إن المتنبي كان يعير كافوراً بالأستاذ، (وعيروا كافوراً بالأستاذ)، وآخر البيت لا يصلح أن نقوله.

    فالشيخ مبتدأ، و حرصه: مبتدأ ثان، و شديد: خبر المبتدأ الثاني.

    (خديجة بنتها فاطمة)، خديجة مبتدأ، بنتها: مبتدأ ثان، فاطمة : خبر المبتدأ الثاني.

    (الخائنون هم الخائبون) لو أردنا أن نعرب: الخائنون: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو، هم: مبتدأ ثان؟ وهذا فيه خلاف بين البصريين والكوفيين، لكن أحسن القولين ما ذكر، ونحن نتبع أحسن الكلام؛ لقوله تعالى: الذين يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[الزمر:18]، فـ(هم) ضمير فصل، أصل الكلام: الخائنون الخائبون، وجئنا بهذا الضمير للتقوية، وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ[البقرة:5]، الخائنون هم، فـ(هم): ضمير فصل، إذاً الخائبون هو الخبر.

    الظرف: زيد عندك.. الكتاب فوقك.. الخير أمامك.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة أمامك )، وهو ذاهب من عرفات إلى جمع.

    الجار والمجرور: الأمر إليك.. السلام عليك.. البركة فيك.. هذا لك، وهذا له.. كلها من باب المبتدأ والخبر.

    1.   

    النواسخ

    ثم بعد ذلك شرع في ذكر العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، نحن درسنا المبتدأ والخبر مجردين عن عامل، أو عمل عامل دخل عليهما، قال: [ باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، وهي ثلاثة أشياء: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها ] أو ظن وأخواتها، هذا أمره يسير وسهل، المبتدأ والخبر تدخل عليهما عوامل، الأصل في الدخول على المبتدأ، فيحصل بعد ذلك أثر: إما على المبتدأ، وإما على الخبر، وإما عليهما معاً، فذكر هو ثلاثة أشياء: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها.

    كان وأخواتها

    فبدأ بكان وأخواتها؛ قال: [ فأما كان وأخواتها، فإنها ترفع الاسم وتنصب الخبر ]، واسمع الآن كان وأخوات كان، هذه الأخوة أخوة في الإعراب، وأخوة في العمل؛ لأن المراد بها شيء جمع أشياء في خاصية من الخاصيات، كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس، وما زال، وما انفك، وما فتئ، وما برح، وما دام، احفظها هكذا.

    كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس، هذه مجردة ليس معها شيء، عندنا أفعال يقترن بها (ما)، وهي: ما زال، ما انفك، ما فتئ، ما برح، ما دام.

    وما تصرف منها، يعني ما زال: ما يزال، ما انفك: ما ينفك، ما فتئ كذلك؛ تَاللهِ تَفْتَأُ[يوسف:85]، وما برح، وما تصرف منها كلها أيضاً: كان و يكون و كن، وأصبح ويصبح وأُصبح، وتقول: كان زيد قائماً، وليس عمرو شاخصاً -ظاهراً يعني - وما أشبه ذلك، كان هي الأخت الكبرى لاثنتي عشرة أختاً، كل منها يرفع المبتدأ وينصب الخبر، كما قال ابن مالك:

    ترفع كان المبتدأ اسماً والخبر تنصبه ككان سيداً عمر

    وأحد من الشيعة قال:

    ترفع كان المبتدأ وما يلي تنصبه ككان سيداً علي!

    بدل عمر، يعني ما أعجبه البيت.

    فالأمثلة على ذلك: قال الله سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً[البقرة:213]، (كان) في الإعراب تقول: فعل ماض ناقص؛ لأنه يحتاج إلى خبر، أما الفعل الذي ليس من هذه الأفعال، كأي فعل آخر، مثل: قام زيد، انتهى الكلام، هذا تام، لا يحتاج إلا إلى فاعل، لكن هذا لا يكفيه الفاعل، يعني لا يكفيه المبتدأ، يحتاج إلى خبر، فهو ناقص، سموه ناقصاً لذلك؛ ولذلك أحياناً (كان) تكون تامة فلا تحتاج إلى خبر، في مواضع قليلة: إذا كان معناها حدث، مثل: كان المطر، يعني حصل المطر، هذه خلاص فعل وفاعل، وفي القرآن: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ[البقرة:280]، وإن كان يعني إن حصل، وجد ذو عسرة، فعل وفاعل، لكن هنا تحتاج إلى خبر، هذا هو الأكثر، كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً[البقرة:213]، كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، الناس: اسمها، ما نحتاج إلى نقول: مبتدأ، اسمها مرفوع وعلامة رفعه الضمة، أمة: خبر (كان) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، واحدة: صفة، دائماً واحد.. اثنان.. صفة، إذا جاءك بعد لفظ موصوف.

    لفظ (واحد) إذا جاء بعد اسم نكرة فهو صفة، وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا[النساء:96] كذلك، أمسيت موقناً أيضاً كذلك، أمسيت: أمسى هذا فعل ماض، وهو من أخوات كان، والتاء: اسمها، لا تقل: فاعل، موقناً: هو الخبر، (أصبحت مؤمناً) كذلك، (أضحى الجو دافئاً) كذلك، يقول ابن زيدون في شعر له في قصيدة معروفة:

    .. أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا

    أضحى التنائي، التنائي: اسم أضحى، وقال سبحانه: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا[النحل:58]، (ظل وجهه مسوداً) (ظل) هذا هو الشاهد، فهو من أخوات كان، وهو فعل ماض مبني على الفتح، ومعنى (ظل) موجود عندك في الكتاب: الاتصاف بالخبر نهاراً في الأصل، (بات)، هذا يكون في الليل، وجهه: اسم ظل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، مسوداً: خبر، ووجهه: وجه: مضاف، والهاء مضاف إليه، مسوداً: خبر منصوب، (بات)، بات العابد قانتاً، (صار)، صار الحليم متحيراً، (ليس)، ليسوا سواءً، (ما زال)، ما زال الخير موجوداً، وكذلك ما تصرف منها، قال سبحانه: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ[هود:118]، تقول: لا: نافية، يزالون: فعل مضارع، والواو: اسمها، و مختلفين: خبرها، (يزالون) مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، مختلفين هو الخبر، منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. (ما فتئ الشيخ متذكراً)، (ما برح الثقيل قاعداً)، (ما انفك الهم جاثماً)، وهكذا.

    وهنالك تتمة؛ في أشياء أيضاً تدخل على المبتدأ والخبر، وهي إذا درستم إن شاء الله في الكتب المطولة تجدون أفعال المقاربة، الأفعال التي تدل على المقاربة مثل: أوشك و حرى، كذلك أفعال الرجاء مثل: عسى.. ونحو ذلك، هذه تدرس في موضعها، وكذلك (ما) في بعض اللغات، (ما) تعمل عمل (ليس)، يعني تعمل عمل (كان) وإنما قالوا عمل ليس؛ لأنها بمعناها، تفيد النفي، مَا هَذَا بَشَرًا[يوسف:31]، عندما تعرب: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) تقول: إن ما: نافية، هذه حجازية، كان أهل الحجاز يعملونها، كما يعملون (ليس). (ما) نافية تعمل عمل (ليس)، و هذا: اسمها، و بشراً: خبرها، تعرفه بعد ذلك؛ لأن الأصل الآن أن تتعلم صغار العلم قبل كباره.

    إنَّ وأخواتها

    ثم بعد ذلك ذكر (إن وأخواتها) قال: [ أما إن وأخواتها فإنها تنصب الاسم وترفع الخبر، وهي: إن و أن و لكنّ ] بالتشديد [ و كأن و ليت و لعل ]، تقول: إن زيداً قائم، و ليت عمراً شاخص.. وما أشبه ذلك، ومعنى إن و أن للتوكيد، ولكن للاستدراك، وكأن للتشبه، وليت للتمني، ولعل للترجي والتوقع، فقد أفادك الآن الألفاظ ومعانيها، (إن) بكسر الهمزة وبتشديد النون، وانتبه! لا تلتبس عليك بـ(أن) مثلاً، أو (إنْ)، بهذا الضابط مكسورة ومشددة؛ لأن شخصًا سأل بعض المشايخ قال: (إن) لا تنصب الاسم وترفع الخبر؟!! قال: بلى، هي تعمل ذلك العمل، قال: فلماذا جاءت في الآية التي في سورة الملك: (إنّ الكافرون لفي غرور) هذا لم يقرأ لا الآية صحيحة ولا عرف العمل الصحيح! هذه الآية: إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ[الملك:20]، وليست (إنّ)، و (إن) هذه بمعنى (ما) يعني: ما الكافرون إلا في غرور؛ لأن (إن) تأتي بمعنى (ما) قال سبحانه: إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ[فاطر:41]، يعني: ما أمسكهما من أحد من بعده، (إنْ) بمعنى (ما) فاحفظ هذا.

    قال سبحانه: إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر:34]، وفي الحديث: ( إن الدين يسر )، وفي المثل: إن العفة جيش لا يهزم أسهل الأمثلة الآن: إن الدين يسر، إن: تقول: إنها حرف للتوكيد والنصب، ينصب الاسم ويرفع الخبر، و الدين اسمها، اسم (إن) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، يسر: مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو خبر (إن).

    وانتبه! (إن) هذه دائماً إذا تكلمت في أول الكلام فلا تقل: (أن)، وكذلك هنالك لحن يقع فيه كثير من الناس، ويقولون: أن كذا وكذا.. لا، الصحيح الذي لا خلاف فيه أن تكسر وتقول: قال: إن كذا.. يقولون: إن كذا وكذا.. ولا تقل: يقولون: أنه.. لا تفتح الهمزة؛ لأنه دائماً إذا جاءت (إن) بعد القول فإنها تكون مكسورة، هنالك مواضع تفتح فيها الهمزة، ومواضع تكسر فيها الهمزة، وهنالك مواضع يجوز فيها الفتح والكسر، ذكر ابن مالك بعض الأشياء وبعضها لم يذكرها.

    تكسر في عشر وفي ثمان تفتح وفي تسعة الوجهان

    تعرف إن شاء الله فيما بعد.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة:196]، (أن الله شديد) مبتدأ وخبر، لكنه منصوب بسبب (أن)، الله: اسم (أن)، و (شديد) هو الخبر، الأول منصوب والثاني مرفوع، وهكذا الأمثلة.. (لكن) للاستدراك، إذا كانت (لكن) مخففة فإنها لا تعمل، وإنما تكون عاملة وناصبة إذا كانت مشددة، نحو: أنت معنا لكنك نائم، قد يكون الإنسان معك ولكنه نائم، جالس يسمع ولكنه نائم، لا نقول: يستمع؛ لأنه لا يستطيع أن يستمع النائم، وهنالك فرق بين (سمع) و (استمع) يسمع أشياء كذا، لكنه نائم.

    و زيد عالم لكن ابنه جاهل، و(كأن) تفيد التشبيه: كأن وجهك فلقة قمر، كأن أسنانه البَرَد، و(ليت) تفيد التمني، تمني المستحيل؛ (ألا ليت الشباب يعود يوماً)، ونحو: يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا[النساء:73]، و(لعل) ولها معنيان: الترجي يعني الرجاء نحو: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[البقرة:189]، ومثل: لعل زيداً حاضر، ترجو أن يكون حاضراً، والتوقع: لعل الغيث نازل، تتوقع أن يكون نازلاً؛ ولذلك يقول العمريطي في نظمه:

    ولترج وتوقع لعل كقولهم لعل محبوبي وصل

    أبياته جافة، لا تظن أن كل الأبيات مثل هذا البيت؛ لأن بعضكم سألني: هل يحفظ متن العمريطي، الآجرومية أحسن، لو حفظت الآجرومية يكون خيراً لك.

    فما معنى قوله سبحانه: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ[الشعراء:3]، المتكلم هو الله، فهل هو يرجو أو هو يتوقع؟ ما نستطيع أن نأتي بأحد هذين المعنيين هنا؛ ولذلك قال علماء اللغة ومنهم الزمخشري: إنها للإشفاق، للإشفاق عليه، ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ))، يعني مهلك نفسك.

    ذكرت هنالك بعض الأشياء المتعلقة بـ(إن) وبأخوات (إن)، ومتى أيضاً تكسر في بعض الحالات، أحياناً يعني ليس هنالك في الدنيا شيء يستطيع أن يعمل كل ما يريد، ما في أحد يستطيع أن يعمل كل ما يريد، ما يمكن، لابد أن يكون هناك يعني من يحجزه، هذا هو النظام في هذا الكون، وإلا فسدت الأرض، فإن الله يدفع الناس ببعضهم.

    (إن) هذه تعمل، لكن قد يأتي ما يكفها عن العمل ويمنعها، فلا تستطيع أن تعمل، ويقال لها: قفي عند حدك، وتجلس مكانها ولا تعمل شيئاً، فلو سألك إنسان مثلاً عن: ( إنما الأعمالُ بالنيات )، لماذا لم تقل: إنما الأعمالَ؟ هذه إن و ما، والأعمالُ، الأعمال: مبتدأ، وليس اسم إن، (إن)لم تعمل هنا، ما الذي كفها عن العمل؟ ما الذي حجزها؟ (ما)؛ ولذلك مباشرة نقول: كافة ومكفوفة، من هي المكفوفة؟ (إن)، وما كافة، هذا اصطلاح نعرفه، فهي لا تعمل (إن)، وكذلك (أن) لا تعمل، هنالك بعض الأشياء الشاذة مذكورة في المبسوطات.

    الآن عرفنا المبتدأ والخبر، وعرفنا بعض الأشياء التي تدخل على المبتدأ فتنصبه، أو تدخل على المبتدأ وتبقيه على ما هو عليه، ولكنها تنصب الخبر، ما الذي ينصب الخبر؟ كان وأخواتها، كم أخواتها؟ اثنا عشر، والذي ينصب المبتدأ إن وأخواتها، كم الأخوات؟ خمس، طيب! المجموع ستة.

    ظن وأخواتها

    الآن هنالك ما هو أقوى من كان ومن إن، فيأتي عليهما كليهما وينصبهما نصباً، وهو ظن وأخواتها؛ قال: [ وأما ظن وأخواتها فإنها تنصب المبتدأ والخبر، على أنهما مفعولان لها ]، يعني مفعولًا أولًا ومفعولًا ثانيًا، [ وهي: ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت، ورأيت، وعلمت، ووجدت، واتخذت، وجعلت، وسمعت ]، تقول: ظننت زيداً قائماً، و رأيت عمراً شاخصاً.. وما أشبه ذلك.

    لو تأملتم في هذه الأمثلة وعددها تسعة لوجدتم أنها متعلقة بقلب الإنسان، متعلقة بالاعتقاد، الظن له علاقة بالقلب، يعني كأن المسألة حينما اشترك فيها قلب ولسان، تواطأ القلب مع اللسان، أصبح عندنا عمل أقوى، كأنه عملان، فحصل هذا الأثر، (ظن)، كذلك (حسب)، كذلك (خلت) يعني (خال) أصلها: خال.. يخال، خلت الهلال لائحاً، (زعم) أيضاً كذلك، الزعم أصله ظن؛ ولذلك قالوا: إنه أخو الكذب في كثير من الأحيان، جاء في القرآن كله في سياق الذم، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا[التغابن:7]، (رأيت) هذه رأيت بمعنى علمت، وليست (رأيت) البصرية، يمكن تكون: رأيت الرجل.. رأيت الماء.. رأيت القمر.. انتهى الكلام، لكن هذه لا، عندما تقول: حسبت زيداً أو ظننت زيداً، ما يتم الكلام، بخلاف (رأيت) البصرية، فهنا (علمت) هذه قلبية، و(وجدت) أيضاً كذلك لها علاقة بالقلب، و(اتخذت) أيضاً كذلك؛ لأن هنالك عزماً مصمماً في القلب؛ لأنه ما اتخذت الشيء إلا بعزم، و(جعلت) أيضاً كذلك؛ لأن هنالك دافعاً دفعك إلى أن تصير الشيء إلى شيء آخر، (سمعت) هذه اللفظة - وهذا من العجيب - جاء بها الآجرومي، وما جاءت بها الكتب المطولة، أكثرها لن تجدها فيها، لا في ابن مالك، ولا في الكتب التي هي أطول منها؛ ولذلك فيها خلاف، ولذلك علقت على هذا في الشرح وقلت: إنه قلد في هذه المسألة أبا علي الفارسي، هذا واحد من عمالقة النحو قال: إنها تنصب مفعولين، وأكثر المصنفين لم يقولوا: إنها تنصب مفعولين، ولا أنها من أخوات (ظن)، ولا نحتاج إلى ذلك، ولكنه أدخلها هنا، وزادها على هذه الأشياء.

    الأمثلة واضحة: ظن: ظننت زيداً حاضراً، طبعاً معناها الشك، حسب: حسبتك فاهماً، خلت: خلت الهلال لائحاً، أو لو قلت كذلك: خال فلان الهلال لائحاً، عند الإعراب سهل جداً تقول: خلت: فعل وفاعل، الهلال: مفعول أول، لائحاً: مفعول ثانٍ، زعمت القول صائباً، رأيت السعادة كامنة في الرضا، يعني علمت، ومنه قول الشاعر:

    رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنوداً

    رأيت الله أكبر يعني علمت، وهذه الرؤيا علمية لا بصرية، (علم) نحو: علمت زيداً قارئاً، (وجد) نحو: وجدت النحو ميسراً، اتخذ: وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا[النساء:125]، أيها المسافر اتخذ الليل جملاً، يعني سافر في الليل، وفي الحديث: ( واستعينوا بشيء من الدلجة )، وهذا فيه تشبيه، تعرفه في البلاغة، (جعل) ولها في اللغة العربية معان، لكن في هذا الباب لها معنيان: اعتقد، نحو: وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا[الزخرف:19]، (جعل) تأتي بمعنى صير، وتأتي بمعنى اعتقد، الصحيح هنا أنها بمعنى اعتقد، يعني اعتقدوا الملائكة، أصل الكلام: اعتقدوا الملائكة إناثاً، الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا[الزخرف:19]، هذه صفة، هناك قراءة: (وجعلوا الملائكة عبَّاد الرحمن إناثا)، المهم نحن عندنا المفعولان: (الملائكة) و (إناثاً) جعلوا الملائكة إناثاً، نقول: إن (جعل) من أخوات (ظن)، وهي تنصب مفعولين، يعني هما أصلهما المبتدأ والخبر، أصلهما؛ لأن في اعتقادهم: الملائكة إناث، هذا هو اعتقادهم، لكنه باطل، الواو: فاعل، الملائكة: مفعول أول، الذين هم: هذه صفة، إناثاً: مفعول ثان، هذا هو المعنى الأول لـ(جعل) والثاني: صير، نحو: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ[لمائدة:97]، أنت لو قلت: جعلتُ الماء ثلجاً، أو جعلتُ الثلج سائلاً، هذا مثال، يعني صيرت، ومعناها هنا أيضاً صير الله؛ لأنه قبل أن تكون ما كانت، فصيرها قياماً للناس، المفعول الأول: الكعبة، والبيت هذا بدل، قياماً هو المفعول الثاني؛ لأن (جعل) هنا بمعنى صير.

    تتميماً للفائدة: (جعل) في اللغة العربية وفي القرآن لها أربعة معان، في القرآن منها ثلاثة، والمعنى الرابع لم يأت في القرآن الكريم، أما أحد المعاني فهو صير، والثاني اعتقد، وقد عرفناهما، وهذان ينصبان مفعولين.

    هنالك معنىً ثالث وهو (خلق) مثل: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ[الأنعام:1]، ما يوجد مفعول ثانٍ هنا، جعل الظلماتِ، لا تستطيع أن تقول: إنها بمعنى اعتقد ولا بمعنى صير، فتكون بمعنى: خلق، أي: وخلق الظلمات والنور، قالوا: إن الزمخشري قدم لتفسيره بقوله: الحمد الله الذي خلق القرآن، فقالوا له: هذا سوف ينفر الناس من تفسيرك، وهم يقولون إن المعتزلة يعتقدون أن القرآن مخلوق، فغيره إلى (جعل)؛ لأنها تحتمل، وأكثر الناس لا يعرفون أنها بمعنى (خلق). هذا هو المعنى الثالث، أصبحت المعاني ثلاثة كلها في القرآن.

    المعنى الرابع: (جعل) بمعنى: أنشأ وشرع في الشيء، تقول: جعل فلان يتكلم، فجعل ينشد علينا شعراً، أو جعل يبكي مثلاً، (جعل) هذه لا تنصب لا مفعولاً ولا مفعولين، هذه تكتفي بالفاعل.

    إذا جعل بمعنى خلق أو أوجد الشيء تنصب مفعولاً واحداً، لكن جعل التي بمعنى شرع مثل جعل يبكي.. أو تصف شخصًا غاضبًا فتقول: فجعل يهذي فلان، هذه ليست بمعنى (خلق)، ولا تعمل عمل (جعل) التي بمعنى (خلق)، وإنما هي لازمة يعني لا تحتاج إلى مفعول، ولا تتعدى إليه، وسوف يأتيكم التعدي واللزوم.

    وأما بالنسبة لـ(سمع) فمثالها: سمعت زيداً يتكلم، يتكلم يقول: إنها مفعول ثانٍ، فهي جملة في محل نصب مفعول ثانٍ، أو سمعت زيداً متكلماً.

    إذاً: انتهينا من (ظن) وأخوات (ظن).

    1.   

    التوابع

    ثم تكلم المصنف بعد ذلك على النعت، هو لم يضم التوابع بعضها إلى بعض، كما فعل هنا، قال: [ والتابع للمرفوع، وهو أربعة أشياء: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل ]، فجاء بالنعت وحده، ثم بعد ذلك ذهب إلى المعرفة، وذكر المعارف، ثم عاد مرة أخرى إلى التوابع، يعني كان في الترتيب خلل.

    الآن عرفنا نحن أن المرفوعات سبعة، ذكرنا منها ستة، بقي معنا التوابع الآن، يعني ذكرنا الفاعل، وذكرنا نائب الفاعل، والمبتدأ والخبر، واسم كان، وخبر إن، هذه الستة كلها مرفوعة.

    ثم ذكر من باب الاستطراد ظن وأخواتها، هذه ما فيها مرفوعات، لكن الأصل في مبتدئها وخبرها أنهما مرفوعان، لكن عندما دخلت عليهما ظن نصبتهما، فهي ليست من المرفوعات، وإنما هي من المنصوبات، يعني هي قبل أن تدخل عليها ظن كانت مرفوعة، فالآن يريد أن يقول لك: إنها تأثرت بعمل العامل (ظن) فنصبتها، فلا يلتبس عليك هذا. الآن ذكر النعت، ذكر التوابع وبدأ بالنعت، وجاء بالتوكيد.. إلخ.

    التوابع: هي التي تتبع الاسم السابق، تتبعه في الإعراب، فتكون مثله في الإعراب، وهي أربعة، الصفة التي هي النعت، لكن النعت عبارة أدق؛ لأن الصفة حتى الخبر هو صفة، عندما تقول: محمد عالم، (عالم) هذا وصف له، لكنه ليس بالصفة النحوية، نحن عندنا نعت، أحسن نسميه نعتاً، النعت، والتوكيد، والعطف، والبدل هذه تتبع ما قبلها.

    أنا أمثل لك الآن للأربعة: النعت، مثلاً تقول: مررت بزيد العاقل، جاء زيد العالم، العالم هذا صفة، وصفته بأنه عالم، أو الكبير أو السمين، جاء زيد السمين، السمين هذا وصف له، إذاً هذا يتبعه في الإعراب، كذلك البدل؛ عندما تقول: أكلت الرغيف ثلثه، قرأت الكتاب نصفه، فـ(نصفه) هذا بدل من الكتاب، والعطف: جاء زيد وعمرو، جاء زيد و خالد، خالد: هذا معطوف على زيد فيأخذ حكمه، والتوكيد عندما تقول مثلاً: قرأت الكتاب كله، فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ[الحجر:30]، هذا توكيد، وإعرابه كإعراب الاسم الذي قبله الذي أكده، فإن كان مرفوعاً فإنه يرفع، إن كان الاسم الذي قبله مرفوعاً فإنه يكون مرفوعاً، وإن كان منصوباً يكون منصوباً، وإن كان مجروراً يكون مجروراً.

    فهنا قال رحمه الله: [ النعت تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه ] أي جره [ وتعريفه وتنكيره ] قام زيد العاقلُ، ورأيت زيداً العاقلَ، و مررت بزيد العاقلِ، لو قال إنسان: قام زيدُ العاقلَ، هل يصح العاقلَ؟ الأصل العاقلُ، لكن العاقلَ جائز في اللغة العربية، له وجه آخر.

    قام زيد العاقل يعني: أعني العاقل، خصه بشيء، يعني عندهم قاعدة يقولون: (لولا الحذف والتقدير لعرف النحو الكثير)، هم يقولون: الحمير! لكن لا نريد أن نقول: الحمير، يعني لعرف النحو الكثير من الناس، لولا الحذف والتقدير؛ فأحياناً يكون الحذف أبلغ، لكن هذا قليل، قام زيد العاقلُ، رأيت زيداً العاقلَ، و مررت بزيد العاقلِ، عندما تعرب تقول: قام زيد فعل وفاعل؛ لأننا الآن لا نحتاج إلى أن نعرب الإعراب القديم، أنتم الآن قاربتم الدرجة الرفيعة، قام زيد: فعل وفاعل، العاقل صفة أو نعت، أحسن نقول: إنه نعت، لو قلت صفة يكون صحيحاً أيضاً، مرفوع وعلامة رفعه الضمة، رفع لأنه يتبع موصوفه، منعوته. أحب المؤمن القوي؛ لأن الله يحبه، ويحب المؤمن الضعيف، لكن من الأحب عند الله؟ المؤمن القوي، أحب المؤمن القوي: أحب: فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا)، المؤمن: مفعول به، القوي: صفة أو نعت للمؤمن.

    قال الحريري:

    يا خاطب الدنيا الدنية إنها شرك الردى وقرارة الأكدار

    دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غدا قبحاً لها من دار

    يا خاطب الدنيا الدنية، الدنية: صفة للدنيا، ولك أن تقول: الدنيةَ، هذا له وجه آخر.

    هنالك أشياء في النعت الحقيقي والسببي لا نريد أن نذكرها، يكفي أن تعرف أن النعت هو لفظ ينعت به أو يوصف به المنعوت السابق، وهو يتبعه في الإعراب، فإذا كان مرفوعاً فإنه يكون مرفوعاً، وإذا كان منصوباً يكون منصوباً، وإذا كان مجروراً يكون مجروراً، فالإعراب المراد به: الرفع أو النصب أو الجر، ويتبعه في الإفراد والتذكير، هذا هو الأصل، وفي التعريف وفي التنكير، وفي الإفراد أو التثنية أو الجمع، هذه عشرة أشياء.

    لكن أحياناً هنالك نعت يسمونه النعت السببي، هذا لا يتبعه في واحد من كل هذه الأشياء؛ لأن عندنا رفع ونصب وجر، وعندنا إفراد وتثنية وجمع، وعندنا تنكير وتعريف، وعندنا تذكير وتأنيث، فأحياناً لا يتبع النعت المنعوت في كل شيء، أمثل لك، عندما تقول مثلاً: مررت بامرأة عجوز، عجوزٍ، الآن عجوز تابعة للفظ امرأة في الإعراب أول شيء، يعني واحد من الرفع أو النصب أو الجر، هو الآن مجرور، إذاً هو مجرور، هل تبعه في التأنيث؟

    نعم؛ لأن عجوز هذا مؤنث، لكن دعونا نأتي لكم بلفظ مؤنث، نحو: نائمة، فتقول: مررت بامرأة أو برجل نائم، رجل مجرور و نائم مجرور، إذاً: نائم الآن تبع موصوفه في الإعراب، في الجر، وهو مذكر، نائمٍ ولم نقل: نائمة، معروف هذا، وهو أيضاً كذلك منكر، هو نكرة، لم نقل: برجل النائم، وهو أيضاً مفرد، لم نقل: برجل نائمَين، ولا نائمِين، هذا أمر معروف، لكن أحياناً يحصل خلل، يعني يحصل خروج عن هذه القاعدة، قال سبحانه: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا[النساء:75]، الآن هل القرية مجرورة؟

    نعم، والظالم مجرورة، القرية معرفة والظالم معرفة، القرية مفردة والظالم مفرد، لكن يوجد شيء: القرية مؤنثة والظالم ليس بمؤنث، لماذا؟ في سبب، ولذلك يسموه نعتاً سببياً، أهلها، من أجل أهل؛ لأنه هو في الحقيقة وصف للأهل، لكن الوصف لا يتقدم، فجعلناه كأنه وصف للقرية.

    طيب! لو قلت: مررت برجل مكسورة رجله، رجل مذكر و مكسورة مؤنث، من أجل الرجل؛ لأن الرجل مؤنثة، ففي مثل هذه الحالة يحصل خروج عن القاعدة فقط.

    1.   

    المعرفة والنكرة

    ثم بعد ذلك ذكر المعرفة، يعني ما هي المعرفات؟ ما هي الأشياء التي هي معرفة؟.

    نحن عندنا الأسماء إما نكرة وإما معرفة، الأصل النكرة، الأكثر نكرة.

    المعرفة

    المعارف قال: إنها خمسة:

    الضمير.. الاسم المضمر.. أنا وأنت.

    والاسم العلم: العلم اسم لإنسان، لشخص أو لشيء آخر، الاسم العلم، نحو: زيد ومكة، مكة علم.

    والاسم المبهم: نحو: هذا اسم الإشارة، وهذه وهؤلاء.

    والاسم الذي فيه الألف واللام: نحو: الرجل والغلام.

    وما أضيف إلى واحد من هذه الأربعة، يعني المضاف إليه، لكنه ترك أشياء، الاسم الموصول، وهو الذي..، فإنه من المعارف.

    وترك شيئاً آخر، وابن مالك تركه أيضاً، وهو المنادى، أنا أعطيك بيتاً قيمته كذا وكذا، لو يساوي مبلغاً كبيراً، فجميع المعارف سبعة، وليست خمسة كما ذكرت.

    قال الناظم: (إن المعارف سبعة فيها سهل..)، هذا الكلام كله بس مقدمة، هذا نصف البيت الأول، وليس فيه شيء، المعارف جمعها بعد ذلك في النصف الثاني، (أنا صالح ذا ما الفتى ابني يا رجل) .

    أنا صالح.. انظر! اكتبها هكذا: أنا، واكتب فاصلة، صالح، ثم فاصلة، ذا، ثم فاصلة، ما، ثم فاصلة، الفتى، ثم فاصلة، ابني، ثم فاصلة، يا رجل، يصبح البيت:

    إن المعارف سبعة فيها سهل أنا، صالح، ذا، ما، الفتى، ابني، يا رجل

    هكذا يقرأ، ولا تكسر البيت، إذا كسرت البيت خرج عن الشعر، هذا هو الضمير، وهو معرفة، بل هو أعرف هذه المعارف، أعرف المعارف هو لفظ الجلالة، لكن من حيث الجملة بالنسبة لهذه الأشياء الضمير هو الأقوى، (أنا) هذا هو الضمير، (صالح) هذا هو العلم، واحد اسمه صالح.. محمد.. أحمد.. كلها علم، هو جاء بالأمثلة للرمز إلى هذه الأشياء، فاكتب عند (أنا) الضمير، (صالح) العلم، (ذا) اسم الإشارة، (ما) اسم الموصول؛ لأن (ما) تأتي بمعنى الذي، ابني: المضاف، لأن (ابن) هذا معرفة، من أجل أنه أضيف إلى معرفة، ما هو المعرفة؟ الياء، ياء الضمير معرفة، يا رجل: منادى؛ لأنك عندما تقول: يا رجلُ، أصبح معروفاً.

    ولكن اختلفوا في هذا؛ هل هو معرفة أم ليس بمعرفة؟ وابن مالك ما جعله معرفة، قال: وغيره معرفة كـهم و ذي و هند و ابني و الغلام و الذي، لكن هذا جمع لك المعارف السبعة، وأنا ذكرتها في شرحي على الألفية، الشرح الميسر على الألفية، ذكرت هذا البيت.

    الاسم المضمر: أنا و أنت..

    الاسم العلم: زيد ومكة.

    الاسم المبهم: هذا وهذه و هؤلاء.

    الاسم الذي فيه الألف واللام: الرجل و الغلام.

    ما أضيف إلى واحد من هذه الأربعة، يعني اسم أضيف إلى ضمير مثل: ابني، أو اسم أضيف إلى علم: غلام زيد، مثلاً: جبل مكة.

    الاسم المبهم: الإشارة يعني: الغلام هذا.

    الاسم الذي فيه الألف واللام، ما أضيف إلى الاسم الذي فيه الألف واللام: غلام الرجل.. ونحو ذلك، والمسألة سهلة في هذه الضمائر، كلها معارف.

    إذاً: عرفتم الآن الضمائر مثل: أنا و نحن، المخاطب أيضاً كذلك، أنت و أنتِ و أنتما و أنتم و أنتن، ضمير الغائب: هو و هي و هما و هم و هن، هذه كلها ضمائر.

    ونأتي إلى العلم، العلم: هو الاسم الذي يكون علماً على شخص، مثلاً: علم على رجل اسمه محمد أو زيد أو على حيوان، مثل الخيل الآن، لكل فرس اسم في المسابقات، هذه اسمها كذا وهذه اسمها كذا.. كل فرس لها اسم، خلاص يصبح علماً عليها، قد يكون أيضاً للشجر، شجرة لها اسم محدد، قد يكون حيواناً، قد يكون قبيلة.. وهكذا، كلها موجودة ومذكورة، حتى لو كان لقباً أو كان كنية، الكنية علم، لو قلت: أبو فلان، هذا علم من الأعلام..

    إذاً: سواء كان اسم شخص أو علم جنس، أو اسم جنس، كل ذلك داخل في الأعلام، كما قال ابن مالك: (وهكذا ثعالة للثعلب) وقال: (كذا فجار علم للفجرة)، وهكذا.

    اسم الإشارة: هذا، هذه.. وهكذا، هؤلاء، أيضاً يقال للمرأة: هات، هاتي.. كل ذلك سواء، تي.. تا، هذا في الإشارة، هؤلاء كذلك، أيضاً (ثم) هناك، و (ثم) جاءت في القرآن في أربعة مواضع: فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ[البقرة:115]، أي: فثم قبلة الله، فثم أي: فهناك، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ[التكوير:21]، مطاع: هناك، كذلك.

    اسم الموصول: الذي.. التي.. الذين.. اللذان.. اللائي.. اللاتي.. (مَن) تأتي اسماً موصولاً، (ما) كما عرفتم تأتي اسماً موصولاً.. وهكذا.

    الاسم الذي دخل عليه الألف واللام أيضاً كذلك كل اسم، لكن أحياناً يدخل الألف واللام على اسم وهو معرفة من السابق، مثل عباس نقول: العباس، هذا جردناه من (أل)، أو أدخلنا عليه (أل)، كل ذلك لا يضر، المضاف أيضاً كذلك، المضاف معروف؛ أي كلمة أضيفت إلى كلمة أخرى والكلمة الأخرى معرفة فإنها تكتسب التعريف؛ لأن الشيء يكتسب أو يخلع عليه من معاني ما جاوره ما اختص به؛ كما قالوا: الصاحب ساحب.

    جمعتها أيضاً في البيت بس غيرت البيتخرىأخرى

    :

    إن المعاريف سبعة فيها اجتمع صالح، ذا، ما، الفتى، ابني، يا جدع

    الجدع يعني الإنسان النشيط؛ لأن من العلماء من يرى أن المنادى معرفه فيه خلاف.

    النكرة

    طيب!. ثم بعد ذلك ذكر النكرة فقال رحمه الله: [ والنكرة: كل اسم شائع في جنسه، لا يختص به واحد دون آخر، وتقريبه كل ما صلح دخول الألف واللام عليه نحو: الرجل والفرس ].

    النكرة هي الأصل، إذا أردت أن تعرف الاسم النكرة فاعلم أنه: هو الذي يقبل (أل) وتؤثر فيه التعريف، ما يقبل (أل) هل لك الآن عندما تقول مثلاً: عبد الرحمن أن تدخل على عبد أل؟ لا، إلا إذا كنت تقصد بـ(أل) في: العبد الرحمن، فلان العبد اللطيف (آل)، لكنهم اختصروها إلى هذا اللفظ، كذلك: المحمد، ما يصح أن تدخل أل على محمد، إلا إذا كان تقصد: آل محمد، وتقول: آل محمد، وكذلك خالد.. ونحو ذلك، لكن عندما تقول: رجل، هل تستطيع أن تدخل (أل)؟ نعم، وهكذا كتاب: الكتاب.

    هذا هو ضابط النكرة، ما يصح أن تدخل عليه أل وتؤثر فيه التعريف، وتؤثر فيه التعريف يعني تجعله معرفة، فعندما تقول: جاءني رجل، ثم تقول: ذهب الرجل، أصبح معرفة الآن؛ لأنه صار معروفاً، تحدثت عنه وعرفناه، فقلت: الرجل، أصبح معرفة، أثرت فيه أل، لكن عندما تقول: العباس يجوز.. هذه ليست بمعنى (أل) التي للتعريف، يقولون: هذه للمح الأصل، أصله صيغة مبالغة، عندما تقول: فلان يعبس، وهو كثير العبوس تقول: عباس، فإذا أردت أن تصفه وصفاً حتى يصبح معرفة تقول: العباس، سميناه عباساً ثم أدخلنا عليه أل للمح هذا الأصل، أصله هكذا.

    لا يضق صدرك من عدم معرفة هذه الأشياء؛ لأنها هي خارجة عن مستوى هذا الكتاب، فما لم تعرفه الآن تعرفه بعد ذلك، يكفي الآن أن تأتي بالحجارة، وتأتي بالإسمنت، وتأتي بآلات البناء وتبدأ الأساس، بعد ذلك إن شاء الله تبني؛ ما في مشكلة، أنت الآن بنيت، والآن تضع السقف، الآن المنصوبات سوف تأتي وتضع السقف، وبعد ذلك الزخارف والأشياء.. أو البويا؛ الطلاء هذا، وبعض الأشياء التحسينية، الكمالية تأتي بعد ذلك إن شاء الله، الآن أنت تبني بيتاً شعبياً، يعني تستطيع أن تسكن فيه، الآن أنت تقرأ لتقيم لسانك، ولتعرف معرفة أولية النحو..

    1.   

    تابع التوابع

    نقلنا المصنف بعد ذلك إلى حروف العطف؛ لأنه من التوابع - العطف- هو رحمه الله لو كان جعل النعت مع العطف مع التوكيد مع البدل، وقدم المعرفة في الأول؛ لكان هذا أحسن كما رتب العلماء، لكنه جعله على هذا الترتيب، ونحن ملزمون بترتيبه.

    قال رحمه الله: [ وحروف العطف عشرة، وهي: الواو والفاء وثم وأو وأم وإما وبل ولا ولكن وحتى في بعض المواضع ]، حروف العطف عشرة: الواو؛ هذه هي أم الباب، تقول: جاء زيد وعمرو، المعطوف يا جماعة هو من التوابع، المعطوف يتبع ما قبله، تقول: جاء زيد وخالدٍ أو وخالداً، أم تقول: وخالدٌ؟ يتبعه، مثل الأول: جاء زيدُ وخالدٌ، مررت بزيدٍ وخالدٍ.

    كذلك الواو هي لمطلق الجمع، قالوا: إنها لا تفيد الترتيب؛ ممكن يكون زيد جاء مع خالد، ويمكن أن يكون جاء قبله، ويمكن أن يكون جاء بعده، لك أن تعبر بهذا التعبير بغض النظر عن كون الداخل الأول هو زيد أم خالد.

    لكن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب، مباشرة، تقول: دخل زيد فخالد، يعني جاء بعده مباشرة، لو كان دخل اليوم الثاني أو بعد ساعات لا يصح أن تقول: زيد فـخالد، بل تقول: ثم خالد، لو دخل معه لا تقل: زيد فخالد، لو كان العكس أيضاً يكون الكلام خطأً، فهي تفيد الترتيب والتعقيب، اللغة العربية لغة ذكية دقيقة، قال عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، ثم قال: ( فإذا كبر فكبروا )، فكبروا، لو تأخرت لا تكون متابعًا للإمام متابعة حقيقية، لو ركعت معه لا تكون متابعاً له، لو قبله؛ أنت في واد وهو في واد آخر، فالمتابعة تكون بعده مباشرة، فالفاء تفيد أن ما بعدها تبع ما قبلها مباشرة.

    ثم بالتراخي، هنالك مهلة بين الأول وبين الثاني، تقول: ولي الخلافة أبو بكر ثم عثمان، فهنالك فاصل؛ مدة عمر.

    هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756016991