إسلام ويب

شرح الأجرومية [3]للشيخ : عبد العزيز بن علي الحربي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأصل في الإعراب أن يكون بالحركات رفعاً ونصباً وجراً وجزماً، وربما تنوب بعض الحركات عن بعض كما في الممنوع من الصرف أو في جمع المؤنث السالم، وقد تنوب كذلك الحروف عن الحركات كما في جمع المذكر السالم والمثنى والأسماء الخمسة، وكذلك الأفعال الخمسة، وعلى هذا فالمعربات قسمان: معربات بالحركات، ومعربات بالحروف.

    1.   

    ذكر بعض القواعد الكلية النحوية

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

    من خلال ما قرأنا في اليومين الماضيين نستطيع أن نستخرج قواعد كلية، والقواعد الكلية يعني العامة، التي تجمع أجزاءً من المعاني تضبط لك مسائل كثيرة، نحن نستطيع أن نقول من خلال تعريفنا للكلام في اصطلاح النحويين: كل لفظ مفيد كلام، هذا كلامه صحيح.

    ونستطيع أن نقول أيضاً: الفعل مرتبط بزمان؛ لأن الحرف لا يرتبط بزمان، وكذلك الاسم لا يرتبط بزمان؛ لأن الفعل الحدث.

    ونستطيع أن نعرف من خلال درسنا بالأمس أن الأصل في الأسماء الإعراب وليس البناء، هذا الأصل عرفناه، أحياناً نعرف أنه هو الأصل لأنه هو الأكثر، وأحياناً نعرف أنه هو الأصل لأن الفرع طرأ عليه أمر زائد، كما نقول: النكرة والمعرفة، الأصل النكرة بعد ذلك أضفنا (أل) إلى الاسم المنكر فصار معرفة، فالأصل في الأسماء الإعراب.

    وهنالك أيضاً قاعدة كلية لا تقبل الاستثناء -وأضفها إلى القواعد الأولى- وهي: كل حرف مبني، يعني ليس في الحروف ما هو معرب، بلا استثناء.

    كذلك هناك قاعدة أخرى: الأصل في البناء السكون.

    وقاعدة أخرى: الحركات هي الأصل في الإعراب، الحركات يعني: الضمة والفتحة والكسرة، ما ضد الحركات؟ السكون، وأيضاً الحروف التي تأتي للنيابة، فمثلاً: نقول: إن لفظ (أبوك) مرفوع بالواو وليس بالضمة، هذا خرج عن الأصل، فقد يكون الإعراب بالحرف أو بالحذف، والإعراب بالحركات عرفناه.

    قد يكون الإعراب بالحرف كما عرفتم في الأسماء الخمسة، وفي المثنى، وفي جمع المذكر السالم، وفي الأفعال الخمسة، وقد يكون بالحذف بأن نحذف الحرف، مثل الأفعال الخمسة، ومثل الأفعال المعتلة، كقولك: لم يسع، وقول الله: فَلْيَدْعُ نَادِيَه[العلق:17]، هل هذا اللفظ يصح أن تقول فيه- في غير القرآن - : فليدعو ناديه؟ لا، لأن هذا الفعل مجزوم بلام الأمر، أصل الفعل: يدعو، دخلت على الفعل لام الأمر فجزمته، ما أثر هذا الجزم؟ أحياناً الجزم يكون بالسكون حينما يكون الحرف صحيحاً؛ لأنه يتحمل، لكن هنا لا يتحمل فنحذف الحرف، هنا أثر الجزم هو بحذف الواو؛ ولهذا إذا قرأت هذه اللفظة ووقفت عليها، قيل لك على سبيل الاختبار: قف على (فليدعو) تقول: (فليدع) ولا تأتي بالواو؛ لأن الواو ليست موجودة بسبب هذا الجزم. إذاً قد يكون الإعراب بالحرف وقد يكون بالحذف.

    قاعدة أخرى: أيضاً النيابة تكون في الحركات، فقد تنوب حركة عن حركة، كما سوف يأتينا وأتانا بالأمس، فمثلاً: جمع المؤنث السالم ينصب بالكسر، والكسر هذا يكون للجر، هذه المرة نقول: إنه منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، كما في الآية التي سمعتموها في الصلاة: خَلَقَ السَّمَوَاتِ[الأنعام:73]، وليس (السماواتَ) وإنما (خلق السماواتِ) فالسماواتِ: مفعول به منصوب بالكسرة.

    ويكون بالحروف، يعني كما تكون النيابة في الحركات تكون كذلك في الحروف، فيأتي حرف وينوب عن حركة، كما عرفتم في الأسماء الخمسة، وكما عرفتم في المثنى وجمع المذكر السالم، وكما عرفتم أيضاً كذلك في الأفعال الخمسة.

    والنيابة تكون أيضاً في الكلمات، يعني هل هناك كلمة تنوب عن كلمة؟ هل هنالك لفظ ينوب عن لفظ؟ نعم، وهذا سوف يأتينا في نائب الفاعل، الفاعل يحذف ونأتي بالمفعول ونقعده مكانه فيكون نائباً عن الفاعل.

    ما شرحناه بالأمس وما سنشرحه اليوم سألخصه بعد ذلك بكلمة ونصف إن شاء الله، لكن كلمة ونصف الكلمة المقصود بها كلام، (وكلمة بها كلام قد يؤم)، والمراد من ذلك أنها سوف تكون في ألفاظ مختصرة؛ لأن المصنف توسع كثيراً وكرر كثيراً، والمسألة سهلة، لكن نحن ملتزمون بالسير على منهج الكتاب، نحن بالأمس وقفنا عند قوله: (علامات الخفض).

    1.   

    علامات الخفض

    قال الآجرومي رحمه الله: [ وللخفض ثلاث علامات ] الخفض هو الجر، [ الكسرة والياء والفتحة ] ثلاثة أشياء، هنالك أسماء تجر بالكسرة، وهذا هو الأصل، وهنالك من الأسماء ما يجر بالياء، وهنالك ما يجر بالفتحة والأصل أن يجر بالكسرة، فالياء والفتحة خرجتا عن الأصل.

    مواضع الكسرة

    فصل في ذلك فقال رحمه الله: [فأما الكسرة فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع: في الاسم المفرد المنصرف، وجمع التكسير المنصرف، وجمع المؤنث السالم ]، ثلاثة مواضع تكون الكسرة فيها هي العلامة، الاسم المفرد وقد عرفتموه، وقوله: (المنصرف) هذا القيد أراد أن يخرج به الممنوع من الصرف، وسوف يأتينا كلام مطول عن الاسم الممنوع من الصرف، الصرف يعني التنوين، يعني لا ينون، هنالك أسماء لا تنون، مثل لفظ (أحمد) لا ينون لأنه جاء على وزن الفعل فلا نجره؛ لأنه وقع فيه شبه الفعل، يعني شارك الفعل في شيء من خصائصه، كذلك مثلاً (مساجد) هذه صيغة منتهى الجموع، حينما جاوز الحد أيضاً منعناه كذلك من الصرف؛ لأنه جاء على صيغة طويلة، مفاتيح.. مساجد.. مناكير.. وهكذا.

    إذاً الاسم المفرد المنصرف مثل: زيد ومحمد وخالد وصالح وبيت.

    وجمع التكسير المنصرف مثل: طلاب.. بيوت.. أقلام.. فنقول مثلاً: مررت برجالٍ، مررت بطلابٍ، نظرت إلى أقلامٍ.. وهكذا، وجمع المؤنث السالم أيضاً كذلك يجر بالكسرة، مثل نظرت إلى السماواتِ.

    قال سبحانه: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ[الناس:1-6]، رب، الناس، ملك، إله، الوسواس، الخناس، الناس، الجنة، كل هذه أسماء مفردة ومجرورة، هو يقول: إن الكسرة تكون علامة للخفض في الاسم المفرد المنصرف، وهذه ثلاثة عشر اسماً في هذه السورة جميعها مجرورة بالكسرة؛ لأنها مفردة منصرفة.

    أما كلمة (صدور) فهذه جمع، لكن الممنوع من الصرف لا يجر بالكسرة، لفظ: إبراهيم، إسحاق، يعقوب، وغير ذلك، جميع الأسماء الأعجمية ممنوعة من الصرف، نحن عندنا جميع الأنبياء المذكورين في القرآن أسماؤهم أعجمية ما عدا ستة، وهم: صالح ونوح وشعيب ومحمد ولوط وهود، يجمعهم لفظ: (صن شمله)، الصاد لـصالح، والنون لـنوح، والشين لـشعيب، والميم لمحمد، واللام للوط، والهاء لـهود، عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

    وجمع التكسير كما قال سبحانه: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا[النساء:136]، لفظ (ملائكة) مجرور بالكسرة، وهو جمع تكسير، و (كتبه) أيضاً مجرور بالكسرة، وهو جمع تكسير، و(رسله) أيضاً كذلك مجرور بالكسرة وهو جمع تكسير، فالكسرة ظاهرة على أواخر هذه الألفاظ الثلاثة.

    وجمع المؤنث السالم كما قال سبحانه: وَالمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا[المرسلات:1-4].. وهكذا، (والمرسلات) الواو للقسم، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، هو مجرور علامة جره الكسرة، (العاصفات) أيضاً كذلك؛ لأنه معطوف، (والناشرات) أيضاً كذلك، الواو عاطفة أو هي للقسم أيضاً، (فالفارقات) مجرور بالكسرة، (فالملقيات) كذلك، و(النازعات) أيضاً كذلك، هذه أسماء خمسة كلها مجرورة إما بواو القسم أو العطف.

    نيابة الياء عن الكسرة

    ثم قال رحمه الله بعد ذلك في نيابة الياء عن الكسرة: [ وأما الياء فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع: في الأسماء الخمسة، وفي التثنية، والجمع ]، الآن بدأنا في النيابة، الأصل في الجر أنه يكون بالكسر، قد تغيب الكسرة وينوب عنها الياء، متى تنوب الياء عن الكسرة؟ تنوب الياء عن الكسرة في الأسماء الخمسة، وفي التثنية، وفي الجمع، وهذا أمر تعرفونه، في الأسماء الخمسة مر بنا ما يتعلق بما ينوب عن الضمة في الأسماء الخمسة، الأسماء الخمسة ترفع بماذا؟ بالواو نيابة عن الضمة، أضف الآن المعلومة الجديدة، وهي أنها تجر بالياء، فالنيابة في الأسماء الخمسة في الحالات الثلاث: ترفع بالواو، تجر بالياء، وسوف يأتينا بعد ذلك أنها تنصب بالألف؛ فتقول: مررت بأبيك وأخيك وحميك وذي مال، ونظرت إلى فيك، هذا أمر واضح.

    وأيضاً كذلك الياء تنوب عن الكسرة في المثنى، تقول: مررت بالمحمدين أو مررت بالطالبين، وتقول في إعرابه: مررت: فعل وفاعل، و بالمحمدين: جار ومجرور، الباء: حرف جر، المحمدين: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى. ومن أمثلة المثنى: قل للتلميذين، لا تنظرا إلى الفتاتين، فللتلميذين: مجرور وعلامة جره الياء، إلى الفتاتين أيضاً مجرور وعلامة جره الياء.

    أيضاً كذلك الياء تنوب عن الكسرة في جمع المذكر السالم، تقول: مررت بالطالبين، ومررت بالمسلمين، قال الله تعالى: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ[البقرة:2]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة:119]، وقال سبحانه: وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ[آل عمران:152].

    إذا أردت أن تعرب: وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ[آل عمران:152] تقول: الواو هنا للاستئناف، الله: مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ذو فضل: ذو: هذه من الأسماء الخمسة، وهي خبر مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنها من الأسماء الخمسة، وهو مضاف و فضل: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وعلى المؤمنين: على: حرف جر، و المؤمنين: اسم مجرور بـعلى، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه جمع مذكر سالم.

    ثم نأتي بعد ذلك إلى نيابة الفتحة عن الكسرة، متى تنوب الفتحة عن الكسرة؟

    نيابة الفتحة عن الكسرة

    قال الآجرومي رحمه الله: [وأما الفتحة فتكون علامة للخفض في الاسم الذي لا ينصرف ]، حينما تقرأ لفظ (في الاسم) لا تقل: (في الإسم) قل: (في الاسم) لماذا؟ الهمز همزة وصل، وهمزة الوصل تسقط في الدرج أو في الوصل، فلا تأتي بها، كما تسقطها مثلاً في: بسم الله، لا تقل: بإسم الله، ولا تقل: بإسم ألله، إنما تسقط هذه الهمزة، فنقرأ قوله سبحانه: بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ[الحجرات:11]، ولا نقرؤها: بئس الإسم، كما يقع في ذلك بعض الناس، وهكذا كل الأسماء التي همزتها همزة وصل، حينما تقول: يوم الاثنين، لا تقل: يوم الإثنين، ولكن قل: يوم الاثنين بإسقاط الهمزة؛ لأن الهمزة همزة وصل.

    نرجع إلى موضوعنا الفتحة تنوب عن الكسرة في شيء واحد في الاسم الذي لا ينصرف، حينما تقول: مررت بـإبراهيم، هل تقول كذلك: بـإبراهيمَ أم بـإبراهيمِ، تقول: مررت بـصالحٍ وإبراهيمَ، لماذا جررت صالحاً بالكسرة وجررت إبراهيم بالفتحة؟ الجواب على ذلك: أن الأول ليس بممنوع من الصرف، بمعنى ليس بممنوع من التنوين ومن الجر، وأما لفظ (إبراهيم) فإنه ممنوع من الصرف ومن الجر، فنقول: مررت بـصالحٍ وإبراهيمَ وإسماعيلَ وهكذا، يقول الله سبحانه: قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ[آل عمران:84]، (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)، هكذا هو مجرور، عند الإعراب تقول: على إبراهيم: على: حرف جر، و إبراهيم: اسم مجرور بعلى وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف، و إسماعيل أيضاً معطوف عليه، وأنتم سوف تعرفون في باب العطف أن التابع يتبع متبوعه في الإعراب، و إسحاق أيضاً كذلك، و يعقوب كذلك، هذه أسماء أعجمية وهي أعلام، ولما كانت أعلاماً أعجمية منعت من الصرف؛ ولذلك بعد هذه اللفظة قال: وَالأَسْبَاطِ[آل عمران:84]، (والأسباط) مجرور، بالكسرة، واللفظ الممنوع من الصرف إذا دخلت عليه (أل) أو صار مضافاً فإنه يجر بالكسرة حينئذ، لا يمنع من الصرف ولا يمنع من الجر، بل يجر بالكسرة.

    نبذة عن الممنوع من الصرف

    نحن نحتاج إلى أن نذكر نبذة بسيطة عن الممنوع من الصرف، أنا ذكرتها في التتمة ولم يذكرها المصنف، ولم يتحدث عن الممنوع من الصرف، فتجدون من كان عنده الكتاب في صفحة (34): تتمة في الممنوع من الصرف.

    أولاً: الصرف هو: التنوين، اتفقنا على هذا، والأسماء التي تمنع من الصرف تنقسم إلى قسمين:

    هنالك أعلام، يعني هنالك ألفاظ هي أعلام، وهنالك صفات، فأما الأعلام فهي الآتي: إذا كان العلم مؤنثاً، إذا جاءك اسم مؤنث وهو اسم لشخص، سواء كان رجلاً أو امرأة، يعني ليس بشرط أن يكون الاسم لامرأة، قد يكون الاسم لامرأة ولكن سمي به مذكر، فقد يوجد رجل اسمه سعاد مثلاً، فنحن نشتغل باللفظ من حيث الأصل، فهو مؤنث في لفظه ولكنه لمذكر، فلفظ سعاد وزينب وحمزة وفاطمة وكل الأسماء المؤنثة إذا جاوزت ثلاثة أحرف فهي ممنوعة من الصرف، مثل: هيفاء أو شيماء أو رزان أو.. أي اسم، وكذلك مثل: خديجة، ميمونة، حفصة، صفية، سودة، مارية .. وهكذا.

    إذاً إذا كان العلم مؤنثاً -هذا واحد- يمنع من الصرف.

    اثنان: إذا كان العلم أعجمياً وهو اسم لشخص، مثل: إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، وقد عرفتم هذا، وجورج ممنوع من الصرف، أي أنه اسم ليس بعربي، وكذلك يوسف، ولندن اسم أيضاً علم على مدينة، فإذا صار الشيء علماً، سواء كان شخصاً من الناس أو شخصاً من المخلوقات الأخرى، ما دام أصبح علماً عليه، واسماً له يميزه عن غيره، وليس بنكرة فإنه يكون ممنوعاً من الصرف، وهكذا كل البلدان التي لها أسماء ليست بعربية كواشنطن وغيرها.

    ثلاثة: إذا كان فيه ألف ونون زائدتان، مثل: عثمان وعدنان وصفوان .. ونحو ذلك، فلو أن واحداً مثلاً من شياطين الإنس سميناه شيطاناً، هل تقول: مررت بشيطانٍ أم بشيطانَ؟ هذا نعود فيه إلى الاشتقاق، هل شيطان مشتق من شاط أم من شطن؟ إن كان من شطن فإنك تقول: مررت بشيطانٍ؛ لأننا قلنا: إذا كان فيه ألف ونون زائدتان، والنون هنا ليست زائدة، ففي عثمان وصفوان وعدنان ونحو ذلك الألف والنون زائدتان.

    أربعة: إذا كان على وزن فُعل كـعمر و زفر، تجدون في الكتب العلمية: والعدل، لكن نحن عدلنا عن هذا الكلام إلى لفظ (فُعل) إذا كان على وزن (فُعل)، وبعض الناس أو لما درسنا النحو، وكان المثال: عمر، وقالوا: إن المانع هو العلمية والعدل، والعدل -كما تعرفون- ضد الجور وهو مرتبط باسم عمر بن الخطاب، فظن أن العدل المقصود به هذا؛ لا، هو معدول به عن عامر، زفر أصله زافر، وعمر أصله عامر، فعدل عن فاعل إلى فُعل، ولكننا في غنية عن هذا فنقول: إذا كان على وزن فُعل تقول: مررت بـعمرَ، ومررت بـزفر، وزفر من أسماء الأسد في الأصل، وزفر عالم معروف على مذهب أبي حنيفة.

    خمسة: إذا كان مركباً تركيباً مزجياً، التركيب المزجي عبارة عن لفظين ركبا تركيباً بحيث أصبحا لفظاً واحداً، مثل حضرموت، فأصلها حضر موت، بعد ذلك تنوسي هذا الكلام وأصبحت الكلمة كلمة واحدة، وهي علم على شيء معين، فمنعت من الصرف لأنها مركبة تركيبًا مزجيًا، يعني مثل أحد عشر، أحد عشر ليس تركيباً مزجياً، لكن فيه تركيب، ثلاثة عشر، هذه لا تنال ما يناله الاسم الذي ليس بمركب، ومثل نيويورك، فأصلها نيو يورك، هذه أيضاً كذلك ممنوعة من الصرف بسبب التركيب المزجي، وفيها أيضاً عجمة، يعني لا تظن أنه قد يجتمع العلتان فقط، أحياناً يكون هناك خمس علل، وأكبر كلمة وجدناها اجتمع فيها خمس علل، يعني خمسة موانع من موانع الصرف: أذربيجان فيها العلمية وفيها التأنيث، هذه تكفي لأن تكون ممنوعة من الصرف، وفيها زيادة الألف والنون، وفيها العجمة، وفيها التركيب، فهي أعجمية ومؤنثة أيضاً، وهي اسم علم، وفيها زيادة الألف والنون. هذا هو القسم المتعلق بالأعلام.

    القسم الثاني: إذا كان صفة، يعني الاسم يمنع من الصرف إذا كان صفة أيضاً، ويكون في الأحوال الآتية:

    واحد: إذا كانت الصفة على وزن فعلان مثل شبعان وعطشان وظمآن ونعسان وطفشان، وطفشان كلمة محدثة.

    ظمآن ليست علماً، بل هي صفة، والفرق بين عثمان و ظمآن هو أن الأول علم وهذا صفة؛ ولذلك تقول: أنا ظمآن، أنا عثمان، تتحدث عن نفسك، واسمك عثمان وظمآن فتخبر بهذا.

    اثنان: إذا كانت على وزن أفعل كـأحسن و أفضل، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا[النساء:86]، لم يقل: (فحيوا بأحسنِ منها) بل بأحسنَ، و أحسن هذا اسم، وهو أفعل تفضيل، وهو وصف، أنت تقول: هذا الشيء أحسن من هذا، إذًا بأحسن مجرور وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف؛ لأنه جاء على وزن أفعل، يعني هو وصف على وزن أفعل، ولابد أن يكون عندنا علتان وصف ووزن أفعل، لكن ماذا تقولون في قوله سبحانه: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[التين:4] (في أحسن تقويم)؟ هذه على الإضافة، وهذا هو الصحيح؛ لأنني قلت لكم: إذا دخل على الاسم الممنوع من الصرف لفظ (أل) - وهو لا يدخل على الأعلام، وإنما يدخل على الصفات - أو أضيف فإنه يجر بالكسرة، ويرتفع عنه الحضر السابق، كمال قال ابن مالك :

    وجر بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف أو يك بعد أل ردف

    فلو قلت في ظمآن: الظمآن، وقلت: مررت بالظمآنِ لكان هذا هو المتعين، بخلاف ما لو قلت: مررت بظمآنَ، وكذلك أحسن، لو قلت: مررت بالأحسنِ، فالمتعين هو الكسر، وكذلك لفظ (أفضل) وهناك بعض ألفاظ أوصاف العدد مثل: أحاد وموحد وثناء ومثنى، وعشار ومعشر، هذه كلها تجر أيضاً بالفتحة، هو مكتوب (آحاد) خطأ في الطباعة، أحادى وثناءى، يعني اثنين اثنين، حينما تقول مثنى، يعني اثنين، وثناءى أيضاً كذلك، ألفاظ ليست مستعملة كثيراً لكن مثنى مستعملة، وهي في القرآن، مثنى وثلاث ورباع، الآية: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى[النساء:3]، وهي هنا في حالة نصب، لكن لو قلت: مررت بمثنى وثلاثَ ورباعَ، لا تقل: مررت بمثنى بثلاثِ ورباعِ إنما تقول: ثلاثَ ورباعَ، وتقول: إنه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، في الرابعة في كلمة (أخر) وكلمة أخر وحدها هي على وزن فُعل أيضاً، لكنها وصف كما قال سبحانه: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، لو كانت غير ممنوعة من الصرف لكانت اللفظة (فعدة من أيام أخرٍ)، ولكنه منع من الصرف وهو التنوين ومنع من الجر بالكسر، فجررناه بالفتحة.

    إذاً عرفنا أن المنع من الصرف يكون في الأعلام لعلتين: العلمية وشيء آخر؛ العلمية والتأنيث، والعلمية وزيادة الألف والنون.. وهكذا، أو في الوصفية، إذا كان اللفظ وصفاً وكان معه شيء آخر، وأيضاً عندنا شيء آخر وهو أن تكون فيه علة واحدة، ولكنها تقوم مقام علتين؛ لأنها علة كبيرة، وسبب كبير، قلت في صدر الكلام: إذا كان اللفظ قد جاء على صيغة منتهى الجموع (مفاعيل) وما أشبهه كمفاعل و فعاعل و فعالل و فعاليل، ونحو ذلك، فعندما تقول: مساجد تقول: صليت في مساجد كثيرة، في مساجد، تقول: إنه ممنوع من الصرف؛ لأنه جاء على صيغة منتهى الجموع، وهكذا ما كان على وزن مفاعيل كمفاتيح ومصابيح وسفاريج، أو سفارج، وجمع السفرجل سفارج، وجمع عندليب عنادل، وفرزدق فرازد، وكذلك أخطبوط ، ونحن لا نريد أن ندخلكم في تفاصيل، ولكنها على نفس الوزن أيضاً أخابط.

    كذلك إذا كان اللفظ مختوماً بهمزة التأنيث الممدودة، يعني بألف التأنيث الممدودة، مثل حمراء، تقول: أمسكت بوردة حمراءَ، ولا تقل: حمراءٍ ولا حمراءِ، إنما تقول: حمراءَ وصفراءَ وزرقاءَ.. وهكذا، وكذلك ما كان مختوماً بألف التأنيث المقصورة، سواء كان وصفاً أو اسماً، وهذا لا مشكلة فيه؛ لأن الإعراب لا يظهر عليه، نحو: ليلى أو سعدى، وهذه أسماء، وكذلك حينما تأتي به على أنه وصف مثل شبعى وحبلى، لا يترتب عليه شيء، لكنهم يقولون: إنه ممنوع من الصرف طرداً للقاعدة؛ لأنه في الأصل علم مؤنث، يعني كأنه يدخل في الأمر السابق.

    1.   

    علامات الجزم

    ثم ذكر رحمه الله بعد ذلك علامة الجزم فقال: [ وللجزم علامتان: السكون والحذف، فأما السكون فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع الصحيح الآخر، وأما الحذف فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع المعتل الآخر، وفي الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون ]

    مواضع الجزم بالسكون

    نحن نستفيد من هذا أن للجزم علامتين: إما الجزم بالسكون وإما الحذف، فاللفظ الذي يكون مجزوماً إما أن يكون مجزوماً بالسكون، وإما أن يكون مجزوماً بحذف، يعني يصبح المجزوم كالمجذوم الذي قطعت أطرافه بالحذف، قال سبحانه: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:3-4]، (لم يلد ولم يولد ولم يكن) هذه ثلاثة أفعال كلها مجزومة بـ(لم) يعني: أن عامل الجزم هو لم، وعلامة الجزم السكون، فهذه أفعال مجزومة وعلامة جزمها السكون.

    سوف يأتينا ما هي عوامل الجزم، وما هي الأشياء التي تجزم، فهناك أشياء كثيرة، هنالك ما يجزم فعلاً واحداً وهنالك ما يجزم فعلين، وذكر ذلك بالتفصيل، فعند الإعراب في لم يلد تقول: لم: أداة نفي وجزم، ونحن نقول أيضاً كذلك من أجل المعنى إنها للجزم والنفي والقلب، أي أنها تقلب المعنى، يعني أن الأصل في الفعل المضارع أنه يكون للحال أو الاستقبال، وعندما تقول: (لم يلد)؛ يصير الكلام عن شيء مضى، عندما تقول: فلان لم يأت، بمعنى قبل قليل يعني لم يأت إلى الآن، فيقلبه من الحاضر إلى الماضي، هذا معنى قولهم: إن (لم) للقلب، ولهذا نقول مثلاً: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[الشرح:1]، هنا نأتي بكلام بالعكس، وهذا معروف عند البلاغيين ولعلكم تعرفون ذلك في البلاغة، لم: أداة نفي وقلب وجزم، والهمزة هي للتقرير أو للإنكار وكلاهما فيه معنى النفي، والهمزة التي فيها معنى النفي قد دخلت على حرف نفي، والنفي إذا دخل على النفي أثبته يعني أصبح إثباتاً، فنفي النفي إثبات، فيؤول المعنى إلى: شرحنا لك صدرك، فمثلاً: لو كانت: لم نشرح لكان المعنى: أنه لم يشرح له صدره، ولو قال: أشرحنا لك صدرك؟ لكان الكلام للاستفهام؟ فلما دخلت الهمزة على (لم) التي للنفي أصبح المعنى شرحنا لك صدرك، وهكذا قس على ذلك في كل الأمثلة التي جاءت في القرآن، وفي كلام العرب، وفي كلام الناس الفصحاء.

    لم يلد، يلد: فعل مضارع مجزوم بـ(لم) وعلامة جزمه السكون، نحن ليس عندنا ما يجزم إلا الفعل المضارع فقط، فنحن الآن سوف نذهب ونجيء في الفعل المضارع، (لم يولد) أيضاً كذلك، ويولد هذا هو فعل مضارع، لكنه جاء مغير الصيغة، فنقول بالعبارة الدقيقة: إنه مبني لما لم يسمَ فاعله، أو مبني للمفعول، ولا نقول: إنه مبني للمجهول، فنائب الفاعل هنا هو (الله)، فلا يصح أن تقول: إنه مبني للمجهول، فالله لا يقال عنه إنه مجهول، وكذلك في مثل: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا[النساء:28]، (خلِق) أصل الكلام خلق الله الإنسان، لو قلت: إن خلِق مبني للمجهول كان هذا - وإن كنت لم تقصد ذلك - خطأ، إنما قل: مبني لما لم يسم فاعله، أو مبني لغير الفاعل، أو مبني للمفعول، أو مغير الصيغة، تصرف، اللغة العربية واسعة جداً، وعبقرية اللغة لا يمكن أبداً أن تضيق بك فتجعلك لا تستطيع أن تعبر عن مقصودك بلفظ آخر، والألفاظ كثيرة، ويكون الجزم أيضاً بالحذف، إذا الأصل في الجزم أن يكون بالسكون، ويكون بالحذف.

    نيابة حذف حرف العلة عن السكون

    قال: (وأما الحذف فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع المعتل الآخر)، الآن (لم يلد) هذا صحيح الآخر أو معتل الآخر؟ متى يكون الفعل معتل الآخر؟ إذا كان آخره ألفًا أو واوًا أو ياءً، فالألف مثل: يسعى، والواو مثل يدعو، والياء مثل يرمي، الآن أدخل جازماً على هذه الأفعال الثلاثة، فقل: لم يسع ولم يدع ولم يرم، ماذا صنعنا؟ حذفنا أم أثبتنا؟ حذفنا، إذاً الجزم في الأفعال المضارعة المعتلة، أي التي آخرها حرف علة، وحروف العلة هي الألف والواو والياء، نتعامل مع هذه الأفعال التي آخرها ألف أو واو أو ياء بالحذف فنحذفها؛ لأنها ضعيفة لا تتحمل، ولا تستطيع أن تثبت، كالجبان الذي لا يستطيع أن يقف ويثبت فحذفناها، والحمد لله الكلام بقي على ما هو عليه ولم يتغير فيه شيء والمعنى تام.

    لم يسع، لو وقفت على هذه اللفظة تقول: لم يسع ولم يدع و لم يرم.

    كذلك قلت هنا في الأمثلة: لم يسع الحاج إلا بعد الطواف، ولم يدع عند جمرة العقبة؛ لأن السنة الدعاء في الجمرة الصغرى والجمرة الوسطى، ولم يرم الجمرة إلا بعد طلوع الشمس، كل هذه الأفعال آخرها حرف علة والجزم فيها بالحذف.

    نيابة حذف النون عن السكون

    يكون الجزم أيضاً بحذف النون في الأفعال الخمسة، ما هي الأفعال الخمسة؟ يفعلان، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين، وما أشبهها.

    أولاً الرفع يكون بثبوت النون، فتقول: يفعلان مثلًا، والجزم بحذفها، إذا أدخلت جازماً على يفعلان، ماذا تقول؟ لم يفعلا، ولا تقل: لم يفعلان، وهكذا تفعلان تقول: لم تفعلا، ولم تفعلوا، ولم يفعلوا، ولم تفعلي، فتحذف وتقول: إن الحذف بسبب الجزم؛ لأن هذه الأفعال حينما تجزم تجزم بحذف النون، قال سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ[النساء:130]، (وإن يتفرقا) من هما؟ الزوجان، الرجل يقال له: زوج، والمرأة يقال لها: زوج، هذا هو الفصيح بالنسبة للزوج للمرأة ولا يقال لها: زوجة، وورد قليلاً إلحاق التاء، وأما الذي جاء في الكتاب والسنة فهو (زوج)، لكن نحن حينما ندرس الفرائض المواريث نحتاج إلى أن نأتي بالتاء من أجل التفرقة.

    وَإِنْ يَتَفَرَّقَا[النساء:130]، أصل الفعل: يتفرقان، أي: الزوجان، (وإن يتفرقا) عند الإعراب نقول: الواو على حسب ما قبلها، إن: أداة جزم تجزم فعلين، كما سوف يأتينا، وكما سوف ترى هنا في هذه الآية، يتفرقا: فعل مضارع مجزوم بـ(إن) وعلامة جزمه حذف النون، لماذا؟ لأنه من الأفعال الخمسة، وأين الفاعل؟ هذا الفعل أصله يتفرق، بعد ذلك جاءت الألف وجاءت النون، النون انتهينا منها، وعرفنا أنها حذفت للجزم، بقي أن الفاعل هو الألف، دائماً الضمير المقترن بالأفعال الخمسة هو الفاعل، فالواو هي الفاعل في يفعلون و تفعلون، والياء في تفعلين.

    إذاً يتفرقا: فعل مضارع، مجزوم بـ(إن) وعلامة جزمه حذف النون، وهو فعل الشرط، تحتاج (إن) إلى جواب، عندما تقول: إن تذاكر تنجح، فهو يحتاج الآن إلى جواب. وفي الآية لم يتم الكلام، الجواب: يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ[النساء:130]، (يغن) هذا شاهد في صالحكم، (يغن) أصله: يغني، لكنه الآن مجزوم بـ(إن)؛ لأن (إن) تجزم الفعل وتجزم الجواب، فـ(يغن) الآن جواب، وهو مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهو الياء؛ لأنه معتل، ونحن قبل قليل قلنا: إنه يكون مجزوماً بحذف حرف العلة، الله: فاعل، كلاً: مفعول به، من سعته: جار ومجرور، متعلق بـ(يغن) وهكذا.

    قوله سبحانه: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا[البقرة:24]، (فإن لم تفعلوا) (لم تفعلوا) هذه إن ولم، لم تفعلوا، (تفعلوا) هذا مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، ولن تفعلوا، تفعلوا منصوب، وسوف نعرف هذا بعد ذلك (النصب)؛ لأنه أيضاً كذلك، الأثر واحد، بالنسبة للأفعال الخمسة تنصب وتجزم بحذف النون، كما قال ابن مالك:

    وحذفها في الجزم والنصب سمة كلم تكوني لترومي مظلمة

    1.   

    المعرب بالحركات

    قال بعد ذلك رحمه الله: [ فصل في المعربات ] هو حينما ذكر الإعراب ذكر علامات الإعراب، ذكر الآن المعربات فقال: [ المعربات قسمان: قسم يعرب بالحركات، وقسم يعرب بالحروف ]، قسم الأسماء المعربة؛ منها ما يعرب بالحركات الظاهرة أو المقدرة، ومنها ما يعرب بالحروف، فما هو الاسم المعرب الذي يعرب بالحروف ولا يعرب بحركة؟

    الأسماء الخمسة، وجمع المذكر السالم، والمثنى مثلاً، هذا في الأسماء، وفي الأفعال هناك أشياء أيضاً تعرب بالحروف وهي الأفعال الخمسة.

    قال: [فالذي يعرب بالحركات أربعة أنواع: الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء ] هذا كلام سهل جداً، الذي يعرب بالحركات:

    الاسم المفرد

    الاسم المفرد، مثل ماذا؟ طالب، وجمع التكسير مثل ماذا؟ طلاب، وجمع المؤنث السالم مثل ماذا؟ المسلمات، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء مثل ماذا؟ يضرب، أو يستغفر، دعونا من يضرب! يستغفر أو يقرأ، يسبح كما في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ[الإسراء:44].

    والاسم المفرد عرفناه، لكن أنا جئت بأمثلة هنا، يقول الله سبحانه: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[الحشر:22]، هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ[الحشر:23]، وبعد ذلك: الْخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ[الحشر:24]، كل هذه أسماء مفردة.

    إذاً الذي يعرب بالحركات أربعة أنواع: الاسم المفرد وعرفناه.

    جمع التكسير

    وجمع التكسير قد عرفناه، وجمع التكسير في الغالب يكون كالمفرد.

    هنا المثال: حضر الرجال والفتيان والأطفال والقواعد، حضر الرجال، هذا جمع تكسير؛ لأننا كسرناه، والفتيان مفرده فتى كسرناه، والأطفال مفردها طفل، وأيضاً حصل تكسير فيه، والقواعد يعني قواعد النحو؟ لا، يعني القواعد من النساء، ما مفرد القواعد من النساء؟ مفردها قاعد، لكن لو كان عندنا نساء قواعد في المسجد، أو نساء من الشابات مثلاً في مكان ما، وهن جالسات - وحتى الجلوس في اللغة العربية يكون من أسفل إلى فوق، إنسان نائم نقول له: إنه جلس، كان متكئاً فجلس، وأما القعود فإنه يكون من فوق إلى تحت - الحاصل أنهن على مقاعدهن، فإذا أردنا أن نعبر عن ذلك فماذا نقول؟ أيضاً قواعد، (فواعل لفوعل وفاعل)، لكن المفرد قاعدة، أما في القواعد في قوله سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ[النور:60] فالمفرد قاعد، لماذا؟ لأن هذا وصف خاص بالنساء، نحن نأتي بالتاء حينما نريد التفريق، وهنا أمر خاص بالنساء فلا نحتاج إلى تفريق، ولذلك نقول: امرأة حائض، الرجل لا يحيض، فلا نقول: حائضة، ونقول: امرأة حامل، ولا نقول: حاملة، ونقول: امرأة مرضع، ولا نقول: مرضعة، ولا يلتبس هذا عليك بقوله سبحانه: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ[الحج:2]، هنالك فرق بين مرضع ومرضعة، هنا يقول: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ[القصص:12] مفردها مرضِع أو مرضَع، وهناك ذكر المرضعة فحينما تريد أن تصف امرأة ترضع الآن طفلاً تقول: إنها مرضعة، تصف الحدث، تصفها لأنها الآن تفعل شيئاً، لا تصفها بوصف لازم لها، لكن حينما تصفها بوصف على أنه من خصائصها، ومن شأنها أن ترضع، ولو كانت لا ترضع الآن فإنك تقول: إنها مرضع، ولا تقل: مرضعة، وهكذا، الرجل حينما يطلق امرأته لا يقول: لها أنت طالقة، ولو قال ذلك وقع الطلاق، لأنه يريد هذا، لكن يقول لها: أنت طالق؛ لأنه لا يقال له: طالق، وهكذا.

    جمع المؤنث السالم

    جمع المؤنث السالم أيضاً يعرب بالحركات، وهذا قد عرفناه، ومثلنا له بآيات من ذلك آية التحريم: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا[التحريم:5]، (وأبكاراً) هل هو جمع مؤنث سالم؟ ليس بجمع مؤنث سالم؛ لأن جمع المؤنث السالم هو ما زاد فيه الألف والتاء.

    الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء

    قال: (والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء)، يعني نحن أصبحنا في مشكلة مع هذا الفعل المضارع، الفعل المضارع إما أن يكون مضارعاً صحيح الآخر، فهذا نعرف أنه يعرب بالحركات مثل يقرأ ويكتب، وهذا مرفوع، أحياناً يكون مضارعاً صحيح الآخر ولكنه منصوب، وهذا ينصب بالفتحة مثل: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ[طه:91].

    وإما أن يكون مضارعًا معتل الآخر، يعني آخره حرف علة قد عرفتم أنه يعرب بحركات مقدرة على آخره، حينما تقول: يسعى، تقول: إنه مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، ليس هنالك ناصب ولا جازم، فمثلًا: محمد يسعى، يسعى: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، أي: الاستحالة، لا يمكن، التعذر يعني عدم الإمكان، وكذلك: يرجو ويدعو ويرمي، إلا أن الضمة هنا لا تظهر من أجل الثقل، فإذا نصبت تقول: أمرته أن يدعو الله وأن يرمي الجمرة، وتأتي بالحركة.

    وهنالك مضارع مجزوم، فإذا كان هذا المضارع صحيح الآخر فإننا نجزمه بالسكون كما سبق، وإذا كان معتل الآخر فإننا نحذف الحرف.

    قال في تفصيل ذلك: [وكلها ] يعني كل هذه الأنواع الأربعة التي هي: الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء، هو حينما يقول: الذي لم يتصل بآخره شيء، ماذا يريد أن يخرج؟ الأفعال الخمسة؛ لأنه اتصل بها شيء آخر.

    [ ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون]، كل ما سبق، الاسم المفرد يرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويجر بالكسرة إلا إذا كان ممنوعاً من الصرف، وعرفنا الكلام فيه، جمع التكسير كالاسم المفرد، جمع المؤنث السالم أيضاً كذلك إلا أنه ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، الفعل المضارع يجزم وعلامة جزمه السكون.

    حينما قال: ( كلها ترفع بالضمة وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون)، وقد ذكر الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم سابقاً، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء.

    وهنا خرج من هذه ثلاثة أشياء، وثلاث حالات:

    جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة ويرفع بالضمة ويجر بالكسرة، لكن كان الأصل أنه ينصب بالفتحة إلا أنه خرج عن القاعدة، فقال: إنه ينصب بالكسرة.

    الاسم الذي لا ينصرف يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة.

    الفعل المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف آخره، وهذا أمر عرفناه.

    قال سبحانه: خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا[لقمان:10]، (خلق السماوات) عندنا هنا لفظ خرج عن القاعدة المعروفة، الأصل في النصب أنه يكون بالفتحة، ولكنه في هذه اللفظة بالكسرة، لماذا؟ لأنه جمع مؤنث سالم، خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا[لقمان:10]، في هذه الآية تفسيران للعلماء أنها بغير عمد أصلاً، ليس هنالك عمد، وهنالك من قال: بغير عمد ترونها، يعني هنالك عمد ولكننا لا نراها، ولكن هذا ضعيف؛ لأنه لو كان ذلك كذلك لقال: بعمد لا ترونها، فأثبت أولاً ثم نفى، ولكنه نفى المسألة من أصلها فقال: بغير عمد ترونها.

    وقال سبحانه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ[النساء:163]، هذه الألفاظ الآن مجرورة، ولكنها مجرورة بالفتحة نيابة عن الكسرة فخرجت عن القاعدة.

    الفعل المضارع الأصل أنه يعرب بالحركات، لكنه قد لا يعرب بالحركات وإنما يعرب بالحذف، تقول: لا تخش ولا تدع غير الله، لا تخش، بأي شيء جزم هذا الفعل؟ بأي شيء أعرب؟ هو مجزوم وعلامة جزمه حذف الألف، و (لا تدع) أيضاً كذلك، لا: ناهية، جازمة، تدع: مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهو الواو.

    1.   

    المعرب بالحروف

    ثم ذكر: المعربات بالحروف، فقال رحمه الله: [ والذي يعرب بالحروف أربعة أنواع: التثنية، وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة ] ثم فصل الأفعال الخمسة، فقال: [ وهي: يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين ] هل بعد هذا التفصيل تفصيل؟ لا؛ لأن هذا تفصيل، وتفصيل التفصيل.

    المثنى

    [فأما التثنية فترفع بالألف وتنصب وتخفض بالياء ]، الأسماء المثناة ترفع بماذا؟ يعني نحن نتعامل مع هذه الأسماء بالحركات في الإعراب، أم بالحروف؟ بالحروف، فنقول: إنه مرفوع، عندما نقول: مرفوع لأول وهلة الذي يسمع يقول: مرفوع بالضمة، لكن لا، المثنى هو مرفوع بالألف، وهو منصوب بالياء، وهو أيضاً مجرور بالياء، يعني ينصب ويجر بالياء. لو أردت أن تستخلص قاعدة للمثنى مختصرة - كلمة ونصف - ماذا تقول في الإعراب؟ إنه يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، قال سبحانه: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ[الرحمن:62]، (جنتان) هذا مرفوع، وهو مبتدأ لكنه مؤخر، حينما يأتي لفظ منكر ويتأخر وقبله جار ومجرور.. كما سمعتم في الدرس الأول أو الثاني: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ[الذاريات:20]، آيات: مبتدأ، و وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ[الرحمن:62] جنتان: مبتدأ، في المسجد شباب، في المسجد مصاحف، مصاحف مع أنه ليس بمعرفة نقول: إنه مبتدأ، وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ[الرحمن:62] جنتان: مرفوع، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى، فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ[الرحمن:66] عينان كذلك هو مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة، نضاختان: صفة له كذلك، مرفوع وعلامة رفعه الألف.

    قال سبحانه: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ[البلد:10]، مفرد النجدين نجد، إذا ثنيته تقول: نجدين، والنجد هو الطريق، والمراد: هديناه النجدين، أي: طريقي الخير والشر، والنجدين: مفعول به ثان منصوب، علامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى.

    قال سبحانه: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ[الرحمن:54]، الجنتان هنا مجرور أو منصوب يا مشايخ؟ هذا يعود إلى فهمك للمعنى نقول: هو مجرور، لأن جنى هذا اسم، يعني ثمر الجنتين القريب، هذا هو المعنى، وليس فعلًا من جنى يجني، وإنما هو بمعنى ثمر الجنتين قريب، وكلمة الجنتين: مضاف إلى جنى، فهو مجرور علامة جره الياء، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ[الكهف:33]، كذلك، يعني جنى: مبتدأ، دان: خبر، وجنى: مضاف، والجنتين: مضاف إليه.

    الثاني، هو قال: (فأما التثنية فترفع بالألف، وتنصب وتخفض بالياء).

    جمع المذكر السالم

    ثم قال: [ وأما جمع المذكر السالم فيرفع بالواو، وينصب ويخفض بالياء ]، جمع المذكر السالم الذي سلم من التكسير يرفع بالواو، تقول: جاء المسلمون، فالمسلمون مرفوع بالواو كما قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1]، ما إعراب المؤمنون؟ فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم.

    الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ[المؤمنون:2]، كذلك، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ[المؤمنون:3]، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ[المؤمنون:4] فاعلون أيضاً كذلك.

    ومثاله في حالة النصب: إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ..[الأحزاب:35]، الألفاظ العشرة بالنسبة للمذكر السالم كلها منصوبة علامة نصبها الياء.

    ومثاله في حالة الجر يقول سبحانه: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا[الإسراء:25]، (للأوابين) الأواب هو الذي يرجع كثيراً عن ذنبه إلى ربه، وكلمة الأوابين مفردها أواب، وهو (أواب) مجرور وعلامة جره الكسرة، وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا[الأحزاب:43]، أيضاً كذلك.

    الأسماء الخمسة

    ثم قال: [ وأما الأسماء الخمسة فترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض بالياء ]، وهذا أمر عرفناه، هل تحتاجون إلى أن نعيد الكلام فيه؟ واضح، والأصل أن تقول: جاء أبوك، رأيت أباك، مررت بأبيك، لكن إذا وجدت في الشعر مثلاً قول الشاعر:

    إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

    سوف يقلقك هذا الكلام؛ لأنه أفسد عليك القاعدة التي في ذهنك، إن أباها، عرفنا أن أباها منصوب، وهو منصوب علامة نصبه الألف، وهذا من الأسماء الخمسة وهي تنصب بالألف، وأبا: معطوف عليه، كان الأصل أن يقول: وأبا أبيها؛ لأنه مجرور، لكن قال: وأبا أباها، ثم قال: (قد بلغا في المجد غايتاها)، هذا مثنى، وكان الأصل أن يقول: غايتيها، ولكن هنالك لغة، وهي أن الأسماء الخمسة تعامل معاملة الاسم المقصور، مثل عيسى، ومثل يحيى، لا يتغير، يلزم حالة واحدة، ويكون دائماً بالألف، تقول: رأيت أباه، مررت بأباه، جاء أباه، كله واحد، وهذه الطريقة سهلة، لكنها غير مشهورة، وليست أيضاً موافقة لما جاء من الفصيح من الكلام في القرآن وفي السنة ومن كلام العرب أيضاً.

    وكذلك في المثنى هنالك لغة لقوم يلزمون المثنى الألف، دائماً يكون المثنى بالألف، جاء في القرآن: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ[طه:63]، والأصل أن يكون الكلام إن هذين، وتوجد قراءة سبعية: (إن هذين)، فـ(إن هذان) لها توجيهات خمسة، منها -وهي أحسنها- أنها جاءت على لغة من يلزمون المثنى الألف، هذا أفضل التوجيهات، وقد اشتمل القرآن على كثير من لغات العرب، وهنالك لغة أخرى في الأسماء الخمسة، وهي لغة الحذف، فيحذفون هذه الحروف الزائدة: الألف والواو والياء، فبدلًا من أن يقولوا: جاء أبوه، يقولون: جاء أبه، ورأيت أبه، ومررت بأبه، وهكذا في الأخ أيضاً والحم، فيقولون: جاء أخه، رأيت أخه، مررت بأخه، ومن كلام العرب الموافق لذلك قول الشاعر:

    بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم

    ومن يشابه أبه، لم يقل: أباه، وهذا لا يضرك، لأنه قليل.

    الأفعال الخمسة

    ثم قال: [وأما الأفعال الخمسة فترفع بالنون، وتنصب وتجزم بحذفها ]، الأفعال الخمسة إعرابها: ترفع بثبوت النون، لكنها تنصب بحذف النون، وتجزم بحذف النون. يقول سبحانه: مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ[المائدة:75] يأكلان هذا من الأفعال الخمسة، وهو مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، الألف فاعل، والمفسرون يقولون: إن هذا كناية عن شيء آخر، والله أخبر عن هذين المسيح وعن أمه بأنهما من البشر، وأنهما يحدث لهما ما يحدث للبشر، ويخرج منهما ما يخرج من البشر، ولكنه عبر عن ذلك بقوله: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ[المائدة:75]، ومن يأكل الطعام فإنه لابد أن يخرج منه؟ وهذا لا يمكن أن يكون إلهاً؛ من كان على هذه الحالة؛ يأكل الطعام ثم يئول طعامه إلى شيء آخر، إلى فضلات.

    قال سبحانه: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا[النساء:35]، (إن يريدا) يريدا أيضاً مجزوم بـ(إن) وليس (أن)، فعندنا (أن) وهي ناصبة، و (إن) وهي جازمة.

    قال سبحانه: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا[البقرة:24]، لم تفعلوا: مجزوم بـ(لم) وعلامة جزمه حذف النون، لن تفعلوا منصوب بـ(لن) وعلامة نصبه حذف النون، ثم شرع بعد ذلك في أقسام الفعل..

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756041438