إسلام ويب

التعريف بكتب التفسير [5]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من كتب التفسير المتقدمة تفسير الماوردي، ومنهجه فيه يدور على ثلاثة مقاصد: الأول: تأويل ما خفي علمه وتفسير ما غمض تصوره وفهمه. الثاني: الجمع بين أقوال السلف والخلف. الثالث: ذكر ما سنح به الخاطر من محتملات التفسير. ومما تميز به الاعتناء بالمشكلات، والفروق اللغوية، ومما يلاحظ عليه أنه لا يعتني بتداخل الأقوال. وقد أحسن في ترتيبه، وفي الجملة فالكتاب لا يصلح منهجاً للتفسير، وإنما يعتبر مصدراً يستفيد منه الباحثون.

    1.   

    تفسير أبي إسحاق الثعلبي

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    تفسير الثعلبي حققه دار إحياء التراث العربي في بيروت وحقق مجموعة رسائل علمية في أم القرى.

    ومناهج المحققين متباينة, فتجد إنساناً يكثر من التحقيق في الآثار, وإنساناً لا يعتني بالآثار كثيراً, وإنساناً إذا جاء إلى حديث أطال فيه ولو كان في الصحيحين, فلا يوجد منهجية في بحث هذه الكتب, وإن كان بعضهم يذم منهجية المغاربة التي هي تحقيق الكتاب بنصه، وأنا أرى أن كتب الكبار يكفي عليها التعليق الوجيز مع الاعتناء بإخراج النص ونقده, ولا يحتاج أن يطيل فيها, ولو أطيل في هذا الكتاب، لو سرنا على نفس منهجية, منهجية تحقيق الرسائل العلمية فسيخرج في قرابة الثلاثين مجلداً؛ لأنه الكتاب أصلاً كبير وفيه مرويات كثيرة, لكن لو كان هناك تعليقات على أخطاء الثعلبي نفسه، والتنبيه على بعض الأباطيل الموجودة فيه فسيخرج في مجلدات معتدلة من حيث العدد, وأيضاً يمكن أن ينتفع به أكثر من الانتفاع بهذا.

    أنموذج من تفسير الثعلبي

    قال المؤلف رحمه الله: [ إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ [الأنعام:95], أي: فلق الحب عن النبات, ومخرج منها الزرع وشاق النوى عن الشجر والنخل ومخرجها منها.

    وقال مجاهد : يعني الشقين الذين عناهما.

    وقال الضحاك : فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام:95]، الحب جمع الحبة: وهي كل ما لم يكن لها نواة، مثل البر والشعير والذرة والحبوب كلها.

    والنوى جمع النواة، وهي: كل ما يكون له حب مثل: الخوخ والمشمش والتمر والإجاص ونحوها.

    يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [الأنعام:95]، تصدون عن الحق.

    فَالِقُ الإِصْبَاحِ [الأنعام:96], أي: شاق عمود الصبح من ظلمة الليل وكاشفه.

    وقال الضحاك : خالق النهار، والإصباح مصدر كالإقبال والإدبار وهي الإضاءة.

    وقرأ الحسن و القيسي : (فالق الأَصباح) بفتح الهمزة جعله جمع مثل: قرص وأقراص.

    وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا [الأنعام:96], سكن فيه خلقه. وقرأ النخعي : (فلق الأَصباح وجعل الليل سكنا).

    وقرأ أهل الكوفة: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا [الأنعام:96], على الفعل اتباعاً للمصحف، وقرأ الباقون: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا [الأنعام:96], أي: جعل الشمس والقمر بحساب لا يجاوزاه ينتهيا إلى أقصى منازلهما.

    أنموذج ثان من تفسير الثعلبي

    قال المؤلف رحمه الله: [ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56], أي: من أحببت هدايته، وقيل: من أحببته، نزلت في أبي طالب.

    حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: ( قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة, قال: لولا أن تعيرني نساء قريش يقلن: إنه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك، فأنزل الله سبحانه إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] ).

    وأخبرنا عبد الله ].

    من هذا الأثر هل يتبين أن عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم وهذا هو الصحيح، لكن انظر إلى المحقق كيف أدخل الرفض، فالكتاب صار فيه مشكلتين: مشكلة الثعلبي والكلام عليه, ومشكلة المحقق الرافضي, ولهذا هنا نقل عن شيخ الأفصح طبعاً من كتبهم, وذكر فيها نقل عن الواسطي , نفى نزولها في أبي طالب , وذكر أيضاً أن أبا طالب أسلم.

    فالكافر أثبتوا إسلامه و أبو بكر و عمر اللذان كانا طوال عمرهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفي جميع غزواته أخرجوهم من دائرة الإسلام, نعم. فهم لا يذكرون الترضي عنهم، وإن ذكروه فمن باب التقية، وهي باب واسع عندهم.

    والمقصد الانتباه لهذا الكتاب؛ لأنه قد جمع طوام سوء التحقيق, وكون المحققين على غير منهج المؤلف, وكذلك المؤلف رحمه الله تعالى منتقد في كتابه هذا من قبل العلماء كما نقلنا نصاً عن شيخ الإسلام , فـشيخ الإسلام يقول عن الثعلبي : إنه ناقل ولا يكاد يُنشئ قولاً من عنده, والكتاب كما تلاحظون كله نقل.

    فهذا الكتاب قبل أن ننتقل عنه، أستفاد منه جمهور من جاء بعده, وتجدون فيه نقولات عن السلف من تفسير محمد بن كعب القرضي .

    فنستطيع أن نتحقق منها إذا نسب القول إلى محمد بن كعب القرضي , فأغلب تفسير موجود في كتاب الثعالبي ،

    ولذلك استفاد منه كما قلت لكم جمهور من المفسرين منهم: تلميذه الواحدي , فهو أول من استفاد منه, وينقل عنه كثيراً خاصة في كتابه البسيط, وكذلك البغوي كما أشار شيخ الإسلام وسيأتي إن شاء الله, أيضاً اختصر هذا الكتاب وأضاف عليه, و الخازن ؛ لأنه اختصر تفسير البغوي و الماوردي أيضاً استفاد من مرويات الثعلبي , وكذلك السمعاني و القرطبي و ابن عطية و ابن الجوزي , فجل هؤلاء وغيرهم نقل من تفسير الثعلبي .

    1.   

    كتاب النكت والعيون للماوردي

    الكتاب الثاني: كتاب النكت والعيون لـأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري المتوفى سنة (450ه), وهذا الكتاب مطبوع في الكويت في أربعة مجلدات, ثم طبع بتحقيق السيد عبد المقصود بن عبد الرحيم ست مجلدات, والطبعة الأولى عليها تعليقات لأحد الذين في المطبعة، فخرجت تعليقات مخالفة لتعليقات المحقق, وهذه قد استدركها المحقق في رسالة صغيرة, فبيّن التحريفات الذي اعتدى على كتابه.

    منهج الماوردي في كتابه

    ومنهج الماوردي في كتابه هو نفسه ذكر ذلك حيث جعل الكتاب مقصور على تأويل ما خفي علمه وتفسير ما غمض تصوره وفهمه, والثاني: جعله جمع بين أقاويل السلف والخلف, وموضحاً للمؤتلف من المختلف, والثالث: أنه ذكر ما سنح به الخاطر من محتملات التفسير, وصدرها بقوله: ويحتمل.

    وقدم لهذا التفسير بفصول أيضاً تعتبر من الفصول المهمة, فذكر فيها أسماء القرآن، وتقسيم سور القرآن من الطوال والمئين والمثاني, وتعريف السورة والآية, وبيان معرفة الأحرف السبعة, وكذلك إعجاز القرآن, ثم فصل في النظر إلى جميع ما تتضمنه ألفاظه من المعاني، وما تحتمله هنا التأويل, وهذا أيضاً فصل مهم جداً, وأيضاً شرح أثر ابن عباس في القرآن على أربعة أوجه, وأيضاً في كلام جيد في هذا الفصل يتعلق بأصول التفسير, ثم شرح الاستعاذة والبسملة, ثم شرع بالفاتحة إلى أن اختتم بالناس.

    ونلاحظ في طريقة المؤلف في كتاب الماوردي : أنه صاحب تفنن في ترتيب الأقوال, فهو محسن في ترتيب كتابه, بل هذه طريقته في عامة كتبه.

    وكذلك اختصر الأسانيد واكتفى بذكر المفسر، مع أنه اطلع واستفاد من تفسير يحيى بن سلام , واستفاد من الطبري واستفاد من الثعلبي , وهذه كلها فيها أسانيد ومع ذلك لم يذكر الإسناد, وإنما اختصره واكتفى بذكر صاحب التفسير.

    وأيضاً يلاحظ أنه أدخل أقوال المتأخرين من المتكلمين من معتزلة وغيرهم, فوقع في تفسيره بعض الأقوال الضعيفة من هذه الجهة، من جهة تأويلات المعتزلة, و الماوردي حين كان ينقل ما كان يبين خطأ هذه المذاهب فهو ينقل أقوال المعتزلة ولا يشير إلى خطأ هذه الأقوال؛ لأنه لم ينتهج هذا المذهب, وإنما انتهج منهج اختصار هذه التفاسير, ولهذا سنجد عنده أسماء أعلام من المعتزلة مثل: الرماني , ومثل: علي بن محمد بن بحر الأصفهاني , سنجد مثل هذين الاسمين كثيراً, ابن بحر الذي هو محمد بن بحر الأصفهاني ، و الرماني هو علي بن عيسى , أحياناً يقول: الرماني ، وأحياناً يقول: علي بن عيسى , أحياناً يقول: ابن عيسى .

    فنقل عن هؤلاء المعتزلة وعن غيرهم أيضاً من المعتزلة، فصار كتابه مليء ومشحون بهذه الأقوال الباطلة.

    من أمثلة ذلك: ما أورده في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54], حيث يقول: فيه قولان: أحدهما معناه: استوى أمره, قاله الحسن ، وفي نسبته إلى الحسن نظر, ثم قال: والثاني استولى على العرش، كما قال الشاعر:

    قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

    وفي العرش ثلاثة أقاويل, ثم ذكر أن أحدها: الملك، والثاني: أنه السموات، والملك حكاه عن ابن بحر المعتزلي, والثاني: أنه السماوات ولم ينسبه, والثالث: أنه موضع في السماء أعلاها وأشرفها محجوب عن ملائكة السماء، فهو يبين الصحيح من الضعيف من هذه الأقاويل, وإنما ينقلها نقلاً.

    وهذا الكتاب يعتبر من الكتب التي يكثر فيها القول الشاذ في التفسير, وهو صالح للدراسة من جهة بحث الأقوال الشاذة من خلال تفسير النكت والعيون، فإنه سيجد مادة غزيرة جداً في هذه الأقوال.

    وأيضاً يلاحظ أنه لا يعتني بتداخل الأقوال, لذا فهو يحكي كثيراً من الأقوال وهي متداخلة على أنها قول, مع أنها هذه الأقوال يتداخل بعضها مع بعض, فمثلاً في قوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف:53], قال: أي: تأويل القرآن وفيه وجهان: أحدهما عاقبته من الجزاء، والثاني: ما فيه من البعث والنشور, فهذان القولان متداخلان، والأول ذكر أنه قاله الحسن .

    وكان الماوردي فقيهاً شافعياً, وقد أكثر من ذكر مذهب الشافعي في كتابه هذا, وإن كان يذكر أيضاً مذهب العلماء الآخرين، لكنه يكثر من نقل مذهب الشافعي .

    وأشكل المذهب العقدي على من بحث في معتقد الماوردي , وإن كان يعتبر من متكلمي الأشاعرة, وسبب ذلك: أنه ينقل أقوال المعتزلة وغيرهم, حتى أحياناً ينقل أقوال الرافضة ولا يعلق عليها، فبعضهم يقول: إن فيه رفضاً، وبعضهم يقول: إن فيه اعتزالاً, وإن كان الأصل فيه أنه من متكلمي الأشاعرة، لكن سبب الإشكالية أنه ينقل أقوال هؤلاء ولا يعلق عليها.

    وأيضاً اعتنى بالمشكلات, فاعتنى بنقلها وكل هذا من اعتنائه بالنقل؛ فليس من كلامه هو, وإنما اعتنى بنقل ما يكون للعلماء من المشكلات والإجابة عليها, مثل قوله سبحانه وتعالى: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142], قال يعني: اجتماع الأجلين, تمام أربعين ليلة, يدل بذلك على أن العشر هي ليل وليست ساعات, فإن قيل: فمعلوم أن العشر مع الثلاثين مستكملة أربعين, فما معنى قوله: فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142], فعن ذلك ثلاثة أجوبة:

    أحدها: أنه تأكيد في الذكر فلم يمتنع.

    والثاني: كان وعده إلى الجبل الذي كلمه الله فيه, والثالث: لأن في تمام الثلاثين بالعشر, وإن يكون من جملة الثلاثين؛ لأن تمام الشيء بعضاً منه, فهذا طبعاً إيراد مشكل، ثم محاولات التعليق عليها, وهذا كله هو فيه ناقل.

    وأيضاً: اعتنى بنقل الفروق اللغوية واستفاد كثيراً من الرماني في ذلك؛ لأن الرماني في تفسيره اعتنى كثيراً بالفروق اللغوية, فنجده مثلاً يقول: والفرق بين المساء والعشي: أن المساء بدوء الظلام بعد المغيب, والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب, وهو مأخوذ من عشى العين, وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس, وجل الفروق المذكورة في كتابه منقولة من كتاب الرماني .

    فهذا تقريباً إشارة إلى تفسير الماوردي .

    وهذا الكتاب لا يصلح منهجاً للتفسير, وإنما يعتبر مصدراً يستفيد منه الباحثون, أما أن يكون كتاباً يعتمد في التفسير ويقرأه الإنسان فلا يصلح, إنما يعد من المصادر.

    1.   

    كتاب الوسيط والوجيز للواحدي

    الكتاب الثالث: كتاب الوسيط، والوجيز أيضاً نشير إليها سريعاً.

    الوسيط لـأبي الحسن على بن أحمد الواحدي النيسابوري توفى سنة (468) تلميذ الثعلبي , هذا المؤلف له ثلاثة كتب: البسيط، والوسيط، والوجيز, والبسيط أيضاً محقق بعدة رسائل موجود في جامعة الإمام, والوسيط مطبوع، وكذلك الوجيز مطبوع, وهو رتب هذه الكتب على حسب طبقات المتعلمين.

    فذكر في هذا الكتاب مقدمة في فضل العلم، وفضل علم التفسير خاصة, ثم بدأ بتفسير الفاتحة إلى سورة الناس, وله أي: الواحدي كتب أخرى سبقت هذا التأليف، له كتاب اسمه: معاني التفسير, وكتاب اسمه: مسند التفسير, وكتاب اسمه: مختصر التفسير, غير الكتب الثلاثة التي ذكرت قبل قليل, وقد أشار إليها في هذا الكتاب.

    وذكر أن هذا الكتاب كتبه بسبب إلحاح بعض معاصريه، فقال: وقديماً كنت أطالب بإملاء كتاب في تفسير القرآن، وسيط ينحط عن درجة البسيط الذي تجر فيه أذيال الأقوال؛ لأنه طويل, ويرتفع عن مرتبة الوجيز الذي يقتصر على الإقلاب, يعني: يكون في مرتبة بين الوجيز والبسيط.

    منهج الواحدي في تفسيره الوسيط

    وقد يورد بعض الأحاديث والآثار مسندة, لكن ليس منهجه العام في الكتاب, كما أنه اعتنى بالمعاني، معاني الألفاظ، وكثيراً ما اعتمد على كتاب تهذيب اللغة للأزهري , وكذلك استفاد من نقولات شيخه في التفسير.

    وأيضاً اعتنى ببيان المعنى الجملي للآية بعد ذكر أقوال المفسرين, وغالباً ما يصدرها بقوله: والمعنى، أو ومعنى الآية.

    مثال ذلك: [ في قوله سبحانه وتعالى: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5], يقول: لذي عقل ولب, والمعنى: إن من كان ذا عقل ولب علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على صنع الله وقدرته وتوحيده, فهو حقيق بأن يقسم به لدلاته على خالقه ], إذاً فهو يعتني بالمعنى الجملي.

    وأيضاً اعتنى في كتابه هذا بالقراءات وتوجيهها, ومن أمثلة ذلك: قال: [ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة:219], قال: وقراءة العامة: (كبير) بالياء؛ لأن الذنب يوصف بالكبر والعظم، يدل على ذلك قوله تعالى: كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ [الشورى:37], كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء:31], ولذلك هنا ينبغي أن يكون بالباء: ألا ترى أن شرب الخمر والميسر من الكبيرة.

    وقرأ حمزة و الكسائي : بالتاء؛ لأنه قد جاء فيها ما يقوي وصف الاسم فيها بالكسرة دون الكبر, وهو قوله: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91], فذكر عدداً من الذنوب فيها ].

    فهذا من توجيه القراءات وذكر من قرأ بهن.

    وكذلك اعتنى بأسباب النزول عناية فائقة, وله كتاب مستقل في أسباب النزول مطبوع متداول.

    وأيضاً روى الأحاديث الباطلة في فضائل السور، وسبق نقد شيخ الإسلام له ولشيخه, وكان رحمه الله ضعيف العلم بالحديث, وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام .

    ونلاحظ أنه لم يتابع شيخه الثعلبي في النقل عن الصوفية، بل له كلام شديد جداً في أبي عبد الرحمن السلمي وكتابه حقائق التفسير, فصان كتابه من النقل عن هؤلاء.

    وهو أيضاً يورد الإعراب في هذا الكتاب الذي هو الوسيط؛ لكنه قليل, ويعتني بذكر قول أهل المعاني, وكذلك بأقوال المفسرين، ويصدر قول المعاني بقال أهل المعاني, والمفسرون بقال: أهل التفسير.

    وكان رحمه الله أشعري المذهب وقد سار في كتابه على هذا المذهب, كما أن كتابه لا يخلو من الإسرائيليات؛ لأنه كتاب يعتمد على المنقولات.

    قال شيخ الإسلام في رده على الباتري أشار إلى الواحدي وجملة من المفسرين, يقول: ومثل هذا يعني: هو يتكلم عن أثر ضعيف يقول: ومثل هذا لا يرويه إلا أحد الرجلين, رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف والغث والسمين, وهم جمهور مصنفي السير والأخبار وقصص الأنبياء كـالثعلبي و الواحدي و المهدوي و الزمخشري و عبد الجبار بن أحمد و علي بن عيسى الرماني و أبي عبد الله بن خطيب الرازي و أبي نصر القشيري و أبي الليث السمرقندي و أبي عبد الرحمن السلمي و الكواشي الموصلي وأمثالهم من المصنفين في التفسير, فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم, ولا لهم خبرة بالمروي المنقول, ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيها من يروون بين الصحيح والضعيف ولا يميزون بينها, لكن منهم من يروي للجميع ويجعل العهدة على الناقل كـالثعلبي ونحوه, ومنهم من ينصر قولاً أو جملة إما في الأصول أو التصوف والفقه.. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

    وذكر طبعاً الثعلبي في أكثر من موطن، وأشار إلى إشكالية نقله لهذه الأحاديث الضعيفة في أكثر من موطن.

    مثل هذا يقول: وأما الواحدي فإنه تلميذ الثعلبي وهو أخبر منه بالعربية، لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع وإن ذكرها تقليداً لغيره, قال: وتفسيره تفسير الواحدي هي: البسيط, والوسيط, والوجيز, فيه فوائد جليلة، وفيه غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها, وهذا من عدالة شيخ الإسلام في نقد الرجال.

    فهذا الكتاب الذي هو الوسيط يمكن أن يعدّ منهجاً للقراءة, فلو أراد الإنسان أن يقرأ مرجعاً من المراجع في المرحلة المتوسطة، مع ملاحظة الإشكاليات الواردة على هذا التفسير؛ لأن المادة التفسيرية فيه متكاملة, وليس في تلك الأباطيل الكثيرة الموجودة في مثل كتاب: النكت والعيون, يعني: لو قارنا بينه وبين نكت والعيون نجد أنه أكثر فائدةً من كتاب النكت والعيون.

    كتاب الوجيز للواحدي

    وأما الوجيز للواحدي نفسه، فهو محقق في مجلدين, وقد طبع قبل ذلك وألفه الواحدي أثناء تأليفه لكتابه الكبير البسيط, حيث قال: [كنت قد ابتدأت في بإبداع كتاب في التفسير لم أسبق إلى مثله, وطال عليّ الأمر في ذلك لشرائط تقلدتها, ومواجب من حق النصيحة لكتاب الله تحملتها، ثم استعجلني قبل إتمامه والتقصي عما لزمني من عهدة أحكامه نفر متقاصرو الرغبات، منخفضو الدجات، أولو البضائع المزجاة إلى إيجاز كتاب في التفسير, يقرب على من تناوله، ويسهل على من تأمله، من أوجز ما عمل في بابه، وأعظمه فائدة على متحفظيه وأصحابه, وهذا كتاب ]

    هو الوجيز [أنا فيه نازل إلى درجة أهل زماننا، تعجيلاً لمنفعتهم وتحصيلاً للمثوبة في إفادتهم ما تمنوه طويلاً، فلم يغن عنهم أحد فتيلاً], هذا كلامه عن متعلمي أهل زمانه، حيث طالبوه بكتاب وجيز.

    ويبدو والله أعلم أن هذا هو أول كتاب متكامل، وهو يعتبر بالفعل وجيز, يعني: من الكتب المختصرة, فهو أول كتاب من الكتب المختصرة, والعلماء إذا كتبوا في الغالب نلاحظ أن كل الكتابات التي سبق أن قرأناها إما متوسطة وإما مطولة, ولم يمر علينا كتاب مختصر، يصلح أن يكون للمبتدئين, وهذا كما ذكرت سابقاً من الكتب التي تصلح أن تكون أصلاً للمبتدئين مع ملاحظة معتقد المؤلف رحمه الله.

    منهج الواحدي في كتابه الوجيز

    واعتمد في هذا الكتاب على قول واحد, ولم يذكر الخلاف إلا قليلاً, وهذا ميزته واعتمد أيضاً على قول ابن عباس أو من هو في درجته، فإذا جاءت عنده الأقوال فإنه يعتمد قول ابن عباس فقط، أو قول من هو في درجة ابن عباس .

    وهو أيضاً يفسر اللفظ العويص بأسهل منها, ولذا قال: [وتارك ما سوى قول واحد معتمد على ابن عباس أو من هو في مثل درجته, كما أترجم على اللفظ العويص بأسهل منه].

    فهذا منهج المؤلف فيه بإيجاز.

    أنموذج من كتاب الوجيز

    قال المؤلف رحمه الله: [ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ [ص:15]، أي: ما ينتظر هؤلاء كفار مكة:

    إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً [ص:15] وهي نفخة القيامة، مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ [ص:15] رجوعٌ ومردٌّ.

    وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا [ص:16]، كتابنا وصحيفة أعمالنا، قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [ص:16] وذلك لمَّا نزل قوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19]، و وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ [الحاقة:25]، سألوا ذلك فنزلت هذه الآية. وقوله: دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ [ص:17] أي: ذا القوة في العبادة، إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:17] رجَّاع إلى الله سبحانه: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ [ص:18] يجاوبنه بالتسبيح: بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18] يعني: الضحى. وَالطَّيْرَ [ص:19] أي: وسخرنا الطير مَحْشُورَةً )) مجموعة: كُلٌّ لَهُ [ص:19] لداود: أَوَّابٌ [ص:19]مطيع يأتيه ويسبح معه. وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ [ص:20] بالحرس، وكانوا ثلاثة وثلاثين ألف رجل يحرسون كل ليلة محرابه ].

    فهذا النقل من الوجيز.

    أنموذج من الوسيط للواحدي

    أما الوسيط فيقول المؤلف: [ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ [ص:15] يعني: كفار مكة، أي: ما ينتظرون لوقوع العذاب بهم، إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً يعني: النفخة الأخيرة.

    مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ [ص:15]، وقرئ بالضم، قال الزجاج : فَواق وفُواق بضم الفاء وفتحها، أي: ما لها من رجوع. والفواق ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع أيضًا؛ لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين، وأفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة.

    قال مجاهد : مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ رجوع. أي: ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع، وهو معنى قول مقاتل : من مرد ولا رجعة. وقال قتادة ، و الضحاك : ليس لها مثنوية. أي: صرف ورد، والمعنى: أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف حتى يبعثوا وينجز لهم ميعاد العذاب.

    قوله تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [ص:16] معنى القط في اللغة: النصيب، من القط بمعنى القطع، والنصيب: إنما هو القطعة من الشيء، وتسمى كتب الجوائز قطوطا؛ لأنهم كانوا يكتبون الأنصباء من العطايا في الصحائف. يقال: أخذ فلان قط إذا أخذ كتابه الذي كتب له بجائزته وصلته، ثم سميت الكتب قطوطًا وإن لم تكن للصلة، والمفسرون مختلفون على هذين القولين: فقال ابن عباس : قطنا، حظنا من العذاب والعقوبة.

    وقال قتادة : نصيبنا من العذاب، يقولون ذلك استهزاء. وقال سعيد بن جبير ، و السدي : لما ذكر لهم ما في الجنة: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا [ص:16] نصيبنا منها في الدنيا.

    وقال أبو العالية ، و الكلبي ، و مقاتل : لما نزلت: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19]، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتابنا بشمالنا، فعجل لنا قطنا قبل يوم الحساب.

    يقولون ذلك تكذيبًا له ].

    ومعروف أنه انتهج أن يجعل قول ابن عباس هو القول المقدم، وأنا قصدت من هذا توازن النقل، لكن نعرف الفرق بينهما من جهة المنهج، ففي الوجيز كما قال هو وجيز، وفي الوسيط كما تلاحظ يذكر بعض النقولات والقراءات، فهو أوسع منه، أما في البسيط فيستطرد في أشياء ليست مرتبطة بالتفسير، يعني: مثلًا اشتقاق القط، وأقوال اللغويين فيها، وفي التصريفات كثيرة، بمعنى: أنه يستوعب أحيانًا أشياء كثيرة جدًا في اللغة من الاشتقاقات والتصريفات وأشعار العرب وغيرها، مما لا علاقة له، وكأنه كتاب لغة في النهاية أو كتاب نحو.

    وأما الإسناد فأحيانًا رحمه الله يسند وأحيانًا ما يسند، لكن جل كتابه أيضًا نقل، مثل شيخه الثعلبي ، لكنه أحيانًا يدلس في النقل، كما ذكر بعض من حقق في هذا الكتاب كتاب البسيط.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756962634