إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (20) - النوع السادس عشر في كيفية إنزاله [2]

عرض كتاب الإتقان (20) - النوع السادس عشر في كيفية إنزاله [2]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن كلام الله تعالى بحرف وصوت، وقد سمعه جبريل من رب العالمين، ونزل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه الرسول كما سمعه جبريل. وفي نزول جبريل بالقرآن وكيفية الوحي صور ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بيانها، ولا دخل للعقل في تأويلها وتفسيرها.

    1.   

    كيفية الإنزال والوحي

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فقد وقفنا في كتاب الإتقان عند المسألة الثانية وكانت المسألة الأولى عن نزول القرآن الجملي ونزول القرآن التفصيلي المنجم, ثم ذكر استطرادات بعد ذلك متعلقة بالنزول، ثم ذكر المسألة الثانية في كيفية الإنزال والوحي.

    في هذه المسألة السيوطي رحمه الله تعالى لم يذكر فيها قولاً صواباً، فكل ما ذكره في هذه المسألة -التي هي كيفية الإنزال- مخالف للقول الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة, والكلام هذا كله مبني على قول المتكلمين.

    يقول: قال الأصفهاني في أوائل تفسيره: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل, وكونه منزلاً من حيث العبارة هذه لا يخالف فيها أحد، وهو نص القرآن؛ لكن كما قال: اختلفوا في معنى الإنزال, ويقصد بأهل السنة والجماعة من خلال ما ذكر من أقوالهم: أنهم علماء الكلام من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم, أما المعتزلة فلم يذكرهم؛ لأنهم يقولون: إن الإنزال بمعنى: الخلق, فأخرجهم من هذا المصطلح.

    والأصفهاني هذا هو محمود بن عبد الرحمن أبو الثناء شمس الدين الأصفهاني , توفي سنة 749هــ، يعني في طبقة تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية . ويذكرون أنه أخذ عنه.

    وتفسيره يغلب عليه الجانب العقلي, وعنوان تفسيره "أنوار الحقائق الربانية في تفسير الآيات القرآنية" وقد حقق منه جزء كبير جداً، وهو كتاب ضخم وكبير.

    فقوله: (في أوائل تفسيره)، يعني: ذكره في مقدماته؛ لأنه ذكر مقدمات في تفسيره فهو من الكتب التي اعتمدت ذكر مقدمات التفسير.

    الاختلاف في مفهوم الإنزال

    نرجع إلى الاختلاف الذي وقع بين علماء الكلام في مفهوم الإنزال, هو يقول: اختلفوا في معنى الإنزال فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته, ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط بالمكان.

    وهذه العبارات هل فيها إثبات صفة الكلام؟

    يلاحظ أن فيها نفياً لصفة الكلام، يعني: أن الله سبحانه وتعالى لم يتكلم بالقرآن, والسبب في ذلك أنهم يرون أن كلام الله واحد لا يتعدد, ويلزمون أنفسهم بأن الله لو تكلم لحلت فيه الحوادث.

    والمقصد أن ننتبه إلى أثر الاعتقاد على القضايا العلمية حتى أنه في مثل هذا المجال وقع هناك إشكال عند السيوطي فلم يذكر القول الصواب, وإنما ذكر هذه الأقوال عن علماء الكلام, وسيرجع مرة أخرى ويذكر أقوالاً أخرى في معنى الإنزال.

    طرق الإنزال وصوره

    لكنه ذكر هنا في التنزيل طريقين:

    قال: إحداهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل , والثانية: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذ الرسول منه, والأول أسرع بالحالين. انتهى.

    لكن هذا الكلام هل عليه دليل؟ يعني: تحول الرسول أو تحول جبريل , هو الآن يقول في الصورة الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحول من الحال البشرية إلى الحال الملكية.

    وفي الثانية: أن جبريل الملك ينخلع إلى البشرية, وكون الملك كان على صورة بشر؛ ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منه الوحي؛ هذا ليس فيه كلام, لكن في الصورة الأولى هل عليه دليل؟

    الدليل على خلافه.

    وهل ثبت في النبي صلى الله عليه وسلم تتغير حاله إلى حال الملكية؟ ما ثبت؛ ولهذا هذه الصورة من غرائب ما ذكر فيما يتعلق بكيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم للوحي, وليس عليها أي دليل, ومع الأسف! أن هذه الصورة موجودة حتى عند بعض المعاصرين, مثل صاحب "مناهل العرفان" يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينخلع من الحالة البشرية إلى الحالة الملكية, وهذا غير صحيح, وإلا ما كان هناك شدة في تلقي الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم, وإنما كانت الشدة في كونه صلى الله عليه وسلم في حالة بشرية، ويأتيه الوحي في الحالة الملكية فيكون شديداً عليه.

    والصورة الثانية لا يقال عنها: انخلع، وإنما هي أحد صور الوحي: أن جبريل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة بشر, ثم يلقي عليه من الوحي ما يلقي, لأن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنواع منه: كلام الله سبحانه وتعالى له وذلك كائن في الإسراء, ومنه: أن يرى في المنام, ومنه: أن ينزل عليه جبريل بالصورة الملكية, ومنه: أن ينزل عليه جبريل بالصورة بشرية, فهذه مجموعة من صور الوحي.

    لكن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم هل فيه نزول من القرآن بغير الصورة الأولى، كون جبريل بالصورة الملكية والرسول صلى الله عليه وسلم بالصورة البشرية, وهذا يدل عليه مثل قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[المزمل:5], وقوله سبحانه وتعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة:16]؛ لأنه كان يعالج شدة من التنزيل, فهل ثبت أن شيئاً من القرآن نزل بغير هذه الصورة، هذه مسألة.

    والمسألة الثانية: لو قيل بنزول القرآن بغير هذه الصورة هل يؤثر في قضية ثبوت القرآن؟

    أقوال بعض أهل العلم في كيفية النزول والتعليق عليها

    نرجع الآن إلى تتبع ما نقله السيوطي رحمه الله تعالى في نزول القرآن, قال الطيبي : لعل نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقفه الملك من الله تعالى تلقفاً روحانياً, أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويلقيه عليه.

    ونلاحظ أن السبب في هذا المذهب هو قولهم: في نفي الكلام؛ وأنه كلام معنىً، وأن كون الله سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء يلزم منه حلول الحوادث فتقع هذه الإشكالية, فأول معنى الإنزال.

    والقطب الرازي يقول: الإنزال لغة: بمعنى الإيواء,، والمعنى: تحريك الشيء من علو لا أسفل, قال: وكلاهما لا يتحققان بالكلام, وهو مستعمل فيه في معنىً مجازي, فمن قال: القرآن معنىً قائم بذات الله -لاحظ الآن الإشكالية الواردة عندهم- فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى, ويثبتها في اللوح المحفوظ, ومن قال: القرآن هو الألفاظ فإنزاله مجرد إثباته في اللوح، وهذا المعنى مناسب لكونه منقولاً عن المعنيين اللغويين, ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ، وهذا مناسب للمعنى الثاني, والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفاً روحياً، ويحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم. انتهى.

    وهنا نلاحظ أثر المعتقد في قوله: إن القرآن معنىً قائم بذات الله, فوقع الإشكال من هذه الجهة عندهم.

    وقال غيره: المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال:

    أحدها: أنه اللفظ والمعنى, وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به، وذكره بعضهم: أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل ق، وأن تحت كل حرف منها معاني لا يحيط بها إلا الله.

    والثاني: إن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة, وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب, كما سيأتي قائل هذا بظاهر قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ[الشعراء:193-194].

    والثالث: أن جبريل ألقي إليه المعنى، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب, وأن أهل السماء يقرءونه بالعربية, ثم أنه نزل كذلك بعد ذلك.

    ولاحظوا هنا كذلك آثار الاعتقاد؛ لأن كلام الله سبحانه وتعالى معنىً قائم بذاته, وصل إلى حد أن يقول بعضهم هذا القول: اللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم, وأن جبريل ألقى المعنى، يعني قال: إن جبريل لما نزل بالمعاني الخاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب, وهذا كلام لا شك أنه خطير؛ ولأنه ينفي إعجاز القرآن وينفي كل شيء متعلق بالقرآن.

    والبيهقي رحمه الله قال في قوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], قال: يريد والله أعلم إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع, فيكون الملك منتقلاً به من علو إلى سفل, وهذا الكلام فيه إجمال وإبهام من البيهقي , (أسمعنا) يعني: هل سمع الملك كلام الرب من الرب أم ماذا؟ يعني: فيه إبهام, والبيهقي رحمه الله تعالى وإن كان من المحدثين إلا عنده شيء من الأشعرية أوقعته ببعض العقائد التي فيها إشكال.

    وبعض العلماء رحمهم الله يعني: جبال في العلم إلا أنه مع ذلك وقع عندهم هذا الإشكال, وكوننا نذكر هذا الإشكال عنهم لا يعني ذلك أننا نلغيهم تماماً؛ لكن نبين ما وقع عندهم من الإشكال في هذه المسألة.

    أبو شامة يقول: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن, أو إلى شيء منه يحتاج إليه أهل السنة المعتقدين قدم القرآن, وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى, اللي هو التأويلات التي ذكرها, كذلك قال: قلت: يؤيده أن جبريل تلقفه سماعاً من الله ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفةً شديدة من خوف الله, فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجداً، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به عن الملائكة, فكل ما مر بسماء سأله أهلها: ماذا قال ربنا؟ قال: الحق, فينتهي به حيث أمر), وذكر الحديث الآخر حديث ابن مسعود .

    ثم ذكر في تفسير علي بن سهل النيسابوري يقول: قال جماعة: نزل القرآن جملة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له: بيت العزة، فحفظه جبريل وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله، فمر به جبريل وقد أفاقوا فقال: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق, يعني: القرآن, وهو معنى قوله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ[سبأ:23], فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه على السفرة الكتبة - يعني: الملائكة - وهو معنى قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ[عبس:15-16].

    ثم ذكر كلام الجويني , وفيه نفس الكلام السابق في معنى الإنزال، وفيه لا شك تأويل.

    الجويني ذكر في كلام الله المنزل قسمين:

    قسم قال لـجبريل : قل للنبي الذي أنت مرسل إليه: إن الله يقول: افعل كذا وكذا؛ ففهم جبريل ما قاله ربه، ثم نزل على ذلك النبي وقال له ما قال ربه، ولم تكن العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به: قل لفلان: يقول لك الملك: اجتهد في الخدمة ويضع جندك للقتال, فإذا قال الرسول: يقول الملك هذا ... في خدمتي ولا تترك الجند تتفرق وحتم على المقاتلة لا ينسب إلى الكذب ولا التقصير في أداء الرسالة.

    وقسم آخر قال: (اقرأ على النبي هذا الكتاب, فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتاباً يسلمه إلى أمينه ويقال: اقرأه على فلان.. ويقول: اقرأه على فلان فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفاً) انتهى.

    قلت: القرآن هو القسم الثاني, والقسم الأول هو السنة, كما ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن, إلى آخر ما رأيت من هذا.

    المقصود بالوحي

    ثم ذكر ما يعضد كلام الجويني من كلام السلف، فعن الزهري قال: سئل عن الوحي؛ فقال: الوحي ما يوحي الله إلى نبي من الأنبياء, فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه, وهو كلام الله ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته، ولكنه يحدث به الناس حديثاً، ويبين لهم أن الله أمر أن يبينه للناس ويبلغه إياهم, وهذا أخرجه ابن أبي حاتم .

    لكن المذهب الحق أن الله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن بحرف وصوت كما ثبت، وأن جبريل عليه السلام سمعه من رب العالمين كما تكلم به سبحانه وتعالى، ثم نزل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل كما سمعه جبريل من ربه ليس فيه زيادة ولا نقص, والرسول صلى الله عليه وسلم أداه إلى الصحابة حتى وصل إلينا, ولهذا الميزة الموجودة في قراءة المسلمين للقرآن أنهم يقرءون كلام الله نفسه الذي قاله الله سبحانه وتعالى, وهذه منزلة ليست لأحد؛ لأن كل أصحاب الديانات السابقة قد حرفوا كتبهم, ولا يمكن لأحد منهم أن يقول: إن هذا هو الكلام الذي نزل على موسى أو نزل على عيسى أو نزل على داود ، لا يمكن، إلا أهل الإسلام لا يوجد في كتبهم ما يدل على وجود تحريف أو نقص, وكل ما زعم من التحريف أو النقص أقوال مردودة وليست بصحيحة, وهذا البحوث فيها موجودة, وتقرير هذا موجود في الرسائل الكثيرة.

    لكن المقصد من هذا أن نعلم أن الإنسان أو المسلم حينما يقرأ هذا الكلام فإنه يقرأ ما تكلم الله سبحانه وتعالى به في عليائه, وهذه لا شك أنها مزية وفضيلة للمسلمين.

    أما ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى ففيه من التخليط وفيه من التأويل ما فيه, والإشكال فيه هي عقيدة الأشاعرة في القرآن أو في كلام الله وأنه معنىً قائم بذات الله, والمعنى القائم بذات الله بناءً على ذلك لا يتغير؛ لأنه واحد, ولهذا عبر بعضهم فقال: فإن نزل بالعربية فهو قرآن، وإن نزل بالسريانية فهو إنجيل, وإن نزل بالعبرية فهو توراة, وعلى هذا أيضاً كلامه غير صحيح, يعني: يلزم من ذلك أن كون المعنى متفق أن تكون الألفاظ متفقة حسب المعاني, وهذا غير صحيح, وإنما أوقعهم ذلك في هذه العقيدة التي ذهبوا إليها.

    1.   

    أنواع التنزلات

    نحن قلنا: أنواع التنزلات: أول نزول هو النزول الجملي, وهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنه, وهذا النزول غيبي وحكمه حكم الغيبيات، بمعنى: أنه لا يقاس بغيره من أمور الشاهدة.

    قد يقول قائل, وهذا قاله بعض المعاصرين من العلماء: كيف يكون نزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وفيه أخبار وأحداث لم تقع بعد؟

    نقول: هذا تكييف للغيبيات والأولى التوقف فيه, يعني: يكون الخبر مجملاً كما أخبر ابن عباس , وليس هناك مانع؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ كله إخبار عما سيكون, فليس في هناك أي إشكال.

    النزول الثاني: هو النزول التفصيلي, فبعضهم أشار إلى ابتداء النزول وهو المروي عن الشعبي : أنه نزل في ليلة القدر, أما ابن عباس فقد أشار إلى أن النزول الجملي نزل في ليلة القدر, وليس هناك مانع أن يكون ابتداؤه في ليلة القدر, ونزوله الجملي في ليلة القدر أيضاً, كما أنه ليس هناك مانع أن تكون الآيات مشيرة إلى هذا وإلى هذا من حيث الجملة في قوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], فيشمل الإنزال الجملي والإنزال التفصيلي.

    بعد ذلك صار ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم حسب الحوادث التي تحدث, وهذا يسمى النزول التفصيلي أو النزول المنجم.

    يسمعه جبريل كل مرة، كل ما أحدث الله شيئاً من الوحي سمعه جبريل ونزل به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, أما الذي في بيت العزة وهو في اللوح المحفوظ ليس لـجبريل به علاقة, يعني: انتهى أمر الذي في بيت العزة إلى أن نزل في بيت العزة فقط, وبعد ذلك يؤخذ من جبريل عليه السلام.

    وهناك نوع أشار إليه مقاتل وهو داخل في الأنواع لكنه من اللطائف، وهو النزول السنوي, أنه في كل ليلة قدر يقدر الله سبحانه وتعالى ما سينزل من القرآن في السنة القادمة, وهو يدخل في أنواع النزول, وليس نوعاً مستقلاً لكن يشار إليه للطافته فقط, فهذه ما يتعلق بالنزولات.

    وقد وقع إشكال في بعض الآثار أن جبريل يأخذه من بيت العزة أو أن السفرة تنجمه على جبريل ، لكن هذا الأثر فيه ضعف، يعني: نسب إلى ابن عباس وليس بصحيح, ولا شك أن فيه إشكالاً لبعض الآثار قد تكون حجة لمن يقول بهذه الأقوال؛ لكن هؤلاء لم ينطلقوا من الآثار، وإنما انطلقوا من القضايا العقلية في كون كلام الله سبحانه وتعالى واحداً لا يتعدد، وكونه قال في ذاته.. إلى آخره، ولو كانوا انطلقوا من الآثار لصارت القضية قضية موازنة بين الآثار التي وردت عن ابن عباس , لكن المنطلق مختلف, يعني: منطلق من ذهب إلى هذا المذهب هو المنطلق العقلي في كون كلام الله سبحانه وتعالى واحد لا يتعدد, وأنه معنىً قائم بذات الله, هذا الفرق بينه وبين من استدل بأثر من الآثار أو طريق من الطرق الواردة عن ابن عباس التي فيها إيهام بأن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ.

    على العموم أثر ابن عباس يجب أن يعلم أنه انتهى خبره في نزوله إلى بيت العزة فقط لا غيره, وليس بعد ذلك ليس هناك أي علاقة لما نزل لبيت العزة بالنزول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه نزل من باب تشريف هذه الأمة وبيان قدرها وإعلان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأهل السماء في بيت العزة, مع أننا نعلم أن الملائكة كثر، وليس كل واحد منهم يعرف كل شيء؛ ولهذا لما صعد جبريل عليه السلام بالرسول صلى الله عليه وسلم عند السماء الدنيا واستفتح لهم قالوا له: من معك؟ قال: محمد, قالوا: أو قد بعث؟ قال: نعم, إذاً هم عندهم خبر عن بعثة الرسول أنه سيبعث, لكن ما عندهم خبر أن الرسول قد بعث, وهذا يشير إلى أن الملائكة كل واحد منهم يعمل بما كلف به فقط, ولا يدري عن الأمور الأخرى؛ لأنه كل مسخر لعمل معين, وإذا قلنا بهذا واضح جداً أنه يكون ما نزل في بيت العزة له مقصد معين, وهذا مقصد انتهى في نزوله في تلك اللحظة ووقف الخبر عند هذا, فنحن نؤمن به كما أخبر به ابن عباس , خصوصاً أنه سند واضح وثابت.

    ومن العجيب أني رأيت بعض الذين ردوا قالوا: أنه هذا خبر إسرائيلي، وما هو صحيح، وهذا خبر إسلامي ما هو إسرائيلي, يعني: كيف يكون إسرائيلياً؟! يعني مرتبط في نزول القرآن كيف يكون إسرائيلياً؟! يعني: اليهود كذبوا على القرآن وقالوا: أنه نزل إلى بيت العزة؟!! ما يتصور هذا إطلاقاً.

    والأثر موقوف على ابن عباس وهو الذي جعل بعض العلماء يستنكرون كونه موقوفاً، ولو كان مرفوعاً؛ انتهى, لكنه ثابت عن ابن عباس .

    1.   

    كيفية الوحي وصوره

    أول كيفية: أنه يأتي الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح, وأورد الآثار في ذلك.

    والثانية: أنه ينفث في روعه الكلام نفثاً, كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي).

    والثالثة: أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه قال: (وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني، فأعي ما يقول).

    والرابع: أن يأتيه الملك في النوم, قال: وعد من هذا نزول سورة الكوثر.

    والخامسة: أن يكلمه الله إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء, أو في النوم كما في حديث فيما يختصم الملأ الأعلى.

    قال: وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم, قال: نعم، يمكن أن يعد منه آخر سورة البقرة كما تقدم, وبعض سورة الضحى و (ألم نشرح) فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (سألت ربي مسألة ووددت أني لم أكن سألت, قلت: أي رب! اتخذت إبراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليما فقال: يا محمد ألم أجدك يتيماً فأويتك، وضالاً فهديتك), إلى آخره.

    وطبعاً هذا ليس فيه نص قرآن, وإنما هو ورد إخبار بما في القرآن, طبعاً هذه بعض الصور.

    لكن هل يريد السيوطي أن يقول لنا: إن هذه الصور ينزل بها القرآن كلها أو لا ينزل بها القرآن أو هي صور للوحي؟

    الصورة التي ثبت نزول القرآن بها

    إذاً السؤال: ما هي الصور التي ثبت نزول القرآن بها؟

    جاء في الحديث وهي الصورة الثانية قوله: (وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول), يعني أحياناً يأتيه بالصورة الملكية, وأحياناً يأتي بصورة رجل, والسؤال: كيف كان يأتيه الوحي؟ فهل كان مراد السائل من الصحابة كيف يأتيه الوحي بالقرآن؛ فيكون إذاً عندنا أن القرآن قد يكون أتاه بالصورة الملكية أو أتاه بالصورة البشرية, وليس هناك مانع عقلي يمنع من ذلك أنه يكون القرآن أتى بهذه أو بتلك.

    والحقيقة أني بحثت واجتهدت في أن أجد من أشار إلى هذا، لكن العلماء رحمهم الله يذكرونه مجملاً, إنما يذكرون إتيان الوحي؛ لأنه نزول القرآن نزولاً خاصاً, فهل كان فقط خاصاً بالصورة الملكية لجبريل, أو يشمل أيضاً الصورة البشرية؟

    أيضاً في قضية المنام التي ذكروها في سورة الكوثر, وسبق الكلام عنها, هل أيضاً يؤثر على القرآن إن يكون نزل شيء منه في المنام من جهة العقل؟

    لا يؤثر, المقصد من ذلك: أنه لا يؤثر أن يأتيه القرآن إما مناماً, وإما أن يأتيه الملك على صورة بشر, وإما يأتيه الملك على صورته الحقيقية, وهي أشد الحالات على الرسول صلى الله عليه وسلم, فليس هناك أي مانع عقلي من هذا، لكنها تحتاج إلى تحرير ونظر إلى أقوال العلماء في هذه المسألة.

    فإن قال قائل: لو نزل على الصورة البشرية لاتخذ حجة في الطعن فيه بدلالة قوله تعالى: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ[النحل:103]؟

    فالجواب: جبريل ما هو بشر, هو ملك, فما يقول: أتاني فلان، يقول: أتاني جبريل , نزل به جبريل , والتشكل لجبريل بالصورة البشرية لا يعني ذلك أنه بشر.

    أما الروايات الواردة عن نزول القرآن، ففي بعضها: ( أحياناً يأتيه الملك كمثل صلصلة الجرس.. ), وفي لفظ آخر: ( يتمثل لي ملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول ), يعني: إذا قال أحياناً كذا وأحياناً كذا, فكونه خص في جواب السائل هاتين الصورتين دون غيرهما معاً في الصورة متعددة كأنه يريد ما يأتيه من القرآن, ولا يمنع أن تأتيه السنة بالصور هذه؛ ولهذا لو تأملنا ما يقع من أحداث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن بعضها نزل به القرآن صريحاً, وبعضه يكون نزل به وحياً لكن لم يتخذ قرآناً, فيجاب السائل من الله سبحانه وتعالى ينزل جبريل بالإجابة، لكنه ما يكون قرآناً, يكون مجرد سنة, وهذا يفصل فيه قضية: أنه هل هو في القرآن أو في غير القرآن؟ إجابات موجودة كثيرة.

    ولا زلت أقول: إن هذا محل بحث، وليس هناك أي مانع عقلي من ذلك خصوصاً أن السؤال وارد مجملاً, كيف يأتيك الوحي؟ فقال: إما وإما, فقسم هذه أو هذه, مع أنا نعرف أن صور الوحي أكثر من هذه الصور.

    وهناك جواب لبعض العلماء أنه قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الصور الأخرى؛ لأنها أقل وقوعاً, ونقول: هذا صحيح, لكن كون الصحابي يسأله عن الوحي بالذات ما سأله عن مجمل صور الوحي، وإنما سأله كأنه قال: كيف ينزل عليك القرآن, يعني: ينزل عليك الوحي بالقرآن؟

    المقصد من ذلك وأهم شيء أنه لو قيل: بأنه نزل شيء من القرآن بالصورة الثانية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ليس فيها أي إشكال، لا من جهة العقل ولا من جهة الشرع, وإن كانت النفس تميل طبعاً إلى الصورة الأولى؛ لأنها هي الصورة التي تميز بها نزول القرآن.

    والصورة الأولى التي هي صلصلة الجرس وغيره فيها كلام, يسمع كلامه, أما النفث في الروع؛ لا، يعني: يلقى في روعه, أنه كذا كذا كذا من دون تحديث, أشبه بالإلهام, يعني: هذه الصورة أشبه بالإلهام ما فيها حديث، ما فيها كلام, وهناك فرق شاسع بين هذه وتلك.

    والنفث في الروع ما يلزم أنه يسمع كلاماً.

    وقد جاء في الصورة الأولى التي هي نزول الملك عليه بالصورة الملكية, أنه يتفصد عرقه في الليلة الشاتية أو في اليوم الشاتي, وكذلك ما أخبر به أنس أنه يغفو إغفاءة أو أنه يغط أو غيرها، كل هذه بالصورة الملكية.

    وفي قضية أنه ينخلع من الصورة البشرية إلى الصورة الملكية حاول بعض المعاصرين أن يصور الوحي بصور حسية، يعني: مقيسة, وأنا عندي أنه لا يمكن تصوير الوحي بصورة مقيسة, فتقيس الوحي بحالة نوم أو بحالة تحضير أرواح، لا يمكن هذا ويتأتى.

    فبعض المعاصرين اجتهد في أن يقرب صورة الوحي الذي يقع للرسول صلى الله عليه وسلم, وعندي أن هذا لا يمكن تقريبه أصلاً, إنما هذا أيضاً فيه التسليم, والتسليم لا يكون إلا كما نعلم بمقدمة منطقية عقلية، فإذا أنت سلمت بأنه رسول؛ فعليك أن تسلم بما يقول.

    ولهذا هؤلاء بعض المعاصرين أراد أن يخاطب المستشرقين والكفار بإثبات الوحي, وهذا الذي قالوه ما يقنع, فالمسألة ليست مسألة إقناع بهذه الطريقة, ولا تدخل في محيط العقل, وهذه من الإشكالات التي تحتاج في الحقيقة إلى بحث؛ لأن بعض الفضلاء ممن كتب اتبع قول هؤلاء وحاول أن يأتي بتقريب لصورة الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم, والذي يبدو أنه لا يمكن تقريب هذه المسألة إطلاقاً, فهي صورة خاصة لا يمكن إدراكها؛ ولهذا الصحابة الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يرون آثارها فقط, أما هي لا يمكن أن تدرك، وأحد الصحابة لما طلب من عمر سأله أنه إذا نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوه, فلما نزل فكان عمر رضي الله عنه قد غطى الرسول صلى الله عليه وسلم بعباءة فناداه وأدخل رأسه، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلقى الوحي, يعني: يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم تغير, فلا يمكن وصف هذا التغير أو إدراكه بالمقاييس المنطقية والعقلية.

    نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756901219