إسلام ويب

استغلال شهر رمضانللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أنعم الله على عباده بمواسم للخير والطاعة والمغفرة، وأعظم هذه المواسم شهر رمضان، وهو موسم للتغيير إلى الأفضل، فمن اعتاد على معصية تركها في رمضان، ومن تعود طاعة في رمضان استمر عليها. فينبغي على المسلم أن يحرص على الإكثار في هذا الشهر الكريم من الطاعات، ويكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    نعمة الله على العبد بتبليغه رمضان

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده, وحسنه غير واحد من أهل العلم, عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ( كان رجلان من قضاعة -يعني: من قبيلة قضاعة- أسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم, فاستشهد أحدهما, وأخر الآخر سنة, قال طلحة بن عبيد الله : فأريت الجنة -يعني: في المنام- , ورأيت المؤخر منهما أدخل أولاً, ثم أدخل الشهيد, فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ), استغرب طلحة رضي الله عنه, كيف يُبدأ بالرجل الذي مات على فراشه ويؤخر الشهيد؟ ( فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم سائلاً مستفهماً, فقال له عليه الصلاة والسلام: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة؟ فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض ).

    تأملوا جيداً هذه العبارة التي يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنعمة الله على هذا الرجل المؤخر, الذي مات على فراشه, ( أليس قد صام بعده رمضان, وصلى ستة آلاف ركعة؟ فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض ).

    من أعظم نعم الله عز وجل على هذا الإنسان: نعمة الإمهال والتأخير, أن يؤخرك الله, ويبلغك الأزمان التي تكتسب فيها الأعمال الصالحة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ( أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة ), النعم الدينية تستحق الشكر وتستوجبه أولى من النعم الدنيوية, إذا كنا نستشعر نعمة الله في المال والولد, ونحس بنعمة الله في الصحة والأمن؛ فإن أولى ما ينبغي أن نتذكره ونعتبر بما فيه ونعمل بشكره نعم الله عز وجل علينا في ديننا.

    من أعظم نعم الله أن يبلغك أيها المسلم! مواسم الخيرات, مواسم المغفرة, مواسم الرحمة, فينبغي أن تجتهد في شكر هذه النعمة؛ كما قال الله في قصة قارون وموعظة قومه له, قالوا له: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77], قال ابن عباس : لا تنس أن تعمل في دنياك لآخرتك, هذا هو نصيبك الحقيقي من الدنيا, هذا هو حظك الحقيقي من أيامك ولياليك, أن تعمل في دنياك لآخرتك, وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77], كما أحسن الله إليك وبلغك هذه الأيام, وأوصلك إلى هذه الساعات, وفتحت أمامك أبواب الجنة, وغلقت أبواب النار, فأحسن كما أحسن الله إليك.

    الإحسان أيها الإخوة في العبادة! من أهم المقاصد التي ينبغي أن نعتني بها في شهر الصوم, في شهر رمضان, هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو, فقال في الحديث الصحيح: ( إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر, والعزيمة في الرشد, وأسألك شكر نعمتك, وحسن عبادتك ), شكر الله تعالى مقرون بحسن العبادة, من شكر الله أن تحسن عبادته, إذا كان هذا في سائر أيام العام فكيف بهذه الساعات والأزمان الفاضلة التي نعيشها؟! قال لـمعاذ : ( يا معاذ ! إني أحبك, فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ), حسن العبادة رتب الله عز وجل عليها الثواب العظيم, وقال في الحديث الآخر: ( ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن ), واسمع إلى هذا اللفظ بقلبك: ( فيحسن وضوءها وركوعها وخشوعها إلا كانت كفارة لما قبلها، وذلك الدهر كله ), الإحسان في العبادة, إحسان الصوم, إحسان القيام, إحسان الذكر, هو لب الأعمال في هذا الشهر الكريم, الموفق من اغتنم هذه الساعات فيما ينفعه عند الله, وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77].

    1.   

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

    ما دمنا قد بلغنا رمضان فكيف ينبغي أن نكون فيه, نصب الله لنا رسوله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة, وقال لنا في كتابه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21], من كان يرجو الله واليوم الآخر, من كان يأمل ويطمع في الثواب والفوز والفلاح؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ ماذا يفعل إذا هل عليه هلال هذا الشهر؟

    هديه صلى الله عليه وسلم في الخشوع في الصلاة

    جاءت الأحاديث في وصف صلاته عليه الصلاة والسلام, تقول عنه عائشة : ( كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يوتر بثلاث ), لا تسأل عن حسن صلاته عليه الصلاة والسلام؟! فقد كان يصلي في الركعة الواحدة بسبعة أجزاء من القرآن, يقرأ في الركعة الواحدة بالبقرة والنساء وآل عمران, والصحابي من ورائه يقول: لعله يركع في آخر هذه السورة, لعله يركع في آخر هذه السورة, ويبيت عليه الصلاة والسلام في صلاة يصليها ويحسنها, يقرأ قرآنه بخشوع وتدبر, فتنفعل نفسه بهذا القرآن, ويبكي من وعيده, ويستبشر بوعده, ويصف أصحابه صلاته عليه الصلاة والسلام بأنه: ( إذا صلى كان لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ), (أزيز) صوت كأزيز القدر على النار من البكاء, أما إذا أصبح عليه الصلاة والسلام فقد وصف أصحابه كيف كان يصبح-كما في صحيح مسلم- : ( كان يصلي الفجر في جماعة, ويمكث في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس ارتفاعاً حسناً ), وحث عليه الصلاة والسلام غيره من الناس على هذا الجلوس, وأن يصلوا ركعتين بعد ارتفاع الشمس, فقال: ( من صلى الفجر في جماعة ثم قعد في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس, ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة, تامة, تامة ).

    الذكر والقرآن والجهاد في رمضان

    كان عليه الصلاة والسلام كثير الذكر في سائر نهاره فكيف بنهار الصوم؟! يقول ابن عمر : ( كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة: اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت الغفور الرحيم ), هذا في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة فكيف بسائر المجالس؟! في نهار الصوم كان عليه الصلاة والسلام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويعلم الجاهل, وينبه الغافل، وفي نهار الصوم غزا عليه الصلاة والسلام وقاتل أعداء الله, وفتح عليه بأعظم فتحين في حياته, فغزوة بدر وقعت في رمضان, وفتحت مكة في رمضان, و( كان عليه الصلاة والسلام يدارس جبريل القرآن في نهار رمضان ), وهو الذي عليه أنزل, لكن كان يأتيه جبريل ليقرأه معه فيتدارس معه القرآن, وفي السنة التي مات فيها عرض عليه القرآن مرتين.

    الصدقة في رمضان

    أما في أبواب الإحسان والخير والصدقة فحدث عن ذلك ولا حرج, وصفه ابن عباس كما في الصحيح, قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان إذا جاء رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة ) (الريح المرسلة) يعني: المطلقة التي لا تفرق بين موضع وموضع, ولا تفرق بين عال ومنخفض, ولا تفرق بين شريف ووضيع, كان عليه الصلاة والسلام خيره للناس جميعاً كالريح المرسلة, يصل خيره إلى الشريف والحقير, إلى الغني والفقير, إلى الصغير والكبير, ( كان أجود ما يكون في رمضان, وكان أجود بالخير من الريح المرسلة ), هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكيف بأحوال الصائمين غيره عليه الصلاة والسلام؟!

    1.   

    رمضان شهر التغيير

    الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! من حكم الله في كونه أن جعل رمضان شهراً تتغير فيه المخلوقات العلوية والسفلية, في السماء تتغير الجنات, فتتهيأ وتتزين كل ليلة من ليالي رمضان, ( يقول الله لها: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة ويصيروا إليك ), تتغير الجنة, تتزين وتتهيأ, وتفتح أبوابها على خلاف عادتها في سائر الأيام, وفي الأرض السفلى تتغير النار, فيحجم الله عز وجل شرها, وتغلق أبوابها, والشياطين تتغير أخلاقها, فتصفد المردة والكبار منها إذا جاء شهر رمضان, وبقي هذا الصائم يا ترى هل سيتغير فيجري مع قانون الله في الكون في شهر رمضان، أم هو باق على حاله قبل دخول هذا الشهر؟!

    يا ترى هل سيكون في رمضان كما كان في شعبان، أم سيجد عليه جديد في هذه الليالي والأيام؟ الصائم الذي من أجله شرع الصوم, وفي مصلحته فرضت هذه الشريعة, يا ترى هل سيتغير أم لن يتغير؟!

    الصوم أيها الإخوة! من أعظم المقاصد فيه: تربية الإرادة لدى الإنسان, تقوية إرادة هذا الإنسان, تتقوى فيك الإرادة حين تستطيع أن تجاهد شهواتك طوال أربع عشرة ساعة, تستطيع أن تقاوم رغباتك, فإذا كنت لا تتذوق هذه المعاني ولا تتفاعل معها في سائر الساعات فأنت محروم من المقصد الأعظم من مقاصد الصيام, تهذيب النفس وتربيتها, لقد تغير الناس بسبب جلوسهم في المساجد, فكيف لا يتغير الصائم وهو يسمع آيات الله عز وجل تتلى عليه, ويسمع غالب الناس جميع القرآن؟! كيف لا يتغير الصائم وهو يمضي نهاره في صلاة الجماعة وقراءة القرآن؟!

    إذا لم يتغير فإنه لم يتدبر العبادة التي أرادها الله عز وجل على وجه الحقيقة, فرمضان فرصة للتغيير, إذا كنت لا تواظب على صلاة الجماعة في سائر العام فاحرص على المواظبة عليها في نهار رمضان وليله؛ حتى تخرج منه بهذه العادة, إذا كنت تهجر القرآن في سائر العام فاحرص على قراءته في هذا الشهر, إذا كنت منقطعاً عن أذكار الصباح والمساء فاجتهد أن تجعل حصتك بعد الفجر وحصتك قبل غروب الشمس متوفرة كل يوم، حتى تتعود هذه العادة الحسنة, إذا كنت ممسك اليد في سائر العام فحاول أن تعود نفسك الصدقة والإحسان في هذا الشهر, حاول أن توجد جديداً في حياتك.

    1.   

    العناية بتربية الأولاد في رمضان

    أيها الإخوة! في رمضان ينبغي أن نعتني بأبنائنا وبناتنا ونسائنا, فإن النصح في الله من أعظم مقاصد هذا الدين, ( الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله, ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين وعامتهم ), أولى الناس بنصحك؛ وأولى الناس بإسداء الخير منك؛ أهلك وخاصتك، كان عليه الصلاة والسلام يوتر, فإذا فرغ من وتره أيقظ عائشة لتقوم فتوتر.

    أبناؤنا وبناتنا وزوجاتنا بحاجة إلى حثهم على الخير, وتجنيبهم الشر في نهار الصوم وليله, والحسنات يذهبن السيئات, والسيئات تدفع الحسنات؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث, أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين, اللهم أعنا ولا تعن علينا, وانصرنا ولا تنصر علينا, واهدنا ويسر الهدى إلينا.

    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا, اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, واجعل الموت راحة لنا من كل شر, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها, وأولها وآخرها, وسرها وعلانيتها, اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا, وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا، وما أنت أعلم به منا, أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

    اللهم إنا نسألك فعل الخيرات, وترك المنكرات, وحب المساكين, وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

    اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

    اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة, واجعلها لوجهك خالصة, ولا تجعل لأحد فيها شيئاً.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه, وافتح للموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم انصر الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم اخذل أعداء الدين, اللهم يا قوي! يا عزيز! انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم أعنهم ولا تعن عليهم, وانصرهم ولا تنصر عليهم, وامكر لهم ولا تمكر عليهم, وكن لهم ولا تكن عليهم, اللهم أنزل عليهم سكينتك, وانشر عليهم فضلك ورحمتك, اللهم انصرهم نصراً عزيزاً, واهدهم صراطاً مستقيماً, اللهم اجمع كلمتهم على الهدى, وقلوبهم على التقى, وعزائمهم على الجهاد يا رب العالمين!

    اللهم يا حي! يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين, أبرم لأمة محمد أمر رشد, اللهم ارفع عنهم مقتك وغضبك وسخطك يا رب العالمين! اللهم اجمع كلمتهم على الهدى يا رب العالمين! اللهم ألف ذات بينهم, وأصلح بين قلوبهم, اللهم يا حي! يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أغث فقيرهم, اللهم أغث فقيرهم, وأشبع جائعهم, واكس عاريهم, وآو شريدهم, واشف مريضهم, وفك أسيرهم يا أرحم الراحمين.

    1.   

    بعض المعاني الهامة المتعلقة برمضان

    الحكمة من مشروعية الصوم

    الصيام يا إخواني الكرام! لم يفرض عبثاً, ولم يكتب علينا سدى, إنما فرض علينا لعله يكون سبباً في تهذيب النفس؛ لعله يكون باباً لتربية هذه النفس وتهذيبها, هكذا قال الله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183], ربما يحدث فيكم تقوى, ربما يغير فيكم سلوكاً, والصائم بحاجة أن يتأدب بآداب الصوم حتى يؤدي هذا الصوم ثمرته في نفسه.

    السحور في رمضان

    كان عليه الصلاة والسلام يحث الناس على السحور, لكن علماء الإسلام يقولون: يستحب في السحور ألا يكثر الإنسان من الأكل؛ حتى يتجرع بعض مرارة الجوع, ويكتوي ببعض نار العطش في نهار الصوم, فيمتلك الإرادة التي تكفه عن أكل الطعام وتناول الشراب احتساباً للأجر عند الله تعالى, يقاوم شهوته, بل أقوى شهواته, شهوة الفرج, وشهوة البطن, أقوى الشهوات يقاومها الصائم في نهار رمضان, فإذا مر عليه ثلاثون يوماً ولم يتأدب بعد ذلك ولم يتهذب فإنه لم يدرك حقيقة الصوم, ولم يصم الصوم الذي أراده الله, هكذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: ( يقول الله: يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي, الصوم لي وأنا أجزي به ), يدع الطعام والشراب شهوة البطن, ويدع الشهوة شهوة الفرج من أجل الله, فإذا كان يقاوم نفسه طوال الشهر على ترك المباحات في سائر الأيام, إذا كان يمتنع من الطعام والشراب وقد كان حلالاً قبل رمضان, يمتنع من أجل الله, ويمتنع عن زوجته من أجل الله؛ فكيف لا يمتنع بعد ذلك عن غيره من المحرمات؟!

    ترك قول الزور في رمضان

    نحن بحاجة أن نصوم أيها الإخوة الصوم الذي أراده الله عز وجل لنا, قال عليه الصلاة والسلام: ( من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ), يتكلم عليه الصلاة والسلام عن الثواب والأجر, فكيف يؤجر من لم يدع قول الزور والعمل به؟! كيف يؤجر من صام عن الطعام والشراب ولم يصم عن باقي المحرمات في ليل الصوم وفي نهاره؟!

    السهر في رمضان

    ( كان عليه الصلاة والسلام يكره الحديث بعد العشاء ) يكره السهر بعد العشاء إلا لما لا بد منه, أو في طاعة, كما جاء في الحديث: ( لا سهر إلا لمصلٍ أو ذاكر أو مسافر ), فكيف لو رأى عليه الصلاة والسلام جماهير الصائمين وهم يسهرون أمام الشاشات, تعرض عليهم أنواع المحرمات؟! كيف لو رأى عليه الصلاة والسلام من أظمئوا نهارهم وأيقظوا ليلهم بصلاة التراويح وهم يقلبون أعينهم في أنواع مساخط الله؟ أين صوم النهار؟ أين سماع القرآن الذي سمعوه في التراويح؟ ماذا سيقول عليه الصلاة والسلام لو رأى جماهير الصائمين وهم يتسكعون في الأسواق, يتسكعون في الطرقات, وتعرض عليهم أنواع المحرمات؟!

    الصوم تهذيب وتزكية للنفس

    أين الصوم الذي أراده الله ليكون تهذيباً للنفس, وتزكية للروح, ورفعة للدرجات, وعلواً في المقامات عند الله تعالى؟! أخبرنا سبحانه وتعالى في آخر آية الصوم بأنه لا يريد بالصوم الحرج ولا المشقة, مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة:6], هكذا قال في آخر آية الوضوء, وقال في آخر آية الصوم: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185], لعلكم تشكرون الله على هذه النعمة العظيمة, على هذه الشريعة العظيمة, شريعة الصيام, والقيام, والصدقة, والذكر, والتسبيح, والتهليل, هذه الشريعة التي شرع الله عز وجل فيها أنواع المقربات إليه.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756004106