إسلام ويب

بعثة رسول الله منّة الله على هذه الأمةللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون في جهالة وضلالة، حتى سادت الخرافة على عقولهم وأعمالهم، فبعث الله فيهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فدلهم على الهدى، وبصرهم من العمى؛ فالواجب نحوه اتباعه ومحبته، والدفاع عنه.

    1.   

    بعثة النبي إلى العرب وحالهم قبل بعثته

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره حديثاً رواه بسنده إلى عائشة رضي الله تعالى عنها, وحكم عليه بعض المحدثين بأنه لا بأس بإسناده, قالت رضي الله تعالى عنها: ( جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! والله إنك لأحب إلي من نفسي, ومن أهلي, ومن ولدي, وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك, وإني ذكرت موتي وموتك, وذكرت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين, وأنا إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك ), جاء هذا الأنصاري رضي الله عنه بهذه الشكاية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, إنه شدة الحب, وشدة التعلق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا يستطيع الواحد منهم أن يصبر عنه وهو في أهله وبين ولده, فإذا ذكر رسول الله اشتاق لرؤية محياه ووجهه, فذهب ينظر إليه, قال: ( لكني لما ذكرت الموت, وعلمت أنك سترفع مع النبيين خشيت ألا أراك, فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليه الجواب, حتى أنزل الله سبحانه وتعالى قوله الكريم: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] ), نزلت هذه البشارة لهذا النوع من المحبين, الذين يتطلعون إلى مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأخبرهم الله عن الطريق إلى مصاحبته في الجنة.

    حديثنا -أيها الإخوة!- في هذه اللحظات عن عظيم فضل الله عز وجل ومنته ببعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

    هذا الرسول الكريم, والنبي الأمين, الذي فتح الله عز وجل به قلوباً غلفاً, وبصر به عيوناً عمياً, فهدى الله عز وجل به من الضلالة, ورفع به من الجهالة, فدل الناس على طريقهم إلى الله, هذه المنة التي لا توازيها منة, والنعمة التي لا تكافئها نعمة, هذه النعمة الجليلة والمنة العظيمة أنزل الله عز وجل المن والتذكير بها, أنزل بها هذا التذكير على المؤمنين بعد غزوة أحد وهم يعانون جراحاتهم, بعد أن قتل أحبابهم, وسالت دماؤهم, وتكسرت عظامهم, أنزل الله عز وجل عليهم عزاءً يواسيهم به, فقال لهم سبحانه وتعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164], يذكرهم بهذه النعمة الجليلة, إذا تذكرها المؤمن هانت عليه مصائب الدنيا بأسرها, وإذا عرفها المؤمن قلت في نظره الدنيا بغنائمها, فلا يبالي بأفراحها, ولا يحزن بمصائبها؛ ومن أجل هذا ذكرهم الله عظيم نعمته بوجود محمد صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران:164].

    ثم ذكر لهم سبحانه وتعالى أوجه هذه المنة, ووظيفة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هم قبل أن يبعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم؟ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164], العقل البشري مهما تعلم, ومهما ارتقى, ومهما أدرك من المعارف والعلوم, إلا أنه يبقى عاجزاً كل العجز أمام معارف كثيرة وعلوم عديدة, لا يستطيع الوصول إليها بغير هدي من الوحي.

    كان هذا الإنسان يعيش كالأعمى, لا يدري لماذا جاء إلى هذه الدنيا؟ ولا يدري أين سيرتحل عنها؟ ولا يدري ما هو المطلوب منه وهو على ظهرها؟ يعيش جاهلاً بحقائق هذا الكون, لا يدري لماذا خلقه الله؟ ولا يدري ما الذي يريده الله عز وجل منه؟ حتى بعث الله الرسل, وأنزل الله الكتب, وعلم هذا الإنسان وعرفه بربه, وكانت أعظم منة: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم, أنزل عليه الكتاب الخاتم, هداية للناس جميعاً, بهذا الكتاب يعلمهم الله ويخبرهم عن نفسه أولاً, فيحدثهم من هو الخالق؟ وما هي صفات هذا الخالق؟ ولولا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف هؤلاء الناس صفات خالقهم, فعرفهم القرآن بهذا الرب الكريم, وعلمهم صفات هذا الخالق الكريم, وما الذي يريده منهم؟

    ولما تركوا لعقولهم ضلت هذه العقول, فعبدت أصنافاً شتى من الآلهة, لما ترك الإنسان لعقله خبط هذا الإنسان, وتخبط في بحار العماية, تراه على علو مرتبته في الرقي المادي يعبد حجراً, أو يسجد لتمثال, أو يعبد بقرة, وها نحن اليوم نرى أمم الأرض المتطورة المتعلمة, التي استطاعت أن تصنع دقائق المصنوعات, لكنها لم تهتد إلى معرفة خالقها وربها, لم تهتد لأن تعبد من يستحق العبادة, فترى الواحد منهم يخرج من أرقى المصانع, ويتوجه من أعظم المؤسسات العلمية, ثم تراه بعد ذلك يركع لصنم, أو يسجد لحيوان حقير صغير, وهذا يبين لنا مدى قصور العقل البشري, وأنه لا يستطيع أن يدرك مصالحه على الحقيقة, ولا أن يصل إلى المعلومات عما حوله على الحقيقة, لولا ما شرعه الله من إرسال رسله, وإنزال كتبه, وهكذا كانت المنة على أمة العرب, لقد بعث فيهم هذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم, وهم يتخبطون بأنواع من العماية, في شتى مجالات حياتهم, في باب المعبود والتوحيد, فقد كانوا يعبدون أصنافاً من المعبودات, يعبد الواحد منهم ما هو أحقر منه وأصغر.

    حالهم في جانب التوحيد

    ولن أطيل عليكم, فسأترككم تستمعون إليهم وهم يصفون حالهم قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ففي صحيح البخاري يقول أبو رجاء العطاردي رضي الله تعالى عنه: كنا نعبد الحجر, فإذا وجدنا حجراً هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر, فإذا لم نجد حجراً نعبده جمعنا جثوة من تراب, ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه, ثم طفنا به.

    ويقول الآخر وهو يتحدث عن حالهم وقت السفر: كان الرجل منا إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار, فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً, وجعل الثلاثة الباقية أثافي لقدره, فإذا ارتحل تركه. يجمع أربعة من الأحجار, ثم يعبد أحسنها شكلاً, ويطبخ على الثلاثة الباقية, وهي ربوبية مؤقتة, ما دام باقياً في هذا المكان, فإذا ارتحل عنه ترك تلك الأحجار وعبد أحجاراً أخرى بعد ذلك.

    حالهم في الجانب الأخلاقي

    أما في جانب حياتهم الأخلاقية وكيف كانوا يتعاملون, فاسمعوا إلى جعفر رضي الله تعالى عنه وهو يحدثنا عن حال قريش كيف كانت, وجزيرة العرب كيف كانت تعيش قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول جعفر وهو يحدث النجاشي بعد أن أرسلت قريش وفداً يدعو النجاشي إلى تسليم المهاجرين لها, فقام جعفر رضي الله عنه يخاطب النجاشي بحالهم وما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم, فقال في مواجهة رسول قريش: أيها الملك, كنا قوماً أهل جاهلية, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف, فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا, نعرف نسبه وصدقه, وأمانته وعفافه, فدعانا إلى الله وحده, لنوحده ونعبده, ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان, أمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وصلة الرحم, وحسن الجوار, والكف عن المحارم والدماء, ونهانا عن الفواحش وقول الزور, وأكل مال اليتيم, وقذف المحصنات, وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً, وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. هذا حالهم قبل مبعثه, وهذا حالهم بعد مبعثه.

    حالهم في الجانب الاجتماعي

    أما في جانب حياتهم الاجتماعية وعلاقتهم بالمرأة, وكيف كانوا يتزوجون ويتناكحون, فاستمع إلى عائشة رضي الله تعالى عنها وهي تحدثك عن العرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم, والحديث في البخاري , تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: ( النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: نكاح منها كنكاح الناس اليوم, يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته, فيصدقها ثم ينكحها ).

    لكن اسمع إلى الأنواع الأخرى الشائعة في العرب من أنواع الأنكحة, تقول: ( ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها يعني: من حيضها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه, ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً, حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه, فإذا تبين حملها منه أصابها زوجها بعد ذلك إذا أحب, وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد, فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ).

    وغني عن أن نعلق على حالة الرجل العربي وهو يرسل زوجته من بيته إلى أحد نجباء العرب وحذاقهم ليجامعها ذلك العربي فلعله يظفر بولد نجيب من وراء وقوع ذلك الرجل على زوجته.

    ( ونكاح آخر: يجتمع الرهط دون العشرة -يعني: أقل من العشرة- فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها, فإذا حملت ووضعت, ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها, أرسلت إليهم, فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع, حتى إذا اجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم, وقد ولدت فهو ابنك يا فلان, تسمي من أحبت باسمه, فيلحق به ولدها, ولا يستطيع أن يمتنع ذلك الرجل.

    ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير, فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها, وهن البغايا, ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً, فمن أرادهن دخل عليهن, فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها جميعاً, ودعوا لهم القافة (الذين يعرفون الشبه) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون منهم, فالتاط به, ودعي ابنه, لا يمتنع من ذلك ).

    تقول عائشة : ( فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق؛ هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم ).

    لو أردت أن تستطرد في حال الناس قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيت أنواعاً من الجهالة, وأصنافاً من الحماقة, المرأة كانت تورث من جملة المتاع, فيرثها الرجل عن أبيه, يستفرد بها إذا أراد أن ينكحها, أو يمنعها من النكاح حتى تعتق نفسها منه, بأن تهبه مالها كله, كانت تحرم من الميراث, وتمنع من مشاركة الرجال فيه, كانت المرأة من جملة السلع, تُوأد صغيرة, وتورث كبيرة.

    حالهم في الجانب القبلي

    أما في جانب الحكم والعلاقات فيما بين القبائل فحدث عن ذلك ولا حرج, الثأر من أجل ضرع ناقة, ناقة رميت بسهم فاختلط اللبن بالدم فقامت حرب بين قبيلة واحدة من أبناء تغلب أربعين سنة قتل فيها الآلاف من أجل ضرع ناقة, كل ذلك لأن ذلك الإنسان لا يحمل تصورات في هذه الحياة, لا يحمل أهدافاً يعيش من أجلها, ولا يريد تحقيق غايات عليها, فعاش فارغ القلب, فارغ الفؤاد, مدمر الأخلاق, حتى بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحق, فأعطاهم جملة من العقائد والتصورات, عرفتهم من هم, وعرفتهم بما حولهم, فأصبح العربي البسيط يحدثك عما بعد الموت, في القبر وماذا يكون؟ وعن عرصات القيامة وما الذي يحدث؟ وعن مصائر البشرية السعداء والأشقياء, وعن الجنة والنار, أصبح العربي البسيط يطأ على بساط أعتى ملوك الأرض, ويخاطب أكبر ملوكها يومئذ, ويقول له: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام, هذا هو حال الناس بعد أن بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قدروا هذه النعمة حق قدرها, ولا يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية, لما عرفوا الجاهلية وضلالها علموا قدر نعمة الله تعالى عليهم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم, ونحن لولا مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنا وراثاً لما سيتركه لنا الآباء والأجداد, لسرنا على الطريق التي سار عليها آباؤنا, ولكنا اليوم عباداً لشيء من تلك التافهات, ولكان الناس اليوم يقطعون أرحامهم ويقتلون بعضهم, ويعبدون غير معبودهم لولا ما كان من نعمة الله علينا, بأن بعث فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم التي بعثه الله بها

    فحاجتنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ما جاء به أعظم من حاجتنا إلى الطعام والشراب, وهكذا قال أئمتنا, قال الإمام أحمد : حاجة الناس إلى الدين أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الواحد منهم يحتاج إلى الطعام والشراب في يومه ثلاث مرات, وإنه ليحتاج إلى دينه في اليوم مع كل نفَس.

    حاجتنا إلى الدين بها يتبين مقدار نعمة الله علينا بهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, جاء هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت وظائفه كما أخبر الله: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

    أول وظائف هذا الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يعرفنا ويعلمنا أسباب نجاتنا, ويعرفنا بمعبودنا وخالقنا.

    ثم من وظائف هذا الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه يطهرنا من هذه الأنجاس, ومن هذه الخبائث في العقائد والتصورات والأخلاق والأفعال والأقوال.

    ومن وظائف هذا الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه ينشطنا ويحثنا ويدعونا عند كسلنا إلى المسابقة إلى الخيرات, كما هي طبيعة الإنسان والنفس البشرية, جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليحثنا على اكتساب الفضائل, والمسابقة إلى الخيرات بأنواع الحث, بأنواع الترغيب والترهيب, فيقول لنا: ( من قال: سبحان الله وبحمده؛ غرست له في الجنة نخلة ), ( ومن صلى لله ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة؛ بني له بيت في الجنة ), إلى غير ذلك من أنواع الترغيبات التي تحثنا على اكتساب الفضائل, لما أدرك الناس هذه النعمة قاموا بشكرها, وتعرفوا على حقوقها, فأدوا لله تعالى حقها.

    وهناك فريق آخر بدلوا نعمة الله كفراً, فكفروا بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم, فقال الله تعالى عنهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم:28-29], لما عرف الناس مقدار نعمة الله عليهم بمبعث الرسول الكريم أحبوه أشد من حبهم لأنفسهم, وهذا ما نطقت به أقوالهم, وعبرت عنه تصرفاتهم, وستسمعون طرفاً من ذلك في الخطبة الثانية.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    1.   

    واجبنا تجاه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم

    الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! من أجل هذه النعمة العظيمة كانت محبة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من أوجب الواجبات علينا, وهو أمر فطرت عليه النفس البشرية السوية, فإن الإنسان العاقل المنصف السوي يحب من أحسن إليه, ولا أحد من المخلوقين أعظم إحساناً إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كان حبه أوجب علينا من حب كل أحد, فقد فرض الله عز وجل علينا حبه, والفرح بمبعثه ورسالته, وجعل ذلك من الإيمان, بل لا يكمل إيمان المؤمن حتى يكون هذا الرسول أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس أجمعين, هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ), وفي الحديث الصحيح أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ( يا رسول الله! والله إنك أحب إلي من ولدي ووالدي والناس أجمعين إلا من نفسي -أو كما قال رضي الله عنه- قال: لا يا عمر! -أي: لا يكمل إيمانك حتى أكون أحب إليك من نفسك- ثم قال عمر : الآن يا رسول الله! والله إنك لأحب إلي من نفسي, فقال: الآن يا عمر ), فحب الرسول صلى الله عليه وسلم فريضة, وحبه أعظم من حب غيره, لا يكمل الإيمان إلا به, وقد توعد الله من قدم حب شيء من أعراض الدنيا على حب الله ورسوله, قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24], محبة هذا الرسول فرض عليك؛ لأنه لولا مبعث هذا الرسول لكنت تسبح في بحار من الجهالة, فما هو حالنا؟ وأين مصيرنا لولا ما جاءنا الله به من هذا القرآن وما عرفنا به من الرسول عن الجنة والنار ومحاب الله ومساخطه؟ أين كنا في هذه الساعة لولا ما جاءنا الله به من هذا الرسول؟ أترى كنا سنجتمع على ذكر الله, في بيوت الله, نتقرب إلى الله بطاعة الله؟ أين كنا في هذه الساعة, وما كانت قلوبنا ستضمر من العقائد؟ وكيف ستكون أخلاقنا عليه من التصرفات لولا ما هدانا الله به مما جاءنا به هذا الرسول الكريم؟ من أجل ذلك كانت محبة هذا الرسول على المسلم ومتابعته من ألزم الواجبات على المسلم في حياته.

    محبة هذا الرسول تترتب عليها حقوق, حقوق يجب على المسلم أن يؤديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فالمحبة ليست ادعاءً, وادعاء محبة رسول الله امتحان يبرهن به الإنسان على صدق هذه المحبة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31], لهذا الرسول حقوق, على الواحد منا أن يحاسب نفسه على أدائها, والقيام بها, وبهذا تصدق محبته لرسول الله.

    ونحن في شهر ربيع, يحتفل بعض الناس بمولده صلى الله عليه وسلم, وإن كان هذا حباً منهم لرسول الله فليس هذا هو الطريق الصحيح لإقامة البرهان على حبه, فحبه صلى الله عليه وسلم له برهان أنزله الله في كتابه, وأنطق به رسوله, من أراد أن يبرهن على حبه فليؤد حقوق هذا الرسول, هذه الحقوق نتحدث عنها بإذن الله, أو عن بعضها في خطبة جامعة آتية.

    أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! ارزقنا حبك، وحب نبيك، وحب كل عمل يقربنا إليك يا أرحم الراحمين!

    اللهم احشرنا في زمرة نبيك, وأعشنا على شريعته وحبه, وأمتنا على حبه وملته يا أرحم الراحمين!

    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا, اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه, وافتح للموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم اخذل الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين, اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين, اللهم اجعل للمسلمين المستضعفين في كل مكان فرجاً ومخرجاً يا رب العالمين! اللهم فرج عن المسلمين في سوريا ما هم فيه يا رب العالمين! اللهم عجل لهم بالفرج, واكشف عنهم أنواع الكرب, اللهم أنزل عليهم سكينتك, وانشر عليهم فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعنهم ولا تعن عليهم, وانصرهم ولا تنصر عليهم, وامكر لهم ولا تمكر عليهم, وكن لهم ولا تكن عليهم, اللهم إنهم ضعفاء إلا بك, وفقراء إلا إليك, فكن لهم خير ناصر يا قوي يا عزيز! اللهم عليك بأعدائك فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز!

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755894423