إسلام ويب

الجنةللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أعد الله عز وجل الجنة لعباده المتقين، وجعلها جنات متفاوتة المراتب؛ لاختلاف درجات أهلها، وفي كل جنة من النعيم ما لا يخطر على بال؛ ولذلك حري بالمسلم أن يشمر عن ساعد الجد في أداء الأعمال الصالحة المقربة من جنة الله، واستثمار أوقات الخير ونفحات الرحمن في الطاعة، ومن ذلك العشر الأواخر من رمضان.

    1.   

    التبشير بالجنة

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    طريقة القرآن في التبشير بالجنة

    إخوتي في الله! يقول الله جل شأنه في سورة البقرة: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] ، وقال سبحانه وتعالى في سورة الشورى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ [الشورى:22].

    هذه طريقة القرآن، يبشر بالجنة ويخوف من النار؛ ليبعث النفوس على العمل، وليحث الناس على السير إلى الله سبحانه وتعالى.

    وأرقى حالات الإنسان وأصفاها له وأجداها ثمرة حينما يتذكر الجنة فيطلبها، وحينما يتذكر النار فيفر منها.

    طريقة النبي في تحفيز أصحابه للجنة

    وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان وقت المهمات يذكر أصحابه بالجنان، وما أعد الله عز وجل لأهلها فيها، ويخوفهم من النيران، وما أعد الله عز وجل لأصحابها فيها، قال لهم ليلة بدر: ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فألقى الصحابي التمرات من يده، وقال: إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكل هذه التمرات )، ولما حثَّ أصحابه على طلب الجنة يوم أحد تسابقوا إلى طلب الموت في سبيل الوصول إلى الجنة، فصيح بـأنس بن النضر : إلى أين؟ قال: والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد. وصاحبه عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وأرضاه يوم مؤتة يوم استشهد بكى قبل أن يموت، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي صبابة عليكم -يعني: حباً لكم- ولا حزناً على فراق الدنيا، ولكني تذكرت قول الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: النار، كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71] فتذكرت الورود، فخفت بعد ذلك من الصدور، إذا كنت سأردها حتماً فكيف أضمن بعد ذلك أن أخرج منها.

    هذا المنهج هو المنهج المثمر في تزكية أعمال هذا الإنسان، أن يتذكر ما أعده الله عز وجل للمحسنين، وما جهزه سبحانه وتعالى للمسيئين، جنات عدن وما أعد الله عز وجل فيها لأهل الأعمال الصالحات، قال لهم عليه الصلاة والسلام كما في صحيح ابن حبان : ( ألا هل من مشمر للجنة، فإنها لا خطر لها )، يعني: لا مثيل لها، لا شبيه لها، فكل ما دار ببالك فالجنة على خلاف ذلك، كل ما خطر على قلبك فالجنة على خلاف ما تتصور، فإن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] تلك هي الجنة ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( هي ورب الكعبة ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، مقام في دار أبد، في نعمة وحبرة. قالوا: نحن المشمرون يا رسول الله. قال: قولوا: إن شاء الله ).

    1.   

    بعض ما أعده الله للمؤمنين في الجنة

    الجنة وما أعد الله عز وجل فيها لأوليائه، فإن فيها قصور الذهب والفضة، فبيوت الجنة لبنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك -يعني: يوضع بين اللبنتين المسك- وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، لا يفنى شبابه، ولا تبلى ثيابه، ذلك هو صاحب الجنة، للمؤمن فيها خيمة واحدة من لؤلؤة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، له فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم الآخر.

    أما شرابهم فقد وصفه الله في كتابه فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:15].

    أزواجهم في الجنة لا يخطر حسنهن على بال، لو أطلت إحداهن على الدنيا لملئت ما بين المشرق والمغرب طيباً، يُرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن، عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:37-38] ، متجملات متزينات متحببات عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37] (عرباً) أي: متعربة متجملة متحببة إلى زوجها، (أتراباً) أي: في سنهن في الشباب، فلا يفنى الشباب، ولا يزول العمر، لا يفنى شبابه، ولا تبلى ثيابه، يحيون فيها فلا يموتون، ويصحون فلا يسقمون، ويشبون فلا يهرمون، هم فيها آمنون، كما قال الله عز وجل: آمِنُونَ [النمل:89] آمنون من الموت، آمنون من الهرم، آمنون من المرض، آمنون من الآلام، آمنون من الحسرات، عيشة هنية، في مرحلة طيبة سعيدة، تلك هي الجنان التي وعد الله عز وجل أولياءه العاملين لمرضاته في هذه الدار، ووعدهم سبحانه وتعالى بأن حظهم فيها بقدر أعمالهم في هذه الدنيا.

    1.   

    تفاوت نعيم أهل الجنة والأعمال التي ينالونه بها

    في سورة الرحمن ذكر سبحانه وتعالى نعيمين، جناناً دون جنان، إنها جنان بعضها فوق بعض، تتفاوت، والتفاوت بينها لا يُدرك ولا يخطر على بال، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].

    جاءت إحدى الصحابيات إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد استشهد ولدها يوم بدر، فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: ( يا رسول الله - تسأله - أولدي في الجنة أم أنه في غير ذلك فأبكيه؟ قال: يا أم حارثة ! إنها ليست جنة واحدة، إنها جنان بعضها فوق بعض، وإن ولدك أصاب الفردوس الأعلى منها ) ، حظ العامل منها بقدر عمله في هذه الدنيا، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72].

    ووصف المؤمنين في مطلع سورة المؤمنين بجملة صفات، ثم قال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11].

    أصحاب الجنة مراتب، ولهم في هذه المراتب أجور متفاوتة، والتفاوت بينها عظيم، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-47]، وصف جنتين، ثم بعد ذلك قال: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:62-63] جنتان لكل عامل، جنة لأنه فعل المأمورات التي أمره الله عز وجل بها، وجنة أخرى لأنه ترك المنهيات، ترك الحرام، فجنة لفعل الواجب، وجنة لترك المحرم، والناس يتفاوتون في هذا تفاوتاً عظيماً، والقرآن يجلي هذه الصورة:

    وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:46-48] يعني: ذواتا أصناف، فيهما من أصناف النعيم ما لا يخطر على قلبك ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:48-54] البطائن يعني: الذي يلاقي الأرض الذي لا يجلسون عليه، الذي لا يراه الرائي، بطائنها من الحرير الخالص، فإذا كانت هذه بطائنها فكيف الظهائر؟! إذا كان هذا ما يخفى فكيف بالذي يُرى؟!

    بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] ثمار الجنة قريبة دانية، وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [الإنسان:14] ينالها القائم، وينالها القاعد، وينالها المضطجع دون عناء ولا مشقة.

    وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:54-56] قاصرات الطرف: قصرن أبصارهن على أزواجهن، معتنين بهم، يسلينهم، ويصلحن أحوالهم، ويدخلن السرور عليهم، فلا يتطلعن إلى غيرهم، فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:56-60] هذه الجنة وهذا وصفها لمن سبق، هذه الجنة لمن علت مرتبته، وكثر عمله، وجد في طلبها في هذه الدار.

    وهناك جنتان دون هاتين الجنتين في الوصف لأصحاب اليمين الذين فعلوا الواجبات واجتنبوا المحرمات، ولكنهم لم يسابقوا كمن سبقهم إلى أنواع الخيرات، وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:62-64] أي: سوداوان لكثرة الأشجار، لكثرة ما فيهما من الخضرة، فقد علت عليها الخضرة حتى أصبحت سوداء في نظر الناظر، فإنها غابات، لكنها غابات متحفة مزينة بأنواع المناظر الحسنة مُدْهَامَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن:64-66] أما الأوليان فـ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50] وفرق بين العين التي تجري والعين التي تنضخ، فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن:68] أما الأوليان فـ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52]، فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ [الرحمن:68-72] أما الأولى قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] أولئك قاصرات بأنفسهن، وهؤلاء مَقْصُورَاتٌ [الرحمن:72] أي: مفعول بهن هذا الفعل، فوصف أولئك أكمل وأتم من وصف هؤلاء، حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:72-77] كل ما علا شأنه وكبر وصفه سمته العرب عبقرياً، والله عز وجل وصف ثواب أهل الجنة بهذا الوصف الذي عرفه العرب مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:76-78].

    هذه الجنة يا معشر المؤمنين أعدها الله عز وجل لمن سابق إلى الخيرات، فقال عليه الصلاة والسلام: ( أطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ) ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:15-19] هؤلاء هم الوارثون للجنات، الذين وعدهم الله سبحانه وتعالى عظيم الثواب.

    1.   

    وصف حال أهل النار

    وفي مقابل هذا كله دار الذل والخسارة، في مقابل هذا النعيم المقيم دار الهوان والعذاب الأليم، إنها النار التي وصف الله عز وجل أصحابها، فوصف لباسهم بأنه قد قطِّع لهم من الحديد، فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:19-22] ، إذا استصرخوا فطلبوا الماء سُقوا من الماء الحميم فقطع أمعاءهم، وإذا طلبوا الطعام أُتوا بما لا يسر الناظر، إذا دخل أحشاءهم قطعها وأحرقها، وإذا طلبوا الثياب قُطعت لهم ملابس من نار، وإذا طلبوا الخروج من الأبواب وجدوها موصدة قد أُغلقت، ووضع بجانبها العُمد الممدة، فإنهم يائسون من الخروج منها، وإذا استصرخوا ربهم قال: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، هذا فريق وذلك فريق، وعد الله عز وجل كل فريق بما عمل، ووعد سبحانه وتعالى المحسنين بإحسانهم خيراً كثيراً، ووعد المسيئين بأعمالهم شراً كثيراً، إلا من شاء الله سبحانه وتعالى أن يغفر له من الموحدين.

    نحن في زمن الإمهال، نحن في أيام العمل، نحن في زمن الزرع، نحن في زمن الكسب، وحقيق بالإنسان العاقل أن يغتنم ما بقي من أنفاس عمره، ومن لحظات دهره، لا سيما في هذه الساعات الشريفة، والليالي المباركة، والأيام الفاضلة، ليقدم لنفسه خيراً، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20].

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أهمية العمل الصالح خاصة في العشر الأواخر من رمضان

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! العمل الصالح قضية أبدى القرآن فيها وأعاد، فعشرات الآيات بل مئات الآيات في سور متفرقة وفي أنحاء متعددة تتحدث عن العمل الصالح، العمل الصالح وما رتب الله عز وجل عليه من الثواب، العمل الصالح هو المقصود الأول من خلق هذه الأكوان، فإن الله لم يخلق السماء لنفسها، ولم يخلق الأرض لذاتها، إنما خلق ما خلق سبحانه وتعالى من أجل العمل الصالح: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7] ، خلق الموت والحياة من أجل العمل الصالح الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7] العمل الصالح هو المقصود من هذا الوجود، العمل الصالح بأنواعه، العبادات التي يحبها الله على اختلاف أنواعها، من صلاة وصيام وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإحسان إلى الخلق، وأصحاب هذا العمل موعودون بالفوز والفلاح، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] ، العمل الصالح مطلوب من المسلم في أنفاس عمره كلها، ولكنه في هذه الأزمان أشد طلباً، وآكد رغبة، فالثواب عليه عظيم.

    نحن نستقبل العشر الأواخر، وقد عشنا ليلة منها، وهذه العشر أودع الله عز وجل فيها هذه الليلة الشريفة ليلة القدر، خير من ألف شهر، ليلة المغفرة، ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ليالٍ معدودة، لو جاهدت نفسك على إصلاح حالك فيها مع الله فزت والله الفوز الذي لا يخطر على بال، ليالٍ معدودة، وساعات محدودة، ألا تستطيع أن تجاهد نفسك في ذات الله، لتشغلها بما ينفعك عند الله، فتصيب ليلة القدر، التوفيق بيد الله، وعلى الإنسان أن يطلب من الله العون والمدد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] نحن نستقبل أشرف الأزمان، وأفضل الأوقات، والمحروم من حُرم هذا الخير، المحروم من ناداه المنادي فأعرض، والمستجيب إنما يستجيب لنفسه وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12]، ( يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).

    نسأل الله ألا يجعلنا من أهل الملامة، ونسأله أن يكتب لنا في هذا الشهر رحمة لا نشقى بعدها أبداً، اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وامكر لهم ولا تمكر عليهم، اللهم يا حي يا قيوم! اجعل لكل مسلم في كل مكان من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أعتقنا وآباءنا وأمهاتنا من النار برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعتقنا وأحبتنا من النار يا أرحم الراحمين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام لا تجعلنا ممن ترده يا أرحم الراحمين، اللهم اكتب لنا رحمة نسعد بها في الدارين يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام خذ بأيدينا إلى ما يرضيك عنا، وجنبنا ما يسخطك يا أرحم الراحمين! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755981885