إسلام ويب

الإيمان والأمنللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر الأمن بلا شك نعمة من أجل النعم، حيث يتمتع الإنسان في ظلاله ببقية النعم، فإذا غاب غابت معه سائر الملذات، لكنه إذا حُرس بشكر الله والقيام بطاعته بقي ودام.

    1.   

    إخبار النبي لعدي بن حاتم بحصول الأمن والأمان

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: ( بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فشكا إليه الفاقة )، يعني: الفقر، ( ثم أتاه رجل فشكا إليه قطع السبيل )، يعني: الخوف, ( فسكت )، يعني: النبي عليه الصلاة والسلام, ( ثم قال: يا عدي ! هل رأيت الحيرة؟ )، وهي مدينة غرب الفرات, ( قال: لا، ولكن قد أنبئت عنها، فقال عليه الصلاة والسلام: لئن طالت بك حياة لترين الظعينة )، يعني: المرأة, ( ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت, لا تخاف أحداً إلا الله، قال ) يعني عدي, ( فقلت في نفسي )، سؤال أورده على نفسه, ( فأين دعار طيء؟ )، أين الرجال المفسدون الخبثاء من أهل طيء الذين يعرفون بقطع السبيل؟ فإنه لا يستطيع أحد الوصول من العراق إلى الحجاز إلا أن يدفع إليهم ما يجوز به الطريق وإلا قطعوا طريقه.

    فـعدي الذي يعرف الحال, ويعرف واقع جزيرة العرب وما يعيشه الناس من اختلال في الأمن, لما سمع هذه البشارة استكبرها على نفسه، كيف تخرج المرأة من الحيرة وحيدة -وهذا قد استدل به كثير من أهل العلم على جواز سفر المرأة منفردة من غير محرم للحج- كيف تخرج وحيدة من أرض العراق حتى تصل مكة ولا تخاف أحداً في طريقها إلا الله.

    ( فقلت في نفسي: أين دعار طيء؟ ثم قال )، يعني: النبي عليه الصلاة والسلام, ( ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى )، هنا لم يتمالك عدي نفسه. والسؤال الذي كان يكنه في السابق في نفسه أبت نفسه إلا أن تظهره هنا علانية, ( قال: فقلت: كسرى بن هرمز ملك فارس! )، ملك فارس هذا كله سيزول, وسنفتح وسنأخذ المغانم, ( قال عليه الصلاة والسلام: كسرى بن هرمز . ثم قال عليه الصلاة والسلام: ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه ذهباً أو فضة يطلب أحداً يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام: وليلقين الله أحدكم ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقول الله عز وجل له: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ قال: بلى. ألم أعطك من المال وأفضل عليك؟ قال: بلى. قال عليه الصلاة والسلام: فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم.

    قال عدي : فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة، ثم قال عدي رضي الله تعالى عنه: ولقد رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف أحداً إلا الله. ولقد فتحت كنوز كسرى ، وكنت فيمن افتتحها. ثم قال رضي الله تعالى عنه: ولترون ما قاله النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ) ، يعني: سترون الثالثة، وهي أن الرجل يخرج بملء كفه ذهباً وفضة لا يجد أحداً يقبله منه.

    وروى الإمام البيهقي رحمه الله في دلائل النبوة كما قال الحافظ ابن حجر : أن ذلك كان في زمن عمر بن عبد العزيز , يقول عمر بن أسيد : لقد كان الرجل يخرج بماله فيقول لقومه: انظروا أين تضعونه في الفقراء؟ يخرج بمال عظيم, ويقول لأصحابه: ابحثوا عن فقراء تضعون هذا المال فيهم، انظروا أين تضعونه؟ قال: فما يبرح حتى يرجع بماله، يتفكر من يقبله منه فلا يجد من يقبله منه، ولم يحكم عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلا ثلاثين شهراً, سنتين ونصفاً.

    1.   

    ارتباط الأمن باستقامة المجتمعات

    إن وعد الله سبحانه وتعالى بالأمن والأمان، وعد الله سبحانه وتعالى برغد العيش وسلامة الأنفس وأمن الأوطان، حينما تستقيم المجتمعات على دين الله، حينما يقوم الناس على أمر الله، حينما يقوم الناس بعبادة الله وعدم الإشراك به ينالهم وعد الله.

    جزيرة العرب كانت تتقطعها السبل، الواحد منهم خائف على ماله، خائف على عرضه، خائف على نفسه، خائف على ولده.

    وهكذا هي, وهذه هي الحال، كلما ابتعد الناس عن دين الله إلى زمن قريب ليس بالبعيد، أنا بنفسي سمعت علامة القصيم العلامة العثيمين رحمه الله وهو يتكلم عن جزيرة العرب التي عاشها، جزيرة العرب التي شاهدها، قال: إلى زمن قريب, والناس يتفاخرون بالسرقة وقطع الطريق. هؤلاء العرب الذين نراهم اليوم يتجولون في أرض الجزيرة مرحين ذاهبين غادين رائحين يتمتعون بأمن الله، إلى عهد قريب وهم يتفاخرون كما يقول الثقات من أهل العلم: بالسرقة وقطع السبيل.

    ويقول الشيخ رحمه الله بلسانه: إذا تقدم الرجل ليخطب المرأة قال أهلها: زوجوه, فإنه رجل سروق، وليس سارقاً فقط، بل سروق يعني: مبالغة في السرقة، يستطيع التحايل على قطع السبيل وأخذ أموال الناس، إنه الفساد بكل ما تحمله هذه الكلمة، لما يعيش الناس جهالة وبعداً عن دينهم.

    الأمن والسلامة، الصحة ورغد العيش، سلامة الأنفس وسلامة الأديان بقدر ما يعيشه الناس من استقامة على دين الله.

    في تفسير هذه الآية وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، يروي الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى هذا الأثر العظيم عن أبي العالية ، يقول أبو العالية وهو من التابعين: ( عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين في مكة خائفاً يدعو سراً وعلانية، ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فعاش فيها مع أصحابه خائفين, يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح، فقال رجل منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: متى يأتي علينا يوم نأمن فيه؟ )، وهذا مطلب تتطلبه كل النفوس البشرية، الصالح والطالح على حد سواء, المجرم والتقي، الشقي والبار، الناس جميعاً يطلبون مطلب الأمن، يقول الصحابي: ( متى يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ ) ، متى يأتي اليوم الذي نعيش فيه بأمن ونضع عنا السلاح؟

    قال عليه الصلاة والسلام لهم: ( لا تلبثون إلا يسيراً )، إنه زمن قليل حتى تروا العاقبة, ( لا تلبثون إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً فيه ليس معه حديدة )، يعني: جالس جلسة الحبوة واضعاً يديه على ركبتيه في غاية الأمن والاطمئنان, ( قال: ثم أنزل الله سبحانه وتعالى قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55] ) ، لكن بشرطين: يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].

    إذا قام الناس بالعبادة لله وتوحيده، ونفوا عن أنفسهم الشرك ومظاهره، فإنهم موعودون بهذه الخصال, يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55]، يعبدونني العبادة بمعناها العام: إتيان ما يحبه الله ويرضاه، وتجنب ما يبغضه الله عز وجل ويسخطه, لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].

    1.   

    أهمية الأمن

    مطلب الأمن أيها الإخوة! هذا الذي نفرح به اليوم، نحن نفرح؛ لأننا نعيش في وطن آمن، نغدو فيه ونروح، ونحن نعيش ونتلذذ بهذه النعمة.

    تأثير فقدان الأمن في حياة الإنسان

    هذه النعمة التي لا يعرفها ولا يقدرها قدرها إلا من فقدها، من عاش إذا خرج من بيته لا يأمل في الرجوع إلى أهله، إذا خرج منه ابنه إلى المدرسة لا ينتظر عوده إلى البيت، إذا دخل السوق لا يطمع في أن يخرج منه، من عاش هذه الحال يعرف قدر الأمن الذي لا يعرفه أناس كثيرون، يتفيئون في نعم الله وهم لا يعرفون قدرها.

    نعمة الأمن كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث العظيم في سنن الترمذي : ( من أصبح منكم آمناً في سربه )، وفي رواية: ( في سَرَبه ), والسرب يعني: الجماعة، آمناً في جماعته، في أهله، في عشيرته، بين أولاده، بين بناته، عند زوجته، وفي سربه يعني: في طريقه، وهذا كله نتمتع به والحمد لله.

    قال: ( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده, عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا )، الدنيا كلها هي هذه، لقيمات يقوم بها الجسد، وعافية في البدن، وأمن في البيت وفي الطريق، فإذا تحققت هذه المطالب تحققت الدنيا كلها، وإذا اختل الأمن، هذا الذي لا نقدره قدره، اهتزت الحياة كلها معه، لا يهنأ إنسان بعيش، ولا يتلذذ صاحب المال بمال، ولا يعيش صاحب الجاه جاهاً، تتخلى فتفسد الحياة كلها، ويتسرب إليها الخلل من جميع وجوهها.

    ولذلك قال بعض الحكماء: الأمن نصف العيش، بل إن بعض الحكماء لما سئل قيل له: أين تجد السرور؟ متى يعيش الإنسان مسروراً؟ متى يعيش الإنسان حياته الكاملة المطمئنة، أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإن الخائف لا عيش له.

    ما قيمة المال إذا كان الإنسان مروعاً، يعيش منتظراً لحظة الفراق بين لحظة وأخرى، ما قيمة الجاه، ما قيمة المنصب، ما قيمة زينة الدنيا كلها إذا كان الإنسان لا يأمن على نفسه؟

    امتنان الله على عباده بنعمة الأمن

    الأمن نعمة الله عز وجل العظمى التي يمتن بها سبحانه وتعالى على عباده، وهي مقدمة على كل نعمة.

    نحن نقرأ في كتاب الله دعوة إبراهيم عليه السلام: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126]، هذه الدعوة دعا بها إبراهيم عليه السلام كما يقول علماء التفسير قبل أن ينشأ البلد الحرام، قبل أن تقوم مكة، ولذلك ما قال: البلد، قال: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126] إذا حصل الأمن تلذذ الناس بعد ذلك بالثمرات، إذا حصل الأمن تلذذ الناس بعد ذلك بالأرزاق.

    أما إذا جاءت الأرزاق مع خوف الناس على أنفسهم وذراريهم وأبنائهم فهيهات أن يلتذ إنسان بالحياة، ونعمة الأمن التي تساوي الدنيا بما فيها، فإذا اجتمع للعبد الإسلام والتقى، وكان آمناً صحيحاً في جسمه اجتمعت له الدنيا بحذافيرها, ماذا يريد بعد ذلك؟

    هذه الثلاثة كما يقول بعض الأدباء ليس لها نهاية: الأمن، والصحة، والكفاية.

    هذه الثلاثة التي لا يطلب إنسان بعدها شيئاً امتن الله عز وجل بها في مواطن على بعض عباده، والله سبحانه وتعالى وهو يطالب المشركين في مكة ويدعوهم إلى استجابتهم لمحمد عليه الصلاة والسلام، والإذعان لله, يذكرهم بنعمة الأمن التي أنعم بها عليهم وأغدق بها عليهم.

    جاءهم جيش جرار من نصارى الحبشة، الذين لا يستطيع أهل مكة مجتمعين الوقوف أمامهم, فلما كلت الجهود البشرية عن دفعهم عن هذه الأرض، وعن ذلك البيت، دفعهم الله عز وجل من عنده, وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:3-4].

    وشاء الله سبحانه وتعالى أن تقع هذه القصة على هذا النحو، فيأتي النصارى الذين يحالفون دولة الفرس، ويمتدون بنفوذ سياسي من الحبشة، فهم نصارى وفرس وأصولهم من الحبشة، ولكنهم يهلكون بجوار هذه البقعة حتى يعلم العالم أجمع وتسمع الدنيا كلها بفضل هذه البقعة، وبمكانة هذه البقعة، فشاع الخبر وذاع, واعترف الناس بأهمية هذه الديار، فأصبح أهل مكة موقرين محترمين، يذهبون إلى أقصى الجزيرة جنوباً، ويغادرون إلى أقصاها شمالاً دون أن يتعرض لهم أحد من قطاع الطريق ومن سراق العرب، يذهبون في كامل الأمن حيث شاءوا صيفاً وشتاءً.

    يذكرهم الله عز وجل هذه النعمة ويقول لهم: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [قريش:1]، كل هذا من أجل إيلاف قريش، من أجل تأليف قريش وتأليف قلوبها، لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4].

    جبال مكة القاهرة، جبال مكة السوداء التي لا تنبت فيها وديان ولا تجري فيها أنهار، كيف سخر الله عز وجل لهم هذه الأرزاق التي تأتيهم من كل مكان، ويحمل لهم الناس الميرة من كل وطن، حتى تأتيهم في ديارهم، ومع ذلك لهم الحرمة ولهم التوقير، ولهم المكانة، ودماؤهم معصومة، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ [قريش:3]، وهذا هو محل الشاهد. هذه النعم كلها تستحق شيئاً عليكم، هذه النعم تستوجب شيئاً عليكم، وهو القيام بحق الله عز وجل عليكم, فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4].

    1.   

    كيفية المحافظة على نعمة الأمن

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    التحذير من كفران النعم

    إخوتي في الله! مما يتعين علينا الانتباه له أن الله عز وجل في صدد بيان هذه النعمة، وكيف يحافظ عليها، وكيف تزول؟ صرف سبحانه وتعالى الأمثال, وقلب العبر والعظات، مرة يأمر سبحانه وتعالى بشكر هذه النعم صراحة، ومرة ينهى عن كفرها، ومرة يذكر لك عبر الماضين وأخبار الهالكين، الذين تمتعوا بهذه النعم ثم زالوا وزالت.

    يذكر لك سبحانه وتعالى خبرهم حتى نتعظ بما جرى لهم فنعتبر ونبتعد، وفي خاتمة سورة النعم، بعد أن عدها وأمر بشكرها، ذكر سبحانه وتعالى مثلاً واحداً لقرية واحدة، أنعم الله عز وجل عليها، وأغدق عليها لكنها لم تمتثل ما أمر الله عز وجل به.

    قال سبحانه في آخر سورة النحل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [النحل:112]. هذا هو شأن القرية (آمنة مطمئنة) قال المفسرون: ذكر الأمن، ثم ذكر الصحة، ثم ذكر سعة العيش، وهي أصول النعم التي تدور عليها النعم بعد ذلك, وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [النحل:112]، رزقاً واسعاً من حيث لا تحتسب.

    فما هي العاقبة؟ قال: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112].

    الكفر كفران، ولا يظن الواحد منا أن المقصود بالكفر دائماً عندما يذكر هم المشركون الذين يعبدون مع الله إلهاً آخر، هناك كفر يقع فيه بعض من ينتمي إلى الإسلام، كفر هو معصية من المعاصي، لا يخرج الإنسان من الإسلام، لكنه ينزله عن مراتب الأتقياء والأبرار، إنه كفر النعمة.

    الله عز وجل إذا أنعم عليك بنعمة فإنه يلزمك أن تشكرها، بأن تفعل ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: أن تحب المنعم بقلبك، وتثني عليه بقلبك؛ لأنه صاحب هذه النعمة.

    والأمر الثاني: أن تمدحه وتثني عليه وتشكره بلسانك.

    والأمر الثالث: أن تسخر هذه النعمة في الأمر الذي يحبه المنعم فتوظفها في طاعته، وتحذر من تسخيرها في معصيته. هذا شكر النعمة الذي يلزم كل مسلم أن يقابل به نعمة الله عز وجل إذا جاءت إليه, وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

    شكر النعمة هو هذا، وكفر النعمة في مقابل هذا: أن ينسى الإنسان ربه بقلبه، أن ينسى الإنسان ذكر الله المنعم بلسانه، فيثني على المخلوقين وينسى الخالق سبحانه وتعالى، أو أن يسخر هذه النعمة في معصية الله، يبذل سبحانه وتعالى الأموال، ويغدقها من كل ناحية وصوب, فترى المسلم وللأسف يستعمل هذا المال في كل ما يباعده عن الله، وفي كل ما يجلب له سخط الله، ما هكذا تسخر النعمة، ولا لهذا أنزل الله المال؟

    ألم تسمع قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي وهو يتحدث معك، لماذا المال؟ يقول سبحانه وتعالى: ( إنا أنزلنا المال؛ لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )، أنزلنا المال ليستعين الناس به على إقامة الدين فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.

    كفر النعمة أن تستعمل النعمة في معصية الله، ولو كان الناس يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله، ولو كان الناس يتزاحمون في المساجد, يبنون المساجد ويطبعون المصاحف, لكنهم يسخرون الأموال في كل مساخط الله، هذا كفر للنعمة، وازدراء لنعمة الله, وهو كفيل بأن يكون سبباً في زوالها.

    هناك سنة لله لا تحابي أحداً، طريقة الله عز وجل في خلقه لا تجامل أحداً، ولا تمييز بين أبيض وأسود، والعاقل من يعتبر بمن حوله.

    ها نحن نرى أقطاراً كثيرة من بلاد الإسلام يعيش الناس فيها أنواعاً من الخوف، تزهق في اليوم الواحد مئات القتلى من الأبرياء الذين لا ذنب لهم، لا كسب لهم، لا جريمة لهم، إنها سنة الله في خلقه، إنه قانون الله عز وجل في عباده، لما يكفر الناس نعمة الله عز وجل عليهم يغير الله عز وجل أمنهم خوفاً، وسعتهم ضيقاً، وصحتهم بلاء, فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل:112]، أذاقها الله لباس الجوع والخوف.

    قال المفسرون: سماه الله عز وجل لباساً, الجوع يكون داخل المعدة، والخوف يكون في القلب، لكن سماه الله عز وجل لباساً حيث يظهر عليك آثار الجوع، وتظهر عليك آثار الخوف، الجسم في هزال وضعف، اللون منتحب، الوجه شاحب، واللون مصفر، آثار الجوع وآثار الخوف ظاهرة على الإنسان الخائف، لا تفارقه كما لا يفارقه ثوبه. ينام وهو خائف, ويستيقظ وهو خائف، يخرج وهو خائف، ويدخل وهو خائف, لا يغادره الخوف في حالة، أنتصور هذه الحال؟ هل نتفكر في هذه الحال؟ يعيشها غيرنا.

    ونحن اليوم في عافية والحمد لله، يعيش المخافة ويتألم بها ملايين من البشر، ونحن -ولله الحمد- في سلامة وأمن، لكن سنة الله لن تتخلف عنا، إذا ما نحن سلكنا الدرب نفسه، ومضينا في الطريق ذاته، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112]، وإذا أراد الله شيئاً هيأ له الأسباب.

    سبأ ذكر الله عز وجل قصتهم في القرآن, جعلهم آية، يعني: شيئاً يتحدث الناس به، شيئاً يتعجب الناس منه, جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ [سبأ:15]، ما نحن فيه ليس شيئاً، تخرج المرأة وعلى رأسها الزنبيل فتمشي في الطريق فلا تتجاوز الحديقة إلا وزنبيلها قد امتلأ من الثمار المتساقطة فضلاً عما يجنيه الناس، آية كما قال الله عز وجل: جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ:15-16].

    بدل التفاح والرمان والعنب أبدلهم الله عز وجل شجراً فيها مضرة لا منفعة, أثلاً وخمطاً وسدراً، هذا الذي نراه لما كانت ثمرته موجودة، وينتفع بها نوع انتفاع، يأكل الناس هذه الثمرة وهي النبق, قال الله عز وجل: وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ:16]، لما كانت فيه منفعة آتاهم منه القليل، ليذكرهم بأصول النعم التي ذهبت, قال سبحانه وتعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:17]. هل يجري هذا القانون إلا على من كفر نعمة الله؟ فهذه سنة الله عز وجل في خلقه.

    إدراك المفهوم العام للأمن

    نحن مطالبون أيها الإخوة! أن نفهم مفهوم هذه النعمة: الأمن، الأمن الوقائي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن الديني, أمن الإنسان على نفسه، وأمنه على ماله، وأمنه على عرضه، وأمنه على عقله، وأمنه على ديانته وعقيدته, أمنه بمعناه العام، وليس معنى الأمن سلامة الجسد وحده، فإن الجسد إذا تلف في بعض الأحيان وسلم الدين فإن الإنسان لن يخسر شيئاً.

    الأمن بمعناه العام سلامة الأديان, سلامة العقائد, سلامة الأخلاق، سلامة السلوك، سلامة التصورات والمبادئ، وبعد ذلك سلامة الأمن، سلامة الأبدان، وسلامة الأموال، وسلامة الأوطان, هذه النعمة نسعى جاهدين في تحصيلها والحفاظ عليها.

    إقامة الأمن بإقامة الدين

    وأهم ما ينبغي أن نفعله القيام بأمر الله، القيام بتوجيه الله بمعناه الشامل في حق الله، وفي حق ولاة الأمر، وفي حق الزوجة، وفي حق الأبناء، وفي حق الجار، وفي حق الوالدين، في حق القريب والبعيد.

    أداء الحقوق، والقيام بشريعة الله كما أرادها الله، هو السبيل الوحيد لحفظ نعمة الله سبحانه وتعالى علينا التي إذا قامت قامت الدنيا والآخرة.

    ألم يذكرنا سبحانه وتعالى بأن الأمن وسيلة لإقامة الدين؟ قال سبحانه وتعالى وهو يتكلم عن الصلاة في الخوف: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102]، ثم بعد أن فرغ سبحانه وتعالى من كيفية الصلاة وقت الخوف قال: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:103].

    إنما يقوم الدين على كماله وهيئته بخشوع وخضوع واطمئنان لما يحصل الأمن.

    وقال سبحانه وتعالى في سورة البقرة: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:238-239]، صلوا على أي هيئة وقت الخوف، (رجالاً) يعني: مشاة (أو ركباناً)، يعني: راكبين, فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ [البقرة:239]، إذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم.

    إقامة الدين مرهون بإقامة الأمن، نحن بحاجة إلى أن نحافظ على هذه النعمة حتى تسلم لنا الدنيا والآخرة.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    يا حي يا قيوم! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! اجعل هذا البلد خاصة، وسائر بلاد المسلمين آمناً مطمئناً سخاء رخاء برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

    اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة, وقنا وعذاب النار.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] . فاذكروا الله العظيم يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم.

    1.   

    شكر الله على نعمة الأمن

    أيها الإخوة! نحن اليوم في هذه البلاد نعيش رغد عيش لم يعشه هؤلاء القوم الذين امتن الله عز وجل عليهم, ما كان لهم من الدخول الشهرية ما للواحد منا اليوم في هذه البلاد، وما كان الواحد منهم يعيش في المتع التي يعيش الواحد منا إياها في هذه البلاد اليوم.

    نحن نعيش نعمة أكثر من هذه النعمة التي ذكرها الله عز وجل وهو يمتن بها على المشركين من أهل مكة، ونحن أولى بأن يوجه إلينا هذا الخطاب: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4].

    هذه النعم تستوجب وتستحق أن يتوجه الناس بالذكر والشكر لصاحب هذه النعمة وموليها، من الخطأ ومن الخلل أن تتوجه القلوب، وأن تتوجه الألسن بالثناء والتعلق بمن ليس هو صاحب النعمة ومسديها.

    صحيح أن الإنسان إذا أحسن يشكر، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله، صحيح أن الإنسان يكافأ على إحسانه، لكن رب الإحسان، لكن مسدي الإحسان، لكن خالق الإحسان، لكن موجد المحسنين هو أولى من تتوجه إليه القلوب، ومن تثني عليه الألسن، ومن يتفانى الناس بخدمته وعبادته إزاء كل هذه النعم التي أنعم بها علينا.

    في سورة النحل التي يسميها المفسرون سورة النعم؛ لأن الله عز وجل عدد فيها نعمه الظاهرة والباطنة, وقال فيها سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، لن يستطيع الإنسان العد فضلاً عن أن يستطيع الشكر والقيام بحق هذه النعم.

    يقول سبحانه وتعالى في هذه السورة بعد أن عدد طرفاً واسعاً من النعم: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:81]، لعلكم تتوجهون إلى الله، وتخلصون الأوجه إلى الله، وتتوجهون إلى رب هذه النعم فتتفقدون أحوالكم معه، تؤدون فرائضه عليكم، وتجتنبون ما حرمه عليكم، وتتوقدون بوجدانكم لشكره وامتثال أمره, كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:81].

    أيها الإخوة! نعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى، ونحن أولى ما نكون وأحوج ما نكون إلى أن يذكر بعضنا بعضاً بنعم الله عز وجل علينا.

    تذكير الله عباده بنعمه عليهم

    هذا الخطاب هو خطاب القرآن, يقول الله عز وجل في كتابه الكريم في غير موطن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [فاطر:3]، من هذا الذي ساق لنا النفط في هذه البلاد المقفرة، في هذه البلاد الخالية، حر جوها, سموم ريحها، يبعد منها القريب قبل البعيد، من الذي ساق إلينا كل هذه الخيرات من تحت أقدامنا ومن فوق رءوسنا وعن أيماننا وعن شمائلنا, يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [فاطر:3]، ويقول سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ [الأنفال:26].

    الله في كتابه في غير موطن يأمر الناس بتذكر هذه النعم، التذكر الذي يجر إلى الشكر، التذكر الذي يجر إلى الاعتراف للمنعم بحقه سبحانه وتعالى، وأجلها وأعظمها -كما ذكرت- نعمة الأمن، كيف نحفظ هذه النعمة؟ وكيف تزول هذه النعمة؟ هذا ما سنذكره في الخطبة التالية.

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756324267