إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب تعليق الطلاق بالشروط [3]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الطلاق المعلّق بالشرط تختلف أحكامه باختلاف أدوات الشرط وباختلاف نية المطلق. وقد يكون الشرط بأداة تفيد التكرار فيتكرر الطلاق بحسب التفصيلات التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله.

    1.   

    وقت تحقق الطلاق عند تعليقه بشرط ووقوع المشروط

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: [فإذا قال: إن قمتِ، أو إذا، أو متى، أو أي وقت، أو مَن قامت، أو كلما قمت؛ فأنت طالق، فمتى وجد؛ طلقت]:

    تقدم معنا أن من علق الطلاق بشرط، فإنه لا يقع الطلاق إلا بعد وقوع الشرط، وبينا أن هذا هو الأصل، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن اللسان العربي يقتضي هذا الحكم، وأنه لا يقع المشروط إلا بعد وقوع الشرط، وبناءً على ذلك شرع المصنف -رحمه الله- في تفصيل ما تقدم من أدوات الشروط فقال: (فإذا قال: إن قمت أو إذا، أو متى).

    فإن قال لامرأته: إن قمت فأنت طالق، فبينه وبين الله عز وجل أنه إن قامت امرأته فإنها طالق عليه، وهذا يقتضي أنه متى وجدت صفة القيام فإنه يُحكم بوقوع الطلاق، كما لو طلقها منجزاً، فالله تعالى أعطاه أن يطلق زوجته، فاستوى في ذلك أن يطلقها بالتعليق، أو يطلقها بالتنجيز، فإن قال لها: إن قمت، فإذا وجدت صفة القيام؛ حكمنا بطلاقها، وهكذا إن قال: إن خرجت، أو قعدت، أو نحو ذلك من الصفات؛ فلا يقع الطلاق إلا بوجودها، وكذا إن قال: إذا قمت، وإذا خرجت، وإذا سكت، وإذا تكلمت؛ فأنت طالق، فإنه حينئذ متى وجد هذا الشرط، فإنه يقع المشروط وهو الطلاق.

    قوله: (أو أي وقت) هذا راجع إلى الزمان، فإذا قال: أي وقت تكلمت فيه فأنت طالق، فإننا ننتظر إلى حين كلامها، فمتى ما تكلمت حكمنا بكونها طالقاً.

    قوله: (أو من قامت) كأن تكون عنده نساء أكثر من واحدة، فيقول: من قامت منكن فهي طالقة، ومن تكلمت منكن فهي طالقة، فيختص الطلاق بالتي تكلمت، وحينئذ نتوقف حتى توجد هذه الصفة، فمن وجدت فيها هذه الصفة؛ حكمنا بطلاقها دون غيرها.

    قوله: (أو كلما قمت فأنت طالق) كلما: تقتضي التكرار، وتختلف عن سابقتها من الأدوات بأنها توجب تكرار الطلاق بتكرار الصفة، ولكن هذا يختلف بحسب اختلاف النساء، فهناك فرق بين المرأة التي عقد عليها الرجل ولم يدخل عليها، وبين المرأة التي عقد عليها ودخل، فإن كانت المرأة قد عقد عليها ولم يدخل بها وقال لها: كلما قمت فأنت طالق، فإنها إذا قامت القيام الأول طلقت، وتصبح بائناً عن عصمته وتكون أجنبية، فلا يسري عليها الطلاق بعد ذلك ما دام أنها ليست في عصمته، فقوله: كلما قمت فأنت طالق يقتضي أن يتكرر الطلاق بتكرار الصفة، لكن إذا قال لها: إن قمت، إن قعدت، إذا قمت، أيتكن قامت، متى قمت، فإن هذه الأدوات لا تقتضي التكرار، فاختصت (كلما) بهذا الحكم، كلما قمت، وكلما تكلمت، وكلما دخلت، وكلما خرجت، فهذه كلها ألفاظ وشروط إذا وقعت مكررة وقع الطلاق مكرراً.

    فإذا كانت المرأة غير مدخول بها فتبين بالطلقة الأولى، لكن إذا كانت مدخولاً بها، وقال لها: كلما تكلمت فأنت طالق، فتكلمت تطلق الطلقة الأولى، ثم تكلمت بعد ذلك تطلق الطلقة الثانية، ثم تتبعها الطلقة الثالثة؛ لأن الرجعية يتبعها الطلاق، وحكمها حكم الزوجة، فَفَرقٌ بين المرأة التي تكون في العصمة بعد الطلاق الأول وهي المدخول بها، والتي لا تكون في العصمة وهي غير المدخول بها.

    قوله: (فمتى وُجِد طلقت)

    أي: متى وجد هذا الشرط طلقت المرأة، وحُكم بطلاقها؛ وهذا مبني على الأصل الشرعي في كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم: أن المشروط يقع بعد الشرط، وهذا معروف من لسان العرب، فإذا اشترط وقع المشروط بوقوع الشرط، وعلى هذا يقول المصنف: متى وُجد، يعني: متى وجدت هذه الصفات التي اشترطها الزوج؛ فإننا نحكم بطلاق امرأته.

    تكرار الطلاق بتكرار المعلق عليه إذا كان بأداة (كلما)

    قال-رحمه الله تعالى-:[وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث إلا في كلما]

    وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث فيما تقدم من أدوات الشرط، فلو قال لها: إن تكلمت فأنت طالق؛ فإننا نطلق بأول كلام لها، ولو تكلمت بعد ذلك مرات فلا تطلق عليه؛ لأن (إن) لا تقتضي تكراراً، وكذلك إذا، ومتى، وأيتكن، فكلها تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط، دون نظر إلى تكرار، فالتكرار لا يستفاد إلا من (كلما) وهي وحدها تقتضي التكرار، فإذا اشترط بها، وقال: كلما خرجت من البيت فأنت طالق؛ فإنها تطلق كلما خرجت، لكن على التفصيل السابق إن كانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها.

    1.   

    وقت وقوع الطلاق المعلق بالشرط المحض

    قال المصنف رحمه الله: [وإن لم أطلقك فأنت طالق]

    الشرط له حالتان:

    الأولى: أن يكون بالإثبات: إن دخلت، إن خرجت، إن تكلمت، إن قمت، إن كتبت، إن قعدت، إن زرت أباك، إن ذهبت إلى أمك، ونحو ذلك، يعني: إذا وجدت هذه الصفات، وجد المشروط وهو الطلاق.

    الثانية: أن يكون بالنفي: إن لم أطلقك، إن لم تقومي، إن لم تقعدي، إن لم تتكلمي، فهذا على النفي، والأول على الإثبات، فإذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، فهذا متعلق بالشرط المحض، ولا علاقة له بالزمان، فقد اشترط فيما بينه وبين الله أن زوجته إن لم يطلقها فإنها تطلق عليه، فنقول: إما أن يقع منه طلاق، فحينئذ ينحل التعليق، وهذا في حالة ما إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق بالثلاث، عند من يرى أن الثلاث تقع بكلمة واحدة، فالأفضل أن يطلقها طلقة واحدة؛ لأنه قال: إن لم أطلقك فأنت طالق بالثلاث، فالواحدة؛ وهي التي اشترط انتفاءها لوقوع الثلاث أهون من وقوع الثلاث، أو يقول لها: إن لم أطلقك فأنت طالق طلقتين، فالطلقة أهون من الطلقتين، ولذلك إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، فإن الشرط لم يتقيد بالزمان المعين، ولم يسند الشرط إلى الزمان ولا يقتضيه، ولا تقتضيه الأداة كإذا ونحوها من الأدوات، وبناءً على ذلك يقول العلماء في (إن) التي تتمحض بالشرطية: ننتظر إلى آخر حياة أولهما موتاً؛ لأنه يقول: إن لم أطلقك فأنت طالق، فبيني وبين الله أن طلاقك يقع إن لم يحصل مني طلاق، وهو إذا بقي مدة حياته ولم يطلقها، فإنها لا تطلق عليه، حتى يبقى قبل موته قدر زمان الطلاق فتطلق عليه؛ لأنه يتحقق حينئذ أنه لم يطلقها في حياته، وعلى هذا قالوا: ننظر إلى أسبقهما موتاً، إما أن تكون هي تموت قبله، أو هو يموت قبلها، فأسبقهما موتاً ننظر قبل موته بلحظات يمكن وقوع الطلقة فيها فإن لم يطلق فإنها تطلق عليه.

    فقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق، اشترط فيما بينه وبين الله تطليق امرأته بشرط أن لا يقع طلاق، وحينئذ ينبغي أن ننتظر إلى آخر حياة أولهما موتاً، سواء الرجل أو المرأة؛ لأن الزوجية في الحياة موقوفة على الموت، وأما سريان الأحكام بعد الموت فهذا يكون في بعض الأحيان لورود النصوص فيها، لكن من حيث قضية الطلاق للميت، فإن الميت لا يطلق، ولا يُطلق، وبناءً على ذلك قالوا في هذه المسألة: ننتظر إلى ما قبل الوفاة، سواء تعلقت الوفاة بمصدر الطلاق-وهو الرجل- أو تعلقت بمحل الطلاق-وهي المرأة- فننظر للاثنين؛ أيهما بقي من عمره قدر يصح أن يُطَلق فيه -إذا كان امرأة- أو يطلق فيه -إذا كان رجلاً- فإن مضى قدر ذلك الزمان وقع الطلاق.

    مثال ذلك: قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، وسبقته بالوفاة، فننظر إلى ما قبل وفاتها بيسير، فحينئذ إن لم يطلقها، فإنها تطلق عليه بالشرط، وعلى هذا نقول: إن المرأة تطلق إذا سبقت بالوفاة بشرط أن يمضي أو يبقى من عمرها قدر الزمان الذي يمكن أن تُطَلق فيه، ولم يطلقها؛ لأنه يفوت الطلاق بفواته، إذا فات هذا الزمان-الذي هو قبل الوفاة بقدر التلفظ بالطلاق- فإن هذا القدر من الزمان يفوت الطلاق بفواته، فإذا فات الطلاق تحقق الشرط، إن لم أطلقك فأنت طالق، وبناء على ذلك قالوا: إنَّ (إنْ) ليست متعلقة بالزمان، وإنما تعلقت بمحض الشرطية، وكذلك بالنسبة للرجل لو أنه امتنع من طلاقها حياته كلها، حتى بقي قبل وفاته بزمان يسير، نظرنا: إن كان الزمن يسع لقدر الطلاق، ولم يتلفظ بالطلاق، وقع الطلاق بالتعليق، وعليه ننظر إلى أسبقهما موتاً؛ لأن الطلاق يفوت بفواته-أي بموته-، ونقدر الزمان قبل الوفاة، سواء كانت المرأة، أو كان الرجل.

    تأثير النية في الطلاق المعلق بالشرط المحض

    قال رحمه الله: [ولم ينو وقتاً] هذا الشرط، فقول الرجل: إن لم أطلقك فأنت طالق، له أحوال:

    الحالة الأولى: أن يكون مطلقاً؛ يعني: قصد مطلق الشرطية- كما فصلنا فيما تقدم- يكون بمطلق الشرطية، فلا ينوي وقتاً، ولا تكون في الكلام قرينة تقتضي التخصيص، فحينئذ نقول: نبقى إلى آخر حياة أسبقهما موتاً بقدر زمان يمكن أن يقع فيه الطلاق-كما تقدم-.

    الحالة الثانية: إذا نوى وقتاً في نفسه؛ بينه وبين الله قال: إن لم أطلقك -ويعني هذا اليوم، أو هذا الشهر، أو هذا العام-فأنت طالق، فبينه وبين الله يكون ما نواه، فإن نوى وقتاً أو زماناً؛ فهو ونيته؛ لأن الطلاق تعتبر فيه النيات، فإذا نوى فيما بينه وبين الله تعجيل الطلاق بزمان؛ في خلال هذا اليوم، أو خلال هذه الساعة، أو خلال هذا الأسبوع، أو الشهر، أو السنة، فإنه ونيته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات).

    وقوع الطلاق المعلق بالشرط المحض عند وجود القرينة

    قال رحمه الله: [ولم تقم قرينة بفور] إذا تلفظ بهذا الكلام، قد تكون هناك قرينة تدل على أنه أراد التعجيل، ولم يرد التأخير، مثلاً: رجل يقول لزوجته: سأطلقك اليوم، فإن لم أطلقك فأنت طالق، فإن قوله: سأطلقك اليوم، هذه جملة وعد فيها بالطلاق، ثم ركب جملة الشرط عليها فقال: فإن لم أطلقك فأنت طالق، ننتظر اليوم، حتى إذا بقي قبل غروب الشمس بقدر ما تطلق فيه المرأة، ولم يطلقها، وقع عليها الطلاق، فحينئذ نقول: الأصل في (إن): أنها تمحضت للشرط، ولا تتعلق بالزمان، كإذا، ومتى، وأي وقت، ونحوها.

    وبناءً عليه: إذا كانت متعلقة بمحضية الشرطية ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً على التفصيل الذي ذكرناه، ما لم ينو التعجيل-فهذه حالة تستثنى- أو تقوم قرينة على إرادة التعجيل، كقوله: سأطلقك الساعة، فإن لم أطلقك فأنت طالق، سأطلقك اليوم، فإن لم أطلقك فأنت طالق، سأطلقك هذا الأسبوع، فإن لم أطلقك فأنت طالق، فإن جملة الشرط ركبت على ما قبلها فأصبحت مقيدة، وقامت القرينة على أنه أراد التعجيل، ولم يرد محض الشرطية.

    قال رحمه الله: [ولم يطلقها] يعني: حصل الشرط، ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً.

    قال رحمه الله: [طلقت في آخر حياة أولهما موتاً]

    لماذا يقول: آخر حياة أولهما موتاً؟ لأن عندنا في الطلاق: المصدر والمحل، المصدر: هو الزوج، الذي يملك التطليق، والذي خول له الشرع أن يطلق زوجته منجزاً ومعلقاً، يقول: إن لم أطلقك، فالطلاق يقع منه هو. ويتعلق بالمرأة فحينئذ إما أن يفوت المصدر، أو يفوت المحل وهي الزوجة. فقوله: إن لم أطلقك، الطلاق لا يتعلق بنيته، والطلاق لا يدخله النية، فحينئذ بينه وبين الله أنه إذا لم يطلق فهي طالق، فنعطيه المهلة إلى آخر حياته، بحيث يبقى من عمره على قدر الطلاق، ولم يطلق، فتطلق عليه؛ لأن الشرط بينه وبين الله أنه إذا لم يطلق طلقت عليه امرأته، وأما إذا ماتت هي قبله فإنه يفوت الطلاق بفواتها، فكما أن الطلاق يفوت بفوات المصدر، كذلك يفوت بفوات المحل، فإذا كان يفوت بفوات المصدر، أو فوات المحل، ننظر إلى أسبقهما موتاً؛ لأن الطلاق يفوت بموت أحدهما بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وعلى هذا قالوا: ننظر إلى أسبقهما موتاً، فإذا بقي من عمره على قدر الطلاق، فإننا نطلق المرأة بفوات هذا الزمان؛ لأن الشرط يقع بذلك.

    1.   

    وقت وقوع الطلاق المعلق بأدوات الشرط الزمانية

    قال-رحمه الله-:[ومتى لم، أو إذ لم، أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق، ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه ولم يفعل طلقت]

    قوله: (ومتى لم(

    متى: هذا للزمان، متى لم أطلقك فأنت طالق، معنى ذلك: أنه بمجرد ما يتكلم نعطيه فرصة هي قدر الطلاق، بحيث لو فاتت فقد مضى زمان لم يطلق فيه فهي طالق، بخلاف الأداة الأولى (إن) فإنها تمحضت بالشرطية، ولا تتعلق بالزمان، وعلى هذا جمهرة النحاة أنها لا تتعلق بالزمان من حيث الأصل، لكن (متى) متعلقة بالزمان، فبينه وبين الله: متى لم أطلقك، يعني: إذا مضى زمن يسع للطلاق ولم أطلقك فأنت طالق، وعلى هذا فإننا ننظر بمجرد تلفظه بالطلاق، فإذا مضى بعد هذا اللفظ قدر يمكن فيه الطلاق ولم يطلق طلقت عليه.

    قوله: (أو إذا لم(

    اختلف في (إذا) فبعض العلماء يقرن (إذا) بإن، ويرى أنها تبقى إلى آخر الحياة، بحيث لو قال لها: إذا لم أطلقك فأنت طالق، ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً، وكأن (إذا) فيها شبهة الشرطية، وإن كانت تتعلق بالزمان أيضاً؛ إذا جاءك زيد، أو إذا جاءك عمرو، أو إذا جاءت القيامة، كل هذه تتعلق بالزمان، فالمراد بها الوقت والزمان، إذا جاء عمرو، أي: وقت مجيء عمرو، وإذا قام زيد، أي: وقت قيام زيد، فإذا لم أطلقك فأنت طالق، فقد أسند النفي إلى الزمان، فإن مضى زمان بعد تلفظه بهذه الكلمة ولم يطلقها طلقت عليه، سواء استغرق دقيقة أو أقل، وهذا على ما اختاره المصنف؛ أنّ: إذا، ومتى، وأي وقت، كلها تتعلق بالزمان.

    قوله: (أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق)

    (أي) من صيغ العموم؛ عممت الزمان، أي: فأي وقت لم أطلقك فيه فأنت طالق فيما بيني وبين الله، فننظر: إن مضى بعد كلامه وقت يمكن أن يقع فيه الطلاق؛ فإنه داخل في عموم قوله: أي وقت، فيقع الطلاق في خلال هذه الظرفية، وهذا الوقت، إذا لم يكن قد طلقها فيه.

    قوله: (ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه، ولم يفعل طلقت)

    أي: في هذه الصيغ التي تقدمت، والأدوات التي ذكرت: إذا، متى، أي وقت، إذا مضى زمن ولم يقع الطلاق، طلقت المرأة.

    1.   

    وقت وقوع الطلاق المعلق بأداة الشرط (كلما)

    قال-رحمه الله تعالى-:[وكلما لم أطلقك فأنت طالق، ومضى ما يمكن إيقاع ثلاث مرتبة فيه طلقت المدخول بها ثلاثاً، وتبين غيرها بالأولى]

    على العموم: على طالب العلم دائماً أن يصبر، قد يقول: هذه الكلمات وهذه الألفاظ لم تعد موجودة، والواقع إن العلماء-رحمهم الله- يذكرون هذه الأدوات، ويذكرون دلالتها، والمراد التنبيه على الأصل؛ من أنه لا بد من الرجوع إلى اللغة العربية، ودلالاتها، والاحتكام إليها؛ لأنها هي لغة القرآن، وإذا اشترط الإنسان بهذه الصيغ العربية، فإنه يجري عليه ما يجري على المتكلم بها، فهذه الصيغ مختلفة ومتعددة، فعلى طالب العلم أن لا يسأم، ولا يمل، فقد تقع مثل هذه الألفاظ؛ كرجل عامي يأتيك ويقول: قلت لامرأتي: كلما لم أطلقك فأنت طالق، فكلما: تقتضي التكرار، والأدوات أنواع، ذكر أولاً: (إن) وهي أم الأدوات ويتأخر الطلاق بها، ثم أتبعها بإذا، ومتى، وأي وقت، وهذه قلنا: يقع الطلاق بعدها مباشرة، فننظر إلى قدر الزمان المباشر، فتباشر الطلاق، وتقع بعد الصيغة مباشرة، إذا مضى زمان يمكن أن يقع فيه الطلاق ولم يطلق، و(كلما) يقع الطلاق بعدها مباشرة أيضاً، فهي مثل الأدوات الثلاث التي تقدمت، لكن (كلما) تقتضي التكرار، فالأمر فيها أشد من قوله: إذا لم أطلقك، ومتى لم أطلقك، وأي وقت لم أطلقك، فهذه تختلف عن (كلما)؛ لأن هذه الثلاث وأيضاً: (إن) تطلق فيها المرأة طلقة واحدة على الأصل، لكن لو قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق؛ اختلف الحكم باختلاف النساء: فإذا كانت المرأة مدخولاًً بها، فإنه إذا مضى بعد هذه الصيغة زمان يمكن فيه الطلاق، ولم يطلق، طلقت الطلقة الأولى، ثم ننتظر بعد الطلقة الأولى زماناً يمكن وقوع الطلاق فيه، ثم تطلق الطلقة الثانية، ثم تطلق الطلقة الثالثة، فالأفضل أن يقول مباشرة: أنت طالق؛ حتى يخرج من مشكلة التكرار في (كلما) أما إذا كان قد عقد عليها، وهي في عصمته، ولم يدخل بها، فإنها إذا مضى زمن يمكن إيقاع الطلاق فيه بعد التلفظ بالشرط، ولم يطلق وقعت الطلقة الأولى، ومعلوم أن غير المدخول بها إذا طلقت طلقة واحدة أصبحت أجنبية، فجاءت الطلقة الثانية فلم تصادف محلاً؛ لأن المرأة فاتت بالطلقة الأولى، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، فالمرأة غير المدخول بها بمجرد طلاقها الطلقة الأولى تصبح أجنبية، فإذا قال لها: كلما لم أطلقك فأنت طالق، فبينه وبين الله أن الطلقة الأولى تقع إذا لم يطلق بعد الصيغة مباشرة، والطلقة الثانية تقع كذلك، والطلقة الثالثة تقع كذلك، فإذا طلقت الطلقة الأولى؛ فإن الطلقة الثانية تأتي على محل غير قابل للطلاق، وهكذا الطلقة الثالثة فلا تقع الثانية، ولا الثالثة.

    فالخلاصة: (كلما) إذا أضيفت لصيغة النفي؛ يقع الطلاق بعدها مباشرة، كبقية الأدوات غير (إن) هذا الحكم الأول، والحكم الثاني: أنها تقتضي تكرار الطلاق بتكرار الصفة المشروطة، فالطلاق يتكرر، وتبين المرأة من عصمته إن كانت مدخولاً بها، فإن كانت غير مدخول بها؛ فإنها تطلق طلقة واحدة، وتبين بها، وتصبح أجنبية، فترد الطلقة الثانية والثالثة على غير محل، فيكون وجودهما وعدمهما على حد سواء.

    فـ(كلما) توافق الأدوات المتقدمة في أن الطلاق يقع بعدها إذا مضى وقت يمكن أن يقع فيه الطلاق، ولم يوقع الطلاق، فتطلق عليه المرأة في صيغة النفي، وتخالف (كلما) بقية الأدوات في أنه يتكرر بها الطلاق إذا تكرر الشرط، إلا إذا كانت المرأة غير مدخول بها كما سبق بيانه.

    قوله: (وتبين غيرها بالأولى)

    أي: غير المدخول بها تبين بواحدة، ومعنى تبين: أي تصبح أجنبية، وهذا ما يسمى بالبينونة الصغرى.

    1.   

    وقت وقوع الطلاق المعلق بحصول أكثر من صفة

    قال -رحمه الله تعالى-:[وإن قمت فقعدت،أو ثم قعدت، أو إن قعدت إذا قمت، أو إن قعدت إن قمت، فأنت طالق، لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد]

    هذه من سمات كتب الفقه، قد تجد فيها أمثلة غريبة، لكنها مركبة تركيباً بديعاً، ومرتبة ترتيباً جميلاً، فرحم الله الفقهاء، الآن يتكلم عن شيء اسمه الشرط، فقد تأتي بالشرط على صفة واحدة، وقد تجمع الشرط مركباً على صفتين، وقد تجمعه على ثلاث صفات، وهذه كلها موجودة في لسان العرب، ووردت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سنبينه، فما معنى قول المصنف: إن قمت وقعدت، إن قمت فقعدت، إن قمت ثم قعدت.. إلخ؟

    إن جئت تتكلم عن صيغة الشرط فإنك تتكلم بطريقتين:

    الطريقة الأولى: طريقة الإفراد: أن يأتي بشرط واحد مفرد، وهذه الطريقة، إما بصيغة الإثبات نحو: إن دخلت الدار؛ فأنت طالق، هذا شرط مفرد، فننظر فقط للدخول، وإما بصيغة النفي نحو: إن لم تدخلي فأنت طالق، إن لم تسمعي كلامي فأنت طالق، هذا بصيغة النفي وفيه شرط مفرد، وننظر فقط لانتفاء الشيء الذي علق الطلاق عليه.

    الطريقة الثانية: طريقة الجمع: أن يجمع فيه بين شيئين، على سبيل التلميح، فيأتي بصفتين، ومراده أي واحدة منهما وجدت؛ فإن الطلاق يقع نحو: إن قمت أو قعدت، فأو للتنويع، وقد يأتي بشيئين فيجمعهما معاً نحو: إن قمت وقعدت، وقد يجعل الشيئين مرتباً أحدهما على الآخر بالفاء أو بثم.

    فالخلاصة: أن صيغة الشرط المفردة إما أن تكون إثباتاً، أو تكون نفياً، والأدوات تختلف، وأحوالها تختلف، فـ(إن) لا تختص بالزمان، و(إذا، ومتى، وأي وقت، وكلما) يقع فيها الطلاق بعدها مباشرة في صيغة النفي إذا لم يطلق، وقد يجمع أكثر من صفتين، فقد يجمع على سبيل وجود الكل، كأن يقول: إن قمت وقعدت، ومراده: أن يقع القيام والقعود، أو يقول: إن زرت الوالد والوالدة، فمراده أن تقع الزيارة للوالد والوالدة، فيقصد: مجموع الأمرين معاً، وقد يقصد وجود أحدهما: إن قمت أو قعدت، فإذا قصد وجود أحدهما؛ فإنها تطلق بمجرد وجوده، وإذا قصد مجموع الشيئين مع بعضهما فقد يرتب أحدهما على الآخر وقد لا يرتب، فإن قال: إن أكلت وشربت، فلو أنها شربت أولاً، ثم أكلت، فالطلاق يقع، ولو أكلت أولاً، ثم شربت، فالطلاق يقع؛ لأن المراد: مجموع الأمرين، ولم يقصد ترتيباً؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب من حيث الأصل، وإن أراد الترتيب فقال: إن قمت، ثم قعدت، فلا ننظر إلى القعود إلا إذا وجد قبله قيام، فالقعود شرطه أن يكون قبله قيام، فلو كانت قاعدة فإنها لا تطلق حتى تقوم ثم تقعد، والحاصل: إن كان مراده مجموع الشيئين فلا إشكال، وإن كان مراده وقوع أحدهما مرتباً على الآخر؛ فالحكم أننا لا نوقع الطلاق إلا إذا وقع الثاني مرتباً على الأول، فهذه مقيدة بالصيغ، ولا تهتم الألفاظ، فالعلماء وضعوا هذه المتون بدقة، ومرادهم التفصيل في الحكم، فقد تأتي ألفاظ جديدة تتناسب مع العرف، فتقول تارة: لا يقع الطلاق إلا إذا وقع مجموع الأمرين، وتارة تقول: لا يقع الطلاق إلا إذا وقع الثاني مرتباً على الأول، وتارة تقول: يقع الطلاق إن وقع أحد الشيئين، أو إحدى الصفتين، ولا أشترط سبق أحدهما على الآخر.

    قوله: (وإن قمت فقعدت)

    القعود مرتب على القيام؛ لأن الفاء تقتضي العطف مع الترتيب، لكنها تدل على الولاء والمباشرة، ولذلك يقول بعض العلماء في قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا) قالوا: يحرم أن يتأخر عن الإمام بالتكبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر فكبروا) ولم يقل: إذا كبر كبروا، إنما قال: (إذا كبر فكبروا)، وهذا على صيغة الشرط والعطف بالفاء، فالفاء هنا: تقتضي وجود الشيء مباشرة، تقول: جاء محمد فعلي، أي: أن علياً دخل وراء محمد مباشرة، فالفاء تقتضي الترتيب مع الولاء، ولذلك يقول بعض العلماء: لما قال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] رأوا فرعون قد أتاهم، والبحر أمامهم، وإذا بفرعون قد جاءهم بخيله ورجله وعدده وعدته، فقال موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا [الشعراء:62-63]، انظر إلى بلاغة القرآن! (فَأَوْحَيْنَا)، حتى كان بعض مشايخنا -رحمة الله عليهم- يقول: والله ما انتهى موسى من نون (سيهدين) حتى جاء الوحي: اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ [الشعراء:63]، وهذا من كرمه سبحانه، أنه ما أيقن أحد به عند الكرب إلا فرج عنه فقال سبحانه: (فأوحينا) ولم يقل: وأوحينا، إشارة إلى أن الوحي نزل عليه مباشرة بعد يقينه بالله سبحانه وتعالى.

    فالمقصود: أن الفاء تقتضي العطف مع الترتيب المباشر، فإذا قال لها: إن قمت فقعدت، فهذا يقتضي أن يكون القيام أولاً، ثم القعود بعده، فيشترط سبقُ القيام للقعود.

    قوله: (ثم قعدتِ) المراد هنا فقط الترتيب، والفرق بين (الفاء) و(ثم) أن الفاء للولاء والمباشرة، و(ثم) تقتضي التراخي والتأخير، تقول: جاء محمد فعلي، أي: جاء علي بعد محمد مباشرة، حتى كأنهما ملتصقين ببعضهما في المجيء، ولكن إذا قلت: جاء محمد ثم علي، فهذا يقتضي أن هناك فاصلاً ووقتاً وزماناً فصل بين مجيء محمد ومجيء علي. فإن قال لها: إن قمتِ فقعدتِ، إن قمتِ ثم قعدتِ، تشترك الصيغتان في كون الثاني مرتباً على الأول، وهذا هو الذي يريده المصنف؛ لكن مسألة الترتيب بسرعة أو على الولاء، هذه مسألة أخرى تستفاد من اللفظ.

    قوله: (أو إن قعدتِ إذا قمتِ)

    هذا فيه دخول الشرط على الشرط، ودخول الشرط على الشرط يصير المقدم مؤخراً، والمؤخر مقدماً، قلت لها: إن قمت إن قعدت، فحينئذ يكون القعود سابقاً للقيام، فالشرط الثاني يصير أولاً، والأول يصير بعده، كأنك اشترطت في الشرط، ولذلك قالوا: اعتراض جملة الشرط على الشرط يصير المتقدم متأخراً، والمتأخر مقدماً، فالصيغ: إن قمت فقعدت، إن قمت ثم قعدت، إن قمت إن قعدت، لابد أن يسبق فيها القيام القعود، وأما صيغة: إن قعدت إن قمت فمعناها: إن قمت أولاً، ثم قعدت بعد ذلك، والدليل على ذلك: قوله تعالى: وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [هود:34] فجعل المتأخر مقدماً، فعندنا جملة: (لا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي)، رُتبت على قوله: (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ) ، ورتبت على قوله: (إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) وأصل التقدير: إن كان الله يريد أن يغويكم، وأردت أن أنصح لكم، فلا ينفعكم نصحي، فجعل المتقدم مؤخراً، وجعل المؤخر مقدماً، وهذا معروف في لغة العرب، فإذا قال لها: إن قمت إن قعدت، فمعناه: أن يسبق القعود القيام، كما فهمنا من لغة القرآن، فيقدم المؤخر ويؤخر المقدم في دخول واعتراض جملة الشرط على الشرط، سواء كانت واحدة، أو أكثر من واحدة، فحينئذ نقول بالترتيب، كما ورد في هذه الآية الكريمة: (لا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي) أي: أنا أريد أن أنصحكم، فجاء بغاية النصح، وبين براءته من حوله وقوته، فقال: (وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) فإذا كان الله عز وجل لا يريد هدايتهم، فلا ينفعهم النصح، حتى ولو نصح لهم، فكونه يقدم المؤخر، ويؤخر المقدم؛ يدل على أن اعتراض جملة الشرط على الشرط يخل بالترتيب.

    قوله: (حتى تقوم ثم تقعد) فالجمل المتقدمة كلها يراد بها الترتيب.

    أولاً: إن قمت فقعدت، لابد أن يقع القيام أولاً، ثم القعود، فلو أنه قال لها: إن قمت فقعدت فأنت طالق، وكانت حاملاً، فقامت، ثم قعدت، ثم ولدت، فحينئذ خرجت من عصمته؛ لأنه وقع الطلاق بعد قعودها، ثم وقع بعد الطلاق وضع الحمل، فخرجت من عدتها، وأصبحت أجنبية، فإن قال لها: إن قمت فقعدت فأنت طالق، فقامت، ثم ولدت، ثم قعدت، فإنه في هذه الحالة لا يقع الطلاق إلا بعد قعودها، وعلى هذا يتأقت الطلاق بوجود الترتيب، وهذا مراد الفقهاء؛ لأن الشريعة شريعة كاملة، لا يقول أحد: إن هذه تعقيدات، فإن هذه أمور تتوقف على ألفاظ شرعية، ولن تجد شريعة على وجه الأرض أعمق من هذه الشريعة فقد أعطت كل مكلف حدود ألفاظه، ومدلولات ألفاظه، والصيغ التي يتكلم بها في لسانه، وفي عرفه، وهذا غاية العدل والتمام والكمال، فهذا كله مبني على إعطاء كل شيء حقه وقدره، فهو إذا قال: إن قمت فقعدت، فهي صيغة تقتضي الترتيب، فلا يقع الطلاق بدون وجود الترتيب المشترط فيها، وإن قال: إن قمت ثم قعدت، فلا يقع الطلاق إلا بوقوع الصفتين مرتباً الثاني منهما على الأول على مقتضى لسان العرب ولغتهم، وقس على هذا بقية الصفات.

    قال المصنف رحمه الله: [وبالواو تطلق بوجودهما ولو غير مرتبين]

    ولو قال لها: إن قمت وقعدت فأنت طالق، فقامت ثم قعدت، أو قعدت ثم قامت، وقع الطلاق، فالفرق بين هذه الحالة والحالات الماضية: أنه قال لها في الحالات الماضية: إن قمت ثم قعدت، فلا نعتد بالقعود إلا إذا سبقه قيام، وعلى هذا لا يقع الطلاق إلا إذا وقع قعود بعد قيام، وأما في هذه الحالة فالعطف بالواو: إن قمت وقعدت فلو قعدت، ثم قامت أو قامت ثم قعدت، فإنه يقع الطلاق بمجموع الأمرين بغض النظر عن كونهما مرتبين أو لا.

    قال المصنف رحمه الله: [وبأو بوجود أحدهما]

    (أو) تقتضي التنويع؛ تقول: خذ هذا أو هذا، بمعنى: أنك مباح لك أن تأخذ هذا أو هذا، ولا يباح لك أن تجمع بينهما؛ لأن (أو) تقتضي التنويع، قال الله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] فهذا القرآن يدل دلالة واضحة على أن المراد وقوع أحد هذه الأشياء التي عطفت بأو، ومثل ذلك قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فأي واحد من هذه الأشياء يجزئ؛ للعطف بأو، فإن قال الرجل لزوجته: إن قمت أو قعدت فأنت طالق، فإن وقع قيام، أو وقع قعود؛ فإنها تطلق، وحينئذ العطف بأو لا يقتضي التشريك إلا إذا نوى التشريك والجمع، فلا يقع الطلاق إلا بهما معاً؛ لأن (أو) تأتي بمعنى الجمع، كما في قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:147] أي: ويزيدون، وكقوله تعالى: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:9] أي: وأدنى؛ لأن الله لا يشك، فهو أعلم بخلقه، فأو هنا في لغة العرب تأتي بمعنى الجمع ومثله قوله الشاعر:

    كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

    أي: وزادوا ثمانية، فأو قد تأتي بمعنى العطف المقتضي للتشريك، فإن قصد التشريك وقع على التشريك، وإن قصد العطف على التنويع فهو تنويع.

    1.   

    الأسئلة

    حالة المعلق طلاقها إن توفي زوجها

    السؤال: إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، فهي تطلق قبل الوفاة، فهل تعتد عدة طلاق أو عدة وفاة؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

    فإنه إذا وقع الطلاق قبل الوفاة؛ فعدتها عدة طلاق، وهي الأصل المتمحض، وإنما تكون عدة الوفاة لذات الزوج، والله تعالى أعلم.

    حكم التزوج بمن عقد عليها الأب

    السؤال: هل يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه بمجرد عقده عليها ولو لم يدخل بها؟

    الجواب: كل امرأة تزوجها الوالد، وإن علا، سواء دخل بها، أو لم يدخل بها فإنها محرمة عليك، فلو أن الجد عقد على امرأة ثم طلقها، أو توفي عنها، أو خالعته، أو نحو ذلك مما يحصل به زوال العصمة؛ فإنها محرمة عليك؛ يجوز أن تصافحها، وأن تختلي بها، وأن تسافر معها، وأن تزورها، حكمها حكم المحرم سواءً بسواء، لقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22] فبينت الآية الكريمة: أن منكوحة الأب محرمة، وجعل الحكم بالتحريم مبنياً على وجود النكاح، وقد فهمنا من ظاهر القرآن أن النكاح يطلق على العقد فقط، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] فدل على أن النكاح يقع بدون دخول، وعلى هذا فالمرأة تكون منكوحة للأب بمجرد العقد، فمثلاً: عقد رجل على امرأة ولم يدخل بها، وبعد العقد مباشرة، أراد ابنه أن يدخل، وقال: يا شيخ؛ والدي عقد على فلانة، وأريد أن أدخل لأهنئها، وأكرمها، أو نحو ذلك، هل يجوز لي أن أصافحها؟ هل يجوز لي أن أختلي معها؟ نقول: نعم، بمجرد عقد الوالد عليها أصبحت محرماً له؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]، ويستوي في ذلك الأب من جهة الذكور، وأبوه وإن علا، والجد أب؛ لأن الله تعالى يقول: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج:78] فجعل الجد أباً، وكذلك الأب من جهة الأم، فالجد من جهة الأم، لو عقد على امرأة فإنها محرم لك؛ لأنك ابنه، ولذلك يعتبر أباً لك من وجه؛ والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن وهو ابن بنته: (إن ابني هذا سيد) والله تعالى أعلم.

    الفرق بين جماعة المسجد وغيرها من الجماعات من جهة مضاعفة الأجر

    السؤال: هل مضاعفة الأجر في الجماعة خاصة بجماعة المسجد؟

    الجواب: حديث: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)عام، لكن هناك نصوص أخر خص بها بعض العلماء جماعة المسجد كما في حديث أبي هريرة: (صلاة الرجل في مسجده تضعف على صلاته في بيته خمساً وعشرين ضعفاً)، وبعض العلماء يقول: إن السبع والعشرين مختصة بجماعة المسجد، والخمس والعشرين لغير جماعة المسجد، فيجعل الدرجتين بالنسبة للخروج إلى المسجد، فتفترق جماعة عن جماعة، ويفضل بينهما بالخروج، وقال بعض العلماء -وهو الأقوى-: إن السبع والعشرين تشمل جماعة المسجد، وغير المسجد، لكن الخمسة والعشرين ضعفاً غير السبع والعشرين درجة، فلا تعارض بين حديث سبع وعشرين درجة وحديث خمسة وعشرين ضعفاً؛ لأن رواية مسلم في صحيحه: (صلاة الرجل في مسجده وسوقه تضعف على صلاته في بيته خمساً وعشرين ضعفاً وذلك أنه..)وجملة (ذلك) بمثابة التعليل، كأنه علل الحكم؛ أي: كانت بخمس وعشرين- لأنه: (إذا خرج من بيته لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتبت له بها حسنة، ورفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة..) الحديث، فالدرجات السبع والعشرون تكون للجماعة مطلقاً، لكن جماعة المسجد أفضل من جماعة البيت بالتضعيف خمساً وعشرين ضعفاً، وصلاة الجماعة في البر ليست كالصلاة في المسجد كما جاء في حديث البرية، ونحوها من التفضيلات، والجماعة الأكثر عدداً أفضل من الجماعة الأقل عدداً، والجماعة في المسجد القديم أفضل لشرف المكان، والجماعة في المسجد المضاعف أفضل من المسجد غير المضاعف، وهذا التفضيل نسبي، والجماعة تضعف بصلاة الرجل مع الرجل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده)، فالمقصود: أن فضل الجماعة من حيث الأصل يقع في كل جماعة تحققت برجلين، أو رجل وامرأة، أو رجل وصبي، فهؤلاء كلهم جماعة، ولكن تختلف جماعة عن جماعة من حيث الأجر والثواب، ومن حيث الفضل على حسب تفضيل الشرع، وتفريقه بين الجماعات.

    نصيحة للزوجين عند الغضب

    السؤال: عند ثوران الغضب وشدته بين الزوج وزوجته بماذا يوصى كل منهما دفعاً لوقوع ما لا تحمد عقباه؟

    الجواب: الغضب بلاء من الله يبتلي به العبد، وللغضب أسباب، فإذا وجدت أسباب الغضب فإن النفس الإنسانية قد تخرج عن طورها، وتجاوز حدودها إلى ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك يزل الغضبان في بعض المواطن، فيتلفظ بما لا يجوز أن يتلفظ به، ولربما يعتدي حدود الله، فتبطش يداه، أو يفعل أمراً لا يجوز له فعله، وعلى هذا فالواجب على المسلم أن يسأل ربه أن يصرف عنه الغضب، وأن يصرف عنه عواقبه الرديئة، ووساوسه المردية، وأسبابه المفضية إليه.

    وعلى المسلم أن يأخذ بالعلاج النبوي الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي قال: (يا رسول الله أوصني. فقال: لا تغضب، قال زدني. قال: لا تغضب، قال: زدني. قال: لا تغضب) فكرر له الوصية ثلاث مرات، فالغضب فيه نفخ من الشيطان؛ ولذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من نفخ الشيطان، فهو ينفخ في الإنسان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه، واحمرار وجهه) فهذا من نفخ الشيطان.

    وعليه أن يذكر الله عز وجل، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على رجل وهو في ثورة الغضب، قد احمرت عيناه، وانتفخت أوداجه، فقال عليه الصلاة والسلام: (أعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقيلت للرجل؛ فذهب عنه مايجده).

    الله أكبر! إذا رزق الإنسان ذكر الله جل جلاله، فإنه خير للعبد في الدين والدنيا والآخرة، وهو من أفضل الأعمال، وأزكاها عند رب العزة والجلال، وأعظمها في بلوغ العبد لسعادة الدنيا والآخرة؛ والذكر ينقسم إلى قسمين:

    الذكر المطلق، والذكر النسبي، والذكر النسبي: هو الذي يكون للمناسبة، وللحال، فمثلاً: إذا رأيت شراً؛ تقول: أعوذ بالله، فالاستعاذة مناسبة للشخص، وإذا رأيت خيراً؛ تقول: اللهم إني أسألك من فضلك، فهذا ذكر مناسب للحال، فلما كان العبد في هذه الحالة؛ ما بين نفس أمارة، وشيطان يريد به الشر، وبواعث تهيج هذه الأمور، وتقويها، وتدعو النفس إلى مجاوزة حدودها؛ التجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]، والله تعالى وعد من استعاذ به أن يعيذه، وما أمرنا الله أن نستعيذ به إلا لما هو خير لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا؛ ومن لم تنفعه الاستعاذة لأنه استعاذ بقلب منصرف، لا يستحضر عظمة الله جل جلاله؛ وقد ورد أن الشيطان يضع خياشيمه، وخرطومه على قلب العبد، وينفخ فيه، فإذا امتلأ القلب بالإيمان انصرف الشيطان؛ لأنه ليس هناك أقوى من الإيمان بالله جل جلاله؛ وفي الحديث الصحيح أن العبد إذا انكفأ؛ فقال: تعس الشيطان؛ انتفخ الشيطان، وتعاظم، لكن إذا ذكر الله انخنس الشيطان، فذهب كالخردلة حقيراً مدحوراً بذكر الله جل جلاله، فنوصي الغضبان: أن يذكر الله جل جلاله؛ ويقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ونحو ذلك من الاستعاذات الواردة في الشرع.

    ومما يذهب الغضب: الوضوء، فإن الوضوء يطفئ ثورة الغضب.

    ومما يذهب الغضب: تغيير الحال؛ فإن كان قائماً قعد، وإن كان قاعداً قام، وإن كان في البيت خرج منه، وإن كان في مكان لجج وخصومة؛ فارق مجلس اللجج والخصومة: وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، فإذا رأى قوماً يستزلونه إلى الشر وأسباب الغضب، فينبغي أن يتركهم، ويهجرهم، ويفارق مجالسهم؛ حتى لا يستزله الشيطان فيقع ما لا تحمد عقباه.

    نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، بأسمائه الحسنى أن يعيذنا من نزغات الشياطين؛ إنه هو السميع العليم.

    حكم الصلاة في المسجد الأبعد طلباً لكثرة الأجر

    السؤال: إذا كان بجوار البيت مسجد قريب، فهل يجوز له أن يمشي إلى الأبعد طلباً للفضل مع أنه يسمع إقامة الصلاة في مسجده القريب؟

    الجواب: إذا كان المسجد الأبعد أكثر جماعة، أو أفضل؛ كمسجد الكعبة، أو أقدم، فهذه كلها فضلها الشرع، فالمسجد القديم فضله الله عز وجل على المسجد الجديد، كما قال تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة:108]، فجعل القديم أفضل؛ لأنه عمر بذكر الله أكثر من غيره، وكذلك أيضاً المسجد الأكثر عدداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أزكى) ، وهذا يدل على أن الجماعة الأكثر عدداً أفضل، وعلى هذا فيجوز له أن ينطلق إلى المسجد الأبعد إذا كان لفضيلة نص الشرع عليها. والله تعالى أعلم.

    الخلاف في ساعة الإجابة يوم الجمعة

    السؤال: ما هو الراجح في ساعة الإجابة يوم الجمعة؟ وما هو عمل السلف في تلك الساعة؟

    الجواب: لا إله إلا الله! والله لو جلسنا إلى طلوع الفجر ما استطعنا أن نحصر عمل السلف في تلك الساعة، يا إخوان: أشفقوا على من يجيبكم، لا تسألوا المسائل العظيمة، البعض يسأل السؤال ما يدري ما وراءه، هذه مسئولية، والله ما سئل العبد سؤالاً إلا وقف بين يدي الله يُسأل عن كل كلمة قالها، ليست المسائل والفتاوى هكذا! كان بعض السلف -رحمه الله- يجثو على ركبتيه، ويحذر من يسأله، ويقول له: إنما هي الجنة والنار، فأشفق علي، يعني: إما أن أجيبك؛ فأدخل الجنة، وإما أن أجيبك؛ فأدخل النار. فليشفق عليَّ السائل، أريد أن السائل إذا سأل عليه أن ينتبه، وأن يعلم أننا بشر لنا حدود، ولنا قدر من العلم: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76].

    أما ساعة الإجابة: فهذا أمر فيه أكثر من أربعين قولاً، ولو كانت ساعات الجمعة مائة ساعة ربما كان تجد فيها مائة قول؛ لأن كل وقت محتمل، والذي يظهر: أن الله عز وجل أخفاها لحكم عظيمة، منها:

    أنه لو كشفها الله لتسلط الناس بعضهم على بعض، فآذى القوي الضعيف، وآذى السفهاء الصلحاء، وحصل من ذلك من الشر والبلاء ما الله به عليم، لكن الحمد لله الذي لطف بعباده.

    ولو علمها كل الناس، لربما تسلطوا بها على الشهوات، والهلكات؛ فأهلكتهم، وأفسدت عليهم دينهم، ودنياهم، وآخرتهم، فيصير أهل الشهوات يطلبون هذه الساعة؛ لشهوة من شهوات النفوس التي لا تحمد عقباها، فتكون متاعاً عاجلاً، وتبعة ومسئولية في الآخرة.

    وأقرب الأقوال وأقواها: أنها ما بين طلوع الشمس، وجلوس الخطيب، ثم في هذا الوقت أقوال، فبعضهم يختار أنها ساعة الغفلة؛ وهي حمية الضحى؛ لأن الناس في إقبال على الدنيا، والعبد إذا ترك البيع والشراء في الضحى، ومضى إلى المسجد صار مبكراً للجمعة، ويحصل له فضيلة اليوم على أتم وجوهها، وبعض العلماء يختار أنها أول النهار، وبعضهم يجعلها قبل الزوال بشيء يسير، وقيل: إنها بعد الزوال مباشرة؛ وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح).

    وقيل: إنها من طلوع الخطيب إلى انقضاء الصلاة، وهذا ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنها ساعة قليلة، وطلوع الخطيب إلى انقضاء الصلاة هذا يأخذ وقتاً طويلاً.

    وليس المراد بالساعة ستين دقيقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار بيده يتقالها، يعني: أنها لحظات يسيرة، لذلك من الصعوبة بمكان أن نقول: إنها من طلوع الخطيب إلى انقضاء الصلاة.

    وقيل: إنها الساعة التي يجلس فيه الخطيب بين الخطبتين.

    وقيل: إنها من ابتداء الصلاة إلى انتهاء الصلاة، وقيل: وقت التشهد.

    وقيل: إنها في الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، لكن هذا مشكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي) فذلك يقتضي أن الوقت وقت صلاة، وما بعد العصر ليس وقت صلاة، خاصة عند الغروب، وأجيب عن ذلك بأنه إذا جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وهذا محل نظر؛ لأنه قال: (قائم يصلي) إلا أن يكون اسم الفاعل المراد به اسم المفعول، أي: أنه مقيم على حالة يكون فيها في حكم المصلي، وحينئذ يتجه أن يكون من بعد صلاة العصر يوم الجمعة يجلس في مصلاه إلى أن تغرب الشمس، فيسأل الله حاجته.

    وعليك أخي المسلم أن تصلح ما بينك وبين الله، ومن أصلح ما بينه وبين الله، وملأ قلبه بالخوف والرجاء؛ وصدق اللجوء إلى الله، وفقه الله وسدده.

    ومن أراد أن يكون مجاب الدعوة؛ فليطب مطعمه، وليستفتح بتوحيد الله، والثناء على الله، وليكثر من النوافل، فإنه ما أكثر عبد من النوافل إلا أحبه الله، وإذا أحبه أعطاه سؤله، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)، فهنيئاً ثم هنيئاً لمن وفقه الله للخيرات، وفعل الطاعات، حتى أصبح مجاب الدعوات. نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم من واسع فضله وهو أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    نصيحة للأزواج والزوجات

    السؤال: إني امرأة متزوجة، ولكني أعاني من مشاكل كثيرة -تعني: المشاكل الزوجية، فلا يمضي أسبوع إلا وتقع مشكلة، ويهددها زوجها بالطلاق- فتقول السائلة: هل من نصيحة للأزواج في هذه الحالة؟

    الجواب: أوصي الأزواج والزوجات بتقوى الله عز وجل، ولا شك أن المؤمن، خاصةً في هذا الزمان الذي عظمت محنه، وكثرت فتنه، مبتلىً في نفسه وأهله وماله وولده، وذكر العلماء -رحمهم الله- أن العبد إذا أصاب الذنوب خارج بيته؛ ربما وجد شؤمها مع أهله وزوجه.

    فأوصي الزوج أن يتقي الله عز وجل، ومن أصلح ما بينه وبين الله؛ أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح ما بينه وبين والديه، أقر الله عينه في زوجه وولده.

    فعلى الزوج أولاً: أن يتقي الله عز وجل في نفسه، وأن يأخذ بالأسباب التي يصلح الله بها زوجه وأهله وذريته، وخاصة في هذا الزمان، فالصبر مطلوب من الزوج، ومطلوب من الزوجة، فعلى الأزواج أن يتحملوا، فما وجدوا من خير شكروه، وما وجدوا من شر ستروه أو صبروا عليه إن أمكن الصبر.

    وأما بالنسبة للزوجات: فأوصيهن بتقوى الله عز وجل، فإن الرجل ربما استفزته زوجته، ولربما آذته وأضرته، وكان سبباً في حصول المشاكل، فأوصي أختي السائلة وغيرها من معاشر المؤمنات أن يتقين الله في الأزواج، وأن تهيئ كل امرأة صالحة لزوجها في بيت الزوجية ما يكون سكناً له ومودة ورحمة، خاصة في هذا الزمان، فكما نقول للأزواج: إن الزمان زمان فتن ومحن، نقول للزوجات، فالزوجة إذا جاءها زوجها من عمله، أو جاء من عند أصحابه أو رفقته، ربما جاء مشتت الفكر، وبه هم وغم، محتاج إلى حنانها ورعايتها وإحسانها وكلمة ودٍّ ونحو ذلك، فعليها أن تبذل ذلك، ولتكن المرأة على بصيرة؛ لأنه ربما تغير زوجها عليها بسبب غفلتها عن تعاملها معه، فتكون في أول أيام الزوجية ودودة قريبة رحيمة بزوجها، ثم فجأة بسبب مشاغل البيت أو مشاكلها، يتغير أسلوبها أو طريقتها بدون قصد، فيفهم الزوج أنها لا تحبه، وأنها نافرة منه، فلتحرص الزوجة على تغيير أسلوبها وطريقتها، ولتعلم أن حسن التبعل للزوج سبيل إلى الجنة، فإن وجدت الزوج يشكرها ويذكرها ويحسن إليها، فلتحمد الله على نعمته، وتشكره على فضله، وإن وجدته يكفرها ويؤذيها ويضرها، فخير لها في العاجل والآجل، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

    على المؤمنة، بل على كل مسلم ألَّا ينتظر من أحد في هذه الدنيا أن يكافئه على معروف أو خير، وعود نفسك دائماً ألَّا تنتظر من أحد كلمة شكر، وألَّا تنتظر من أحد اعترافاً بالجميل، ووجه وجهك للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً موقناً، وإن الله عز وجل لن يخيبك، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.

    ووالله ما من امرأة تصبر وتصابر وتحتسب، إلا أقر الله عينها بصبرها واحتسابها عاجلاً أو آجلاً، وجمع الله لها بين خير الدين والدنيا والآخرة، وكذلك الزوج؛ فليضحِّ بما يستطيع، فإن وجد المرأة الصالحة المؤمنة التي تعترف بجميله؛ قال: الحمد لله، وهذا من عاجل ما يكون من البشرى له في الدنيا، وإن وجد كفران الجميل والتمرد والأذية، فلينصب وجهه لله، وليقل: اللهم صبرني، اللهم أجرني في مصيبتي، وليحتسب ثوابه؛ فإن الله عز وجل سيكتب له الأجر والمثوبة؛ لأنه بلاء، ولقد عجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر المؤمن؛ (كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له).

    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يلهمنا شكره على السراء، وأن يثبت قلوبنا في كل ضراء.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756167312