إسلام ويب

تفسير سورة الشورى (12)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • طبع الإنسان على الفرح بالنعمة، وجبل على اليأس والقنوط عند المحنة، والله عز وجل حين أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قومه بين له هذه الحقيقة، ليعلم أنه مكلف فقط بتبليغهم رسالة ربهم، وما عليه إن آمنوا أو كفروا، فإن أمر ذلك إلى الله ومرده إليه، ثم هو سبحانه يجازي أهل الإيمان بالجنة والإحسان، ويعاقب أهل الكفر بالخلود في النيران.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع هذه الآيات من سورة الشورى، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:47-50].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ [الشورى:47] يأمر الله تعالى عباده الذين ما استجابوا له، ما آمنوا به ولا برسوله، ما أقاموا الصلاة ولا آتوا الزكاة، ما تخلوا عن الشرك ولا الذنوب ولا المعاصي، يأمرهم بأن يستجيبوا له ويقبلوا دعوته، فيؤمنوا ويوحدوا ويعبدوا الله عز وجل.

    اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الشورى:47] وهو الموت، إذا دقت ساعة الموت فمن يردها؟ لو يجتمع أطباء العالم بأسره فوالله! ما ردوها، وإذا دقت الساعة الكبرى وقامت القيامة فمن يرد ذلك؟ من يدفعه؟ من يوقفه؟

    فاعجلوا، اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47] إذا قامت القيامة فهل هناك مهرب، هل هناك مكان نفزع إليه ونلجأ إليه؟ لا وجود له، هل هناك من ينكر على الله عذابنا ويقول: لا تعذبهم؟ والله! ما كان.

    فهيا نستعجل التوبة إلى الله والرجوع إليه، نعبده بما شرع ونحل ما أحل ونحرم ما حرم، قبل أن يأتي هذا اليوم، وهو آت سواء كان الموت أو كان القيامة والبعث والنشور.

    هكذا يقول تعالى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47] أبداً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ ...)

    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ أَعْرَضُوا [الشورى:48] وأبوا أن يستجيبوا، وأصروا على الشرك والكفر والتكذيب بالنبوة المحمدية والرسالة الإلهية؛ فإن رفضوا فلا تكرب ولا تحزن ولا تتألم فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [الشورى:48]، ما كلفناك بهدايتهم ولا بحفظهم من الجهل والشرك والكفر، فهذا نتكفل به نحن، أما أنت فعليك فقط التعليم والبيان، بين لهم فقط والهداية بيدنا، ما أنت بمسئول عنها، لا تخف فتقول: ما استجابوا لي، فالآن يحاسبني ربي على عدم إيمان قومي، فخفف عن نفسك يا رسولنا، ولا تحزن ولا تكرب.

    فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] فقط، ما عليك مما أنت مسئول عنه وتطالب به إلا أن تبلغ، فإن قصرت في البلاغ وخفت وتركت الدعوة أو هربت في غار وأبيت أن تدعوهم فستسأل عن هذا، فما دمت تدعوهم ليلاً ونهاراً، وترحل من مكان إلى مكان ومن قرية إلى أخرى؛ فحسبك ذلك آمنوا أو لم يؤمنوا.

    هكذا يخفف الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه أيضاً حال كل مؤمن في بيته، في سوقه، في قريته، مع جماعته، في مسجده يدعو إلى الله، فلا يكرب ولا يحزن إذا لم يستجيبوا له، ما هو بمسئول عن هدايتهم، ما يملك ذلك، يملك فقط أن يبين الطريق، فمن سلكه نجا ومن أعرض عنه هلك والعياذ بالله، هذه مهمة الرسل والدعاة إلى يوم القيامة.

    فَإِنْ أَعْرَضُوا [الشورى:48] وأبوا أن يستجيبوا، فما استجابوا لرسول الله ولا آمنوا بلا إله إلا الله، ولا بمحمد رسول الله، ولا بالقيامة والبعث والجزاء فضلاً عن الشرائع والأحكام؛ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] أي: ما عليك إلا البلاغ.

    معنى قوله تعالى: (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور)

    ثم قال تعالى: وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا [الشورى:48]، هذه طبيعة الإنسان الكافر الفاجر، الإنسان المريض الذي ما عالج قلبه ولا تداوى ولا شفي من مرضه، هذا الإنسان الجاهل الكافر.

    وهناك لطيفة قرآنية في آية من سورة المعارج، قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21]، ثم استثنى من عالجوا أنفسهم بثمانية أدوية: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:22-34].

    وصفة طبية ربانية، والله! لا يستخدمها أحد إلا هدي واستقام وكان من أولياء الله، ووالله! ما يفرط فيها أحد إلا ضل وهلك.

    فهنا يقول تعالى: وَإِنَّا [الشورى:48] أي: رب العزة والجلال والكمال، إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ [الشورى:48] الإنسان من بني آدم، أذقناه مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا [الشورى:48] الرحمة: المال، والولد، والدولة، والعز.. وما إلى ذلك.

    وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [الشورى:48] والعياذ بالله فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ [الشورى:48]، هذا وصف للإنسان قبل العلاج، وصف للإنسان قبل الدواء والشفاء، هذا طبعه وهذه حقيقته.

    واسمع ما يقول تعالى: وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ [الشورى:48] أي: الكافر، أذقناه مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا [الشورى:48] وبطر واستكبر وتعالى، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [الشورى:48] من موت وفقر وبلاء وعذاب ومرض؛ فإنهم لا يذكرون الله ولا يشكرونه، يكفرون نعم الله عليهم.

    أهمية التحلي بالصفات المذكورة في سورة المعارج

    فلهذا هيا بنا نستخدم تلك الوصفة الطبية الربانية فنسلم من هذه الأمراض والأوجاع وننجو منها بإذن الله، وكلكم -إن شاء الله- استعمل الوصفة الطبية، ونعيدها لكم فاسمعوها:

    قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19] ما معنى: (هلوعاً)؟ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21] والعياذ بالله، إن مسه الشر يصرخ ويكفر، وإن مسه الخير يمنعه ولا يعطيه، اللهم إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23] هذا رقم واحد، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:24-27] لماذا؟ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:28-35].

    هذه الوصفة الطبية الإلهية، فمن صاحب الدواء هذا؟ الله، أين توجد هذه الوصفة الدوائية؟ في سورة المعارج من كتاب الله عز وجل.

    وها أنتم تسمعون حقيقة الإنسان الكافر المعرض: وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ [الشورى:48] والعياذ بالله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ...)

    والآن يقول تعالى في خبر عظيم: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى:49]، لله ملك السماوات السبع والأرض، ولا يملك معه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح، فضلاً عن فاجر أو كافر، فإذا عرفتم أن الملك لله فمن أين تطلبون الغنى؟ هل بالسرقة والتلصص، أم بدعاء الله والضراعة إليه والطلب؟

    إذا عرفنا موقنين أن لله ملك السماوات والأرض؛ فوالله! ما نطلب إبرة ولا قلامة الظفر من مخلوق أبداً، ليس إلا الله؛ إذ هو الذي له ملك السماوات والأرض، فكيف ندعو: يا فلان! ويا فلان! ويا فلان! كيف نتنازل عن دين الله ونتواطأ على أن نغني لفلان أو نمدحه ونثني عليه من أجل أن يعطينا أو يمنعنا وننسى ملك الملوك عز وجل؟

    قال تعالى: لِلَّهِ [الشورى:49] لا لسواه، لا لغيره مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [الشورى:49] أن يخلق، فهذه المخلوقات كلها شاء الله خلقها فكانت، لو لم يشأ أن يخلقها فوالله! ما خلقت ولا كانت، لا السماوات وما فيها ولا الأرض وما فيها، هذا هو الرب تبارك وتعالى، هذا هو الله ذو الجلال والإكرام، هذا الذي أنكره المنكرون وكذب به المكذبون.‏

    معنى قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ...)

    لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49] أنتم موجودون منكم من ولد له ولد ولم تولد له بنت، ومنكم من ولد له بنت ولم يولد له ولد، أليس كذلك؟ ومنكم من جمع الله له بين البنت والابن، فمن الفاعل؟

    الله جل جلاله، إذاً: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا [الشورى:49-50] يعطيه بنتين وولدين، ثلاث بنات وأربعة أولاد، ولداً وخمس بنات، يجمع بينهم.

    وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:50] لا يلد، وكم من امرأة لا تلد، وكم من رجل لا يولد له! فمن جعله عقيماً؟ الله خالقه وربه ورب كل شيء.

    سبب ترك ذكر الخنثى المشكل في أنواع ما يهب الله تعالى من الولد

    ويبقى الخنثى المشكل، فما هو بمذكور، إذ الخنثى المشكل إذا غلبت أنوثته على ذكورته فهو أنثى، وإذا غلبت الذكورية على الأنوثة فهو خنثى ذكر، ما هو بمشكل، ولهذا ما ذكره.

    ولماذا قلت هذا؟ لأن بعض الغالين قالوا: ما يوجد خنثى في البشر، ما رأيناه، فنقول: وكونك ما رأيته أنت لا يلزم منه العدم، فقد رآه غيرك.

    فالخنثى بشر لا شعر في وجهه كالأنثى وله ثدي كبير، وله فرج ذكر، أو بشر له في الوجه شعر وفرجه فرج امرأة.

    فالله تعالى ما ذكر الخنثى هنا لأنه ذكر الأصل فقال: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:49-50] لا يلد أبداً.

    معنى قوله تعالى: (إنه عليم قدير)

    ثم قال تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50] عليم بكل ذرات الكون، والله! لعليم بكل شيء، قبل أن يوجده علمه، قدير على فعل ما يريده، لو أراد أن يغير السماوات فوالله! لغيرها، بكلمة (كوني) تكون، هذا هو الرب، هذا هو الله، خالقنا، رازقنا، موجد حياتنا، مميتنا، الذي رفع السماء فوقنا والأرض تحتنا.

    فنسأل الله خشيته وحبه، اللهم اجعلنا من أهل خشيتك وحبك يا رب العالمين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    والآن مع هداية الآيات.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: وجوب الاستجابة لله تعالى في كل ما دعا العبد إليه، وذلك قبل أن يطلب الاستجابة ولا يمكن منها ].

    من هداية هذه الآيات التي تدارسناها وتلوناها: وجوب الاستجابة، إذا دعاك الله فأجب، أو طلب منك فأعط، أو قال: خذ فخذ، لا بد من الاستجابة لله؛ لأنه سيدنا ومالك أمرنا وبيده حياتنا وموتنا، فكيف نعرض؟ كيف ينادينا ولا نجيب؟ فمن أعرض والعياذ بالله أهلكه الله وأخزاه، ولعنه وأرداه في العذاب.

    [ ثانياً: على الدعاة إلى الله تعالى إبلاغ مطلوب الله تعالى من عباده، ولا يضرهم بعد ذلك شيء ].

    من هداية الآيات كما بينا: أن الداعي إلى الله ما يضره إذا ما استجابوا له، هو في قريته، في بيته مع إخوانه يأمرهم بالمعروف، ينهاهم عن المنكر، يبين لهم الطريق، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإذا ما استجابوا فلا شيء عليه أبداً، لا يكرب ولا يحزن، أجره عظيم ولا شيء عليه أبداً، بدليل هذه الآية: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48].

    [ ثالثاً: بيان طبع الإنسان وحاله قبل أن يهذب بالإيمان واليقين والطاعات ].

    كما قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19] كيف خلق هلوعاً؟ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21]، والله! هذا هو الإنسان، إلا إذا عولج وشفي، والعلاج في أي مستشفى، وما هو هذا الدواء؟ بينه تعالى في آيات من سورة المعارج، فيعالج ويشفى، وإن ترك ذلك فهو والله كما أخبر تعالى: إن مسه الخير منعه وطغى وتكبر وتجبر، وإن مسه المرض والجوع والفقر صرخ وبكى في الأرض ولا يعرف الله.

    [ رابعاً: لله مطلق التصرف في الملكوت كله، فلا يصح الاعتراض عليه في شيء، فهو يهب ويمنع لحكم عالية لا تدركها عقول العباد ].

    من هداية الآيات: أن الملك لله، يحيي ويميت، يعز ويذل، يرفع ويضع، يعطي ويمنع.. لا اعتراض عليه؛ إذ الملك له وبيده، ويجب على البشرية والجن معهم أن يفزعوا إليه، فهو الذي بيده كل شيء، فلا يدعى إلا هو، لا يتضرع إلا إليه، لا يطرح بين يدي مخلوق إلا بين يدي الله، هو الله مالك كل شيء وبيده كل شيء، ومن أعرض عنه واستغنى عنه أعرض الله عنه واستغنى عنه وأهلكه.

    [ خامساً: وجود عقم في الرجال وعقم في النساء ].

    كم من رجل تزوج أربعين سنة وما ولد، وكم من امرأة كذلك ما ولدت! فالعقم موجود، فمن أوجده؟ الله، ما أراد أن يخلق ولداً من هذه، فهذا العقم.

    قال: [ ولا بأس بالعلاج الجائز المشروع عند الشعور بالعقم أو العقر ].

    لا بأس بالعلاج الجائز، إذا قالوا: المرأة العقيم أو العاقر تستعمل الحبوب الفلانية، أو الطعام أو الشراب، أو الإبر؛ فلا بأس، الرجل كذلك يستعمل ذلك، هذا جائز، إذا كان عرفه الناس أنه نفع الله به، فالعقم كالمرض يعالج.

    قال: [ أما ما ظهر الآن من بنوك المني ]؛ ظهر الآن بنوك تبيع المني، صيدلية تبيع المني! فهذا امرأته ما تلد وهو خاف على نفسه، فيشتري منياً من شخص آخر ويستعمله، هذا لا يحل ولا يجوز أبداً.

    قال: [ أما ما ظهر الآن من بنوك المني والإنجاب بطريق صب ماء فحل في فرج امرأة عاقر وما إلى ذلك؛ فهذه من أعمال الملاحدة الذين لا يدينون لله بالطاعة له والتسليم لقضائه، وإن صاموا وصلوا وادعوا أنهم مؤمنون؛ إذ لا حياء لهم، ولا إيمان لمن لا حياء له، وحسبهم قبحاً في سلوكهم هذا الكشف عن السوءات بدون إنقاذ حياة ولا طلب رضا الله رب الأرض والسموات ].

    هذه الحقيقة بلغوها: لا يحل لمؤمنة أن تكشف فرجها وأن يصب فيها مني غير مني زوجها، لا يجوز لرجل أن يستمني ويخرج منيه ويبيعه ويعطيه على أنه ينفع الله به، كل هذا ليس من الإسلام في شيء، وهو منكر وباطل والله! لا ينفع، ووالله! ما نفع أبداً ولا أجدى، وهذا من عمل الملاحدة والكافرين والمشركين والعياذ بالله، ونبرئ المؤمنين الصالحين من مثل هذا.

    فهل فهمتم معشر المستمعين كلام الله؟ هكذا يجب أن نجتمع عليه في بيوتنا وبيوت ربنا طول العمر، ما نقرؤه على الموتى ونترك الأحياء، أهل القرية لهم جامع يجمعهم، يجتمعون فيه كل ليلة نساء ورجالاً وأطفالاً، وأهل المدينة، فللمدينة أحياء، أهل كل حي يجتمعون في بيت ربهم، هذا هو سبيل النجاة، هذا طريق الخلاص، هذا هو طريق العودة إلى الله ليعزنا بعد هذا الذل ويرفعنا بعد هذا الانحطاط، ويكملنا بعد هذه الإهانة، ولا نسأل عن إهانة الآخرة وعذابها، فنحن في الدنيا مهانون ضعفاء بسبب إعراضنا عن كتاب الله والعياذ بالله.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756574597