إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن آيات الله عز وجل بينة واضحة، ليس فيها تلبيس ولا خفاء، وما من إنسان عاقل يمكن أن ينسب كلام الله المعجز إلى أحد من خلقه، ولو كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، وقد عاب الله عز وجل على أهل مكة نسبتهم القرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أهل الفصاحة والبلاغة الذين يعرفون أصول الكلام ويحيطون بفنونه، وينظمونه الليل والنهار شعراً ونثراً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7-9].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ [الأحقاف:7] من الذي يتلو هذه الآيات، وما هذه الآيات؟

    إن الآيات هي كتاب الله الذي نتدارسه، والتالي لها القارئ لها هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمخاطبون بهذا كفار قريش، مشركو مكة وما حولها ممن وقفوا في وجه هذه الدعوة يدفعونها بكل وسيلة والعياذ بالله تعالى.

    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا [الأحقاف:7] القرآنية بينة واضحة يفهمونها، ما فيها غموض ولا إلغاز ولا خفاء أبداً، فما من حقهم أن يكفروا بها، أو يكذبوا بها، فإما أن الله كتب مصيرهم في جهنم، وإما أنهم سيؤمنون بعد أجل محدود.

    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأحقاف:7] أي: بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، وبمحمد رسوله، وبكتابه القرآن العظيم، وبالبعث الآخر والحياة الثانية، هؤلاء الكفار الفجار ماذا يقولون؟

    قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7] هذا الذي يقوله محمد سحر واضح، كيف يتبعه فلان؟ كيف يخرج فلان من أهله وبيته ويؤمن به؟ هذا ساحر.

    والسحر -والعياذ بالله تعالى- إلى الآن يعاني منه الناس، سبحان الله! السحر هذا صنعته يد الشيطان، إبليس هو الذي صنع هذا السحر، وعلمه أولياءه، وبه ضرر خطير، إلى الآن يبكون من السحر، أصاب بناتهم وأولادهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ولم قالوا للقرآن: سحر مبين؟ قالوا: كيف يترك فلان أسرته وينتمي إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ كيف يترك دين آبائه وأجداده؟ هذا مسحور يسمع كلامه ويتأثر به فيدخل في قلبه ويؤمن به ويتبعه! هكذا يقول تعالى عنهم.

    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ [الأحقاف:7] الذي هو القرآن المنزل من عند الله لما جاءهم من الله بواسطة جبريل، أنزله على رسول الله رب العالمين، قالوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7]، واضح بيّن، فلا تتبعوه، لا تستجيبوا أبداً، اتركوه، فهذا ساحر؛ وذلك لتأثر المؤمنين به.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً ...)

    ثم قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8] أي: بل يقولون: افتراه، (أم) بمعنى (بل)، بل يقولون: افتراه.

    فقولهم: إنه سحر فقط وشعوذة يموهون به، لكن الواقع أنهم قالوا: شيء اختلقه من عنده ما أرسله الله ولا نبأه ولا هو رسول الله، هذه اختلاقات وتصنعات، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8]، بل افتراه، أي: افترى الرسول قرآناً، اختلقه من عنده وزوره.

    أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8] قال تعالى: قُلْ [الأحقاف:8] يا رسولنا، قل لهم: إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الأحقاف:8]، إذا كذبت أنا على ربي ونسبت إليه هذا القرآن وهذه الدعوى فمن يخلصني من عذاب الله؟ من ينجيني؟ من يسترني؟ من ينصرني؟ ماذا تقولون؟ لو كذبت على الله فأنا أستحق عذابه ونقمته وبلاءه، فمن ينقذني؟ فلهذا من المستحيل أن أكذب على ربي، أن أقول: قال الله والله ما قال، فأبطل هذه النظرية نهائياً.

    أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ [الأحقاف:8] أنا وكذبت على الله فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الأحقاف:8] هو يعذبني ويضرب على يدي وينتقم مني، فكيف أكذب عليه؟ ‏

    معنى قوله تعالى: (هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيداً بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم)

    ثم قال: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] من القول الباطل والأضاحيك والألاعيب والاندفاعات بالباطل، والإفاضة: الاندفاع، أي: الاندفاع للباطل يتفوهون ويقولون في مجالسهم بالكذب والباطل.

    هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] من هو أعلم بكذبهم؟ الله عز وجل.

    كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأحقاف:8] عليماً بحالي وحالكم، وسوف يجزيني ويجزيكم، يجزيني بالنصر والتأييد ويجزيكم بالخذلان والهزيمة والعياذ بالله تعالى.

    فقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] أي: قولهم في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، دجال، كلام يقولونه في مجالسهم ويتناقلونه بلا حساب، إفاضات عجيبة.

    فِيهِ كَفَى بِهِ [الأحقاف:8] أي: بالله، شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الأحقاف:8]، ما أجمل هذه الجملة هنا! وهو الغفور لمن تاب، فتوبوا يا معاشر المشركين؛ فإن الله الذي تؤمنون بوجوده رباً غفور لمن تاب فتوبوا، رحيم بأوليائه وصالح عباده فآمنوا وأسلموا لتصبحوا أولياء يرحمكم في الدنيا والآخرة.

    ما أجمل هذه الجملة في هذا السياق! وَهُوَ الْغَفُورُ [الأحقاف:8] لمن تاب من عباده من أبيض أو أصفر، الرَّحِيمُ [الأحقاف:8] بأوليائه، هذا الذي يجب أن نؤمن به وأن نعبده وحده، وأن نستجيب لدعوته وأن نطيعه في أمره ونهيه، هذا هو الله، هذا هو رب العالمين، هذا إله الأولين والآخرين، لا أصنامكم وأحجاركم وتماثيلكم التي تجتمعون عليها وتدافعون عنها بالباطل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ...)

    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9]، ما أنا أول رسول أبداً، قبلي ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، قبلي مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، ما أنا ببدعة جديدة ما عرفتموني، لو كنت أول رسول فستتعجبون وتقولون: كيف يكون هذا نبياً ورسولاً؟ لكن تعلمون أنه سبقتني رسل، وأنتم تعرفون ماذا عند اليهود والنصارى من الكتب، وتعرفون أن إبراهيم كان نبياً ورسولاً، وإسماعيل كذلك، ما أنا أول رسول حتى تتعجبوا مني، والبدع: هو الابتداع، فأنا تابع لرسل سبقتني بالمئات.

    قل لهم يا رسولنا، قُلْ [الأحقاف:9] لهؤلاء المشركين: مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] أولاً، وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:9].

    بعض المفسرين يقولون: هذه اللفظة منسوخة بقول الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2]، فكيف يقول: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم؟

    والصحيح والذي رجحه ابن جرير وهو الحق: أنه لا يدري ما يفعل الله به: هل ينصره عليهم ويؤيده أم يهاجر أم يطردونه أم يقتلونه، أم هم ينتصرون، أم ينهزمون، هذا الذي ما يدريه الرسول صلى الله عليه وسلم، ما أدري ما يفعل بي ولا بكم الآن، أنا ما أدري هل أبقى في مكة؟ هل أخرج منها؟ هل تقتلونني؟ هل تسجنونني؟ هذا لا يعلمه، أليس كذلك؟ ولا أدري ما يفعل بكم أتنزل بكم الصواعق والخسف، أم تؤمنون وتسلمون.

    معنى قوله تعالى: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين)

    وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأحقاف:9] ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ولكن أنا أتبع الذي يوحيه الله إلي، إن قال: صم صمت، إن قال: صل صليت، إن قال: قل: لا إله إلا الله قلت، إن قال: بلغ الناس واقرأ عليهم كتابنا وادعهم إلى الإسلام فعلت، هذا الذي أستطيع وهذا الذي في قدرتي، ما أنا إلا نذير مبين فقط، لا أملك شيئاً، لو كان يملك لهداهم في أربع وعشرين ساعة أو لأهلكهم.

    هكذا يقول تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأحقاف:9]، أي: ما أتبع إلا ما يوحى إلي، ما الذي يوحى إليه؟ الذي يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القرآن، وما هي الواسطة بين الله ورسوله؟ جبريل عليه السلام، والوحي: الإلقاء في الروع أو يتكلم معه جبريل ويقرأ عليه الآيات.

    إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] فقط، ما عندي صفة أخرى أبداً، لا قدرة لي على هدايتكم ولا على قتلكم، وإنما أنا نذير مبين، أنذركم عذاب الله وأخوفكم منه في الدنيا والآخرة، وإنذاري بين واضح، أقول: إنكم على باطل.. على شرك.. على كفر.. عبدة أصنام، تحاربون دعوة الله وتحاربون أولياءه، وسوف ينزل بكم العذاب وأنا ما أستطيع أن أدفعه عنكم ولا أنزله بكم، مهمتي النذارة الواضحة البينة فقط، فبذلك يسكتهم، فماذا يقولون بعد هذا؟

    وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] أي: بيِّن النذارة لا خفاء فيها ولا غموض، ينذرهم ماذا؟ من عذاب الدنيا والآخرة، فإذا كفروا بالله ورسوله وأعرضوا عن شرع الله وكتابه فوالله! ليصيبنهم الذل والخزي والعار والفقر والبلاء في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد وأبقى في جهنم.

    وهذه الكلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنية ما زالت كما هي، والله! ما الرسول صلى الله عليه وسلم إلا نذير مبين، فمن استجاب لدعوته ومشى وراءه وطبق شرعه سعد وتمت سعادته في الدنيا، أما في الآخرة فلا تسأل، فإن الجنة دار المتقين، دار الأبرار، ومن أعرض عنه ولم يستجب لنذارته ولا لتخويفه ولا لتوعده، وأعرض واستمر على الكفر والفسق والفجور فوالله! ليشقين في الدنيا والآخرة معاً والعياذ بالله تعالى.

    كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] هذه خلاصة القرآن والدعوة المحمدية: ما آتاكم خذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، ما أذن في فعله وقوله وأباح فافعلوا، وما نهى عنه وحرم فاتركوه.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد، فإذا قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن دعوة لهم إلى الإيمان والتوحيد قالوا رداً عليه ما أخبر به تعالى في قوله: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ [الأحقاف:7] أي: على كفار قريش آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ [الأحقاف:7] أي: ظاهرات الدلالة واضحات المعاني قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأحقاف:7] بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده، قالوا: لِلْحَقِّ [الأحقاف:7] وهو القرآن لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7]، بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر؛ إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8] أي: بل يقولون افتراه، أي: اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه.

    وقوله تعالى: قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الأحقاف:8] أي: على فرض أنني افتريته على الله وقلت: أوحي إلي ولم يوح إلي، وأراد الانتقام مني بتعذيبي؛ فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني، وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى؟ فهذا لن يكون مني أبداً.

    وقوله تعالى هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] أي: الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون فيَّ وفي القرآن، فتقولون فيَّ: ساحر، وفي القرآن: سحر مبين، وتقولون فيَّ: مفتر، وفي القرآن: افتراء.. إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص.

    كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأحقاف:8] أي: كفى بالله شهيداً علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون، وسيجزي كلا بما عمل، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الأحقاف:8] لمن تاب، فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم؛ فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيم بمن آمن وأناب.

    وقوله تعالى في الآية (9): قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] يأمر تعالى رسوله أن يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم: مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] أي: ما أنا بأول عبد نبئ وأرسل فأكون بدعاً في هذا الشأن فينكر علي أو يستغرب مني، بل سبقتني رسل كثيرة.

    وقوله: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:9] أي: وقل لهم أيضا: إني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلاً، فهل أخرج من هذه البلاد أو أقتل أو تقبل دعوتي وأُنصر، ولا ما يفعل بكم من تعذيبكم بخسف أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم.

    وقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] أي: ما أتبع إلا الذي أوحى إلي ربي باعتقاده أو قوله أو عمله، فلا أحدث ولا أبتدع شيئاً لم يوح الله به أبداً، وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] أي: ما أنا بالذي يملك شيئاً لنفسه أو لغيره من خير أو ضير، وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي، فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا، ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربي إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه ].

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755894908