إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد شرَّف الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بحمل الرسالة الخاتمة، وحمله وأتباعه المؤمنين أمانة تبليغها إلى الناس كافة، ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، ونهاه سبحانه وتعالى عن طاعة الكافرين والمنافقين، وأمره بالتوكل عليه وحده فهو نعم المولى ونعم النصير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:45-49].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:45]، هذا خطاب الله تعالى، وهذا نداء الرب تعالى لنبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، فبعد ما مضى من تلك الأحكام وما عانى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جاءت هذه البشريات؛ لتسلية الرسول والمؤمنين، وهذه هي إنعامات الله وإفضالاته على المؤمنين.

    وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ [الأحزاب:45]، أي: إلى هذه الأمة والبشرية. وأمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي البشر كلهم من يوم ما نبأه الله وأرسله، ومن ذلك اليوم أصبحت البشرية أمته، وانقسمت إلى قسمين: أمة دعوة وأمة استجابة. والذين دعوا فاستجابوا هم أمة الاستجابة، ونحن إن شاء الله منهم، والذي دعوا وأعرضوا وأبوا كالموجودين بالبلايين اليوم هم أمة الدعوة، إذ الرسول أرسل إليهم وأرسل إلى الناس كافة، أبيضهم وأسودهم.

    وقوله: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ [الأحزاب:45]، أي: برسالتنا لتبلغها عبادنا، وهي أن يعبدونا وحدنا، عبادة تزكي أنفسهم وتطهر أرواحهم، وتحببهم منا وتحببنا إليهم، وتجعلهم في جوارنا في الملكوت الأعلى في دارس السلام؛ ليسعدوا في الدنيا ويكملوا ويتخلصوا من الأوساخ والأدران، والظلم والشر، والخبث والفساد.

    وقوله: شَاهِدًا [الأحزاب:45]، أي: على أمته، وعلى أمة الدعوة أيضاً، فيشهدوا يوم القيامة لله بأنه بلغ رسالته وآمن من آمن بها وكفر من كفر بها، كما قال تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]. ومن يشهد عليه الرسول بالحق والخير مستحيل أن يخسر، ومن يشهد عليه بالكفر والشرك والباطل والله ما يفلح ولا يربح، ولكن يخسر الخسران الأبدي.

    وقوله: وَمُبَشِّرًا [الأحزاب:45]، أي: يبشر الذين استجابوا لدعوة الله، فآمنوا بالله ورسوله، وعبدوا الله بما شرع لهم، فأحلوا ما أحل، وحرموا ما حرم، فهؤلاء يبشرهم رسول الله بالجنة دار النعيم المقيم. والبشرى: الخبر السار المفرح الذي إذا سمعه العبد انطلق وجهه بالبشر والبياض، والسرور والفرح.

    وقوله: وَنَذِيرًا [الأحزاب:45]، أي: مبشراً للمؤمنين، ونذيراً للكافرين، ينذرهم مما يخوفهم من عذاب الله، ومن سخطه في الدنيا وفي الآخرة، والآخرة أعظم. فهو ينذر الفسقة والفجرة، والكافرين والمشركين، أو المنحرفين عن الطريق الموصل إلى الجنة، وينذرهم علهم يرجعون ويمشون في الطريق، وينجون ويكملون ويسعدون؛ إذ هذه رسالته، وهذه مهمته، فقد عانى وقاسى ما لا يطاق ولا يقدر عليه ثلاثٍ وعشرين سنة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً)

    قال تعالى: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ [الأحزاب:46]. فقد دعا عباد الله إلى الله بأمر الله له بذلك وإذنه له، فهو يدعو الأبيض والأسود، والعرب والعجم، كما قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]. وقال هنا: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ [الأحزاب:46]. فدعا عباد الله إلى الإيمان به وطاعته؛ ليكملوا ويسعدوا، فأجيبوا الدعاء، وآمنوا واستقيموا، وأسلموا وادخلوا في الإسلام.

    وقوله: وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46]، هاتان صفات جليلتان وصف الله بهما رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. والسراج: المصباح. والمنير: الذي فيه النور. فقد يكون السراج أو الفتيلة ضعيفة، وقد يكون الزيت قليلاً أو معدوماً، فلا يكون منيراً، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم هو السراج المنير، والله ما يمشي وراءه أحد إلا استقام ونزل دار السلام، ولا يضل ولا يهلك، ووالله ما يعرض عنه إنسان ويمشي إلى غيره ووراء غيره إلا ولن يعرف ولن يصل إلى دار السلام. وما دام نوراً فيجب أن نمشي وراءه، ولا نتقدمه، ولا نجعله وراءنا، ولا عن يميننا أو شمالنا، بل نجعله أمامنا، فهو نور الله، وفي يده كتاب الله.

    وللرسول صلى الله عليه وسلم صفات في القرآن قد تبلغ السبعين صفة، حتى قال بعض أهل العلم ومنهم ابن العربي : إن للرسول سبعة وستون اسماً، والصفة تطلق على الاسم، فالبشير اسم وصفة، والنذير صفة واسم، والرحمن كذلك، والرحيم كذلك، وهو نبي الرحمة ونبي التقوى، فله أكثر من سبعين اسم. وهذا يدل على شرفه وعلو مكانته، حيث سماه الله بهذه الأسماء. فهو نَذِيرًا [الأحزاب:45]، وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً)

    قال تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:47] يا رسولنا! والمؤمنون -وأنتم إن شاء الله منهم- هم الذين آمنوا بأن لا إله إلا الله وعبدوا الله وحده، وآمنوا برسول الله ومشوا وراءه، واستناروا بنوره، فاستقاموا في حياتهم حتى موتهم إلى دار السلام.

    وقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:47]، لم يبشرهم بالغنم ولا بالإبل ولا بالبقر، ولا بالمال ولا بالدولة، بالسلطان، وإنما بشرهم بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب:47]. فقد بشرهم نيابة عن الله بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب:47]. وهو يشمل سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وسعادة الآخرة هي الأصل، والفضل الكبير أي: رضاه عنهم، ومغفرة ذنوبهم، وإدخالهم الجنة، وسلامه عليهم، إظهار وجهه لهم، ويكفيهم هذا.

    وقوله: بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب:47] هؤلاء هم المؤمنون الأبرار الأتقياء، وليسوا الفجار الكفار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم ...)

    قال تعالى لرسوله أيضاً: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [الأحزاب:48]. وكان الكافرون يعرضون عروضاً ويبعثون وفوداً إلى المدينة يطالبون، فأمره أن يعرض عنهم، ولا يقبل كلامهم ولا يستجيب لهم، بل يدعهم، وكان المنافقون أيضاً يوجهون توجيهات، ويعرضون عروضاً للرسول والمؤمنين، والله يقول لرسوله: ولا تطعهم، ولا تستجب لهم، ولا تقبل اقتراحاتهم ولا توجيهاتهم؛ فإنها باطلة، تدعو إلى الشر والكفر والفساد، وهذا والله إلى اليوم إلى الآن، فالمنافقون لا ينبغي أن يستجاب لهم؛ لأنهم مرضى القلوب، لا يؤمنون بالله حق الإيمان، ولا يريدون الخير للمؤمنين، والكافرون كذلك، لا يقبل دعاءهم ولا دعوتهم، ولا عرضهم غير ذلك؛ لأنهم لا يوثق فيهم، فهم أموات غير أحياء.

    ثم قال له: وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب:48]. ولا تستجب لهم، ولا تقبل كلامهم أبداً، ولا تؤذهم، واتركهم، بل دعهم يقولون ما يقولون، ولا تسمع لهم ولا تستجب، ولا تتعرض لهم بالأذى، وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب:48]. وسيكفيك وينصرك عليهم ويحميك منهم.

    وقد قالوا: إن هذا منسوخ بآية الجهاد. ونقول: ما هو منسوخ، بل هذا الداعي قبل أن يعلن الحرب لابد وأن يعطف، وأن يرحم، وألا يؤذي من يدعوه ويعرض عنه، وها هو ذا صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث علياً ومعاذاً إلى اليمن قال لهما: ( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، قد أنزلت علي الليلة آية، وقرأ عليهما هذه الآية: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب:45]، إلى هذه الآية: وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:48] ). ويكفي الله وكيلاً على كل البشر، فأسند أمرك إليه وضعه بين يديه وأطعه فقط وأبشر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ...)

    النداء الثاني هنا للمؤمنين، ونحن إن شاء الله منهم، وافرحوا فلو لم تكونوا مؤمنين لما جلستم في هذه الحلقة، وإن كان هناك مريض وله نية فاسدة فنسأل الله أن يطهر قلبه.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:49]! أي: يا من آمنتم بالله رباً، لا رب غيره، ولا إله سواه، ويا من آمنتم بمحمد نبياً ورسولاً، ويا من آمنتم بالإسلام ديناً، ويا من آمنتم بلقاء الله في دار القيامة وساعتها! ويا أيها المؤمنون! ويا أيها الأحياء! إذ المؤمن حي، والكافر ميت. ولا ننسى هذه الحقيقة، فالمؤمن حي، والحي يسمع النداء ويجيب، ويعطي إذا طلب منه، ويأخذ إذا أعطي، والميت لا يسمع النداء. فإذا أذن ألف مرة لا يدخل المسجد، والكافر واليهودي والنصراني لا يسمع النداء. فلهذا ينبغي أن نعتز بالإيمان، وأنه روح، ولا حياة بدونه، وعلينا أن نقويه، ونزيد في طاقته بالذكر والشكر والدعاء، والبعد عن المفاسد والشرور.

    وقد قال تعالى هنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:49]! فلنقل: لبيك اللهم لبيك ألف مرة، مرنا نفعل، وانهنا نترك، وعلمنا نعلم، وخوفنا نخاف، وبشرنا نستبشر؛ لأننا عبيدك وأولياؤك، ونحن أحياء نسمع النداء.

    ونادى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:49]! هنا لأنه أراد أن يعلمكم، فقال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:49]، أي: إذا عقدتم على المؤمنة عقدة النكاح ولم تدخلوا عليها بعد، ولم تخلوا بها في فراشها ثم طلقتموها، وهذا يقع، فيتم العقد ويأكلون ويشربون، وقبل الدخول يرى أنه لا خير في هذا الزواج أو في نفسه أو فيها ويطلق، فهذا يقع، ولولا أنه يقع ما أخبر به تعالى.

    حكم العدة على من طلقت قبل الدخول بها

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:49]. وليس الكافرات. والمؤمنات هن اللائي آمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ودخلن في الإسلام، فأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وعبدن الله. وقطعاً هن الحرائر لا الإماء.

    وقوله: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]. آداب القرآن عظيمة، فهي آداب القرآن العظيم، فهو يطلق لفظ النكاح ويريد به العقد، وليس الجماع أبداً، فهو لا يعبر عن الجماع.

    وقوله: قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، معنى المس: يعني: قبل أن تطئوهن، يعبر بالمس عن المباشرة؛ ليكون أهل الإيمان أخلاقهم رفيعة، ولا يتكلمون بالبذاءة والوسخ. فهذا تعليم الله لنا، فقد قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، أي: بالجماع. فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]. فإذا عقدت عليها ثم طلقتها فلها أن تتزوج من الغد إذا جاء من يخطبها، ولا عدة عليها أبداً لا بالأقراء ولا بالأشهر؛ لأنها بريئة من الحمل، والعدة سببها هو معرفة هل البطن فيه جنين أو لا. فالعدة من أجل أن نعرف أن البطن خالٍ من الولد؛ حتى ما ينسب إلى إنسان آخر. ولما أنه ما قاربها ولا باشرها ولا خلا بها وطلقها فلا حمل، إذاً: لا عدة. هذا سر العدة.

    وهي إما ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، فالتي تحيض ثلاث حياض، والتي لا تحيض ثلاثة أشهر؛ حتى يعرف أن بطنها خالٍ من الولد، وأن رحمها ما فيه ولد. وهذا لما طلقها ولم يسمها فبطنها خالٍ، ورحمها ليس فيه شيء؛ لأنه ما جامعها. إذاً: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ [الأحزاب:49]. سواء عدة الأيام أو الأشهر.

    وعدة الميت زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام.

    وأما هذه فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49].

    حكم المتعة لمن طلقت قبل الدخول بها

    قال تعالى: لكن عليكم فَمَتِّعُوهُنَّ [الأحزاب:49]. فأعطها بغلة أو بغلاً إذا عندك بغال، أو أعطها فرساً، أو أعطها حديقة، أو أعطها سواراً، أو أعطها ألف ريال، بحسب طاقتك وقدرتك، ومتعها بشيء يسرها ويفرحها، ويذهب عنها غم الطلاق وحزنه عنها، فمتعها بشيء تأخذه في يدها أو في جيبها أو في كذا؛ لقوله تعالى: فَمَتِّعُوهُنَّ [الأحزاب:49]. وهذه المتعة واجبة.

    معنى قوله تعالى: (وسرحوهن سراحاً جميلاً)

    قال تعالى: وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]. بلا سب ولا شتم، ولا بغض ولا اعتداء، ولا تعيير ولا تقبيح، وقل لها: أمة الله! رزقك الله خيراً مني، ووفقك الله لما يحب ويرضى، تفضلي. ونحن لا نعرف هذا إلا قليلاً. والذين ما درسوا كتاب الله ولا عرفوا دين الله والله ما يوجد عندهم هذا، ولا يعرفونه.

    وقوله: وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، ليس بالسب والشتم، واللعن والطرد والنظر الأعوج. وهذا واجب، والمسلمون ما يفعلونه؛ لأنهم ما عرفوا والله، وما تربوا عليه، وما لازموا حلق العلم، ولا جالسوا العلماء، ولا تعلموا كتاب الله، ولن يأتيهم العلم كالسحر، بل ( إنما العلم بالتعلم ). هكذا يقول الرسول الكريم، فهو يأتي بالتعلم. و( ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ). ومن لم يفقه دين الله لا خير معه، ولا خير عنده.

    الطريق إلى العلم

    يجب أن يكون في كل قرية مسجد جامع، يجتمع فيه النساء والرجال والأطفال كل ليلة وطول العام من المغرب إلى الغشاء، وتغلق الدكاكين في هذا الوقت، وتغلق المصانع، وترفع الدنيا عنهم وتبعد، ويأتون إلى بيت ربهم بنسائهم وأطفالهم ورجالهم، ويتعلمون ليلة آية، وليلة حديثاً طول العام، فلا يبقى جاهل بينهم أو جاهلة والله، وإذا انتفى الجهل لا يبقى الزنا ولا الخمر، ولا الربا ولا التلصص، ولا الخيانة ولا الكبر، ولا الحسد ولا الغش ولا الخداع والله.

    وقد عرف هذا الثالوث الأسود، العدو المكون من اليهود والنصارى والمجوس، فصرفوا أمة الإسلام عن طلب الهدى. وهذا هو الواقع. فالمسلمون اليوم في قراهم في العالم ومدنهم لا يجتمعون هذه الساعة بين المغرب والعشاء بالنساء والرجال، وهذا والله ما كان، ولا واحد في الألف، ولذلك لن يتعلموا. وقد فتحت المدارس، فتعلمنا فيها للوظيفة والمادة فقط، وما أردنا وجه الله إلا من شاء الله، فلم تنفع ولم تجد، أما المجالس كهذه التي هي لله فقط، ولنعرف الله ونحبه ونخافه ونرهبه؛ لنعبده فنكمل ونسعد فلم نحضرها. وهذه هي الحقيقة. ولم تكن للرسول ولا مدرسة واحدة في المدينة، ولم يكن لهم ولا مدرسة، بل كانوا يجتمعون في بيت الله يتعلمون الكتاب والحكمة، ويزكون أنفسهم.

    حكم من طلق امرأته قبل الدخول وقد سمى لها مهراً

    قال تعالى: وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]. وجاء في سورة البقرة أن من طلق امرأة قبل الدخول عليها كما هنا وسمى لها مهراً فلها نصف المهر. فإذا سمى لها مهراً ألفاً أو عشرة وطلقها قبل الدخول بها فلها نصف المهر، والمتعة مستحبة، فإن شاء متع.

    وأما هنا فالمتعة واجبة؛ لأنه ما سمى لها مهراً، ولا كم يعطيها، وقد تطلقت، فهذه فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]. هذه التي طلقها قبل البناء وما سمى لها مهراً، والتي سمى لها مهراً ألفين .. ثلاثة في العقد فحينئذٍ لها نصف المهر، إلا أن تعفو وتتنازل، أو يعفو هو ويتنازل، فالكل خير. وبعض الكرام لا يقبلون أخذه، ويقولون: دعه لها، وهي كذلك تقول: لا نأخذه. وهذا جائز؛ لقوله تعالى في آية البقرة: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]. ولا إله إلا الله! فتنازل أيها الزوج! عن هذا النصف، وتنازلي أيتها الزوجة! عن هذا النصف؛ ليسعد زوجك ويحبك وتحبينه. ولا إله إلا الله! فالمؤمنون يقرءون القرآن على الموتى أربع ليالٍ أو سبع ليالٍ في دار الميت فقط، ولا يجتمعون عليه هكذا ولا يدرسونه منذ أكثر من ألف سنة، والعياذ بالله.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات ] المباركة:

    [ أولاً: بيان الكمال المحمدي الذي وهبه إياه ربه تبارك وتعالى ] والله أكبر! فلا أحد أكمل من محمد صلى الله عليه وسلم، والله مكمله ورافعه.

    [ ثانياً: مشروعية الدعوة إلى الله إذا كان الداعي متأهلا بالعلم والحلم ] من أهل العلم والحلم والمعرفة والبصيرة [ وهما الإذن ] فالدعوة مشروعة ومفتوحة الأبواب إلى يوم القيامة، والذي يقوم بها العالم العارف الراباني، الذي كما علمتم ييسر ولا يعسر، ويبشر ولا ينفر، كما أوصى رسول الله صاحبيه.

    [ ثالثاً: حرمة طاعة الكافرين والمنافقين، والفجرة والظالمين فيما يتنافى مع مرضاة الله تعالى ] وإجابتهم لما يقولون ويدعون أبداً؛ لأنهم لا خير فيهم، ولنتوكل على الله، ولا نبالي بهم.

    [ رابعاً: جواز ] ومشروعية [ الطلاق قبل البناء ] فهو يجوز بنص هذه الآية الكريمة. فإذا عقدت عليها وقبل العرس وقبل الوليمة والدخول بيومٍ أو يومين ما أردت بقاءها عندك، أو ما أرادت هي وطلقتها فلا حرج، فإن سميت لها مهراً فأعطها النصف وخذ النصف، إلا إذا عفت هي أو عفيت أنت. وإن كنتم ما سميتم شيئاً فمتعها، وأعطها شيئاً تتمتع به.

    [ خامساً: ] من الأحكام: أنه [ ليس على المطلقة قبل الدخول ] والبناء [ بها عدة ] لا يوم ولا ثلاثة ولا شهر، ولا حيضة ولا ثلاث حيض [ بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق ] أو في اليوم الثاني. فاعرفوا هذا الحكم.

    [ سادساً: المطلقة قبل البناء إن سمى لها صداق فلها نصفه، وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة واجبة، يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه ] والمطلقة بعد البناء لها المهر كاملاً، والمطلقة قبل البناء لها نصف المهر إن سمي لها، وإن كان ما سمي لها فلها المتعة، والمتعة القاضي هو الذي يقدرها، فيعرف وظيفة الشخص، ويعرف ماله ودخله ويقدرها عليه، ويعطيه كذلك. هذه المتعة.

    [ سابعاً: حرمة أذية المطلقة بأي أذى ] يا أبناء الإسلام! [ ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت ] وهم اليوم يسبون ويشتمون، ويعيرون ويقبحون. وهذا ما يجوز. بل حتى المرأة اليوم تفعل هذا. وقد جاءني مؤمن وقال: لعنتني ولعنت والدي. فقد وصلنا إلى هذا الهبوط. وقد قال تعالى: وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]. فقل لها: مع السلامة يا أمة الله! سامحيني إذا قلت شيئاً، وسامحيني إذا فعلت شيئاً، وأنا أستغفر الله، وتقول هي: يا أخي! سامحني، ومعذرة إذا لقيت مني كذا وكذا، وأستودعك الله، وإلى اللقاء في الجنة إن شاء الله.

    ولن نصل إلى هذا المستوى إلا إذا قرأنا كتاب الله كما قرأناه الآن نساءً ورجالاً وأطفالاً.

    [ ثامناً ] وأخيراً: [ مشروعية المتعة لكل مطلقة ] فالمتعة مشروعة لكل مطلقة، ولكنها واجبة للتي لم يسم لها مهر، ومستحبة لمن لها مهر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755814212