إسلام ويب

هنيئاً لهمللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى حين أنزل هذا الدين على نبيه صلى الله عليه وسلم، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، جعل الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أوامر ونواهي اختباراً وابتلاءً للناس، ليعلم من يطيعه ومن يعصيه، ولذلك فاز المؤمنون بطاعة ربهم ورضوانه سبحانه وتعالى وتلهفوا بالشوق إلى ما وعدهم ربهم سبحانه.

    ولذلك بين الشيخ في هذا الدرس ما وعد الله به المؤمنين، ومن هم المؤمنون، وما هي صفاتهم، وذكر حال الفريق الآخر المقابل لهم، وما وعدوا به من الوعيد في الدنيا والآخرة، ثم ختم الدرس بتذكر الآخرة واليوم الآخر.

    1.   

    ما وعد الله به المؤمنين

    الحمد لله، الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا أمة الإسلام! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ.

    عباد الله، كم تمر على أسماعنا، وكم نقرأ في آيات الكتاب المبين من قول المولى جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الحج:14].

    وأيضاً نقرأ ونسمع: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج:23-24].

    عباد الله: اسمعوا إلى هذه الوعود الطيبة من الكريم المنان؛ ولكن لمن هي يا عباد الله؟ هي لمن آمن بالله وعمل الصالحات، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وقام بفروض الدين كاملة بإخلاص لله رب العالمين، ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اسمعوا إلى ما وعدهم الله به:

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْـدَ رَبِّهِمْ وأيضاً: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277].

    1.   

    صفات المؤمنين المستحقين للوعد

    وأيضاً اسمعوا إلى صفاتهم أيها الإخوة في الله:

    قال الله جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

    أيضاً لهم صفات يا عباد الله، اسمعوا هذه الصفات، أسأل الله أن يجعلنا ممن يتصف بها إنه على كل شيء قدير:

    قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67].

    واسمعوا إلى صفاتهم:

    وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68].

    ولهم صفات أخرى:

    قال الله عنها: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72].

    ولهم صفات أخرى:

    قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11].

    ولهم صفات أخرى:

    قال الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان:7-8].

    إنها صفات طيبة؛ لذلك جزاهم علام الغيوب بما يستحقون من الدرجات العُلا في جنات النعيم.

    هنيئاً لمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، واستقام على طاعة الله.

    هنيئاً له يوم أن يُبعث من قبره، وقد أُعدت له النجائب، واستقبل بالتحف والإكرام.

    هنيئاً لهم عندما يُعطَون كتبهم بأيمانهم.

    هنيئاً لهم يوم أن تُثََقل موازينهم يوم الحساب.

    هنيئاً لهم يوم أن يتجاوزوا الصراط.

    هنيئاً لهم يوم أن يردوا على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فيشربون شربة هنيئة مريئة لا يظمئون بعدها أبداً.

    هنيئاً لمن أدخله الله الجنة، ونعمه بما فيها من النعيم المقيم، فهو آمن فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:10-16].

    هنيئاً لهم عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس:56].

    هنيئاً لهم، يفجرون الأنهار، ويَجنون الثمار، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [محمد:15].

    هنيئاً لهم فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:22-23] قد أمنوا من المخاوف، وسلموا من الأحزان والهموم والغموم والأنكاد، لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ [الحجر:48].

    هنيئاً لهم في الجنة، أمنوا من الموت، وكُتب لهم الخلود في دار سليمة أبد الآباد، عندهم الحور في دار الحبور، ويتمتعون بالنظر إلى وجه الله الكريم؛ لأنهم قاموا بخدمة المولى، فرضي عنهم وأرضاهم يوم لقائه.

    فيا من يحب أن يُتبع بهم، يا من يحب أن يصحبهم، عليك بطاعة الله، استقم على طاعة الله.

    1.   

    حال من أعرض عن الله وجزاؤه

    يا من أعرض عن طاعة الله، وابتعد عما يقربه من الله، كيف حالك إذا قدمت على الله يوم القيامة؟!

    كيف حال الذين أعرضوا عن ذكر الله يوم الوعيد، الذين قال الله فيهم: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]؟!

    كيف حال الذين يتركون الصلاة، ويضيعونها، كيف حالهم يوم القيامة إذا أدخلوا سقر؟! وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [المدثر:27]! إنها نار جهنم!!

    كيف حال الذين يأكلون الربا، ويتعاملون بالربا، ويحتالون على الناس؟! كيف حالهم عندما يقومون من القبور كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم يُسحبون إلى نار جهنم؟!

    كيف حال الذين يرتكبون جريمة الزنا يوم القيامة؟! كيف حالهم يوم الحسرة والندامة؟!

    كيف حال الذين يرتكبون جريمة اللواط؟! كيف حالهم وهم في القبور قد مُسخوا خنازير، ثم يوم القيامة تشتعل بهم النار؟!

    كيف حال الذين انهمكوا في المسكرات والمخدرات؟! كيف حالهم يوم القيامة، يوم يُسقون من طينة الخبال؟! وما أدراك ما طينة الخبال! إنها عصارة أهل النار!!

    كيف حال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً؟! كيف حالهم يوم يقوم الناس لرب العالمين، وقد تـحقق فيهم: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10]؟!

    كيف حال الذين يمشون بالنميمة، ويغتابون الناس، يوم يُؤخذ من حسناتهم لمن اغتابوا؟!

    كيف حال الذين يأكلون الحرام، ويشربون الحرام، ويلبسون الحرام، ويتعاملون بالغش والخداع والمكر والخيانة والكذب؟! كيف حالهم يوم العرض الأكبر على الله؟!

    1.   

    دعوة إلى التوبة إلى الله

    فيا عبد الله: يا من يريد النجاة يوم الوعيد! بادر بالتوبة إلى الله، بادر بالتوبة إلى الله، قبل أن يتحقق فيك قول الله جل وعلا: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58]! ففي ذلك اليوم لا يُجاب لهم مطلب، ولا يُسمع لهم كلام، كما أخبر الله في محكم البيان: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:27-28] قال الله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28].

    عباد الله! في يوم القيامة تظهر السرائر وتنكشف أمام العالمين، قال الله تعالى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:2-4]. إن يوم القيامة أمره عظيم، وخطره جسيم، في ذلك اليوم العظيم يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟! أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟! وينادي رب العزة والجلال: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] ففي ذلك اليوم لا تسأل عما يحدث من الدمار الكوني، فالأرض تُزَلزل وتُبَدل، والسماء تُشَقق بالغمام وتمور موراً، والشمس تُكَور، والقمر يُخْسَف به، والنجوم تَنْكَدر، وينقطع عِقْدُها، ويذهب ضوءُها، والبحار تُفَجر وتُسَجر، والوحوش تُحْشَر، والنفوس تُزَوج، والجحيم تُسَعر، والجنة تُزْلَف، والخلائق قد جُمِعوا في صعيد واحد، ينفذُهم البصر، ويُسْمعهم الداعي، اجتمعوا ليوم الفصل.

    يومٌ تشققت السماء لهوله     وتشيب منه مفارق الوِلْدان

    عباد الله: علينا أن نستعد لذلك اليوم، علينا أن نبادر بطاعة الله، ونستقيم على ما يحبه الله ويرضاه.

    اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم إنا نسألك حسن الختام، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واجعلنا من هؤلاء الصنف.

    يوم يجيء المتقون لربهم     وفداً على نُجُبٍ من العِقْيانِ

    ولا تجعلنا من المجرمين.

    ويجيء فيه المجرمون إلى لظى     يتلمظون تلمظ العطشانِ

    اللهم صل وسلم على نبينا محمد.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم

    1.   

    يوم القيامة وما فيه من أهوال

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ حق تقاته.

    عباد الله! تذكروا دائماً يوم القيامة لعل القلوب أن تلين وتَرْعَوِي، وترجع وتنيب إلى الله عزَّ وجلَّ.

    عباد الله! تذكروا يوم يأتي كل واحد منا منفرداً بأحزانه وهمومه وغمومه، فالقلب خائف، والبصر خاشع.

    ثم تذكروا عندما تقبل الوحوش منكسة رءوسها.

    ثم تذكروا هذه الشمس التي تشرق وتضيء العالم عندما تكور، والقمر عندما يخسف به، والنجوم عندما تتناثر وتنكدر، والسماء عندما تتشقق بالغمام، وعندما تتفتح مثل الأبواب، لينـزل من كل سماء ملائكتها؛ ليحيطوا بأهل الموقف.

    ثم نتذكر يا عباد الله عندما تدنى الشمس على رءوس العباد، وانضاف إلى حرها كثرة الأنفاس، وازدحام الأجسام، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم، فمنهم من يبلغ منه العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى أنصاف ساقيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وانضاف إلى ذلك العطش وطول القيام، فلا نوم ولا راحة.

    عباد الله! تذكروا عندما يتبرأ منكم الصاحب والقريب، والولد والوالد والأخ، وتقطعت الصلات والأنساب؛ لما في ذلك من المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والرعب والذعر.

    يُروى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فنعس فتذكرت الآخرة، فبكت فسال دمعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ بدموعها، فرفع رأسه فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرتُ الآخرة، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن، فإن أحداً لا يذكر إلا نفسه: إذا وُضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله، وعند الصراط).

    عباد الله! تذكروا تلك المواقف العظيمة وأنتم وقوف في ذلك العالم، وقد تغير عليكم سماؤه وأرضه، واجتمعتم بالأولين والآخرين على صعيد واحد، الله أكبر يا عباد الله! إنه يوم عظيم، قال فيه بعض العلماء:

    مَثِّل لنفسك أيها المغرورُ     يوم القيامة والسماء تمورُ

    قد كورت شمس النهار وأضعفت     حراً على رأس العباد تفورُ

    وإذا الجبال تقلعت بأصولها     ورأيتها مثل السحاب تسيرُ

    وإذا العشار تعطلت عن أهلها     خلت الديار فما لها مغرورُ

    وإذا النجوم تساقطت وتناثرت     وتبدلت بعد الضياء كدورُ

    وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت     وتقول للأملاك أين نسيرُ

    فيقال سيروا تشهدون فضائحاً     وعجائباً قد أحضرت وأمورُ

    وإذا الجنين بأمه متعلق     خوف الحساب وقلبه مذعورُ

    هذا بلا ذنب يخاف لهوله     كيف المقيم على الذنوب دهورُ

    اللهم ارحمنا بواسع رحمتك، اللهم ارحم وقوفنا يوم العرض الأكبر يا حي يا قيوم، اللهم ارحم عرضنا عليك يوم العرض الأكبر يا رب العالمين.

    اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين، اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين، اللهم آمن خوفنا يوم الفزع يوم الدين يا رب العالمين.

    عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، صلوا عليه وسلموا تسليماً، امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً).

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين، وكثر الأنين.

    اللهم ارحمنا إذا حُملنا إلى القبور، ووضعنا في تلك اللحود، وصُفَّت علينا اللبنات، وحُثي علينا التراب، وتخلينا بها وحدنا، اللهم آنس وحشتنا في القبور، اللهم آنس وحشتنا في القبور، وارحم غربتنا فيها، وآمن فزعنا يوم الحشر والنشور.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض ولا يُصلحون.

    اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هُداة مهتدين.

    اللهم واجمعنا ووالدِينا ووالدِي والدِينا وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، في جنات الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين، ويا أرحم الراحمين.

    اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة، يا رب العالمين.

    عباد الله! استيقظوا من رقدتكم، أفيقوا من غفلتكم، أكثروا من ذكر الله، أقبلوا على الله؛ فإن أمامكم القيامة تحتاج إلى زاد واحد، وهو التقوى يا عباد الله، اتقوا الله يا عباد الله، ارجعوا إلى الله، والله ثم والله إنها أمور يؤسف لها عندما نرى المساجد بعد رمضان! كيف انهزمت تلك الصفوف؟! أين ذهبت تلك الصفوف يا عباد الله؟! ألا يراقبون الله؟! ألا يخافون الله الذي أمدهم بالنعم، الذي أمدهم بالصحة والعافية، ورزقهم وأوجدهم؟! ألا يتقون الله؟! ذكروهم يا عباد الله، ذكروهم وقولوا لهم: إن أمامكم هادم اللذات، سوف يهجم عليكم على غرة، ثم تُنقلون إلى القبور، وفي يوم من الأيام تُعرضون على جبار الأرض والسماوات، فكيف حالكم وقد أضعتم فرائض الله؟! فاستعدوا لذلك اليوم يا عباد الله، إنه يوم يشيب منه الوليد، وتضع الحوامل حملها، ويفر الولد من والده, والوالد من ولده، والزوجة من زوجها، والزوج من زوجته، والابن من أمه، والأم من ابنها، إنه يوم عظيم.

    اللهم وفقنا للاستعداد لذلك اليوم، اللهم وفقنا للاستعداد لذلك اليوم.

    اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756252409