إسلام ويب

شهادة الزورللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شهادة الزور فساد للدين والدنيا والآخرة، فهي ضياع للحقوق، وإسقاط للعدالة، وزعزعة للثقة، وخيانة للأمانة، وإرباك للأحكام، وتشويش على المسئولين والحكام. ولعظمها ذكرها الله تعالى مقرونة بعبادة الأصنام وشدد صلى الله عليه وسلم في التحذير منها بلسانه تكراراً وبفعله حيث جلس بعد أن كان متكئاً.

    1.   

    مسائل تتعلق بشهادة الزور

    حكم كتمان الشهادة

    الحمد لله الملك العظيم العزيز الحكيم, له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة, وله الحكم وإليه ترجعون, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما تخفون وما تعلنون, أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي بين لأمته ما فيه الخير والسعادة, وحذرها من سوء العاقبة والمصير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

    أما بـعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وأقيموا الشهادة لله وحده, ولا تقيموها لقريب من أجل قرابته, ولا لصديق من أجل صداقته, ولا لغني من أجل غناه, ولا لفقير من أجل فقره, ولا لأمير من أجل إمارته, ولا لقاضٍ من أجل قضائه, ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده, ولا عدو من أجل عداوته, أقيموا الشهادة لله الواحد القهار, أقيموا الشهادة كما أمركم بذلك ربكم وخالقكم، ومدبر أموركم، والحاكم بينكم، والعالم بسركم وعلانيتكم, أقيموها امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:135].

    أيها المسلمون: إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها, فلا يحل كتمان الشهادة، ومصداق ذلك قول الحق سبحانه وبحمده: وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283] ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالماً بما يشهد به علماً يقيناً، وأنه مطابق للواقع تماماً، فلا يحل أن يشهد بما لم يعلم, ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه، بل لا يحل أن يشهد بما يغلب على ظنه حتى يعلمه علماً يقيناً كما يعلم الشمس في رابعة النهار, إذا اتضح له الأمر مثل الشمس فليشهد أو فليترك.

    شهادة الزور بحسن النية

    أيها المسلمون: إن من الناس من يتهاون بالشهادة، لمجرد وعد عند المحكمة أو عند الإمارة أو عند المركز يقول: ائتني بحفيظة النفوس أو ائتني بالهوية، فيجيب: على العين والرأس يا أبا فلان، هل هذا مطابق للشرع أم محاباة أم شهادة الزور؟! فيشهد بمجرد الظن أو بما لا يعلم أو بما يعلم أن الواقع بخلافه, ويتجرأ على هذا الأمر المنكر العظيم؛ مراعاة لقريب أو تودداً لصديق أو محاباة لغني أو عطفاً على فقير، يقول: إنه يريد الإصلاح بذلك، وقد زين له سوء عمله ورآه حسناً -والعياذ بالله- كما زين لغيره من أهل الشر والفساد سوء أعمالهم فرأوه حسناً, فالمنافقون زين في قلوبهم النفاق وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] فقال الله فيهم: أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:12].

    وعباد الأصنام زين في قلوبهم عبادة الأصنام، وقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] وهي في الواقع أي الأصنام والأوثان لا تزيدهم من الله إلا بعداً.

    أيها المسلمون: احذروا من كل مفسد يدعي أنه مصلح, أو ربما يظن أنه مصلح بسبب شبهة عرضت له فالتبس عليه الإفساد بالإصلاح, أو بسبب إرادة سيئة زينت له فاتبع هواه, ولكن الصلاح كل الصلاح باتباع شريعة الله وتنفيذ أحكام الله، والعمل بما يرضي الله.

    أيها المسلمون: إن من الناس من يشهد لشخص بما لا يعلم أنه يستحقه، بل بما يعلم أنه لا يستحقه, يدعي بذلك أنه عاطف عليه وراحم له، والحق أن هذا الشاهد لم يرحم المشهود له, ولم يرحم نفسه، بل أكسبها إثماً بما شهد به، وأكسب المشهود له إثماً فأدخل عليه ما لا يستحقه, وظلم المشهود عليه فاستخرج منه ما لا يجب عليه.

    ومن الناس من يشهد لبعض الموظفين المهملين بمبررات لا حقيقة لها, فيشهد مثلاً أن هذا الموظف مريض أو مشغول شغلاً قاهراً وهو ليس بمريض ولا بمشغول, أو يشهد له أنه استأجر سيارة تتبع عمله، ويزيد في الأجرة حتى يأخذ هذه الزيادة, أو يشتري قطع الغيار ويقول لصاحب المحل: زد في الثمن قليلاً ولا يأخذ هو الزيادة, كل هذه الحيل من الشهادة في الباطل، ومن الناس من يشهد لشخص أنه قام بالوظيفة منذ وقت كذا وهو لم يقم بها, ولم يباشرها, ويزعم الشاهد له بذلك أنه يريد الإصلاح للمشهود له, ولم يدرِ أنه بهذه الشهادة أضر بنفسه وأضر بالمشهود له, وأفسد على نفسه وعلى المشهود له ما أفسد من دينه، وكل ذلك يعد من الشهادة بالزور.

    كل ما سمعتم من هذه الحيل تعد من الشهادة بالزور التي حذر منها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وجعلها من أكبر الكبائر، فقال صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قالوا: ليته سكت}.

    وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: {ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال: الشرك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال: شهادة الزور}.

    أيها المسلمون: إن هذين الحديثين الصحيحين الثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناصح الأمين بيـّن بهما صلى الله عليه وسلم عظيم شهادة الزور، وحذر منها صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وقد عظمه بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئاً, فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها, وبين عظمها بقوله وذلك حين جعل يكرر القول بها حتى تمنى الصحابة أن يسكت.

    أمة الإسلام: أيها المؤمنون بالله ورسوله! أيها الراجون لرحمة الله! أيها الخائفون من عذابه! أيها المؤمنون بيوم الحساب، يوم تقفون بين يدي الله عز وجل لا مال ولا بنون, ولا واسطة, ولا رشوة تؤخذ في ذلك اليوم، تنظرون أيمن منكم فلا ترون إلا ما قدمتم, وتنظرون أشأم منكم فلا ترون إلا ما قدمتم، وتنظرون أمامكم فلا ترون إلا النار تلقاء وجوهكم, إنكم في ذلك اليوم -يوم القيامة- ستسألون عما شهدتم به, وعن من شهدتم عليه أو شهدتم له, فاتقوا الله واحذروا مغبة ذلك اليوم.

    أيها المؤمنون: تصوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله عز وجل، القائم بأمر الله تعالى، الناصح لأمته وهو يعرض على أمته بنفسه أن ينبئهم بأكبر الكبائر, ليحذّر الأمة ليبتعدوا عنها.

    أمة الإسلام! تصوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه أمامكم وكان متكئاً ثم جلس عند ذكر شهادة الزور, تصوروه وهو يكرر ويؤكد أن شهادة الزور من أكبر الكبائر, لو تصورتم ذلك لعرفتم حقيقة شهادة الزور.

    فالحذر الحذر من شهادة الزور, والحذر الحذر من أن يزينها الشيطان في قلوبكم, ولا تأخذكم في الله لومة لائم, ولا تصدنكم عن الحق ظنون كاذبة, أو إيرادات آثمة؛ فتشاقَّوا الله ورسوله وتتبعوا غير سبيل المؤمنين.

    اللهم وفقنا لإقامة الحق والعدل والبيان, وجنبنا الباطل والجور والبهتان, واحمنا عما يضرنا في ديننا ودنيانا إنك جواد كريم.

    وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    شهادة الزور وعظم إثمها

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته.

    عباد الله: لقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وعقوق الوالدين وهو متكئ ولم يجلس؛ لأن الداعي إلى الشرك والعقوق ضعيف في النفوس, ومخالف للفطرة، لكنه صلى الله عليه وسلم جلس حينما تحدث عن شهادة الزور؛ لأن الداعي إليها قوي وكبير، فالقرابة والصداقة والغنى والفقر كلها قد تحمل ضعيف العقل والدين على أن يشهد بالزور, لكن المؤمن العاقل الذي يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من شهادة الزور هذا التحذير البليغ لا يمكنه أن يقدم على شهادة الزور مهما كانت الأسباب والدواعي.

    أيها المسلمون: إن شهادة الزور مشكلة في الدين والدنيا، وللفرد والمجتمع، إنها معصية لله ولرسوله، إنها كذب وبهتان, وأكل للمال بالباطل, فالمشهود له يأكل ما لا يستحق, والشاهد يقدم له ما لا حق له فيه, إن شهادة الزور سبب لانتهاك الأعراض، وإزهاق النفوس، فإن الشاهد بالزور إذا شهد مرة هانت عليه الشهادة ثانية, وإذا شهد بالصغير هانت عليه الشهادة بالكبير, لأن النفوس بمقتضى الفطرة تنفر عن المعصية وتهابها, فإذا وقعت فيها هانت عليها وتدرجت من الأصغر إلى ما فوقه.

    أيها المسلمون: إن شهادة الزور ضياع للحقوق, وإسقاط للعدالة, وزعزعة للثقة والأمانة, وإرباك للأحكام، وتشويش على المسئولين والحكام, فهي فساد للدين والدنيا والآخرة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه زاجر عن ذلك أنه قال: (لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار) اللهم إنا نعوذ بك من النار.

    عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة.

    وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله امتثالاً للمولى جل وعلا حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً) اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الناصح الأمين, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين عزاً عاجلاً غير آجل، اللهم يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض, يا ذا الجلال والإكرام, أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر صرح الشرك والمشركين ,اللهم دمّر الشرك والمشركين عن بلاد المسلمين أجمعين يا رب العالمين.

    اللهم ودمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمّر من به عداوة للإسلام والمسلمين، وانصر من به نصر للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا أكرم الأكرمين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والشر والفساد والعناد، يا رب العالمين.

    اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب، اللهم إنا نستغيثك لا إله إلا أنت مفرج الكربات ومحيل الشدائد والبليات, لا إله إلا أنت يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! يا حي يا قيوم! يا من بيده مقاليد السماوات والأرض! يا من إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون! اللهم أغثنا, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.

    اللهم إنّا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون, وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755992300