إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (119)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كفارة من جامع امرأته في نهار رمضان عتق رقبة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، حتى لا يتلاعب المرء بأحكام الله وشرائعه ودينه، ويستحب في رمضان أداء العمرة، وهي سنة مؤكدة، وفائدتها تطهير النفس من آثار الذنوب والمعاصي لتصبح أهلاً لكرامة الله تعالى في الدار الآخرة، كما أن الحج والعمرة يشترط لهما شروط منها: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والاستطاعة.

    1.   

    كفارة الصيام وبيان الحكمة منها

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها: آداباً وأخلاقاً وعقيدة وعبادة وأحكاماً، وها نحن مع [ المادة العاشرة: في بيان الكفارة] أي: كفارة الصيام [والحكمة منها].

    معنى الكفارة

    [ أولاً: الكفارة:

    الكفارة ما يكفر به الذنب ] الكفارة معناها الذي يكفر به الذنب ويغطى ويستر ولا يطالب به صاحبه [ المترتب على المخالفة للشارع ] فالذي خالف الشرع آثم ويحتاج إلى كفارة تمحو ذنبه وتستره [ فمن خالف الشارع فجامع في نهار رمضان ] وطئ امرأته في نهار رمضان يكون بذلك خالف الشارع [ أو أكل أو شرب عامداً ] غير ناسي [ وجب عليه أن يكفر عن هذه المخالفة بفعل واحد من ثلاث ] جامع أو أكل أو شرب يجب أن يكفر عن هذه المخالفة بواحدة من ثلاث [ عتق رقبة مؤمنة ] إذا وجد العبيد الأرقاء فيشتري رقبة ويعتقها لله، وإن كان يملك رقيقاً وعبيداً فيعتق مما عنده؛ ليكفر به ذنبه، حيث خالف الشرع فأكل أو شرب أو وطئ [ أو صيام شهرين متتابعين ] إن كان جامع في نهار رمضان فيكفر هذا الذنب أولاً بعتق رقبة، فإن لم يجدها فليصم شهرين متتابعين من الهلال إلى الهلال [ أو إطعام ستين مسكيناً ] إن لم يستطع أن يصوم فيطعم ستين مسكيناً [ لكل مسكين مداً من بر أو شعير أو تمر بحسب الاستطاعة ] والمد ملء اليدين.. نسميها حفنة [ لما مر في حديث الرجل الذي وقع على امرأته ] في الدرس السابق [ فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] أي: طلب منه الفتيا [ وتعدد الكفارة بتعدد المخالفة، فمن جامع في يوم وأكل وشرب في يوم آخر فإن عليه كفارتين ] كفارة واحدة إن أكل في يوم واحد خمس مرات، جامع خمس مرات فعليه كفارة واحدة، لكن إن أكل في يوم وجامع في يوم وشرب في يوم فكل يوم له كفارته، إن اقترف ذنباً عظيماً لابد وأن يمحوه ويغطيه، وذلك بواحدة من ثلاث: إما عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكيناً، أو صيام شهرين متتابعين.

    الحكمة من مشروعية الكفارة

    [ ثانياً: الحكمة في الكفارة ] ما معنى أن نكفر؟ أي: نغطي ونستر، والكافر هو الجاحد لله تعالى ودينه، جحده أي ستره وغطاه، فتغطى هذه الذنوب وتمحى بواحدة من ثلاث: العتق أو الصيام أو الإطعام، فما الحكمة وما السر في ذلك؟

    قال: [ والحكمة في الكفارة هي: صون الشريعة من التلاعب بها وانتهاك حرمتها ] فلولا أن الله شرع هذه الكفارات لكان الناس يأكلون ويشربون ويعبثون في رمضان [ كما أنها تطهر نفس المسلم من آثار ذنب المخالفة التي ارتكبها بلا عذر ] النفس تتلطخ كالثوب يتلطخ بالقذر فيمحى بالكفارة [ ومن هنا كان ينبغي أن تؤدى الكفارة على النحو الذي شرعت عليه كمية وكيفية ] حتى تنفع في تطهير النفس وتزكيتها [ حتى تنجح في أداء مهمتها بإزالة الذنب ومحو آثاره من على النفس ] تؤدى كما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان حتى تنفع [ والأصل في الكفارة قول الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] ] الحسنة إذا وضعتها فوق سيئة محتها، قارفت سيئة وفعلت حسنة محتها هذه الحسنة وغطتها [ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ] يقول لـعبد الله بن عباس [ ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) ] اتق الله يا عبد الله حيث ما كنت سواء في بلاد العرب أو العجم، في الأرض أو في السماء، حيثما كنت فاتق الله، خفه ولا تخرج عن طاعته، (وأتبع السيئة بالحسنة) إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة على الفور تمحها وتزيل أثرها من على نفسك (وخالق الناس بخلق حسن) تعامل مع الناس أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومؤمنهم بالخلق الحسن، هذه وصية رسول الله لأصحابه.

    إذاً: الكفارة: من جامع في نهار رمضان أو أكل أو شرب متعمداً وجبت عليه كفارة تمحو ذلك الذنب من نفسه، وهي إما عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكيناً، أو صيام شهرين متتابعين، والحكمة منها: إزالة هذا الوسخ الذي على النفس ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

    1.   

    حكم الحج والعمرة

    قال: [ الفصل الثاني عشر: في الحج والعمرة: وفيه عشر مواد: ]

    حكم الحج

    [ المادة الأولى: في حكم الحج والعمرة والحكمة فيهما ] أي: بيان السر في مشروعية الحج والعمرة [ أولاً: حكمهما: الحج فريضة الله على كل مسلم ومسلمة استطاع إليه سبيلاً ] بل لابد من هذا القيد: إن استطاع أن يؤدي الحج وقدر عليه، فإن عجز فهو معفو عنه، إن عجز عن الوصول إلى مكة فلا شيء عليه [ لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] ] هذا الخبر واضح أن لله حقاً على الناس جميعاً أن يحجوا بيته، فمن عجز فلا إثم عليه، ومن قدر فيجب أن يحج [ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ] دليل الكتاب ودليل السنة [ ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ) ] هذه القاعدة الأولى، خمس قواعد، خمسة أعمدة، القاعدة الأولى: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، تنطق بها وتعترف بها وتقررها بلسانك [ ( وإقام الصلاة ) ] الصلوات الخمس تقام كما نزل جبريل وبينها [ ( وإيتاء الزكاة ) ] إخراجها من مال المالك له [ ( وحج البيت وصوم رمضان ) ] وقدم الحج على رمضان في هذا الحديث، والكل واحد، هذا دليل وجوب الحج، فقواعد الإسلام خمس، إذا سقطت منها قاعدة بطلت، أولها: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثانيها: إقام الصلاة. ثالثها: إيتاء الزكاة. رابعها: حج البيت. خامسها: صوم رمضان.

    [ وهو] أي: الحج [ فرض مرة في العمر ] الحج فرض مرة واحدة في العمر، فلو عشت تسعين سنة وحججت مرة واحدة أجزأتك ولا تطالب بالحج مرة أخرى [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع ) ] ليس بواجب، ومن زاد فهو متطوع محسن [ غير أنه يستحب تكراره كل خمسة أعوم ] عرفنا أن حكم الحج فريضة، ومن أراد أن يحج أكثر من مرة وتطوع له ذلك، واستحب لنا الرسول الكريم أن نحج كل خمس سنوات مرة على وجه الاستحباب لا الوجوب ولا السنية، بل مستحب فيه فضل وفيه أجر [ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: ( إن عبداً صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة ) ] يعني: في رزقه [ ( يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ) ] (إن عبداً صححت له جسمه) ليس مريضاً (ووسعت عليه في المعيشة) ليس فقيراً (يمضي عليه خمس أعوام لا يفد إلي لمحروم) فالحاج إذاً يفد على الله في بيته.

    حكم العمرة

    [ أما العمرة فهي سنة واجبة ] يعني: مؤكدة، ليست سنة مستحبة بل سنة واجبة [ وذلك لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ] لا لغيره، لا لدنيا ولا لشرف ولا لجاه ولا لشيء، بل لله فقط، إذ قد يحج الحاج ليري الناس أنه حاج، أو يعتمر ليباهي بالعمرة، فيجب أن تكون لله وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ذكر تعالى العمرة، إذاً: فزيارة البيت محمودة مأذون فيها ومشروعة، والعمرة هي زيارة البيت [ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( حج عن أبيك واعتمر ) ] رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله: ( حج عن أبيك واعتمر ) فلولا أن العمرة سنة مؤكدة ما قال له: واعتمر [ ( لمن سأله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الضعن ] أي: الركوب على المواشي. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر )، ما دام عاجزاً لا يقدر على الركوب ولا على المشي فحج عنه واعتمر عنه، فدل هذا على أن العمرة ذات شأن وأنها قريبة من الحج إذ تذكر معه في كتاب الله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

    الحكمة من الحج والعمرة

    [ ثانياً: حكمتهما: من الحكمة في الحج والعمرة: تطهير النفس من آثار الذنوب لتصبح أهلاً لكرامة الله تعالى في الدار الآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ] العلة والسبب والغرض والحكمة من مشروعية الحج والعمرة هو: تطهير النفس البشرية من آثار الذنوب، إذ ما منا من أحد إلا ويذنب؛ وذلك حتى تصبح متأهلة لكرامة الله في الدار الآخرة، تذكرون أن النفوس الخبيثة ما يعرج بها إلى السماء ولا تقبل أبداً، والله العظيم عندما يأتي ملك الموت ومن معه إذا كانت النفس طيبة طاهرة مزكاة بالعبادات والصالحات يعرجون بها إلى السماء فيستأذنون فيؤذن لهم في السماء الأولى، ثم يعرجون إلى السماء الثانية وما بين السماء والسماء مسيرة خمسمائة عام، سبع سماوات وهو يؤذن لها وتفتح حتى تأتي تحت العرش، ثم يأمرهم تعالى بعدما يسجل اسمها في عليين يعودون بها إلى القبر؛ لتمتحن هناك، فإن كانت الروح خبيثة أول سماء لا يفتح لها أبداً، وتعود إلى العذاب ثم إلى أسفل سافلين في الدركات السفلى في النار إلى يوم القيامة، واقرءوا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] هل يستطيع البعير أن يدخل في عين الإبرة؟! مستحيل، فدخول الجنة مستحيل على صاحب النفس الخبيثة وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40].

    إذاً: الحكمة من الحج والعمرة: تزكية النفس وتطهيرها لتصبح كأرواح الملائكة، هذه الروح يقبلها الله عز وجل في الجنة في دار السلام مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فإن كانت خبيثة ومنتنة وعفنة بالشرك والكفر والذنوب والآثام، فلن يعرج بها إلى السماء ولن تفتح لها أبواب السماء، بل تعود.

    1.   

    شروط وجوب الحج والعمرة

    [ المادة الثانية: في شروط وجوبهما:] وقولنا (المادة الثانية)؛ لأن هذا الكتاب وضعناه كالدستور، المادة الأولى والثانية والثالثة كالدستور، الدساتير التي تطبق في بلاد العرب والعجم، هذا هو الدستور [يشترط لوجوب الحج والعمرة ] فلا يجب الحج والعمرة إلا بشروط لا بد وأن تتوفر [على المسلم ] أما الكافر فلا يحج ولا يعتمر ولا شرط عليه [الشروط الآتية] فالمسلم إذا أرد أن يحج أو يعتمر فلابد من توافر الشروط الآتية فيه.

    أولاً: الإسلام

    [ أولاً: الإسلام، فلا يطالب غير المسلم بحج ولا بعمرة، ولا بغيرهما من أنواع العبادات ] الإسلام أول شرط، فإن كان ليس بمسلم فلا حج ولا عمرة ولا يطالب بهما ولا يقبلان منه، أولاً يسلم قلبه ووجهه لله عز وجل، هذا الشرط [ إذ الإيمان شرط في صحة الأعمال وقبولها ] والمسلم مؤمن والكافر كافر، فالشرط الأول: الإيمان والإسلام، فإن كان غير مسلم فلا يطالب بحج ولا بعمرة.

    ثانياً: العقل

    [ ثانياً: العقل ] إذا كان مجنوناً ليس له عقل ولا يفرق بين الحق والباطل ولا بين الصحيح والفاسد فلا يجب عليه الحج [ إذ لا تكليف على المجانين ] لا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج، لا تكليف عليهم؛ لفقدانهم العقل، والعقل هو أساس القدرة على العمل.

    ثالثاً: البلوغ

    [ ثالثاً: البلوغ ] بلوغ سن الرشد الخامس عشر أو السادس عشر أو الثامن عشر [ إذ لا تكليف على الصبي حتى يبلغ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم ) ] ومعنى الاحتلام: ينام فيخرج منه المني لرؤيا يراها، فلهذا علامات البلوغ عند أهل العلم:

    أولها: وجود الشعر حول فرجه، إذا نبت شعر الفرج بلغ سن الرشد.

    ثانيها: الاحتلام، إذا نام ورأى نفسه يخالط فتاة أو كذا وتدفق المني منه، فهذا علامة على أنه بلغ.

    ثالثها: أن يتجاوز الخامسة عشرة، بعضهم يبلغ في الخامسة عشرة، وبعضهم يتأخر إلى الثامنة عشرة، فلهذا الحد الأدنى الثامنة عشرة، هذا هو البلوغ.

    إذاً: شروط الحج والعمرة هي: أولاً: الإسلام، ثانياً: العقل، ثالثاً: البلوغ، والبلوغ هو أن يبلغ الصبي سن التكليف، أصبح كالرجل يكلف بالحج والعمرة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة ) أي: الملائكة الذين يكتبون السيئات والحسنات لا يكتبون على هؤلاء الثلاثة شيئاً لا حسنة ولا سيئة، وهم:

    أولاً: المجنون، فلا يكتب له حسنة ولا سيئة حتى يفيق ويذهب عنه الجنون ويعود إليه عقله.

    ثانياً: النائم، لو رأى نفسه يذبح يقتل يفجر يسب وغيره فلا يسأل ولا يحاسب عن نومه، لو يرى نفسه يفعل ما يفعل فلا يكتب له لا حسنة ولا سيئة، القلم مرفوع عنه.

    ثالثاً: الصبي، والصبي هو من الرضاع إلى البلوغ، هذا الصبي لا يجب عليه حج ولا عمرة، لكن لو حج أو اعتمر يقبل منه ويثاب عليه والده وأمه.

    رابعاً: الاستطاعة

    [ رابعاً: الاستطاعة ] أي: القدرة [ وهي الزاد والراحلة ] الزاد هو الفلوس التي يشتري بها الخبز والتمر في طريقه وفي مكة وفي المدينة، والراحلة هي السيارة والطيارة، إذا كان في أمريكا وليس عنده زاد ولا عنده سيارة ولا طيارة فكيف يحج؟ لابد يكون حتى في نجد أو في المدينة، إذا ما عنده راحلة يركبها كيف يحج، لا يستطيع يحج على رجليه، أيام زمان كانت الراحلة الإبل والحمير والبغال والخيل، الآن الطائرات والبواخر [ لقوله: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] ] ولله على الناس فريضة حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، فإن لم يستطع فليس عليه سبيل ولا إثم عليه أبداً [ فالفقير الذي لا مال لديه ينفقه على نفسه أثناء حجه ] لا يأتي الإنسان كما كان أهل اليمن يفعلون، يقولون: نحن نمشي نحج ويرزقنا الله في الحرمين ويعولون على الصدقات، فأنزل هذه الآية وأبطل تلك النظرية، لابد أن يحمل معه ما يعيش به ويقتاته [ وعلى عياله إن كان له عيال ] هو عنده نفقة ينفقها، وعياله يجب أن يترك لهم نفقة، فإن لم يترك لهم شيئاً فلا يحج أبداً ويبقى في بيته، هو عنده قدر ما يحج ويترك زوجته وأولاده بلا طعام ولا شراب لا يجوز هذا، هذا عاجز [ حين يتركهم وراءه لا يجب عليه حج ولا عمرة ] فإن لم يترك نفقة لأهله فلا حج عليه ولا عمرة [ وكذا من وجد مالاً لنفقته ونفقة عياله، ولكن لم يجد ما يركبه ] لم يقبلوه في الطائرة أو في الباخرة وهو في بلاد بعيدة، لم يجد بعيراً ولا فرساً ولا حماراً ماذا يصنع؟ لا يجب عليه الحج [ وهو لا يقوى على المشي ] فإن كان يقدر على المشي مشى [ أو وجد ولكن الطريق غير مأمون ] وجد المركب وجد المال ولكن الطريق ليس مأموناً، فيه اللصوص والمجرمون والظلمة يسلبون ماله ويقتلونه [ بحيث يخاف فيه على نفسه أو ماله، فإنه لا يجب عليه الحج ولا العمرة؛ لعدم استطاعته ] لعدم قدرته.

    هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونتعلم.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية زيارة المسجد النبوي وذكر الأماكن المشروع زيارتها في المدينة

    السؤال: يقول السائل: فضيلة الشيخ! نحن مجموعة من الزائرين جئنا لزيارة المدينة النبوية، ونريد أن نعرف الأماكن المشروع زيارتها في المدينة؟

    الجواب: أولاً: يجب أن تصححوا نيتكم، لما عزمتم على الخروج للمدينة لماذا؟ لزيارة المدينة كباريس ولندن تتفرجون فيها؟ لابد من نية تملأ قلبك بأنك ذاهب لتصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا ) لا تشد الرحال، لا تركب الطائرة ولا السيارة ولا الفرس ولا البعير من أجل أن تزور بلداً أو مسجداً قط إلا هذه المساجد الثلاثة، وكان إخواننا من المغرب يأتون لزيارة عبد القادر الجيلاني في بغداد، وهذا خطأ، لم يبلغهم هذا الخبر النبوي: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) وآخر يزور قبر زينب في مصر، كل هذا باطل باطل، زيارة القبور تكون في بلدك، لك أن تزور قبر أبيك أو أمك في مدينتك، تزور قبور المؤمنين لتسلم عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم، أما تركب سيارة أو طيارة أو حماراً لأجل أن تزوره فلا، واحفظ قول الرسول الكريم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) تقطع تذكرة طائرة ذاهباً لزيارة المسجد النبوي والصلاة فيه.

    فينبغي للزائر الكريم أن ينوي في بلده أنه ذاهب إلى المدينة ليصلي في المسجد النبوي الشريف، فإذا وصل توضأ ودخل المسجد وصلى ركعتين في المسجد النبوي، سواء في الروضة إن أمكن أو في غيرها، فلابد من صلاة ركعتين بهما تتم الزيارة، بعد ذلك ينوي السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقوف على قبره، فهو لم يأت من بلاده ليسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول نسلم عليه في كل مكان في العالم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فيبلغه، لما تصلي ركعتين ألست تقول: التحيات لله ثم تقول: السلام عليك أيها النبي؟!

    إذاً: لما تفرغ من الزيارة الشرعية تتشرف بالوقوف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وتقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك عمر الفاروق ورحمة الله وبركاته كأنهم بين يديك. افرض أن الرسول والصاحبين جالسين ماذا تفعل معهم لما تأتي؟ أليس هو هذا: السلام عليك يا رسول الله؟ بلى. لكن لا تقل: السلام عليك يا رسول الله أنا جئت بكذا وأعطني كذا وأرسلي كذا، فهذا كله لهو ولعب. افرض أن الرسول في حجرته أو في روضته وجئت أنت وهو جالس فماذا أنت فاعل، هل تركع، تأتي تزحف كما يفعل الجهال؟ لا ينبغي هذا، بل تقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم تنصرف أو تجلس وتسمع العلم والحكمة.

    ثم بعد ذلك الأماكن التي تزار هي:

    أولاً: مسجد قباء، يزار للصلاة فيه وليس لزيارته؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من تطهر في بيته وأتى مسجد قباء فصلى ركعتين كان له كأجر حج وعمرة ) أو كعمرة، أولاً: تتوضأ في البيت الذي أنت نازل فيه، وتمشي متوضئاً، وتصلي ركعتين، هذه زيارة قباء سنها الرسول صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن مسجد قباء كان قبل مسجد الرسول هذا، أول مسجد بني في الإسلام مسجد قباء.

    ثانياً: البقيع، مقبرة المؤمنين، فيها أصحاب رسول الله، أزواج الرسول، العلماء، الصالحون كلهم في هذه المقبرة، فتتشرف أنت وتقف عليهم وتسلم عليهم وتستغفر لهم وتدعو لهم، فنعم الزيارة هذه، هذا الذي ينبغي أن لا نتركه.

    بقيت زيارة حمزة والشهداء، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورهم، فتمشي إلى شهداء أحد حيث هناك حمزة وعبد الله بن عمرو مجموعة من الصحابة تسلم عليهم، تثاب على ذلك؛ لأنك سلمت على أصحاب رسول الله في قبورهم.

    وهنا تنتهي الزيارة، وأما مسجد القبلتين وغيرها من الأماكن فتزورها لتشاهدها كما تشاهد غيرها لكن لا أجر فيها، إذا تريد أن تتجول وتنظر كما يتجول الناس في المدن فلا بأس، أما الزيارة الشرعية فكما قلت لكم: المسجد النبوي وصلاة ركعتين فيه، تسلم على الحبيب وصاحبيه، تزور مسجد قباء وتصلي ركعتين، تسلم على أهل البقيع ما شاء الله، ثم تأتي شهداء أحد دون الجبل فتسلم عليهم وتدعو لهم، وتمت بذلك زيارتك.

    حكم استئناف الطواف لمن انتقض وضوءه حال الطواف

    السؤال: يقول السائل: فضيلة الشيخ! إذا كان الرجل يطوف بالبيت وانتقض وضوءه فتوضأ، فهل يبني على ما فات، أو يستأنف الطواف؟

    الجواب: إذا كان الماء قريباً منك كزمزم فتوضأ وائت وأتم طوافك، فإن كنت طفت شوطين أو ثلاثة ابن عليهما وكمل، أما إذا خرجت من المسجد وبعدت وتوضأت فلابد وأن تستأنف طوافك من أول شوط حتى تطوف سبعة أشواط.

    المهم: إذا كان يستطيع أن يسبغ الوضوء في زمزم في داخل المسجد فلا بأس أن يتوضأ ويأتي ويضيف إلى أشواطه الآخرة الباقية، أما إذا خرج من المسجد وطالت المدة وذهب إلى بيته أو كذا فلابد أن يعيد الطواف من أوله، وفيه أجر عظيم.

    حكم طلاق الحاج زوجته إن أراد الحج خشية الموت

    السؤال: يقول السائل: في بلادنا إذا أراد الشخص أن يحج يطلق زوجته طلاق رجعي خوف أن يموت أو يحصل له حادث، فيقول لها: أنت حرة، وإذا رجع سالماً يرجعها، فهل هذا الفعل جائزاً؟

    الجواب: هذه وسوسة شيطانية، وسوسة إبليسية، هو الذي زينها وحسنها للناس، كيف يريد الحج ويطلق خشية أن يموت وترثه هي، هذا لا يجوز ولا يقوله المؤمن، إذا أراد أن يحج يوصي على زوجته ويترك لها المال والنفقة ويوصي من يصونها ويحفظها ويحج ويعتمر، فإن مات إلى رحمة الله وزوجته ترثه، إن كان عنده أولاد لها الثمن، ما عنده أولاد لها الربع من ماله، لم يبخسها هذا البخس وينقص من درجتها ويطلقها حتى يرجع؟!

    قد يقول له الشيطان: طلقها، ممكن أنك تخرج للحج ويأتي يزني بها زاني وتصبح ديوثاً، هذا من وساوس الشيطان أيضاً، فقط أوص من يحفظها ويصونها من آبائك وإخوانك واترك النفقة لها واخرج حج واعتمر، فإن رجعت فبها ونعمت وإن توفيت فإلى رحمة الله.

    حكم شراء الأكفان من مكة والمدينة لاعتقاد البركة فيها

    السؤال: تقول السائلة: فضيلة الشيخ! نويت أن أشتري كفناً من هذه الديار المقدسة وأوصي أن أكفن به، فما حكم الشرع في ذلك؟

    الجواب: الذي يأخذ الكفن ويحطه عند رأسه في أي بلد معناه أنه يتذكر الدار الآخرة وأنه يتوقع الوفاة ولا يدري، ويكون هذا حسنة من حسناته، لكن كوني أنقله من بلد إلى بلد لأجل فضيلة في الأمر، لا فضيلة في هذا، لو صنع هذا الكفن في المدينة فليس له فضيلة ولو جاء من مكة أو جاء من غيرها.

    فلو أن مؤمناً ممن يخافون الله ولا يدرون متى يموتون، اشترى كفناً وخبأه حتى لا يعجز أولياؤه عن كفنه فلا بأس في ذلك، أما أن يأخذه من المدينة أو من مكة لبركة ذلك فلم يرد هذا، وما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا وصى به أصحابه ولا فعله العلماء من المسلمين، وهذه بدعة.

    حكم استلام الحجر الأسود

    السؤال: يقول السائل: هل تقبيل الحجر الأسود أثناء الطواف واجب أم تكفي الإشارة إليه؟

    الجواب: تقبيل الحجر سنة مستحبة في كل شوط إن استطعت، فإن لم تستطع يكفيك الإشارة إليه هكذا، فتقبيل الحجر الأسود من السنن.. من المستحبات إن لم يكن فيه زحام ولا اضطرار ولا إلجاء إلى الشدة، فإن كان فيه زحام أو كذا فيكفيك أن تشير إليه عندما تمر به وتقول: الله أكبر الله أكبر وتواصل طوافك.

    استحباب الستر على النفس والتوبة من الذنب

    السؤال: يقول السائل: فضيلة الشيخ! لقد وقعت في حد من حدود الله ولا يعلم به إلا الله، فهل التوبة والندم على هذا الذنب يجزئ عن إقامة الحد علي، أم أنه لابد من إقامة الحد، إنني في حيرة يا شيخي الكريم؟

    الجواب: إذا كنت في غير المملكة لا يوجد من يقيم الحدود هناك أبداً لا أبيض ولا أسود ما عليك إلا الندم والاستغفار والدعاء وعمل الصالحات، وإن كنت في المملكة إن شئت تتشجع وتأتي للمحكمة وتقول: فعلت أقيموا الحد علي هم ينظرون، يستنطقونك ثلاث مرات يستحلفونك فإذا علموا أنك صادق يقيمون عليك الحد، شكوا فيك وتركوك.

    ومن الخير أننا نقول: سترك الله فاستر على نفسك، ولا تخبر بهذا أحداً أبداً، وأكثر من الدعاء والاستغفار والنوافل والمستحبات.

    حكم مخالفة الولد لرغبة والده في الزواج

    السؤال: يقول السائل: فضيلة الشيخ! شاب أراد الزواج، وأراد أبوه أن يزوجه من فتاة معينة، والشاب يريد أن يتزوج بفتاة أخرى، فهل هذا يعتبر عقوقاً لوالدي؟

    الجواب: هذه لطيفة علمية خذوها: لما ترك إبراهيم هاجر وإسماعيل طفل في حجرها تركهما في مكة وعاد إلى بيت المقدس، ومضت الأيام وكبر إسماعيل وتزوج، وإبراهيم يزور مكة للحج كل عام -مثلاً- أو عام بعد عام، دخل يوماً على بيت امرأة ابنه إسماعيل فسألها: أين زوجك؟ قالت: ذهب يصيد لنا؛ لأنه لا يوجد عيش إلا على الصيد.. على الغزال والأرانب والحيوانات. فقال لها: كيف أنتم؟ قالت: إننا في بؤس وشقاء وجوع ولا خير في هذه الحياة -كما تفعل نساؤنا اليوم- فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل عليه السلام كلمته بذلك. فقال: لها إن أبي وإنه يأمرني بطلاقك فطلقها.

    وصلى الله على محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756011893