أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نشكر لله الذي جمعنا وإياكم في هذا المكان، ونسأله سبحانه وتعالى أن نكون وإياكم ممن يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر.
الحقيقة أن موضوع المرأة موضوع مهم، ويكفي أن نقول في خطورة هذا الموضوع: إن أعداء الإسلام يهتمون بالمرأة أكثر من دعاة الإسلام، وأظن هذه الجملة كافية في توضيح الحال التي وصلت إليها المرأة في هذا العصر.
إن المرأة المسلمة حتى تواجه هذه التحديات وحتى تحيا الحياة الكريمة الصحيحة على منهج كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى توعية وتذكير وتعليم وتفقيه ومتابعة وتربية إسلامية.
هم يقولون: المرأة نصف المجتمع، ومع قربنا من قيام الساعة فقد صرن أكثر من الرجال عدداً في المجتمع، والغريب أن يكون هناك قطاعٌ في المجتمع أكثر عدداً من الرجال ولا يهتم به مثل الاهتمام بالرجال، ولذلك لن نستغرب في ظل هذا الإهمال الحاصل لواقع المرأة أن تنشأ تيارات غريبة عن الدين.. غريبة عن المجتمع في واقعنا، وأن نجد أفكاراً منحرفة تتسرب إلى أذهان بعض النساء، وأن نجد بعض النساء بدأن المشاركة في أندية مشبوهة، أو تجمعات لأعداء الإسلام يراد من ورائها هدم الدين، وهدم الفضيلة والأخلاق، وهدم المجتمع المسلم، هناك أفكار بدأت تتسرب إلى عقول النساء، وبدأ التشكيك في أساسيات من الدين عند الكثيرات، وبدأت المناقشة فيها، يعني: التسليم لأوامر الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يجوز للمسلم مطلقاً أن يناقش في أشياء في الدين من المسلمات، ولكن عندما يصل الغزو إلى مرحلة معينة تبدأ الأمور تتغير، وتبدأ المناقشات في قضايا مسلمة لم يكن أحد يتجرأ أن يناقش فيها، فمثلاً: قضية الحجاب من الأشياء المسلمة في الدين ولا يمكن أن يتكلم فيها، لكن صرنا الآن نسمع كلاماً عجيباً، ونقاشات غريبة حتى عند بعض فتيات الأسر الطيبة المعروفة بالعراقة في المجتمع، وتجد للكلام اتجاهات بعيدة عن الدين، حتى عادت مسألة الحجاب قضية يمكن أن يؤخذ فيها ويرد، وأن تطرح للمناقشة، وتخضع لرأي فلان وفلانة، وتسأل عنها الندوة الفلانية وتطرح على الصحف والمجلات؛ مع أنها قضية لا مجال فيها للرأي مطلقاً، لأن المسلم لا يمكن أن يكون له رأي في أحكام الله عز وجل، فلا يمكن أن يقول: أنا أرى كذا، ولا أرى كذا، وأنا أؤيد ولا أؤيد، فالقضية ليس فيها مجال للتأييد وعدم التأييد، ولكن البعد عن الله عز وجل وعدم الفقه في الدين صار يفتح الباب لمثل هذه الأشياء، فالمرأة هي نصف المجتمع وتلد لنا النصف الآخر؛ فهي أمة بأسرها.
لابد للمرأة المسلمة أن تدرس الشخصيات النسائية المعروضة في القرآن والسنة، لابد أن تدرس مثلاً شخصية مريم، خديجة وآسية وفاطمة، وبنتا الرجل الصالح الذي زوج إحداهما لموسى، لا بد أن تدرس شخصية أم موسى، وبلقيس مع سليمان، وصحابيات مثل: أسماء أم أنس، خولة بنت ثعلبة ، أم عمارة لابد أن تدرس قصة الإفك، بل حتى الشخصيات الكافرة، مثل: شخصية امرأة نوح، وامرأة لوط، أو التي حصل منهن فسق كامرأة العزيز.
ولابد أن يركز على دور المرأة المسلمة في المجتمع، وأن يبرز لها أشياء: المرأة المعلمة.. المرأة كزوجة.. المرأة طبيبة.. المرأة أم.. المرأة خادمة.. لابد أن يبحث في هذه الأشياء.
المرأة المسلمة لها صفات ذاتية، ولها خصال شخصية يعبر لنا عن هذه الصفات وهذه الخصال كلام عائشة رضي الله عنها في الصحيح، قالت: [ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من
فهذه صفات عامة ذكرتها عائشة أم المؤمنين لنساء المسلمين، حتى يكون هناك وضوح، فهاهي عائشة رضي الله عنها تهدي لنا الخصال المهمة التي ينبغي أن تتوافر في المرأة المسلمة؛ لأن المرأة المسلمة إذا جهلت وظيفتها، وجهلت حدودها وما يجب عليها، وجهلت مكانتها في المجتمع حصل الخبط والخروج عن شرع الله عز وجل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ) حديث صحيح رواه ابن حبان عن أبي هريرة.
إذاً: فمجالات المرأة تختلف عن مجالات الرجل؛ الرجل قد لا يستطيع أن يدخل الجنة إلا بتحقيق صفات كثيرة، فإذا دعا داعي الجهاد فلابد أن يجاهد في سبيل الله، وعليه تحصيل النفقة لأسرته، وعليه أشياء كثيرة بل حتى في الدعوة إلى الله وإنكار المنكر يختلف مجال الرجل عن مجال المرأة؛ صحيح أن كليهما مخاطب بهذه الأمور، لكن طريقة الرجل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة تختلف عن النساء، فلو أن مجموعة من الرجال ذهبوا في رحلة أو في عمرة أو في أي مجال من المجالات، يستطيعون أن يمارسوا فيه حياة إسلامية قد لا تستطيع المرأة أن تعمل هذا العمل، الرجل يستطيع أن ينكر المنكر، ويذهب إلى الرجال في مكاتبهم، ويدخل عليهم، ويتكلم ويرفع السماعة ليخاطب فلاناً بالهاتف أياً كان من الناس؛ لكن المرأة لا تستطيع أن تذهب إلى الرجال في مكاتبهم لتنكر المنكر، أو أن ترفع الهاتف وتكلم من تشاء من المحررين مثلاً، أو أي شخصية تمارس سلوكاً منحرفاً وتنكر عليهم بهذا الانفتاح؛ فهناك إذاً حدود إذا جُهِلت حدثت تجاوزات غريبة وقد نسمع عنها في هذه الأيام..!!
قالت عائشة : (اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) إن حرص الرجل على إخراج المنكرات في البيت هذا الحرص مفتقد في كثير من البيوت اليوم؛ الرسول صلى الله عليه وسلم وقف على الباب، وما رضي أن يدخل حتى يزول المنكر من البيت، هذه المفاصلة المبنية على سلامة العقيدة وعمقها في النفس، ولما دخل بعض الرجال أول مرة، وقالوا: نزيله تدريجياً، ورفضوا المفاصلة من البداية؛ رضوا بالمنكر غصباً عنهم، قال: (أزيلي هذا) والمرأة المسلمة الطائعة التي تعرف حق الله تبادر إلى إزالة المنكر فوراً من البيت، والآن تجد منكرات كثيرة في البيوت والمرأة تتفرج عليها، وتستمتع بها وتتلهى، ولو أراد زوجها أن يزيلها لقلبت حياة زوجها شقاءً ونكداً؛ لأنها تريد هذه المنكرات في البيت، تقول: أنت تذهب وتدخل وتخرج، ويحصل لك عزائم وولائم، وأنا بماذا أتسلى، فاجعل لي هذه الأفلام موجودة في البيت، اشتر لي مجلات وضعها في البيت؟! فهذه ليست من أخلاقيات المرأة المسلمة.
فأخذته عائشة فشقته مرفقين، فكان يرتفق بهما في البيت.
المرأة المسلمة تسارع أيضاً إلى جعل الأشياء المحرمة أشياء مفيدة، تحاول أن تستفيد منها في حدود المباح، أخذت هذه النمرقة فشقتها وعملت منها مرفقاً يرتفق به.
وحسن التصرف داخل البيت من الأمور المهمة للمرأة المسلمة.
والورع والتقوى أيضاً مهم جداً في جوانب أخرى، منها مثلاً: مواجهة قضية الغيرة التي تحدث بين النساء، لو أن رجلاً تزوج بأكثر من واحدة فإن الغالب أن يكون بين زوجاته أو زوجتيه خصام ونكد، وخصام طويل، واتهامات متبادلة، وكلام من كل منهما في عرض الأخرى، ومحاولة جذب الرجل إلى جانبها، وإبعاد الزوج عن الزوجة الأخرى، كل واحدة تفعل هذا الفعل، لكن عندما يكون هناك تقوى لله عز وجل تختفي هذه التصرفات أو تخف جداً، ولذلك قالت أسماء رضي الله عنها في الصحيح: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن لي ضرة، فهل علي جناح أن أتشبع من مال زوجي بما لم يعطني؟) أي: أنا لي ضرة؛ فهل يجوز أن أقول للزوجة الأخرى: زوجي اشترى لي، زوجي أعطاني، زوجي أهداني، وَهَب لي زوجي، وكله كذب لكن تتفاخر بذلك، وهذا شيء يقع بين النساء، فالضرة تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم هذا العمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) أي: لو أن إنساناً تباهى أو تفاخر أو تظاهر أمام الناس بأشياء ليست فيه ولا يملكها ولا حصلت له؛ فإنه عند الله كلابس ثوبي زور، وليس ثوباً واحداً.
والذي دفع المرأة لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم هو التقوى، لو لم تكن عندها تقوى لتباهت وتفاخرت، لكنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتسأل تقول: ما هو الحكم في هذا الأمر الذي يقع كثيراً في أوساط النساء؟
التقوى مهمة في عدم تبذير مال الزوج، أو عدم أكل المال الحرام، أو عدم السرقة من أموال الزوج، وعدم أكل حقوق الآخرين.
ذكر ابن الجوزي رحمه الله: أن امرأة من الصالحات كانت تعجن عجيناً، فبلغها وهي تعجن موت زوجها فرفعت يدها عنه، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء، أي: أنه قد صار للورثة فيه حق.
فإذاً: هذه الحساسية التي تجعل المرأة تفكر في أشياء دقيقة من الأمور؛ عن الحل والحرمة وعن الشبهة ناتجة عن واعظ الله في قلبها، وكلما قوي واعظ الله كلما ابتعدت عن الحرام وكانت أخشى لله عز وجل.
تقوى الله عز وجل تدفع المرأة المسلمة إلى الاجتهاد في العبادة؛ والاجتهاد في العبادة كان من ديدن نساء الصحابة رضوان الله على الجميع، ولقد كانت إحدى أمهات المؤمنين تقف الساعات الطويلة في قيام الليل، وكانت زينب رضي الله عنها تجلس الساعات الطويلة بعد صلاة الفجر تذكر الله عز وجل، وحال النساء المسلمات الأوائل في عبادة الله عز وجل أمر مشهور لا يخفى على من كان له اطلاعٌ على حال الأولين.
وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى
والصبر ثلاثة أنواع كما ذكر العلماء:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله.
الزوجة يقول لها زوجها: أنا تعبان؛ خذي الولد واخرجي من الغرفة أريد أن أنام، فتأخذ الولد وتخرج، أليس في ذلك مشقة على نفسها؟
بلى. فيه مشقة على نفسها، ولكن فيه أجر عظيم.
الأولاد يتنازعوها من شتى الجهات، هذا يقول: أعطيني، وهذا يصرخ، وهذا يضرب الآخر، وهذا يريد من هنا وهذا يريد من هناك، وهذا يخرج، وهذا يمسك زر الكهرباء، وهذا يمسك السكين، وهذا يمسك المقص، وهذا يصعد فوق الكرسي وربما رمى نفسه، وهي تريد أن تلاحق هؤلاء كلهم، هذا الصبر على شقاوة الأطفال فيه أجر عظيم، إذاً فالصبر صفة مهمة للمرأة المسلمة تحتاج إليها في كثير من الأحيان.
الصبر على سلبيات الزوج؛ قد يكون الزوج بخيلاً، قد يفتعل المشاكل في البيت لأتفه الأسباب أو بدون سبب، قد يكون الزوج ديكتاتورياً في البيت لا يسمح بالمناقشة، ويريد أن يفرض رأيه على زوجته بكل وسيلة، ولا يسمح لها بأي خيار من الخيارات المباحة، ويفاجئها بقرارات بين يوم وليلة، وقد يسبها ويشتمها ويرميها بألفاظ شنيعة، وقد لا يحسن عشرتها، يدخل من باب البيت ثم الحمام، ثم يغير ملابسه، ثم يذهب ليأكل، يأكل وربما أكل لوحده ولا يرضى أن يأكل معها، ويذهب إلى غرفة النوم وينام ولا يسأل عنها مطلقاً، ثم يخرج إلى أصحابه فيعاشرهم ويذهب معهم ويأتي، ليرجع آخر الليل إلى البيت وهي قلقة عليه لتأخره عنها دون أن يشعرها، وربما سافر دون علمها، بعض الأزواج عندهم هذه الصفات، فالصبر على سلبيات الزوج صفة لا ينبغي للمرأة أن تستهين بها؛ لأن فيها أجراً عظيماً لا يضيع عند الله عز وجل.
كانت بعض نساء الصحابة تصبر على عدم الزواج بعد زوجها وفاءً له وإخلاصاً، لما مات أبو الدرداء خطب معاوية رضي الله عنه زوجته أم الدرداء ، فامتنعت، فسأل عن السبب، فقالت: لأنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( المرأة لآخر أزواجها في الجنة ) حديث صحيح، والحديث الآخر: (أنه إذا تزوج المرأة أكثر من زوج فإنها تكون في الجنة مع أحسنهم خلقاً) حديث ضعيف، فالحديث الصحيح إذاً: (أن المرأة لآخر أزواجها في الجنة) فلو تزوجت ثلاثة في الدنيا فهي في الجنة مع الثالث، ولو تزوجت أربعة في الدنيا فهي في الجنة مع الرابع، فـأم الدرداء من محبتها لزوجها وإخلاصها له بعد موته صبرت عن الزواج مع تقدم الخطاب لها ومنهم الخليفة معاوية رضي الله عنه، لكنها رفضته وعنده من النعيم والملك شيء عظيم، وما ذكر ليس واجباً على المرأة إذا مات زوجها، بل يجوز لها أن تتزوج وخصوصاً إذا خشيت على نفسها، أو كانت شابة، أو كان عندها متسع من الجهد والإمكانيات، وربما يكون زواجها خيراً لها من بقائها لوحدها.
فالمجتمع فيه آفات، والشر انتشر فيه إلى درجة أن البيوت صار فيها من كثرة المشاكل ما الله به عليم، تقول بعض النساء: والله لا أريده، وما بقائي معه إلا من أجل أولادي فقط، أخاف إن انفصلت عنه أن يضيع الأولاد، ربما أخذ البنات ورباهن تربية سيئة ليخرجن فاسقات مثله، أنا لا آمن على البنات، لأنه ربما ضيعهن.
والصبر مهم للمرأة أيضاً في طلب العلم، فالمرأة تحتاج إلى أن تتفقه في الدين، وأن تعرف أحكام الطهارة، وأحكام الحيض والنفاس، والمسائل المتعلقة بحجاب المرأة في الصلاة، وسجود التلاوة وأشياء كثيرة.
المرأة الآن عندها مهمات الزوج والأولاد كلٌ من جهة، والطبخ في البيت، وغسل الملابس، وتنظيف الفرش والحائط.. وغير ذلك، فكيف تطلب العلم؟ كيف تفتح نفسها لطلب العلم؟ هذه مشكلة تحتاج إلى صبر حقيقة.
عن أنس رضي الله عنه قال: [مات ابن لـ
فيا معشر النساء! انظرن الآن ودققن في تصرف أم سليم ! فغضب أبو طلحة ، فقال: تركتني حتى إذا تلطخت.. ثم أخبرتني بابني؟ فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لكما في غابر ليلتكما) يعني: بما حدث، قال: فحملت أم سليم من تلك الليلة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، فلما عادوا إلى المدينة وقبل أن يصلوها ضربها المخاض فاحتبس معها أبو طلحة ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يقول أبو طلحة : إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل -وذلك من شدة محبة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يكون ملتصقاً به- وقد احتبست بما ترى يا رب، تقول أم سليم بعد الدعاء مباشرة: يا أبا طلحة، لا أجد الذي كنت أجد فانطلق بنا فانطلقنا، ولما قدم المدينة رجع المخاض فولد غلاماً، قال أنس : فقالت لي أمي: يا أنس ! لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله، قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت؟ قلت: نعم، قال: فوضع الميسم، وجئت به فوضعته في حجره ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة فلاكها حتى ذابت ثم قذفها في فيِّ الصبي، لذلك أن من السنة أن يحنك المولود بالتمر عند ولادته يأخذ أبوه قطعة من التمر فيمضغها أو يعجنها حتى تذوب تقريباً ثم يضعها في فم المولود ويمررها على حنكه من الداخل فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال رسول الله: (انظروا إلى حب الأنصار التمر) أي: على الفطرة! خرج من بطن أمه وهو يحب التمر، قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله .
مهم للمرأة أيضاً أن تصبر على ما يصيبها من الأذى في سبيل الله، قد تضطر لأن تُخرج من بلدها، قد تفصل من مكان دراستها ظلماً وعدواناً، أو يحصل لها اضطهاد فيطردها زوجها من البيت، فتخرج من المكان الذي ألفته صابرة محتسبة.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: [بلغنا مخرج رسول الله ونحن بـاليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه] وكانت معهم أسماء بنت عميس ، وذلك أنهم ذهبوا إلى الحبشة مع المسلمين الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة حيث التقوا بهم، فقال لهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: [أنتم خرجتم إلى رسول الله، ونحن أرسلنا رسول الله إلى الحبشة أقيموا معنا] حتى قدموا جميعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة سنة سبع للهجرة، وسمع عمر أن أسماء بنت عميس قالت كلاماً بعدما جاءوا من الحبشة إلى المدينة ، فقال: [من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس ، قال عمر رضي الله عنه: ألحبشية؟ أو قال: ألبحرية هذه؟] يعني: أتت عن طريق البحر، فقالت أسماء : نعم. فقال عمر: سبقناكم في الهجرة، فنحن أحق برسول الله منكم، فغضبت أسماء وقالت كلمة: قالت: كذبت يا عمر ! كلا. لقد كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء والبغضاء؛ في الحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن النجاشي تعرض لمحاولات عزله عن ملكه بعد أن أجار المسلمين، وانقسمت الحبشة على نفسها، وكان الصحابة يخافون؛ لأنه لو غُلِب النجاشي فلا أحد يحميهم؟
والقصة ذكرها الذهبي في السير ، لكن ما أقوله هنا هو حديث في الصحيح، وعندما نقول: في الصحيح، فإما أن نعني البخاري ومسلم ، أو أحدهما، أو أنه على شرط الحديث الصحيح، وإن لم يرد في البخاري ومسلم .
قالت أسماء : وسأذكر ذلك لرسول الله وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك.
تأمل أمانة المرأة المسلمة، ودقتها في النقل، مع أن النساء تجمح بهن العاطفة والمبالغة والتهويل، فينقلن الخبر أكثر مما كان عليه، كما قال المحدث عن أهل الكوفة: يأتي إليهم الحديث شبراً فيخرج من عندهم ذراعاً. أو أنهن يهولن القصة ويعظمن الحدث حتى يظن السامع أن الدنيا قد قامت ولم تقعد، وهذا من طبع النساء، لكن المرأة المسلمة دقيقة في نقل الأخبار لا تزيد عليها، ولا تتسرع في استنتاجاتها الخاصة، فتقول: حصل كذا، ولا تهول الموضوع، بل تنقله بدقة.
تقول أسماء: ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا نبي الله! إن عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله: (ليس أحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أهل السفينة هجرتان) من اليمن إلى الحبشة ، ومن الحبشة إلى المدينة ، قالت: [فلقد رأيت أبا موسى -وهو من أصحاب الهجرتين وأصحاب السفينة- يأتوني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله] قال أبو بردة : قالت أسماء : [ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني] أي: يقول: أعيدي علي أعيدي علي؛ لأن فيه: إنكم أصحاب السفينة لكم هجرتان.
المرأة المسلمة تراعي زوجها فتضحي بشيء من حقها، وتضحي بمالها على زوجها، وتضحي براحتها وتضحي ببدنها ووقتها من أجل زوجها.
كثير من الزوجات اللاتي منَّ الله عليهن بالهداية وتزوجن من رجال مستقيمين، الرجل المستقيم له متطلبات كثيرة إذا كان داعية إلى الله أو طالب علم، عليه مسئوليات كثيرة متعددة، دعوته إلى الله ستجعله يبذل من وقته وماله كثيراً، لا بد أن يذهب هنا وهناك، ويحضر جلسات وحلقات علم، ويعلم غيره ويخرج مع غيره.
وهو إذا كان طالب علم قد يدخل مكتبته الخاصة ويقفل عليه الباب ويجلس يقرأ بعيداً عن ضجة الأولاد، وبعيداً عن المؤثرات.
وقد يكون رجلاً يستغل الكرم في الدعوة إلى الله، فيدعو الناس ويدعو أصحابه وزملاءه على ولائم وعلى غداء وعلى عشاء، وهذا كله فوق رأس من؟
المرأة هي التي ستطبخ لهم، وتلحق العزيمة وراء العزيمة، وزوجها يرجع متأخراً في الليل تعبان وقد لا يكلمها وينام مباشرة، ماله قد ينفق في أشياء أخرى من الطاعات غير النفقة على الزوجة، أو التوسيع على الزوجة.
إذا جلس في البيت قد ينشغل بقراءته الخاصة، أو بأبحاثه، ويدخل إلى البيت متعباً ينام قليلاً يطلب الغداء، وبعد العصر مثلاً قد يذهب إلى مشوار، وبعد المغرب يأتي إلى هناك، وبعد العشاء يكون عنده عمل ... إلخ.
أيها الإخوة: المشكلة أن العصر الذي نعيش فيه عصر بعد عنِ الله، وعصر البعد عن الله يطلب من المسلمين مضاعفة الطاقات والجهود، ولا شك أن الرجل في أيام السلف كان عنده وقت لأهله أكثر من الرجل في هذا العصر، لماذا؟
لأن المنكرات كانت في الأول قليلة، والطيبون كثر، والمجتمع الإسلامي نظيف، وليست هناك هذه الثغرات الكثيرة الموجودة الآن التي تتطلب السد.. المرأة إذا لم يكن عندها تضحية ستتضايق من زوجها حتى ولو كان زوجها مستقيماً.
تقول: إنما تزوجتك لتقعد معي.. أريدك أن تخرج بي.. أريدك أن تأخذنا في جولة أنا والأولاد.. أريدك أن تذهب بنا مثلاً إلى منتزه فلان وإلى البر وإلى كذا.. أريد منك أن توصلني إلى أهلي كل يوم كذا.. أريد منك أن توصلني إلى صويحباتي وصديقاتي.. أريد أن أزورهم، وأنت مشغول عني لا تجلس معي ولا تكلمني تأتي متعباً وتنام مباشرة، وما عندك وقت أن تذهب بي في زيارات، وتفاجئني بالولائم والعزائم.. رن التلفون استعدي خمسة أنفار.. استعدي عشرين نفراً، وهي قد تتضايق وما عندها الحاجيات الكافية، وهو يقول: عجلي بسرعة الضيوف وصلوا، وهو لم يأتِ بالمصاريف، وهذه الحياة المعروفة فلا يخفى عليكم.
فالمرأة لا بد أن تكون صاحبة تضحية، بعض النساء الحقيقة الله يجزيهن الخير على صبرهن، فعلاً هي في تضحية ليست سهلة، هي الآن تعبت وشقيت ووضعت الطعام، يأتي وبسرعة افتحي الباب ويأخذ الباب ويمشي ولا يكلمها كلمة شكر واحدة، والمرأة تتأثر هو الآن فاجأها، أو بدون اتصال، جاء ودخل البيت وعندي الآن أناس، وتشتغل وتعمل ثم يأخذ الأكل وفي الأخير يتكلم مع الناس ويمكن يذهب معهم، ويقول: اجمعي السفرة، أو يدخل لها السفرة على البيت بقضها وقضيضها وأحياناً لا يقول: جزاكم الله خيراً، وأحسن الله إليكم، وأنت اليوم بيضت وجهي عند الضيوف، المفروض أن نقولها، وهي كلمة لطيفة ملاطفة مكافأة لزوجته، اذهب بها وروح عنها عند أهلها أو عند إحدى صديقاتها.
أحياناً من الأخطاء: يضع الإنسان زوجته عند عائلة ويذهب مشواراً ويرجع الساعة الحادية عشرة ونصف في الليل أو الثانية عشرة في الليل، والزوجة محرجة من أصحاب البيت، والزوج تأخر.
التصرفات مثل هذه كثيرة جداً.. ولكن المرأة المسلمة التي تضحي في ذات الله وفي سبيل الله مأجورة أجراً عظيماً، والغربيون يقولون: الجندي المجهول، والمرأة في كثير من الأحيان لا نقول: الجندي المجهول، إنما نقول: (إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي، إذا غابوا لم يفتقدوا) (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع).
بعض النساء في بعض البيوت مع بعض الرجال حالهم مثل هذا الحال، نسأل الله أن يأجرهن أجراً مضاعفاً.
والمرأة تقول أحياناً للرجل: أنت تعلم غيرك، وأنت تنصح غيرك.. يا زوجي انصحني أنا، علمني أنا ولو كلمة واحدة من هذه الأشياء التي قرأتها، أنت تسمع الآن أعطنا ما نسمعه، وهو قد يهمل في هذا الجانب، وهو شيء موجود عند الرجال مع الأسف.
فالمرأة عندما تصبر على هذا وهي ستقرأ وستسمع بنفسها، وأحياناً زوجها يقرأ وهي سألته سؤالاً.. أخري عني.. لا تقطعي حبل أفكاري، فمثلما أنك تعلم غيرك علم زوجتك، فعندما تصبر الزوجة على هذا الصدود من زوجها لم يضع هذا الأجر والعمل عند الله إن شاء الله.
وأذكر الآن حديثاً صحيحاً أيضاً يبين لنا بجلاء كيف كن نساء الصحابة رضوان الله عليهن يتحملن المشاق في الصبر على الشدائد، ومساعدة الزوج، والوقوف بجانبه، وألفاظ الحديث كافية في التعبير بدون زيادة.
في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (تزوجني
فانظر إلى هذه المرأة التي تعمل كل هذه الأعمال وتتعب كل هذا التعب خدمة لزوجها، هذا من الذي يعمله، لو قلنا لرجل يعمله والله لا يعمله، لا يقوى عليه رجل تعمله هذه المرأة، ثم انظروا رحمكم الله إلى هذا التعاون بين النساء، تقول أسماء رضي الله عنها: (ما كنت أعرف أخبز فكن نساء الأنصار يخبزن لي، وكن نسوة صدق)
وهذا مهم جداً أن يوجد هذا المجتمع النسائي، تعاون على طلب العلم، ومن أجمل الأمثلة التي نسمعها أحياناً عن بعض النساء اللاتي يطلبن العلم كل واحدة معها أطفال، والأطفال إذا صرخوا لا تسمع ولا واحدة من النساء شيء في حلقة العلم، فيتعاونَّ فيوم تمسك الأولاد فلانة، ويوم آخر فلانة، والحلقة التي بعدها تمسك الأولاد فلانة، واحدة تضحي والباقيات يستمعن وينصتن ويتعلمن، ويأتيها الدور... وهكذا تعاون.
وواحدة من الأمثلة الجميلة: جارات مثلاً سمعن أن فلانة عندها اليوم وليمة كبيرة، فذهبن مباشرة، هذه تطبخ لها في بيتها صنفاً وتأتي به، وتلك تساعدها في بيتها، هذه تفعل وهذه تضع، وهذه تصب، ببساطة توزع العمل، وكل واحدة من النساء زوجها عنده وليمة، فهذه مجموعة تساعد بعضهن بعضاً في هذه الأشياء، فإذاً حياة التعاون مهمة، وبعض الرجال يعزلون نساءهم عن النساء الأخريات، حتى إن المسكينة قد لا تجد من يعينها ومن يشد من أزرها ويساعدها، المفروض أن المرأة لها جارات طيبات، أخوات طيبات، زميلات طيبات، إذا احتاجت لا يكلفها الأمر سوى اتصال: عندي كذا، فتأتي المساعدة مباشرة، هذه الحياة لا بد أن تكون هكذا.
لأنه مع مشاكل الزوج والبيت والأولاد وأحياناً الحمل والرضاع هذا يأخذ الكثير من الجهد والمشقة، إذا ما كان عندها همة مع هذه الأشياء قد تكثر، وقد يضيع أكثر وقتها في النوم، وهذا ما يحصل عند الكثيرات، أكثر الوقت هو وقت النوم، والراحة والتمدد والاسترخاء، إذا لم تكن عند المرأة همة فلن تستفيد المرأة من وقتها، فلا بد من الهمة.
أيضاً بالنسبة للاحتساب: بعض النساء لا يفكرن في احتساب الأجر على الحمل والرضاع، تقول: والله هذا كتب الله علي، وتصبر على مضض وهذا حتى يأتي الولد، وقد يكون زوجها ممن يحب الأولاد الواحد تلو الآخر، والمرأة تتعب جداً، فإذا احتسبت كل أنة من أنات الولد، وكل رضعة ترضعه إياه، وكل قومة يوقظها في منتصف الليل وهو يصرخ، فلا يضيع عند الله ولا يذهب هباءً منثوراً، لكن ما الذي يجعل الأجر يثبت؟
الاحتساب والنية الصالحة.
والحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه ليستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوساً ببابه، لم يأذن لأحد منهم، قال: فأذن لـأبي بكر رضي الله عنه فدخل، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساءه واجماً ساكتاً، قال: فقال لأقولن شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وسلم -الواحد إذا دخل على واحد مغموم لا يزيده غماً، وإنما يحاول أن يبسط أساريره، وأن يروح عن نفسه ما هو فيه، فقال عمر : (يا رسول الله! لو رأيت
الزوج أحياناً يحتاج إلى تأييد أقارب الزوجة، هذه من أهم الأشياء.. على أقارب الزوجة أن يراعوا الرجل، لو رأوا أن ابنتهم تطلب الكثير عليهم أن ينصحوها، يا فلانة، هذا ليس في مصلحتك، هذا الكلام قد يغضب الرجل ويأتي بتصرف لا تحمد عقباه، قد لا يستطيع غداً أن يعيش معك.
وبالذات من النساء مثل كلام الأم مع ابنتها في هذا الموضوع أشد تأثيراً من كلام الرجل مع ابنته المتزوجة، وكلام الأخت لأختها كذلك، فعلى النساء أن ينظرن إلى هذه المسألة بعين الاعتبار.
ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش؛ أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) ليس هناك أشد منهن حناناً على الولد في الصغر، ولا أشد رعاية لمال الزوج ولممتلكات الزوج.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة ، وله قصة: أنه عليه الصلاة والسلام خطب أم هانئ فاعتذرت بكبر سنها وأنها أم عيال، فرفقت بالنبي صلى الله عليه وسلم ألا يتأذى بمسنة، قالت: أنا مسنة لا أدع الرسول يتأذى بمسنة، ولا بمخالطة أولادها، لأن الرجل لو أتاه أولاد من امرأة أخرى ليس مثل أولاده مهما كان، صحيح أنهم ليسوا أولاده لكن لا يعني هذا أن يعاملهم بالفضاضة والغلظة، يعني بعض النساء مسكينة عندها أولاد من زوج آخر، ثم تزوجها رجل وضم الأولاد إليه لكن لا يعطف على الأولاد، ولا يعامل أولادها من الزوج الآخر بمثل أولاده، وربما يشتري لأولاده هدايا، وألعاباً، وأشياء ويترك أولادها، يا أخي هؤلاء أيتام، وهؤلاء قد يكون أبوهم طلق المرأة ظلماً، أنت ضمهم إلى أولادك يأجرك الله عز وجل.
والحنان من الأشياء التي فقدها النساء خصوصاً في المجتمع الغربي، وأنا أنقل لكم هذا الكلام من امرأة والفضل ما شهدت به الأعداء، أو قل: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، هذه مريم كوربي وهي سيدة هولندية وأم لثلاثة أطفال تقول: زوجي يعمل من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً، وأنا أعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، أعتقد أننا في حالة مادية معقولة، ونسكن في شقة جيدة، ويبدو أن هذا لا يكفي، فثمة تشققات هائلة داخل العائلة، لكأننا من عالم غريب مختلف عن عالم أطفالنا، أنا وزوجي نجتر بعض الحنين السابق، وبعض التفاعل السابق، الأمر لأطفالنا مغايرٌ تماماً، قد أكون مخطئة لكنني أشعر بحدس الأم أن أطفالي ملوثون بيأس خاص أعتقد أنه استوطن بقوة في اللاوعي، إنني لا أفهم الدافع لذلك، فهم يتابعون دروسهم في المدرسة، كما أنهم يشاهدون التلفزيون كل مساء، ولقد سألت أحد الأصدقاء وهو أستاذ في علم النفس عن هذه الحالة، فأجاب أن ملاحظتي هذه مجرد خيال، وأن الأطفال في صحة حضارية جيدة -انظر الكلام الفاضي؛ الأطفال في الغرب بهذه النظرة، ما دام عنده مدرسة وبيت ومال وحاجيات، وعنده وسائل اللهو واللعب، فهو لا يحتاج أكثر من ذلك- كلمة حضارية هذه هي التي أفزعتني، فأنا أعتقد أن أولادي ككل الأولاد الآخرين، يعانون حصاراً ما، إنني لا أفهم، كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفيهم على ما يبدو، لا يمكنني أن أقدم أكثر من ذلك، وأعتقد أننا نبني جيلاً يكرهنا بالضرورة.
فعلاً.. الحنان هو السر، السر في كل الكلام، هذه الجملة الأخيرة التي قالتها: كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفي.
ولذلك فإن خروج المرأة من بيتها دمار، وعملها خارج البيت دمارٌ على دمار، وانشغالها عن بيتها وعن أطفالها مصيبة، والآن مع وجود مشكلة الخادمات هذه صار الطفل يتعلق بالخادمة أكثر من أمه، الأم الآن صارت تقرف أنها تغير لولدها -أعزكم الله- اذهبي يا خادمة غيري له، الرضاعة يرضع من النيدو، وصار الجيل جيل النيدو محروماً من إرضاع الأم، وحنان الأم، فالخادمة هي التي توقظه، وهي التي تلبسه للمدرسة، وهي تستقبله من المدرسة، وهي التي تصنع له طعامه، وهي التي... وفي النهاية وصلنا إلى مستوى عجيب.
واحد من إخواني يقول: ذهبت العائلة إلى المطار الأم والأب والولد والأولاد لأن الخادمة تريد أن تسافر، يقول فلما ذهبت الخادمة إلى صالة السفر ودخلت الأطفال بدأوا يبكون بشكل عجيب في صالة المطار، والذي يخلع يده من أمه، والذي يصيح، والذي متأثر جداً؛ لأن الخادمة تريد أن تسافر، والله لو أمه تريد أن تسافر ما سأل عنها، لأن الخادمة كل شيء، ومهما كانت الخادمة لن تعطي الحنان للطفل مثل الأم، فالآن هذه مشكلة اجتماعية خطيرة، صحيح أن الخادمة قد تنظف البيت، وتغسل الصحون، وتعتني بكي الملابس، لكن الأشياء المتعلقة بذات الطفل والزوج ينبغي على الأم أن تشتغل بنفسها في هذا الجانب، كل شيء تصنعه الخادمة، وفي النهاية الأم تقول: مع السلامة، قبلة باردة تطبعها على الوجه ويكفي، من أين له أن يحس بالحنان؟
أيضاً من ضمن هذه الملاحظات: قضية كلام المرأة مع الرجل الأجنبي، صار الآن شيئاً طبيعياً جداً، وصارت تكلمه بالهاتف، وتستقبله في البيت وقد تتحدث معه، وقد تتحدث مع السائق بكلام طويل، وتتحدث مع ابن عمها بكلام طويل، ومع ابن خالها وهو رجل أجنبي عنها، فإذاً ذهب الحياء، وفي المدرسة أيضاً يحدث أو في الخروج من المدرسة هذا التهتك في الأسواق.
بالنسبة لبعض الأصناف من النساء يعني مثلاً: الطبيبات، إذا لم تنتبه إلى نفسها قد يذهب حياؤها، ولا شك بتجربة المجربين أن الطبيبات في المستشفيات أقل حياءً من باقي الأصناف من النساء؛ لأنها تخالط الرجال، والأطباء والمرضى، وتذهب وتأتي في المستشفى رائحة غادية، ففقدت الحياء، وشيء طيب أن بعض النساء عندما تذهب إلى الطبيب ولا توجد طبيبة نسائية لا ترضى أن تكشف بسهولة هذا شيء مهم جداً، وهذه ظاهرة طيبة، ينبغي أن نبقي هذه الأشياء ولا نزيلها من نفسية المرأة، وأحياناً الأمر في بعض البيئات التي فيها رجال ونساء نجد التضاحك والنكت مع بعض الأجانب وكأنه أخوها.
إذاً: التربية مهمة.. لا بد أن تكون الحركة متماسكة، فإذا جرح يده أو مرض لا تلطم وتندب وتصيح وتفزع فيخاف الولد ويتربى على الجبن، لماذا أطفالنا الآن في حالة سيئة؟ من هذه الأشياء.
ومن الأمثلة على الشجاعة التي وردت في السيرة: ما ورد في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ساجداً عند الكعبة فبعض الكفار تواصوا، وقالوا: من يأتي بسلى جزور بني فلان ويطرحه على ظهر النبي عليه الصلاة والسلام، فأتى رجل بسلى الجزور وكرشة البعير المملوءة بهذه البقايا والمخلفات على كراهة رائحتها ووضعها على ظهره وهو ساجد صلى الله عليه وسلم، ثم أقبلوا يتضاحكون -لعنهم الله- حتى مال بعضهم على بعض من الضحك كما في صحيح البخاري ، فبقي صلى الله عليه وسلم لا يرفع من السجود، فانطلق منطلق إلى فاطمة وهي جويرية، يعني بنت صغيرة فأقبلت تسعى.. قال: أبوك وضعوا عليه كذا، فجاءت تركض، فطرحت عن ظهره الأذى، وأقبلت عليهم تسبهم ودعت على من صنع ذلك، وهي بنت صغيرة، ما خافت من صناديد قريش، ولا من كفار قريش.
إذاً: الشجاعة في مواقف كثيرة قد تواجهها المرأة، لا بد أن تكون هذه صفة ملازمة.
ما هو الغراب الأعصم؟ هو الذي منقاره ورجلاه لونها أحمر، هل رأيتم غراباً أحمر المنقار والرجلين؟! نادر جداً، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الندرة، وأقل ساكنين الجنة النساء، وأكثر أهل النار النساء، النساء الآن أكثر من الرجال، لكن بسبب غلبة النفس الأمارة بالسوء، وكثرة انقياد المرأة إلى مزالق الشيطان، والمرأة من انقيادها أنها تأخذ برأي الرجل الحكيم، قد ينصحها أبوها: هذا الرجل لا يصلح لك، هذا إنسان فاسق، هذا سألنا عنه كذا وكذا، أحياناً البنت تركب رأسها وتقول لأبيها: إني أريده، ولا بد، ولا تكلم أباها، وتقاطعه، وتقلب وجهها، وتتغير ملامحها أمام أهلها، وأمام أمها، وتدخل من الخارج إذا كانت موظفة أو مدرسة وتغلق على نفسها الباب ولا تأكل، ويصيبها المرض، ويذهبون بها إلى المستشفى، كل هذا عناداً لهم، لماذا؟! فإذا كانوا هم غير محقين، قد يكون عندك مبرر تفعلين هذا، لكن أحياناً يكون الأب طيباً حريصاً على مصلحة البنت.
وهذه القصة عن الصحابية فاطمة بنت قيس تبين لنا عاقبة الأخذ بالرأي الحميد.. فعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله سكناً ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله: (إذا حللت فآذنيني) أخبريني إذا انتهت العدة، فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد ، تقدم ثلاثة لخطبة فاطمة بنت قيس ، فقال رسول الله: (أما
فكان الرسول صلى الله عليه وسلم لحبه لهما يتأذى من هذه الأشياء، وثبت في الحديث الصحيح أن رجلاً من الأعراب عنده خبرة بالقافة، من أثر الأرجل يعرف العلاقات، فلما دخل كان أسامة وأبوه نائمين قد تغطيا بشيء فلم يبدُ إلا أقدامهما، فدخل الأعرابي الرجل الخبير فنظر في القدمين، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فالرسول صلى الله عليه وسلم سر جداً بهذا الكلام، لأنه قطع الكلام، وهؤلاء القافة لهم عجب في هذا، أنه قد يخبر من هي؟ وهل هي حامل أو لا؟ وهل هي شابة أو عجوز؟
فقالت بيدها هكذا.. فقال لها رسول الله: (طاعة الله وطاعة رسوله خير لك، قالت: فتزوجته فاغتبطت) أي: تزوجته فسُرَّت وارتاحت وعاشت معه عيشة سعيدة.
فنحن لا نريد أن يكون حال المرأة كما قال الشاعر الأول:
علموهن الغزل والنسج والردن وخلوا كتابة وقراءة |
علموهن هذه الأشياء واتركها لا تقرأ ولا تكتب
فصلاة الفتاة بالحمد والإخلاص تُجزئ عن يونس وبراءة |
هكذا يدعي، وقال آخر:
ما للنساء والكتابة والعمالة والخطابة |
هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة |
سبحان الله! انظر إلى عقلية الرجل، فقط المرأة وظيفتها أن يعاشرها ويجامعها.
لا يا أخي! هذه امرأة عندها طاقات، لكن المشكلة ما هي الحدود والضوابط الشرعية.. ماذا تقرأ المرأة؟ ما هي المجالات المناسبة لدراسة المرأة؟ سئل الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا الموضوع، فقال: ما فائدة دراسة المرأة مثلاً لأشياء من الهندسات التي لا فائدة فيها، لكن تدرس مثلاً: العلم الشرعي.. اللغة العربية.. الطب أو أي شيء مثل: التمريض في الحدود الشرعية في البيئات الشرعية والأماكن الشرعية.. بالإشراف الشرعي، فعند ذلك تخرج النوعيات المنتجة في المجتمع، وكذلك يدخل في مسألة الوعي غير إحباط المخططات الهدامة: قضية وعي المرأة عند الزواج، بعض النساء لا تعرف من سذاجتها وقلة وعيها كيف تسأل عن زوجها، وتقدم لها واحد فسألت قالوا: يصلي وفيه خير وأخلاقه جيدة جداً.
واحدة سألت تقول: إني تزوجت رجلاً فقالوا عنه: إنه ذو أخلاق وجيد وملتزم بالسنة وإنسان دين مستقيم، فلما دخل بي وجدت أنه لا يصلي ويستعمل المخدرات، قلت: سبحان الله العظيم! ألا يوجد تمييز أبداً؟!
كيف؟!
أنت عندما ترى المسألة أنه صالح ومستقيم وداعية إلى الله ودين وخير وملتزم بالسنة، ثم يكون في حقيقة الأمر أنه لا يصلي ويستعمل مخدرات، يعني هناك خلل وهناك شيء غريب في الموضوع، ليس هناك وعي في السؤال عن الزوج ولا عن تقصي الأخبار، يقابله في النوع الآخر غلو.
امرأة تقول: أنا سألت عن زوجي، مديره وأصحابه في العمل، وسألت ولد عمه، وسألت رجالاً، وأجريت اتصالات تقول: أريد أن أتوثق، فهذا كلام لا داعي له، فإذاً لا بد من قنوات اتصال مع أن المرأة تستطيع أن تسأل النساء لكن الوعي يكمن في تحليل الأخبار، وتبين مدى ثقة هذا الخبر من ذاك الخبر، واستبيان مدى ثقة هذا المصدر من ذلك المصدر، واستبيان هل هذا الخبر فيه عاطفة وتهويل، أو فعلاً من جهة موثوقة؟ هنا تكمن قضية الوعي أيضاً.
وأذكر هنا حادثة طريفة في نهاية الكلام: امرأة تورطت مع رجل وسألت عنه فقالوا لها: هذا زوج صالح فعقد عليها، فقبل الدخول قال لها: لماذا لا نذهب نتفسح أو نأخذ جولة على محلات الأثاث أو كذا من هذا النوع؟ فذهبت معه.. وهذا شيء جائز لأنه زوجها حتى لو لم تكن هناك وليمة، ففي الطريق تقول هذه المرأة: لاحظت أن الرجل هاوٍ، تارة يفتح الراديو وتارة الموسيقى رافعاً الصوت، فتقول: انفجعت وقلت: هذا ليس الرجل... ولكن تريد أن تتبين الأمر، فقالت له وكان فيها ذكاء وحنكة: ما رأيك بـعبد الحليم حافظ الفنان الفلاني؟ فالرجل أبدى الاستغراب، وقال: لا يجوز، الغناء حرام وكيف.. قالت له: أنا سمعت له كذا وكذا وأعرف قصة يعني عادية، فقال: هاه، وسردت له أشياء كانت تعرفها من جاهليتها السابقة، فبعد ما سردت له قال: الحمد لله، والله أنا كنت أظنك معقدة ومتزمتة ورجعية ومتخلفة وأنا تعبت وأنا أظهر كذا، الحمد لله أنك وفرت علي المشوار، ولن أتكلف بالتظاهر بهذا، الحمد لله الآن أصبحنا أنا وإياك متفاهمين وعلى خط واحد وهذا الشريط نسمع فيه، فلما وصلت إلى البيت طلبت منه فسخ العقد، وقالت: ضحكت علي وأنت كذا.
لكن ليس كل النساء يتهيأ لهن هذه الفرصة في الاختبار، يمكن أن تتورط فعلاً، فالشاهد من الكلام أن مسألة الوعي بهذه الأمور وعدم الاستعجال من المرأة في انتقاء الزوج وإحسان العلاقة معه والعشرة هذا شيء لابد منه.
وهذه آخر نصيحة أوجهها وهي إحسان العشرة والمعاملة الطيبة من كلا الجانبين للآخر، وألا تغتر المرأة وتكره زوجها، قد تقول: هذا قبيح وأنا جميلة، هذا مستواه الاجتماعي منخفض وأنا عالي، أو تقول:أنا ذكية وهو بطيء الفهم، أو أنا أعلم منه...،على المرأة هذه أن تتقي الله عز وجل، وأن ترعى حق الله في نفسها وفي زوجها.
وختاماً: أيها الإخوة! أسأل الله لي ولكم الهداية في كل الأمور، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرزقنا وإياكم حسن التصرف في الأمور كلها، والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر