أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم أشرق نور الإسلام، فاكتسح الظلام، وأفاض الخير، ونشر العدل، ومن ثَمَّ استعادت المرأة حقوقها، وعرفت منـزلتها، واستنشقت نسمات الحرية، يتلفت الإنسان في عالمنا المعاصر فلا يرى إلا سُعار الشهوات، وحمى المغريات، ويرى المرأة المسكينة تترنح تحت سياطها، وتصطلي بنارها، يرى تحت طلاء العصرية والحرية والحضارة لهيب الشقاء والنكد والعبودية، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
تواجه المرأة المسلمة أمام هذا المد الإعلامي والدعائي الفضائي الهادر دعاوى منهزمة، يصوَّر فيها أن حياتها رزية، وحقوقها مسلوبة، وكرامتها مهدرة، ومنـزلتها منحطة، حيث ارتدى الأعداء مسوح المحبة والود، ولبس الذئاب براقع العطف والرعاية، يعرضون أفانين السُم فيما لذ وطاب من الدسم، وهيهات هيهات أن تعبر الدعاوى الثغور، أو تطفئ النور، فقد كفل الإسلام للمرأة حقوقاً لا تحلم بها في أي عصر وفي أي مكان، بل عجزت عقول البشر، وعجزت عقول واضعي حقوق الإنسان أن تصل إلى مستوى حقوق المرأة في الإسلام، فقد ضمن لها الإسلام حقوقها بنتاً، وأختاً، وأماً، وزوجةً.. رفيقةَ دربٍ وشريكة حياة.
ولقد أنكر القرآن على المشركين تشاؤمهم بالأنثى وعاب عليهم ذلك، فقال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58].
اعتبر الإسلام البنت من أسباب دخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا دخل الجنة) أخرجه الترمذي .
ولقد أعطى الإسلام المرأة كامل الحرية في اختيار الزوج، ولو أُكرهت على الزواج من شخص لا ترتضيه، فالشارع يجعل الأمر إليها، إن شاءت أمضت، وإن شاءت فسخت النكاح.
وحين تكون المرأة أماً، فإن منـزلتها في الإسلام عظيمة، وثوابها جزيل، ويكفي أن التواضع لها سبب لدخول الجنة، قال عليه الصلاة والسلام لمن ترك أمه وأراد الغزو: (ويحك! الزم رِجْلها فَثَمَّ الجنة) ولأنها تعاني متاعب الحمل، وتكابد آلام الوضع، ومشقة الرعاية في الصغر والكِبَر،فلذلك جعل الإسلام بر الأم أكبر، والوفاء لها أعظم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك).
وقد نشرت الصحف قصة شاب غربي قَبِل أن يئوي أمه العجوز في بيته، مقابل أن تقوم بخدمته وخدمة زوجته وأولاده، وتأوي في بيته، وهذا يُعتبر كرماً من هذا الولد البار بأمه، وشتان بين الإسلام وبين أولئك.
إن المسلم لا تنقطع صلته بأمه وأبيه حتى بعد الموت: (جاء رجل، فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم. الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما).
فالمرأة في الإسلام -عباد الله- ليست كما يزعمون كَمَّاً مهملاً، وطاقة مهدرة، ورئة معطلةً، أسيرة جدران أربعة، فلو عاش هؤلاء الإسلام حقيقةً وقرءوا التاريخ، لنطق لهم بأجلى بيان، وتحدث بأوضح أسلوب عن الدور العظيم الذي قامت به المرأة في زمن أشرق بالنبوة والرسالة، فقد كانت المرأة تهز المهد بيمينها، وتهز العالم بشمالها، عندما تنشئ قادة ومفكرين وأبطالاً ميامين، تفخر بهم الأمة.
نعم! كانت المرأة وما زالت لها دور في التربية والبناء والبطولة والتضحية والرأي والمشورة، كانت مثالاً يُحتذى في العبادة والقيام والزهد والدعوة.
وقدمت المرأة دمها وحياتها في سبيل الله شهيدة طاهرة، بل كانت المرأة أول شهيدة في الإسلام، إنها سمية زوجة ياسر ، وأم عمار بن ياسر .
كانت المرأة في الإسلام فقيهة.. بارعة.. عالمة.. حاوية.. قال أبو موسى الأشعري : [ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً قط، فسألنا
أسهمت الفتاة المسلمة بكل جهدٍ في نصرة الإسلام والمسلمين، ولذلك وُصفت أسماء بنت أبي بكر بذات النطاقين على مدار التاريخ، بتضحيةٍ بذلتها في الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي موقف عصيب عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، في صلح الحديبية, تأتي مشورة زوجه أم سلمة منقذة لذلك الموقف العصيب.
لقد كان نساء السلف يوصين أزواجهن إذا خرجوا للسعي والكسب فيقلن لهم: [اتقوا الله فينا، ولا تطعمونا الحرام، فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار].
وتقول أم سفيان لابنها: اذهب واطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي وتقول: يا بني، إذا حفظت شيئاً من العلم، فانظر هل تزيد أم تنقص.
إن المرأة وإن كانت قارة في بيتها إلا أنها تعيش آلام المجتمع.. أحزان اليتامى.. تشعر بمأساة الأمة.. تدفع من مالها وتنفق للخير من وقتها.. تقول عائشة عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن: [ولم أرَ امرأة قط خيراً في الدين من زينت بنت جحش ، وأتقى لله وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً في العمل الذي تصدقُ به وتتقرب به إلى الله].
وقد تحولت المرأة في الحضارة المعاصرة إلى سلعة ومتعة، تُسْتَغل للدعاية والإعلان على أغلفة المجلات والكتب، وإطارات العربات، يوظفونها في مكاتب التجارة والسياحة؛ لجذب الزبائن، فإذا استنفذت السنون جمالها وزينتها أُهمِلت كآلة انتهى مفعولها.
هم يهينونها، ويزعمون -كذباً- أنهم يكرمونها!!
وبعد أن أدمت عثرات الطريق قدميها تصرخ المرأة الغربية العاقلة: يا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف.
إخوة الإسلام: ينظر الإسلام إلى عمل المرأة في البيت على أنه رسالة شاقة، وأن هجرها البيت إلى عمل أو متجر تاركة أولادها في يد الخدم خسارة فادحة، وهل تصل الأمة إلى ما تصبو إليه من شباب قويم لبناء مجدها إذا تركت أبناءها ينشئون على أخلاق الخدم؟!
أنَّى للزوج أن يحس بالسكن والمودة، وهو يرى زوجه مُثقلة بأعباء العمل، قد ملأ عليها فكرها ووجدانَها؟
أنَّى للابن أن يجد من يخفف عنه متاعبه، ويفضي إليه أحزانه، ويرتشف منه العطف والحنان، وهو يرى أمَّاً متعبة؟! أمَّاً متعبة الفكر.. مرهقة الجسم.. متوترة الأعصاب.. تثور لأتفه الأسباب.
ها هي المرأة الغربية تقدم خلاصة عناء مزمن وطريق شاق، فتعبِّر عن حياتها ومجتمعها فتقول: إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى البيت هي الطريق الوحيد لإنقاذ المرأة والجيل من التدهور الذي يسير فيه.
لماذا تعرض كيانها الأسري للزعزعة والهلاك مقابل دريهمات؟ تزهق جُلَّها أجرةً للخادم والمربية والسائق، وتكاليف للزينة والملبوسات، وفي ذلك إهدار لاقتصاد الأمة والمجتمع.
إذا عملت المرأة في بيتها استغنى المجتمع عن أعداد هائلة من الخدم، وأَمنَ من مفاسدهم العظيمة، مع حفظ ثروة البلاد أن تغادر أرضها، وذلك إسهام منها في خدمة المجتمع.
وبقرار المرأة في بيتها تقدم رضاعة طبيعية كاملة، وفي ذلك خدمة صحية ووقاية من الأمراض، وتوفير لنفقاتٍ صحيةٍ أُسَرية، وتنمية لاقتصاد الأسرة، ودخل خفي لها.
إخوة الإسلام: إن الذي يظن أن المرأة المسلمة التي تتفرغ لدورها التربوي في البيت ليست منتجة في المجتمع، يدعو إلى فقدان الثروة البشرية الحية التي لا تقدر بثمن، مقابل صفقة خاسرة يكسبون من ورائها أرباحاً زهيدة ومادة تافهة في ميزان الإسلام.
إن الإنتاج البشري أثْمَن من الإنتاج المادي، والتفرغ لتحكيم الإنتاج البشري كماً ونوعاً أهم من المشاركة في زيادة الإنتاج المادي؛ لأن الإنسان في ميزان الإسلام أثْمَن من كل ما في هذه الحياة.
يقول الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن من نعمة الله على هذا البلد أن أخذ بكل أوجه الحضارة والتقدم، مع البُعد عن الأخطار الجارفة، بما مَنَّ الله عليه من الحكم بالكتاب والسنة، ووقوف ولاة أمره سداً منيعاً أمام الجهلة وضعاف العقول والنفوس.
لقد أقفلت الدولة وفقها الله تبارك وتعالى كل مداخل الفساد والضياع على المرأة، ومن ذلك:
1- منعت الاختلاط في كل مراحل التعليم، في الوقت الذي يئن العالم كله من هذه التجربة الخاطئة.
2- أضفت على المرأة حشمة كريمة وراعت حياءها وتسترها؛ فمنعت قيادتها للعربات، فأصبحت المرأة مخدومة لا خادمة، بل أنزلتها منـزلة العظماء الذين يُقاد بهم ولا يقودون.
3- أغلقت كل المنافذ الموصلة إلى خدش حيائها، فمنعت جل أنواع التصوير للمرأة؛ حتى في الوثائق الرسمية، فجعلتها بذلك درة مصونة مكنونة محفوظة مقصورة على محارمها، وبذلك ضُبِط الأمن، وسُجِّلت أدنى معدلات الجريمة مقارنة بدول عظمى.
4- عملت المرأة في مجالاتها التي تناسب فطرتها وأنوثتها، وشريعة ربها، فأثبتت المرأة نجاحاً كبيراً، مع احتفاظها بالحشمة والعفاف، فأعطت العالم كله رسالة واضحة بأن في الإسلام الحل لجميع مشكلات المرأة.
نسأل الله التوفيق والسداد والثبات، إنه سميع مجيب.
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين من الكفرة والملحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.
اللهم اهدِ شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اهدِ نساء المسلمين، اللهم اهدِ رجالَهم ونساءهم يا رب العالمين! اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا وإياهم من الراشدين.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير، وخواتمه وجوامعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، والدرجات العلى من الجنة، يا رب العالمين!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر