إسلام ويب

شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [15]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تارك الصلاة عمداً جاحداً لها يكفر بالاتفاق، والخلاف فيمن تركها كسلاً وتهاوناً، وعامة السلف على كفر تارك الصلاة عموماً. أما ما يتعلق بأفعال العباد فيعتقد أهل السنة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فهو شاءها وقدرها، لكنه سبحانه أقدر العباد عليها -أي: الأفعال الاختيارية- خلافاً للقدرية وغيرهم، فإنهم يقولون: إن العبد يخلق فعله. وهذا انحراف وضلال؛ لأنهم أثبتوا خالقين، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    1.   

    حكم تارك الصلاة

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمداً، فكفّره بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف رحمهم الله، وأخرجوه به من الإسلام؛ للخبر الصحيح: (بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر).

    وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقداً لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام، وتأولوا الخبر: من ترك الصلاة جاحداً، كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه قال: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [يوسف:37]، ولم يك تلبس بكفر فارقه، ولكن تركه جاحداً له ].

    مسألة كفر تارك الصلاة على أنواع:

    النوع الأول: من ترك الصلاة كسلاً وتهاوناً، فهذا فيه نزاع وخلاف بين أهل العلم، فبعضهم قال بأنه يكفر؛ بناءً على ظاهر الحديث، ولأن الصحابة رضي الله عنهم شددوا على أمر الصلاة، حتى قالوا: ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، أو أنهم ما كانوا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وهذا نقل لقول جميعهم في الجملة، وبعضهم قال: إن من تركها كسلاً يكون كفره كفر معصية، وإن استوجب القتل عند بعضهم فإنما استوجبه تعزيراً، وبعضهم استثنى من تارك الصلاة كسلاً من داوم على تركها حتى وإن كان كسلاً، وقالوا: من داوم على تركها كسلاً دائماً فإنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة، حتى وإن لم يجحد وجوبها.

    فعند السلف قول قوي في أن من استمر وداوم على الإعراض عن الصلاة فإنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة، أما من تركها كسلاً، بمعنى: أنه يصلي أحياناً ويترك أحياناً، فهذا هو الذي فيه الخلاف، وأما من تركها عمداً فإن كان عن جحد لوجوبها فهذا كافر باتفاق الأئمة قديماً وحديثاً، من تركها عمداً جاحداً لوجوبها فلا شك أنه يخرج من الملة؛ لأنه جحد معلوماً من الدين بالضرورة، وجحد ركناً من أركان الإسلام، وحكمه حكم المعرض عن الدين بالكلية، أما من تركها عمداً مع الإقرار بوجوبها فالقول الراجح أنه أيضاً يكفر كفراً مخرجاً من الملة؛ لأنه تعمد، بمعنى: أنه داوم على تركها عمداً، ويدخل فيمن تركها كسلاً على وجه الدوام؛ لأن المداومة على الترك لا تسمى كسلاً في الحقيقة، وإن كان ظاهرها الكسل، لكن المداومة على الترك تشبه العمد أو هو نوع من العمد.

    فعلى هذا يتداخل القول الأول هذا مع القول الثاني فيمن تركها عمداً غير جاحد لوجوبها، بمعنى أنه فرّط عن عمد ولم يكن مجرد تثاقل أو مجرد كسل أو تفريط.. أو نحو ذلك، إنما تعمد تركها مع تهيؤ الفرص له، ومع الاستعداد لوجود الأسباب الموجبة لإقامة الصلاة.. وغير ذلك.

    فعلى هذا يكون الراجح من هذه الأقوال: أن من ترك الصلاة كسلاً باستمرار فهو نوع من العمد، بمعنى: أن من داوم على تركها لا يؤديها فالظاهر -وهو رأي جمهور السلف والذي تقتضيه النصوص- أنه يعتبر كافراً كفراً مخرجاً من الملة، أما من تركها كسلاً -بمعنى: أنه أحياناً يفعل وأحياناً يترك- فهذا هو محل الخلاف، ومع ذلك كثير من أئمة الدين يرجّحون أنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة، لكن يبقى الكلام محل نزاع، وليس هو الإجماع عند السلف ولا حتى قول الأكثر.

    أما العمد والاستمرار على تركها عمداً والجحد أيضاً فلا شك أنه باتفاق يكون مخرجاً من الملة.

    وفي حال ترك الصلاة سنة أو سنتين أو أشهر طويلة يكون ارتد، وكونه صلى مرة أخرى هذا محل خلاف، هل مجرد إقامة الصلاة تعتبر دخولاً في الإسلام أو لابد أن ينطق بالشهادتين.. إلى آخره؟ هذا راجع إلى معنى كلام أهل العلم في تجديد الإسلام، وإلا فمن داوم على تركها فلابد أن يجدد إسلامه من جديد، بمعنى: أنه مرتد، لكن هل بعودته إلى الصلاة يعتبر رجع إلى الإسلام؟ هذه المسألة محل خلاف والله أعلم.

    فالمهم أن المداومة هي الاستمرار على ترك الصلاة وقتاً طويلاً، أما من يصلي مثلاً غالباً ويترك أحياناً كسلاً، فهذا محل خلاف، والخلاف فيه قوي، وكثير من المحققين من أهل العلم قديماً وحديثاً من الصحابة والتابعين وأئمة السلف إلى يومنا هذا من أئمة الدين نجد أن كثيراً منهم يرجّحون أن من تركها ولو تهاوناً وكسلاً يعتبر مرتداً خارجاً من الملة إذا كانت هذه ظاهرة عنده، بمعنى: أنه يترك أحياناً ويصلي أحياناً، فهذا متلاعب بالصلاة.

    والمتهاون القول الراجح أنه مرتد.

    وأما ترك الصلاة في المسجد دائماً فهو كبيرة من كبائر الذنوب، يعني: إذا كان يصلي منفرداً في بيته ويترك الصلاة في الجماعة فهذا مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، ولا يعد خارجاً من الملة، وليس بكافر، لكنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وأما صلاة الجماعة بأهله فليست هي الجماعة المقصودة، وإنما المقصودة هي جماعة المسجد.

    والمؤلف أحياناً يرجّح، أما هنا فساق الأقوال وتركها؛ لأن المسألة مسألة خلافية، لكنه أشار إلى أن من ترك الصلاة جاحداً فهو باتفاق يعتبر خارجاً من الملة، هذا محل إجماع، لكن محل الخلاف في أمرين: الأول: من تركها عمداً ولو لم يجحدها واستمر على تركها فالراجح أنه يخرج من الملة.

    والثاني: من تركها كسلاً فيصلي أحياناً ويترك أحياناً، فهذا محل نزاع، والقولان فيها قوي، والترجيح فيها صعب، لكن ظهر لي من خلال الاستقراء أن أئمة المحققين من السلف قديماً وحديثاً يرجّحون كفر من تركها وإن كان تهاوناً وكسلاً كفراً مخرجاً من الملة، نسأل الله العافية.

    1.   

    عقيدة السلف أصحاب الحديث في أفعال العباد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه ].

    هذه المسألة راجعة إلى القول في مقادير العباد بما فيها أكساب العباد، وأكساب العباد جزء من مقاديره، والمقصود بأكساب العباد أفعالهم التي يفعلونها؛ فإنها تسمى أكساباً؛ لأنهم يفعلونها بما أعطاهم الله عز وجل من القدرة والإرادة.

    وهذه المسألة في الحقيقة من دقائق مسائل القدر التي خاض فيها المتكلمون خوضاً موّهوا فيه على كثير من الناس ولبّسوا فيه، وخرجوا عن قول السلف، وأدخلوا فيها مسألة الكسب، أي: أفعال العباد، فأهل السنة والجماعة يقولون: إن أفعال المكلفين المختارين الاختيارية هي مخلوقة لله عز وجل، فالله عز وجل علم أفعال العباد وكتبها وشاءها وقدرها سبحانه في سابق علمه، ثم إنه هو الخالق لها، لكنه أقدرهم عليها، فعلى هذا يكون محل الخلاف هو أفعال العباد الاختيارية التي تحدث من طرف المكلفين، وعلى هذا تخرج أفعال العباد غير الاختيارية؛ لأنها بإجماع لا تكون إلا تحت إرادة الله الكونية، ولا تسمى أفعالاً لهم، لكنها تحدث فيهم، فحركة القلب وحركة الدم وجميع الحركات التي تسمى عند الناس اللاإرادية في الإنسان هذه داخلة في تقدير الله الكوني، وليست هي محل الخلاف، محل الخلاف هو أفعال العباد الاختيارية من المكلفين الذين عندهم تمييز وعقل، وإلا فأفعال الأطفال وأفعال المجانين وأفعال المخرّفين وأفعال غير المميزين لا تدخل في الخلاف، وإنما حصل الخلاف هنا في أفعال العباد المكلّفين الذين عندهم قدرة، وفيما يدخل تحت نطاق قدرتهم، هذا هو محل الخلاف، وهذا يسمى أكساب العباد أو كسب العباد، فأهل السنة والجماعة قالوا بالحق الذي تقتضيه النصوص، وردوا متشابه النصوص في هذه الأمور إلى المحكم، فأيقنوا بموجب قطعيات النصوص أن الله عز وجل هو المقدر لأفعال العباد الاختيارية، وأنه خالقها، وأنه سبحانه علمها وكتبها وشاءها ثم خلقها، وأن ذلك لا يتنافى مع إقدارهم عليها، فإن الله عز وجل أقدرهم على فعل هذه الأمور، ولأنه عز وجل هو علّام الغيوب وهو عليم بذات الصدور علم ما العباد فاعلون، وقدّر مقاديرهم.

    والخلاف في هذا كثير، لكن أهم من خالفهم متكلمة الأشاعرة والماتريدية، خاصة الأشاعرة فإنهم قالوا: إن أفعال العباد قدرها الله عز وجل بناء على عزمهم على الفعل، فإن الله لم يُوجد عندهم القدرة على كسب الأفعال إلا حين الفعل، ولم يخلق لهم القدرة لا قبل ولا بعد الفعل، ولم يكن عندهم استعداد ولا مقدرة على الفعل لا قبل ولا بعد، فلذلك صار عندهم نوع من الجبر، والشيخ هنا لم يكن يقصد الرد على هذا الصنف، لكن أنا أشرت إليه؛ لأن الأشاعرة هم الذين يستعملون كلمة الكسب والأكساب؛ فإنهم يرون أن أفعال العباد ليست من مقدورهم مع أنا نعلم أن الله عز وجل جعل أفعال العباد من خلقه، لكنه جعلها من مقدور العباد، فقالوا: إنها ليست من مقدورهم، بمعنى: أنه لم توجد عندهم القدرة على الأفعال لا قبل الأفعال ولا بعدها، إنما القدرة يصنعها الله عز وجل ويخلقها أثناء عزم الإنسان على الفعل، ويسمون هذا الكسب، لكن الذين أشار إليهم الشيخ هنا هم القدرية الخالصة، والتي تمثلت بالمعتزلة الذين زعموا أن أفعال العباد ليست من خلق الله عز وجل ولا من تقديره، إنما قالوا: إن الله عز وجل أوجد عندهم عموم القدرة، لكن مفردات الأفعال ليست من خلق الله، فهم يزعمون أن الله عز وجل جعل القدرة الكامنة هي الخالقة للفعل، أي: أنه أعطى الإنسان قدرة كامنة فيه، وهذه القدرة هي المتسببة في الفعل، وكثير منهم لم يصرّحوا بأن الإنسان خالق أفعاله، لكن هذا من لوازم قولهم؛ لأنهم قالوا: مقادير أفعال العباد الاختيارية ليست من تقدير الله، ولم يقدرها الله عز وجل، حتى إن بعضهم نفى العلم وقال بأن الله لم يعلمها حتى حدثت، لكن لما صودموا بقوة إنكار السلف قالوا: إنه علمها، فبقوا في الكتابة فبعضهم أنكر الكتابة وبعضهم تأولها وبعضهم أثبتها.

    أيضاً ربما بعضهم أثبت المشيئة العامة لكنه نفى الخلق، وقال بأن الإنسان مقدر أفعاله، وأن الإنسان موجد أفعاله، فعلى هذا المعتزلة يرون أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله عز وجل، ويزعمون أن ذلك لا يليق في حق الله عز وجل؛ لأنهم عندهم شبهة وهي أنهم يقولون بأنه لا يليق بأن الله عز وجل يخلق أفعال العباد ثم يحاسبهم عليها، خاصة أفعال الشر، فإذاً: بزعمهم لابد أن يكون العباد هم الموجدون لأفعالهم وهم المقدرون لها، وهذا القول هو الذي انتهت إليه المعتزلة؛ ولذلك ألزموا بأن يقولوا بأن هناك خالقاً مع الله عز وجل، فقيل لهم: إذا لم تكن أفعال العباد من تقدير الله عز وجل فلابد أن تكون من تقدير مقدر مع الله حتماً، وأنه يحدث في ملك الله ما لا يشاؤه ولا يريده، فلذلك ألزموا بأن يقولوا بأن الإنسان خالق أفعاله، ومنهم من التزم ذلك أو صرّح بأن الإنسان خالق أفعاله، لكن جمهور المعتزلة يتورعون عن أن يقولوا بأن الإنسان خالق أفعاله، لكنهم يلتزمون هذا التزاماً.

    1.   

    عقيدة السلف أصحاب الحديث في مسألة الهداية والإضلال

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه، ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي.. [السجدة:13].. الآية، وقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ.. [الأعراف:179].. الآية.

    سبحانه وتعالى خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فرقتين: فريقاً للنعيم فضلاً، وفريقاً للجحيم عدلاً، وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، وقريباً من رحمته وبعيداً، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، قال عز وجل: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:29-30]، وقال: أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ [الأعراف:37].

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو ما سبق لهم من السعادة والشقاوة ].

    في هذا المقطع بعض المسائل تحتاج إلى وقفة:

    الأولى: مسألة الهداية والإضلال، وهذه مسألة في الحقيقة كثيراً ما يخوض فيها الناس، وهي من الأمور التي انبثقت أو خرجت منها شبهات القدرية الأولى والقدرية الثانية، المعلوم من نصوص الشرع القاطعة وما أجمع عليه السلف وهو مقتضى العقل السليم والفطرة، أولاً بأن الله عز وجل له الحكم وله الأمر، وأنه لا راد لقضائه سبحانه، ولا معقّب لحكمه، وأنه يفعل في خلقه ما يشاء، فلو جعل جميع خلقه من الهداة لكان له ذلك ولا راد لقضائه ولا معقّب لحكمه، ولو جعلهم كلهم إلى غير هذا المصير لكان الله عز وجل له ذلك؛ لأن الله له الملك وله الأمر ويفعل في ملكه ما يشاء، هذه قاعدة مجملة إذا استشعرها الإنسان استراح من أن يخوض في دقائق الأمور، هذا أمر.

    الأمر الآخر: أن مسألة الهداية والإضلال مبنية على علم الله السابق في ماذا سيفعل العباد، والله عز وجل حينما قدّر على طائفة من عباده الشقاوة قدرها لأنه عالم بأنهم سيسلكون طريق الشقاوة اختياراً لا قسراً؛ لأن الله عز وجل أعطاهم الاستعداد وأوجد عندهم القدرة وبيّن لهم الطريق، فليس لأحد حجة، فمن هنا كانت كتابة السعادة والهداية والضلال والسعادة والشقاوة مبنية على علم الله السابق عن العباد أنهم فاعلون، ثم بعد ذلك حينما جعل فريقاً للنعيم -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- هذا فضل منه سبحانه، وحينما جعل فريقاً للجحيم هذا مقتضى عدله، وبعض الناس قد لا يفرّق بين العبارتين، أو لا يفهم ما معناها، وقد قلنا بأن الذين أنعم الله عليهم أنعم الله عليهم بفضله سبحانه ورحمته؛ لأن أعمال العباد مهما بلغت من الكمال لا تكافئ شيئاً من نعم الله عز وجل، فلو أن إنساناً كان أكثر المعمّرين عمراً وقضى جميع عمره في أكمل عبادة يريدها الله عز وجل، فإنه لا يبلغ بذلك مجازاة أو مكافأة نعمة الله عليه؛ بل إن عمله للصالحات هو بتوفيق الله.

    إذاً: ليس هناك شيء يكافئ نعمة الله عز وجل، وأي عمل يعمله الإنسان لا يكافئ نعمة الله، فنعمة الله عز وجل على العبد أولاً بوجوده، ثم بتوفيقه له، وتيسير الأمر له، وتهيئة الوسائل العقلية والجوارح والاستعدادات والنبوات والكتب والتوفيق والفطرة والعقل السليم، تهيئة هذه الأمور للعبد ليطيع الله بها، هذه نعمة من الله، ولو لم يهيئها الله للعبد فلا يمكن أن يعبد الله أو يوفق، ثم نعمة التوفيق هي بحد ذاتها نعمة لا يكافئها من العبد عمل أبداً، فعلى هذا تكون هداية من هداه الله عز وجل والإنعام على من أنعم الله عليه، والحكم بالسعادة والجنة على طائفة من عباده هذا من فضل الله عز وجل، ليس بعمل العبد.

    المسألة الأخرى: كونه عز وجل كتب الشقاوة على طائفة من عباده هذا عدل منه، بمعنى: أنه كتبها عليهم بعملهم، ولم تكن الشقاوة مبنية إلا على علم الله عن هؤلاء العباد أنهم سيعصون ويكفرون، ومن هنا كتب الله عليهم الشقاوة.

    وهذا راجع إلى معنى التوفيق والهداية، ومعنى عدم التوفيق الإضلال والشقاوة ومترتباتها، ونحن نعلم يقيناً بمقتضى النصوص والفطرة السليمة والعقل الذي يعقل به الإنسان أن الله عز وجل حينما خلق البشر ما تركهم سدى، ولا تركهم عبثاً، فأوجد عندهم الاستعداد الذاتي بمعرفة الخير وعمله، ومعرفة الشر وتركه، ثم أرسل الرسل وأنزل الكتب، وبيّن للعبد طريق الخير ويسّره لهم وأقدرهم عليه، ورغّبهم فيه وأمرهم به، ثم رتّب عليه الثواب، وهذه حوافز واضحات، ثم بعد ذلك أيضاً خلق الشر وأوجده وابتلى به العباد، فأقدرهم عليه وبيّن لهم طريقه وحذّرهم منه ومن سلوكه، وأقدرهم على ذلك ابتلاءً وفتنة، ورتّب عليه العقوبة.

    فالتمييز بين الأمرين واضح جداً عند كل عاقل، ولذلك من لم تبلغه الرسالة فلا يقع في مثل هذا الامتحان، وكذلك من اختل عنده شرط من شروط الإدراك فإنه أيضاً لا يكلف، وإذا عجز عن شيء أو فقد قدرة من القدرات التي تتعلق بالفرائض فإن الله عز وجل يعفو عنه ما لا يقدر عليه، قال عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، هذا الأمر إذا رتبه الإنسان في ذهنه عرف قطعاً أن الحجة قائمة على العباد، ومن هنا جاء معنى قوله: (وفريقاً للجحيم عدلاً) بمقتضى أن الله عز وجل إنما حاسبهم على أعمالهم.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: أن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد، فو الذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) ].

    هذا الحديث عليه مدار أفعال العباد والكتابة الخاصة أيضاً لكل عبد، وهذا مما أنكره المعتزلة والقدرية؛ فإنهم أنكروا الصحيفة أو ما يكتب في الصحيفة التي وردت في حديث الصادق المصدوق؛ لأن هذا يرد عليهم رداً قوياً مفحماً، فلذلك ردوا هذا الحديث، والعجيب -وهذا لعله من الأمور التي جعلها الله عز وجل من أسباب حفظ دينه وحفظ السنة- أن ابن مسعود رضي الله عنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف قبل أن تخرج القدرية، فقال: وهو الصادق المصدوق، وهذا إلهام من الله عز وجل لتأكيد معنى الحديث، يعني: تجد أن كثيراً من الأحاديث التي رواها ابن مسعود.. وغيره ما قالوا فيها: (الصادق المصدوق)، لكن جاءت العبارة في حديث المقادير؛ لأنه رد على القدرية؛ فكأنها نوع من تتويج الحديث للتأكيد على معناه ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود .

    وقوله: (الصادق المصدوق) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صادق حتماً ومصدوق؛ فإن الله صدقه وصدقه الناس، فهو مصدوق من كل وجه.

    فهذا الحديث يقرر المصير السابق للإنسان، ويقرر مقادير العباد التي تتعلق بمصائرهم الرئيسية، وهذا ما تنكره القدرية، فالقدرية يرون أن مقادير العباد راجعة إلى أعمالهم هم، فالرزق يكون راجعاً إلى كسب الإنسان إن كسب رُزق وإن ما كسب ما رُزق.

    ونحن نعلم أن الأسباب مما جعلها الله عز وجل وسيلة للرزق، لكن مع ذلك فالرزق مكتوب بفعل الأسباب وبغير فعل الأسباب، يعني: مكتوب عند الله عز وجل على جميع الوجوه، وكذلك عمل الإنسان الاختياري، أما عمل الإنسان غير الاختياري فهو من الأمور الكونية، وكذلك الأجل، فالأجل مكتوب قبل أن يخلق الإنسان وقبل أن يوجد في هذه الحياة أو يخرج إلى الحياة، ولذلك المعتزلة ناقشوا أو شككوا في هذه القضية، وقالوا: المقتول قتل قبل أجله أو مات بغير أجله، وهذا اعتراض على تقدير الله وعلى حكم الله وقضائه وشك في علم الله عز وجل، وكذلك الشقاء والسعادة هذه الأمور هي مجمل أساسيات مقادير الإنسان، فمقادير الإنسان الرئيسية تجتمع في هذه الأمور.

    ثم بين في الحديث مسألة الخواتيم، وهذه داخلة في قاعدة السلف بأن الأعمال بالخواتيم، يعني: أن الحكم النهائي للإنسان في مصيره راجع إلى اللحظة التي يموت عليها، فلذلك ينبغي للناس ألا يجزموا بمصير أحد جزماً على سبيل اليقين إلا من ورد النص فيه، وهذا الحديث أيضاً فيه دلالة قاطعة على أن مصير العباد ليس بما يظهر للناس إنما بما يموتون عليه، لكن لا ينبغي أن يكون هذا مؤثراً في القاعدة المجملة، وهي أن الأصل في الإنسان المسلم إذا شهد له الناس بخير فهذه إن شاء الله شهادة نرجو له بها أن يكون مقبولاً عند الله عز وجل.

    وانقلاب الخاتمة لاشك أنه من الأمور النادرة، لكن مع ذلك فيها موعظة وفيها عبرة للمسلم بألا يغتر بعمله ولا يزكي أحداً من أصحابه، إنما يستثني، فإذا تكلم في أحد من الصالحين يقول: نحسبه كذا والله حسيبه، ونرجو له الخير، ونرجو له حسن الخاتمة، وندعو لأنفسنا وللمسلمين بحسن الخاتمة، لكن لا نجزم.

    وكذلك العكس ينبغي للناس إذا رأوا إنساناً ظاهره الفجور والفساد ألا يجزموا بخاتمته، فيشفقوا عليه ولا يشمتوا به؛ فإن الشماتة قد تؤدي إلى مثل هذه النتيجة العكسية، فالإنسان أحياناً قد يوفقه الله عز وجل بسبب شماتة الشامتين ويبتليهم هم، وهذا من ظواهر انقلاب الخاتمة فإن الإنسان الفاجر الظالم قد يوفق بحسن الخاتمة بسبب شماتة الآخرين؛ فلذلك ينبغي للمسلم أن يبتعد عن الشماتة؛ لئلا يبتلى هو، وأن يشفق على المسلمين، لكن مسألة التعامل لابد فيها من الولاء والبراء في الظاهر.

    والتعامل مع الناس على ظواهرهم باطل، لكن الجزم بمصائر الأفراد هذا أمر يعلق بأن العبرة بالخواتيم والأعمال بالخواتيم، والإنسان لا يدري ما يختم له، وهذا كما يشمل المسلمين يشمل كذلك الكفار، فالكافر نقول بأنه كافر، وإذا مات على كفره نقول: إنه من أهل النار، لكن ليس على سبيل الجزم إنما على سبيل تغليب الظن؛ لأننا لا ندري على أي حال كانت خاتمته.

    والأمر الأخير والمهم جداً: هو أن مثل هذا الحديث يحث المسلم على ألا ينسى كثرة الاعتصام بالله عز وجل والدعاء: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، وسؤال الله حسن الخاتمة، ينبغي للمسلم دائماً أن يستمسك بمثل هذه الأدعية ولا يغتر بعمله؛ فإن الإنسان ضعيف ومعرض للفتنة.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النار، فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنة فمات فدخل الجنة) ].

    كثير من أهل العلم قالوا: إن من يظهر صلاحه للناس ثم يختم له بخاتمة سوء الغالب أنه لا يخلو من خبث قوي، ولا يخلو من عمل تساهل فيه وهو عند الله عظيم، كقطيعة الرحم أو عقوق الوالدين أو الشماتة في الناس أو الرياء أو السمعة أو الخيانة أو الغدر الخفي أو سوء النية أو الحقد.. هذه أمور أحياناً تكون في القلب ولا يشعر بها الناس، وقد تكون سبباً في سوء الخاتمة.

    فلذلك ينبغي للمسلم أن يتعهد قلبه دائماً، فلا يكون في قلبه غل ولا حسد ولا طوية فيما يتعلق بالأعمال المهمة، فلا يكون عنده شيء مما قد يفسد العمل ويحبطه وهو لا يدري، يجب أن نتعهد أنفسنا ويتعهد كل واحد نفسه ويفتش عنها ولا يطمئن إلى مجرد عموم الأعمال، فقد يكون عنده عمل يستصغره وهو من الأعمال التي لا يرضاها الله عز وجل، أو إخلال بواجب من الواجبات التي لا يعذر بالإخلال بها، قد يتساهل في هذا الأمر، فيكون ذلك سبباً في سوء الخاتمة، نسأل الله السلامة.

    1.   

    عقيدة السلف أصحاب الحديث في الخير والشر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، لا مرد لها ولا محيص ولا محيد عنها، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا، على ما ورد به خبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الله عز وجل: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ.. [يونس:107].. الآية.

    ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه، أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: (تباركت وتعاليت، والشر ليس إليك)، ومعناه والله أعلم: والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر! ويا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعاً، لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله عنه في قوله: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف:82]، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه وإن كان الجميع منه جل جلاله ].

    لعل مما يوضح هذا أن نقول: إن الله عز وجل خالق كل شيء، وهو مقدر كل شيء، وكل شيء بقدره، الخير والشر وكل شيء من خلقه، لكن لا تنسب إليه مفردات خلق الشر؛ لأن أصل خلق الخير والشر حكمة من الله عز وجل، فما دام خلق الشر لحكمة فلا يضاف الشر إليه مباشرة، إنما إلى حكمته، فمن هنا يتبين معنى كلام الشيخ هنا، فالله عز وجل خلق الشر لحكمة، والله عز وجل يقول: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، الفتنة التي يبتلي بها العباد يتبين من ينجح ومن لا ينجح في مثل هذا الابتلاء، فما دام خلق الشر ابتلاءً فالابتلاء جاء لحكمة من الله عز وجل للعباد، فعلى هذا يكون أصل جميع الخلق الخير والشر لحكمة، فمن هنا يلتغي إضافة مفردات الشر إلى الله عز وجل؛ لأن خلق الشر راجع إلى حكمته سبحانه.

    1.   

    عقيدة السلف أصحاب الحديث في مشيئة الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، لم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولم يكفر أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء ألا يعصى ما خلق إبليس، فَكُفْر الكافرين وإيمان المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية، قال الله عز وجل: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7] ].

    1.   

    الأسئلة

    حقيقة التشاؤم من المرأة والدابة والمسكن

    السؤال: ثبت في الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك)، وجاء في حديث سهل بن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن)، رواه البخاري ومسلم ، فهل التشاؤم من الطيرة؟ وكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ وهل يقاس على الفرس اليوم وسائل النقل الحديثة؟

    الجواب: هذا سؤال جيد ومهم وفيه نوع من التفصيل، لكن أجمل الجواب بما يلي:

    أولاً: الطيرة شرك، والطيرة المقصود بها التشاؤم من شيء لم يرد في الشرع بأنه مشئوم، والمقصود بالطيرة هنا: التشاؤم الذي يؤدي إلى ترك الشيء أو الإحجام عن العمل أو الترك لا مجرد الاشمئزاز، فمن الطبيعي أن نشمئز من ذكر الشيطان أو من عمل الشيطان أعاذنا الله من الشيطان ومن أعماله ومن الطبيعي أن نشمئز من الكفر وذكر الكفر ومن الكافرين والكفار، فالاشمئزاز والكراهية للشر وأهله هذا من الإيمان ليس من التشاؤم، إنما التشاؤم هو ما يؤدي إلى إحجام الإنسان عن فعل الأسباب أو عن الإقدام على الأشياء، سواء كان إحجاماً قلبياً أو إحجاماً عملياً، فإذا أدى أي شيء من الأعمال إلى أن يترك الإنسان بدون سبب شرعي وإنما لمجرد أن سمع كلمة أو رأى شيئاً لا يعجبه أو خطر له خاطر فأعرض عن العمل، فهذا يعتبر من باب التشاؤم، وهو نوع من الطيرة.

    إذاً: فالطيرة هي التطير الذي يؤدي إلى ترك الشيء أو فعله من غير أمر شرعي.

    وقوله: (شرك) هذا يدخل فيه جميع أنواع الشرك بما فيه الشرك الأكبر، فإذا كان التطير أدى إلى اعتقاد أن هذا الذي سبب ترك الفعل يضر من دون الله عز وجل، كما يتشاءم المشركون بما يدور حول أصنامهم تشاؤماً يؤدي إلى أن يعتقدوا أن هذا المتشائم منه يفعل من دون تقدير الله، فهذا شرك أكبر، لكن غالب صور التطير من الشرك الأصغر، وهو مجرد كراهية الشيء أدت إلى الإحجام خوفاً من أن تكون نتيجة الفعل غير حميدة أو نتيجة الإقدام غير حميدة، فهذا في الحقيقة نقص في الإيمان وشرك دون شرك، ويعتبر من كبائر الذنوب، وهو أغلب ما يقع عند الناس غير المشركين عند عموم المسلمين عن ضعف إيمان، وعن قلة فقه، وعن نوع من الجهل، فهذا شرك دون شرك، وهو الظاهر في عموم أكثر الطيرة التي تحدث عند الناس، ما عدا الذين يشركون أصلاً.

    أما التشاؤم في هذه الأمور الثلاثة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقاس عليها غيرها إلا ما كان في حكمها، ويظهر لي والله أعلم أن السيارة في حكم المركوب الحمار والجمل والفرس.

    وأيضاً التطير لا يعني بدون سبب هنا، يعني: الخبر في أن الشؤم يكون في ثلاث لا يفتح باباً للتشاؤم، إنما يعني: أن الإنسان إذا وجد أذى من أحد هذه الثلاث فليتخلص منه، ولا يجوز لأحد أن يعتقد ابتداءً أن المرأة مشئومة، هذا حرام، أو يعتقد ابتداءً أن الفرس مشئوم.

    أو يعتقد ابتداء أن المسكن مشئوم، لكن هذه الأمور في الغالب أنها تدور عليها حياة الإنسان أو منافع الإنسان الضرورية، ومنافع الإنسان الضرورية أكثر ما تدور حول هذه الأمور الثلاثة، فمن هنا إذا وجد المسلم أذى كبيراً من هذه الأمور فلا مانع أنه يتخلص منه، فهذا يعتبر نوعاً من الشؤم، لكنه والله أعلم شؤم لغوي لا الشؤم الذي ليس له مبرر أو ليس له مقدمات، فهذه الأمور الثلاثة: المرأة والدابة والسكن الغالب أنه يحدث التشاؤم في بعض حالات أو من بعض أفراد من هذه الأمور، فقد تحدث أمور تنكد على الإنسان فيعد هذا من المعنى العام للتشاؤم لا المعنى الخاص المقصود بالتطير، ففيما يظهر لي أن الشؤم في هذه الأمور لون والتطير لون آخر، وأعود وأقول: إن هذه الأمور الثلاثة إذا واجه الإنسان منها أشياء تبرر التخلص منها فقد يسمى هذا شؤماً، لكن ليس تطيراً، ومع ذلك ليست هذه قاعدة؛ لأن كثيراً من الناس ما يواجه من عسر ومشاكل من هذه الأمور الثلاثة أحياناً يكون بسبب ذنوبه، وأحياناً بسبب تفريطه في الأوراد والأسباب الشرعية.

    الجمع بين حديث: (كلتا يديه يمين) وبين حديث: (يقبض السماوات بيمينه والأرض بشماله)

    السؤال: ما هو الجمع بين قوله: (كلتا يديه يمين) وقوله: (يقبض السماوات بيمينه والأرض بشماله)؟

    الجواب: هذه أجاب عليها أهل العلم بأن المقصود بالشمال اليد الأخرى وليس المقصود بالشمال المعنى المعهود، وإنما هو تعبير عن اليد الأخرى، فهو تجاوز في التعبير.

    الكلام في تعليق عمل الإنسان بالأسباب

    السؤال: هل هناك قدر معلق إن عمل الإنسان بالسبب كان، وإن لم يعمل لم يكن؟

    الجواب: أما معلق استئنافاً فلا، وأما معلق قدراً فنعم، فقد يكون معلقاً قدراً، بمعنى: أن الله عز وجل جعل تقديره السابق على ما سيفعله الإنسان، لكن التعليق لا يعني أن الله عز وجل بدا له شيء، أو أنه لا يعلم ما سيفعل العباد، فالتعليق هنا لا يعني إلا فيما يظهر للعباد، أما فيما كتبه الله عز وجل فليس هناك أمور تعلق، بمعنى: أن الله عز وجل جعل التخيير فيما يبدو للعباد، كحديث زيادة العمر لمن يصل رحمه، وكحديث: (إن الدعاء والقضاء يلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان، فيغلب الدعاء القضاء)، هذا فيما يتعلق بما يظهر للعباد، أما في تقدير الله السابق فلا شك أن الله عز وجل قدر ما يكون عليه العبد، قدره سابقاً، إنما لحكمته عز وجل قد يظهر للعباد بعض الأمور التي تعلق بأشياء معلقة فيما يتعلق بدائرة المعلوم، أما دائرة الغير فلا شك أن الله عز وجل قدر جميع المقادير، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767330265