إسلام ويب

أصول العقيدة [8]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للإيمان نواقض يرجع بها العبد إلى الكفر ويخرج بها من الملة, ومردها جميعًا إلى الاعتقاد والقول والفعل, وأما أفرادها فكثيرة, منها: اعتقاد قدم العالم كما عليه طائفة من الفلاسفة, واعتقاد المذاهب الإلحادية, وادعاء النبوة, وغير ذلك من النواقض المخرجة للعبد من الإيمان.

    1.   

    نواقض الإيمان

    معنى النواقض وبيان ما يدخل فيها

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فموضوعنا نواقض الإيمان، والنواقض جمع ناقض، والناقض هو المبطل والمزيل، ومعنى نواقض الإيمان مبطلات الإيمان. ونواقض الإيمان هي ضد الإيمان، ويشمل ذلك الكفر، والشرك، والبدع المكفرة التي تخرج الإنسان عن دائرة الإسلام.

    ضابط الكفر الناقض للإيمان

    الإيمان قول وعمل، والكفر ضد الإيمان، فالكفر قد يكون بقول اللسان، أو بعمل الجوارح، أو باعتقاد القلب.

    فمثال الكفر الذي يكون بقول اللسان: سب الله تعالى، أو سب الدين، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، أو ادعاء النبوة، أو إنكار الكتب المنزلة، أو إنكار الرسل الكرام، أو رسالاتهم، أو إنكار أي أمر من الأمور الواضحة في كتاب الله سبحانه وتعالى.

    ومثال المكفرات العملية التي تكون بعمل الجوارح: عبادة غير الله سبحانه وتعالى، مثل: دعاء غير الله عز وجل، أو الاستغاثة بغير الله، وهي تابعة للمكفرات القولية، الطواف حول القبور، والذبح لها، والنذر لغير الله، والسجود لغير الله، وإهانة المصحف، والسجود لصنم من الأصنام، وتقديم أي نوع من أنواع العبادة العملية لغير الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك الحكم بغير ما أنزل الله، والإعراض التام عن دين الله عز وجل فلا يتعلمه ولا يعمل به، ولا يراعي في عمله أو قوله أو تصرفه أي حكم من الأحكام الشرعية.

    وأما المكفرات والنواقض القلبية فهي كثيرة، فمنها: بغض الدين، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحد من الرسل، أو بغض رب العالمين، أو بغض شريعته، أو تكذيبها، واعتقاد أن هذه الشرائع كذب، وأنها لا حقيقة لها. ونحو ذلك من العقائد الكفرية، وتولي الكافرين، ومحبتهم إلى درجة نصرتهم على المسلمين، فكل هذا يعتبر من المكفرات الاعتقادية.

    وبهذا نعلم أن الكفر ينقسم إلى كفر قولي يكون عن طريق اللسان، وإلى كفر عملي يكون بعمل الجوارح، وإلى كفر اعتقادي يكون باعتقاد القلب، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [التوبة:74]، فنسب الكفر إلى القول، وهذا يدل على أن الإنسان يكفر بالقول كما يكفر أيضاً بالفعل.

    1.   

    ذكر بعض أفراد المكفرات وصورها

    اعتقاد الفلاسفة والصابئة قدم العالم

    المكفرات من حيث أفرادها كثيرة جداً لا يمكن حصرها، وإنما يمكن حصر معاني عامة تندرج تحتها صور كثيرة جداً مما يتعلق بالنواقض والمكفرات سواء القولية أو الاعتقادية أو العملية، ومن ذلك:

    أولاً: اعتقاد الفلاسفة لقدم العالم، وهذه عقيدة مشهورة في كتب الفلاسفة القدامى، وهي عقيدة الصابئة، فإنهم كانوا يعتقدون أن هذا العالم ناتج عن العقول العشرة أو الأرواح العشرة التي نتجت عن المبدع الأول.

    ومختصر عقيدة الفلاسفة في هذا الباب هو: أن المبدع الأول والإله الأعظم نتج عنه بدون أي إرادة منه عقل وروح، ثم نتج عن هذا العقل والروح أيضاً عقل وروح حتى أوصلوها إلى عشرة عقول، ثم نتج عن هذا العقل والروح الأخير العاشر ما يسمونه بالعقل الفعال، ثم نتج عن هذا العقل الفعال هذا الكون المنظور المشهود الذي نراه بأعيننا، وهم يرون أن هذه العقول والأرواح هي الأجرام السماوية المشهورة، مثل: الشمس وعطارد والمريخ وغيرها، فإن الفلاسفة القدامى ما كانوا يعتقدون أن هذه الكواكب هي عبارة عن أجرام مثل الأرض وإنما كانوا يعتقدون أنها أنوار وأرواح، وأنها حاصلة وتعقل، ولها إرادة وتأتي، فيقولون: إن هذه ناتجة عن المبدع الأول، ولها خصائص المبدع الأول في الإرادة والعقل والتأثير والخلق والإبداع والاختراع ونحو ذلك، وهذه الخصائص مأخوذة من المبدع الأول بدون أي إرادة من المبدع الأول وإنما فاضت عنه مثل الظل بالنسبة للإنسان، فإن الإنسان لا خيار له في ظله؛ لأن هذا أمر غير اختياري بالنسبة للإنسان.

    وملخص هذه العقيدة: أن هذا الكون الذين يعيشون فيه هو جزء إلهي، وبناء على هذا فإنهم يعتقدون أن هذه المخلوقات جميعاً لها أو فيها جزء من الخصائص الإلهية، ولا شك أن هذا كفر بالله رب العالمين؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه خالق هذه المخلوقات مثل: الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكل الناس وكل المخلوقات، فلا يوجد في هذا الكون إلا خالق ومخلوق، والخالق هو الله سبحانه وتعالى، وكل ما عداه مخلوق كالكائنات والملائكة والجن والكواكب وغيرها.

    ومعنى مخلوقة يعني: أن الله أبدعها واخترعها وهي لم تكن شيئاً مذكوراً قبل ذلك، وأن الله سبحانه وتعالى قادر على إزالتها، وأنه ليس فيها أي شيء من خصائص الإلهية كما يزعم هؤلاء الملاحدة، وممن اعتقد هذه العقيدة الفلاسفة الذين يسمون بالفلاسفة الإسلاميين مثل: ابن سيناء الطبيب المشهور، والفارابي ، ونحوها ممن تأثروا بـأرسطو وأفلاطون وغيرهما.

    الفلاسفة الإسلاميون كفرهم العلماء، وممن كفرهم الإمام أبو حامد الغزالي العالم المشهور صاحب إحياء علوم الدين، مع أنه كان على منهج الأشعرية، إلا أن له كتاب سماه تهافت الفلاسفة، وقد كفر هؤلاء الفلاسفة بثلاثة عقائد:

    العقيدة الأولى: وهي قولهم: بقدم العالم.

    والعقيدة الثانية: هي إنكارهم لعلم الله سبحانه وتعالى بالجزئيات، بل قالوا: إن الله عز وجل يعلم الكليات فقط، وأما الجزئيات والأفراد فإنه لا يعلمها على التفصيل.

    والعقيدة الثالثة: إنكارهم للبعث الجسماني، وقولهم: إن الناس لا يبعثون جسدياً وإنما هي أرواح تنتقل من جسد إلى جسد آخر، وإن النعيم والعذاب يقع بعد انتقال هذه الروح، فإذا كانت روحاً فاضلة فإنها تنتقل إلى جسد منعم، وإذا كانت روحاً شقية فإنها تنتقل إلى حيوان مثلاً أو إلى جسد معذب.

    فهذه العقيدة عقيدة كفرية، فمن اعتقدها ممن ينتسب إلى الإسلام وآمن بها فإنه يعتبر كافراً ويخرج من دائرة الإسلام.

    اعتقاد نظرية داروين

    ومن نواقض الإيمان الكفرية: من آمن واعتقد بنظرية دارون مثلاً، وهي نظرية الانتخاب الطبيعي أو الارتقاء والتطور.

    وخلاصة هذه النظرية هي: أن الكائنات الحية تطورات نتيجة للتطور الحاصل في الخلايا الحية، هذا التطور أخذ سنيناً طويلة فانتقل من كائنات حية على شكل طحالب إلى حيوانات لا فقارية ثم حيوانات فقارية، ثم انتقل إلى حيوان هو القرد، ثم صارت هناك حلقة مفقودة، ثم بعد ذلك حصل وجود هذا الإنسان، وأنه تطور من كونه قرداً إلى إنسان بهذه الصورة.

    ومن آثارها الخطيرة:

    أولاً: اعتقاد أن هذا الإنسان ليس كائناً مخلوقاً مستقلاً وإنما مرده إلى كونه حيواناً، ولهذا فتحت باب الشهوانية وباب تحقيق غرائز الإنسان على أن أصله حيوان، وهذا ما يفسر الفساد الأخلاقي الموجود في المجتمع الغربي الآن.

    ثانياً: المادية، فإن هذا التطور الذي حصل هو تطور طبعي محض ليس له أي ارتباط بأمر خارج عنه، ولهذا فهذه النظرية هي نظرية إلحادية في الحقيقة، ومن آمن بها واعتقد أن الإنسان ليس مخلوقاً كرمه الله عز وجل، وأن أصله آدم، وأن الله عز وجل خلقه مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26] كما أخبر الله سبحانه وتعالى، وأنه خلقه من طين، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأن حواء خلقها الله عز وجل من آدم، فمن لم يعتقد هذه العقيدة الواضحة في القرآن فهو كافر خارج عن دائرة الإسلام.

    وينبغي أيضاً أن نلاحظ أن نظرية دارون لها جانب علمي محض في علم الأحياء هذا لا يعنينا لكن لها جانب فكري عقدي، والذي ننتقده نحن في هذا الموضوع هو الجانب الفكري العقدي والنتائج التي توصل إليها دارون من خلال هذه النظرية، علماً أن مثل نظرية التطور وتطور الخلايا وما يتعلق بها من قضايا علمية محضة قال بهذه النظرية نظرية الارتقاء والتطور مجموعة من الغربيين إلا أن اليهود نشروا وأذاعوا نظرية دارون ؛ لأنها تحقق كثير من غاياتهم ومقاصدهم، وقد كان اليهود هم الذين يسيطرون وما زالوا على الإعلام الغربي صحافة وتلفازاً وإذاعة وما إلى ذلك.

    الشاهد: أن من آمن بهذه النظرية واعتقد أن أصل الإنسان كان قرداً ولم يؤمن بما أخبر الله عز وجل به من أصل الإنسان فلا شك أنه كافر بالله رب العالمين؛ لأنه مكذب لهذا التنزيل الرباني الذي جاء وأنزله الله عز وجل على رسوله.

    اعتقاد المذاهب الإلحادية

    أيضاً من اعتقد أي مذهب من المذاهب المادية الإلحادية فلا شك أنه كافر، فمن اعتقد مذهب العلمانية مثلاً وهو فصل الدين عن الحياة فهو كافر، ومن اعتقد مذهب الديمقراطية الذي يقضي: أن الدين لا علاقة له بتشريعات الإنسان فيما يتعلق بالدماء والأموال وبقية حياة الإنسان، ومحاولة حصر الدين في المسجد فقط، وأن الدين لا يبني حياة الإنسان، وهذا فيه تكذيب لكل النصوص الشرعية الواردة في الحدود والواردة في مصالح الإنسان المالية والواردة في مصالح الإنسان الدنيوية، وما يتعلق بالقصاص ونحو ذلك من الأحكام الشرعية المعروفة، فكل هذا يعتبر من الكفر والنقض لأصول الإيمان.

    والحقيقة: أننا نحن في هذا الزمان نعيش حالة ردة عند كثير من المثقفين بسبب مثل هذه المذاهب، وأصبح كثير من الناس عندهم انفصام في فهمهم للإسلام، فهو يقول مثلاً: أنا مسلم ديمقراطي، ويقول: أنا مسلم ويؤمن بنظرية دارون ؛ لأنه متخصص مثلاً في علم الأحياء مثلاً، ويقول: أنه مسلم ويؤمن بالعلمانية أو بالحداثة أو غير ذلك، ويقصرون الإسلام على بعض الشعائر التعبدية التي يمارسها الناس مثل: الصلاة والصيام.. ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه فهم خاطئ للإسلام، فالإسلام دين حياة شامل لكل حياة الإنسان، يقول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وهذا الدين دين شامل لكل الحياة، لا يخرج منها شيء، ومن فهم هذا الدين على أنه دين شعائر تعبدية فقط، وأما بقية الحياة فإنها متروكة للإنسان تركاً مطلقاً يبنيها بالطريقة التي يراها فقد اتخذ إلهاً غير الله سبحانه وتعالى، اتخذ إلهاً في الأموال وفي الأديان وفي الدماء وفي السياسة وفي كل أبواب الحياة التي أخرج الدين عنها وجعل الدين بعيداً عنها، قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23].

    سب الله عز وجل وسب الدين والأنبياء والكتب المنزلة

    ومن نواقض الإيمان أيضاً: سب الله تعالى، فمن سب الله سبحانه وتعالى فإنه كافر خارج عن دائرة الإسلام، وضابط السب هو العرف، فكل ما اعتبر في العرف أنه سب وتنقيص وإهانة واحتقار وازدراء واستهزاء، فإنه يكون سباً ويكون صاحبه كافراً والعياذ بالله؛ لأن السب لم يأت له معنى محدد في لغة العرب وفي مصطلح الشرع، فكان العرف هو الذي يحدد هذا المعنى.

    فمثلاً: لو أن إنساناً أشار في مقام الألوهية أو مقام النبوة أو نحو ذلك بطريقة معينة فإنه يكون كافراً؛ لأنها في عرف الناس تستخدم للامتهان والازدراء، علماً أن هذه الإشارة لو تبحثها في لغة العرب لا تجد لها معنى محدد، فمع تطور الحياة تعارف الناس على أساليب معينة في الازدراء والاحتقار والامتهان، فكل ما كان من معنى الازدراء والامتهان والاحتقار في عرف الناس ثم يمارسه الإنسان في باب الألوهية مع الله سبحانه وتعالى أو في باب النبوات مع الأنبياء أو في الدين عموماً مع القرآن أو كتب الله المنزلة فهو كفر يخرج الإنسان عن دائرة الإسلام، ويكون صاحبه مرتداً ويجب قتله.

    والدليل على ذلك أدلة كثيرة جداً، منها قول الله عز وجل: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، علماً أن الاستهزاء الذي وقع في هذه الغزوة أقل من السب، والسب كما يقول ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول: نوعان: نوع دعاء، ونوع خبر، فالدعاء مثل قوله: لعنه الله مثلاً، أو أخزاه الله، أو قبحه الله، أو نحو ذلك من السب الذي يكون من جنس الدعاء.

    والخبر مثل: الوصف بالحيوانات القذرة مثلاً أو نحو ذلك أو الأوصاف القذرة والأمور السيئة فكل هذه داخلة في هذا السب، ويكون صاحبه كافراً، والعياذ بالله، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، ففرق بين أذى الله سبحانه وتعالى وأذى الرسول وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فأذى الله وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم رتب عليه أمرين:

    الأمر الأول: اللعن في الدنيا والآخرة.

    الأمر الثاني: العذاب المهين، وهذا لا يكون إلا للكافرين.

    فسب المؤمنين لا يعتبر كفراً إلا إذا كان السب معللاً بالإسلام، فمثلاً: لو أن إنساناً سب جنس المؤمنين لأنهم مؤمنون، فهذا كفر يخرج عن دائرة الإسلام.

    لكن لو أن إنساناً سب شخصاً من المؤمنين فإنه لا يعتبر كفراً إذا لم يكن هذا السب مقصوداً به الإيمان نفسه، وبناء على هذا فسب الله تعالى وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الدين كفر مخرج عن دائرة الإسلام ويجب أن يقتل صاحبه.

    وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاباً عظيماً سماه: الصارم المسلول في شاتم الرسول، بل إن الذمي والمعاهد إذا حصل منه ذلك انتقض عهده فيكون لا عهد له ولا ذمة ويجب قتله، ولو أن إنساناً سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يهدر دمه، كما جاء في سنن أبي داود والنسائي : (أن رجلاً أعمى كان متزوجاً أم ولد -يعني كان متزوجاً أمة أنجبت له طفلين كما ورد في الحديث- وكانت هذه المرأة تسب الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنها كانت طيبة الخلق مع هذا الرجل، وكانت تخدمه، فكان يزجرها وينهاها ويخوفها بالله عز وجل فلا تنزجر، ويوم من الأيام أخذ سيفاً قصيراً فاتكأ به على بطنها حتى قتلها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وطلب من أصحابه أن يعترف القاتل بهذا القتل واستحلفهم بالله في هذا فخرج الرجل الأعمى من بين الصفوف وهو يقول: أنا قتلتها، هذه المرأة كانت تعمل كذا وكذا ويذكر السب الذي كانت تسب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها).

    وأيضاً قصة الرجل كما في الصحيح الذي اتهم بأم ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله، فجاء فوجده في بئر فمد إليه يده فأخرجه من البئر فإذا هو مجبوب، فتركه ولم يقتله وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فارتفعت هذه التهمة ولم يقتله الرسول صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: كل إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لله أو لدينه فإنه يعتبر ردة تخرج صاحبها عن الإسلام وعن حدود الإسلام.

    ادعاء النبوة

    أيضاً من المكفرات ومن نواقض الإيمان: ادعاء النبوة، فلو إن إنساناً ادعى أنه نبي فإنه كافر خارج عن دائرة الإسلام؛ لأنه مكذب لخبر الله عز وجل ولخبر النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر أنه خاتم النبيين ولا نبي بعده، وهذا التكذيب يدل على أن صاحبه كافر غير مسلم، ولهذا وصف الله عز وجل نبيه بأنه خاتم النبيين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نبي بعدي)، فكل من ادعى النبوة فهو مرتد بإجماع المسلمين، فـمسيلمة الكذاب مرتد، وكل من ادعى النبوة فهو مرتد.

    وممن يدعي النبوة فلاسفة الصوفية والفلاسفة الذين تأثروا بـأرسطو وأفلاطون وغيرهما، فإنهم كانوا يعتقدون: إن النبوة موهبة ذاتية تدل على قدرات فائقة عند الإنسان يمكن للإنسان أن يكتسبها، ويقولون أن النبوة معارف فوق معارف الإنسان العادية، وقدرات ذاتية فوق قدرات الإنسان العادية يستخزنها هذا النبي إلى درجة أنه يسمع إلهاماً، وأنه يؤثر في الجماد، ويؤثر في الحياة من حوله، وبهذا فإنهم يفسرون الخوارق والمعجزات التي تحصل للأنبياء بأنها تأثير ذاتي من النبي لقوة شخصيته ولقوة مواهبه وإراداته وما يحصل له من الإلهامات والرياضة، ويقولون: إن الإنسان بإمكانه من خلال الرياضة أن يتوصل إلى النبوة، فهذا كفر مخرج عن دائرة الإسلام أيضاً، ولهذا شبه ابن عربي الطائي نفسه بأنه خاتم الأولياء كما أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ولم يأت الصوفية بتفريق صحيح بين النبي والولي، فإنهم يقولون: إن الولي يوحى إليه كما أن النبي يوحى إليه، وإن الولي يأتيه الملك كما أن النبي يأتيه الملك، ولم يأتوا بفارق يمكن للإنسان أن يفرق به بين خصائص النبي وخصائص الولي، بل عندهم أن النبي مثل الولي تماماً لكن الولي لا يقول: أنا نبي وإنما يقول: أنا ولي، والنبي نبي فقط في الاسم، أما في الحقيقة فإن الأولياء عندهم بمثابة الأنبياء تماماً فالكل يوحى إليهم، والكل يأتيهم ملك من عند الله عز وجل.

    بل إن الصوفية تجاوزوا هذا الحد إلى درجة أنهم قالوا: إنكم تأخذون علمكم ميت عن ميت وأما نحن فنأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت، ويقولون: حدثني قلبي عن ربي، وهذا الإلهام عندهم كاف في أنه وصل إلى درجة اليقين بدون أي تردد أو إشكال.

    والحقيقة أن الصوفية أصبح اليوم لهم حركة ربما في السنوات الخمس الأخيرة هذه أكثر من السنوات الماضية، ومن علمائهم الشباب الذين بدأ لهم ظهور وبروز إعلامي المخرف الحبيب علي الجفري الذي يأتي في القنوات الفضائية، وله كتاب يشرح فيه اعتقاد الفرقة الناجية، وهو كتاب مليء بالعقائد الضالة المنحرفة عن عقيدة أهل السنة وعن عقيدة المسلمين، فهو يستحل دعاء غير الله سبحانه وتعالى، ويرى أنه حلال باتفاق المسلمين، ويستحل أيضاً الذبح على القبور، ويستحل أيضاً الطواف عند القبور، ويعتقد أن الموتى يسمعون كما يسمع الأحياء تماماً، وأنهم يستجيبون لنداءات الزوار كما أن الأحياء يسمعون لنداءات الزوار.

    ولعل كثيراً من أهل السنة -مع الأسف- قد خدعهم هذا الجفري في لقاءاته في الإعلام الفضائي بأنه لا يتكلم في القضايا ذات الحساسية التي تؤثر، ولهذا فإن الصوفية أصبحوا يمتهنون أسلوب التقية مثل الشيعة تماماً، وأصبحوا يتكلمون في القضايا المتفق عليها والقضايا المعروفة وخصوصاً القضايا السياسية المؤثرة مثل: تسلط الصهاينة وتسلط أمريكا على بلاد المسلمين.. ونحو ذلك، فقد يظن بعض الناس أن هؤلاء من دعاة أهل السنة الذين يظهرون كلمة الحق ونحو ذلك، وقد يأتون بكلام حول فضائل الأعمال والأخلاق والآداب، وكيفية التعامل مع أهل العلم ونحو ذلك، ويأتون بهذا الكلام العام الذي هو موطن اتفاق بين المسلمين جميعاً ويزينون به أنفسهم، وقد ينهون عن التبرج والسفور والفسوق الذي أصبحت تعيش فيه كثير من بلاد المسلمين وهو التفسق الأخلاقي، وسوء الأخلاق والبغاء، وانتشار الفساد في الناس، فهم ينهون عن هذا، لكن هناك عقائد قد يخفونها عندما يتحدثون مع الجمهور في القنوات الفضائية، لكن في كتبهم وفي مواقعهم يصرحون بهذه العقائد، وأنا بنفسي اطلعت على كتاب الجفري هذا الذي سبق أن ذكرت لكم بعض العقائد التي نتحدث عن خطرها على المسلمين.

    دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله

    من نواقض الإيمان أيضاً الذي ينبغي أن نشير إليه هو دعاء غير الله والاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى، فإن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام، مثل: الاستغاثة بغير الله في مغفرة الذنوب، وكشف الكروب، وطلب الرزق، والغنى، والولد، والتوفيق، والبركة.. ونحو ذلك، فهذه لا تؤخذ إلا من الله سبحانه وتعالى، ولا تطلب إلا منه؛ لأنه هو مالكها وحده سبحانه.

    طلب شفاعة يوم القيامة من غير الله تعالى

    ومنها: الشفاعة يوم القيامة، فلا يجوز لأحد أن يطلب الشفاعة إلا من الله سبحانه وتعالى؛ أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه شافع يوم القيامة، أما في الدنيا فليست بيده؛ لأنه لم يؤذن له، ولم يأت يوم القيامة، فكيف يطلب منه شيء ليس بيده؟ يقول الله عز وجل: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44].

    فالشفاعة لله عز وجل لا تطلب إلا من الله سبحانه وتعالى، وهي ملك خاص له سبحانه وتعالى، وإذا أراد الإنسان الشفاعة فإنه يقول: اللهم شفع فيّ نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم، أما أن يقول: يا رسول الله! اشفع لي الآن فهذا لا شك أنه من الخروج عن عبادة الله إلى عبادة غيره، حتى لو كان نبياً أو فاضلاً أو ولياً أو ملكاً أو نحو ذلك، ولهذا يجب الحذر من هذه العقائد الكفرية الضالة، وأي تنسك أو تعبد يصرف لغير الله عز وجل فهو مخرج عن دائرة الإسلام، فمن ذبح تقرباً لغير الله عز وجل فقد كفر، ومن سجد سجود تعبد وتذلل لغير الله عز وجل فقد كفر، ومن حلق رأسه عند قبر تعظيماً لصاحب القبر فقد كفر، ومن طاف حول قبر وصرف هذا الطواف لصاحب القبر ظناً منه أن صاحب القبر يشفع له يوم القيامة فقد فعل مثل فعل المشركين، حيث كانوا يقرون بالربوبية ويقولون إذا سئلوا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] فهم يعرفون الربوبية لكن هذا الإيمان لا ينفعهم، ويصرفون العبادة لغير الله عز وجل ظناً أن هؤلاء الأولياء وهذه الأصنام التي صوروها على صور صالحين أو ملائكة أنها ترفع أعمالهم إلى الله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

    الحكم بغير ما أنزل الله تعالى

    من نواقض الإيمان أيضاً: الحكم بغير ما أنزل الله، ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله مسألة دقيقة وفيها تفصيل علمي عند أهل العلم، وكثير من الناس يخلط فيها خلطاً كبيراً ما بين إفراط وتفريط، ومنهج أهل السنة هو المنهج الحق والوسط الذي ينبغي الوصول إليه، فالحكم بغير ما أنزل الله نوعان:

    النوع الأول: أن يصاحب الحكم بغير ما أنزل الله استحلال قلبي أو اعتقاد أفضلية هذا الحكم الذي يحكم به على حكم الله سبحانه وتعالى، أو اعتقاد مساواة هذا الحكم الجاهلي الذي يحكم به لحكم الله عز وجل، فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة بدون خلاف بين العلماء وأهل الإسلام، فإن هذا استحلال لما حرم الله سبحانه وتعالى، وأي استحلال لما حرم الله عز وجل كمن يستحل الخمر أو الزنا أو الربا فإنه يكفر.

    والاستحلال معناه: اعتقاد أن هذا الأمر حلال، فمن اعتقد أي أمر من الأمور المحرمة شرعاً والمعروفة والواضحة وهو يعرف أنها محرمة شرعاً ثم استحلها وقال بأنها حلال وجائزة فهذا لا شك أنه كافر خارج عن الإسلام.

    النوع الثاني: أن يكون الحكم بغير ما أنزل الله لا يرتبط بالاستحلال القلبي، وإنما هو فعل يفعله وتصرف وعمل يعمله، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: أن يستبدل الشريعة الإسلامية بشريعة أخرى، ويأتي بمنهج متكامل آخر يحكمه ويلتزم بهذا الحكم.

    القسم الثاني: أن يكون ملتزماً في أصل الحكم بشريعة الله عز وجل، كالقاضي يقضي بهوى أو شهوة، مع أنه ليس عنده قانون يلتزم به في كل فرد أو شخص يحكم فيه.

    وهناك فرق من حيث العمل بين القانون وبين القاضي الذي يحكم بهوى أو شهوة، فالقانون الذي يحكم به القاضي هو التشريع وهو الشريعة الربانية، هذا في الأصل، لكنه قد يجور لهوى أو شهوة أو رشوة.. أو نحو ذلك، وهذا يعتبر من الكفر الأصغر الذي لا يخرج عن دائرة الإسلام.

    أما إذا اتخذ قانوناً فإن القانون له صفة الشريعة، والقانون هو القاعدة المنضبطة التي تنفذ على كل الناس، وهذه فيها خصائص التشريع، والتشريع حق لله عز وجل، ومن نازع الله فيه فقد كفر، يقول الله عز وجل: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فكما أن له الخلق فهو الخالق سبحانه وتعالى للعباد فكذلك له الأمر، والأمر هنا المقصود به: التشريع، فالله عز وجل هو الذي شرع للناس ما يصلحهم في معاشهم وفي معادهم، وهو الذي جاء بهذه الشرائع التي يحكم بها القضاة وهي الشرائع الربانية، فمن جاء بشرائع أخرى وألغى هذه الشرائع وأبعدها فإنه يعتبر كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام حتى لو لم يستحل هذا العمل، بل هذا التشريع مثل عبادة غير الله عز وجل تماماً، فلو أن إنساناً عبد غير الله عز وجل كأن استغاث بغير الله، فلا يشترط فيه الاستحلال بإجماع أهل السنة، ولو أن إنساناً طاف حول قبر وذبح لغير الله عز وجل فإنه بإجماع أهل السنة لا يشترط فيه أن يعتقد أن هذا الأمر حلال، بل بمجرد الممارسة والعمل فقد وقع في الشرك الأكبر؛ لأن هذا شرك أكبر ولا ينظر فيه إلى الاستحلال، والنظر إلى الاستحلال في قضايا أخرى، كمن استحل معصية فإنه يكفر، أما لو لم يستحلها فلا يكفر، أما عبادة غير الله فلا يشترط فيها أن يستحل، فإذا استحل فإنه يقع في كفرين في وقت واحد:

    الكفر الأول: هو عبادة غير الله عز وجل، والكفر الثاني: هو الاستحلال الذي جاء به، فمن جاء بقانون وجعله عاماً على كل الناس، سواءً كان في الدماء وقال: إن القاتل لا يقتل وإنما يسجن مثلاً، أو قال: إن الرجل إذا زنى بامرأة وتحققت الشروط الشرعية في زناهما وكانت متوافرة تامة فإنه يسجن، ويفرقون بين رضا المرأة وعدم رضاها فيقولون: إذا كانت المرأة راضية وهي متزوجة فإنها تغرم ويغرم؛ لأن هذا خيانة للحياة الزوجية ويفرق بينهما، وأما إذا لم تكن راضية وكان هناك غصب فإن له حكماً آخر، بل إن بعض الدول الإسلامية شرعت قانوناً في الردة، فلو أن إنساناً استهزأ بالله وكفر بالله عز وجل فإنه يغرم ألف دينار مثلاً أو مبلغاً من هذه المبالغ وهذا لا شك أنه مخالفة لشريعة الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، وأجمع العلماء على أن من بدل دينه فإنه يجب أن يقتل.

    والحقيقة أن مشكلة القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية مشكلة عميقة وكبيرة جداً، ومن أفضل الكتب التي قرأتها في هذا الباب هو كتاب: تحكيم القوانين للشيخ المفتي السابق لهذه البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وفي فتاويه أيضاً كلام دقيق في كثير من هذه المسائل، ومواقف قوية جداً فيما يتعلق بالتشريعات التي تشرع بغير ما أنزل الله وتكون مخالفة لتشريع الله سبحانه وتعالى، فإن القانون -كما قلت- يختلف عن القاضي الذي يحكم بالهوى والشهوة، فالقاضي الذي يحكم بالهوى والشهوة يكون فاجراً ظالماً كافراً كفراً أصغر لا يخرجه ذلك عن ملة الإسلام، لكن من يأتي بتشريع وقانون فقد أبطل شرع الله عز وجل وجاء بشريعة من عنده، سواء هو الذي اخترع هذه الشريعة أو اخترعت له ونفذها، ومع الأسف فإن كثيراً من بلاد المسلمين اليوم أصبح عندها لجان للتشريع فيشرعون أموراً مع وضوح مخالفتها لشريعة الله؛ لأن التشريعات تنقسم إلى قسمين:

    تشريعات إدارية، وهذه لا شيء فيها، فإن فيها تنظيم أمور المجتمع مثلاً، وترتيب الإدارات الحكومية، وتوزيع الصلاحيات والاختصاصات، فهذه أمور لا شك في إباحتها، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين.

    لكن الكلام الذي هو موطن النقد وموطن المشكلة في الحقيقة هو التشريعات التي تتعلق بالأمور التي ورد فيها تشريعات ربانية ظاهرة وواضحة في دماء الناس وفي أموالهم وفي أعراضهم.. ونحو ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى في وصف اليهود والنصارى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، واتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله صورته هو أنهم يحلون لهم الحرام فيتبعونه، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونه، وهذا هو ما ورد في حديث عدي بن حاتم الذي حسنه الشيخ الألباني ، فكونهم يحلون الحرام ويحرمون الحلال المناقض لتشريعات الله عز وجل فهذا لا شك في كونه رداً لشريعة الله عز وجل، واستبدالها بشريعة أخرى.

    وبعض الناس يدخلون في مماحكات ونقاشات لفظية لا طائل تحتها، ونصبوا أنفسهم مدافعين عن القوانين الوضعية فيقولون: هذه ليست من الكفر حتى يستحلها، فنقول: الواقع الموجود الآن أنهم يستحلونها، فماذا يقول مثل هؤلاء؟

    وكثير من الناس يهرب من مشكلة فيقع في مشكلة أخرى، فالمرجئة هربت من غلو الخوارج فوقعت في التفريط وهو الإرجاء، والمعطلة هربوا من مذهب المشبهة الرديء فوقعوا في تعطيل صفات الله عز وجل، وبعض الناس اليوم يتخذون عقائد ومواقف لوجود أخطاء من بعض الشباب الذين قالوا بأن القوانين الوضعية هي كفر وتطبيقها كفر ثم ركبوا عليها أموراً أخرى ولم يراعوا فيها الضوابط الشرعية، فرتبوا عليها أن الحكومات الموجودة الآن كلها كافرة، وكفروها بالأعيان، ثم كفروا كل من يشتغل معهم في الحكومة سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، ثم بدءوا يوزعون التكفير بشكل غريب يشبه طريقة الخوارج إلى درجة كبيرة، فصار بعض الناس - وهذا ردة فعل لهذه الممارسة الخاطئة- يدافع عن القوانين الوضعية ويقول: إنها ليست من الكفر المخرج عن الملة مع ظهور الموضوع إلى درجة كبيرة جداً، مع أن هذه القوانين كلام صريح بالاستحلال، لأنهم يجوزون للشخص أن يعمل كذا، وهذا الجواز استحلال، ولا يجوزون كذا وكذا، فصياغة القوانين صورتها: يجوز كذا ولا يجوز كذا، وهذا استحلال، فلم تعد قضية المناقشة في الاستحلال قضية ذات اعتبار في الجوانب العملية؛ لأن القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية فيها استحلال، والاستحلال حتى على مذهب المرجئة كفر، لكن الطريقة الصحيحة أن يقال: إن هذه القوانين الوضعية كفر مخرج عن دائرة الإسلام حتى لو اعتبرناها معاصي، فإنهم يستحلونها بدليل صياغة القانون نفسه.

    وبعض الناس يقول: كتابة هذه القوانين ليس فيها الاستحلال القلبي، فنقول إن الكتابة مثل اللفظ، واللفظ معبر عما في القلب.

    فلو قال: لا، يمكن أن يستحلها بلفظه وهو منكر لها بقلبه، فنقول: هذا تلاعب بأحكام الشريعة بهذا الأسلوب، فالقانون الذي يكتب فيه صراحة: يجوز كذا وكذا وكذا من الأمور المخالفة للشريعة، مثلاً: يجوز شرب الخمر في الأماكن العامة بشرط أن يكون مصرحاً من وزارة الصحة، فهذا تصريح باستحلال الخمر، وبعض الناس يقول في طريقة الأشخاص الذين غلوا في التكفير: إنها استحلال، فنقول: هذا من الهروب المذموم، والمفترض للإنسان أنه ينتقد الخطأ عند أصحاب الغلو في التكفير، أما أن ينتقد الأصل مع أنه أصل شرعي أفتى فيه علماء كبار قديماً من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهما الله، ومن المعاصرين مثل المحدث أحمد شاكر ، وأيضاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، فلن تعالج القضية بهذا الأسلوب، بل إنه أزم القضية لأنه أتى برأي منحرف آخر، علماً أنه يوجد من أهل العلم أصحاب المنهج الصحيح من يرى أن القوانين الوضعية في حد ذاتها ليست كفراً إلا إذا استحل، وهذا اجتهاد منهم، وليس هو ردة فعل لمثل هؤلاء، ولا شك أن هؤلاء العلماء الذين أفتوا بهذا عن اجتهاد ونظر يحترم اجتهادهم ونظرهم، وهم من أهل السنة والجماعة، والخلافات في مثل هذه المسائل التي يكون لها جانب اجتهادي، وينبغي للإنسان أن يحذر غاية الحذر من التبديع أو التفسيق أو الرجم بالانحراف العقدي أو نحو ذلك من الأمور التي أصبحت سهلة عند كثير من الناس، وبكل بساطة يمكن أن يرموا بها الآخرين.

    فهذه جملة من النواقض أحببنا التنبيه عليها، وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنتحدث عن أركان الإيمان الستة، وفي اللقاء الذي بعده سنتحدث عن قضية السنة والبدعة وما يتعلق بها من ضوابط شرعية بإذن الله تعالى.

    1.   

    الأسئلة

    ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين

    السؤال: هل توجد ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين؟ وهل ينصح الطالب بقراءته؟

    الجواب: كتاب إحياء علوم الدين عليه ملاحظات، منها:

    الأمر الأول: وجود بعض العقائد المخالفة للسنة، فإنه يرى أن الكشف الصوفي يمكن أن تؤول به النصوص الشرعية، كما أن أهل الكلام يرون أن العقل موجب لتأويل النصوص من أجله، فهذه عقائد غير صحيحة.

    الأمر الثاني: أن روح الكتاب روح صوفي، فالكتاب مع ما فيه من الجوانب المفيدة في التربية والسلوك إلا أنه لم يبحث موضوع الجهاد أبداً، والعجيب أن هذا الكتاب كتب في زمن احتلال الصليبيين لبيت المقدس، وهو كتاب ضخم، وفكرته: الشعور بأن المسلمين في تأخر عن الدين، والحاجة إلى إحياء علوم الدين في حياة المسلمين، ومع هذا لم يتعرض للجهاد أبداً، وهذا بسبب التوجه الصوفي الذي يرى أن الجهاد هو جهاد النفس فقط، وقد تأثر بهذا التوجه كثير من المنتسبين إلى السنة.

    والسبب فيه هو وقوع أخطاء عند من يتحدث عن الجهاد في سبيل الله، وحديثهم جميل بالجملة، لكنهم يطبقون مفهوم الجهاد في سبيل الله تطبيقاً خاطئاً، فبدل أن ننتقد هذه القضية في حدودها يأتي بعض الأشخاص ويوسع دائرة الانتقاد إلى درجة منحرفة تماماً، فالتفجيرات التي حصلت في الرياض لا شك أنها محرمة في شرع الله عز وجل بدون أي شك في هذه المسألة؛ لوجود مسلمين قتلوا في مثل هذا العمل، ولما يترتب على هذا العمل من المضار الكبيرة وأعداء الإسلام كما تعرفون يتربصون بالمسلمين الدوائر.

    أما القتلى من الأجانب الغير مسلمين فهم معاهدون، فلهم عهد، فلا يجوز للإنسان أن يقتل المعاهد، حتى لو كان المسلم لديه ملاحظات على أصحاب العهد، فإن وجودها على أصحاب العهد لا يعني أنه لا عهد له، ولو كنت مسلماً وجاء الكافر ضيفاً عندك وأمنته فلا يجوز لأحد أن يقتله في بيتك، حتى لو كنت تشرب الخمر أو عليك ملاحظات وانحرافات، فلا شك أنها أخطاء، لكن انظروا كيف تعاملت الصحافة والإعلام معها بحيث إنهم ألبسوا هذا التصرف كل الشباب الملتزمين والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، بل وسعوا الأمر وطالبوا بإلغاء الهيئات وحلقات التحفيظ، فهم يبغون أن نترك ديننا من أجل أشخاص أخطئوا وظلموا أنفسهم وظلموا المسلمين ووقعوا في انحراف! فهل نترك ديننا؟! فهذا شيء في غاية الغرابة، ولم يبق لهم إلا أن يقولوا: قفلوا المساجد وهدموها، فقد صار كثير من الصحفيين يكتبون بأسلوب سيء جداً، ويرسمون كاركتيرات فيها استهزاء بالصالحين، ولا شك أن هذا انحراف كبير.

    وبعض الأحيان يأتي أشخاص صالحون ويقولون: اتركوا العلمانيين واللبراليين هؤلاء، فإنهم من جملة المنافقين الذين يستغلون مثل هذه الأحداث، وبعض أصحاب الدعوة الإسلامية لوجود مثل هذا التوجه الذي فيه وفي تطبيقاته غلو يغالي في الطرف الآخر، فتجد أنه يكاد ينكر شرعية الجهاد من الأرض كلها، فعندما تقول له مثلاً: في فلسطين جهاد، قال: أي جهاد في فلسطين؟! أو في أفغانستان أو كشمير جهاد فينكر الجهاد من الدنيا كلها، وكأنه لا أحد يقيم الجهاد، ولا شك أن هذا خطأ، وهذه ردود أفعال ينبغي للإنسان أن يحذر منها.

    أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755952491