إسلام ويب

سلسلة فلسطين اغتيال الخلافةللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن سقوط الخلافة العثمانية أمر يوضح لنا مدى مكر أعداء الإسلام بالإسلام وأهله خاصة اليهود، فقد سقطت الخلافة العثمانية، وكان من أهم تداعيات سقوطها احتلال فلسطين من قبل الإنجليز وتسليمها لليهود، وذاق المسلمون بعد سقوط الخلافة ويلات، وعاشوا محناً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.

    1.   

    مقدمة تلخص مفهوم إسرائيل الكبرى

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي ونجاهد من خالفك، اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك، مقبلين غير مدبرين، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

    وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

    أما بعد:

    فمع المحاضرة الخامسة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين.

    وتحدثنا في المحاضرة الرابعة عن مفهوم هام من المفاهيم الخاصة بقضية فلسطين، وهو مفهوم إسرائيل الكبرى، وذكرنا بعض الشواهد والقرائن والأقوال والأفعال التي تثبت أن هذا الفكر فكر حقيقي في أذهان اليهود، وأن الخطر عظيم، وأن الخطب جلل، وأنه إن لم يفق المسلمون فإن العواقب ستكون وخيمة جداً.

    وطفنا بكم في ذهن زعيم الصهيونية تيودور هرتزل ، وكيف بزغت في ذهنه فكرة إنشاء دولة يهودية، وكيف بذل من أجلها مجهوداً ضخماً، وسافر وحاور وناور، ورغب أحياناً ورهب أحياناً أخرى، ووصل هو وشركاؤه في النهاية إلى فكرة إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ [المدثر:18-20]، نعم فكر في عملية قرصنة عجيبة، أن يخرج شعباً من أرضه ليستبدله بشعب آخر.

    وذكرنا في المحاضرة السابقة مؤتمر بال، وما انبثق عنه من مخططات محكمة لإرساء دعائم الدولة اليهودية من تشجيع للهجرة، وتنظيم لليهود، وسعي وراء الاعتراف الدولي.

    وأشرنا أيضاً إلى موقفه مع الإنجليز، وكيف اختارهم واختاروه لتنفيذ مصالح مشتركة.

    وأشرنا أيضاً إلى موقفه من ألمانيا، وكيف فتر القيصر الألماني عن مساعدته، ثم فصلنا الموقف المتشدد للقيصرية الروسية ورفضها التام لمساعدة اليهود، ومسارعتها إلى ذبحهم وتشريدهم واضطهادهم في روسيا.

    وختمنا بموقف الدولة العثمانية الرائع حيال محاولة تيودور هرتزل مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وكيف رفض السلطان المسلم بشموخ وعزة العروض اليهودية المغرية، وأصبح من الواضح أن الخلافة العثمانية بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله تقف سداً منيعاً أمام الأطماع الصهيونية، ومن ثم فكر اليهود في هدم هذا السد المنيع.

    وقبل أن أدخل في تفصيل الكيفية التي حاول بها اليهود هدم الخلافة العثمانية أجيب عن سؤالين خاصين بالحلقة السابقة.

    1.   

    الفرق بين اليهودية والصهيونية

    السؤال الأول: ما الفرق بين اليهودية والصهيونية، في الحلقة السابقة ذكرنا كثيراً اليهودية، وأحياناً نذكر الصهيونية؟

    الجواب: اليهودية: هي دين من عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا الدين أنبياء كثر وأتباع كثر، وأنزل الله على موسى عليه السلام كتاب التوراة، وهو كتاب سماوي نؤمن أنه منزل من عند الله سبحانه وتعالى، لكن المشكلة الكبيرة أن هذه التوراة حرفت تماماً، وبدل فيها الكثير، ومن ثم أصبح من المستحيل معرفة ما جاء في التوراة إلا ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء في التوراة كذا أو كذا، واليهود الذين يدينون باليهودية مشتتون في بقاع كثيرة من الأرض، وابتلي المسلمون مؤخراً بتجمع بعضهم في فلسطين.

    أما الصهيونية: فهي حركة سياسية تهدف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتأخذ اسمها من جبل صهيون المقدس عند اليهود والموجود في فلسطين، والصهيوني: هو الذي يرغب في العودة إلى جبل صهيون أرض الميعاد حتى يقيم فيها دولة، ويرى المتطرفون من اليهود الصهاينة أنه لا يكفي مساعدة اليهود في الرجوع إلى فلسطين حتى تكون صهيونياً، بل لا بد من العودة بنفسك إلى فلسطين حتى تنال هذا اللقب، وكانت جولدا مائير تقول: ليس اليهودي الفرنسي واليهودي الأمريكي واليهودي الإنجليزي بصهيوني، إلا بعد أن يحزم حقائبه ويذهب إلى إسرائيل، ومن ثم فجميع اليهود الذين يستوطنون في فلسطين صهاينة، وكثير من اليهود الذين يعيشون خارج فلسطين لا يطلق عليهم صهاينة، حتى ولو كانوا يساعدونهم بالمال والرأي.

    ولذلك فمن الممكن أن تقول: إن كل الصهاينة يهود، وليس كل اليهود صهاينة.

    1.   

    اكتفاء هرتزل بمستوطنة صغيرة على أرض فلسطين مقابل كل العروض التي قدمها للخليفة العثماني

    السؤال الثاني: ما هو المقابل الذي كان يريده تيودور هرتزل من السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله نظير هذه العروض المغرية والمتعددة، هل طلب فلسطين بكاملها، أم طلب القدس، أم طلب جزءاً من فلسطين؟

    الجواب: إن الإجابة عن هذا السؤال توضح مدى ذكاء وإخلاص وعظمة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وفي نفس الوقت فهي تثبت أيضاً لـ تيودور هرتزل الدهاء والمكر والحيلة، تيودور هرتزل لم يطلب في مقابل هذه العروض المغرية إلا طلبين فقط:

    أولاً: مستعمرة صغيرة خارج القدس يستوطن فيها اليهود.

    ثانياً: السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.

    فهو لم يطلب فلسطين بكاملها، ولا جزءاً منها، ولكنه طلب مستعمرة صغيرة فقط خارج القدس حتى يسهل على السلطان عبد الحميد الموافقة.

    كما طلب أن يسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، فقد كانت الخلافة العثمانية كما ذكرنا في الحلقة السابقة لا تسمح بذلك أبداً، مع العلم أن اليهود كانت لهم حرية الحركة داخل كل أملاك الخلافة العثمانية الواسعة الضخمة؛ وذلك لأن السلطان عبد الحميد رحمه الله لم يكن يخشى أن يقيم اليهود دولة في تركيا أو في سوريا أو في الحجاز، ولكنه كان يخشى أو يتوقع أن يقيم اليهود دولتهم في فلسطين.

    أيضاً لم يكن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله يمنع اليهود من زيارة فلسطين للأغراض الدينية، ولكن يجب أن تكون الزيارة مؤقتة ومحددة بوقت ومكان معينين.

    إذاً: لم يفلح ذكاء تيودور هرتزل أمام إخلاص وذكاء السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، ورفض بيع فلسطين أو جزء منها ولو كان جزءاً بسيطاً.

    نعم، بيعت بعد ذلك لليهود، لكن البيع لم يسجل في صحيفة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، بل سجل وما زال يسجل في صحائف آخرين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    1.   

    تاريخ يهود حافل بالمؤامرات والدسائس

    نعود إلى موقف اليهود من هذا الجبل السلطان عبد الحميد الثاني ومن الخلافة العثمانية الجامعة للمسلمين، تعالوا نرى تخطيط اليهود، وهم قوم اشتهروا في كل تاريخهم بالدس والمؤامرة والتدبير والمكر: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46].

    أولاً: حاولوا في البداية أخذ الطريق الأسرع في مؤامرات متعددة لاغتيال السلطان عبد الحميد الثاني ، لكن بحمد الله فشلت، وهنا علم اليهود أن هذا الطريق السريع قد يغير من السلطان، لكن لا يغير من واقع الدولة وسياستها، فبدءوا في طريق آخر ولا شك أن هذا الطريق الذي سلكوه هو طريق ناجح، فقد قوض أركان الخلافة في سنوات معدودات سبحان الله!!

    ولكن قبل الحديث عن هذا الطريق الخبيث، دعونا نترك السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله ونترك تيودور هرتزل والإنجليز وفلسطين، ونسبح في أعماق التاريخ مئات السنين، نعود إلى أرقى عهود البشرية على الإطلاق، نعود إلى عهد قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    بعد الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، وبعد المؤاخاة المشهورة بين الأوس والخزرج على ما كان بينهم من خلاف وشقاق وقتال قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الائتلاف والمودة والرحمة، عاشت المدينة المنورة لحظات سعيدة بل لعلها أسعد اللحظات التي مرت بالأرض، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم وقد صفيت القلوب من الغل والحسد؟ لحظات سعيدة مرت على المدينة المنورة.

    غير أنه مع هذا الفضل الكبير كان هناك في المدينة تعساء، من هم؟ اليهود.. نعم. اليهود كانوا تعساء، أكل الغيظ قلوبهم، ونهش الحسد عقولهم، وأعمى الغل أبصارهم، وهم يشاهدون المدينة تجتمع بعد فرقة، وتتحد بعد اختلاف، وتتحاب بعد كراهية.

    فماذا هم فاعلون؟

    اسمع وتدبر: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، والتاريخ يتكرر مع شاس بن قيس ، شاس بن قيس هذا هو شيخ يهودي كبير في السن، مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، فوجدهم يتكلمون ويتسامرون، وقد توطدت بينهم وشائج الأخوة فراعه ذلك، وزاد غيظه وحنقه على المسلمين، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد - يقصد الأوس والخزرج- لا والله! ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، انظر إلى رأي شاس بن قيس ، لا قرار لليهود إذا اجتمع الأوس والخزرج وهو اعتقاد صحيح، هكذا أدرك شاس بن قيس عليه لعنة الله وأدرك من بعده اليهود مثل ما أدرك شاس بن قيس أن اجتماع المسلمين فيه هلكة لليهود.

    فأمر شاس بن قيس فتى من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم واجلس بينهم، ثم ذكرهم يوم بعاث -يوم تقابل فيه الأوس مع الخزرج وكان فيه قتلى كثر- قال شاس بن قيس : ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله من صراع وتشاحن بين الفريقين، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا به من الأشعار، ففعل الفتى.

    ماذا كان رد فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج؟ لاحظوا يا إخوة أننا نتكلم عن الصفوة.. نتكلم عن الأنصار الأوائل.

    فتكلم القوم عند ذلك، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، فتقاولا -يعني: تصارعا- ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها جذعة -أي: نرجع الحرب من جديد- فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الحرة -مكان اعتاد الأوس مع الخزرج القتال فيه- السلاح السلاح، فخرجوا إليها، سبحان الله!! كارثة عظيمة، وخطر كبير، وخطأ فادح.

    فهذا ما كنا نتحدث عنه في المحاضرة الثالثة لو تذكرون، هذه هي القومية والقبلية والعنصرية، هذا هو الفارق بين رباط العنصر وبين رباط الإسلام، لما كانوا مجتمعين على الإسلام كانت القلوب متحابة، والأيدي متصافحة، أما الآن وقد قبلوا بانتمائهم إلى آبائهم الأوس والخزرج فقد تنافرت القلوب وتعاركت الأيدي.

    قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً، وخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه، حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين! الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع عنكم الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟).

    انظروا يا إخوة! إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم).

    ما هي دعوى الجاهلية؟

    هل سجدوا لصنم؟ أو ذبحوا لغير الله؟

    أبداً، إنهم فقط تفاخروا بآبائهم، وتقاتلوا على أساس عنصريتهم وقبليتهم، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهلية.

    ثم كيف كان العلاج من سيد البشر والخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم؟

    أولاً: ذكرهم بالرباط الذي يربط الناس جميعاً في هذا الكيان الجديد، فقال: (يا معشر المسلمين!)، ولم يقل: يا معشر الأوس والخزرج! أو يا معشر العرب! ولكنه ذكرهم بالرباط الأساسي وهو الإسلام يا معشر المسلمين!

    ثانياً: ذكرهم بالله الذي من أجله اجتمعنا على رابطة الإسلام: (الله الله).

    ثالثاً: قبح الفرقة والقتال على العنصر: (أبدعوى الجاهلية)، ثم زاد في التقبيح: (وأنا بين أظهركم)، فالجرم قد يتوقع في غيابه، ولكنه أعلى وأشد في حضوره صلى الله عليه وسلم.

    رابعاً: ذكرهم بالنعمة العظيمة من الله والتي تستوجب شكراً لا ينقطع: (بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع عنكم الجاهلية واستنقذكم به من الكفر، وألف بينكم؟).

    هنا وقد جاء العلاج عظيماً في ألفاظه، عظيماً في معانيه، عظيماً في توقيته، عظيماً في قائله، وهنا ينصلح الحال مباشرة، وتزول البغضاء، وتهدأ النفس، وتخفض السيوف وتنهمر العيون بالدموع، ويتلاقى الإخوة من الأوس والخزرج بالأحضان، يعتذرون ويتسامحون ويعودون صفاً واحداً كما كانوا.

    فالحادث مهم جداً وكبير، والدروس فيه لا تنقطع، والحديث عنه قد يطول، ولكن ما يهمنا الآن هو التركيز على أن الشيطان يستخدم أساليب ثابتة للتفريق بين المؤمنين، قد تختلف في الشكل لكن الأصل ثابت، شاهدنا شاس بن قيس اليهودي وما فعل، شاهدنا ما فعله الأوس والخزرج، شاهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربي ويصلح ويعدل من المسار.

    1.   

    الأساليب التي انتهجها اليهود في سعيهم لتقويض بناء دولة الخلافة العثمانية

    هيا بنا الآن نعود من جديد إلى ما كنا عليه، هيا بنا نعود إلى السلطان عبد الحميد الثاني وإلى تيودور هرتزل وإلى اليهود وإلى أواخر أيام الخلافة العثمانية، ولننظر ماذا فعل شاس بن قيس الجديد تيودور هرتزل حتى يسقط الكيان الضخم للخلافة العثمانية؟

    إثارة الجمعيات الماسونية العنصرية والقبلية بين الأتراك والعرب

    كما أرسل شاس بن قيس فتى من يهود يزرع الفتنة بين الأنصار أرسل تيودور هرتزل أوامر إلى الجمعيات الماسونية السرية الموجودة في تركيا تحت ستار جمعيات خدمة البيئة والمجتمع وجمعيات الروتاري واللاينز وغيرها أن يفعلوا نفس الشيء، وشاركت في المؤامرة الكبرى قنصليات غربية كثيرة أشهرها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، ذهبوا إلى مجموعة من الشباب المتحرر الانتهازي الطامح إلى الحكم الطامع في الملك، وبدءوا يزرعون الفتنة في قلوبهم زرعاً، ويقتلعون منها الإسلام اقتلاعاً.

    بدءوا يشجعونهم على الخروج عن المألوف ونبذ الواقع، والبعد عن العنصريات الداعية إلى التخلف -يقصدون عنصريات العرب- أدخلوا في أذهانهم:

    لماذا تشغلون أنفسكم بالعرب؟

    لماذا المشاكل في العراق وسوريا وفلسطين ومصر والحجاز واليمن؟

    لماذا معاداة القوى العظمى في العالم إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا؟

    لماذا السباحة ضد التيار؟

    ثم أي العناصر أشرف هل أنتم أيها الأشراف الفاتحون العظماء القدراء البشوات والبكوات؛ أم أولئك العرب البدو والرحل؟ اتركوهم لشأنهم وانشغلوا بأنفسكم، انطلقوا إلى تحديث تركيا، انطلقوا إلى الحضارة الغربية، انطلقوا إلى التحرر من قيود التخلف والرجعية والجمود، وهم بذلك يقصدون الإسلام ولكنهم كانوا أذكى من أن يصرحوا بذلك.

    وهكذا بدءوا يتحدثون إليهم بحديث الشيطان، يدعون إلى فرقة بين المسلمين على أساس العنصر والقبلية، أتراك وعرب، ردة حديثة إلى جاهلية قديمة، دعوى الجاهلية كما سماها سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، تسلطوا عليهم بهذه الأقوال، وكيد الشيطان وإن كان ضعيفاً على المؤمنين إلا أنه كان عظيماً وكبيراً على الذين يتولونه والذين هم به مؤمنون.

    وبدءوا يلمعون في هؤلاء الأفراد ويعظمونهم، ويرفعون من قدرهم، ويضعون صورهم في الصحف والمجلات العالمية، ويغدقون عليم بالجوائز القيمة، والتقديرات الدولية، وكان التركيز كبيراً على ضباط الجيش التركي بالذات، فالتأثير عليهم قد يؤثر على الخلافة بأكملها، ووجد هؤلاء أنفسهم في يوم وليلة بعد أن كان لا يسمع عنهم أحد ملء السمع والبصر، في كل يوم يقابلون سفيراً أو وزيراً أو ملكاً غربياً، وزاد الترغيب عندما وعدوا بحكم تركيا إن هم تخلصوا من العرب، واكتفوا بالأتراك فقط، وسال لعاب المخدوعين.

    فقد وعدوا بجزء من الدنيا فباعوا الدين بكامله، وقالوا: ماذا نفعل؟ وجاءت التوجيهات: أنشئوا ما يسمى جمعية الاتحاد والترقي، تهدف في ظاهرها إلى إعلاء شأن الأمة وخدمتها ورعاية مصالحها، ضموا إليها من استطعتم من رجال الجيش والحكم والمال والفكر، أعلنوا المبادئ الثلاثة الآتية: حرية، عدالة، مساواة.

    عظموا من القومية التركية، وذكروهم بآبائهم وأجدادهم الأتراك دون العرب، ارفعوا من قيمة الغرب ورجاله وإعلامه وحضارته، انتقدوا بهدوء أفعال السلطان ولا مانع أيضاً من انتقاد الإسلام ولكن بحذر.

    وهكذا أسست الجمعية العلمانية المشهورة جمعية الاتحاد والترقي، هل اكتفى شاس بن قيس الجديد تيودور هرتزل بذلك؟

    أبداً ذهب إلى الجناح الآخر ليستكمل المؤامرة بإحكام، وليضيق الخناق على دولة المسلمين، ذهب إلى العرب، وفعل عن طريق الجمعيات السرية والقنصليات الغربية والعملاء والأتباع ما فعله مع الأتراك، وذهبت الجمعيات تحدث العرب المخدوعين: أنتم أيها العرب! أصحاب الشرف والمجد، أنتم يا أبناء الصحابة! ويا سلالة قريش! أنتم أيها الأشراف العظماء! ما لكم والأتراك، أولئك الذين احتلوا بلادكم ونهبوا ثرواتكم، وبددوا طاقاتكم وحكموا آباءكم وأجدادكم، أتريدون أن تتركوا لهم أبناءكم وأرضكم؟

    ما لكم والأتراك، أولئك الذين لا يحسنون لغة، ولا يفقهون ديناً، ما لكم والأتراك، أولئك الذين ظلموا وتجبروا وتكبروا.

    وهكذا سبحان الله!! وجدوا آذاناً صاغية ولا عقول، وانتشرت أفكار القومية والعنصرية المفرقة في أرجاء العالم الإسلامي بأسره، ووقف تيودور هرتزل يتفرج بسعادة، ويصفق للمختلفين ويعين المتصارعين وعمت الفتنة الأرض، ولكن سبحان الله! أبى الله أن يريه نتائج مؤامرته، فمات وهو في 44 من عمره، ودخل قبره وقامت قيامته، ولقي ما هو مناسب لعقيدته وعمله، كان ذلك في سنة 1904م.

    لكن الحق أنه قد أرسى دعائم قوية لأفكاره ومعتقداته وخططه ما تبدلت كثيراً بموته وخلفه على زعامة الصهيونية حاييم وايزمن من زعماء اليهود المشهورين.

    تغذية الثورات ضد السلطان عبد الحميد والسعي إلى عزله

    حاول السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله أن يدعو الناس إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالالتفاف حول رابطة الإسلام لا رابطة العنصر، فدعا إلى إنشاء ما يسمى بالجامعة الإسلامية، كيان كبير ضخم يضم كل البلاد الإسلامية في العالم تحت رعاية الخلافة العثمانية، يتبادل فيها المسلمون الرأي والعون.

    لكن اعترضوا عليه، وازداد الموقف سوءاً، سواء في تركيا أو في بلاد العالم الإسلامي، وبدأت جمعية الاتحاد والترقي تشيع في الناس أن السلطان عبد الحميد هو سبب التخلف والرجعية، وأن أخطاءه كثيرة وأفعاله ذميمة، لكن لم يطعنوا في الخلافة بل قالوا: من الأنسب أن يعزل ويأتي غيره.

    فعلوا ذلك مدعمين بكل القنصليات الغربية القوية، وانساق الشعب وراءهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    لا شك أن الكلمات التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهدئة الوضع في المدينة المنورة بعد حادثة شاس بن قيس وقعت في تربة طيبة فأنبتت نباتاً حسناً، ولو كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس قد ملأت الدنيا قلوبهم وعقولهم وتحكمت الأهواء بأفعالهم وأقوالهم ما سمع أحد نصحه، وما ارعوى أحد بكلامه صلى الله عليه وسلم، إذاً: في حادثة شاس بن قيس الأولى كان الشعب مهيأً تربوياً لتقبل نصح وإرشاد الدين؛ ولذلك لم تنجح معه الفتنة، بينما من الواضح في قصة شاس بن قيس الجديد أن الشعوب الإسلامية لم تكن مهيأة لاستقبال قول الله وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لاشك أن الشعوب كانت مضللة، فالشعوب المبصرة لا تخدع بالغوغاء، والشعوب المتعلمة لا ترضى بديلاً عن دينها وقيمها، والشعوب الذكية لا تسمع لصوت أعدائها، فهذه الأخطاء التربوية القاتلة لا شك أنها من تراكمات السنين: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

    بعد أن تشبع المسلمون بالأفكار الانفصالية قامت ثورات عدة على السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، أشهرها ثورة في عام (1908)م، ثم ثروة أخرى في عام (1909)م، هذه الثورة الأخيرة طالبت بعزله، مؤيدة برجال حزب الاتحاد والترقي الكبراء الذين صنعوا على عين الغرب، ومؤيدة بقنصليات غربية وبشعب مقيد، ولقد كانت للثورة ما أرادت، وعزل السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله في سنة (1909)م.

    وولي الأمر من بعده محمد الخامس السلطان العثماني الضعيف، وأصبحت مقاليد الحكم الرئيسة في يد حزب الاتحاد والترقي، بل إن شئت فقل: في يد الإنجليز والفرنسيين، بل وفي يد اليهود، فقد تدخل اليهود بعد ذلك في حزب الاتحاد والترقي، ووصلوا إلى حدود بعيدة لدرجة أن الوفد الذي سلم السلطان عبد الحميد الثاني خطاب عزله كان مكوناً من ثلاثة رجال أحدهم كان يهودياً اسمه قره صو ، انظر إلى السخرية والاستهزاء، سلطان المسلمين يتسلم قرار عزله على يد يهودي.

    بل تفاقم الأمر بعد ذلك من تعاون واضح صريح بين حزب الاتحاد والترقي وبين اليهود لدرجة أن السفير البريطاني في تركيا قال لوزير خارجيته في سنة (1910)م -يعني: بعد عام واحد فقط من عزل السلطان عبد الحميد - إن لجنة الاتحاد والترقي تبدي في تشكيلها الداخلي تحالفاً تركياً يهودياً مزدوجاً، وتأكيداً على ذلك فإن حزب الاتحاد والترقي قد أخذ قرارات جديدة وسن قوانين عديدة، ومن أوائل هذه القرارات والقوانين إلغاء الحضر المفروض على اليهود في دخول فلسطين، والسماح لهم بالهجرة، وعزل حكام فلسطين العثمانيين الذين كانوا معروفين بكرههم لليهود، وتولية آخرين يتفهمون السياسية الجديدة.

    وفتحت أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وانحدرت الأمة في طريق الهاوية.

    الزج بدولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى

    تلاحقت الأحداث بسرعة، وتزامنت هذه الأحداث المتلاحقة في الخلافة العثمانية مع أحداث عالمية خطيرة، حديث بدأت نذر الحرب العالمية الأولى تظهر، وتحالفت إنجلترا وفرنسا وروسيا ضد ألمانيا، ثم دخلت إيطاليا في التحالف الإنجليزي على وعد إطلاق يد إيطاليا في ليبيا، ووجدت جمعية الاتحاد والترقي فرصة سانحة، أو قل: وجد اليهود الفرصة سانحة للإجهاز على الخلافة العثمانية، فدفعوها دفعاً للدخول إلى الحرب العالمية الأولى، وأخذت جمعية الاتحاد والترقي القرار بالانضمام إلى معسكر ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا، كل هذا وما زال هناك خليفة يحكم في الظاهر، بينما تدار الأمور في الخفاء بأيدي اليهود عن طريق جمعية الاتحاد والترقي، وبدأت الحرب العالمية الأولى في سنة (1914)م واستمرت إلى سنة (1918)م.

    1.   

    الأسس التي ساعدت على إنشاء دولة لليهود في فلسطين

    وضعت السنوات الأربع التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى علامات بارزة وأسساً قوية لإنشاء دولة اليهود في داخل فلسطين.

    توالي الهزائم على الخلافة العثمانية

    أولاً: توالت الهزائم على الخلافة الإسلامية العثمانية بعد أن تولى قيادتها العلمانيون الأتراك، وانشغلت بنفسها تماماً وكانت الهزائم شديدة في كل الجبهات.

    في منطقة البلقان وشرق أوروبا تأثرت الخلافة العثمانية جداً بتحالف صربيا وبلغاريا واليونان والجبل الأسود، واستطاعوا هزيمتها والاستقلال عنها، مع العلم أن هذه الدول جميعاً كانت مجرد ولايات في الخلافة العثمانية، وبدأ الجيش الروسي يأكل آسيا الوسطى، ويسيطر على القوقاز.

    وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا يهاجمون تركيا، وإيطاليا تفترس ليبيا، وهكذا جرى تحطيم الخلافة العثمانية التي تحمي فلسطين.

    ومع ذلك فقد وجهت الخلافة العثمانية ثلاثة جيوش لحماية منطقة الشام وفلسطين، ولا يتسع المجال طبعاً لذكر تداعيات هذه الهزائم وتفصيلاتها، وسنفرد لها حديثاً آخر إن شاء الله في وقت لاحق، لكن المهم أن انهيار الخلافة العثمانية كان نذيراً ببدء ضياع فلسطين.

    اتفاقية الشريف حسين حاكم مكة مع مكماهون الإنجليزي

    ثانياً: مع كل هذه الكوارث إلا أن الأيام تحمل للمسلمين آلاماً أشد وجروحاً أعمق، فقد وقعت كارثة جديدة كبيرة، وهي اتفاقية الشريف حسين حاكم مكة العربي وليس التركي مع مكماهون الزعيم الإنجليزي، الشريف حسين عنده نوازع قومية عربية استقلالية، والحرب دائرة بين الخلافة العثمانية وإنجلترا، وهو يمثل معارضة ضد النظام الإسلامي الحاكم، فلماذا لا يضع الإنجليز أيديهم في يده؛ ليتعاونوا في هدف واحد وهو إسقاط النظام الحاكم المسلم، وتقاسم الكعكة بعد ذلك، والكعكة بكاملها إسلامية؟

    اتفاقية الشريف حسين مع مكماهون الإنجليزي تمت بتدبير من ضابط المخابرات الإنجليزي الجنسية اليهودي الديانة لورانس ، وهو ضابط مشهور جداً في تاريخنا، وتمت الاتفاقية في سنة (1915)م، وفيها عرضت إنجلترا على الشريف حسين وعوداً ضخمة جداً:

    1- إنشاء مملكة للعرب يكون الشريف حسين ملكاً عليها، هذه المملكة تضم الحجاز، والعراق، وسوريا، والأردن وعاصمتها مكة المكرمة زادها الله تكريماً وتعظيماً: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120].

    2- استثناء بعض الأماكن في المملكة لا تعطى، ولا ندري هل ذكر سبب الاستثناء في الاتفاقية أم لا؟ ولكن الأيام وضحت لماذا تم الاستثناء؟

    استثناء الإسكندرونة من سوريا؛ لأنها سوف تهدى إلى تركيا وحزب الاتحاد والترقي نظير المساعدة في إهلاك الخلافة العثمانية، كذلك لبنان تستثنى؛ لأنها ستحول إلى دولة موارنة تحت رعاية فرنسية، فلسطين المسلمة تستثنى أيضاً لا تدخل في المملكة العربية؛ لأنها تجهز لتكون وطناً لليهود.

    3- التعاون الاقتصادي بين المملكة العربية التي سوف تقوم، والمملكة البريطانية، يعني إنجلترا ستصنع والمملكة العربية تشتري.

    4- تعاون عسكري بين المملكتين.

    وطبعاً التعاون العسكري يعني: الحماية الإنجليزية للمملكة العربية في نظير حماية المصالح الإنجليزية في المنطقة الإسلامية، وإلا لا يتخيل أحد أنه لو حدث هجوم على لندن مثلاً أن يتحرك الشريف حسين بقواته لنجدة الإنجليز هناك.

    هذه العروض السخية من الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية في مقابل أن يحمل الشريف حسين سيفه ومدفعه، ويأخذ أحبابه وأصحابه وأهله وجيشه وقومه ويضرب الخلافة العثمانية الإسلامية في ظهرها، بينما الخلافة العثمانية تحارب في الغرب والشمال أوروبا الشرقية وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وتحارب في الشرق روسيا القيصرية، يأتي الشريف ويطعن في الجنوب ويضرب الجيش التركي المسلم في الشام وفلسطين.

    لكن لا يجب طبعاً أن يخرج في صورة الخارج عن النظام، والراغب في هدم الكيان والساعي إلى نصرة الصليبيين لا.

    فلنطلق على هذا الخروج اسمًا جميلاً حضارياً: الثورة العربية الكبرى، ثورة -كما يقولون- على الظلم والاستبداد واحتلال الأتراك للعرب.

    وتحركت الجيوش العربية بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين إلى الشام لحرب الجيوش العثمانية المسلمة، وفي ذات الوقت تحركت الجيوش الإنجليزية والفرنسية لتساعد الثورة العربية الكبرى على زعمهم، إذاً في أيام الحرب العالمية الأولى حدثت أمور خطيرة، كما ذكرنا:

    أولاً: تدمير القوة العسكرية العثمانية في أوروبا وآسيا.

    ثانياً: معاهدة الشريف حسين مع مكماهون .

    معاهدة سايكس بيكو المشهورة سنة 1916م

    ثالثاً: أمر جديد خطير بعد معاهدة الشريف حسين مع مكماهون ، وكانت قد أثبتت هذه المعاهدة أن الإنجليز يتعاملون بدهاء شديد مع المسلمين، ويضربون على أوتار حساسة، بينما المسلمون غافلون عن أسباب قوتهم، لكن الإنجليز أثبتوا أنهم لا يتمتعون فقط بقدر عظيم من الدهاء، بل يتمتعون أيضاً بقدر أكبر من الخسة والنذالة والكذب والخداع، فبعد هذه الاتفاقية المشبوهة مع الشريف وبعد تحرك الجيوش العربية لضرب الجيوش العثمانية المسلمة، فعل الإنجليز فعلاً آخر أشد وأبشع ما هو؟

    هذا الشيء يعرف في التاريخ باسم معاهدة سايكس بيكو المشهورة سنة (1916)م، بعد شهور قليلة من معاهدة الشريف حسين مع مكماهون تمت معاهدة سايكس بيكو في بطرسبرج بروسيا بين إنجلترا وفرنسا، مثل فيها إنجلترا مارك سايكس المندوب الثاني لشئون الشرق الأدنى، ومثل فيها فرنسا جورج بيكو قنصل فرنسا السابق في بيروت، واتفق الطرفان على تقسيم أملاك الخلافة العثمانية بينهما بعد أن يتم النصر عليها.

    فاتفقوا على أن تفرض إنجلترا حمايتها واحتلالها على العراق والأردن، وتفرض فرنسا حمايتها واحتلالها على سوريا ولبنان، بينما تصبح لفلسطين إدارة دولية باستشارة روسيا.

    وهكذا قسم الإنجليز والفرنسيون البلاد التي وعدت إنجلترا بإعطائها الشريف حسين .

    كانت معاهدة سايكس بيكو سرية غير معلنة، لكن روسيا سربت أخبارها، ولما وصلت الأخبار إلى الشريف حسين انزعج بشدة، وتحدث مع الإنجليز فقالوا له بمنتهى الثقة: لن يحدث شيء من هذا، ونحن على وعدنا معك، فما كان منه إلا أن اطمأن واستراح، إذ كيف يمكن أن يتخيل أن تخونه الدولة الصديقة إنجلترا؟

    ونسي قول الله سبحانه وتعالى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:100].

    ونسي قوله تعالى: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10].

    الحرب العالمية الأولى وما حملت معها من الكوارث على الخلافة العثمانية

    رابعاً: في سنة 1917م في أيام الحرب العالمية الأولى حدث معها كوارث جديدة كثيرة على المسلمين عددت منها أربعاً:

    الكارثة الأولى: وعد بلفور ، وبلفور هذا هو وزير خارجية بريطانيا آنذاك، ووعده هذا عبارة عن خطاب أرسله إلى اللورد اليهودي روتشلد الممول اليهودي المشهور مؤرخاً بتاريخ 2/11/1917م، وهو مجرد خطاب لا يحمل أي صبغة قانونية، ومع ذلك أصبح الأصل الرئيسي الذي يعتمد عليه اليهود في إقامة دولتهم. قال بلفور في وعده: إن الحكومة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وسوف تبذل خير مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية.

    ثم انظروا إلى التحذير الرحيم من بلفور : وليكن معلوماً أنه لا يسمح بإجراء شيء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن.

    ما أعظم الرحمة الإنجليزية!! لا يمكن أبداً أن يضروا المدنيين والحقوق الدينية، وإنما سيرسلون البوارج لتدمر، والطائرات لتقصف، والمدافع لتدك، والجنود لتقتل وتذبح، لكن سيرسلون معها الغذاء والدواء والكساء رحمة، كل هذا من منظور الشيطان.

    ثم انظر إلى تضليلهم عندما قالوا: للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، هذه الطوائف غير اليهودية هم أصحاب البلد الأصليين الآن، وهي تمثل 92% من سكان فلسطين، مع أن كلمة طوائف تعطي انطباعاً أنهم أقلية، لكنه خداع اللفظ وغياب الضمير.

    وفي هذا التوقيت الذي صدر فيه ما يسمى بوعد بلفور لم تكن إنجلترا تملك شيئاً في المنطقة، ولم تكن جيوشها قد دخلت فلسطين بعد، ومع ذلك وعدوا اليهود بها، وهكذا صدق عليهم قول القائل: أعطى بلفور ما لا يملك لمن لا يستحق.

    وافقت فرنسا على وعد بلفور مباشرة في سنة 1918م بعد الوعد بثلاثة شهور، ووافقت أمريكا عليه رسمياً في سنة 1922م بعده بأربع سنوات.

    ومن الممكن أن يطرأ في ذهني سؤال، لماذا تعجلت بريطانيا بإعطاء وعد بلفور لليهود قبل دخول الجيوش البريطانية إلى فلسطين؟

    الجيوش على الأبواب وأصبح الدخول وشيكاً جداً، والوعد ستكون له مصداقية أكبر لو كان الإنجليز يملكون البلاد، فلماذا تعجلوا في إعطائه قبل أن يدخلوا فلسطين؟

    الواقع أن المصالح تحكم كل شيء في تصرفات هذه الدول الاستعمارية، فإنجلترا كانت تسابق الزمن؛ لأن أموراً أخرى سوف تحدث على الساحة قريباً، وهي تريد شراء ود اليهود إلى أقصى درجة.

    أولاً: في هذا التوقيت رأت إنجلترا أن ألمانيا والنمسا بدأتا تتقربان من اليهود أثناء الحرب، وبالذات من يهود روسيا التي تشترك مع الحلفاء إنجلترا وفرنسا ضدهما، فسيخسر الإنجليز اليهود في وقت حرج.

    ثانياً: الوضع في روسيا حرج جداً جداً، فهناك جمعيات سرية كثيرة جداً انتشرت، والأفكار الشيوعية بدأت تظهر بوضوح، وإمكانية حدوث انقلاب شيوعي في روسيا واردة في أي لحظة، والإنجليز يعلمون أن اليهود وراء ذلك كله، فإذا قامت الثورة الشيوعية فإنها ستسمع وتطيع لليهود، وبذلك قد يأمر اليهود بانسحاب روسيا من الحرب العالمية الأولى، وبذلك تضعف الجبهة الشرقية للحلفاء.

    ثالثاً: إنجلترا تعلم أن لليهود تأثيراً خاصاً على الأمريكان، وقد بلغ هذا التأثير مداه لما دفع اليهود الأمريكان للاشتراك في الحرب بالعالمية الأولى إلى جانب الحلفاء، ولا بد من مكافأة سريعة؛ كي تستمر أمريكا في القتال.

    رابعاً: إنجلترا ستدخل في فلسطين بعد أيام، ولا بد أن تضمن ولاء اليهود داخل أرض فلسطين، فقد يظن اليهود أن الإنجليز نسوا وعودهم القديمة، وأنهم سيأخذون فلسطين لهم، فأراد بلفور أن يؤكد لليهود في صراحة: أننا ما زلنا على العهد، وما زلنا على اتفاقنا القديم، والإنجليز يحتاجون إلى اليهود داخل أرض فلسطين، فهم يسهلون لهم الاحتلال، سواء بالمعلومات والتجسس أو بالقتال معهم ضد المسلمين.

    تبقى مشكلة واضحة بسيطة أمام الإنجليز وهي أن إصدار هذا الوعد في هذا التوقيت قد يغضب العرب الذين يضربون في ظهر الخلافة العثمانية، لكن ما لبث الإنجليز أن طردوا هذا الهاجس من أذهانهم، فإن لهم رجلاً من العرب سيتحدثون باسمهم ويقنعون شعوب العرب أن إنجلترا الدولة الصديقة لا تفعل ذلك إلا لمصلحتنا ولمصلحة البشرية جمعاء، كيف ذلك؟ لا نفهم.

    وقد كان ما توقعه الإنجليز، وكان لهم رجال قاموا بكل ما طلبوا منهم دون اعتراض ولا استفسار، إذاً: هذه كارثة أولى حدثت في سنة 1917م وعد بلفور .

    الكارثة الثانية: هي ظهور شخصية مقيتة جداً في التاريخ الإسلامي، هذه الشخصية كانت معولاً أساسياً لهدم الخلافة العثمانية، تلك هي شخصية الضابط مصطفى كمال الملقب بـأتاتورك أو أبو الأتراك ، مصطفى كمال أتاتورك كان قائد الجيش العثماني في منطقة فلسطين، وكان عضواً في جمعية الاتحاد والترقي مشبعاً بكل الأفكار العلمانية التي زرعها اليهود والأوربيون في هذه الجمعية، راغباً في حكم قومي على أنقاض الخلافة العثمانية، ووجد الإنجليز فيه ضالتهم، وتفاهموا معه.

    وعد الإنجليز مصطفى كمال أتاتورك بأرض لا تغيب عنها الشمس، وحضارة لم تسبق، وغاية يحلم بالوصول إليها، وكان لقاءً شيطانياً.

    اتفقوا على أن ينسحب مصطفى كمال أتاتورك العلماني من أرض فلسطين فاتحاً المجال لجيوش الإنجليز الصليبيين أن تدخل إلى فلسطين، ومعرضاً مائة ألف جندي تركي للوقوع في يد الإنجليز، على أن تعطى تركيا لـمصطفى كمال أتاتورك بعد أن تسقط الخلافة، لكن كيف يمكن تفسير صعود ضابط صغير مثل مصطفى كمال أتاتورك إلى قمة الحكم في وجود الخلفاء والقواد الكبار؟

    إذاً: لا بد من أن يفعل شيء آخر مهم برع فيه الإنجليز اليهود، وبرع فيه من كان على شاكلتهم، هذا الشيء اسمه صناعة الزعيم.

    وسيأتي تفصيلاً عن صناعة الزعيم مصطفى كمال أتاتورك في حينه إن شاء الله، المهم أن مصطفى كمال أتاتورك انسحب فعلاً من فلسطين، وترك فلسطين بلا حامية ولا جيش لا من الأتراك ولا من العرب، وذلك تمهيداً لأن تحدث الكارثة الثالثة في سنة 1917م.

    إذاً الكارثة الأولى: كانت وعد بلفور .

    الكارثة الثانية: ظهور مصطفى كمال أتاتورك .

    الكارثة الثالثة: دخول الجيوش البريطانية إلى فلسطين محتلة لها، وكان ذلك في 16/11/1917م بعد وعد بلفور بأسبوعين فقط، دخلوا واحتلوا فلسطين بكاملها.

    1.   

    الأسباب التي حالت دون دفاع الفلسطينيين عن فلسطين

    لعل رجلاً يسأل نفسه أين كان الفلسطينيون آنذاك؟

    فهمنا أن الجيش التركي انسحب بعد خيانة مصطفى كمال أتاتورك ، وفهمنا أن الجيش العربي يضرب في الدولة العثمانية في الشام، وقد خرجت فلسطين من بؤرة اهتمامه، لكن أين أهل البلد من الفلسطينيين؟

    الواقع أن أهل البلد كانوا أحد رجلين: إما عاجز، وإما مخدوع، والعجز جاء من كون فلسطين لا تملك جيشاً ولا تملك حاكماً قائداً، فالخلافة العثمانية كانت تهتم اهتماماً كبيراً بهذه المنطقة لكونها مقدسة، فكان فيها حامية عثمانية كبيرة، وقد لاحظنا أنها أفردت لها جيشاً خاصاً كبيراً في الحرب العالمية الأولى، وكانت دائماً تعين عليها حاكماً تركياً كبيراً.

    والحق يا إخوة! إني أرى أن هذا كان خطأً كبيراً من الخلافة العثمانية، إذ كان من الواجب أن يكون قوام الجيش الحامي لفلسطين من أهل فلسطين أنفسهم، وأن يكون الوالي عليها من أهلها إن أمكن؛ وذلك لأنه فضلاً عن كونهم يعرفون أرضهم أكثر من غيرهم، فإن الإنسان يكون في قلبه حب فطري للمكان الذي ولد فيه، وهو أسرع الناس للدفاع عنه، لكن الوضع في فلسطين كان مختلفاً، فأهل البلد لا يملكون سلاحاً، ولم يتدربوا عليه إن وجد، ولا يملكون فكراً عسكرياً ولا تخطيطاً استراتيجياً، وهو خطأ لا بد أن يعلم، ولكن المشكلة الأكبر في فلسطين لم تكن كون الشعب عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، إنما المشكلة الحقيقة كانت في كون الشعب مخدوعاً بأفكار عجيبة وآراء غريبة كانت سبباً مباشراً في الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، مؤامرة فكرية كبيرة كانت تخطط في فلسطين كما كانت تخطط في كل البلاد العربية والتركية.

    هذه الأفكار والآراء ببساطة شديدة هي القومية العربية، فكما كانت تنتشر في البلاد العربية فكرة القومية العربية، وفكرة الاستقلال عن الخلافة العثمانية، وفكرة التمسك بالآباء والأجداد دون الدين، كانت أيضاً هذه الأفكار تنتشر في فلسطين، وكانوا يحلمون بأن يقودهم الشريف حسين بدلاً من الخليفة العثماني.

    إنجلترا الشيطان الأوربي المحتل لعبت على هذا الوتر، فقد دخلت الجيوش البريطانية فلسطين موهمة أهل البلد أنها ما دخلت إلا لتحرر البلاد والعباد من بطش الأتراك الظالمين، ومن جيش الأتراك المحتل، ما دخلت إلا بدافع الشفقة عليهم والحرص على مصالحهم، ما دخلت إلا لتسلم فلسطين بعد ذلك إلى الشريف حسين لتصبح جزءاً من مملكة عربية موحدة.

    قالت لهم إنجلترا ذلك، فصدقوها وفتحوا لها الأبواب، ونسوا ما قاله وزير خارجية بريطانيا بلفور في وعده لليهود، ولم يمر عليه أكثر من أسبوعين، صدقوا إنجلترا وأفسحوا الطريق للمدرعات والجنود الإنجليز.

    ودخل اللنبي الجنرال الإنجليزي القدس وقال أول ما قال: الآن انتهت الحروب الصليبية. فالقضية في منتهى الوضوح عند الإنجليز.

    لا شك أن الشعب الفلسطيني كان يعاني من غفلة سياسية واضحة، ولا بد كي يُمكَّن الإنجليز أو اليهود أن يكون هناك أخطاء للمسلمين، فإنهم لا ينصرون علينا بقوتهم ولكن بضعفنا.

    أضرب مثلاً على هذه الغفلة: كونت في فلسطين في الأيام السابقة للاحتلال الانجليزي جمعية تضم كبار السياسيين في فلسطين من أهل فلسطين، حتى إنه كان فيها مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني ، وهو رجل اشتهر بالذكاء والحمية والإخلاص، لكنه خدع في البداية كما خدع الآخرون، كونت هذه الجمعية للتفكير في وضع فلسطين وشأنها، لكنها للأسف كونت على أساس قومي تماماً لا على أساس إسلامي، لدرجة أن اسمها كان الجمعية الإسلامية المسيحية.

    وكدليل على غفلة هذه الجمعية وقلة فقهها للأحداث، وقصر نظرها في رؤية المستقبل أصدرت هذه الجمعية بياناً بعد عام كامل من دخول الجيش الإنجليزي إلى فلسطين بمناسبة مرور عام على دخول إنجلترا فلسطين، أصدرت هذا البيان في 16/11/1918م قالت فيه: في مثل هذا اليوم السعيد من السنة الماضية دخل الجيش البريطاني المظفر مدينة يافا رافعاً ألوية النصر؛ لتحريرنا نحن العرب من ظلم الأتراك، وقد أقمنا هذه الحفلة لنقدم لجلالة الملك -طبعاً ملك بريطانيا- وسعادة الجنرال اللنبي وسائر أمراء وأفراد الجيش المظفر مزيداً من التبريك، راجين من الله دوام نصره وتوفيقه لدولة بريطانيا العظمى الناصرة للأمم الضعيفة المظلومة.

    سبحان الله! من الغريب جداً أن يكون هذا البيان صادراً عن مجموعة من العقلاء الذين يقتنعون بأن حل القضية بيد الإنجليز، مع أن الإنجليز هم السند الرئيسي لليهود في ذلك الوقت، خاصة وأن ذلك البيان صدر بعد وعد بلفور ، وإن كان يستغرب ذلك فما أشبه اليوم بالبارحة!!

    فكثير من العقلاء أو كل الذين يظنون أنفسهم عقلاء يعتقدون أن حل قضية فلسطين في يد أمريكا، وأنها كدولة عظمى ناصرة للأمم الضعيفة المظلومة سوف تأخذ بيد العرب والفلسطينيين إلى تسوية عادلة شاملة ولو على حساب اليهود. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    المهم أنه في فلسطين أدت الغفلة إلى سهولة دخول الإنجليز محتلين لهذه البلاد المقدسة وتحققت الكارثة الثالثة الكبرى احتلال فلسطين.

    طبعاً سيتغير موقف كثير من هذه الشخصيات بعد ذلك عندما يشاهدون الظلم الإنجليزي، والتغلغل اليهودي، وسيكون منهم إن شاء الله المفتي أمين الحسيني .

    إذاً: إلى الآن ذكرنا ثلاث كوارث في أواخر سنة 1917م، وسبحان الله!! كأنها ليست كافية لضياع فلسطين، فيبتلى المسلمون بكارثة رابعة، وكعادة المخدوعين ظنوها نصراً وعلقوا عليها آمالاً.

    تلك الكارثة الرابعة كانت قيام الثورة الشيوعية البلشفية في روسيا القيصرية، وقد يقول شخص: ما لنا ولروسيا قيصرية أو شيوعية؟

    أقول: لا، كانت هناك تداعيات خطيرة لقيام هذه الثورة الشيوعية، وهذه التداعيات كان لها أثر مباشر على قضية فلسطين.

    أولاً من قام بالثورة الشيوعية البلشفية؟ من دفعها وحركها؟

    من هدم أركان الحكم النصراني الأرثوذوكسي القيصري القوي في روسيا؟

    إنهم اليهود، نعم، اليهود، تذكرون الموقف المتشدد لروسيا الأرثوذكسية من اليهود، تذكرون القتل والاضطهاد الذي كانت تقوم به روسيا لمواطنيها اليهود، تذكرون اللقاء العجيب بين تيودور هرتزل زعيم الصهيونية، وبين وزير المالية الروسي ويت ؛ لهذا كله سعى اليهود سعياً حثيثاً لإسقاط القيصرية الروسية وإنشاء كيان جديد بدلاً منها. فماذا فعلوا؟

    نشروا الأفكار الماركسية الشيوعية، أفكار كارل ماركس اليهودي، وقلبوا الثورة في أرجاء البلاد، وحرضوا الفقراء على الأغنياء، ونادوا بشيوع كل شيء، بدءاً بالمال والملكية، وانتهاء بالنساء، ونشروا الأفكار الملحدة، وقادوا ردة لم تحدث من قبل في العالم بأسره، إذ أنكروا بالكلية وجود الله، ووجدوا من الشعب آذاناً، وحدث الانقلاب الرهيب الدامي.

    قاد لينين الشيوعي تلميذ كارل ماركس الثوار، وأسس الاتحاد السوفيتي على أنقاض روسيا القيصرية، وتكون المجلس الشيوعي الحاكم الأول من سبعة أفراد، أربعة منهم من اليهود والخامس ستالين متزوج من يهودية، والسادس لينين ، والسابع رجل روسي نصراني.

    وكونت أول وزارة شيوعية تضم بين أفرادها 17 وزيراً يهودياً من أصل 22 وزيراً، وانفتحت الدنيا لليهود في الاتحاد السوفيتي، وتحكموا في معظم وسائل الإعلام هناك، ومعظم بيوت المال والمشاريع الكبرى، وفتحوا أبواب الهجرة لفلسطين، وسوف يكونون من أشد أعوان اليهود في فلسطين بعد ذلك، بل وسيكونون ثاني دولة تعترف بقيام دولة إسرائيل بعد أمريكا في سنة 1948م.

    ثانياً: كان لينين الرهيب من أشد الناس دموية في التاريخ، لا يفوقه إلا صديقه ستالين ، فقد قتل لينين ثمانية ملايين إنسان في بدء حكمه معظمهم من المسلمين، ثم قتل ستالين في فترة حكمه ما يقرب من 20 مليوناً من البشر أيضاً معظمهم من المسلمين؛ ولذلك انشغل المسلمون بتلك المصائب العظيمة عن قضية فلسطين.

    ثالثاً: أخطر شيء في الثورة البلشفية الشيوعية هي انتشار الأفكار الملحدة والقوانين الفاسدة، ليس فقط في كثير من بلاد العالم، ولكن في البلدان الإسلامية والعربية، فكانت طامة كبرى للمسلمين، فقد حكموا في بلدان عدة بمن يؤمن بمبادئ الاشتراكية والشيوعية المفسدة، وتأثرت فلسطين بذلك كما تأثرت بقية بلدان العالم الإسلامي.

    وهكذا فإن ظهور الثورة الشيوعية اليهودية في سنة (1917)م في روسيا أدى إلى تداعيات خطيرة في كل المنطقة ليس فقط في زمانها، ولكن في سنوات متعددة بقيت تعاني منها الأمة الإسلامية في كثير من بلدان العالم الإسلامي ومنها فلسطين.

    وهكذا انتهت سنة (1917)م وقد حدثت فيها كل هذه المصائب، وجاءت سنة (1918)م وانتهت الحرب العالمية الأولى، وبدأت الأمور تتضح في المنطقة بعد كل هذه التشابكات.

    ترى ما هو موقف إنجلترا وفرنسا وأمريكا وروسيا بعد انتهاء الحرب وبعد الانتصار على الخلافة العثمانية وعلى ألمانيا؟

    ترى ما هو موقف الشريف حسين بعد أن دخل الإنجليز الأرض الإسلامية؟

    ترى كيف صعد مصطفى كمال أتاتورك إلى كرسي الحكم في تركيا؟ وكيف صنعوا منه زعيماً؟

    ترى ماذا فعل هذه العميل الخائن مصطفى كمال أتاتورك في تركيا بعد ولايته؟

    ترى ماذا فعل اليهود بعد أن دخلوا أرض فلسطين؟

    ترى كيف هودت أرض فلسطين بعد ذلك؟

    هذا ما نتداوله وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755774316