إسلام ويب

سلسلة من أعلام السلف الإمام الزهريللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإمام الزهري إمام علم من أئمة أهل الحديث، وممن حمل علوم الشريعة الغراء على خير وجه، قال عنه بعضهم أنه أول من دون العلم وكتبه، وكان من أحفظ أهل زمانه وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار.

    1.   

    بين يدي ترجمة الزهري رحمه الله تعالى

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فما زلنا -بحمد الله- في صحبة العلماء الكرام من أئمة الدين ، والعلماء العاملين في هذه السلسلة المباركة من أعلام السلف.

    وهذه الجولة مع إمام من أئمة الحديث، من صغار التابعين، انتهت إليه رئاسة الحديث، إنه شيخ مالك والليث وابن أبي ذئب والسفيانين وغيرهم من أئمة أتباع التابعين.

    إنه الإمام الزهري ، وناهيك به علماً وفضلاً وشرفاً!

    قال أبو نعيم رحمه الله: ومنهم العالم السوي، والراوي الروي: أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، كان ذا عز وسناء، وفخر وسخاء.

    لازم سعيد بن المسيب سيد التابعين، ومست ركبته ركبته ثمان سنين، وتردد على عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد وغيرهم من أئمة التابعين، وكان آية في الحفظ والذكاء، فنهل من علومهم، حتى قال له سعيد بن المسيب : من مات وترك مثلك لم يمت.

    ساق الله عز وجل له أسباب الشرف والعز في الدنيا والآخرة، فكان كثير المال، عظيم السخاء، له رتبة وشرف في دولة بني أمية، وكان أول من دون الحديث بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وكان يتردد بين الشام والحجاز.

    قال أبو بكر الذهلي : قد جالست الحسن وابن سيرين فما رأيت أحداً أعظم منه. يعني: الزهري .

    و الحسن وابن سيرين أعلى منه طبقة وأكبر منه سناً، ولكن العلم منايح، والله يختص بفضله ورحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

    1.   

    نسب الزهري ومولده وصفته

    اسمه ومولده وصفته:

    اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام العلم، حافظ زمانه، أبو بكر القرشي الزهري المدني ، نزيل الشام.

    مولده: قال دحيم وأحمد بن صالح : في سنة خمسين. وقال خليفة بن خياط : في سنة إحدى وخمسين.

    صفته: قال محمد بن يحيى بن أبي عمرو عن سفيان: رأيت الزهري أحمر الرأس واللحية، وفي حمرتهما انكفاءً قليلاً، كأنه يجعل فيها كتماً، أي:كأنه يصبغ بالحناء وفيه كتم.

    قال: وكان الزهري أعيمش وعليه جميمة.

    وعن يعقوب بن عبد الرحمن قال: رأيت الزهري قصيراً، قليل اللحية، له شعرات طوال، خفيف العارضين.

    قال الذهبي : كان رحمه الله محتشماً جليلاً بزي الأجناد، له صولة كبيرة في دولة بني أمية.

    وقال محمد بن إشكاب : كان الزهري جندياً. قال الذهبي : كان برتبة أمير.

    1.   

    ثناء العلماء على الزهري رحمه الله تعالى

    ثناء العلماء عليه:

    عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت أحداً أبصر للحديث من ابن شهاب .

    وقال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: هل تأتون ابن شهاب ؟ قالوا: إنا لنفعل. قال: فأتوه فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه.

    فهو حصل علم فقهاء المدينة السبعة، ثم لقن هذا العلم الجليل لأئمة أتباع التابعين كـمالك والسفيانين والليث بن سعد وغيرهم.

    وقال محمد بن عبد الملك في حديثه: والحسن وضرباؤه يومئذ أحياء. يعني: أن عمر بن عبد العزيز قال هذا القول وكبار التابعين كـالحسن وابن سيرين أحياء.

    وعن الليث قال: ما رأيت عالماً قط أجمع من الزهري ، يحدث في الترغيب فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كذلك.

    وعن الدراوردي قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب .

    وقال أحمد بن حنبل : الزهري أحسن الناس حديثاً وأجود الناس إسناداً.

    وقال أبو حاتم : أثبت أصحاب أنس : الزهري .

    وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: ما رئي أحد جمع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع ابن شهاب .

    فكأن أكثر واحد جمع السنة ابن شهاب ؛ لأنه حصل علم كبار التابعين، إضافة إلى أنه أدرك بعض الصحابة كـأنس بن مالك ، وكان شيخ من بعده من أئمة أتباع التابعين.

    وقيل لـمكحول : من أعلم من لقيت؟ قال: ابن شهاب . قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب . قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب . كأن ليس هناك أحد يدانيه.

    وقال أحمد بن عبد الله العجلي : أدرك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الرحمن بن أزهر ومحمود بن الربيع الأنصاري ، وروى عن عبد الله بن عمر نحواً من ثلاثة أحاديث، وروى عن السائب بن يزيد .

    وقال أبو بكر بن منجويه : رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أهل زمانه وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار، وكان فقيهاً فاضلاً.

    وعن جعفر بن ربيعة قال: قلت لـعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة؟ قال: أفقههم فقهاً وأعلمهم بما مضى من أمر الناس سعيد بن المسيب ، وأما أغزرهم حديثاً فـعروة بن الزبير ، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله - أي: ابن عتبة بن مسعود - بحراً إلا فجرته. قال عراك : فأعلمهم عندي جميعاً ابن شهاب ، فإنه جمع علمهم جميعاً إلى علمه.

    وعن يونس عن ابن شهاب قال: قال لي سعيد بن المسيب : ما مات رجل ترك مثلك. أي: كأن سعيد بن المسيب ترك نسخة أخرى لما عنده من العلم.

    1.   

    أسباب تفوق الزهري في العلم

    أسباب تفوقه في العلم: قوة حفظه، وكتابته كل ما يسمع، ومدارسته العلم ومذاكرته، وملازمته أهل العلم وخدمتهم والقرب منهم وتوقيرهم، والأخذ بالأسباب التي تساعد على الحفظ؛ وتجنب ما يؤدي إلى النسيان. ونذكر ذلك بشيء من التفصيل:

    السبب الأول: قوة حفظه

    قال الذهبي : ومن حفظ الزهري أنه حفظ القرآن في ثمانين ليلة. روى ذلك عنه ابن أخيه محمد بن عبد الله .

    وعن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري قال: ما استعدت حديثاً قط -أي: ما طلب إعادة حديث؛ لأنه كان يحفظ من أول مرة- وما شككت في حديث إلا حديثاً واحداً، فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت.

    وعن الليث قال: كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته.

    السبب الثاني: كتابته كل ما يسمع

    عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب ، ومع ابن شهاب الألواح والصحف. قال: وكنا نضحك به. وفي رواية: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس.

    وعن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: كان ابن شهاب يختلف إلى الأعرج ، وكان الأعرج يكتب المصاحف فيسأله عن الحديث، ثم يأخذ قطعة ورقة، فيكتب فيها ثم يتحفظ، فإذا حفظ الحديث مزق الرقعة.

    وعن صالح بن كيسان قال: كنت أطلب العلم أنا والزهري ، قال: فقال: نكتب السنن، قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة. قال: فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت. أي: لم يقتصر على كتابة الأحاديث المرفوعة، ولكنه كتب أيضاً الوارد عن الصحابة.

    السبب الثالث: مدارسته العلم ومذاكرته

    عن الأوزاعي عن الزهري قال: إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة.

    وعن يعقوب بن عبد الرحمن : أن الزهري كان يكتب العلم عن عروة وغيره، فيأتي جارية له نائمة فيوقظها فيقول لها: حدثني فلان وفلان بكذا، فتقول: ما لي ولهذا؟ فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعين به، ولكن سمعت الآن فأردت أن أستذكره.

    يعني: أنه كان يوقظ الجارية ويخبرها بالحديث الذي حفظه فيقول لها: حدثني فلان وفلان بكذا، فتقول: ما لي ولهذا؟ فيقول: قد علمت أنكِ لا تنتفعين به؛ ولكن سمعته فأردت أن أستذكره. فكأنه عندما لا يجد أحداً يذاكره الحديث كان يوقظ جاريته ويذاكرها أو يحدثها بالحديث.

    السبب الرابع: ملازمته أهل العلم وخدمتهم والقرب منهم

    عن مالك عن الزهري قال: تبعت سعيد بن المسيب في طلب حديث ثلاثة أيام.

    وعن معمر قال: سمعت الزهري يقول: مست ركبتي ركبة سعيد بن المسيب ثمان سنين. وهي إشارة إلى أدب من آداب طلب العلم وهي القرب من العالم، وكما في حديث جبريل عندما أتى في صورة رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، وجعل كفيه على فخذيه، وسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان، فالقرب من أهل العلم سبب للبركة في العلم.

    وعن مالك بن أنس عن الزهري قال: خدمت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حتى كان ليقول: من بالباب؟ فتقول الجارية: غلامك الأعيمش. فظنت الجارية أنه عبد من عبيده فتقول: غلامك الأعيمش، قال: وإن كنت لأخدمه حتى لأستقي له وضوءه.

    السبب الخامس: توقير أهل العلم

    عن معمر عن الزهري قال: إن كنت لآتي باب عروة فأجلس، ثم أنصرف، ولا أدخل، ولو أشاء أن أدخل لدخلت؛ إعظاماً له.

    وعن سفيان قال: كنت أسمع الزهري يقول: حدثني فلان وكان من أوعية العلم، ولا يقول: كان عالماً.

    السبب السادس: الأخذ بالأسباب التي تساعد على الحفظ وتجنب ما يؤدي إلى النسيان

    عن إسماعيل المكي قال: سمعت الزهري يقول: من سره أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب. قال الحاكم : لأن زبيب الحجاز حار حلو رقيق، فيه يبس مقطع للبلغم.

    وعن الليث عن ابن شهاب : أنه كان يسمر على العسل. فالعسل من أسباب الحفظ، فقد كان وكيع يشرب العسل ويجلس الساعات الطويلة وهو يحدث، ويقول: اسقونا وحدثونا، فقد كان يكثر شرب العسل ولا يأكل شيئاً من التفاح.

    وعن ابن وهب عن الليث قال: كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئاً، وكان يكره أكل التفاح وسؤر الفأر، وكان يشرب العسل ويقول: إنه يذكره.

    1.   

    سخاء الزهري وكرمه في العلم

    عن الليث قال: كان ابن شهاب يختم حديثه بدعاء جامع يقول: اللهم أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.

    قال: وكان من أسخى من رأيت، كان يعطي فإذا فرغ ما معه، يستلف من عبيده ويقول: يا فلان! أسلفني كما تعرف، وأضعف لك كما تعلم، وكان يطعم الناس الثريد ويسقيهم العسل.

    وعن مالك قال: كان ابن شهاب من أتقى الناس، فلما أصاب تلك الأموال قال له مولى وهو يعظه: قد رأيت ما مر عليك من الضيق، فانظر كيف تكون، أمسك عليك مالك، قال: إن الكريم لا تحنكه التجارب. فكان ينفق كثيراً حتى يستدين، وإذا نصح يقول: إن الكريم لا تحنكه التجارب.

    وعن عقيل بن خالد : أن ابن شهاب كان يخرج إلى الأعراب يفقههم، فجاء أعرابي وقد نفد ما بيده، فمد الزهري يده إلى عمامته فأخذها فأعطاه، وقال: يا عقيل ! أعطيك خيراً منها.

    وعن عمرو بن دينار قال: ما رأيت أحداً أهون عليه الدينار والدرهم من ابن شهاب ، وما كانت عنده إلا مثل البعرة.

    وعن مالك بن أنس قال: قال الزهري : وجدنا السخي لا تنفعه التجارب.

    ولـفايد بن أقرم يمدح الزهري :

    ذر ذا وأثن على الكريم محمد واذكر فواضله على الأصحاب

    وإذا يقال من الجواد بماله قيل: الجواد محمد بن شهاب

    أهل المدائن يعرفون مكانه وربيع بادية على الأعراب

    1.   

    قصة دخول الزهري على بني أمية وعدم مداهنته في الحق

    كان بعض العلماء يمنع من الدخول على الأمراء، وينصح من أراد أن يأمرهم أن يأمرهم من بعد، يعني: خشية أن يميل قلبه إليهم، ومنهم من كان يرى الدخول عليهم لنصحهم، فمن الذين كانوا يرون الدخول عليهم الإمام مالك ، ولما قيل له: إنك تغشى الأمراء وتدخل عليهم وهم يفعلون كذا وكذا، فقال: يرحمك الله! فأين الجهر بالحق؟ فكان لدى العلماء قوة في الجهر بالحق، من هؤلاء أيضاً الإمام الزهري ، كان قريباً من أمراء بني أمية، ولم يكن يداهنهم، بل يجهر أمامهم بكلمة الحق.

    قال ابن أبي ذئب: ضاقت حال الزهري ورهقه دين، فخرج إلى الشام فجالس حويصة بن ذؤيب . قال ابن شهاب : فبينما نحن معه نسمر إذ جاءه رسول لـعبد الملك بن مروان ، فذهب به إليه ثم رجع، فقال: من منكم يحفظ قضاء عمر في أمهات الأولاد؟ قلت: أنا. قال: قم، فدخلنا على عبد الملك ، فإذا هو جالس على نمرقة بيده مخصرة وعليه غلالة ملتحف بسبيبة بين يديه شمعة. قال: من أنت؟ فانتسبت له -ذكر نسبه- فقال: إن كان أبوك لنعاراً في الفتن -أي: يثير الفتن على الدولة الأموية -قلت: يا أمير المؤمنين! عفا الله عما سلف. قال: اجلس: فجلست. قال: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: اقرأ من سورة كذا ومن سورة كذا فقرأت، فقال: أتفرض؟ -يعني: أتعلم علم الفرائض؟- قلت: نعم. قال: فما تقول في امرأة تركت زوجها وأبويها؟ قلت: لزوجها النصف ولأمها السدس ولأبيها ما بقي، قال: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، إنما لزوجها النصف ولأمها ثلث ما بقى. هات حديثك. قلت: حدثني سعيد بن المسيب فذكر قضاء عمر في أمهات المؤمنين، فقال: وهكذا حدثني سعيد . وذلك لأن عبد الملك بن مروان كان يتعلم من سعيد بن المسيب ، ولكن لما ولي الخلافة بعد وفاة أبيه شغل عن ذلك بالملك وترك طلب العلم.

    فقال: هكذا حدثني سعيد . فقلت: يا أمير المؤمنين! اقض ديني، قال: نعم. قال: وتفرض لي؟ يعني: تجعل لي راتباً ثابتاً، قال: لا، والله! ما نجمعهما على أحد، قال: فتجهزت إلى المدينة.

    قال الشافعي : حدثنا عمي قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال هشام : يا سليمان ! من الذي تولى كبره منهم؟ قال: عبد الله بن أبي ابن سلول . قال: كذبت، هو علي ، فدخل ابن شهاب فسأله هشام فقال: هو عبد الله بن أبي ، قال: كذبت، هو علي . فقال الإمام الزهري : أنا أكذب؟ لا أب لك، فوالله! لو نادى منادٍ من السماء: إن الله أحل الكذب، ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد الله وعلقمة بن وقاص عن عائشة : أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي . قال: فلم يزل القوم يغرون به، فقال له هشام : ارحل، فوالله! ما ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك. قال: ولمَ، أنا اغتصبتك على نفسي أو أنت اغتصبتني على نفسي؟ فخل عني. فقال له: لا، ولكن استدنت ألفي ألف، فقال: قد علمت وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك. قال هشام : إنا لن نهيج الشيخ، فأمر فقضي عنه ألف ألف، فأخبر بذلك فقال: الحمد لله الذي هذا هو من عنده.

    فهذه بعض الأخبار التي تدل على أنه كان يجهر بكلمة الحق مع قربه من الحكام والأمراء.

    1.   

    شيوخ الزهري وتلامذته

    شيوخه:

    روى عن سهل بن سعد وأنس بن مالك لقيه بدمشق والسائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة بن صغير ومحمود بن الربيع .. وغيرهم. وكما ذكرنا روى عن عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، بالإضافة إلى أئمة التابعين كفقهاء المدينة السبعة.

    تلامذته:

    قال الذهبي : حدث عنه عطاء بن أبي رباح وهو أكبر منه، ومات قبله ببضع وعشرين سنة. وعمرو بن دينار وعمرو بن شعيب وقتادة بن دعامة وزيد بن أسلم وطائفة من أقرانه ومنصور بن المعتمر وأيوب السختياني ويحيى بن سعيد الأنصاري .. وغيرهم.

    1.   

    درر من أقوال الزهري رحمه الله

    عن معمر عن الزهري قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب.

    وعن ابن أبي رواد عن ابن شهاب قال: العمائم تيجان العرب.

    وبعض الناس يجعلون هذا حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك كثير من الأحاديث التي يتداولها الناس هي في الأصل قول لبعض السلف أو حكمة، فيضعون لها إسناداً، أو يظنها بعض الناس لجهلهم حديثاً مرفوعاً، منها هذه المقالة: العمائم تيجان العرب، يظنون أنها حديث نبوي، وهي من قول الإمام الزهري .

    قال: العمائم تيجان العرب، والحبوة حيطان العرب، والاضطجاع في المسجد رباط المؤمنين.

    وعن يونس قال: قال الزهري : إياك وغلول الكتب، قلت: وما غلولها؟ قال: حبسها.

    يعني: أن يستعير إنسانٌ كتاباً مثلاً، فيحبسه ويمنع صاحبه من الانتفاع به، أو حتى أن يقرضه إلى غيره.

    وعن أبي يحيى عن الزهري قال: استكثروا من شيء لا تمسه النار. قيل: وما هو؟ قال: المعروف.

    وعن سفيان قال: سئل الزهري عن الزهد؟ فقال: من لم يمنعه الحلال شكره ولم يغلب الحرام صبره.

    وعن محمد بن إسحاق عن الزهري قال: إن للعلم غوائل - يعني: آفات - فمن غوائله: أن يترك العالم حتى يذهب بعلمه، يعني: لا ينتفع به. ومن غوائله: النسيان، ومن غوائله: الكذب فيه، وهو أشد غوائله.

    وروى معمر عن الزهري قال: ما عبد الله بشيء أفضل من العلم.

    وعن يونس عن الزهري قال: العلم وادٍ، فإذا هبطت وادياً فعليك بالتؤدة حتى تخرج منه.

    وعن الزهري قال: كنا نأتي العالم، فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه. يعني: ما يأخذون من سمته وهديه وأدبه أفضل عندهم مما يسمعونه من الأحاديث المسندة؛ لأنهم قد يسمعون هذه الأحاديث من غيره، يعني: ممن ليس في درجته من الأدب.

    وعن الأوزاعي عن الزهري قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضاً سريعاً، فبعز العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله.

    وقال حماد بن زيد : كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من أشعاركم وأحاديثكم؛ فإن الأذن مجاجة، وإن للنفس حمضة.

    1.   

    وفاة الزهري رحمه الله تعالى

    قال إبراهيم بن سعد وابن أخي الزهري: مات سنة (124هـ).

    وقال خليفة: مات لسبع عشرة خلت من رمضان سنة (124هـ).

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756226699