إسلام ويب

شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [7]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النذر مكروه ولو كان لله تعالى، فما بالك بالذين ينذرون للقبور والأموات، فيجعلون لها من أموالهم وحقوقهم الشيء الكثير، ويتقربون إليها بشتى العبادات؟! وهذا شرك بالله العظيم، لا يقبل الله من صاحبه صرفاً ولا عدلاً حتى يترك هذه الفواقر والبلايا.

    1.   

    معنى العبادة ودخول النذر والنحر فيها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن قلت: القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم من الأحياء يقولون: نحن لا نعبد هؤلاء، ولا نعبد إلا الله وحده، ولا نصلي لهم، ولا نصوم، ولا نحج.

    قلتُ : هذا جهل بمعنى العبادة، فإنها ليست منحصرة فيما ذكرتَ، بل رأسها وأساسها الاعتقاد، وقد حصل في قلوبهم ذلك، بل يسمونه معتقداً، ويصنعون له ما سمعته مما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم، وندائهم، والتوسل بهم، والاستغاثة، والاستعانة، والحلف والنذر وغير ذلك.

    وقد ذكر العلماء: أن من تزيّا بزي الكفار صار كافراً، ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافراً، فكيف بمن بلغ هذه الرتبة اعتقاداً وقولاً وفعلاً؟

    فإن قلت : هذه النذور والنحائر ما حكمها؟

    قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها ولو بارتكاب كل معصية؛ ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض الأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده ما أخرج درهماً، فإن الأموال عزيزة عند أهلها، قال تعالى: وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:36-37] ].

    المعنى الصحيح للصلاة

    هاتان أيضاً شبهتان من سلسلة الشبهات التي يذكرها المؤلف، فإن قلت: القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم من الأحياء يقولون: نحن لا نعبد هؤلاء، ولا نعبد إلا الله وحده، ولا نصلي لهم، ولا نصوم ولا نحج.

    يعني: أن القبوريين الذي يعبدون القبور يقولون: نحن لا نعبد القبور، وهذا أيضاً هو قول من يعتقد في الفسقة الأحياء، يقولون: نحن لا نعبدهم، نحن لا نعبد إلا الله، ولا نصلي إلا لله، ولا نصوم إلا لله، ولا نحج إلا لله، فكيف تجعلوننا مثل عباد الأصنام؟

    قال المؤلف: هذا جهل بمعنى العبادة؛ لأن العبادة ليست منحصرة في الصلاة والصيام والحج، إنما العبادة أنواع كثيرة، فمنها: الدعاء، والذبح، والنذر، والاعتقاد، أي: إذا اعتقدتم أنه يجوز أن يصرف لهم أيُّ نوع من أنواع العبادة فهذا كفر حتى ولو صليتم وحججتم لن تنفعكم هذه العبادات؛ لأن الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تنفع أحداً من فاعليها إذا وجد ناقض من نواقض الإسلام.

    فالمؤلف يقول هذا جهل منكم بمعنى العبادة.

    يقول المؤلف: وقد حصل في قلوبهم ذلك، أي: حصل في قلوبهم أن صاحب القبر يستحق أن تصرف له العبادة، بل يسمونه معتقداً، أي: يسمون صاحب القبر معتقداً، ويصنعون له ما سمعت مما تفرع عن الاعتقاد، ولولا أنهم يعتقدون أنه يستحق العبادة لما دعوه من دون الله، ولما توسلوا، واستغاثوه واستعانوه وحلفوا به، ونذروا له.

    حكم التزيي بزي الكفار

    وقول المؤلف: وقد ذكر العلماء: أن من تزيا بزي الكفار صار كافراً، هذا الأمر فيه تفصيل، فمجرد التزيي قد لا يبلغ به إلى درجة الكفر، أما إذا تزيا بزيهم تعظيماً لهم واستحل هذا التزيي وعظم دينهم فهذا كفر.

    وأما من يعتقد كفرهم وبطلان دينهم ويعلم أنه عاصٍ بهذا التزيي، لكن لبسه من باب التساهل فلا يكفر، وهذا تفصيل المسألة وفيها خلاف لأهل العلم.

    ومن تشبه بهم فقد أصابه حديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) والتشبه بهم أقل أحواله التحريم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وإلا فظاهره الكفر، ولكن المراد أن التشبه والتزيي لا يكون كفراً إلا إذا انضم إليه اعتقاد أن دينهم حق، وتعظيم دينهم وما أشبه ذلك، وأما مجرد التزيي فقط من غير قصد تشبه ويعلم أن دينهم باطل، وهو مؤمن بالله، ويعتقد أن دين الإسلام هو الحق، وأنه عاص بفعله، وإنما وقع في هذا التزيي لهوىً، فهذا عاص.

    قوله: (ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافراً) كما سبق، فمن سب الله وسب الرسول صار كافراً، ومن تكلم بكلمة الكفر -أي: قاصداً لهذه الكلمة- فإنه يكفر، وأما من تكلم بكلمة الكفر ذاهلاً، أو جرت على لسانه بغير قصد، أو نائماً، أو هاذياً فلا يكفر، فكيف بمن بلغ هذه المرتبة اعتقاداً وقولاً وفعلاً ألا يكفر؟ أي: إذا كان الذي يتزيا بزي الكفار يكفر، والذي يتكلم بكلمة الكفر يكفر، فكيف بمن اعتقد أن صاحب القبر يستحق أن تصرف له أنواع العبادة؟ أو أمر بذلك، أو فعل ذلك، أو وقع في الشرك بقوله أو بفعله، ألا يكون أولى بالكفر من غيره؟

    حكم النذور والذبائح للأضرحة والمشاهد

    يقول المؤلف: فإن قلت هذه النذور والنحائر -وهي جمع نحيرة أي: الذبائح- ما حكمها؟

    قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي -أي: الصحاري- من أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك.

    مراد المؤلف: أن هذه النذور والذبائح التي تنذر لصاحب القبر، فيذبح له، وتدفع إليه الأموال، لماذا يدفعها أصحابها؟ يقول: ما دفعها أحدهم إلا لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق التعظيم والعبادة، وهذا الاعتقاد كفر؛ لأن الأموال عزيزة، كما يقال: المال شقيق الروح، والأموال يجمعها صاحبها ويتعب، ثم يلقيها بسهولة عند صاحب القبر، كلا، فلا يمكن أن يلقيها جزافاً، بل يلقيها لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق هذا التعظيم، وأنه تصرف له العبادة، فيكفر بهذا الاعتقاد، فإن الأموال عزيزة عند أهلها ويحبونها، قال تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وقوله سبحانه: وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:36-37]، فإذاً يتبين أن حكم النذور والنحائر التي تنحر عند القبور شرك.

    1.   

    أحكام النذور الشركية للأضرحة والمشاهد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله، وأنه لا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضرراً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ويجب رده إليه، وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه قبضه؛ لأنه أكل لمال الناذر بالباطل، لا في مقابلة شيء، وقد قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188].

    ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاد، ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] الآية، فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي.

    ولأنه تدليس على الناذر، وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره، فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم وأي رضى بالمعصية أبلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفاً أعجب من هذا؟ وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذا الأسلوب: يعتقد الناذر جلب النفع في الصنم ودفع الضرر؛ فينذر له جزءاً من ماله، ويقاسمه في غلات أطيانه، ويأتي به إلى سدنة الأصنام فيقبضونه منه، ويوهمونه حقية عقيدته، وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم. وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها ].

    مراد المؤلف: أنه يجب على المسلم أن ينكر المنكر، وأعظم المنكرات الشرك، وهذه النذور منكرات شركية، فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله، وأنه لا ينفعه ما يخرجه، ولا يدفع عنه ضرراً.

    هذا رأي المؤلف في كيفية نصح عباد القبور، ونحن نقول: بل يجب على المسلم أن ينصحه بأن فعله هذا شرك، والشرك محبط للأعمال، ولا يدخل صاحبه الجنة إن مات على ذلك، وأنه بفعله هذا يكون مرتداً عن الإسلام، وهذا قبل أن يخبره بأنه إضاعة لماله وأنه لا ينفعه.

    ويعرف بأن فعله شرك، كأن يقال له: هذه النذور لغير الله، ومن نذر لغير الله فقد أشرك، ثم يبين له ثانياً: أنه مع كونه شركاً فهو أيضاً إضاعة للمال، فيقال له: كيف تأتي بمال تعبت في جمعه ثم تضعه عند قبر؟ بماذا ينفعك القبر؟ ولو كشفت عن القبر لوجدت صاحبه عظاماً بالية، فقد بلي من نذرت له وصار تراباً، فكيف تضع الأموال عنده وهذا حاله؟ لماذا ألغيت عقلك؟ ووقعت في الشرك بهذا الفعل، وأيضاً أضعت مالك.

    والنذر عموماً مكروه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأت بخير، وإنما يستخرج به من مال البخيل)، ويعلّم أن هذا في حق الناذر الذي ينذر لله، ليس في حق المشرك، وكذلك حديث: (النذر لا يأت بخير) ليس في النذر الذي ينذر صاحبه بالشرك؛ لأن الذي ينذر نذراً شركياً يكون مشركاً كافراً، لكن هذا الحديث إنما هو في الناذر الذي ينذر لله.

    فالنذر مكروه، بل افعل العبادة بدون نذر؛ لأنك تكلف نفسك بالنذر شيئاً قد عافاك الله منه، فالإنسان قد ينذر أن يصلي لله كذا إن شفى الله مريضه، أو ينذر بدون قيد، أو يلزم نفسه أن يصوم كذا، أو ينفق كذا من الأموال، ثم بعد ذلك يعجز، فافعل العبادة من دون نذر.

    وإذا كان النذر مكروهاً أو حراماً في الطاعة فكيف بالنذر لأصحاب القبور، أو للأصنام فإنه يكون شركاً بالله.

    فالذي يلاحظ كلام المؤلف يجد كأنه يقول: الواجب الإنكار على الناذر؛ لكون فعله هذا شركاً، ثم البيان له بأن هذا النذر إضاعة للمال، فلا يدفع ضرراً ولا يجلب نفعاً، وأن هذا الحديث المتقدم في الناذر الذي ينذر لله.

    ثم يقول: وأما القابض للنذر فإنه يحرم عليه قبضه؛ لأنه أكل لمال الناذر بالباطل لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاده، ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك، ويعني بالراضي به هنا: الذي يقبض النذر، أو السادن الذي يكون عند القبر لقبض النذور.

    يقول المؤلف: نقول لقابض النذور هذا مال حرام، ثم نقول له: إن هذا تقرير للشرك، والأولى أن يقدم المؤلف الثاني، أي: الأولى أن نقول له: كونك الآن تقبض النذور فعلك هذا إقرار للشرك، ومن أقر الشرك ورضي به فهو مشرك، ثم نقول له: إنك ستأكل مالاً حراماً وسحتاً، فالمؤلف قدم الأول وهو معصية على الثاني وهو شرك، وكان الأولى به أن يقدم الثاني.

    ثم يقول: فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي.

    أما حلوان الكاهن فهو: أجرته على الكهانة، وأما مهر البغي -وهي الزانية- فهو أجرتها على الزنا، والكل حرام، فكذلك هذه النذور حرام.

    ثم قال المؤلف: ولأنه تدليس على الناذر، وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره. فإذا قبض النذر وسكت أوهم الناذر أن الولي ينفع ويضر، فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم وأي رضى بالمعصية أبلغ من هذا؟

    يقول: هذا القبض إقرار للشرك، وهو أعظم المنكرات وهو تدليس وإيهام للناذر بأنه على حق، وأن ما فعله ينفعه، وأي رضى أبلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفاً أعجب من هذا؟

    يقول: وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذا الحال، فما يفعله عباد القبور مثلما يفعله أصحاب الأصنام والأوثان؛ لأن الناذر يعتقد في الصنم جلب النفع ودفع الضرر، فيجلب لهم نفعاً، كظنهم أنه -أي: صاحب القبر- يشفع لهم عند الله، ويقضي حوائجهم عنده، فينذر له جزوراً من ماله، وهكذا عباد الأصنام، وكذلك عابد القبر ينذر لسيده جزوراً، كما يذبح المسلمون لربهم الأضحية، ويقاسمه في غلات مزرعته، ويأتي به إلى هؤلاء السدنة فيقبضون منه النذر ويوهمونه حقيقة عقيدته، وكذلك يأتي ببحيرته، والبحيرة: هي الناقة التي تلد خمسة بطون آخرها ذكراً، فيشقون منها الأذن، ويمنعون ركوبها وذبحها، ويتركونها للأصنام فينحرونها لهم، فالخلاصة: أن ما يفعله عباد القبور هو مثلما يفعله عباد الأصنام، وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها وقتال أهلها؛ لأنها أفعال شركية.

    1.   

    إدراك الناذر للقبر بعض النفع لا يبيح له عبادته

    قال رحمه الله تعالى: [ فإن قلت: إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله.

    قلت: كذلك الأصنام قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها، والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان، فإن كان هذا دليلاً على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها فليكن دليلاً على حقية الأصنام، وهذا هدم للإسلام، وتشييد لأركان الأصنام، والتحقيق: أن لإبليس وجنوده من الجن والإنس أعظم العناية في إضلال العباد، وقد مكن الله إبليس من الدخول في الأبدان، والوسوسة في الصدور، والتقام القلب بخرطومه؛ فكذلك يدخل أجواف الأصنام ويلقي الكلام في أسماع الأقوام، ومثله يصنعه في أهل عقائد القبوريين، فإن الله تعالى قد أذن له أن يجلب بخيله ورجله على بني آدم، وأن يشاركهم في الأموال والأولاد، وثبت في الأحاديث أن الشيطان يسترق السمع بالأمر الذي يحدثه الله، فيلقيه إلى الكهان، وهم الذين يخبرون بالمغيبات، ويزيدون فيما يلقيه الشيطان من عند أنفسهم مائة كذبة، ويقصد شياطين الجن وشياطين الإنس من سدنة القبور وغيرهم، فيقولون: إن الولي فعل وفعل، يرغبونهم فيه ويحذرونهم منه، وترى العامة -ملوك الأقطار وولاة الأمصار- معززين لذلك، ويولون العمال لقبض النذور، وقد يتولاها من يحسنون فيه الظن من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي، فيتم التدليس لإبليس وتقر عينه بهذا التلبيس ].

    وهذه شبهة من سلسلة الشبهات التي أوردها المؤلف وأجاب عنها.

    فقال: فإن قلت: إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله.

    معناه: أن الذي ينذر لأصحاب القبور قد يجد نفعاً، فأحياناً ينذر له ليرد غائبه فيأتي الغائب ويرده الله، وأحياناً يدفع النذر ليشفى مريضه فيشفى مريضه بإذن الله، فإذا حصل له هذا ظن الناذر حقية هذا الفعل؛ لكونه جلب له نفعاً، فأجاب المؤلف بقوله: إن هذه الشبهة هي شبهة عباد الأصنام. ويقال أيضاً: إن كون الناذر الذي نذر لصاحب القبر أو للصنم قد شفى الله مريضه أو رد غائبه هذا من باب الابتلاء والامتحان لهذا الناذر بأن وافق القدر بالشفاء وقت النذر، فظن هذا الذي نذر للقبر أن الشفاء بسبب النذر، وكذلك الذي رد الله غائبه وافق القدر، أي: قدر الله أن يرد هذا الغائب في هذا الوقت، فظن الناذر للقبر أنه بسبب نذره، مع أن الأمر قضاء وقدر.

    ويقول المؤلف: إذا قلت: إن الناذر قد يدرك له بعض النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله. قلت: كذلك الأصنام قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها، والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان! فإن كان هذا دليلاً على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها؛ فليكن دليلاً على حقية الأصنام، وهذا هدم للإسلام، وتشييد لأركان الأصنام.

    كأن المؤلف رحمه الله يقول: إذا قلتم إن الذي ينذر لصاحب القبر يجد بعض النفع ويدفع عنه بعض دفع الضرر فكذلك عباد الأصنام ينتفعون منه، أي: من النذر للأصنام، كدخول الشياطين في جوفها ومخاطبتها الناس، وإن سألوا تجيبهم وتستجيب لمطالبهم، فهذا نفع، وقد كانوا يسمعون من العزى صوتاً؛ لأن الشيطان داخل فيها ويخاطبهم، ويغري الناس بالشرك، ويقول: افعل كذا، وسأفعل كذا، وسأقضي لك كذا، فلا يكون مجرد النفع دليلاً على صحة عبادتها، وكذلك القبور.

    1.   

    تمكين الله لإبليس وجنوده من بني آدم ابتلاء وامتحاناً

    ثم يقول المؤلف: والتحقيق أن لإبليس وجنوده من الجن والإنس أعظم العناية في إضلال العباد، وقد مكن الله إبليس من الدخول في الأبدان والوسوسة في الصدور، والتقام القلب بخرطومه، فكذلك يدخل أجواف الأصنام، ويلقي الكلام في أسماع الأقوام، ومثله يصنعه في أهل عقائد القبوريين.

    أي: إن الله تعالى سلط إبليس وجنوده على بني آدم، ومن ذلك أن الله سلطهم على أبدان بني آدم فيدخل في البدن ويوسوس، كما قال تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:4-6].

    فهو يوسوس في الصدور، وفي الحديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) وقد مكنه الله من الدخول في الأبدان والوسوسة في الصدور، والتقام القلب بخرطومه، وهذا ابتلاء وامتحان لهم، فيوسوس لهم ويحسن لهم الباطل، ويزين لهم أنهم استفادوا وانتفعوا من أصحاب القبور، كما أن الشيطان يدخل أجواف الأصنام ويلقي الكلام في أسماع الأقوام، فيتكلم معهم، ويقضي لهم الحوائج، ومثله يصنعه في القبوريين.

    قال: فإن الله تعالى قد أذن للشيطان أن يجلب بخيله ورجله على بني آدم.

    يشير المؤلف بكلامه هذا إلى قول الله تعالى: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [الإسراء:64]، وهذا ابتلاء وامتحان، أي: تمكين الله للشيطان ابتلاء وامتحان لبني آدم، فيجلب عليهم بخيله ورجله، ويوسوس لهم، ويشاركهم في الأموال والأولاد، وثبت في الأحاديث أن الشيطان يسترق السمع في الأمر الذي يحدثه الله، فيلقيه إلى الكهان، وذلك بإن الشياطين يركب بعضهم بعضاً حتى تسترق السمع، وأن الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السماء السابعة، ثم يتخابر به أهل السماء السادسة، ثم الخامسة، حتى يصل إلى أهل السماء الدنيا، وحتى يتكلم به الملائكة في السحاب، والشياطين يركب بعضهم بعضاً فيتكلم الملائكة الذين في السماء الدنيا بالأمر الذي قضاه الله، فيسمعه الشيطان فيلقيه إلى من تحته، ويلقيه الآخر إلى من تحته حتى يصل إلى الشيطان الذي في الأرض فيلقيه في أذن الكاهن، كما جاء في الحديث: (يقرقرها في أذن وليه قر الدجاجة)، ثم إذا وصلت إلى أذن الكاهن كذب معها مائة كذبة، ثم يخبر الناس بهذا الكذب، واحدة سمعت من السماء والباقي كذب، فيصدق الناس الكهان بتلك الكلمات التي سمعت من السماء، والشهب تلاحقهم، وأحياناً تحرق أجسام الشياطين قبل أن يلقي الكلمة في أذن الكاهن، وأحياناً يلقيها ثم يأتيه الشهاب.

    والشياطين يولد لهم في الساعة ألوف مؤلفة، فهؤلاء يحرقهم الله وهؤلاء يولدون، وكل إنسان معه قرين، كما في الحديث، وهذا هو المعنى الذي أشار إليه المؤلف: من أنه يلقيه الشيطان إلى الكهان، والكهان هم الذين يخبرون بالمغيبات، ويزيدون فيها، ثم الشياطين تزيد عليها مائة كذبة، ويقصد شياطين الجن والإنس من سدنة القبور وغيرهم، فيقولون: إن الولي فعل وفعل، ويرغبون الأغمار من الناس في التقرب إليهم، وإذا كان الولي من الأحياء فقد يكون كاهناً؛ لأن الشياطين تلقي عليهم هذه الكلمات ويكذبون معها، فيتحدث شياطين الجن وشياطين الإنس: أن الولي فعل كذا وكذا وأخبر بكذا، حتى يعبده الناس من دون الله.

    يقول المؤلف: وترى العامة ملوك الأقطار وولاة الأمصار معززين لذلك، ويولون العمال لقبض النذور.

    يعني: أن العوام يرون بعض الملوك المشركين وبعض علماء الشرك وولاة الأمصار يعززون أصحاب القبور، ويذبحون لهم وينذرون لهم، ويؤيدونهم على النذور، أي: يقرونهم على النذور التي ينذرونها، وإن كانوا لا يذبحون لهم ولا ينذرون، لكنهم يقرون من ينذر لهم، وتجد بعض علماء الشرك يأتي إلى صاحب القبر ويشجع الناس قائلاً: إن هذا ينفع ويشفع لكم عند الله، وهو من الصالحين، فيغري الناس بالشرك، فيغتر العامة ويظنون أن هذا حق، وتجد بعض الملوك يولي العمال لقبض النذور؛ لأنهم يستفيدون من هذه الأموال وينفقونها في مصالحهم، فلهذا يشجعون هؤلاء المشركين على النذور، وقد يتولاها كما يقول المؤلف: من يحسنون الظن به من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي. وقد يكون هذا العالم من علماء الشرك، وقاض من قضاة الشرك، ومفت من مفتي الشرك، وشيخ من الصوفية الضلال، فيتم التدليس لإبليس والتلبيس على الناس؛ لأن هذا ممن يفتون بالشرك، وهذا قاضٍ من قضاة الشرك، وهذا عالم من علماء الشرك، وهذا شيخ صوفي، وهذا ملك يولي العمال لقبض النذور، فيغتر العامة ويظنون أن هذا هو الحق، قال المؤلف: فيتم التدليس لإبليس، وتقر عينه بهذا التلبيس، نسأل الله السلامة والعافية، وفق الله الجميع لرضاه، وصلى على محمد وآله.

    1.   

    الأسئلة

    حكم التوسل إلى الله بأعمال الصالحين أو بذواتهم

    السؤال: لو قال رجل: اللهم إني أستغيث إليك بعمل فلان، وهذا المستغاث بعمله ميت، لكنه رجل صالح، فهل يجوز هذا؟

    الجواب: لا تكون الاستغاثة بالعمل، فهل يقصد السائل التوسل؟

    لعل المقصود أنه يتوسل بعمل فلان، وهذا توسل بدعي، وإنما توسل يكون بعملك الصالح أنت، وأما أن تتوسل بعمل فلان فلا؛ لأن عمل فلان له وليس لك، فلا يجوز أن تتوسل بعمل فلان، أو بذاته، فهذا من البدع، ولا يفيدك شيئاً.

    وأما الاستغاثة فلا ترد هنا؛ لأن الاستغاثة معناها: طلب الغوث.

    حكم دعاء الميت فيما يقدر عليه الأحياء

    السؤال: ما هو سبب شرك من دعا الميت دعاء قد يقدر على مثله الحي الحاضر؟

    الجواب: لأن الميت انقطع عمله، وليست عنده القدرة على الفعل، فإذا دعاه داعٍ فإنما دعاه لاعتقاده أنه ينفعه في الشفاعة عند الله، أو في كونه يوصل حوائجه إلى الله، مع أن الميت قد بليت عظامه، ولا يقدر على شيء، بخلاف الحي الحاضر فإن عنده أسباب الفعل، فلا بأس أن تستغيث بحي، كأن يعينك في قضاء الدين، بأن يكتب لك -مثلاً- شيكاً أو يعطيك، وقد لا يعطيك درهماً، فهذا حاضر قادر على الفعل، لكن الميت هل تقول: يا ميت أعطني كذا؟ لن يعطيك.

    فلا يستوي الأحياء والأموات.

    وكذلك دعاء الغائب لا يجوز؛ لأنه لا يسمع، فهو كالميت.

    الفرق بين الطواف حول القبور والمشاهد والطواف حول الكعبة

    السؤال: كيف نرد على من يقول: إن الطواف بالقبور والمشاهد مثل الطواف بالكعبة؛ لأن الكعبة مجرد جماد مثل المشاهد؟

    الجواب: هذا جهل مركب؛ لأن الكعبة إنما نطوف بها عبادة لله؛ لأن الله أمرنا أن نطوف بها، وأن نتجه في الصلاة إليها، وأمر الله المؤمنين بعد الهجرة بعد أن كانوا يتجهون إلى بيت المقدس أن يتجهوا إلى الكعبة، فطوافنا بالكعبة عبادة لله لا عبادة لها، وأما أن تطوف حول القبر فهذا شرك ابتدعته من عند نفسك، فالذي يطوف بالكعبة عبد الله بأمر شرعه، والذي يطوف بالقبر عبد صاحب القبر بأمر لم يشرعه الله، بل صرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله، فكيف يقال: إن الطواف بالقبر مثل الطواف بالكعبة؟ هذا لا يقوله إلا جاهل جهلاً مركباً.

    حكم تدريس كل نوع من أنواع التوحيد على حدة

    السؤال: هل لأحد أن يفرد نوعاً من أنواع التوحيد إذا دعت الحاجة لذلك خاصة عند التبيين، كإفراد توحيد الأسماء والصفات عند تبيينه للناس؟

    الجواب: لا بأس بذلك، كأن يدرس توحيد الأسماء والصفات، أو توحيد الربوبية، أو توحيد الألوهية.

    حكم الصلاة خلف الخوارج

    السؤال: إذا كان الخوارج مبتدعة فهل تجوز الصلاة خلفهم؟

    الجواب: مسألة الصلاة خلف المبتدعة فيها خلاف، فمن اعتقد كفر الخوارج لم يجز الصلاة خلفهم؛ لأن الكافر لا تصح الصلاة خلفه بإجماع المسلمين، وإذا صلى المسلم خلفه يجب عليه أن يعيد الصلاة بإجماع المسلمين، فالذين يكفرون الخوارج يقولون: لا تصح الصلاة خلفهم، والذين لا يكفرون الخوارج ويقولون: إنهم مبتدعة. اختلفوا في حكم الصلاة خلفهم: هل تجوز أم لا تجوز؟ فالأحناف والحنابلة يرون أن الصلاة خلف الفاسق لا تصح، والشافعية والمالكية يرون أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة مع الإثم، هذا إذا لم يكن داعية لبدعته، كأن يكون مستور الحال، لكن الخوارج ليسوا مستوري الحال؛ فلا يصلى خلفهم ولو لم يكونوا كفاراً.

    حكم القيام بالأعمال رياء

    السؤال: إذا أحس شخص أنه يؤدي العبادة رياء، وهذا الإحساس مستمر معه، فهل يكفر بهذا؟ وما نصيحتكم له؟

    الجواب: هذا يجاهد نفسه ولا يكفر بهذا، والرياء الذي يكون من المنافق هو الذي يكفر به، والمنافق هو الذي دخل في الإسلام رياء، والرياء رياءان: رياء أكبر ورياء أصغر، فالأكبر مخرج من الملة، وهو الذي يحصل من المنافق، أي: الذي دخل في الإسلام رياء، وأما المؤمن فالرياء الذي يصدر منه رياء أصغر، وهو شرك أصغر إذا صدر منه في العبادة، كأن صدر منه في الصلاة أو الصيام أو الزكاة، وهذا فيه تفصيل: فإن كان طارئاً ثم دفعه فلا يضره، وإن استمر معه واسترسل حتى نهاية العبادة فهذا لا يجوز له فعله، ومن العلماء من قال: يبطل العمل، ومنهم من قال: يجازى بنيته الأولى، والظاهر: أنه يبطل العمل الذي قارنه، واستمر معه.

    مقارنة هذا الكتاب بكتاب (كشف الشبهات)

    السؤال: يلاحظ تشابه كبير جداً بين هذا الكتاب وكتاب كشف الشبهات، فلعل أحدهما نقل عن الآخر، فما رأيكم؟ ومن هو الناقل عن الآخر؟

    الجواب: أنا قلت هذا، فهذه السلسلة من الشبهات تشبه الشبهات التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب هو الأول، ولكن الشبهات التي ذكرها الشيخ الإمام المجدد في كشف الشبهات هي شبهات معدودة بالأصابع، لكن هي الأصل، وهذه الشبهات متفرعة عنها.

    حكم من علق صنماً أو زناراً

    السؤال: هل القول بعدم كفر من شد الزنار أو علق صنماً كقلادة على صدره من أقوال المرجئة أم من أقوال أهل السنة؟

    الجواب: إذا علق صنماً عن قصد ويعني بذلك التعظيم للصنم فهذا كافر، وكذلك من شد الزنار معتقداً أنه من الكفار ويعتقد عقيدتهم، ويفعل فعلهم، فهذا كافر لاشك في كفره، ومن لم يكفر الكافر أو شك في كفره فهو كافر، وهذا فيه تفصيل؛ لأنه قد يشد الزنار جاهلاً ولا يدري ما حكم هذا الفعل، فإذا بين له تبرأ منه، أي: من شد الزنار، وأما من كان مستحسناً لعمل الكفار، ويرى أنهم على حق، أو يتمنى أنه مثلهم فقد كفر، وكذلك من علق الصنم -ويعلم أنه صنم- معظماً له معتقداً كاعتقادهم فهذا كافر والعياذ بالله.

    الفرق بين الحمد و الشكر

    السؤال: ما هو الحمد الذي يكون بالفعل؟ والحمد الذي يكون بالاعتقاد؟

    الجواب: الحمد الذي يكون بالفعل يكون بقول اللسان كقوله: الحمد لله رب العالمين، والحمد والشكر بينهما عموم وخصوص وجهي، فالحمد: يكون باللسان، والشكر: يكون بالقول وبالفعل وبالقلب، فجميع المحامد كلها لله ملكاً واستحقاقاً، فإذا أثنى على الله وحمده بما هو أهله فهذا هو الحمد جعله لله، وإذا صرف النعم في مرضاة الله فهذا شكر لله بالعمل.

    حكم قولك لآخر: (ادع لي)

    السؤال: هل يجوز أن يقول إنسان لآخر: ادع لي؟

    الجواب: لا بأس أن يقول المسلم لآخر: ادع لي، لكن تركه أولى، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا تطلب من أحد أو لا تقل: ادع لي؛ لأن هذا مكروه، ولا ينبغي أن تحتاج لمخلوق أن يدعو الله لك، إلا إذا قصدت أن الملك يدعو لك؛ لأن من دعا لأخيه بظهر الغيب أجيب دعاؤه، كما جاء في الحديث: (وكل الله ملكاً يقول: ولك مثل ذلك)، فإذا قصدت بذلك أن تنتفع أنت بدعائه وينتفع هو بدعاء الملك فلك ذلك، وأما إذا قصدت نفع نفسك فقط فليس لك ذلك.

    يقول ابن تيمية : لأنه لا ينبغي سؤال الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم بايع بعض الصحابة على ألا يسألوا الناس شيئاً، قال الراوي: وكان هؤلاء الرهط الذين بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم يسقط سوط أحدهم وهو على الدابة فلا يقول لأحد: ناولنيه، بل ينزل ويأخذه حتى لا يحتاج لأحد بقوله: أعطني السوط.

    وأنت ألا تقدر أن تدعو لنفسك؟ وبعض الناس تجده يسرف في هذا، وتجده دائماً يقول: يا فلان ادع لي، وادع لأولادي، فنقول لمثل هذا: ادع أنت لنفسك، فما الذي يمنعك من ذلك؟ فأنت أولى بالدعاء لنفسك من غيرك؛ لأنك عندما تدعو لنفسك يكون الدعاء عن نصح وإخلاص وصدق وحضور قلب، فلهذا دعاؤك لنفسك أولى من أن يدعو لك شخص آخر.

    وفيه أيضاً سؤال للمخلوق والتفات إليه، وهذا يراه شيخ الإسلام مكروهاً وتركه أولى، إلا في حالة واحدة وهي: إذا قصدت أن تنتفع بدعائه لك، وهو ينتفع بدعاء الملك له، فإذا استحضرت هذا زالت الكراهة، وإلا فهو مكروه، هكذا رأى شيخ الإسلام رحمه في كتابه الوسيلة، وكلما كان الإنسان يستغني عن الناس بنفسه فهو أولى، إلا من يسرّه ذلك منه كأن يكون ولداً أو زوجة أو تلميذاً له يسره أن يخدمه فلا بأس.

    وأما بعض الناس فتجده يؤذي غيره، فدائماً يقول لهم: ادع لي، وكلما غفلت يقول لك: ادع لي يا فلان، وتجد بعض الناس وهو جالس دائماً يقول: يا فلان أعطني كذا، أعطني الماء، أعطني العصا، فإذا أعطيته ما طلبه قال: أعطني الحذاء، فإذا أعطيته طلب شيئاً آخر وهكذا، وهو جائز، لكن تركه أفضل. فلا ينبغي للإنسان أن يسأل الناس لغير ما حاجة، أو يحرجهم، وكلما كان التقليل من سؤال الناس والحاجة إليهم فهو أولى، ومن ذلك طلب الدعاء فلا يكثر الإنسان منه؛ لأنه إيذاء للناس وميل بالقلب إليهم.

    حكم من فعل ناقضاً لإسلامه ثم تاب منه

    السؤال: من فعل ناقضاً من نواقض الإسلام ثم تاب منه فهل يقتل ردة؟

    الجواب: من تاب تاب الله عليه، والنصوص واضحة في أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

    حكم الجهل بمسائل الاعتقاد

    السؤال: ما الرد على من يقول: إنه يعذر بالجهل في باب الاعتقاد، مستدلين بحديث الرجل الذي أمر أولاده أن يحرقوه بعد موته؟

    الجواب: الجهل ليس كل أحد يعذر به، فالتوحيد الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه لا يعذر بتركه أحد، فمن فعل الشرك وهو يعيش بين المسلمين كأن دعا غير الله، أو ذبح لغيره لا يعذر، إنما يعذر في هذا أهل الفترات الذين كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وقد بعث الرسول، وقال سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر أحد أن يذبح لغير الله في بلاد المسلمين، ولا يعذر لكونه لا يقبل النصيحة، كأن يصم أذنه؛ لكيلا يسمع الحق والقرآن والنصوص الشرعية، فهذا ليس له عذر، إنما الذي يعذر في المسائل الدقيقة الخفية التي يجهل مثلها، كأن يكون في بلاد بعيدة لم يسمع بالإسلام، أو لم يسمع بأشياء خفية منه، مثل قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه، وفي بعض الروايات أنه طلب من بنيه بعد إحراقه أن يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، وقال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً.

    هذا الرجل قال فيه العلماء: إنه ليس معانداً ولا مكابراً ولا مكذباً ولكنه جاهل، هو يؤمن بالبعث، ويؤمن بقدرة الله، ويعلم أن الله يبعث الناس، ويقول إن الله لو بعثه لعذبه، فيؤمن بقدرة الله، لكنه أنكر كمال تفاصيل قدرته، فظن أنه إذا أحرق وذُر سيفوت على الله فلا يقدر على بعثه، والداعي له في ذلك ليس العناد أو التكذيب، وإنما هو الجهل مع الخوف العظيم، فاجتمع له أمران: جهل وخوف عظيم، فغفر الله له، وأما لو كان مكذباً بالبعث أو عالماً بحرمة فعله أو معانداً لربه فلا ينفعه خوفه منه، هكذا قرر شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم.

    ومن العلماء من قال: إن هذا في شرع من قبلنا، فلا يكون دليلاً على العذر بالجهل في مسائل الاعتقاد، لكن ما قدمناه هو الصواب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755807298