إسلام ويب

شرح رياض الصالحين - ما جاء في عيادة المريضللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً وضعها الشرع الحنيف؛ لتتم الألفة والرابطة الوشيجة بين المؤمنين، فينتج من ذلك مجتمع قوي متحاب متماسك، ومن هذه الحقوق: اتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وفك العاني، وعيادة المريض، وإبرار المقسم، وغيرها.

    1.   

    من حقوق المسلم على أخيه المسلم

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [ كتاب: عيادة المريض، وتشييع الميت، والصلاة عليه، وحضور دفنه، والمكث عند قبره بعد دفنه.

    عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام) متفق عليه.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) متفق عليه ].

    هذا باب من كتاب (رياض الصالحين) يذكر فيه الإمام النووي عيادة المريض، وتشييع الميت، والصلاة عليه، وحضور الدفن، والمكث عند القبر بعد دفنه، وهذه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن، وقد جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم يبين ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب، وأيضاً بذكره أنها من حق المسلم على أخيه المسلم.

    فمن الأحاديث في ذلك حديث البراء رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس.. ) إلى آخر ذلك.

    وما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فيه الخير كله في الدنيا وفي الآخرة، فهو يأمرنا بما يؤلف قلوبنا، وبما يجعل المؤمن يحب أخاه المؤمن، فقد قال لنا صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)، وهذه من خصائص المجتمع المؤمن المسلم، فالمؤمنون يحب بعضهم بعضاً، والمؤمنون يجمعهم الحب في الله سبحانه تبارك وتعالى، والتعاون على البر والتقوى، وتجمعهم الألفة التي في القلوب، ويجمعهم العمل لدار الآخرة، فالمؤمن يحب أخاه المؤمن ولا ينتظر منه أن يعطيه على هذه المحبة أجراً في الدنيا، بل إن المؤمن إذا بذل المال والعون قال: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:9]، وقال: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9] .

    إن المؤمن يبذل ما عنده من نفع لغيره ابتغاء وجه الله سبحانه، والمؤمن مستريح في الدنيا، ولو أنه يبذل نفعه وماله وطعامه وينتظر عليه أجراً من الآخرين لتعب جداً، ولو جلس يتذكر: أعطيت لفلان كذا ولم يعمل لي شيئاً، وزرت فلاناً وما زارني، وأعطيته من مالي ولم ينفعني بشيء، لو تذكر ذلك لتعب الإنسان بذلك، ولكن المؤمن يستريح؛ لأنه ينتظر الأجر من الله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:9]، ولا حتى الشكر، فلا ننتظر منكم الشكر على ذلك، وإنما ننتظر الأجر من الله سبحانه، فالمؤمن قلبه معلق بالجنة يريد أن يدخلها بأي عمل من الأعمال، ولو أنه علق قلبه بالدنيا لأخذته الدنيا، فالدنيا تفتن الإنسان وتغره، وكلما طلب الدنيا ابتعدت عنه هذه الدنيا، ولن ينال منها إلا ما قسمه الله عز وجل له فيها، لذلك فالمؤمن يستريح لأنه يطلب الآخرة، ولا ينسى نصيبه من الدنيا، ولكن لا يجعل قلبه متعلقاً بها، وإذا تعلق بها فلعله ينالها ولعله لا ينالها، لكنه يتعلق بالدار الآخرة، تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ [القصص:83] والآخرة، والعاقبة الحسنة، والجزاء الحسن للمؤمن عند الله لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83] .

    إن المؤمن حين يطيع ربه سبحانه، وحين يطيع رسوله صلوات الله وسلامه عليه لا يبتغي بذلك إلا الدار الآخرة، فإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض فإنك تعود المريض ابتغاء وجه الله سبحانه، وانتظار الأجر من الله سبحانه.

    اتباع الجنازة

    تتّبع الجنازة ابتغاء الأجر من الله سبحانه، ولا تنظر إلى غيرك وتقول: الناس لم يزوروا المرضى فأنا أيضاً ما سأزورهم، والناس لم يمشوا في الجنازة فأنا أيضاً لا أمشي، فلا تنظر إلى غيرك، بل عد المريض، وامش وراء الجنازة، وشمت العاطس ابتغاء الأجر من الله سبحانه، فإذا زرت المريض فإنه يحبك إذا زرته الزيارة الشرعية التي أمرت بها شرعاً.

    وكذلك إذا اتبعت الجنازة فإنك تؤجر من الله سبحانه، وتدخل على قلب أهل الميت السلوى، وتسليهم بذلك، تعزيهم، وينظرون إليك بأنك وقفت بجانبهم في يوم الجنازة، فيفرحون بذلك أنك بجوارهم ويحبونك، فيحب المؤمن أخاه المؤمن لما يبذله له من نفع في الدنيا؛ فيؤجر على ذلك في الآخرة.

    تشميت العاطس

    قوله: (تشميت العاطس)، فإذا عطس الإنسان وقال: الحمد لله فإنك تشمته، وذكرنا معنى التشميت قبل ذلك وقلنا: هو إما من الشماتة، وإما من الشوامت، والشوامت: القوائم، فكأنك ترفعه وتقيمه، فهذا دليل على أنه تعب في هذه العطسة، فالإنسان حين يعطس فبحسب قوة العطسة، فقد يؤذي هذا الإنسان، ولكنه إذا عطس فإنه يحمد الله أنه أبقى عليه بعدما عطس، فأنت تقول له: يرحمك الله، فتشمته، أي: لا زلت قائماً على قوائمك ما وقعت، فتدعو له بأنه يظل قائماً ولا يقع في مرض ولا في غيره، فتدعو له بذلك، فهذا إذا كان مأخوذاً من الشوامت.

    أو من الشماتة كأن تقول له: لا شمت الشيطان فيك، فالشيطان يريد منك أن تقع، وأنا أدعو لك أن يرحمك الله سبحانه تبارك وتعالى ولا يشمت فيك الشيطان، وتشميت العاطس هنا مقيد بأن يحمد الله سبحانه.

    إبرار المقسم

    قوله: (وإبرار المقسم) أي: من البر، فتسدي له خيراً ولا تجعله يحنث في يمينه، فإذا قال: والله إني أريد منك كذا، فتعطيه هذا الشيء طالما أنت قادر عليه، وطالما أنه غير متكلف، فبعض الناس يتكلف ذلك ويستحليه، ففي كل حين يطلب حاجة ويقول: والله أعطني كذا، فمثل هذا لا يستحق الجواب طالما أنه متكلف لذلك وكلما أراد شيئاً حلف عليه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب أصحابه إذا أقسموا وأحياناً لا يجيبهم، فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع إنساناً رأى رؤيا من الرؤى فقال: (والله يا رسول الله! اجعلني أعبرها -أعبر لك هذه الرؤيا التي قالها فلان- فقال: عبرها، فذكر أبو بكر رضي الله عنه التفسير لهذه الرؤيا، وكان من أعبر الناس رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأقسم عليه: هل أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت في أشياء وأخطأت في أشياء، ثم أقسم عليه مرة ثالثة وقال: ما الذي أخطأت فيه؟ فقال: لا تقسم، ولم يخبره).

    وبهذا الحديث يظهر لنا أن الإنسان المقسم من السنة أن تبره، إلا إذا كان يستحلي ذلك ويستمر عليه، ففي كل وقت يحلف الشيء ويأخذه، فهنا لا يقسم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبو بكر رضي الله عنه، وكما قالها لغيره عليه الصلاة والسلام، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الكلام، ونهى عن الإلحاح في السؤال وهو من هذا الباب، فالإلحاح في المسألة ليس من صفات المؤمنين الطيبين كما قال الله تعالى: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، فهؤلاء هم المتعففون، وعكسهم الذين يلحفون في السؤال ويبقى أحدهم يسأل: أريد وأريد وأريد، وبالله عليك أريد كذا، فإذا كان الإنسان ملحاً فلك أن تعطيه ولك أن تمنعه؛ تأديباً له.

    نصر المظلوم

    قال: (ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام) متفق عليه.

    قوله: (ونصر المظلوم)، فمن حق المسلم على المسلم أن ينصره، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، فنصر المظلوم بأن تأخذ له حقه وتعينه على ذلك، ونصر الظالم أن تنصره على نفسه وعلى هواه وعلى شيطانه، وتمنعه من ظلم الغير.

    إجابة الداعي

    قوله: (وإجابة الداعي) هذا من حقوق المؤمن أيضاً، فإذا دعاك إنسان لحفل عرسه، أو إذا دعاك لوليمة، أو إذا دعاك لغير ذلك وأنت تقدر على ذلك وليس عندك عذر فافعل ما طلب منك، فهذا من حق الداعي عليك.

    إفشاء السلام

    قوله: (وإفشاء السلام)، هذا من حقوق المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام بينكم)، ولم يقل: سلم وكفى، ولكن يفشي السلام، فعادة المسلمين أنه إذا التقى المسلم مع أخيه فإنه يسلم عليه، فنعلم بذلك أن هؤلاء تحابوا في الله، فإذا سلمت عليه وردّ عليك فأنت تؤجر وهو يؤجر، وتنزل المحبة على قلبك وقلبه، فلذلك يحسد اليهود المؤمنين على التأمين في الدعاء وفي الصلاة، وعلى التسليم، فلا يحبون أن يسلم المسلمون بعضهم على بعض؛ ولذلك يطلق الناس النكت على كثرة السلام بينهم، ومصادر هذه النكت هم أعداء دين الله سبحانه من اليهود والنصارى والكفار والمنافقين والمقلدين الإمعات من المسلمين، فيقول بعضهم: ما لك تسلم مرة واثنتين وثلاثاً؟ فالإكثار من السلام يقل المعرفة! وهذا عكس ما يقوله النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقد قال: (أفشوا السلام بينكم) صلوات الله وسلامه عليه، والمصيبة أن يجهل المسلمون دين الله ويعرفون ويرددون النكت التي يقولها أعداء دين الله سبحانه!

    إذاً فهذه من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء ، وفي حديث أبي هريرة جعلها حقوقاً للمسلم على المسلم فقال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).

    عيادة المريض

    من الأحاديث في الباب: عن أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يابن آدم مرضت فلم تعدني!)، وهل يعقل أن الله يمرض سبحانه؟ لا، ولكن المعنى الذي يريده هنا هو ما فسره سبحانه لعبده يوم القيامة فقال: (مرض عبدي فلان فلم تعده)، لذلك قبل التفسير يعجب العبد فيقول: (يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!) فقال: (أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟)، فالمقصود: أن الإنسان إذا مرض فالله سبحانه عنده، مع أن الله فوق سماواته، بائن من خلقه سبحانه، وهو عند هذا الإنسان بسمعه وبصره وقدرته ورحمته وإجابة الدعوة، فإذا ذهبت وجدت رحمة الله سبحانه، ووجدت ملائكة الله سبحانه، ووجدت الأجر العظيم من الله سبحانه.

    فيعاتب العبد يوم القيامة: أنت قادر أن تعود فلاناً فلماذا لم تعده وقد كان مريضاً؟ والمريض كما هو معروف قد يحتاج للعواد وهذا الغالب، وقد يكون ممنوعاً من العيادة وهذا في بعض الحالات، وذلك إذا كان الإنسان في حالة حرجة، فهنا يكفي أن تسأل عنه، فيعلم أنك قد سألت عن هذا الإنسان.

    وإذا عدت المريض فلا تثقل عليه ولا تمله، فالمريض قد يحتاج إلى أهل بيته أن يكونوا حوله، فإذا جاءه الضيف فلعله يمله، إذاً فالعيادة تكون بقدر، وإن كانت لا تصح مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنها حكم ومعاني، فقد جاء أن العيادة بقدر فواق الناقة، يعني: بقدر أن يسلم الإنسان وينصرف، فلا يمكث عند المريض فيمله.

    إذاً فزيارة المريض تكون بقدر ما تسلم عليه وتنصرف، فلا تمكث عند المريض إلا إن احتاج إليك، فإن احتاج إليك في شيء فإنك تجلس عنده بقدر حاجته إليك، ولا تمل المريض حتى لا يمل من العيادة.

    قوله: (يقول الله عز وجل: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني) أي: طلبت منك طعاماً فلم تفعل ذلك، (قال: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! فيقول الله عز وجل: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟).

    إذاً طلب منك إنسان محتاج الطعام وهو جائع فأطعمه، فإذا جئت يوم القيامة ولم تفعل عاتبك الله، ويعاتبك إذا كنت قادراً على ذلك.

    يقول: (يا بن آدم! استسقيتك فلم تسقني! فيقول: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! يقول: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه! أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟) رواه مسلم.

    ومعنى ذلك: أنك تبذل ذلك ابتغاء وجه الله، والله يحاسب العبد يوم القيامة فيعاتبه على تقصيره في أداء الواجبات، وأيضاً على حرمان نفسه من الثواب.

    وعيادة المريض قد تجب على الإنسان وقد تستحب للإنسان، فهذا يعاتب وهذا يعاتب، فالإنسان الذي وجبت عليه يقال له: لم لم تفعل هذا وهو واجب عليك أن تصل الرحم؟ فهذا أبوك مريض وأنت لم تذهب إليه، وتشاغلت بالعمل، وتشاغلت بالسفر، فيجب عليك أن تبر أباك، وأن تبر أمك، وأن تبر رحمك، فإن لم تفعل هذا الشيء فإنك ستجازى عليه يوم القيامة.

    والإنسان الغريب ليس واجباً عليه أن يعود إنساناً غريباً لا يعرفه، ولكن لا يقصر في طلب الثواب، فكيف تفرط في هذا الثواب: أن يستغفر لك سبعون ألف ملك؟ ولو استغفروا لك فإن ذلك ينفعك يوم القيامة، ويثقل ميزانك، وتدخل الجنة بذلك، فتعاتب على التقصير في الواجب والفرض، وتعاتب على التقصير في حرمان نفسك من الثواب بالمعاتبة.

    وفي حديث رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني).

    فقوله: (عودوا المريض) أي: اذهبوا للمريض فعودوه طالما أنه يحتاج إليكم، وطالما أن العيادة ترفع من روحه المعنوية، وعيادة المريض تذكره بالآخرة، فأنت تتذكر أن هذا كان سليماً مثلك ثم صار الآن مريضاً، وهذا الأمر -أمر المرض- ليس لإنسان واحد ولكن يدور على الناس، وهو مريض اليوم وأنت مريض غداً، ولا تدري لعل مرضه أخف مما سيأتيك أنت بعد ذلك، فاعمل للمستقبل، واعمل لما يكون أمامك، وإذا ذهبت إليه فإنك تنفس له في الأمل وفي الحياة وتقول له: ربنا يشفيك وترجع أفضل مما كنت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (لا بأس طهور إن شاء الله)، فتنفس له في العمر وفي الأمل، ولعلك تعرف من حال هذا المريض أنه سيموت قريباً، فالأطباء قد عجزوا فلا تقل له: أنت لن تعيش؛ فالأطباء قالوا: إنك في آخر حياتك، كما سمعنا من بعض إخواننا عندما ذهب يزور مريضاً قال له: أنت في آخر حياتك فتب إلى الله عز وجل!! لا تقل له هذا الشيء بل نفس له في العمر، ولا مانع أن تأمره بالتوبة، ولكن لا تقل: ستموت في النهار، وانظروا إلى الشيخ المريض الذي يعلم أنه سيموت في هذا المرض فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور إن شاء الله)، فلما قال الرجل: لا، وما أعجبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (بل حمى تفور، على شيخ كبير، تورده القبور، فقال: فنعم إذاً)، فلم يقل له ذلك إلا لما قال هذا المريض هذا القول، لكن العادة في زيارة المريض أن تدعو له: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك، فلا تجعل المريض يائساً، فيأس المريض يجعله ينسى أمر دنياه وأمر أخراه، ولكن نفّس له، ولا مانع أن تدعوه إلى التوبة إلا إذا دخلت عليه وهو يغرغر ففي هذه الحالة تلقنه الشهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

    فالأصل في عيادة المريض أنك تسلي عليه، وتواسيه، وتدخل السرور عليه، حتى لو كنت عارفاً أنه سيموت الآن فدع أمره إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، وإذا دعوته إلى التوبة أو لقنته الشهادة فعليك بالأسلوب الطيب الذي يقبله المريض، لذلك ينبغي أن الذي يزور الإنسان الذي في مرض الوفاة أن يكون حكيماً حليماً رحيماً عاقلاً، فالإنسان العاقل ينفع، وأما الإنسان الأحمق فإنه يؤذي، فبعضهم يجلس عند المحتضر يقول له: قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله حتى يجعله يضجر من ذلك، ولكن تقول أمامه: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا سمع ذلك ردد وراءك فانتفعت وانتفع هو، وإذا قالها وتكلم بعدها بشيء من كلام الدنيا فاعرضها عليه مرة ثانية، حتى يقولها فيختم له بهذه الكلمة: لا إله إلا الله.

    إطعام الجائع

    قوله: (وأطعموا الجائع) أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الغرفات العالية في الجنة: (يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله في الليل والناس نيام، ويقال له يوم القيامة: ادخل الجنة بسلام) .

    إذاً إطعام الجائع من أسباب دخول الجنة.

    فك الأسير

    قوله: (وفكوا العاني)، العاني: هو الأسير، والمعنى: أن المؤمن إذا أسره الأعداء وأنت تقدر على فكه فإنك تسعى إلى ذلك، ويلزمكم ذلك، ولا يجوز للمسلمين أن يتركوا أسراهم بأيدي الكفار فضلاً عن أن يعينوا الكفار على أن يأخذوا المسلمين من عندهم فيأسرونهم، فالواجب على المسلمين أن يحرروا الأسارى من المؤمنين الذين أسرهم الكفار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفكوا العاني) أي: ادفعوا أموالكم حتى تخرجوه وتحرروه.

    ومن الأحاديث في ذلك حديث لـثوبان رضي الله عنه -والحديث رواه مسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، فقيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: جناها)، والجنى: هو الثمار الناضجة، فالثمرة إذا نضجت فهي الخرفة، وهذا الإنسان في مخرفة، يعني: في بستان فيه ثمار، فأنت إذا عدت المريض فأنت في بستان مثمر من بساتين الجنة.

    وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة -أول النهار- إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عادة عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة) أي: كان له بستان في الجنة، فهذا شيء عظيم جداً.

    الحديث رواه الترمذي ، وهو حديث حسن.

    وعن أنس رضي الله عنه، قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده).

    أي: أن اليهود يعرفون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أرسله أبوه كي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأبوه يعرف أنه رسول ومع ذلك لم يسلم!

    قال: (فقعد عند رأسه)، وهذا يدل على هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فهو يخدم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك عندما مرض زاره النبي صلى الله عليه وسلم، (فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار).

    فلم يسلم اليهودي الأب، وأمر ابنه بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فحمد النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن مَنَّ على هذا بالإسلام، فأنقذه الله عز وجل من النار، ففي هذا عيادة الإنسان المريض سواء كان مسلماً أو كافراً، فإذا كان كافراً عُرض عليه الإسلام كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وعلى اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756194055