إسلام ويب

شرح رياض الصالحين - علامات حب الله تعالى للعبدللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • محبة الله غاية يسعى إليها المتقون، وفيها سعادة الدنيا والآخرة، فمن أحبه الله غفر له جميع ذنوبه، ووفقه في أعمال جوارحه، وأجاب له دعواته، ولن يصل العبد إلى هذه الغاية إلا إذا كان يحب الله أشد من محبته لنفسه وماله وأهله، وأدى الفرائض واتقى المحارم، وأكثر بعد ذلك من التقرب إلى الله بالنوافل.

    1.   

    علامات محبة الله للعبد

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [باب: علامات حب الله تعالى للعبد والحث على التخلق بها، والسعي في تحصيلها.

    قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

    وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري].

    هذا باب من كتاب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي رحمه الله علامات حب الله العبد والحث على التخلق بها.

    وقد ذكرنا في الباب السابق الحب في الله سبحانه تبارك وتعالى، وكيف أن المؤمن يحب إخوانه المؤمنين في الله عز وجل، لا يبتغي من هذه المحبة إلا وجه الله سبحانه تبارك وتعالى.

    ويحرص المؤمن عليها لأنه علم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه) فهو يريد أن يكون الأحب والأقرب إلى الله سبحانه، فيحب في الله سبحانه، وعلم أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، فهو يحب المؤمنين في الله، ويبغض الكفار في الله سبحانه تبارك وتعالى.

    هنا ذكر علامات حب الله تعالى للعبد، فالعبد الذي يحب الله يحبه الله، فما هي العلامات التي تفيد أن هذا الإنسان يحب الله سبحانه تبارك وتعالى؟

    قال الله تبارك وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فمن العلامات اتباع النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    المؤمن يحب كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، ويحرص على الاقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه في كل شيء، هذه المحبة هي التي نفعت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فحرصوا على الاقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، حتى إن ابن عمر كان يركب البعير فإذا بلغ موطناً رأى فيه بعير النبي صلى الله عليه وسلم قد التفت فيه إلى مكان فإذا به يأخذ بلجامه حتى يلتفت في المكان نفسه حباً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليس مأموراً بذلك، ولكن أحب أن يفعل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل في المكان الفلاني نزل وقضى حاجته، فكان يحب أن يصنع كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علم أنه نزل في مكان فصلى فيه أحب أن يصلي فيه كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن الله يحب لهذا العبد الخير، فإذا أحب له الخير فقد أحبه الله تعالى سبحانه تبارك وتعالى.

    وفي الحديث: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فعلامات أن هذا الإنسان يحبه الله ويريد به الخير أن يتفقه في دين الله عز وجل، وأنه يتبع ولا يبتدع في دين الله سبحانه، قال الله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31] فإذا تبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا سيحصل؟ قال: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فالنتيجة محبة الله للعبد، إذا أحب الله العبد يستحيل أن يعذبه وهو يحبه سبحانه تبارك وتعالى.

    كذلك قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] ما هي علاماتهم قال لنا في هذه الآية: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] أربع صفات ذكرها الله عز وجل لهؤلاء الذين يحبهم الله ويحبون الله سبحانه تبارك وتعالى.

    فذكر أنهم أذلة على المؤمنين، يعني: متواضعين رحماء مع إخوانهم المؤمنين، لا يستعرض قوته على أخيه المؤمن، ولا يضايق المؤمنين ويفرح بقوته، وأنه يقدر عليهم حتى وإن كان قوياً فإنه يظهر كأنه ضعيف، متواضع مع المؤمنين، يحب لهم الخير، ولا يظهر لهم قوته ولا يظهر لهم أنه أفضل منهم، قال الله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].

    وهنا العزة على الكافرين تعني الشدة، فيظهر المسلم قوته على الكافرين في الجهاد في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، وفي تأديب هؤلاء إذا كانوا ينالون من أحد من المؤمنين، أو من دين الله سبحانه تبارك وتعالى.

    إذاً: هؤلاء أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فجهادهم ليس لمصلحة دنيوية، وإنما يبتغون به وجه الله سبحانه، يبتغون بذلك إحدى الحسنيين إما النصر، وإما الشهادة.

    وهم في ذلك لا يخافون لومة لائم، يأمرون بالمعروف ولا يخافون أحداً من الخلق؛ لأنهم يأمرون بأمر الله سبحانه، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في ذلك أن يلومهم أحد، تراهم قوامين على أنفسهم، وقوامين لدين الله سبحانه تبارك وتعالى، شهداء بالحق ولو على الأنفس، أو على الوالدين، أو على الأقربين، فهم مقيمون لشرع الله سبحانه على أنفسهم، وعلى غيرهم، ولا يخافون لومة لائم، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] ذلك الذي هدى الله عز وجل عباده هؤلاء إليه من فضله العظيم سبحانه تبارك وتعالى.

    ولذلك أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] الهدى من الله سبحانه تبارك وتعالى، ليس لأحد، فضل على أحد وإنما المنة والفضل لله سبحانه تبارك وتعالى على جميع الخلق.

    1.   

    شرح حديث: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)

    أفضل القربات الفرائض

    روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).

    ولي الله عبد لله سبحانه تبارك وتعالى، يحب الله ويحبه الله، فينصره الله سبحانه لأنه ينصر دين الله، وهو يتولى الله ولا يتولى أحداً إلا الله، وليس لأحد ولاية على هذا الإنسان إلا الله سبحانه تبارك وتعالى.

    قال الله في كتابه: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] ما هي صفة هؤلاء الأولياء؟ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] الإيمان والتقوى صفة ولي لله، يؤمن بالله عز وجل، ويتقي غضب الله، يأمر الناس بما أمر الله عز وجل به، وهو يفعله، وينهى الناس عما نهى الله عز وجل عنه، وهو ينتهي عنه.

    فكل من آمن بالله عز وجل واتقى الله سبحانه، ونفذ ما أمر الله به، وابتعد عما نهى الله عز وجل عنه؛ فهو ولي لله سبحانه تبارك وتعالى، وهذه ليست صفات مستحيلة، ولكنها صفات سهلة على من يسرها الله عز وجل عليه.

    قال الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) أي: أعلمته بالحرب، فالله تعالى يحارب هذا الذي يعادي ولياً من أولياء الله سبحانه!

    قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).

    أفضل شيء تتقرب به إلى الله الفرائض، مثل الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة التي فرضها الله سبحانه تبارك وتعالى، وتوحيد الله سبحانه في كل أمورك وعباداتك وتقربك، فلا يشوب ذلك الشرك بالله سبحانه تبارك وتعالى، والمتابعة للنبي صلوات الله وسلامه عليه.

    فما فرضه الله عليك في كتابه أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ففعله أحب ما تتقرب به إلى الله سبحانه.

    فإذا التزم العبد بالفرائض وفقه الله عز وجل للنوافل، قال هنا: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

    إذا جاء بالفرائض التي يحبها الله تعالى، ولم يزل يزداد من النوافل فإنه يصل إلى أن يحبه الله سبحانه تبارك وتعالى.

    والفرائض تكملها النوافل، وهي إما راتبة أو مطلقة، فالمؤمن يصلي لله عز وجل فيحافظ على الفرائض، فيصلي صلاة الفجر، وقبلها يصلي ركعتين وهما سنة الفجر القبلية، ويصلي الظهر ويصلي قبلها ركعتين وبعدها ركعتين، أو قبلها أربعاً وبعدها أربعاً، ويصلي العصر ويصلي قبلها ركعتين أو أربعاً، ويصلي المغرب ويصلي بعدها ركعتين، ويصلي العشاء ويصلي بعدها ركعتين، ويصلي إحدى عشرة ركعة يوتر بها أو ثلاث عشرة ركعة يوتر بها.

    فيتقرب إلى الله بالرواتب ثم يتقرب إلى الله عز وجل بنفل مطلق، فيصلي من الليل ما شاء الله عز وجل له أن يصلي، ويصلي في النهار صلاة الضحى وغيرها، وكلما ازداد من النوافل كان أقرب إلى رب العزة سبحانه تبارك وتعالى، وأكرمه الله عز وجل بذلك.

    الولي يسمع ويبصر ويتحرك بالله تعالى

    قال: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها).

    هذا الإنسان الموفق لا يكتسب شيئاً إلا الشيء الذي يحبه الله عز وجل، فهو بالله يسمع، يعني: بتقدير الله عز وجل صمت أذناه عن المنكر فلم يسمعه ولم ينتبه له، واستمع الخير ففتح الله سمعه ووعيه وقلبه، حتى: يستفيد من ذلك، ففتح له سمعه ليستمع إلى الخير، وينتفع بالخير الذي سمعه، وكم من إنسان يسمع الخير، ولا يقدر أن يعمل بما سمع، ولكن هذا الولي الذي يحبه الله فتح الله عز وجل سمعه فجعله يسمع، فبالله يسمع، وبالله يبصر، وبالله يبطش، وبالله يمشي، فإذا نظر رأى الخير، وإذا رأى المنكر غض طرفه وبصره عن ذلك، فبالله عز وجل نظر، وبقدرة الله عز وجل أبصر، وبهدى الله غض بصره عما حرم الله تبارك وتعالى، قال في الحديث: (فبي يسمع وبي يبصر) قال: (ويده التي يبطش بها).

    البطش هو الإمساك باليد، فيقدره الله عز وجل على ذلك، فيمسك بسيفه ويضرب به أعداء الله، قال سبحانه: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].

    فهل يعقل أن الإنسان يأخذ حفنة من التراب بيديه ثم يلقيها على الكفار، فتعمى أعين هؤلاء؟ لا يقدر أي إنسان أن يفعل ذلك، ولكن إذا أراد الله شيئاً قال له كن فيكون؛ فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ قبضة من التراب أو من الحصى ويلقيها على الكفار في خروجه من بيته مهاجراً، فإذا بالله يعمي هؤلاء بهذا التراب الذي وضع على رءوسهم، ولم يقدر أحد منهم أن يزيله عن رأسه.

    وفي يوم حنين يأخذ النبي عليه الصلاة والسلام حفنة من التراب ويلقيها عليهم ويقول: (شاهت الوجوه)، ويقتحم صلى الله عليه وسلم عن بغلته، وينزل إلى هؤلاء ويقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) صلوات الله وسلامه عليه، وكان هذا في موطن يفر فيه الشجعان، فإن جيش النبي صلى الله عليه وسلم انهزموا وهم اثنا عشر ألف رجل، ولم يبق معه إلا سبعون رجلاً من آل بيته ومن كبار أصحابه صلوات الله وسلامه عليه، يواجهون عشرة آلاف من الكفار الذين امتلئوا بالحقد على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقبلوا بالسيوف وبالرماح، وهو يتقدم ويقول: (أنا النبي لا كذب) صلوات الله وسلامه عليه، ويلقي عليهم كفاً من حصى فيعميهم الله، ويفرون من النبي صلى الله عليه وسلم، فهل الحصى تجعل هؤلاء يفرون أو هو قضاء الله وقدرته وفضله سبحانه تبارك وتعالى؟ قال الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].

    صحابي صغير في جسمه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبو اليسر رضي الله تبارك وتعالى عنه يأسر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، والعباس رجل طويل جسيم قوي شجاع رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكان مع المشركين، وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت مسلماً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كان ظاهرك علينا، قد كنت في صف المشركين)، فيأسره هذا الصحابي، ويأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    فيعجب العباس ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس هذا أسرني، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي اليسر : (قد أعانك الله عز وجل عليه بملك كريم) فما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، فيقدر الله عز وجل من يشاء من خلقه على من يشاء سبحانه وتعالى.

    وقد نصر الله المؤمنين الذين كانوا ضعفاء أذلة في يوم بدر فقال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123].

    قال: (وكنت يده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) فلا يمشي إلا إلى معروف، يمشي في طاعة، يمشي ليعمل الخير، يمشي لعيادة مريض، يمشي لتشييع جنازة، يمشي لصلاة فريضة أو صلاة نافلة، يمشي لأمر بمعروف أو نهي عن منكر، فهو يمشي بتوفيق الله عز وجل، ويقدره الله أن يمشي إلى الخير، ويبتعد عن الشر، فالله هو الذي يقدره على أن يمشي إلى الخير، وأن يمتنع عن الشر.

    إجابة الله تعالى دعاء أوليائه

    قال: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه).

    إذا سأل الولي الله وقال: يا رب أعطني كذا، فالله سبحانه وتعالى يعطيه.

    وإذا آذاه مخلوق فاستعاذ بالله، أعاذه الله سبحانه؛ لأنه ولي لله تبارك وتعالى.

    الإنسان المؤمن الذي يسمع هذا الحديث يحب أن يكون من أولياء الله الذين لا خوف عليهم يوم القيامة، ولا هم يحزنون، وكذلك هم في الدنيا لا يحزنون على شيء يفوتهم من الدنيا، فهم واثقون بالله سبحانه، وهم مطمئنون لرحمة الله سبحانه تبارك وتعالى، فيسألون الله فإذا أعطاهم فرحوا، وإذا منعهم فرحوا.

    علموا أن في عطائه فضلاً من الله سبحانه، وفي منعه حكمة من الله، ففي كل الأحوال يسألون الله، وهم يعلمون أنه إن لم يعطهم في الدنيا ادخر لهم ثواب الدعاء يوم القيامة، وهم واثقون في الله سبحانه ولا يستعجلون، وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

    1.   

    محبة أهل السماء والأرض لمن يحبه الله

    في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض).

    هذه من علامات حب الله عز وجل للعبد المؤمن الصالح: أنه يحبه وأنه يأمر جبريل أن يحبه، فيوضع له القبول في الأرض، فيحبه أهل الأرض الصالحون، فإذا رأوه يحبونه لكونه مؤمناً، يحبونه لصلاحه، يحبونه لأنهم لا يرون فيه رياءً ولا حباً للسمعة، ولا حباً للشهرة، ولا يرون فيه تكلفاً.

    والمرائي له بغض في قلوب الناس، فإذا أبغض الله العبد جعل البغضاء له في قلوب الناس، ولذلك جاء في صحيح مسلم : (إذا أبغض الله عز وجل عبده دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض) أينما ذهب فالناس لا يحبونه، ولا يبالون بالكلام الذي يقوله.

    إذاً: من علامات بغض الله عز وجل للعبد أنه لا أحد يستريح إليه حتى ولو كلمهم بخير، ففي قلوبهم منه وحشة، وأسلوبه صعب، وهو فظ في كلامه، وفيه خشونة، وفيه استكبار وتعال على الخلق، فلا يحبه الخلق.

    فمن علامات بغض الله عز وجل للعبد: أن يبغضه المؤمنون ويتقيه الناس، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره)، فإذا وصل الإنسان إلى هذه الدرجة فهو من شر خلق الله عز وجل.

    لكن قد يوجد إنسان من الصالحين، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فعندما يذهب إلى أصحاب المنكر وينصحهم فهم لا يريدون أن يكلمهم؛ لأنه يقول: صلوا وصوموا، فهذا غير مذموم، المذموم من يتقيه الناس من شره، فيجاملونه مخافة شره، فهذا الإنسان من شر خلق الله عز وجل.

    1.   

    شرح حديث: (أخبروه أن الله يحبه)

    من أحاديث الباب حديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟).

    يعني: كان أميراً عليهم، فكان يصلي بهم فيقرأ بآيات ثم يختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فأنكروا عليه وقالوا: إما أن تقرأ بها وحدها وإما أن تقرأ بغيرها، لماذا تعمل هذا الشيء؟! فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك، ولكن الرجل من شدة حبه لهذه السورة كان يفعل ذلك!

    فلما سأله النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله تعالى يحبه).

    فهذا الصحابي طغى حبه لهذه السورة على غيرها، وغيره يحب القرآن كله، وينتفع بكل ما في القرآن، ولكن هذا أحب صفة الله المذكورة في هذه السورة؛ فالله عز وجل أحبه لحبه لسورة واحدة، فكيف بمن أحب القرآن كله؟ لا شك أنه أعظم وأعظم من هذا.

    هذا تأمل في سورة واحدة منها صفات للرحمن سبحانه تبارك وتعالى، وربنا سبحانه وتعالى أمرنا بتدبر القرآن فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

    فإذا كان الإنسان الآن يعمل مثل هذا الصحابي فنقول: اعمل مثل النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه فهو أولى من اتباعك لهذا الصحابي، فهذا تدبر سورة واحدة فيها صفات الله سبحانه تبارك وتعالى، ولكن الله عز وجل أمرنا بتدبر القرآن كله، فتدبر القرآن كله، تدبر الفاتحة التي تقرؤها، وكيف أنك تخاطب الله سبحانه تبارك وتعالى وأنت تقرؤها كما في الحديث: (إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الرب سبحانه: حمدني عبدي، فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال الله سبحانه: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال الله سبحانه: مجدني عبدي، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل).

    إذاً: الفاتحة فيها صفات لله سبحانه تبارك وتعالى: الله الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والذي يتأمل سيجد في كل القرآن مثل ذلك، فالمؤمن عليه أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويحب كتاب الله، ويحب سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويرجو حب الله. وحب الله غاية عظيمة يدركها الإنسان بفضل الله سبحانه، ولا يوجد إنسان يقول: يا رب إني أحبك وربنا يحرمه من ذلك، ربنا سبحانه تبارك وتعالى أكرم، قال لعباده العاصين: توبوا لأتوب عليكم، فإن كنت تريد حب الله سبحانه تبارك وتعالى فاعمل لذلك، والفضل من الله عز وجل يمن به على عباده.

    فلذلك يتقرب المؤمن إلى الله عز وجل ويرجو حب الله ويرجو أن يكون الله سبحانه تبارك وتعالى معه في قيامه.. في قعوده.. في نومه.. في سجوده، في كل وقت يرجو أن يكون الله عز وجل معه، فلذلك يعمل لذلك، ومستحيل أن يتقرب العبد إلى الله ويرجو وجه الله فيبعده الله سبحانه تبارك وتعالى، الله الكريم يعطي على إحسان العبد إحساناً وزيادة على الحسنى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، فاعمل لله سبحانه وارج فضل الله سبحانه الذي لا يبخل به على أحد أبداً، وفضل الله عظيم.

    نسأل الله من فضله ورحمته، ونسأله حبه ومحبته.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755894914