إسلام ويب

تفسير سورة الزمر من الآية [1 - 2]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة الزمر من أعظم السور المكية، وفيها نفي الشرك وإثبات التوحيد، وذكر الدلائل على بطلان الشرك وذكر أدلة التوحيد، فهي سورة كافية شافية في أمر التوحيد والإيمان.

    1.   

    بين يدي تفسير سورة الزمر

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الزمر: بسم الله الرحمن الرحيم: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:1-6].

    هذه السورة التاسعة والثلاثون من كتاب ربنا سبحانه وتعالى وهي سورة الزمر، وسورة الزمر من السور المكية، قيل: إلا بعض الآيات منها نزلت في المدينة، والراجح: أن جميع آيات هذه السورة آيات مكية.

    وعدد آياتها: خمس وسبعون آية، واختلف علماء العد في هذه الآيات، فذهب من عد من الحجازيين والبصريين إلى أن عدد الآيات فيها: اثنان وسبعون آية، وفي العد الشامي: ثلاث وسبعون آية، وعد الكوفيين: خمس وسبعون آية، وكما ذكرنا قبل مراراً: أن علماء القرآن في عدهم الآيات ينظرون أين وقف النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون وقوف النبي صلى الله عليه وسلم على الفاصلة وهي رأس الآية، وقد يقف النبي صلى الله عليه وسلم على موضع من المواضع فيكون رأس آية عند بعض علماء القرآن، ولا يكون رأس آية عند البعض الآخر، فهذا سبب الخلاف.

    ففي قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، فقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ غير الكوفيين يعتبرون هذه رأس آية، وعند الكوفيين ليست رأس آية، وإنما ما بعدها إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ .

    وعد الكوفيين قوله سبحانه: دِينِي [الزمر:14] هذه رأس آية.

    وقوله تعالى: فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23] رأس آية، وقالوا: قوله تعالى: فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ جاءت مرتين: والمرة الثانية عدوها رأس آية.

    وكذلك قوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الزمر:39] ، مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] عدها الكوفيون والدمشقيون ولم يعدها غيرهم.

    وقوله: فَبَشِّرْ عِبَادِي [الزمر:17] تركها المكي والمدني الأول في هذه السورة، وعد مكانها: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الزمر:20] إذاً: هنا لا نقول: عدوا اثنين وسبعين آية، أو عدوا ثلاثاً وسبعين آية، أو عدوا خمساً وسبعين آية، بل هي موضع الوقف، أين وقف النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالبعض يقول: وقف في هذا الموضع، إذاً: هذا رأس آية، والبعض الآخر يقول: لا، وقف هنا لانقطاع النفس وليس رأس الآية، وإنما رأس الآية التي بعدها، والآيات هي نفسها آيات هذه السورة، ولكن الخلاف أين وقف؟ فالاختلاف في ذلك.

    خصائص سورة الزمر

    سورة الزمر من السور المكية، وتتميز هذه السورة العظيمة بالخصائص المكية، وهذه السورة نزلت بعد سورة سبأ وقبل سورة غافر، هذا في ترتيب النزول، وحسب ترتيب نزول السور على النبي صلى الله عليه وسلم تعد هذه السورة هي التاسعة والخمسون، يعني: في ترتيب عد نزول السورة على النبي صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: حين نقول: ترتيب النزول هذا شيء، وترتيب المصحف شيء آخر، فترتيب المصحف ليس على ترتيب نزول السور، ولا على ترتيب نزول الآيات، فقد تنزل السورة قبل السورة، إذْ السورة موضعها في كتاب الله عز وجل ليست على ترتيب نزولها، إذاً: ترتيب السور في القرآن توقيفي على ما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل في آخر عرضة عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الترتيب الذي عندنا في كتاب الله سبحانه وتعالى، فكانت تنزل سورة، وتنزل آيات، فيقال له: ضعها في موضع كذا من سورة كذا، وتنزل آيات، فيقول: ضعها في موضع كذا من سورة كذا، فلما أتم الله عز وجل هذا القرآن العظيم عرضه جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم مرتين في آخر عرضة عرضها عليه، وكان ذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، في آخر رمضان صامه النبي صلى الله عليه وسلم وقامه فكان على هذا الترتيب الذي بين أيدينا.

    سورة الزمر سميت بسورة الزمر؛ لأن (كلمة (زمراً) ذكرت فيها.

    وذكر الإمام القرطبي وتبعه غيره ممن بعده من المفسرين أنها تسمى بسورة الغرف أيضاً لكون هذه الكلمة ذكرت فيها فسميت بذلك، وهذا من قول وهب بن منبه.

    والتسمية بالزمر كانت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت السيدة عائشة تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السورة قبل نومه، فجاء في سنن الترمذي من حديث أبي لبابة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام على فراشه حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر) حتى يقرأ بني إسرائيل، أي: سورة الإسراء، فهي تسمى بسورة بني إسرائيل، وبسورة سبحان؛ لأنها بدأت بذلك، فكان إذا أراد أن ينام صلى الله عليه وسلم وهو على فراشه قرأ سورة سبحان، أي: سورة الإسراء، وقرأ أيضاً سورة الزمر صلوات الله وسلامه عليه، وليس دائماً ولكن أحياناً كان يقرأ هذا، وأحياناً كان لا ينام حتى يقرأ سورة: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] ، ويقرأ سورة: الم * تَنزِيلُ [السجدة:1-2] إذاً: كان أحياناً يقرأ هذه، وأحياناً يقرأ هذه، وجاء عنه أنه كان يقرأ سوراً قبل أن ينام منها: المسبحات يعني: كل السور التي بدأت بسبحان، سبح، ويسبح.

    إذاً: سبع سور كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ينام ويخبر أن فيها آية من أعظم الآيات.

    هذه السورة مكية، وفيها خصائص السور المكية، وهي: أمر ترسيخ العقيدة في القلوب؛ لأن القرآن المكي ليس فيه أحكام كثيرة، فالأحكام كانت في المدينة، ففي المدينة نزلت الأحكام الشرعية والفقهية على النبي صلى الله عليه وسلم، في العبادات والمعاملات وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل، هذه كلها في المدينة، لكن في مكة كان الاهتمام بالتربية، بأن ينشأ المسلمون على العقيدة، ويمتلئ القلب بنور الدين وبنور الإيمان، فهنا ترسيخ أمر العقيدة، ونفي الشرك عن القلوب.

    إذاً: هنا كانوا قريب عهد بشرك وهم في مكة، فكان القرآن ينزل عليهم ليعلمهم توحيد الله سبحانه، ويرسخ ذلك في قلوب المؤمنين، فأغراض هذه السورة هي أغراض السور المكية، وترتيب أمر التربية الأهم ثم ما هو مهم بعد ذلك، فأهم الأشياء نفي الشرك من قلوبهم، وإثبات وتقرير التوحيد في القلوب، فبدأت هذه السورة بالإشارة تنويهاً إلى شأن هذا القرآن العظيم، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم.

    إذاً: القرآن العظيم نزل من عند الله، وأشار في مواضع من هذه السورة العظيمة إلى هذا القرآن، سواء قال: القرآن، أو قال: الكتاب، أو أشار إليه بالضمير في مواضع، يشير إلى هذا القرآن كيف يتعامل معه المؤمنون حين يسمعون هذا القرآن، قال تعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23] فقد بدأ الله هذه السورة بالإشارة والتنويه إلى عظمة هذا القرآن الذي نزل من عند الله سبحانه، وفي هذه السورة إثبات تفرد الله سبحانه وتعالى بالألوهية، وأنه وحده الذي يستحق ذلك، وإبطال ما كان عليه المشركون من شرك بالله سبحانه وعبادة غيره، وإبطال ما يتعللون به من كلام فارغ باطل حين يسألون: لم تعبدون هذه الأصنام من دون الله؟ فيقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فيكذبهم الله عز وجل فيما يقولون في هذه السورة وفي غيرها.

    كذلك فيها نفي ما كانوا عليه من ادعاء أن الله عز وجل اتخذ الولد، تعالى الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، ففيها نفي هذا الشرك بالله سبحانه وأن يكون يتخذ ولداً، قال تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [الزمر:4] حاشا له أن يكون له الولد سبحانه! ولكنه الله الذي خلق كل شيء، ولو أراد أن يكون له ولد سبحانه وتعالى لاصطفى من خلقه ما يشاء ووصفه بذلك، أما أنه يتناسل كالبشر حاشا له سبحانه وتعالى، فالبشر بعجزهم يحتاجون لبقاء نوعهم في هذا الكون، فيحتاجون لذلك، فالرجل يحتاج للمرأة، والاثنان يحتاجان للولد، لأن هذا يصير شيخاً، وهذه تصير عجوزاً، فتقل القوة والقدرة، وهذا يموت وتموت هذه، فيبقى النسل امتداداً للوالد وللوالدة، ولكن الله سبحانه هو الحي الذي لا يموت، والباقي أبداً سبحانه وتعالى، من الأزل وإلى الأبد سبحانه وتعالى، لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد سبحانه وتعالى، فلذلك الله هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ولو كان له ولد سبحانه وتعالى لكان فيه صفات الربوبية وصفات الإلهية، ولكان محتاجاً أن يكون له ولد، ويعجز هذا الأب طالما أنه احتاج إلى أن يكون له ولد في يوم من الأيام، فالله لا يحتاج إلى شيء، ولا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، والذي يحتاج إلى الولد هو المخلوق، أما الخالق فهو متعال عن ذلك سبحانه.

    في هذه السورة الاستدلال على وحدانية الله سبحانه، وأنه الواحد سبحانه وتعالى الذي لا شريك له، ويذكر لنا الدلائل على ذلك، بأنه خلق السموات والأرض سبحانه وتعالى، وخلق الإنسان من هذه النطفة، وأنزل لنا سبحانه وتعالى ثمانية أزواج من هذه الأنعام.

    كذلك يذكر لنا التطور العجيب في خلق الإنسان من نطفة أمشاج سبحانه وتعالى، وطوره إلى أن كان جنيناً في بطن أمه ونزل طفلاً، ثم صار بالغاً، ثم صار شيخاً، فأطوار خلق هذا الإنسان ينبهنا على أن هذا الإنسان كان ضعيفاً ويصير في النهاية إلى الموت بعدما يكون شيخاً كبيراً.

    أيضاً: فيها الاستدلال من فعل هؤلاء المشركين على حاجتهم إلى الله سبحانه وتعالى، طالما أنت محتاج إلى الله تقول: يا رب يا رب، قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر:8] ، فالإنسان محتاج إلى الله سبحانه، يجأر إليه في وقت الضر فيقول: يا رب يا رب، فطالما أنك محتاج إلى الله فلماذا لا تعبده في كل وقت؟ وما الداعي لأن تشرك به سبحانه وتعالى؟

    كذلك فيها الدعوة إلى التدبر في هذا القرآن، قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23] هذه دعوة للتدبر في هذا القرآن، والله نزل أحسن الحديث؛ إذ كانوا يسمعون الأحاديث من العرب، كانوا يسمعون أخبار الفرس وغيرهم والنوادر والحكايات، وكانوا يقولون الأشعار، فيخبرهم الله أن أحسن حديث عندكم هو كتاب الله سبحانه وتعالى، نزله الله يشبه بعضه بعضاً في الحسن والإتقان والإحكام، ليس فيه أننا نقول: هذه الآية محكمة ومتقنة وهذه الآية ليست كذلك، بل كل القرآن على هذا المستوى الراقي العالي المعجز للخلق جميعهم، فيتحدى الله خلقه بالقرآن كله، أو ببعض هذا القرآن أن يأتوا بسورة من مثله فلا يستطيعون، فهو متشابه في الحسن وفي الجمال وفي الإتقان، وفي الإحكام وفي الإعجاز كله يشبه بعضه بعضاً في ذلك.

    وهو مثانٍ يكرر الله عز وجل فيه التثنية، ويكرر فيه الحكم والمواعظ والقصص على نحو عجيب فريد، فتسمع القصة في سورة فتعجب لجمالها، فتسمعها في سورة أخرى فتتعجب كيف يتنوع الأمر والسورة والقصة واحدة مذكورة هنا ومذكورة هنا، ومذكورة هنا! وفي كل موضع توافق السورة ولا تخالفها في هيئتها وتجد فيها من الحكم الشيء العظيم.

    كذلك في هذه السورة تنبيه الناس إلى كفرهم بالله سبحانه، وعدم شكرهم نعمته، يعطيهم الله النعم فلا يشكرونه سبحانه وتعالى، فينبههم إلى أن يشكروا الله؛ لأن الإنسان الذي يشكر الله يشكر نفسه، والنفع يعود إليه، والضر ليس على الله وإنما ضره عليه.

    كذلك فيها المقابلة بين حال أهل التوحيد، وبين حال أهل الشرك، كيف أن أهل التوحيد استحقوا دخول الجنة، قال تعالى: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [إبراهيم:23]، وأدخل الذين كفروا نار جهنم والعياذ بالله، هذا مآل المؤمنين، وهذا مصير الكافرين.

    كذلك فيها التحذير مما حل بالأمم السابقة، وهذه من خصائص السور المكية، فالله سبحانه يحذر الناس أن يحل بهم من العقوبات ومن المثلات ما حل بالذين من قبلهم.

    كذلك يعلم الله عز وجل المشركين في هذه السورة أنه لا يعبأ بهم سبحانه وتعالى، فليس لهم عند الله سبحانه وتعالى منزلة إلا أن يعبدوه وحده لا شريك له؛ فإذا كانوا هم وأصنامهم وشركاؤهم لا قيمة لهم إلا بأن يوحدوا الله وأن يدخلوا في دين الله، ففيها أنه يتحدى هؤلاء فيدخلهم يوم القيامة النار، قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71] .

    إذاً: أدخل الذين كفروا إلى النار زمراً وأفواجاً، فإذا دخلوا النار بكتوا بهذا الذي يقوله لهم ربهم، وتقوله لهم ملائكة الله سبحانه، وجوزوا يوم القيامة بما أنكروه في الدنيا، فقد أنكروا البعث، وأنكروا الحساب والجزاء، فجوزوا بذلك يوم القيامة، وهذا كله في سياق هذه السورة وغيره كثير مما نراه في هذه السورة المكية العظيمة.

    أدلة وحدانية الله في سورة الزمر وبعض ما ذكر فيها

    في هذه السورة الاستدلال على وحدانية الله سبحانه، وأنه الواحد سبحانه وتعالى الذي لا شريك له، ويذكر لنا الدلائل على ذلك، بأنه خلق السموات والأرض سبحانه وتعالى، وخلق الإنسان من هذه النطفة، وأنزل لنا سبحانه وتعالى ثمانية أزواج من هذه الأنعام.

    كذلك يذكر لنا التطور العجيب في خلق الإنسان من نطفة أمشاج سبحانه وتعالى، وطوره إلى أن كان جنيناً في بطن أمه ونزل طفلاً، ثم صار بالغاً، ثم صار شيخاً، فأطوار خلق هذا الإنسان ينبهنا على أن هذا الإنسان كان ضعيفاً ويصير في النهاية إلى الموت بعدما يكون شيخاً كبيراً.

    أيضاً: فيها الاستدلال من فعل هؤلاء المشركين على حاجتهم إلى الله سبحانه وتعالى، طالما أنت محتاج إلى الله تقول: يا رب يا رب، قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر:8] ، فالإنسان محتاج إلى الله سبحانه، يجأر إليه في وقت الضر فيقول: يا رب يا رب، فطالما أنك محتاج إلى الله فلماذا لا تعبده في كل وقت؟ وما الداعي لأن تشرك به سبحانه وتعالى؟

    كذلك فيها الدعوة إلى التدبر في هذا القرآن، قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23] هذه دعوة للتدبر في هذا القرآن، والله نزل أحسن الحديث؛ إذ كانوا يسمعون الأحاديث من العرب، كانوا يسمعون أخبار الفرس وغيرهم والنوادر والحكايات، وكانوا يقولون الأشعار، فيخبرهم الله أن أحسن حديث عندكم هو كتاب الله سبحانه وتعالى، نزله الله يشبه بعضه بعضاً في الحسن والإتقان والإحكام، ليس فيه أننا نقول: هذه الآية محكمة ومتقنة وهذه الآية ليست كذلك، بل كل القرآن على هذا المستوى الراقي العالي المعجز للخلق جميعهم، فيتحدى الله خلقه بالقرآن كله، أو ببعض هذا القرآن أن يأتوا بسورة من مثله فلا يستطيعون، فهو متشابه في الحسن وفي الجمال وفي الإتقان، وفي الإحكام وفي الإعجاز كله يشبه بعضه بعضاً في ذلك.

    وهو مثانٍ يكرر الله عز وجل فيه التثنية، ويكرر فيه الحكم والمواعظ والقصص على نحو عجيب فريد، فتسمع القصة في سورة فتعجب لجمالها، فتسمعها في سورة أخرى فتتعجب كيف يتنوع الأمر والسورة والقصة واحدة مذكورة هنا ومذكورة هنا، ومذكورة هنا! وفي كل موضع توافق السورة ولا تخالفها في هيئتها وتجد فيها من الحكم الشيء العظيم.

    كذلك في هذه السورة تنبيه الناس إلى كفرهم بالله سبحانه، وعدم شكرهم نعمته، يعطيهم الله النعم فلا يشكرونه سبحانه وتعالى، فينبههم إلى أن يشكروا الله؛ لأن الإنسان الذي يشكر الله يشكر نفسه، والنفع يعود إليه، والضر ليس على الله وإنما ضره عليه.

    كذلك فيها المقابلة بين حال أهل التوحيد، وبين حال أهل الشرك، كيف أن أهل التوحيد استحقوا دخول الجنة، قال تعالى: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [إبراهيم:23]، وأدخل الذين كفروا نار جهنم والعياذ بالله، هذا مآل المؤمنين، وهذا مصير الكافرين.

    كذلك فيها التحذير مما حل بالأمم السابقة، وهذه من خصائص السور المكية، فالله سبحانه يحذر الناس أن يحل بهم من العقوبات ومن المثلات ما حل بالذين من قبلهم.

    كذلك يعلم الله عز وجل المشركين في هذه السورة أنه لا يعبأ بهم سبحانه وتعالى، فليس لهم عند الله سبحانه وتعالى منزلة إلا أن يعبدوه وحده لا شريك له؛ فإذا كانوا هم وأصنامهم وشركاؤهم لا قيمة لهم إلا بأن يوحدوا الله وأن يدخلوا في دين الله، ففيها أنه يتحدى هؤلاء فيدخلهم يوم القيامة النار، قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71] .

    إذاً: أدخل الذين كفروا إلى النار زمراً وأفواجاً، فإذا دخلوا النار بكتوا بهذا الذي يقوله لهم ربهم، وتقوله لهم ملائكة الله سبحانه، وجوزوا يوم القيامة بما أنكروه في الدنيا، فقد أنكروا البعث، وأنكروا الحساب والجزاء، فجوزوا بذلك يوم القيامة، وهذا كله في سياق هذه السورة وغيره كثير مما نراه في هذه السورة المكية العظيمة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)

    بدأ الله سبحانه وتعالى هذه السورة بقوله: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1] أي: هذا تنزيل الكتاب، أو تنزيل هذا القرآن من عند الله سبحانه العزيز الحكيم، وكلمة تنزيل مصدر نزل تنزيلاً، فنزل القرآن من عند الله، والنزول: الهبوط من أعلى إلى أسفل، فالقرآن نزل وجاء من فوق، فالله عز وجل نزل أحسن الحديث، وهذا دليل من الأدلة الكثيرة على علو الله سبحانه وتعالى وأنه فوق سمواته.

    نزل هذا القرآن كله في ليلة القدر كما قال الله سبحانه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، نزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله وتعالى عنهما ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من وقت أن نزل عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] إلى أن نزل آخر هذا القرآن العظيم، فنزل نجوماً على النبي صلى الله عليه وسلم، أي: مقطعاً؛ يعني: سوراً سوراً أو آيات تنزل على النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    فهذا القرآن نزل من السماء من عند الله، (تنزيل الكتاب)، هذه اللام هنا: للعهد، يعني: هذا الكتاب المعهود الذي تعرفونه من الله الإله الذي يستحق أن يعبد، نزل عليكم هذا القرآن، وفيه إشارة إلى أن القرآن نزل لتعبدوا الله سبحانه وتعالى العزيز الحكيم.

    (الله): لفظ الجلالة ومعناه: المعبود سبحانه، العزيز بمعنى: الغالب القاهر الذي لا يمانع ولا يغالب، الذي إذا قضى شيئاً لابد أن يكون كما أراد سبحانه وتعالى، وهو الحكيم في أقواله.

    والحكيم في أفعاله، والحكيم لها معان كما ذكرنا قبل ذلك، فالحكيم: الذي له الحكمة، والحكيم: الذي له الحكم، والحكيم: الذي يحكم الأشياء ويتقنها في صنعتها سبحانه وتعالى، فهنا الله الحكيم سبحانه وتعالى الذي لا يخرج شيء عن علمه وعن حكمته، كل شيء يدور في هذا الكون ويوجد فيه بحكمة من الله علمها من علمها وجهلها من جهلها، وليس بالضرورة أن يعلم كل إنسان الحكمة في كل أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، ولكن يستيقن المؤمن أن كل شيء يجري بحكمته سبحانه وتعالى.

    إذاً: الله عز وجل الحكيم الذي له الحكمة سبحانه وتعالى، وكل شيء له عند الله عز وجل حكم معينة يعلمها سبحانه، وخلق هذا الشيء من أجلهم.

    والحكيم مأخوذ أيضاً: من الحكم يعني: الذي له الحكم والذي له الأمر، يأمر فلا بد أن يطاع سبحانه وتعالى، إذاً: الحكيم بمعنى: الحاكم أيضاً: الذي له الحكم يحكم بما يريد.

    والحكيم أيضاً: يأتي بمعنى: المحكم، ومحكم بمعنى: متقن، يعني: الذي أتقن كل شيء خلقه سبحانه، وكل خلق من خلق الله عز وجل ينظر إليه الإنسان فيرى من الله سبحانه وتعالى إتقاناً في صنعه لهذا الشيء، في الإنسان.. في الحيوان.. في السماء.. في الجماد.. في النبات، في كل شيء فيه بديع خلق الله سبحانه، وفيه إتقان هذا الصنع منه سبحانه، فهو المحكم سبحانه وتعالى.

    والمحكم أيضاً: المدبر للأمر فيكون على ما أراده سبحانه وتعالى، ولا يخرج شيء عن إرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى.

    إذاً: يحكم الشيء فلا يدخل في إحكامه فساد ولا خلل ولا زلل في خلقه سبحانه وتعالى، فعبر بهذه اللفظة الواحدة الحكيم عن كل هذه المعاني التي ذكرناها، إذاً: نزل القرآن من عند الله الذي هو إله يستحق وحده العبادة الذي هو العزيز الغالب، وإذا علمت أنه العزيز سبحانه فما الذي يدفعك إذا كان ربك سبحانه أنزل القرآن ألا تهتم لأمره، ولا تستجيب له؟

    هو الحكيم سبحانه الذي له الحكمة البالغة، ويكرر: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر:2] إنا: هنا عبر بنون العظمة، فالقرآن العظيم نزل من عند رب العالمين، والله تكلم بهذا القرآن، والله أنزل هذا القرآن، فقال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ [الزمر:2]إلى النبي ليس على غيره وإنما عليه صلوات الله وسلامه عليه جاء هذا القرآن العظيم، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر:2] إذاً: النزول من السماء حقاً، لا يأتي من مكان آخر غير السماء، ونزل متلبساً بالحق، وفي هذا القرآن الحق، فيه الشريعة العظيمة التي يحق الله عز وجل بها الحق ويبطل بها الباطل، وإذا نزل القرآن بالحق فاتبع هذا القرآن، قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] اعبد ربك ولا تشرك به أحداً، وجه وجهك وأخلص قلبك، وامش على صراط الله سبحانه، وأخلص له دينك.

    نسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756345964